تفسير القرآن | باقة من أهم تفاسير القرآن الكريم المختصرة و الموجزة التي تعطي الوصف الشامل لمعنى الآيات الكريمات : سبعة تفاسير معتبرة لكل آية من كتاب الله تعالى , [ البقرة: 191] .
﴿ وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ ثَقِفْتُمُوهُمْ وَأَخْرِجُوهُم مِّنْ حَيْثُ أَخْرَجُوكُمْ ۚ وَالْفِتْنَةُ أَشَدُّ مِنَ الْقَتْلِ ۚ وَلَا تُقَاتِلُوهُمْ عِندَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ حَتَّىٰ يُقَاتِلُوكُمْ فِيهِ ۖ فَإِن قَاتَلُوكُمْ فَاقْتُلُوهُمْ ۗ كَذَٰلِكَ جَزَاءُ الْكَافِرِينَ﴾
﴿ وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ ثَقِفْتُمُوهُمْ وَأَخْرِجُوهُم مِّنْ حَيْثُ أَخْرَجُوكُمْ ۚ وَالْفِتْنَةُ أَشَدُّ مِنَ الْقَتْلِ ۚ وَلَا تُقَاتِلُوهُمْ عِندَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ حَتَّىٰ يُقَاتِلُوكُمْ فِيهِ ۖ فَإِن قَاتَلُوكُمْ فَاقْتُلُوهُمْ ۗ كَذَٰلِكَ جَزَاءُ الْكَافِرِينَ﴾
[ سورة البقرة: 191]
القول في تفسير قوله تعالى : واقتلوهم حيث ثقفتموهم وأخرجوهم من حيث أخرجوكم والفتنة أشد من القتل ولا ..
تفسير الجلالين | التفسير الميسر | تفسير السعدي |
تفسير البغوي | التفسير الوسيط | تفسير ابن كثير |
تفسير الطبري | تفسير القرطبي | إعراب الآية |
التفسير الميسر : واقتلوهم حيث ثقفتموهم وأخرجوهم من حيث أخرجوكم والفتنة
واقتلوا الذين يقاتلونكم من المشركين حيث وجدتموهم، وأخرجوهم من المكان الذي أخرجوكم منه وهو "مكة". والفتنة -وهي الكفر والشرك والصد عن الإسلام- أشد من قتلكم إياهم. ولا تبدؤوهم بالقتال عند المسجد الحرام تعظيمًا لحرماته حتى يبدؤوكم بالقتال فيه، فإن قاتلوكم في المسجد الحرام فاقتلوهم فيه. مثل ذلك الجزاء الرادع يكون جزاء الكافرين.
المختصر في التفسير : شرح المعنى باختصار
واقتلوهم حيث لقيتموهم، وأخرجوهم من المكان الذي أخرجوكم منه، وهو مكة، والفتنة الحاصلة بصَدِّ المؤمن عن دينه ورجوعه إلى الكفر أعظم من القتل.
ولا تبدؤوهم بقتال عند المسجد الحرام تعظيمًا له حتى يبدؤوكم بالقتال فيه، فإن بدؤوا بالقتال في المسجد الحرام فاقتلوهم، ومثل هذا الجزاء - وهو قتلهم إذا اعتدوا في المسجد الحرام - يكون جزاء الكافرين.
تفسير الجلالين : معنى و تأويل الآية 191
«واقتلوهم حيث ثقفتموهم» وجدتموهم «وأخرجوهم من حيث أخرجوكم» أي من مكة وقد فعل بهم ذلك عام الفتح «والفتنة» الشرك منهم «أشد» أعظم «من القتل» لهم في الحرم أو الإحرام والذي استعظمتموه «ولا تقاتلوهم عند المسجد الحرام» أي في الحرم «حتى يقاتلوكم فيه فإن قاتلوكم» فيه «فاقتلوهم» فيه، وفي قراءة بلا ألف في الأفعال الثلاثة «كذلك» القتل والإخراج «جزاء الكافرين».
