﴿ وَإِذْ جَعَلْنَا الْبَيْتَ مَثَابَةً لِّلنَّاسِ وَأَمْنًا وَاتَّخِذُوا مِن مَّقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى ۖ وَعَهِدْنَا إِلَىٰ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ أَن طَهِّرَا بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْعَاكِفِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ﴾
[ البقرة: 125]

سورة : البقرة - Al-Baqarah  - الجزء : ( 1 )  -  الصفحة: ( 19 )

And (remember) when We made the House (the Ka'bah at Makkah) a place of resort for mankind and a place of safety. And take you (people) the Maqam (place) of Ibrahim (Abraham) [or the stone on which Ibrahim (Abraham) stood while he was building the Ka'bah] as a place of prayer (for some of your prayers, e.g. two Rak'at after the Tawaf of the Ka'bah at Makkah), and We commanded Ibrahim (Abraham) and Isma'il (Ishmael) that they should purify My House (the Ka'bah at Makkah) for those who are circumambulating it, or staying (I'tikaf), or bowing or prostrating themselves (there, in prayer).


مثابةً للنّاس : مَرْجِعًا أو ملجأ أو مَجْمَعًا أو موضع ثواب لهم
عهدنا : وصّينا أو أمرنا أو أوحينا . .
بيْتِيَ : الكعبة المشرّفة بمكة المكرّمة

واذكر -أيها النبي- حين جعلنا الكعبة مرجعًا للناس، يأتونه، ثم يرجعون إلى أهليهم، ثم يعودون إليه، ومجمعًا لهم في الحج والعمرة والطواف والصلاة، وأمنًا لهم، لا يُغِير عليهم عدو فيه. وقلنا: اتخِذوا من مقام إبراهيم مكانًا للصلاة فيه، وهو الحجر الذي وقف عليه إبراهيم عند بنائه الكعبة. وأوحينا إلى إبراهيم وابنه إسماعيل: أن طهِّرا بيتي من كل رجس ودنس؛ للمتعبدين فيه بالطواف حول الكعبة، أو الاعتكاف في المسجد، والصلاة فيه.

وإذ جعلنا البيت مثابة للناس وأمنا واتخذوا من مقام إبراهيم مصلى وعهدنا - تفسير السعدي

ثم ذكر تعالى, نموذجا باقيا دالا على إمامة إبراهيم, وهو هذا البيت الحرام الذي جعل قصده, ركنا من أركان الإسلام, حاطا للذنوب والآثام.
وفيه من آثار الخليل وذريته, ما عرف به إمامته, وتذكرت به حالته فقال: { وَإِذْ جَعَلْنَا الْبَيْتَ مَثَابَةً لِلنَّاسِ }- أي: مرجعا يثوبون إليه, لحصول منافعهم الدينية والدنيوية, يترددون إليه, ولا يقضون منه وطرا، { و } جعله { أَمْنًا } يأمن به كل أحد, حتى الوحش, وحتى الجمادات كالأشجار.
ولهذا كانوا في الجاهلية - على شركهم - يحترمونه أشد الاحترام, ويجد أحدهم قاتل أبيه في الحرم, فلا يهيجه، فلما جاء الإسلام, زاده حرمة وتعظيما, وتشريفا وتكريما.
{ وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى } يحتمل أن يكون المراد بذلك, المقام المعروف الذي قد جعل الآن, مقابل باب الكعبة، وأن المراد بهذا, ركعتا الطواف, يستحب أن تكونا خلف مقام إبراهيم, وعليه جمهور المفسرين، ويحتمل أن يكون المقام مفردا مضافا, فيعم جميع مقامات إبراهيم في الحج، وهي المشاعر كلها: من الطواف, والسعي, والوقوف بعرفة, ومزدلفة ورمي الجمار والنحر, وغير ذلك من أفعال الحج.
فيكون معنى قوله: { مُصَلًّى }- أي: معبدا,- أي: اقتدوا به في شعائر الحج، ولعل هذا المعنى أولى, لدخول المعنى الأول فيه, واحتمال اللفظ له.
{ وَعَهِدْنَا إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ }- أي: أوحينا إليهما, وأمرناهما بتطهير بيت الله من الشرك, والكفر والمعاصي, ومن الرجس والنجاسات والأقذار, ليكون { لِلطَّائِفِينَ } فيه { وَالْعَاكِفِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ }- أي: المصلين، قدم الطواف, لاختصاصه بالمسجد [الحرام]، ثم الاعتكاف, لأن من شرطه المسجد مطلقا، ثم الصلاة, مع أنها أفضل, لهذا المعنى.
وأضاف الباري البيت إليه لفوائد، منها: أن ذلك يقتضي شدة اهتمام إبراهيم وإسماعيل بتطهيره, لكونه بيت الله، فيبذلان جهدهما, ويستفرغان وسعهما في ذلك.
ومنها: أن الإضافة تقتضي التشريف والإكرام، ففي ضمنها أمر عباده بتعظيمه وتكريمه.
ومنها: أن هذه الإضافة هي السبب الجاذب للقلوب إليه.

