تفسير القرآن | باقة من أهم تفاسير القرآن الكريم المختصرة و الموجزة التي تعطي الوصف الشامل لمعنى الآيات الكريمات : سبعة تفاسير معتبرة لكل آية من كتاب الله تعالى , [ الأعراف: 150] .
﴿ وَلَمَّا رَجَعَ مُوسَىٰ إِلَىٰ قَوْمِهِ غَضْبَانَ أَسِفًا قَالَ بِئْسَمَا خَلَفْتُمُونِي مِن بَعْدِي ۖ أَعَجِلْتُمْ أَمْرَ رَبِّكُمْ ۖ وَأَلْقَى الْأَلْوَاحَ وَأَخَذَ بِرَأْسِ أَخِيهِ يَجُرُّهُ إِلَيْهِ ۚ قَالَ ابْنَ أُمَّ إِنَّ الْقَوْمَ اسْتَضْعَفُونِي وَكَادُوا يَقْتُلُونَنِي فَلَا تُشْمِتْ بِيَ الْأَعْدَاءَ وَلَا تَجْعَلْنِي مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ﴾
﴿ وَلَمَّا رَجَعَ مُوسَىٰ إِلَىٰ قَوْمِهِ غَضْبَانَ أَسِفًا قَالَ بِئْسَمَا خَلَفْتُمُونِي مِن بَعْدِي ۖ أَعَجِلْتُمْ أَمْرَ رَبِّكُمْ ۖ وَأَلْقَى الْأَلْوَاحَ وَأَخَذَ بِرَأْسِ أَخِيهِ يَجُرُّهُ إِلَيْهِ ۚ قَالَ ابْنَ أُمَّ إِنَّ الْقَوْمَ اسْتَضْعَفُونِي وَكَادُوا يَقْتُلُونَنِي فَلَا تُشْمِتْ بِيَ الْأَعْدَاءَ وَلَا تَجْعَلْنِي مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ﴾
[ سورة الأعراف: 150]
القول في تفسير قوله تعالى : ولما رجع موسى إلى قومه غضبان أسفا قال بئسما خلفتموني من بعدي ..
تفسير الجلالين | التفسير الميسر | تفسير السعدي |
تفسير البغوي | التفسير الوسيط | تفسير ابن كثير |
تفسير الطبري | تفسير القرطبي | إعراب الآية |
التفسير الميسر : ولما رجع موسى إلى قومه غضبان أسفا قال
ولما رجع موسى إلى قومه مِن بني إسرائيل غضبان حزينًا؛ لأن الله قد أخبره أنه قد فُتِن قومه، وأن السامريَّ قد أضلَّهم، قال موسى: بئس الخلافة التي خلفتموني مِن بعدي، أعجلتم أَمْر ربكم؟ أي: أستعجلتم مجيئي إليكم وهو مقدَّر من الله تعالى؟ وألقى موسى ألواح التوراة غضبا على قومه الذين عبدوا العجل، وغضبًا على أخيه هارون، وأمسك برأس أخيه يجره إليه، قال هارون مستعطفًا: يا ابن أمي: إن القوم استذلوني وعدُّوني ضعيفًا وقاربوا أن يقتلوني، فلا تَسرَّ الأعداء بما تفعل بي، ولا تجعلني في غضبك مع القوم الذين خالفوا أمرك وعبدوا العجل.
المختصر في التفسير : شرح المعنى باختصار
ولما عاد موسى من مناجاة ربه إلى قومه ممتلئًا عليهم غضبًا وحزنًا لِمَا وجدهم عليه من عبادة العجل قال: بئست الحالة التي خلفتموني -يا قوم- بها بعد ذهابي عنكم؛ لِمَا تؤديه من الهلاك والشقاء، أَمللتم من انتظاري، فأقدمتم على عبادة العجل؟! ورمى الألواح من شدة ما أصابه من الغضب والحزن، وأمسك برأس أخيه هارون ولحيته يسحبه إليه لبقائه معهم وعدم تغييره لِمَا رآهم عليه من عبادة العجل، قال هارون معتذرًا إلى موسى مستعطفًا إياه: يا ابن أمي، إن القوم حسبوني ضعيفًا فاستذلوني، وأوشكوا أن يقتلوني، فلا تعاقبني بعقوبة تسرّ أعدائي، ولا تصيرني بسبب غضبك عليَّ في عداد الظالمين من القوم بسبب عبادتهم غير الله.