تفسير السعدي : واقتلوهم حيث ثقفتموهم وأخرجوهم من حيث أخرجوكم والفتنة
{ وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ ثَقِفْتُمُوهُمْ } هذا أمر بقتالهم, أينما وجدوا في كل وقت, وفي كل زمان قتال مدافعة, وقتال مهاجمة ثم استثنى من هذا العموم قتالهم { عِنْدَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ } وأنه لا يجوز إلا أن يبدأوا بالقتال, فإنهم يقاتلون جزاء لهم على اعتدائهم، وهذا مستمر في كل وقت, حتى ينتهوا عن كفرهم فيسلموا, فإن الله يتوب عليهم, ولو حصل منهم ما حصل من الكفر بالله, والشرك في المسجد الحرام, وصد الرسول والمؤمنين عنه وهذا من رحمته وكرمه بعباده.
ولما كان القتال عند المسجد الحرام, يتوهم أنه مفسدة في هذا البلد الحرام, أخبر تعالى أن المفسدة بالفتنة عنده بالشرك, والصد عن دينه, أشد من مفسدة القتل, فليس عليكم - أيها المسلمون - حرج في قتالهم.
ويستدل بهذه الآية على القاعدة المشهورة، وهي: أنه يرتكب أخف المفسدتين, لدفع أعلاهما.
تفسير البغوي : مضمون الآية 191 من سورة البقرة
قوله تعالى : ( واقتلوهم حيث ثقفتموهم ) قيل نسخت الآية الأولى بهذه الآية وأصل الثقافة الحذق والبصر بالأمور ، ومعناه واقتلوهم حيث بصرتم مقاتلتهم وتمكنتم من قتلهم ( وأخرجوهم من حيث أخرجوكم ) وذلك أنهم أخرجوا المسلمين من مكة فقال أخرجوهم من ديارهم كما أخرجوكم من دياركم ( والفتنة أشد من القتل ) يعني شركهم بالله عز وجل أشد وأعظم من قتلكم إياهم في الحرم والإحرام ( ولا تقاتلوهم عند المسجد الحرام حتى يقاتلوكم فيه فإن قاتلوكم فاقتلوهم ) قرأ حمزة والكسائي : ( ولا تقتلوهم حتى يقتلوكم فإن قتلوكم ) بغير ألف فيهن من القتل على معنى ولا تقتلوا بعضهم تقول العرب قتلنا بني فلان وإنما قتلوا بعضهم وقرأ الباقون بالألف من القتال وكان هذا في ابتداء الإسلام كان لا يحل بدايتهم بالقتال في البلد الحرام ثم صار منسوخا بقوله تعالى ( وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة ) هذا قول قتادة وقال مقاتل بن حيان قوله ( واقتلوهم حيث ثقفتموهم ) أي حيث أدركتموهم في الحل والحرم صارت هذه الآية منسوخة بقوله تعالى ( ولا تقاتلوهم عند المسجد الحرام ) ثم نسختها آية السيف في ( براءة ) فهي ناسخة منسوخة وقال مجاهد وجماعة هذه الآية محكمة ولا يجوز الابتداء بالقتال في الحرم( كذلك جزاء الكافرين )
التفسير الوسيط : ويستفاد من هذه الآية
وقوله: وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ ثَقِفْتُمُوهُمْ الضمير المنصوب فيه يعود على قوله: الَّذِينَ يُقاتِلُونَكُمْ في الآية السابقة.وثَقِفْتُمُوهُمْ: أدركتموهم وظفرتم بهم. يقال: ثقف الشيء إذا ظفر به ووجده على جهة الأخذ والغلبة ومنه رجل ثقف إذا كان سريع الأخذ لأقرانه. قال الشاعر:فإما تثقفونى فاقتلوني ... فمن أثقف فليس إلى خلود.ويقال- أيضا- رجل ثقف: إذا كأن محكما لما يتناوله من الأمور.والمعنى: عليكم أيها المسلمون أن تقتلوا هؤلاء الذين إذنا لكم بقتالهم حيث وجدتموهم وظفرتم بهم، فأنهم قد بادءوكم بالعدوان، وتمنوا لكم كل شر وسوء.وقوله: وَأَخْرِجُوهُمْ مِنْ حَيْثُ أَخْرَجُوكُمْ معطوف على ما قبله.وحيث ظرف مكان. والمكان الذي أخرجوهم منه هو مكة، فإن المشركين من قريش قد أنزلوا بالمسلمين الأولين من صنوف الأذى ما جعلهم يتركون مكة ويهاجرون إلى بلاد الحبشة أولا. ثم إلى المدينة المنورة ثانيا.