تفسير الآية 125 - سورة البقرة

تفسير الجلالين التفسير الميسر تفسير السعدي
تفسير البغوي التفسير الوسيط تفسير ابن كثير
تفسير الطبري تفسير القرطبي إعراب الآية

وإذ جعلنا البيت مثابة للناس وأمنا واتخذوا : الآية رقم 125 من سورة البقرة

 سورة البقرة الآية رقم 125

وإذ جعلنا البيت مثابة للناس وأمنا واتخذوا من مقام إبراهيم مصلى وعهدنا - مكتوبة

الآية 125 من سورة البقرة بالرسم العثماني


﴿ وَإِذۡ جَعَلۡنَا ٱلۡبَيۡتَ مَثَابَةٗ لِّلنَّاسِ وَأَمۡنٗا وَٱتَّخِذُواْ مِن مَّقَامِ إِبۡرَٰهِـۧمَ مُصَلّٗىۖ وَعَهِدۡنَآ إِلَىٰٓ إِبۡرَٰهِـۧمَ وَإِسۡمَٰعِيلَ أَن طَهِّرَا بَيۡتِيَ لِلطَّآئِفِينَ وَٱلۡعَٰكِفِينَ وَٱلرُّكَّعِ ٱلسُّجُودِ  ﴾ [ البقرة: 125]


﴿ وإذ جعلنا البيت مثابة للناس وأمنا واتخذوا من مقام إبراهيم مصلى وعهدنا إلى إبراهيم وإسماعيل أن طهرا بيتي للطائفين والعاكفين والركع السجود ﴾ [ البقرة: 125]

  1. الآية مشكولة
  2. تفسير الآية
  3. استماع mp3
  4. الرسم العثماني
  5. تفسير الصفحة
فهرس القرآن | سور القرآن الكريم : سورة البقرة Al-Baqarah الآية رقم 125 , مكتوبة بكتابة عادية و كذلك بالشكيل و مصورة مع الاستماع للآية بصوت ثلاثين قارئ من أشهر قراء العالم الاسلامي مع تفسيرها ,مكتوبة بالرسم العثماني لمونتاج فيديو اليوتيوب .
  
   

تحميل الآية 125 من البقرة صوت mp3


تدبر الآية: وإذ جعلنا البيت مثابة للناس وأمنا واتخذوا من مقام إبراهيم مصلى وعهدنا

إذا لم تجد في قلبك الشوقَ إلى رحاب بيت الله، ومحبَّة العبادة فيه، فاعلم أن هذا القلب مَدخول.
إنه بيت الله ملكِ الملوك، مَوئل الأمان من حرب الدنيا ومن عذاب الآخرة، إلَّا في حقِّ مَن استثناه الله من الكافرين.
تذكَّر إن وُفِّقتَ للقيام هناك مقامًا قامَه قبلك إبراهيمُ عليه السلام، ونبيُّك ﷺ، وصالحو هذه الأمَّة، واستحضر مِنَّة الله عليك بتيسيره لك هذا المقام.
من حقِّ مواضع العبادة التكريمُ والصيانة، فإن لم تنَل شرفَ تطهيرها فاحرِص ألَّا تسيءَ فيها، واعلم أن تطهيرها وفاءٌ بعهد الله، وأداءٌ لحقِّ عباده.