تفسير الجلالين : معنى و تأويل الآية 150
«ولما رجع موسى إلى قومه غضبان» من جهتهم «أسفا» شديد الحزن «قال» «بئسما» أي بئس خلافة «خلفتموني» ها «من بعدي» خلافتكم هذه حيث أشركتم «أعجلتم أمر ربكم وألقى الألواح» ألواح التوراة غضبا لربه فتكسرت «وأخذ برأس أخيه» أي شعره بيمينه ولحيته بشماله «يجره إليه» غضبا «قال» يا «ابْنَ أُمِّ» بكسر الميم وفتحها، أراد أمي وذكرها أعطف لقبله «إن القوم استضعفوني وكادوا» قاربوا «يقتلونني فلا تُشْمت» تُفرح «بي الأعداء» بإهانتك إياي «ولا تجعلني مع القوم الظالمين» بعبادة العجل في المؤاخذة.
تفسير السعدي : ولما رجع موسى إلى قومه غضبان أسفا قال
وَلَمَّا رَجَعَ مُوسَى إِلَى قَوْمِهِ غَضْبَانَ أَسِفًا- أي: ممتلئا غضبا وغيظا عليهم، لتمام غيرته عليه الصلاة السلام، وكمال نصحه وشفقته، قَالَ بِئْسَمَا خَلَفْتُمُونِي مِنْ بَعْدِي- أي: بئس الحالة التي خلفتموني بها من بعد ذهابي عنكم، فإنها حالة تفضي إلى الهلاك الأبدي، والشقاء السرمدي.
أَعَجِلْتُمْ أَمْرَ رَبِّكُمْ حيث وعدكم بإنـزال الكتاب.
فبادرتم - برأيكم الفاسد - إلى هذه الخصلة القبيحة وَأَلْقَى الألْوَاحَ- أي: رماها من الغضب وَأَخَذَ بِرَأْسِ أَخِيهِ هارون ولحيته يَجُرُّهُ إِلَيْهِ وقال له: مَا مَنَعَكَ إِذْ رَأَيْتَهُمْ ضَلُّوا * أن لا تَتَّبِعَن أَفَعَصَيْتَ أَمْرِي لك بقولي: اخْلُفْنِي فِي قَوْمِي وَأَصْلِحْ وَلا تَتَّبِعْ سَبِيلَ الْمُفْسِدِينَ فـ قَالَ يَا ابْنَ أُمَّ لا تَأْخُذْ بِلِحْيَتِي وَلا بِرَأْسِي إِنِّي خَشِيتُ أَنْ تَقُولَ فَرَّقْتَ بَيْنَ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَلَمْ تَرْقُبْ قَوْلِي و قَالَ هنا ابْنَ أُمَّ هذا ترقيق لأخيه، بذكر الأم وحدها، وإلا فهو شقيقه لأمه وأبيه: إِنَّ الْقَوْمَ اسْتَضْعَفُونِي- أي: احتقروني حين قلت لهم: يَا قَوْمِ إِنَّمَا فُتِنْتُمْ بِهِ وَإِنَّ رَبَّكُمُ الرَّحْمَنُ فَاتَّبِعُونِي وَأَطِيعُوا أَمْرِي وَكَادُوا يَقْتُلُونَنِي- أي: فلا تظن بي تقصيرا فَلا تُشْمِتْ بِيَ الأعْدَاءَ بنهرك لي، ومسك إياي بسوء، فإن الأعداء حريصون على أن يجدوا عليَّ عثرة، أو يطلعوا لي على زلة وَلا تَجْعَلْنِي مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ فتعاملني معاملتهم.