أى: اقتلوا هؤلاء الذين قاتلوكم في أى مكان لقيتموهم فيه، وأخرجوهم من المكان الذي أخرجوكم منه وهو مكة.وفي هذا تهديد للمشركين، وإغراء للمسلمين بهم، ووعد بفتح مكة وقد أنجز الله-تبارك وتعالى- وعده ففتح المسلمون مكة في السنة الثامنة من الهجرة.وقوله-تبارك وتعالى-: وَالْفِتْنَةُ أَشَدُّ مِنَ الْقَتْلِ. دفع لما قد يقع من بعض المسلمين من استعظام قتل المشركين في مكة.والفتنة في الأصل: مصدر فتن الصائغ الذهب والفضة إذا أذابهما بالنار ليستخرج الزائف منهم ثم استعملت في الابتلاء والامتحان والصرف عن الشيء، وأكثر استعمالها في التضليل والصد عن الدين، ثم على الكفر.ويبدو أن المراد منها هنا ما كان يفعله المشركون مع المسلمين من التعذيب والصد عن الدين، والإخراج من الوطن، وغير ذلك من صنوف الأذى.والمعنى: لا تقصروا في قتل المشركين الذين يقاتلونكم، والذين أخرجوكم من دياركم، فإن فتنتهم لكم بالإيذاء والتعذيب والصد عن الدين، أشد ضررا من قتلكم لهم في أى مكان وجدوا به.وبعضهم فسر الفتنة هنا بالشرك، أو بالرجوع إلى الكفر، أو بعذاب الآخرة، وقد بين ذلك صاحب الكشاف بقوله. وقوله: «والفتنة أشد من القتل» أى: المحنة والبلاء الذي ينزل بالإنسان يتعذب به أشد عليه من القتل وقيل لبعض الحكماء: ما أشد من الموت: قال: الذي يتمنى فيه الموت، جعل الإخراج من الوطن من الفتن والمحن التي يتمنى عندها الموت، ومنه قول القاتل:القتل بحد السيف أهون موقعا ... على النفس من قتل بحد فراقوقيل: الْفِتْنَةُ عذاب الآخرة قال-تبارك وتعالى- ذُوقُوا فِتْنَتَكُمْ وقيل: الشرك أعظم من القتل في الحرم، وذلك أنهم كانوا يستعظمون القتل في الحرم ويعيبون به المسلمين. فقيل:والشرك الذي هم عليه أشد وأعظم مما يستعظمونه ويجوز أن يراد: وفتنتهم إياكم بصدكم عن المسجد الحرام أشد من قتلكم إياهم في الحرم، أو من قتلهم إياكم إن قتلوكم فلا تبالوا بقتالهم».وإلى هنا تكون الآية الكريمة قد أذنت للمؤمنين في قتل الذين يناجزونهم القتال دفعا لشرهم أينما وجدوا.ثم ساقت الآية جملة أخرى نهت فيها المؤمنين عن قتال المشركين عند المسجد الحرام مراعاة لحرمته. ما دام المشركون لم يفاتحوهم بالقتال عنده، أما إذا فاتحوهم بالقتال فيه، فقد أصبح من حق المؤمنين أن يدافعوا عن أنفسهم، وأن يقاتلوا أعداءهم. وهذه الجملة هي قوله-تبارك وتعالى-: وَلا تُقاتِلُوهُمْ عِنْدَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ حَتَّى يُقاتِلُوكُمْ فِيهِ فَإِنْ قاتَلُوكُمْ فَاقْتُلُوهُمْ.أى: لا تقاتلوا أيها المؤمنون أعداءكم عند المسجد الحرام احتراما له حتى يبدأ المشركون قتالكم عنده فإن بدءوكم بالقتال فيه فلا حرج عليكم في قتلهم عنده، لأن المنتهك لحرمة المسجد الحرام إنما هو البادئ بالقتال فيه وهم المشركون، ولستم أنتم أيها المؤمنون لأن موقفكم إنما هو موقف المدافع عن نفسه.فأنت ترى أن الآية الكريمة قد حفظت للمسجد الحرام حرمته وهيبته ومكانته السامية لأن حرمته لذاته، وحرمة سائر الحرم من أجله، إلا أنها أذنت للمسلمين أن يدافعوا عن أنفسهم إذا ما هاجمهم المشركون عنده أو فيه.