وقوله-تبارك وتعالى-: وَإِذْ جَعَلْنَا الْبَيْتَ مَثابَةً لِلنَّاسِ وَأَمْناً معطوف على قوله-تبارك وتعالى-:وَإِذِ ابْتَلى إِبْراهِيمَ رَبُّهُ.
وجعلنا: بمعنى صيرنا.
والبيت: المقصود به الكعبة، إذ غلب استعمال البيت فيها حتى صار اسما لها.
ومثابة للناس: مرجعا للناس يرجعون إليه من كل جانب، وهو مصدر ميمى من ثاب القوم إلى المكان رجعوا إليه.
فهم يثوبون إليه ثوبا وثوبانا، أو معاذا لهم يلجئون إليه أو موضع ثواب يثابون بحجه واعتماره.
والأمن: السلامة من الخوف، وأمن المكان: اطمئنان أهله به، وعدم خوفهم من أن ينالهم فيه مكروه فالبيت مأمن، أى موضع أمن.
وأخبر- سبحانه - بأنه جعله أمنا ليدل على كثرة ما يقع به من الأمن حتى صار كأنه نفس الأمن.
وكذلك صار البيت الحرام محفوظا بالأمن من كل ناحية، فقد كان الناس في الجاهلية يقتتلون ويعتدى بعضهم على بعض من حوله، أما أهله فكانوا في أمان واطمئنان.
قال تعالى:أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا جَعَلْنا حَرَماً آمِناً وَيُتَخَطَّفُ النَّاسُ مِنْ حَوْلِهِمْ وقال-تبارك وتعالى-: فِيهِ آياتٌ بَيِّناتٌ مَقامُ إِبْراهِيمَ وَمَنْ دَخَلَهُ كانَ آمِناً.
وقد أقرت تعاليم الإسلام هذه الحرمة للبيت الحرام على وجه لا يضيع حقا ولا يعطل حدا، وزادت في تكريمه وتشريفه بأن جعلت الحج إليه فريضة على كل قادر عليها.
قال الإمام ابن كثير: «ومضمون ما فسر به العلماء هذه الآية أن الله تعالى يذكر شرف البيت وما جعله موصوفا به شرعا وقدرا من كونه مثابة للناس.
أى: جعله محلا تشتاق إليه الأرواح وتحن إليه ولا تقضى منه وطرا ولو ترددت إليه في كل عام استجابة من الله-تبارك وتعالى- لدعاء خليله إبراهيم في قوله تعالى: فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ ويصفه-تبارك وتعالى- بأنه جعله أمنا من دخله أمن ولو كان قد فعل ما فعل ثم دخله كان آمنا، وقال عبد الرحمن بن زيد بن أسلّم: كان الرجل يلقى قاتل أبيه أو أخيه فيه فلا يعرض له:وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقامِ إِبْراهِيمَ مُصَلًّى الاتخاذ: الجعل، تقول اتخذت فلانا صديقا أى:جعلته صديقا.
والمقام في اللغة: موضع القدمين من قام يقوم، ومقام إبراهيم: هو الحجر الذي كان إبراهيم يقوم عليه عند بناء الكعبة لما ارتفع الجدار، وهو- على المشهور- تحت المصلّى المعروف الآن بهذا الاسم.
ومعنى اتخاذ مصلّى منه: القصد إلى الصلاة عنده.
فقد ورد في الحديث الصحيح الذي رواه الإمام مسلّم عن جابر بن عبد الله أن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم طاف بالبيت سبعا وصلّى خلف المقام ركعتين» .
ومن العلماء من فسر مقام إبراهيم بالمسجد الحرام، ومنهم من أطلقه على الكعبة لأن إبراهيم كان يقوم عندها لعبادة الله تعالى.
قال الإمام ابن كثير: «وقد كان هذا المقام- أى الحجر الذي يسمى مقام إبراهيم- ملصقا بجدار الكعبة قديما، ومكانه معروف اليوم إلى جانب الباب مما يلي الحجر على يمين الداخل من الباب في البقعة المستقلة هناك، وكان الخليل- عليه السلام- لما فرغ من بناء البيت وضعه إلى جدار الكعبة.. ثم قال: وإنما أخره عن جدار الكعبة إلى موضعه الآن عمر- رضي الله عنه- ولم ينكر ذلك عليه أحد من الصحابة:ثم قال-تبارك وتعالى-: وَعَهِدْنا إِلى إِبْراهِيمَ وَإِسْماعِيلَ أَنْ طَهِّرا بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْعاكِفِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ.
عهدنا: أمرنا وأوحينا، وأَنْ مفسرة المأمور به أو الموصى به المشار إليه بقوله: عَهِدْنا أى: أوحينا إلى إبراهيم وإسماعيل أن طهرا بيتي.
