1. التفسير الميسر
  2. تفسير الجلالين
  3. تفسير السعدي
  4. تفسير البغوي
  5. التفسير الوسيط
تفسير القرآن | باقة من أهم تفاسير القرآن الكريم المختصرة و الموجزة التي تعطي الوصف الشامل لمعنى الآيات الكريمات : سبعة تفاسير معتبرة لكل آية من كتاب الله تعالى , [ آل عمران: 169] .

  
   

﴿ وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا ۚ بَلْ أَحْيَاءٌ عِندَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ﴾
[ سورة آل عمران: 169]

القول في تفسير قوله تعالى : ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله أمواتا بل أحياء عند ربهم ..


تفسير الجلالين التفسير الميسر تفسير السعدي
تفسير البغوي التفسير الوسيط تفسير ابن كثير
تفسير الطبري تفسير القرطبي إعراب الآية

التفسير الميسر : ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله أمواتا


ولا تظنَّنَّ -أيها النبي- أن الذين قتلوا في سبيل الله أموات لا يُحِسُّون شيئًا، بل هم أحياء حياة برزخية في جوار ربهم الذي جاهدوا من أجله، وماتوا في سبيله، يجري عليهم رزقهم في الجنة، ويُنعَّمون.

المختصر في التفسير : شرح المعنى باختصار


ولا تظنن - أيها النبي - أن الذين قُتلوا في الجهاد في سبيل الله أموات، بل هم أحياء حياة خاصة عند ربهم في دار كرامته، يرزقون من أنواع النعيم الذي لا يعلمه إلا الله.

تفسير الجلالين : معنى و تأويل الآية 169


«ولا تحسبن الذين قتلوا» بالتخفيف والتشديد «في سبيل الله» أي لأجل دينه «أمواتا بل» هم «أحياءٌ عند ربهم» أرواحهم في حواصل طيور خضر تسرح في الجنة حيث شاءت كما ورد في الحديث «يرزقون» يأكلون من ثمار الجنة.

تفسير السعدي : ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله أمواتا


هذه الآيات الكريمة فيها فضيلة الشهداء وكرامتهم، وما منَّ الله عليهم به من فضله وإحسانه، وفي ضمنها تسلية الأحياء عن قتلاهم وتعزيتهم، وتنشيطهم للقتال في سبيل الله والتعرض للشهادة، فقال: { ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله }- أي: في جهاد أعداء الدين، قاصدين بذلك إعلاء كلمة الله { أمواتا }- أي: لا يخطر ببالك وحسبانك أنهم ماتوا وفقدوا، وذهبت عنهم لذة الحياة الدنيا والتمتع بزهرتها، الذي يحذر من فواته، من جبن عن القتال، وزهد في الشهادة.
{ بل } قد حصل لهم أعظم مما يتنافس فيه المتنافسون.
فهم { أحياء عند ربهم } في دار كرامته.
ولفظ: { عند ربهم } يقتضي علو درجتهم، وقربهم من ربهم، { يرزقون } من أنواع النعيم الذي لا يعلم وصفه، إلا من أنعم به عليهم