قال ابن كثير ما ملخصه: وقد دلت الآية على الأمر بقتال المشركين في الحرم إذا بدءوا بالقتال فيه دفعا لصولتهم، كما بايع النبي صلّى الله عليه وسلّم أصحابه يوم الحديبية تحت الشجرة على القتال، لما تألبت عليه بطون قريش ومن والاهم من أحياء ثقيف والأحابيش عامئذ، ثم كف الله القتال بينهم فقال: وَهُوَ الَّذِي كَفَّ أَيْدِيَهُمْ عَنْكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ عَنْهُمْ بِبَطْنِ مَكَّةَ مِنْ بَعْدِ أَنْ أَظْفَرَكُمْ عَلَيْهِمْ .وقال صلّى الله عليه وسلّم لخالد بن الوليد ومن معه يوم الفتح: إن عرض لكم أحد من قريش فاحصدوهم حصدا حتى توافونى على الصفا.. فما عرض لهم أحد إلا أناموه وأصيب من المشركين نحو اثنى عشر رجلا» .ولم يقل- سبحانه - فإن قاتلوكم فقاتلوهم، وإنما قال فَإِنْ قاتَلُوكُمْ فَاقْتُلُوهُمْ تبشيرا للمؤمنين بالغلبة عليهم، وإشعارا بأن هؤلاء المشركين من الخذلان والضعف بحالة أمر الله المؤمنين معها بقتلهم لا بقتالهم فهم لضعفهم لا يحتاجون من المؤمنين إلا إلى القتل.وقوله: كَذلِكَ جَزاءُ الْكافِرِينَ تذييل لما قبله. واسم الإشارة ذلك يعود إلى قتل المقاتلين أينما وجدوا.والجزاء: ما يقع في مقابلة الإحسان أو الإساءة، فيطلق على ما يثاب به المحسن، وعلى ما يعاقب به المسيء. والمراد به في الآية العقاب.أى: مثل هذا الجزاء العادل من القتل والردع يجازى الله الكافرين الذين قاتلوا المؤمنين وأخرجوهم من ديارهم.
واقتلوهم حيث ثقفتموهم وأخرجوهم من حيث أخرجوكم والفتنة: تفسير ابن كثير
قال أبو جعفر الرازي ، عن الربيع بن أنس ، عن أبي العالية في قوله تعالى : { وقاتلوا في سبيل الله الذين يقاتلونكم } قال : هذه أول آية نزلت في القتال بالمدينة ، فلما نزلت كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقاتل من قاتله ، ويكف عمن كف عنه حتى نزلت سورة براءة وكذا قال عبد الرحمن بن زيد بن أسلم حتى قال : هذه منسوخة بقوله : { فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم } [ التوبة : 5 ] وفي هذا نظر ; لأن قوله : { الذين يقاتلونكم } إنما هو تهييج وإغراء بالأعداء الذين همتهم قتال الإسلام وأهله ، أي: كما يقاتلونكم فقاتلوهم أنتم ، كما قال : { وقاتلوا المشركين كافة كما يقاتلونكم كافة } [ التوبة : 36 ] ; ولهذا قال في هذه الآية : { واقتلوهم حيث ثقفتموهم وأخرجوهم من حيث أخرجوكم } أي: لتكن همتكم منبعثة على قتالهم ، كما أن همتهم منبعثة على قتالكم ، وعلى إخراجهم من بلادهم التي أخرجوكم منها ، قصاصا .
وقد حكي عن أبي بكر الصديق ، رضي الله عنه ، أن أول آية نزلت في القتال بعد الهجرة ، { أذن للذين يقاتلون بأنهم ظلموا } الآية [ الحج : 39 ] وهو الأشهر وبه ورد الحديث .
وقوله : { ولا تعتدوا إن الله لا يحب المعتدين } أي: قاتلوا في سبيل الله ولا تعتدوا في ذلك ويدخل في ذلك ارتكاب المناهي كما قاله الحسن البصري من المثلة ، والغلول ، وقتل النساء والصبيان والشيوخ الذين لا رأي لهم ولا قتال فيهم ، والرهبان وأصحاب الصوامع ، وتحريق الأشجار وقتل الحيوان لغير مصلحة ، كما قال ذلك ابن عباس ، وعمر بن عبد العزيز ، ومقاتل بن حيان ، وغيرهم . ولهذا جاء في صحيح مسلم ، عن بريدة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقول : " اغزوا في سبيل الله ، قاتلوا من كفر بالله ، اغزوا ولا تغلوا ، ولا تغدروا ، ولا تمثلوا ، ولا تقتلوا وليدا ، ولا أصحاب الصوامع " . رواه الإمام أحمد .