وأضاف- سبحانه - البيت إليه للتشريف والتكريم ومعنى تطهيره: صيانته من كل ما لا يليق ببيوت الله من الأقذار والأرجاس والأوثان وكل ما كان مظنة للشرك، فالمقصود تطهيره من كل رجس حسى ومعنوي.
والطائفين: جمع طائف من طاف يطوف طوفا وطوافا إذا دار حول الشيء والمراد بهم:المتقربون إلى الله بالطواف حول الكعبة.
والعاكفين: جمع عاكف، من عكف على الشيء عكوفا إذا أقام عليه ملازما له، والمراد بهم: المقيمون في الحرم بقصد العبادة، ويدخل في العبادة مدارسة العلوم الدينية وما يساعد على فهمها.
والركع السجود: الركع جمع راكع، والسجود: جمع ساجد.
والركوع والسجود من هيئات الصلاة وأركانها، فمعنى «والركع السجود» المصلون.
فالآية الكريمة جمعت أصناف العابدين في البيت الحرام: وهم الطائفون وإن لم يكونوا مقيمين، كمن يأتون لحج أو عمرة ثم ينصرفون.
والعاكفون الذين يقيمون في الحرم بقصد الإكثار من العبادة في المسجد الحرام.
والمصلون يتقربون إلى الله بالصلوات سواء أكانت فرائض أم نوافل.
ولم يعطف السجود على الركع، لأن الوصفين متلازمان ولو عطف لتوهم أنهما وصفان مفترقان.
قوله تعالى : وإذ جعلنا البيت مثابة للناس وأمنا واتخذوا من مقام إبراهيم مصلى وعهدنا إلى إبراهيم وإسماعيل أن طهرا بيتي للطائفين والعاكفين والركع السجودقوله تعالى : وإذ جعلنا البيت مثابة للناس وأمنا فيه مسألتان :الأولى : قوله تعالى : جعلنا بمعنى صيرنا لتعديه إلى مفعولين ، وقد تقدم .
البيت يعني الكعبة .
مثابة أي مرجعا ، يقال : ثاب يثوب مثابا ومثابة وثؤوبا وثوبانا .
فالمثابة مصدر وصف به ويراد به الموضع الذي يثاب إليه ، أي يرجع إليه .
قال ورقة بن نوفل في الكعبة :مثابا لأفناء القبائل كلها تخب إليها اليعملات الذواملوقرأ الأعمش : " مثابات " على الجمع .
ويحتمل أن يكون من الثواب ، أي يثابون هناك .
وقال مجاهد : لا يقضي أحد منه وطرا ، قال الشاعر :جعل البيت مثابا لهم ليس منه الدهر يقضون الوطروالأصل مثوبة ، قلبت حركة الواو على الثاء فقلبت الواو ألفا اتباعا لثاب يثوب ، وانتصب على المفعول الثاني ، ودخلت الهاء للمبالغة لكثرة من يثوب أي يرجع ; لأنه قل ما يفارق أحد البيت إلا وهو يرى أنه لم يقض منه وطرا ، فهي كنسابة وعلامة ، قاله الأخفش .
وقال غيره : هي هاء تأنيث المصدر وليست للمبالغة .
فإن قيل : ليس كل من جاءه يعود إليه ، قيل : ليس يختص بمن ورد عليه ، وإنما المعنى أنه لا يخلو من الجملة ، ولا يعدم قاصدا من الناس ، والله تعالى أعلم .
الثانية : قوله تعالى : وأمنا استدل به أبو حنيفة وجماعة من فقهاء الأمصار على ترك إقامة الحد في الحرم على المحصن والسارق إذا لجأ إليه ، وعضدوا ذلك بقوله تعالى : ومن دخله كان آمنا كأنه قال : آمنوا من دخل البيت .
والصحيح إقامة الحدود في الحرم ، وأن ذلك من المنسوخ ; لأن الاتفاق حاصل أنه لا يقتل في البيت ، ويقتل خارج البيت .
وإنما الخلاف هل يقتل في الحرم أم لا ؟ والحرم لا يقع عليه اسم البيت حقيقة .
وقد أجمعوا أنه لو قتل في الحرم قتل به ، ولو أتى حدا أقيد منه فيه ، ولو حارب فيه حورب وقتل مكانه .
وقال أبو حنيفة : من لجأ إلى الحرم لا يقتل فيه ولا يتابع ، ولا يزال يضيق عليه حتى يموت أو يخرج .
فنحن نقتله بالسيف ، وهو يقتله بالجوع والصد ، فأي قتل أشد من هذا .
وفي قوله : وأمنا تأكيد للأمر باستقبال الكعبة ، أي ليس في بيت المقدس هذه الفضيلة ، ولا يحج إليه الناس ، ومن استعاذ بالحرم أمن من أن يغار عليه .
وسيأتي بيان هذا في " المائدة " إن شاء الله تعالى .