تفسير البغوي : مضمون الآية 150 من سورة الأعراف
قوله - عز وجل - : ( ولما رجع موسى إلى قومه غضبان أسفا ) قال أبو الدرداء : الأسف شديد الغضب . وقال ابن عباس والسدي : أسفا أي حزينا . والأسف أشد الحزن ، ( قال بئسما خلفتموني من بعدي ) أي : بئس ما عملتم بعد ذهابي ، يقال : خلفه بخير أو بشر إذا أولاه في أهله بعد شخوصه عنهم خيرا أو شرا ، ( أعجلتم ) أسبقتم ( أمر ربكم ) قال الحسن : وعد ربكم الذي وعدكم من الأربعين ليلة . وقال الكلبي : أعجلتم بعبادة العجل قبل أن يأتيكم أمر ربكم . ( وألقى الألواح ) التي فيها التوراة وكان حاملا لها ، فألقاها على الأرض من شدة الغضب .قالت الرواة : كانت التوراة سبعة أسباع ، فلما ألقى الألواح تكسرت فرفعت ستة أسباعها وبقي سبع ، فرفع ما كان من أخبار الغيب ، وبقي ما فيه الموعظة والأحكام والحلال والحرام ، ( وأخذ برأس أخيه ) بذوائبه ولحيته ( يجره إليه ) وكان هارون أكبر من موسى بثلاث سنين وأحب إلى بني إسرائيل من موسى ، لأنه كان لين الغضب . ( قال ) هارون عند ذلك ( ابن أم ) قرأ أهل الكوفة والشام هاهنا وفي طه بكسر الميم ، يريد يا ابن أمي ، فحذف ياء الإضافة وأبقيت الكسرة لتدل على الإضافة كقوله : " يا عباد " وقرأ أهل الحجاز والبصرة وحفص : بفتح الميم على معنى يا ابن أماه .وقيل: جعله اسما واحدا وبناه على الفتح ، كقولهم : حضرموت ، وخمسة عشر ، ونحوهما ، وإنما قال ابن أم وكان هارون أخاه لأبيه وأمه ليرققه ويستعطفه .وقيل: كان أخاه لأمه دون أبيه ، ( إن القوم استضعفوني ) يعني عبدة العجل ، ( وكادوا يقتلونني ) هموا وقاربوا أن يقتلوني ، ( فلا تشمت بي الأعداء ولا تجعلني ) في مؤاخذتك علي ( مع القوم الظالمين ) يعني عبدة العجل .
التفسير الوسيط : ويستفاد من هذه الآية
وقوله تعالى: وَلَمَّا رَجَعَ مُوسى إِلى قَوْمِهِ غَضْبانَ أَسِفاً بيان للحالة التي كان عليها موسى- عليه السلام- عند رجوعه من الطور، ومشاهدته للعجل الذي عبده قومه، فهو كان غاضبا عليهم لعبادتهم غير الله-تبارك وتعالى- وحزينا لفتنتهم بعبادتهم عجلا جسدا له خوار.قال الإمام الرازي: في الأسف قولان:الأول: أن الأسف الشديد: الغضب، وهو قول أبى الدرداء وعطاء عن ابن عباس، واحتجوا له بقوله تعالى: فَلَمَّا آسَفُونا انْتَقَمْنا مِنْهُمْ أى: أغضبونا:والثاني: أن الأسف هو الحزن، وهو قول الحسن والسدى وغيرهما، واحتجوا له بحديث عائشة أنها قالت: «إن أبا بكر رجل أسيف أى حزين» .قال الواحدي: والقولان متقاربان لأن الغضب من الحزن، والحزن من الغضب، فإذا جاءك ما تكره ممن هو دونك غضبت. وإذا جاءك ممن هو فوقك حزنت، فتسمى إحدى هاتين الحالتين حزنا والأخرى غضبا»وقوله غَضْبانَ أَسِفاً منصوبان على الحال من موسى عند من يجيز تعدد الحال. وعند من لا يجيزه يجعل أسفا حالا من الضمير المستكن في غضبان فتكون حالا متداخلة.وقول موسى لقومه: بِئْسَما خَلَفْتُمُونِي مِنْ بَعْدِي ذم منه لهم، والمعنى: بئس خلافة خلفتمونيها من بعد ذهابي عنكم إلى مناجاة ربي، وبئس الفعل فعلكم بعد فراقي إياكم. حيث عبدتم العجل، وأشربت قلوبكم محبته، ولم تعيروا التفاتا لما عهدت به إليكم، من توحيد الله، وإخلاص العبادة، والسير على سنتي وشريعتي.قال الجمل: و «بئس» فعل ماض لإنشاء الذم، وفعله مستتر تقديره هو، و «ما» تمييز بمعنى خلافة، وجملة خلفتموني صفة لما. والرابط محذوف، والمخصوص بالذم محذوف، والتقدير بئس خلافة خلفتمونيها من بعدي خلافتكم .وقوله مِنْ بَعْدِي معناه: من بعد ما رأيتم منى توحيد الله، ونفى الشركاء عنه، وإخلاص العبادة له، أو من بعد ما كنت احمل بنى إسرائيل على التوحيد واكفهم عما طمحت نحوه أبصارهم من عبادة البقر حين قالوا اجْعَلْ لَنا إِلهاً كَما لَهُمْ آلِهَةٌ. ومن حق الخلفاء أن يسيروا بسيرة المستخلف من بعده ولا يخالفوه.