تفسير البغوي : مضمون الآية 169 من سورة آل عمران


قوله تعالى : ( ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله أمواتا ) الآية قيل: نزلت في شهداء بدر وكانوا أربعة عشر رجلا ثمانية من الأنصار وستة من المهاجرين .
وقال الآخرون : نزلت في شهداء أحد وكانوا سبعين رجلا أربعة من المهاجرين حمزة بن عبد المطلب ومصعب بن عمير وعثمان بن شماس وعبد الله بن جحش وسائرهم من الأنصار .
أخبرنا أحمد بن عبد الله الصالحي ، أخبرنا أبو بكر أحمد بن الحسن الحيري ، أنا حاجب بن أحمد الطوسي ، أنا محمد بن حماد ، أنا أبو معاوية عن الأعمش ، عن عبد الله بن مرة ، عن مسروق قال : سألنا عبد الله ( هو ابن مسعود ) رضي الله عنهما عن هذه الآية : ( ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله أمواتا بل أحياء عند ربهم يرزقون ) الآية قال أما إنا قد سألنا عن ذلك فقال : " أرواحهم كطير خضر " ويروى " في جوف طير خضر لها قناديل معلقة بالعرش تسرح من الجنة في أيها شاءت ثم تأوي إلى قناديل معلقة بالعرش فبينما هم كذلك إذ اطلع عليهم ربك اطلاعة فقال : سلوني ما شئتم فقالوا : يا رب كيف نسألك ونحن نسرح في الجنة في أيها شئنا؟ فلما رأوا أن لا يتركوا من أن يسألوا شيئا قالوا : إنا نسألك أن ترد أرواحنا إلى أجسادنا نقتل في سبيلك مرة أخرى فلما رأى أنهم لا يسألون إلا هذا تركوا " .
أخبرنا أبو سعيد الشريحي ، أنا أبو إسحاق الثعلبي ، أنا عبد الله بن حامد أخبرنا أحمد بن محمد بن شاذان ، أنا جيعوية أنا صالح بن محمد ، أنا سليمان بن عمرو ، عن إسماعيل بن أمية ، عن عطاء بن أبي رباح ، عن ابن عباس رضي الله عنهما قال قال : رسول الله صلى الله عليه وسلم : " لما أصيب إخوانكم يوم أحد جعل الله عز وجل أرواحهم في أجواف طير خضر ترد أنهار الجنة وتأكل من ثمارها وتسرح من الجنة حيث شاءت وتأوي إلى قناديل من ذهب تحت العرش ، فلما رأوا طيب مقيلهم ومطعمهم ومشربهم ورأوا ما أعد الله لهم من الكرامة قالوا : يا ليت قومنا يعلمون ما نحن فيه من النعيم وما صنع الله بنا كي يرغبوا في الجهاد ولا يتكلوا عنه فقال الله عز وجل أنا مخبر عنكم ومبلغ إخوانكم ففرحوا بذلك واستبشروا فأنزل الله تعالى ( ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله أمواتا ) إلى قوله ( لا يضيع أجر المؤمنين ) " .
سمعت عبد الواحد بن أحمد المليحي ، قال : سمعت الحسن بن أحمد القتيبي قال : سمعت محمد بن عبد الله بن يوسف قال : سمعت محمد بن إسماعيل البكري ، قال : سمعت يحيى بن حبيب بن عربي قال : سمعت موسى بن إبراهيم قال : سمعت طلحة بن خراش قال : سمعت جابر بن عبد الله رضي الله عنهما يقول : لقيني رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال لي : " يا جابر ما لي أراك منكسرا " ؟ قلت يا رسول الله استشهد أبي وترك عيالا ودينا قال : " أفلا أبشرك بما لقي الله به أباك " ؟ قلت : بلى يا رسول الله قال : " ما كلم الله تعالى أحدا قط إلا من وراء حجاب ، وإنه أحيا أباك فكلمه كفاحا قال : يا عبدي تمن علي أعطك قال : يا رب أحيني فأقتل فيك الثانية ، قال الرب تبارك وتعالى : إنه قد سبق مني أنهم لا يرجعون فأنزلت فيهم ( ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله أمواتا ) .
أخبرنا أبو عبد الله محمد بن الفضل الخرقي ، أنا أبو الحسن الطيسفوني ، أنا عبد الله بن عمر الجوهري ، أنا أحمد بن علي الكشميهني ، أنا علي بن حجر أنا إسماعيل بن جعفر ، أنا حميد عن أنس رضي الله عنهم قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " ما من عبد يموت له عند الله خير يحب أن يرجع إلى الدنيا وأن له الدنيا وما فيها ، إلا الشهيد لما يرى من فضل الشهادة ، فإنه يحب أن يرجع إلى الدنيا فيقتل مرة أخرى " .
وقال قوم : نزلت هذه الآية في شهداء بئر معونة وكان سبب ذلك على ما روى محمد بن إسحاق عن أبيه إسحاق بن يسار عن المغيرة بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام وعبد الله بن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم وعن حميد الطويل عن أنس بن مالك وغيرهم من أهل العلم قال : قدم أبو براء عامر بن مالك بن جعفر ، ملاعب الأسنة وكان سيد بني عامر بن صعصعة ، على رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة وأهدى إليه هدية فأبى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يقبلها وقال لا أقبل هدية مشرك ، فأسلم إن أردت أن أقبل هديتك؟ ثم عرض عليه الإسلام وأخبره بما له فيه وما أعد الله للمؤمنين وقرأ عليه القرآن فلم يسلم ، ولم يبعد وقال : يا محمد إن الذي تدعو إليه حسن جميل فلو بعثت رجالا من أصحابك إلى أهل نجد فيدعونهم إلى أمرك رجوت أن يستجيبوا لك .
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إني أخشى عليهم أهل نجد " .
فقال أبو البراء : أنا لهم جار فابعثهم فليدعوا الناس إلى أمرك .
فبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم المنذر بن عمرو أخا بني ساعدة في سبعين رجلا من خيار المسلمين منهم الحارث بن الصمة وحرام بن ملحان وعروة بن أسماء بن الصلت السلمي ونافع بن يزيد بن ورقاء الخزاعي وعامر بن فهيرة مولى أبي بكر رضي الله عنه ، وذلك في صفر سنة أربع من الهجرة على رأس أربعة أشهر من أحد ، فساروا حتى نزلوا بئر معونة وهي أرض بين أرض بني عامر وحرة بني سليم فلما نزلوها قال بعضهم لبعض أيكم يبلغ رسالة رسول الله صلى الله عليه وسلم أهل هذا الماء؟ فقال حرام بن ملحان : أنا فخرج بكتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى عامر بن الطفيل وكان على ذلك الماء فلما أتاهم حرام بن ملحان لم ينظر عامر بن الطفيل في كتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال حرام بن ملحان : يا أهل بئر معونة إني رسول رسول الله إليكم ، إني أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا عبده ورسوله فآمنوا بالله ورسوله فخرج إليه رجل من كسر البيت برمح فضرب به في جنبه حتى خرج من الشق الآخر فقال : الله أكبر فزت ورب الكعبة .
ثم استصرخ عامر بن الطفيل بني عامر على المسلمين فأبوا أن يجيبوه إلى ما دعاهم إليه وقالوا : لن نخفر أبا براء قد عقد لهم عقدا وجوارا ثم استصرخ عليهم قبائل من بني سليم - عصية ورعلا وذكوان - فأجابوه فخرجوا حتى غشوا القوم فأحاطوا بهم في رحالهم فلما رأوهم أخذوا السيوف فقاتلوهم حتى قتلوا من عند آخرهم إلا كعب بن زيد فإنهم تركوه وبه رمق فارتث من بين القتلى فضلوه فيهم فعاش حتى قتل يوم الخندق ، وكان في سرح القوم عمرو بن أمية الضمري ورجل من الأنصار أحد بني عمرو بن عوف فلم ينبههما بمصاب أصحابهما إلا الطير تحوم على المعسكر! فقالا والله إن لهذا الطير لشأنا فأقبلا لينظرا فإذا القوم في دمائهم وإذا الخيل التي أصابتهم واقفة فقال الأنصاري لعمرو بن أمية الضمري : ماذا ترى؟ قال : أرى أن نلحق برسول الله صلى الله عليه وسلم فنخبره فقال الأنصاري الله أكبر لكني ما كنت لأرغب بنفسي عن موطن قتل فيه المنذر بن عمرو ، ثم قاتل القوم حتى قتل وأخذوا عمرو بن أمية الضمري أسيرا فلما أخبرهم أنه من مضر أطلقه عامر بن الطفيل وجز ناصيته وأعتقه عن رقبة زعم أنها كانت على أمه فقدم عمرو بن أمية على رسول الله صلى الله عليه وسلم وأخبره الخبر فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " هذا عمل أبي براء قد كنت لهذا كارها متخوفا " فبلغ ذلك أبا براء فشق عليه إخفار عامر إياه وما أصاب رسول الله صلى الله عليه وسلم بسببه وجواره .
وكان فيمن أصيب عامر بن فهيرة ، فروى محمد بن إسحاق عن هشام بن عروة عن أبيه أن عامر بن الطفيل كان يقول : من الرجل منهم ، لما قتل رأيته رفع بين السماء والأرض حتى رأيت السماء من دونه؟ قالوا : هو عامر بن فهيرة ، ثم بعد ذلك حمل ربيعة بن أبي براء على عامر بن الطفيل فطعنه على فرسه فقتله .
أخبرنا عبد الواحد المليحي ، أنا أحمد بن عبد الله النعيمي ، أنا محمد بن يوسف ، أنا محمد بن إسماعيل ، أنا عبد الأعلى بن حماد ، أنا يزيد بن زريع ، أنا سعيد ، عن قتادة ، عن أنس بن مالك : " أن رعلا وذكوان وعصية وبني لحيان استمدوا رسول الله صلى الله عليه وسلم على عدو لهم فأمدهم بسبعين من الأنصار كنا نسميهم القراء في زمانهم ، وكانوا يحتطبون بالنهار ويصلون بالليل ، حتى كانوا ببئر معونة قتلوهم وغدروا بهم فبلغ النبي صلى الله عليه وسلم فقنت شهرا يدعو في الصبح على أحياء من أحياء العرب على رعل وذكوان وعصية وبني لحيان .
قال أنس رضي الله عنه : فقرأنا ، فيهم قرآنا ، ثم إن ذلك رفع : " بلغوا عنا قومنا أنا لقينا ربنا فرضي عنا وأرضانا " ثم نسخت ( فرفع بعدما قرأناه ) زمانا وأنزل الله تعالى : ( ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله أمواتا ) الآية .
وقيل: إن أولياء الشهداء كانوا إذا أصابتهم نعمة تحسروا على الشهداء ، وقالوا : نحن في النعمة وآباؤنا وأبناؤنا وإخواننا في القبور ، فأنزل الله تعالى تنفيسا عنهم وإخبارا عن حال قتلاهم ( ولا تحسبن ) ولا تظنن ( الذين قتلوا في سبيل الله ) قرأ ابن عامر " قتلوا " ) بالتشديد ، والآخرون بالتخفيف " أمواتا " ) كأموات من لم يقتل في سبيل الله ( بل أحياء عند ربهم ) قيل أحياء في الدين وقيل: في الذكر ، وقيل: لأنهم يرزقون ويأكلون ويتمتعون كالأحياء ، وقيل: لأن أرواحهم تركع وتسجد كل ليلة تحت العرش إلى يوم القيامة ، وقيل: لأن الشهيد لا يبلى في القبر ولا تأكله الأرض .
وقال عبيد بن عمير : مر رسول الله صلى الله عليه وسلم حين انصرف من أحد على مصعب بن عمير وهو مقتول فوقف عليه ودعا له ثم قرأ ( من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه ) ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " أشهد أن هؤلاء شهداء عند الله يوم القيامة ، ألا فأتوهم وزوروهم وسلموا عليهم فوالذي نفسي بيده لا يسلم عليهم أحد إلى يوم القيامة إلا ردوا عليه " .
( يرزقون ) من ثمار الجنة وتحفها .