قوله تعالى : واتخذوا من مقام إبراهيم مصلى فيه ثلاث مسائل :الأولى : قوله تعالى : واتخذوا قرأ نافع وابن عامر بفتح الخاء على جهة الخبر عمن اتخذه من متبعي إبراهيم ، وهو معطوف على جعلنا أي جعلنا البيت مثابة واتخذوه مصلى .
وقيل هو معطوف على تقدير إذ ، كأنه قال : وإذ جعلنا البيت مثابة وإذ اتخذوا ، فعلى الأول الكلام جملة واحدة ، وعلى الثاني جملتان .
وقرأ جمهور القراء واتخذوا بكسر الخاء على جهة الأمر ، قطعوه من الأول وجعلوه معطوفا جملة على جملة .
قال المهدوي : يجوز أن يكون معطوفا على اذكروا نعمتي كأنه قال ذلك لليهود ، أو على معنى إذ جعلنا البيت ; لأن معناه اذكروا إذ جعلنا .
أو على معنى قوله : مثابة لأن معناه ثوبوا .
الثانية : روى ابن عمر قال : قال عمر : وافقت ربي في ثلاث : في مقام إبراهيم ، وفي الحجاب ، وفي أسارى بدر .
خرجه مسلم وغيره .
وخرجه البخاري عن أنس قال : قال عمر : وافقت الله في ثلاث ، أو وافقني ربي في ثلاث ... الحديث ، وأخرجه أبو داود الطيالسي في مسنده فقال : حدثنا حماد بن سلمة حدثنا علي بن زيد عن أنس بن مالك قال : قال عمر : وافقت ربي في أربع ، قلت يا رسول الله : لو صليت خلف المقام ؟ فنزلت هذه الآية : واتخذوا من مقام إبراهيم مصلى وقلت : يا رسول الله ، لو ضربت على نسائك الحجاب فإنه يدخل عليهن البر والفاجر ؟ فأنزل الله : وإذا سألتموهن متاعا فاسألوهن من وراء حجاب ، ونزلت هذه الآية : ولقد خلقنا الإنسان من سلالة من طين ، فلما نزلت قلت أنا : تبارك الله أحسن الخالقين ، فنزلت : فتبارك الله أحسن الخالقين ، ودخلت على أزواج النبي صلى الله عليه وسلم فقلت : لتنتهن أو ليبدلنه الله بأزواج خير منكن ، فنزلت الآية : عسى ربه إن طلقكن .
قلت : ليس في هذه الرواية ذكر للأسارى ، فتكون موافقة عمر في خمس .
الثالثة : قوله تعالى : من مقام المقام في اللغة : موضع القدمين .
قال النحاس : مقام من قام يقوم ، ويكون مصدرا واسما للموضع .
ومقام من أقام ، فأما قول زهير :وفيهم مقامات حسان وجوههم وأندية ينتابها القول والفعلفمعناه : فيهم أهل مقامات .
واختلف في تعيين المقام على أقوال ، أصحها - أنه الحجر الذي تعرفه الناس اليوم الذي يصلون عنده ركعتي طواف القدوم .
وهذا قول جابر بن عبد الله وابن عباس وقتادة وغيرهم .
وفي صحيح مسلم من حديث جابر الطويل أن النبي صلى الله عليه وسلم لما رأى البيت استلم الركن فرمل ثلاثا ، ومشى أربعا ، ثم تقدم إلى مقام إبراهيم فقرأ : واتخذوا من مقام إبراهيم مصلى فصلى ركعتين قرأ فيهما ب قل هو الله أحد و قل يا أيها الكافرون .
وهذا يدل على أن ركعتي الطواف وغيرهما من الصلوات لأهل مكة أفضل ويدل من وجه على أن الطواف للغرباء أفضل ، على ما يأتي .
وفي البخاري : أنه الحجر الذي ارتفع عليه إبراهيم حين ضعف عن رفع الحجارة التي كان إسماعيل يناولها إياه في بناء البيت ، وغرقت قدماه فيه .
قال أنس : رأيت في المقام أثر أصابعه وعقبه وأخمص قدميه ، غير أنه أذهبه مسح الناس بأيديهم ، حكاه القشيري .
وقال السدي : المقام الحجر الذي وضعته زوجة إسماعيل تحت قدم إبراهيم عليه السلام حين غسلت رأسه .
وعن ابن عباس أيضا ومجاهد وعكرمة وعطاء : الحج كله .
وعن عطاء : عرفة ومزدلفة والجمار ، وقاله الشعبي .
النخعي : الحرم كله مقام إبراهيم ، وقاله مجاهد .
قلت : والصحيح في المقام القول الأول ، حسب ما ثبت في الصحيح .
وخرج أبو نعيم من حديث محمد بن سوقة عن محمد بن المنكدر عن جابر قال : نظر النبي صلى الله عليه وسلم إلى رجل بين الركن والمقام ، أو الباب والمقام وهو يدعو ويقول : اللهم اغفر لفلان ، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم : ما هذا ؟ فقال : رجل استودعني أن أدعو له في هذا المقام ، فقال : ارجع فقد غفر لصاحبك .