وقوله تعالى أَعَجِلْتُمْ أَمْرَ رَبِّكُمْ معناه أسبقتم بعبادة العجل ما أمركم به ربكم وهو انتظاري حافظين لعهدي، وما أوصيتكم به من التوحيد وإخلاص العبادة لله حتى آتيكم بكتاب الله، فغيرتم وعبدتم العجل قيل: كانوا قد استبطئوا نزوله من الجبل، فخدعهم السامري وصنع لهم العجل فعبدوه، وجعلوا يغنون ويرقصون حوله ويقولون: هذا هو الإله الحق الذي أنقذنا من الظلم، قال صاحب الكشاف: يقال عجل عن الأمر إذا تركه غير تام. ويضمن معنى سبق فعدى تعديته فقال: عجلت الأمر. والمعنى: أعجلتم عن أمر ربكم وهو انتظار موسى حافظين لعهده وما وصاكم به، فبينتم الأمر على أن الميعاد قد بلغ آخره ولم أرجع إليكم، فحدثتم أنفسكم بموتى فغيرتم كما غيرت الأمم بعد أنبيائهم.وروى أن السامري قال لهم حين أخرج لهم العجل: هذا إلهكم وإله موسى، وأن موسى لن يرجع وأنه قد مات.وروى أنهم عدوا عشرين يوما بلياليها فجعلوها أربعين ثم أحدثوا ما أحدثوا .ثم بين- سبحانه - أن غضب موسى ترتب عليه أمران يدلان على شدة الانفعال:أولهما: قوله تعالى: وَأَلْقَى الْأَلْواحَ أى طرحها من يديه لما اعتراه من فرط الدهش، وشدة الضجر، حين أشرف على قومه وهم عاكفون على عبادة العجل، فإلقاؤه الألواح لم يكن إلا غضبا لله، وحمية لدينه، وسخطا على قومه الذين عبدوا ما يضرب به المثل في البلادة.قال الآلوسى: قوله-تبارك وتعالى- وَأَلْقَى الْأَلْواحَ حاصله أن موسى لما رأى من قومه ما رأى.غضب غضبا شديدا حمية لدينه فعجل في وضع الألواح لتفرغ يده فيأخذ برأس أخيه فعبر عن ذلك الوضع بالإلقاء تفظيعا لفعل قومه حيث كانت معاينته سببا لذلك وداعيا إليه، وليس فيه ما يتوهم منه الإهانة لكتاب الله بوجه من الوجوه. وانكسار بعض الألواح حصل من فعل مأذون فيه ولم يكن غرض موسى ولا مر بباله ولا ظن ترتيبه على ما فعل. وليس هناك إلا العجلة في الوضع الناشئة من الغيرة لله. وقد أنكر بعض العلماء أن يكون شيء منها قد تكسر، لأن ظاهر القرآن خلافه. نعم أخرج أحمد وغيره عن ابن عباس قال. قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم «يرحم الله موسى، ليس المعاين كالمخبر أخبره ربه أن قومه فتنوا بعده فلم يلق الألواح فلما رآهم وعاينهم ألقى الألواح فتكسر منها» .وثانيهما: قوله تعالى: وَأَخَذَ بِرَأْسِ أَخِيهِ يَجُرُّهُ إِلَيْهِ أى. أخذ موسى بشعر رأس أخيه هارون يجره إليه غضبا منه، لظنه أنه قد قصر في نصحهم وزجرهم عن عبادة العجل. ولكن هارون- عليه السلام- أخذ يستجيش في نفس موسى عاطفة الأخوة الرحيمة، ليسكن من غضبه الشديد. وليكشف له عن طبيعة الموقف، وليبرئ ساحته من مغبة التقصير، فقال له:ابْنَ أُمَّ إِنَّ الْقَوْمَ اسْتَضْعَفُونِي وَكادُوا يَقْتُلُونَنِي فَلا تُشْمِتْ بِيَ الْأَعْداءَ وَلا تَجْعَلْنِي مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ. أى: قال هارون لموسى مستعطفا: يا ابن أمى- بهذا النداء الرقيق وبتلك الوشيجة الرحيمة- لا تعجل بلومي وتعنيفى، فإنى ما آليت جهدا في الإنكار عليهم،وما قصرت في نصيحتهم ولكنهم لم يستمعوا إلى، بل قهروني واستضعفوني، وأوشكوا أن يقتلوني عند ما بذلت أقصى طاقتي لأخفف هياجهم واندفاعهم نحو العجل، فلا تفعل بي ما هو أمنيتهم ومحل شماتتهم، من الاستهانة بي والإساءة إلى، فإن من شأن الأخوة التي بيننا أن تكون ناصرة معينة حين يكون هناك أعداء، ولا تجعلني في زمرة القوم الظالمين، فإنى برىء منهم، ولقد نصحتهم ولكنهم قوم لا يحبون الناصحين.