وعن ابن عباس قال : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا بعث جيوشه قال : " اخرجوا بسم الله ، قاتلوا في سبيل الله من كفر بالله ، لا تغدروا ولا تغلوا ، ولا تمثلوا ، ولا تقتلوا الولدان ولا أصحاب الصوامع " . رواه الإمام أحمد .
ولأبي داود ، عن أنس مرفوعا ، نحوه . وفي الصحيحين عن ابن عمر قال : وجدت امرأة في بعض مغازي النبي صلى الله عليه وسلم مقتولة ، فأنكر رسول الله صلى الله عليه وسلم قتل النساء والصبيان .
وقال الإمام أحمد : حدثنا مصعب بن سلام ، حدثنا الأجلح ، عن قيس بن أبي مسلم ، عن ربعي بن حراش ، قال : سمعت حذيفة يقول : ضرب لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أمثالا واحدا ، وثلاثة ، وخمسة ، وسبعة ، وتسعة ، وأحد عشر ، فضرب لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم منها مثلا وترك سائرها ، قال : " إن قوما كانوا أهل ضعف ومسكنة ، قاتلهم أهل تجبر وعداء ، فأظهر الله أهل الضعف عليهم ، فعمدوا إلى عدوهم فاستعملوهم وسلطوهم فأسخطوا الله عليهم إلى يوم يلقونه " .
هذا حديث حسن الإسناد . ومعناه : أن هؤلاء الضعفاء لما قدروا على الأقوياء ، فاعتدوا عليهم واستعملوهم فيما لا يليق بهم ، أسخطوا الله عليهم بسبب هذا الاعتداء . والأحاديث والآثار في هذا كثيرة جدا .
ولما كان الجهاد فيه إزهاق النفوس وقتل الرجال ، نبه تعالى على أن ما هم مشتملون عليه من الكفر بالله والشرك به والصد عن سبيله أبلغ وأشد وأعظم وأطم من القتل ; ولهذا قال : { والفتنة أشد من القتل } قال أبو مالك : أي: ما أنتم مقيمون عليه أكبر من القتل .
وقال أبو العالية ، ومجاهد ، وسعيد بن جبير ، وعكرمة ، والحسن ، وقتادة ، والضحاك ، والربيع بن أنس في قوله : { والفتنة أشد من القتل } يقول : الشرك أشد من القتل .
وقوله : { ولا تقاتلوهم عند المسجد الحرام } كما جاء في الصحيحين : " إن هذا البلد حرمه الله يوم خلق السماوات والأرض ، فهو حرام بحرمة الله إلى يوم القيامة ، ولم يحل لي إلا ساعة من نهار ، وإنها ساعتي هذه ، حرام بحرمة الله إلى يوم القيامة ، لا يعضد شجره ، ولا يختلى خلاه . فإن أحد ترخص بقتال رسول الله صلى الله عليه وسلم فقولوا : إن الله أذن لرسوله ولم يأذن لكم " .
يعني بذلك صلوات الله وسلامه عليه قتاله أهلها يوم فتح مكة ، فإنه فتحها عنوة ، وقتلت رجال منهم عند الخندمة ، وقيل : صلحا ; لقوله : من أغلق بابه فهو آمن ، ومن دخل المسجد فهو آمن ، ومن دخل دار أبي سفيان فهو آمن .
[ وقد حكى القرطبي : أن النهي عن القتال عند المسجد الحرام منسوخ . قال قتادة : نسخها قوله : { فإذا انسلخ الأشهر الحرم فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم وخذوهم } [ التوبة : 5 ] . قال مقاتل بن حيان : نسخها قوله : { فإذا انسلخ الأشهر الحرم فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم } وفي هذا نظر ] .