قال أبو نعيم : حدثناه أحمد بن محمد بن أحمد بن إبراهيم القاضي قال حدثنا محمد بن عاصم بن يحيى الكاتب قال حدثنا عبد الرحمن بن القاسم القطان الكوفي قال حدثنا الحارث بن عمران الجعفري عن محمد بن سوقة فذكره .
قال أبو نعيم : كذا رواه عبد الرحمن عن الحارث عن محمد عن جابر ، وإنما يعرف من حديث الحارث عن محمد عن عكرمة عن ابن عباس .
ومعنى " مصلى " .
مدعى يدعى فيه ، قاله مجاهد .
وقيل : موضع صلاة يصلى عنده ، قاله قتادة .
وقيل : قبلة يقف الإمام عندها ، قاله الحسن .
قوله تعالى : وعهدنا إلى إبراهيم وإسماعيل أن طهرا بيتي للطائفين والعاكفين والركع السجودفيه ست مسائل :الأولى : قوله تعالى : وعهدنا قيل : معناه أمرنا .
وقيل : أوحينا .
أن طهرا أن في موضع نصب على تقدير حذف الخافض .
وقال سيبويه : إنها بمعنى أي مفسرة ، فلا موضع لها من الإعراب .
وقال الكوفيون : تكون بمعنى القول .
وطهرا قيل معناه : من الأوثان ، عن مجاهد والزهري .
وقال عبيد بن عمير وسعيد بن جبير : من الآفات والريب .
وقيل : من الكفار .
وقال السدي : ابنياه وأسساه على طهارة ونية طهارة ، فيجيء مثل قوله : أسس على التقوى .
وقال يمان : بخراه وخلقاه .
بيتي أضاف البيت إلى نفسه إضافة تشريف وتكريم ، وهي إضافة مخلوق إلى خالق ، ومملوك إلى مالك .
وقرأ الحسن وابن أبي إسحاق وأهل المدينة وهشام وحفص : بيتي بفتح الياء ، والآخرون بإسكانها .
الثانية : للطائفين ظاهره الذين يطوفون به ، وهو قول عطاء .
وقال سعيد بن جبير : معناه للغرباء الطارئين على مكة ، وفيه بعد .
( والعاكفين ) المقيمين من بلدي وغريب ، عن عطاء .
وكذلك قوله : للطائفين .
والعكوف في اللغة : اللزوم والإقبال على الشيء ، كما قال الشاعر [ هو العجاج ] :[ وهن يعكفن به إذا حجا ] عكف النبيط يلعبون الفنزجاوقال مجاهد : العاكفون المجاورون .
ابن عباس : المصلون .
وقيل : الجالسون بغير طواف والمعنى متقارب .
والركع السجود أي المصلون عند الكعبة .
وخص الركوع والسجود بالذكر لأنهما أقرب أحوال المصلي إلى الله تعالى .
وقد تقدم معنى الركوع والسجود لغة والحمد لله .
الثالثة : لما قال الله تعالى أن طهرا بيتي دخل فيه بالمعنى جميع بيوته تعالى ، فيكون حكمها حكمه في التطهير والنظافة .
وإنما خص الكعبة بالذكر لأنه لم يكن هناك غيرها ، أو لكونها أعظم حرمة ، والأول أظهر ، والله أعلم .
وفي التنزيل في بيوت أذن الله أن ترفع وهناك يأتي حكم المساجد إن شاء الله تعالى .
وروي عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه سمع صوت رجل في المسجد فقال : ما هذا ! أتدري أين أنت ! ؟ وقال حذيفة قال النبي صلى الله عليه وسلم : إن الله أوحى إلي يا أخا المنذرين يا أخا المرسلين أنذر قومك ألا يدخلوا بيتا من بيوتي إلا بقلوب سليمة وألسنة صادقة وأيد نقية وفروج طاهرة وألا يدخلوا بيتا من بيوتي ما دام لأحد عندهم مظلمة فإني ألعنه ما دام قائما بين يدي حتى يرد تلك الظلامة إلى أهلها فأكون سمعه الذي يسمع به وبصره الذي يبصر به ويكون من أوليائي وأصفيائي ويكون جاري مع النبيين والصديقين والشهداء والصالحين .
الرابعة : استدل الشافعي وأبو حنيفة والثوري وجماعة من السلف بهذه الآية على جواز الصلاة الفرض والنفل داخل البيت .
قال الشافعي رحمه الله : إن صلى في جوفها مستقبلا حائطا من حيطانها فصلاته جائزة ، وإن صلى نحو الباب والباب مفتوح فصلاته باطلة ، وكذلك من صلى على ظهرها ; لأنه لم يستقبل منها شيئا .