ولما رجع موسى إلى قومه غضبان أسفا قال: تفسير ابن كثير
يخبر تعالى أن موسى ، عليه السلام ، رجع إلى قومه من مناجاة ربه تعالى وهو غضبان أسف .
قال أبو الدرداء " الأسف " : أشد الغضب .
{ 151 } { قال بئسما خلفتموني من بعدي } يقول : بئس ما صنعتم في عبادتكم العجل بعد أن ذهبت وتركتكم .
وقوله : { أعجلتم أمر ربكم } ؟ يقول : استعجلتم مجيئي إليكم ، وهو مقدر من الله تعالى .
وقوله : { وألقى الألواح وأخذ برأس أخيه يجره إليه } قيل : كانت الألواح من زمرد . وقيل : من ياقوت . وقيل : من برد وفي هذا دلالة على ما جاء في الحديث : " ليس الخبر كالمعاينة "
ثم ظاهر السياق أنه إنما ألقى الألواح غضبا على قومه ، وهذا قول جمهور العلماء سلفا وخلفا . وروى ابن جرير عن قتادة في هذا قولا غريبا ، لا يصح إسناده إلى حكاية قتادة ، وقد رده ابن عطية وغير واحد من العلماء ، وهو جدير بالرد ، وكأنه تلقاه قتادة عن بعض أهل الكتاب ، وفيهم كذابون ووضاعون وأفاكون وزنادقة .
وقوله : { وأخذ برأس أخيه يجره إليه } خوفا أن يكون قد قصر في نهيهم ، كما قال في الآية الأخرى : { قال يا هارون ما منعك إذ رأيتهم ضلوا ألا تتبعن أفعصيت أمري . قال يا ابن أم لا تأخذ بلحيتي ولا برأسي إني خشيت أن تقول فرقت بين بني إسرائيل ولم ترقب قولي } [ طه : 92 - 94 ] وقال هاهنا : { ابن أم إن القوم استضعفوني وكادوا يقتلونني فلا تشمت بي الأعداء ولا تجعلني مع القوم الظالمين } أي: لا تسقني مساقهم ، ولا تخلطني معهم . وإنما قال : { ابن أم } ; لتكون أرأف وأنجع عنده ، وإلا فهو شقيقه لأبيه وأمه . فلما تحقق موسى ، عليه السلام ، براءة ساحة هارون عليه السلام كما قال تعالى : { ولقد قال لهم هارون من قبل يا قوم إنما فتنتم به وإن ربكم الرحمن فاتبعوني وأطيعوا أمري } [ طه : 90 ]
تفسير القرطبي : معنى الآية 150 من سورة الأعراف
قوله تعالى ولما رجع موسى إلى قومه غضبان أسفا لم ينصرف غضبان لأن مؤنثه غضبى ، ولأن الألف والنون فيه بمنزلة ألفي التأنيث في قولك حمراء . وهو نصب على الحال . و أسفا شديد الغضب . قال أبو الدرداء : الأسف منزلة وراء الغضب أشد من ذلك . وهو أسف وأسيف وأسفان وأسوف . والأسيف أيضا الحزين . ابن عباس والسدي : رجع حزينا من صنيع قومه . وقال الطبري : أخبره الله عز وجل قبل رجوعه أنهم قد فتنوا بالعجل ; فلذلك رجع وهو غضبان . ابن العربي : وكان موسى عليه السلام من أعظم الناس غضبا ، لكنه كان سريع الفيئة ; فتلك بتلك . قال ابن القاسم : سمعت مالكا يقول : كان موسى عليه السلام إذا غضب طلع الدخان من قلنسوته ، ورفع شعر بدنه جبته . وذلك أن الغضب جمرة تتوقد في القلب . ولأجله أمر النبي صلى الله عليه وسلم من غضب أن يضطجع . فإن لم يذهب غضبه اغتسل ; فيخمدها اضطجاعه ويطفئها اغتساله . وسرعة غضبه كان سببا لصكه ملك الموت ففقأ عينه . وقال الترمذي وقد تقدم في " المائدة " ما للعلماء في هذا . وقال الترمذي الحكيم : وإنما استجاز موسى عليه السلام ذلك لأنه كليم الله ; كأنه رأى أن من اجترأ عليه أو مد إليه يدا بأذى فقد عظم الخطب فيه . ألا ترى أنه احتج عليه فقال : من أين تنزع روحي ؟ أمن فمي وقد ناجيت به ربي ! أم من سمعي وقد سمعت به كلام ربي ! أم من يدي وقد قبضت منه الألواح ! أم من قدمي وقد قمت بين يديه أكلمه بالطور ! أم من عيني وقد أشرق وجهي لنوره . فرجع إلى ربه مفحما . وفي مصنف أبي داود عن أبي ذر قال : إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لنا : إذا غضب أحدكم وهو قائم فليجلس فإن ذهب عنه الغضب وإلا فليضطجع . وروي أيضا عن أبي وائل القاص قال : دخلنا على عروة بن محمد السعدي فكلمه رجل فأغضبه ; فقام ثم رجع وقد توضأ ، فقال : حدثني أبي عن جدي عطية قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : إن الغضب من الشيطان وإن الشيطان خلق من النار وإنما تطفأ النار بالماء فإذا غضب أحدكم فليتوضأ .قوله تعالى قال بئسما خلفتموني من بعدي ذم منه لهم ; أي بئس العمل عملتم بعدي . يقال : خلفه ; بما يكره . ويقال في الخير أيضا . يقال منه : خلفه بخير أو بشر في أهله وقومه بعد شخوصه .أعجلتم أمر ربكم أي سبقتموه . والعجلة : التقدم بالشيء قبل وقته ، وهي مذمومة . والسرعة : عمل الشيء في أول أوقاته ، وهي محمودة . قال يعقوب : يقال عجلت الشيء سبقته . وأعجلت الرجل استعجلته ، أي حملته على العجلة . ومعنى أمر ربكم أي ميعاد ربكم ، أي وعد أربعين ليلة . وقيل : أي تعجلتم سخط ربكم . وقيل : أعجلتم بعبادة العجل قبل أن يأتيكم أمر من ربكم .قوله تعالى وألقى الألواح فيه مسألتان الأولى : قوله تعالى : وألقى الألواح أي مما اعتراه من الغضب والأسف حين أشرف على قومه وهم عاكفون على عبادة العجل ، وعلى أخيه في إهمال أمرهم ; قاله سعيد بن جبير . ولهذا قيل : ليس الخبر كالمعاينة . ولا التفات لما روي عن قتادة إن صح عنه ، ولا يصح أن إلقاءه الألواح إنما كان لما رأى فيها من فضيلة أمة محمد صلى الله عليه وسلم ولم يكن ذلك لأمته . وهذا قول رديء لا ينبغي أن يضاف إلى موسى صلى الله عليه وسلم . وقد تقدم عن ابن عباس رضي الله عنه أن الألواح تكسرت ، وأنه رفع منها التفصيل وبقي فيها الهدى والرحمة . الثانية : وقد استدل بعض جهال المتصوفة بهذا على جواز رمي الثياب إذا اشتد طربهم على المغنى . ثم منهم من يرمي بها صحاحا ، ومنهم من يخرقها ثم يرمي بها . قال : هؤلاء في غيبة فلا يلامون ; فإن موسى عليه السلام لما غلب عليه الغم بعبادة قومه العجل ، رمى الألواح فكسرها ، ولم يدر ما صنع . قال أبو الفرج الجوزي : من يصحح عن موسى عليه السلام أنه رماها رمي كاسر ؟ والذي ذكر في القرآن ألقاها ، فمن أين لنا أنها تكسرت ؟ ثم لو قيل : تكسرت فمن أين لنا أنه قصد كسرها ؟ ثم لو صححنا ذلك عنه قلنا كان في غيبة ، حتى لو كان بين يديه بحر من نار لخاضه . ومن يصحح لهؤلاء غيبتهم وهم يعرفون المغني من غيره ، ويحذرون من بئر لو كانت عندهم . ثم كيف تقاس أحوال الأنبياء على أحوال هؤلاء السفهاء . وقد سئل ابن عقيل عن تواجدهم وتخريق ثيابهم فقال : خطأ وحرام ; وقد نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن إضاعة المال . فقال له قائل : فإنهم لا يعقلون ما يفعلون . فقال : إن حضروا هذه الأمكنة مع علمهم أن الطرب يغلب عليهم فيزيل عقولهم أثموا بما أدخلوه على أنفسهم من التخريق وغيره مما أفسدوا ، ولا يسقط عنهم خطاب الشرع ; لأنهم مخاطبون قبل الحضور بتجنب هذا الموضع الذي يفضي إلى ذلك . كما هم منهيون عن شرب المسكر ، كذلك هذا الطرب الذي يسميه أهل التصوف وجدا إن صدقوا أن فيه سكر طبع ، وإن كذبوا أفسدوا مع الصحو ، فلا سلامة فيه مع الحالين ، وتجنب مواضع الريب واجب .