التفسير الوسيط : ويستفاد من هذه الآية


فقوله-تبارك وتعالى- وَلا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْواتاً بَلْ أَحْياءٌ كلام مستأنف ساقه الله-تبارك وتعالى- لبيان أن القتل في سبيل الله الذي يحذره المنافقون ويحذرون الناس منه ليس مما يحذر، بل هو أجل المطالب وأسناها، إثر بيان أن الحذر لا يدفع القدر، لأن من قدر الله له القتل لا يمكنه الاحتراز عنه.
ومن لم يقدر له ذلك لا خوف عليه منه.
فهذه الآيات الكريمة رد على شماتة المنافقين إثر الردود السابقة، وتحريض للمؤمنين على القتال، وتقرير لحقيقة إسلامية ثابتة هي أن الاستشهاد في سبيل الله ليس فناء بل هو بقاء.
والخطاب في قوله «ولا تحسبن» للنبي صلّى الله عليه وسلّم أو لكل من يتأتى له الخطاب.
والحسبان: لظن، والنهى بلا هنا منصب على هذا الظن، أى أنهاكم عن أن تظنوا أنهم أموات، ونون التوكيد في قوله «ولا تحسبن» لتأكيد هذا النهى.
أى: لا تحسبن أيها الرسول الكريم، أو أيها المؤمن أن الذين قتلوا في سبيل الله، من أجل إعلان كلمته، لا تحسبنهم أمواتا لا يحسون شيئا ولا يلتذون ولا يتنعمون، بل هم أحياء عند ربهم، يرزقون رزق الأحياء، ويتنعمون بألوان النعم التي أسبغها الله عليهم، جزاء إخلاصهم وجهادهم وبذلهم أنفسهم في سبيل الله.
وقوله الَّذِينَ مفعول أول لقوله: تَحْسَبَنَّ وقوله أَمْواتاً مفعوله الثاني وقوله أَحْياءٌ خبر لمبتدأ محذوف أى بل هم أحياء.
وقوله عِنْدَ رَبِّهِمْ يصح أن يكون خبرا ثانيا للمبتدأ المقدر أو صفة لأحياء أو ظرفا له لأن المعنى: يحيون عند ربهم.
والمراد بالعندية هنا المجاز عن القرب والإكرام والتشريف، أى هم أحياء مقربون عنده، قد خصهم بالمنازل الرفيعة، والدرجات العالية، وليس المراد بها القرب المكاني لاستحالة ذلك في حق الله-تبارك وتعالى-.
وقوله يُرْزَقُونَ صفة لقوله أَحْياءٌ وحال من الضمير فيه أى يحيون مرزوقين.
هذا وقد وردت أحاديث متعددة تصرح بأن هذه الآيات الكريمة قد نزلت في شهداء أحد، ويدخل في حكمهم كل شهيد في سبيل الله، ومن هذه الأحاديث ما أخرجه أبو داود وغيره عن ابن عباس قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم «لما أصيب إخوانكم بأحد، جعل الله أرواحهم في أجواف طير خضر ترد أنهار الجنة تأكل من ثمارها، وتأوى إلى قناديل من ذهب معلقة في ظل العرش.
فلما وجدوا طيب مأكلهم ومشربهم وحسن مقيلهم قالوا: من يبلغ إخواننا عنا أننا أحياء في الجنة نرزق لئلا يزهدوا في الجهاد، ولا ينكلوا عند الحرب.
فقال الله-تبارك وتعالى-: «أنا أبلغهم عنكم.
قال: فأنزل الله هؤلاء الآيات وَلا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْواتاً ...
إلخ الآيات.
وأخرج الترمذي وابن ماجة عن جابر بن عبد الله قال: لقيني رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فقال: «يا جابر مالي أراك منكسا مهتما» ؟ قلت يا رسول الله استشهد أبى- في أحد- وترك عيالا وعليه دين.
فقال: ألا أبشرك بما لقى الله- عز وجل - به أباك؟ قلت: بلى يا رسول الله.
قال: إن الله أحيا أباك وكلمه كفاحا- أى مواجهة ليس بينهما حجاب- وما كلم أحدا قط إلا من وراء حجاب، فقال له يا عبدى تمن أعطك.
قال يا رب فردني إلى الدنيا فأقتل فيك ثانية.
فقال الرب-تبارك وتعالى- إنه قد سبق منى أنهم إليها لا يرجعون.
قال: يا رب فأبلغ من ورائي فأنزل الله-تبارك وتعالى- وَلا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْواتاً ...
الآية.
قال القرطبي- بعد أن ساق هذين الحديثين وغيرهما- ما ملخصه: «فقد أخبر الله-تبارك وتعالى- في هذه الآيات عن الشهداء أنهم أحياء في الجنة يرزقون.
والذي عليه الكثيرون أن حياة الشهداء محققة.
ثم منهم من يقول: ترد إليهم الأرواح في قبورهم فينعمون، كما يحيا الكفار في قبورهم فيعذبون.
وصار قوم إلى أن هذا مجاز، والمعنى أنهم في حكم الله مستحقون للتنعم في الجنة.
وقال آخرون أرواحهم في أجواف طير خضر وأنهم يرزقون في الجنة ويأكلون ويتنعمون.
وهذا هو الصحيح من الأقوال، لأن ما صح به النقل فهو الواقع.
وحديث ابن عباس- الذي سقناه قبل قليل- نص يرفع الخلاف» .
والذي تطمئن إليه النفس: أن الآية الكريمة تنبه على أن للشهداء مزية خاصة تجعلهم يفضلون الموتى المعروفين لدى الناس، وهي أنهم في حياة سارة، ونعيم لذيذ، ورزق حسن عند ربهم.
وهذه الحياة الممتازة ترفعهم عن أن يقال فيهم كما يقال في غيرهم: أموات، وإن كان المعنى اللغوي للموت- بمعنى مفارقة الروح للجسد في ظاهر الأمر- حاصلا للشهداء كغيرهم من الموتى.
إلا أن هذه الحياة البرزخية التي أخبر الله بها عن الشهداء نؤمن بها كما ذكرها الله-تبارك وتعالى- ولا ندرك حقيقتها، إذ لا يمكن إدراكها إلا من طريق الوحى، فقد قال-تبارك وتعالى- في آية أخرى: وَلا تَقُولُوا لِمَنْ يُقْتَلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْواتٌ بَلْ أَحْياءٌ وَلكِنْ لا تَشْعُرُونَ أى ولكن لا تحسون ولا تدركون حال هؤلاء الذين قتلوا في سبيل الله بمشاعركم وحواسكم، لأنها من شئون الغيب التي لا طريق للعلم بها إلا بالوحي.

ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله أمواتا: تفسير ابن كثير


خبر تعالى عن الشهداء بأنهم وإن قتلوا في هذه الدار فإن أرواحهم حية مرزوقة في دار القرار .
قال ابن جرير : حدثنا محمد بن مرزوق ، حدثنا عمر بن يونس ، عن عكرمة ، حدثنا ابن إسحاق بن أبي طلحة ، حدثني أنس بن مالك في أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم الذين أرسلهم نبي الله صلى الله عليه وسلم إلى أهل بئر معونة قال : لا أدري أربعين أو سبعين . وعلى ذلك الماء عامر بن الطفيل الجعفري ، فخرج أولئك النفر من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ، حتى أتوا غارا مشرفا على الماء فقعدوا فيه ، ثم قال بعضهم لبعض : أيكم يبلغ رسالة رسول الله صلى الله عليه وسلم أهل هذا الماء ؟ فقال - أراه ابن ملحان الأنصاري - : أنا أبلغ رسالة رسول الله صلى الله عليه وسلم . فخرج حتى أتى حيا [ منهم ] فاختبأ أمام البيوت ، ثم قال : يا أهل بئر معونة ، إني رسول رسول الله إليكم ، إني أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا عبده ورسوله ، فآمنوا بالله ورسوله . فخرج إليه رجل من كسر البيت برمح فضرب به في جنبه حتى خرج من الشق الآخر . فقال : الله أكبر ، فزت ورب الكعبة . فاتبعوا أثره حتى أتوا أصحابه في الغار فقتلهم أجمعين عامر بن الطفيل . وقال إسحاق : حدثني أنس بن مالك ، أن الله [ تعالى ] أنزل فيهم قرآنا : بلغوا عنا قومنا أنا قد لقينا ربنا فرضي عنا ورضينا عنه ثم نسخت فرفعت بعد ما قرأناه زمنا ، وأنزل الله : { ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله أمواتا بل أحياء عند ربهم يرزقون } .
وقد قال الإمام أبو الحسين مسلم بن الحجاج القشيري في صحيحه : حدثنا محمد بن عبد الله بن نمير ، حدثنا أبو معاوية ، حدثنا الأعمش ، عن عبد الله بن مرة ، عن مسروق قال : سألنا عبد الله عن هذه الآية : { ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله أمواتا بل أحياء عند ربهم يرزقون } فقال : أما إنا قد سألنا عن ذلك فقال : " أرواحهم في جوف طير خضر لها قناديل معلقة بالعرش ، تسرح من الجنة حيث شاءت ، ثم تأوي إلى تلك القناديل ، فاطلع إليهم ربهم اطلاعة فقال : هل تشتهون شيئا ؟ فقالوا : أي شيء نشتهي ونحن نسرح من الجنة حيث شئنا ؟ ففعل ذلك بهم ثلاث مرات ، فلما رأوا أنهم لن يتركوا من أن يسألوا قالوا : يا رب ، نريد أن ترد أرواحنا في أجسادنا حتى نقتل في سبيلك مرة أخرى ، فلما رأى أن ليس لهم حاجة تركوا " . وقد روي نحوه عن أنس وأبي سعيد .
حديث آخر : قال الإمام أحمد : حدثنا عبد الصمد ، حدثنا حماد ، حدثنا ثابت عن أنس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " ما من نفس تموت ، لها عند الله خير ، يسرها أن ترجع إلى الدنيا إلا الشهيد فإنه يسره أن يرجع إلى الدنيا فيقتل مرة أخرى لما يرى من فضل الشهادة " .
انفرد به مسلم من طريق حماد .
حديث آخر : قال الإمام أحمد : حدثنا علي بن عبد الله المديني ، حدثنا سفيان ، عن محمد بن علي بن ربيعة السلمي ، عن عبد الله بن محمد بن عقيل ، عن جابر قال : قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم : " أما علمت أن الله أحيا أباك فقال له : تمن علي ، فقال له : أرد إلى الدنيا ، فأقتل مرة أخرى ، فقال : إني قضيت الحكم أنهم إليها لا يرجعون " .
انفرد به أحمد من هذا الوجه وقد ثبت في الصحيحين وغيرهما أن أبا جابر - وهو عبد الله بن عمرو بن حرام الأنصاري رضي الله عنه - قتل يوم أحد شهيدا . قال البخاري : وقال أبو الوليد ، عن شعبة عن ابن المنكدر قال : سمعت جابرا قال : لما قتل أبي جعلت أبكي وأكشف الثوب عن وجهه ، فجعل أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ينهونني والنبي صلى الله عليه وسلم لم ينه ، وقال النبي صلى الله عليه وسلم : " لا تبكه - أو : ما تبكيه - ما زالت الملائكة تظله بأجنحتها حتى رفع " . وقد أسنده هو ومسلم والنسائي من طريق آخر عن شعبة عن محمد بن المنكدر عن جابر قال : لما قتل أبي يوم أحد ، جعلت أكشف الثوب عن وجهه وأبكي . . . وذكر تمامه بنحوه .
حديث آخر : قال الإمام أحمد : حدثنا يعقوب ، حدثنا أبي ، عن ابن إسحاق ، حدثنا إسماعيل بن أمية بن عمرو بن سعيد ، عن أبي الزبير المكي ، عن ابن عباس ، رضي الله عنهما ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " لما أصيب إخوانكم بأحد جعل الله أرواحهم في أجواف طير خضر ، ترد أنهار الجنة ، وتأكل من ثمارها وتأوي إلى قناديل من ذهب في ظل العرش ، فلما وجدوا طيب مشربهم ، ومأكلهم ، وحسن منقلبهم قالوا : يا ليت إخواننا يعلمون ما صنع الله لنا ، لئلا يزهدوا في الجهاد ، ولا ينكلوا عن الحرب " فقال الله عز وجل : أنا أبلغهم عنكم . فأنزل الله عز وجل هؤلاء الآيات : { ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله أمواتا بل أحياء عند ربهم يرزقون } وما بعدها " .
هكذا رواه [ الإمام ] أحمد ، وكذا رواه ابن جرير عن يونس ، عن ابن وهب ، عن إسماعيل بن عياش عن محمد بن إسحاق به ورواه أبو داود والحاكم في مستدركه من حديث عبد الله بن إدريس عن محمد بن إسحاق ، عن إسماعيل بن أمية ، عن أبي الزبير ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس فذكره ، وهذا أثبت . وكذا رواه سفيان الثوري ، عن سالم الأفطس ، عن سعيد بن جبير عن ابن عباس .
وروى الحاكم في مستدركه من حديث أبي إسحاق الفزاري ، عن سفيان عن إسماعيل بن أبي خالد ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس قال : نزلت هذه الآية في حمزة وأصحابه : { ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله أمواتا بل أحياء عند ربهم يرزقون } ثم قال : صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه .
وكذا قال قتادة ، والربيع ، والضحاك : إنها نزلت في قتلى أحد .
حديث آخر : قال أبو بكر بن مردويه : حدثنا عبد الله بن جعفر ، حدثنا هارون بن سليمان أنبأنا علي بن عبد الله المديني ، أنبأنا موسى بن إبراهيم بن كثير بن بشير بن الفاكه الأنصاري ، سمعت طلحة بن خراش بن عبد الرحمن بن خراش بن الصمة الأنصاري ، قال : سمعت جابر بن عبد الله قال : نظر إلي رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات يوم فقال : " يا جابر ، ما لي أراك مهتما ؟ " قال : قلت : يا رسول الله ، استشهد أبي وترك دينا وعيالا . قال : فقال : " ألا أخبرك ؟ ما كلم الله أحدا قط إلا من وراء حجاب ، وإنه كلم أباك كفاحا - قال علي : الكفاح : المواجهة - فقال : سلني أعطك . قال : أسألك أن أرد إلى الدنيا فأقتل فيك ثانية فقال الرب عز وجل : إنه سبق مني القول أنهم إليها لا يرجعون . قال : أي رب : فأبلغ من ورائي . فأنزل الله [ عز وجل ] } ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله أمواتا } الآية .
ثم رواه من طريق أخرى عن محمد بن سليمان بن سبيط الأنصاري ، عن أبيه ، عن جابر ، به نحوه . وكذا رواه البيهقي في " دلائل النبوة " من طريق علي بن المديني ، به .
وقد رواه البيهقي أيضا من حديث أبي عبادة الأنصاري ، وهو عيسى بن عبد الرحمن ، إن شاء الله ، عن الزهري ، عن عروة ، عن عائشة [ رضي الله عنها ] قالت : قال النبي صلى الله عليه وسلم لجابر : " يا جابر ، ألا أبشرك ؟ قال : بلى ، بشرك الله بالخير . قال شعرت أن الله أحيا أباك فقال : تمن علي عبدي ما شئت أعطكه . قال : يا رب ، ما عبدتك حق عبادتك . أتمنى عليك أن تردني إلى الدنيا فأقاتل مع نبيك ، وأقتل فيك مرة أخرى . قال : إنه سلف مني أنه إليها [ لا ] يرجع " .
حديث آخر : قال الإمام أحمد : حدثنا يعقوب ، حدثنا أبي ، عن ابن إسحاق ، حدثنا الحارث بن فضيل الأنصاري ، عن محمود بن لبيد ، عن ابن عباس ، رضي الله عنهما ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " الشهداء على بارق نهر بباب الجنة ، في قبة خضراء ، يخرج عليهم رزقهم من الجنة بكرة وعشيا " .
تفرد به أحمد ، وقد رواه ابن جرير عن أبي كريب حدثنا عبد الرحيم بن سليمان ، وعبدة عن محمد بن إسحاق ، به . وهو إسناد جيد .
وكان الشهداء أقسام : منهم من تسرح أرواحهم في الجنة ، ومنهم من يكون على هذا النهر بباب الجنة ، وقد يحتمل أن يكون منتهى سيرهم إلى هذا النهر فيجتمعون هنالك ، ويغدى عليهم برزقهم هناك ويراح ، والله أعلم .
وقد روينا في مسند الإمام أحمد حديثا فيه البشارة لكل مؤمن بأن روحه تكون في الجنة تسرح أيضا فيها ، وتأكل من ثمارها ، وترى ما فيها من النضرة والسرور ، وتشاهد ما أعده الله لها من الكرامة ، وهو بإسناد صحيح عزيز عظيم ، اجتمع فيه ثلاثة من الأئمة الأربعة أصحاب المذاهب المتبعة ، فإن الإمام أحمد ، رحمه الله ، رواه عن [ الإمام ] محمد بن إدريس الشافعي ، رحمه الله ، عن مالك بن أنس الأصبحي ، رحمه الله ، عن الزهري عن عبد الرحمن بن كعب بن مالك ، عن أبيه ، رضي الله عنه ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " نسمة المؤمن طائر يعلق في شجر الجنة ، حتى يرجعه الله إلى جسده يوم يبعثه " .
قوله : " يعلق " أي: يأكل .
وفي هذا الحديث : " إن روح المؤمن تكون على شكل طائر في الجنة " .
وأما أرواح الشهداء ، فكما تقدم في حواصل طير خضر ، فهي كالكواكب بالنسبة إلى أرواح عموم المؤمنين فإنها تطير بأنفسها ، فنسأل الله الكريم المنان أن يثبتنا على الإيمان .