وقال مالك : لا يصلى فيه الفرض ولا السنن ، ويصلى فيه التطوع ، غير أنه إن صلى فيه الفرض أعاد في الوقت .
وقال أصبغ : يعيد أبدا .
قلت : وهو الصحيح ، لما رواه مسلم عن ابن عباس قال : أخبرني أسامة بن زيد أن النبي صلى الله عليه وسلم لما دخل البيت دعا في نواحيه كلها ولم يصل فيه حتى خرج منه ، فلما خرج ركع في قبل الكعبة ركعتين وقال : ( هذه القبلة ) وهذا نص .
فإن قيل : فقد روى البخاري عن ابن عمر قال : دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم هو وأسامة بن زيد وبلال وعثمان بن طلحة الحجبي البيت فأغلقوا عليهم الباب .
فلما فتحوا كنت أول من ولج فلقيت بلالا فسألته : هل صلى فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ قال ، نعم بين العمودين اليمانيين .
وأخرجه مسلم وفيه قال : جعل عمودين عن يساره وعمودا عن يمينه وثلاثة أعمدة وراءه ، وكان البيت يومئذ على ستة أعمدة .
قلنا : هذا يحتمل أن يكون صلى بمعنى دعا ، كما قال أسامة ، ويحتمل أن يكون صلى الصلاة العرفية ، وإذا احتمل هذا وهذا سقط الاحتجاج به .
فإن قيل : فقد روى ابن المنذر وغيره عن أسامة قال : رأى النبي صلى الله عليه وسلم صورا في الكعبة فكنت آتيه بماء في الدلو يضرب به تلك الصور .
وخرجه أبو داود الطيالسي قال : حدثنا ابن أبي ذئب عن عبد الرحمن بن مهران قال حدثنا عمير مولى ابن عباس عن أسامة بن زيد قال : دخلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم في الكعبة ورأى صورا قال : فدعا بدلو من ماء فأتيته به فجعل يمحوها ويقول : قاتل الله قوما يصورون ما لا يخلقون .
فيحتمل أن يكون النبي صلى الله عليه وسلم صلى في حالة مضي أسامة في طلب الماء فشاهد بلال ما لم يشاهده أسامة ، فكان من أثبت أولى ممن نفى ، وقد قال أسامة نفسه : فأخذ الناس بقول بلال وتركوا قولي .
وقد روى مجاهد عن عبد الله بن صفوان قال : قلت لعمر بن الخطاب : كيف صنع رسول الله صلى الله عليه وسلم حين دخل الكعبة ؟ قال : صلى ركعتين .
قلنا : هذا محمول على النافلة ، ولا نعلم خلافا بين العلماء في صحة النافلة في الكعبة ، وأما الفرض فلا ; لأن الله تعالى عين الجهة بقوله تعالى : فولوا وجوهكم شطره على ما يأتي بيانه ، وقوله صلى الله عليه وسلم لما خرج : ( هذه القبلة ) فعينها كما عينها الله تعالى .
ولو كان الفرض يصح داخلها لما قال : ( هذه القبلة ) .
وبهذا يصح الجمع بين الأحاديث ، وهو أولى من إسقاط بعضها ، فلا تعارض ، والحمد لله .
الخامسة : واختلفوا أيضا في الصلاة على ظهرها ، فقال الشافعي ما ذكرناه .
وقال مالك : من صلى على ظهر الكعبة أعاد في الوقت .
وقد روي عن بعض أصحاب مالك : يعيد أبدا .
وقال أبو حنيفة : من صلى على ظهر الكعبة فلا شيء عليه .
السادسة : واختلفوا أيضا أيما أفضل الصلاة عند البيت أو الطواف به ؟ فقال مالك : الطواف لأهل الأمصار أفضل ، والصلاة لأهل مكة أفضل وذكر عن ابن عباس وعطاء ومجاهد .
والجمهور على أن الصلاة أفضل .
وفي الخبر : لولا رجال خشع وشيوخ ركع وأطفال رضع وبهائم رتع لصببنا عليكم العذاب صبا .
وذكر أبو بكر أحمد بن علي بن ثابت الخطيب في كتاب ( السابق واللاحق ) عن عبد الله بن مسعود قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : لولا فيكم رجال خشع وبهائم رتع وصبيان رضع لصب العذاب على المذنبين صبا .
لم يذكر فيه " وشيوخ ركع " .
وفي حديث أبي ذر الصلاة خير موضوع فاستكثر أو استقل .
خرجه الآجري .
والأخبار في فضل الصلاة والسجود كثيرة تشهد لقول الجمهور ، والله تعالى أعلم .