قوله تعالى وأخذ برأس أخيه يجره إليه أي بلحيته وذؤابته . وكان هارون أكبر من موسى - صلوات الله وسلامه عليهما - بثلاث سنين ، وأحب إلى بني إسرائيل من موسى ; لأنه كان لين الغضب . وللعلماء في أخذ موسى برأس أخيه أربع تأويلات :الأول : أن ذلك كان متعارفا عندهم ; كما كانت العرب تفعله من قبض الرجل على لحية أخيه وصاحبه إكراما وتعظيما ، فلم يكن ذلك على طريق الإذلال .الثاني : أن ذلك إنما كان ليسر إليه نزول الألواح عليه ; لأنها نزلت عليه في هذه المناجاة وأراد أن يخفيها عن بني إسرائيل قبل التوراة . فقال له هارون : لا تأخذ بلحيتي ولا برأسي ; لئلا يشتبه سراره على بني إسرائيل بإذلاله .الثالث : إنما فعل ذلك به ; لأنه وقع في نفسه أن هارون مائل مع بني إسرائيل فيما فعلوه من أمر العجل . ومثل هذا لا يجوز على الأنبياء .الرابع : ضم إليه أخاه ليعلم ما لديه ; فكره ذلك هارون لئلا يظن بنو إسرائيل أنه أهانه ; فبين له أخوه أنهم استضعفوه ، يعني عبدة العجل ، وكادوا يقتلونه أي قاربوا . فلما سمع عذره قال : رب اغفر لي ولأخي ; أي اغفر لي ما كان من الغضب الذي ألقيت من أجله الألواح ، ولأخي لأنه ظنه مقصرا في الإنكار عليهم وإن لم يقع منه تقصير ; أي اغفر لأخي إن قصر . قال الحسن : عبد كلهم العجل غير هارون ، إذ لو كان ثم مؤمن غير موسى وهارون لما اقتصر على قوله : رب اغفر لي ولأخي ، ولدعا لذلك المؤمن أيضا . وقيل : استغفر لنفسه من فعله بأخيه ، فعل ذلك لموجدته عليه ; إذ لم يلحق به فيعرفه ما جرى ليرجع فيتلافاهم ; ولهذا قال : ياهارون ما منعك إذ رأيتهم ضلوا الآية . فبين هارون أنه إنما أقام خوفا على نفسه من القتل . فدلت الآية على أن لمن خشي القتل على نفسه عند تغيير المنكر أن يسكت . ابن العربي : وقد تقدم بيان هذا في " آل عمران " ابن العربي وفيها دليل على أن الغضب لا يغير الأحكام كما زعم بعض الناس ; فإن موسى عليه السلام لم يغير غضبه شيئا من أفعاله ، بل اطردت على مجراها من إلقاء لوح وعتاب أخ وصك ملك . المهدوي : لأن غضبه كان لله عز وجل ، وسكوته عن بني إسرائيل خوفا أن يتحاربوا أو يتفرقوا .قوله تعالى قال ابن أم وكان ابن أمه وأبيه . ولكنها كلمة لين وعطف . قال الزجاج : قيل كان هارون أخا موسى لأمه لا لأبيه . وقرئ بفتح الميم وكسرها ; فمن فتح جعل ابن أم اسما واحدا كخمسة عشر ; فصار كقولك : يا خمسة عشر أقبلوا . ومن كسر الميم جعله مضافا إلى ضمير المتكلم ثم حذف ياء الإضافة ; لأن مبنى النداء على الحذف ، وأبقى الكسرة في الميم لتدل على الإضافة ; كقوله : يا عباد . يدل عليه قراءة ابن السميقع " يا ابن أمي " بإثبات الياء على الأصل . وقال الكسائي والفراء وأبو عبيد : " يا ابن أم " بالفتح ، تقديره يا ابن أماه . وقال البصريون : هذا القول خطأ ; لأن الألف خفيفة لا تحذف ، ولكن جعل الاسمين اسما واحدا . وقال الأخفش وأبو