تفسير القرطبي : معنى الآية 169 من سورة آل عمران


قوله تعالى : ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله أمواتا بل أحياء الأولى : لما بين الله تعالى أن ما جرى يوم أحد كان امتحانا يميز المنافق من الصادق ، بين أن من لم ينهزم فقتل له الكرامة والحياة عنده .
والآية في شهداء أحد .
وقيل : نزلت في شهداء بئر معونة .
وقيل : بل هي عامة في جميع الشهداء .
وفي مصنف أبي داود بإسناد صحيح عن ابن عباس قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لما أصيب إخوانكم بأحد جعل الله أرواحهم في جوف طير خضر ترد أنهار الجنة تأكل من ثمارها وتأوي إلى قناديل من ذهب معلقة في ظل العرش فلما وجدوا طيب مأكلهم ومشربهم ومقيلهم قالوا من يبلغ إخواننا عنا أنا أحياء في الجنة نرزق لئلا يزهدوا في الجهاد ولا ينكلوا عند الحرب فقال الله سبحانه أنا أبلغهم عنكم - قال - فأنزل الله ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله أمواتا ... إلى آخر الآيات .
وروى بقي بن مخلد عن جابر قال : لقيني رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال : ( يا جابر ما لي أراك منكسا مهتما ) ؟ قلت : يا رسول الله ، استشهد أبي وترك عيالا وعليه دين ; فقال : ( ألا أبشرك بما لقي الله عز وجل به أباك ) ؟ قلت : بلى يا رسول الله .
قال : ( إن الله أحيا أباك وكلمه كفاحا وما كلم أحد قط إلا من وراء حجاب فقال له يا عبدي تمن أعطك قال يا رب فردني إلى الدنيا فأقتل فيك ثانية فقال الرب تبارك وتعالى إنه قد سبق مني أنهم إليها لا يرجعون قال يا رب فأبلغ من ورائي ) فأنزل الله عز وجل ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله الآية .
أخرجه ابن ماجه في سننه ، والترمذي في جامعه وقال : هذا حديث حسن غريب .
وروى وكيع عن سالم بن الأفطس عن سعيد بن جبير ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله أمواتا بل أحياء قال : لما أصيب حمزة بن عبد المطلب ومصعب بن عمير ورأوا ما رزقوا من الخير قالوا : ليت إخواننا يعلمون ما أصابنا من الخير كي يزدادوا في الجهاد رغبة ; فقال الله تعالى أنا أبلغهم عنكم ، فأنزل الله تعالى : ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله أمواتا - إلى قوله : لا يضيع أجر المؤمنين .
وقال أبو الضحى : نزلت هذه الآية في أهل أحد خاصة .
والحديث الأول يقتضي صحة هذا القول .
وقال بعضهم : نزلت في شهداء بدر وكانوا أربعة عشر رجلا ; ثمانية من الأنصار ، وستة من المهاجرين .
وقيل : نزلت في شهداء بئر معونة ، وقصتهم مشهورة ذكرها محمد بن إسحاق وغيره .
وقال آخرون : إن أولياء الشهداء كانوا إذا أصابتهم نعمة وسرور تحسروا وقالوا : نحن في النعمة والسرور ، وآباؤنا وأبناؤنا وإخواننا في القبور .
فأنزل الله تعالى هذه الآية تنفيسا عنهم وإخبارا عن حال قتلاهم .
قلت : وبالجملة وإن كان يحتمل أن يكون النزول بسبب المجموع فقد أخبر الله تعالى فيها عن الشهداء أنهم أحياء في الجنة يرزقون ، ولا محالة أنهم ماتوا وأن أجسادهم في التراب ، وأرواحهم حية كأرواح سائر المؤمنين ، وفضلوا بالرزق في الجنة من وقت القتل حتى كأن حياة الدنيا دائمة لهم .
وقد اختلف العلماء في هذا المعنى .
فالذي عليه المعظم هو ما ذكرناه ، وأن حياة الشهداء محققة .
ثم منهم من يقول : ترد إليهم الأرواح في قبورهم فينعمون ، كما يحيا الكفار في قبورهم فيعذبون .
وقال مجاهد : يرزقون من ثمر الجنة ، أي يجدون ريحها وليسوا فيها .
وصار قوم إلى أن هذا مجاز ، والمعنى أنهم في حكم الله مستحقون للتنعم في الجنة .
وهو كما يقال : ما مات فلان ، أي ذكره حي ; كما قيل :موت التقي حياة لا فناء لها قد مات قوم وهم في الناس أحياءفالمعنى أنهم يرزقون الثناء الجميل .
وقال آخرون : أرواحهم في أجواف طير خضر وأنهم يرزقون في الجنة ويأكلون ويتنعمون .
وهذا هو الصحيح من الأقوال ; لأن ما صح به النقل فهو الواقع .
وحديث ابن عباس نص يرفع الخلاف .
وكذلك حديث ابن مسعود خرجه مسلم .
وقد أتينا على هذا المعنى مبينا في كتاب " التذكرة بأحوال الموتى وأمور الآخرة " .
والحمد للهوقد ذكرنا هناك الشهداء ، وأنهم مختلفو الحال .
وأما من تأول في الشهداء أنهم أحياء بمعنى أنهم سيحيون فبعيد يرده القرآن والسنة ; فإن قوله تعالى : بل أحياء دليل على حياتهم ، وأنهم يرزقون ولا يرزق إلا حي .
وقد قيل : إنه يكتب لهم في كل سنة ثواب غزوة ; ويشركون في ثواب كل جهاد كان بعدهم إلى يوم القيامة ; لأنهم سنوا أمر الجهاد .
نظيره قوله تعالى : من أجل ذلك كتبنا على بني إسرائيل أنه من قتل نفسا .
على ما يأتي بيانه هناك إن شاء الله تعالى .
وقيل : لأن أرواحهم تركع وتسجد تحت العرش إلى يوم القيامة ، كأرواح الأحياء المؤمنين الذين باتوا على وضوء .
وقيل : لأن الشهيد لا يبلى في القبر ولا تأكله الأرض .
وقد ذكرنا هذا المعنى في " التذكرة " وأن الأرض لا تأكل الأنبياء والشهداء والعلماء والمؤذنين المحتسبين وحملة القرآن .
الثانية : إذا كان الشهيد حيا حكما فلا يصلى عليه ، كالحي حسا .
وقد اختلف العلماء في غسل الشهداء والصلاة عليهم ; فذهب مالك والشافعي وأبو حنيفة والثوري إلى غسل جميع الشهداء والصلاة عليهم ; إلا قتيل المعترك في قتال العدو خاصة ; لحديث جابر قال : قال النبي - صلى الله عليه وسلم - : ( ادفنوهم بدمائهم ) يعني يوم أحد ولم يغسلهم ، رواه البخاري .
وروى أبو داود عن ابن عباس قال : أمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بقتلى أحد أن ينزع عنهم الحديد والجلود وأن يدفنوا بدمائهم وثيابهم .
وبهذا قال أحمد وإسحاق والأوزاعي وداود بن علي وجماعة فقهاء الأمصار وأهل الحديث وابن علية .
وقال سعيد بن المسيب والحسن : يغسلون .
قال أحدهما : إنما لم تغسل شهداء أحد لكثرتهم والشغل عن ذلك .
قال أبو عمر : ولم يقل بقول سعيد والحسن هذا أحد من فقهاء الأمصار إلا عبيد الله بن الحسن العنبري ، وليس ما ذكروا من الشغل عن غسل شهداء أحد علة ; لأن كل واحد منهم كان له ولي يشتغل به ويقوم بأمره .
والعلة في ذلك - والله أعلم - ما جاء في الحديث في دمائهم ( أنها تأتي يوم القيامة كريح المسك ) فبان أن العلة ليست الشغل كما قال من قال في ذلك ، وليس لهذه المسألة مدخل في القياس والنظر ، وإنما هي مسألة اتباع للأثر الذي نقله الكافة في قتلى أحد لم يغسلوا .
وقد احتج بعض المتأخرين ممن ذهب مذهب الحسن بقوله عليه السلام في شهداء أحد .
أنا شهيد على هؤلاء يوم القيامة .
قال : وهذا يدل على خصوصهم وأنه لا يشركهم في ذلك غيرهم .
قال أبو عمر : وهذا يشبه الشذوذ ، والقول بترك غسلهم أولى ; لثبوت ذلك عن النبي - صلى الله عليه وسلم - في قتلى أحد وغيرهم .
وروى أبو داود عن جابر قال : رمي رجل بسهم في صدره أو في حلقه فمات فأدرج في ثيابه كما هو .
قال : ونحن مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - .
الثالثة : وأما الصلاة عليهم فاختلف العلماء في ذلك أيضا ; فذهب مالك والليث والشافعي وأحمد وداود إلى أنه لا يصلى عليهم ; لحديث جابر قال : كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يجمع بين الرجلين من قتلى أحد في ثوب واحد ثم يقول : ( أيهما أكثر أخذا للقرآن ) ؟ فإذا أشير له إلى أحدهما قدمه في اللحد وقال : ( أنا شهيد على هؤلاء يوم القيامة ) وأمر بدفنهم بدمائهم ولم يغسلوا ولم يصل عليهم .
وقال فقهاء الكوفة والبصرة والشام : يصلى عليهم .
ورووا آثارا كبيرة أكثرها مراسيل أن النبي - صلى الله عليه وسلم - صلى على حمزة وعلى سائر شهداء أحد .
الرابعة : وأجمع العلماء على أن الشهيد إذا حمل حيا ولم يمت في المعترك وعاش وأكل فإنه يصلى عليه ; كما قد صنع بعمر - رضي الله عنه - .
واختلفوا فيمن قتل مظلوما كقتيل الخوارج وقطاع الطريق وشبه ذلك ; فقال أبو حنيفة والثوري : كل من قتل مظلوما لم يغسل ، ولكنه يصلى عليه وعلى كل شهيد ; وهو قول سائر أهل العراق .
ورووا من طرق كثيرة صحاح عن زيد بن صوحان ، وكان قتل يوم الجمل : لا تنزعوا عني ثوبا ولا تغسلوا عني دما .
وثبت عن عمار بن ياسر أنه قال مثل قول زيد بن صوحان .
وقتل عمار بن ياسر بصفين ولم يغسله علي .
وللشافعي قولان : أحدهما - يغسل كجميع الموتى إلا من قتله أهل الحرب ; وهذا قول مالك .
قال مالك : لا يغسل من قتله الكفار ومات في المعترك .
وكل مقتول غير قتيل المعترك - قتيل الكفار - فإنه يغسل ويصلى عليه .
وهذا قول أحمد بن حنبل - رضي الله عنه - .
والقول الآخر للشافعي - لا يغسل قتيل البغاة .
وقول مالك أصح ; فإن غسل الموتى قد ثبت بالإجماع ونقل الكافة .
فواجب غسل كل ميت إلا من أخرجه إجماع أو سنة ثابتة .
وبالله التوفيق .
الخامسة : العدو إذا صبح قوما في منزلهم ولم يعلموا به فقتل منهم فهل يكون حكمه حكم قتيل المعترك ، أو حكم سائر الموتى ; وهذه المسألة نزلت عندنا بقرطبة أعادها الله : أغار العدو - قصمه الله - صبيحة الثالث من رمضان المعظم سنة سبع وعشرين وستمائة والناس في أجرانهم على غفلة ، فقتل وأسر ، وكان من جملة من قتل والدي رحمه الله ; فسألت شيخنا المقرئ الأستاذ أبا جعفر أحمد المعروف بأبي حجة فقال ; غسله وصل عليه ، فإن أباك لم يقتل في المعترك بين الصفين .
ثم سألت شيخنا ربيع بن عبد الرحمن بن أحمد بن ربيع بن أبي فقال : إن حكمه حكم القتلى في المعترك .
ثم سألت قاضي الجماعة أبا الحسن علي بن قطرال وحوله جماعة من الفقهاء فقالوا : غسله وكفنه وصل عليه ; ففعلت .
ثم بعد ذلك وقفت على المسألة في " التبصرة " لأبي الحسن اللخمي وغيرها .
ولو كان ذلك قبل ذلك ما غسلته ، وكنت دفنته بدمه في ثيابه .
السادسة : هذه الآية تدل على عظيم ثواب القتل في سبيل الله والشهادة فيه حتى إنه يكفر الذنوب ; كما قال - صلى الله عليه وسلم - : القتل في سبيل الله يكفر كل شيء إلا الدين كذلك قال لي جبريل عليه السلام آنفا .
قال علماؤنا ذكر الدين تنبيه على ما في معناه من الحقوق المتعلقة بالذمم ، كالغصب وأخذ المال بالباطل وقتل العمد وجراحه وغير ذلك من التبعات ، فإن كل هذا أولى ألا يغفر بالجهاد من الدين فإنه أشد ، والقصاص في هذا كله بالحسنات والسيئات حسبما وردت به السنة الثابتة .
روى عبد الله بن أنيس قال : سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول : يحشر الله العباد - أو قال الناس ، شك همام ، وأومأ بيده إلى الشام - عراة غرلا بهما .
قلنا : ما بهم ؟ قال : ليس معهم شيء فيناديهم بصوت يسمعه من قرب ومن بعد أنا الملك أنا الديان لا ينبغي لأحد من أهل الجنة أن يدخل الجنة وأحد من أهل النار يطلبه بمظلمة ولا ينبغي لأحد من أهل النار أن يدخل النار وأحد من أهل الجنة يطلبه بمظلمة حتى اللطمة .
قال قلنا : كيف وإنما نأتي الله حفاة عراة غرلا .
قال : بالحسنات والسيئات .
أخرجه الحارث بن أبي أسامة .
وفي صحيح مسلم عن أبي هريرة أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : ( أتدرون من المفلس ) ؟ .
قالوا : المفلس فينا من لا درهم له ولا متاع .
فقال : ( إن المفلس من أمتي من يأتي يوم القيامة بصلاة وصيام وزكاة ويأتي قد شتم هذا وقذف هذا وأكل مال هذا وسفك دم هذا وضرب هذا فيعطى هذا من حسناته وهذا من حسناته فإن فنيت حسناته قبل أن يقضي ما عليه أخذ من خطاياهم فطرحت عليه ثم طرح في النار ) .
وقال - صلى الله عليه وسلم - : والذي نفسي بيده لو أن رجلا قتل في سبيل الله ثم أحيي ثم قتل ثم أحيي ثم قتل وعليه دين ما دخل الجنة حتى يقضى عنه .
وروى أبو هريرة قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : ( نفس المؤمن معلقة ما كان عليه دين ) .
وقال أحمد بن زهير : سئل يحيى بن معين عن هذا الحديث فقال : هو صحيح .
فإن قيل : فهذا يدل على أن بعض الشهداء لا يدخلون الجنة من حين القتل ، ولا تكون أرواحهم في جوف طير كما ذكرتم ، ولا يكونون في قبورهم ، فأين يكونون ؟ قلنا : قد ورد عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال : أرواح الشهداء على نهر بباب الجنة يقال له بارق يخرج عليهم رزقهم من الجنة بكرة وعشيا فلعلهم هؤلاء ، والله أعلم .
ولهذا قال الإمام أبو محمد بن عطية : وهؤلاء طبقات وأحوال مختلفة يجمعها أنهم يرزقون .
وقد أخرج الإمام أبو عبد الله محمد بن يزيد بن ماجه القزويني في سننه عن سليم بن عامر قال : سمعت أبا أمامة يقول سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول : شهيد البحر مثل شهيدي البر والمائد في البحر كالمتشحط في دمه في البر وما بين الموجتين كقاطع الدنيا في طاعة الله وإن الله عز وجل وكل ملك الموت بقبض الأرواح إلا شهداء البحر فإنه سبحانه يتولى قبض أرواحهم ويغفر لشهيد البر الذنوب كلها إلا الدين ويغفر لشهيد البحر الذنوب كلها والدين .
السابعة : الدين الذي يحبس به صاحبه عن الجنة - والله أعلم - هو الذي قد ترك له وفاء ولم يوص به .
أو قدر على الأداء فلم يؤده ، أو ادانه في سرف أو في سفه ومات ولم يوفه .
وأما من ادان في حق واجب لفاقة وعسر ومات ولم يترك وفاء فإن الله لا يحبسه عن الجنة إن شاء الله ; لأن على السلطان فرضا أن يؤدي عنه دينه ، إما من جملة الصدقات ، أو من سهم الغارمين ، أو من الفيء الراجع على المسلمين .
قال - صلى الله عليه وسلم - : من ترك دينا أو ضياعا فعلى الله ورسوله ومن ترك مالا فلورثته .
وقد زدنا هذا الباب بيانا في كتاب ( التذكرة ) والحمد لله .
الثامنة : قوله تعالى : عند ربهم يرزقون فيه حذف مضاف تقديره عند كرامة ربهم .
و " عند " هنا تقتضي غاية القرب ، فهي ك ( لدى ) ولذلك لم تصغر فيقال ! عنيد ; قال سيبويه .
فهذه عندية الكرامة لا عندية المسافة والقرب .
و يرزقون هو الرزق المعروف في العادات .
ومن قال : هي حياة الذكر قال : يرزقون الثناء الجميل .
والأول الحقيقة .
وقد قيل : إن الأرواح تدرك في تلك الحال التي يسرحون فيها من روائح الجنة وطيبها ونعيمها وسرورها ما يليق بالأرواح ; مما ترتزق وتنتعش به .
وأما اللذات الجسمانية فإذا أعيدت تلك الأرواح إلى أجسادها استوفت من النعيم جميع ما أعد الله لها .
وهذا قول حسن ، وإن كان فيه نوع من المجاز ، فهو الموافق لما اخترناه .
والموفق الإله .