شرح المفردات و معاني الكلمات : جعلنا , البيت , مثابة , للناس , أمنا , واتخذوا , مقام , إبراهيم , مصلى , وعهدنا , إبراهيم , إسماعيل , طهرا , بيتي , للطائفين , العاكفين , الركع , السجود , مقام+إبراهيم , واتخذوا+من+مقام+إبراهيم+مصلى , وعهدنا+إلى+إبراهيم+وإسماعيل+أن+طهرا+بيتي , طهرا+بيتي+للطائفين+والعاكفين+وطهرا+بيتي+للطائفين+والعاكفين+والركع+السجود , الركع+السجود ,
English Türkçe Indonesia
Русский Français فارسی
تفسير انجليزي اعراب

آيات من القرآن الكريم

  1. يقول أهلكت مالا لبدا
  2. ولأجر الآخرة خير للذين آمنوا وكانوا يتقون
  3. ولا تأكلوا مما لم يذكر اسم الله عليه وإنه لفسق وإن الشياطين ليوحون إلى أوليائهم
  4. قالت إن الملوك إذا دخلوا قرية أفسدوها وجعلوا أعزة أهلها أذلة وكذلك يفعلون
  5. كل الطعام كان حلا لبني إسرائيل إلا ما حرم إسرائيل على نفسه من قبل أن
  6. أن لا تعبدوا إلا الله إني أخاف عليكم عذاب يوم أليم
  7. قال لو أن لي بكم قوة أو آوي إلى ركن شديد
  8. ولا تحزن عليهم ولا تكن في ضيق مما يمكرون
  9. فمالئون منها البطون
  10. إذ دخلوا عليه فقالوا سلاما قال إنا منكم وجلون

تحميل سورة البقرة mp3 :

سورة البقرة mp3 : قم باختيار القارئ للاستماع و تحميل سورة البقرة

سورة البقرة بصوت ماهر المعيقلي
ماهر المعيقلي
سورة البقرة بصوت سعد الغامدي
سعد الغامدي
سورة البقرة بصوت عبد  الباسط عبد الصمد
عبد الباسط
سورة البقرة بصوت أحمد العجمي
أحمد العجمي
سورة البقرة بصوت محمد صديق المنشاوي
المنشاوي
سورة البقرة بصوت محمود خليل الحصري
الحصري
سورة البقرة بصوت مشاري راشد العفاسي
مشاري العفاسي
سورة البقرة بصوت ناصر القطامي
ناصر القطامي
سورة البقرة بصوت فارس عباد
فارس عباد
سورة البقرة بصوت ياسر لدوسري
ياسر الدوسري


الباحث القرآني | البحث في القرآن الكريم


Sunday, November 17, 2024

لا تنسنا من دعوة صالحة بظهر الغيب