حاتم : " يا ابن أم " بالكسر كما تقول : يا غلام غلام أقبل ، وهي لغة شاذة والقراءة بها بعيدة . وإنما هذا فيما يكون مضافا إليك ; فأما المضاف إلى مضاف إليك فالوجه أن تقول : يا غلام غلامي ، ويا ابن أخي . وجوزوا يا ابن أم ، يا بن عم ، لكثرتها في الكلام . قال الزجاج والنحاس : ولكن لها وجه حسن جيد ، يجعل الابن مع الأم ومع العم اسما واحدا ; بمنزلة قولك : يا خمسة عشر أقبلوا ، فحذفت الياء كما حذفت من يا غلامإن القوم استضعفوني استذلوني وعدوني ضعيفا وكادوا أي قاربوا يقتلونني بنونين ; لأنه فعل مستقبل . ويجوز الإدغام في غير القرآن .فلا تشمت بي الأعداء أي لا تسرهم . والشماتة : السرور بما يصيب أخاك من المصائب في الدين والدنيا . وهي محرمة منهي عنها . وفي الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم : لا تظهر الشماتة بأخيك فيعافيه الله ويبتليك . وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يتعوذ منها ويقول : اللهم إني أعوذ بك من سوء القضاء ودرك الشقاء وشماتة الأعداء . أخرجه البخاري وغيره . وقال الشاعر :إذا ما الدهر جر على أناس كلاكله أناخ بآخرينا فقل للشامتين بنا أفيقواسيلقى الشامتون كما لقيناوقرأ مجاهد ومالك بن دينار ( تشمت ) بالنصب في التاء وفتح الميم ، ( الأعداء ) بالرفع . والمعنى : لا تفعل بي ما تشمت من أجله الأعداء ، أي لا يكون ذلك منهم لفعل تفعله أنت بي . وعن مجاهد أيضا ( تشمت ) بالفتح فيهما ( الأعداء ) بالنصب . قال ابن جني : المعنى فلا تشمت بي أنت يا رب . وجاز هذا كما قال : الله يستهزئ بهم ونحوه . ثم عاد إلى المراد فأضمر فعلا نصب به الأعداء ; كأنه قال : ولا تشمت بي الأعداء . قال أبو عبيد : وحكيت عن حميد : " فلا تشمت " بكسر الميم . قال النحاس : ولا وجه لهذه القراءة ; لأنه إن كان من شمت وجب أن يقول تشمت . وإن كان من أشمت وجب أن يقول تشمت . وقوله ولا تجعلني مع القوم الظالمين قال مجاهد : يعني الذين عبدوا العجل .
English | Türkçe | Indonesia |
Русский | Français | فارسی |
تفسير | انجليزي | اعراب |
تفسير آيات من القرآن الكريم
- تفسير: نتلوا عليك من نبإ موسى وفرعون بالحق لقوم يؤمنون
- تفسير: إذ قال ربك للملائكة إني خالق بشرا من طين
- تفسير: الحمد لله الذي أنـزل على عبده الكتاب ولم يجعل له عوجا
- تفسير: فاليوم لا يؤخذ منكم فدية ولا من الذين كفروا مأواكم النار هي مولاكم وبئس المصير
- تفسير: إن المتقين في جنات وعيون
- تفسير: والذين هم عن اللغو معرضون
- تفسير: وكأين من نبي قاتل معه ربيون كثير فما وهنوا لما أصابهم في سبيل الله وما
- تفسير: فخرج على قومه في زينته قال الذين يريدون الحياة الدنيا ياليت لنا مثل ما أوتي
- تفسير: يوم ندعوا كل أناس بإمامهم فمن أوتي كتابه بيمينه فأولئك يقرءون كتابهم ولا يظلمون فتيلا
- تفسير: ليحق الحق ويبطل الباطل ولو كره المجرمون
تحميل سورة الأعراف mp3 :
سورة الأعراف mp3 : قم باختيار القارئ للاستماع و تحميل سورة الأعراف
ماهر المعيقلي
سعد الغامدي
عبد الباسط
أحمد العجمي
المنشاوي
الحصري
مشاري العفاسي
ناصر القطامي
فارس عباد
ياسر الدوسري
لا تنسنا من دعوة صالحة بظهر الغيب