﴿ ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله أمواتا بل أحياء عند ربهم يرزقون ﴾ [ آل عمران: 169]

سورة : آل عمران - الأية : ( 169 )  - الجزء : ( 4 )  -  الصفحة: ( 72 )

English Türkçe Indonesia
Русский Français فارسی
تفسير انجليزي اعراب

تفسير آيات من القرآن الكريم

  1. تفسير: إنا لمغرمون
  2. تفسير: وإذا الجبال نسفت
  3. تفسير: إنا أنـزلناه قرآنا عربيا لعلكم تعقلون
  4. تفسير: وأرادوا به كيدا فجعلناهم الأخسرين
  5. تفسير: ومن أظلم ممن افترى على الله كذبا أو كذب بآياته إنه لا يفلح الظالمون
  6. تفسير: أفأصفاكم ربكم بالبنين واتخذ من الملائكة إناثا إنكم لتقولون قولا عظيما
  7. تفسير: سبحان الذي خلق الأزواج كلها مما تنبت الأرض ومن أنفسهم ومما لا يعلمون
  8. تفسير: وإما تخافن من قوم خيانة فانبذ إليهم على سواء إن الله لا يحب الخائنين
  9. تفسير: فبأي آلاء ربكما تكذبان
  10. تفسير: كلوا واشربوا هنيئا بما كنتم تعملون

تحميل سورة آل عمران mp3 :

سورة آل عمران mp3 : قم باختيار القارئ للاستماع و تحميل سورة آل عمران

سورة آل عمران بصوت ماهر المعيقلي
ماهر المعيقلي
سورة آل عمران بصوت سعد الغامدي
سعد الغامدي
سورة آل عمران بصوت عبد  الباسط عبد الصمد
عبد الباسط
سورة آل عمران بصوت أحمد العجمي
أحمد العجمي
سورة آل عمران بصوت محمد صديق المنشاوي
المنشاوي
سورة آل عمران بصوت محمود خليل الحصري
الحصري
سورة آل عمران بصوت مشاري راشد العفاسي
مشاري العفاسي
سورة آل عمران بصوت ناصر القطامي
ناصر القطامي
سورة آل عمران بصوت فارس عباد
فارس عباد
سورة آل عمران بصوت ياسر لدوسري
ياسر الدوسري

لا+تحسبن , قتلوا+في+سبيل+الله , أمواتا , أحياء , يرزقون ,

لا تنسنا من دعوة صالحة بظهر الغيب