وقوله : { حتى يقاتلوكم فيه فإن قاتلوكم فاقتلوهم كذلك جزاء الكافرين } يقول تعالى : لا تقاتلوهم عند المسجد الحرام إلا أن يبدأوكم بالقتال فيه ، فلكم حينئذ قتالهم وقتلهم دفعا للصيال كما بايع النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه يوم الحديبية تحت الشجرة على القتال ، لما تألبت عليه بطون قريش ومن والاهم من أحياء ثقيف والأحابيش عامئذ ، ثم كف الله القتال بينهم فقال : { وهو الذي كف أيديهم عنكم وأيديكم عنهم ببطن مكة من بعد أن أظفركم عليهم } [ الفتح : 24 ] ، ، وقال : { ولولا رجال مؤمنون ونساء مؤمنات لم تعلموهم أن تطئوهم فتصيبكم منهم معرة بغير علم ليدخل الله في رحمته من يشاء لو تزيلوا لعذبنا الذين كفروا منهم عذابا أليما } [ الفتح : 25 ] .
تفسير القرطبي : معنى الآية 191 من سورة البقرة
قوله تعالى : واقتلوهم حيث ثقفتموهم وأخرجوهم من حيث أخرجوكم والفتنة أشد من القتل ولا تقاتلوهم عند المسجد الحرام حتى يقاتلوكم فيه فإن قاتلوكم فاقتلوهم كذلك جزاء الكافرينفيه مسائل :الأولى : قوله تعالى : ثقفتموهم يقال : ثقف يثقف ثقفا وثقفا ، ورجل ثقف لقف : إذا كان محكما لما يتناوله من الأمور . وفي هذا دليل على قتل الأسير ، وسيأتي بيان هذا في " الأنفال " إن شاء الله تعالى . وأخرجوهم من حيث أخرجوكم أي مكة . قال الطبري : الخطاب للمهاجرين والضمير لكفار قريش .الثانية : قوله تعالى : والفتنة أشد من القتل أي الفتنة التي حملوكم عليها وراموا رجوعكم بها إلى الكفر أشد من القتل . قال مجاهد : أي من أن يقتل المؤمن ، فالقتل أخف عليه من الفتنة ، وقال غيره : أي شركهم بالله وكفرهم به أعظم جرما وأشد من القتل الذي عيروكم به ، وهذا دليل على أن الآية نزلت في شأن عمرو بن الحضرمي حين قتله واقد بن عبد الله التميمي في آخر يوم من رجب الشهر الحرام ، حسب ما هو مذكور في سرية عبد الله بن جحش ، على ما يأتي بيانه ، قاله الطبري وغيره .الثالثة : قوله تعالى : ولا تقاتلوهم عند المسجد الحرام حتى يقاتلوكم فيه الآية . للعلماء في هذه الآية قولان : أحدهما : أنها منسوخة ، والثاني : أنها محكمة . قال مجاهد : الآية محكمة ، ولا يجوز قتال أحد في المسجد الحرام إلا بعد أن يقاتل ، وبه قال طاوس ، وهو الذي يقتضيه نص الآية ، وهو الصحيح من القولين ، وإليه ذهب أبو حنيفة وأصحابه ، وفي الصحيح عن ابن عباس قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم فتح مكة : إن هذا البلد حرمه الله يوم خلق السماوات والأرض فهو حرام بحرمة الله تعالى إلى يوم القيامة وإنه لم يحل القتال فيه لأحد قبلي ولم يحل لي إلا ساعة من نهار فهو حرام بحرمة الله إلى يوم القيامة ، وقال قتادة : الآية منسوخة بقوله تعالى : فإذا انسلخ الأشهر الحرم فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم ، وقال مقاتل : نسخها قوله تعالى : واقتلوهم حيث ثقفتموهم ثم نسخ هذا قوله : فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم ، فيجوز الابتداء بالقتال في الحرم ، ومما احتجوا به أن " براءة " نزلت بعد سورة " البقرة " بسنتين ، وأن النبي صلى الله عليه وسلم دخل مكة وعليه المغفر ، فقيل : إن ابن خطل متعلق بأستار الكعبة ، فقال : ( اقتلوه ) .وقال ابن خويز منداد : ولا تقاتلوهم عند المسجد الحرام منسوخة ; لأن الإجماع قد تقرر بأن عدوا لو استولى على مكة وقال : لأقاتلكم ، وأمنعكم من الحج ولا أبرح من مكة لوجب قتاله وإن لم يبدأ بالقتال ، فمكة وغيرها من البلاد سواء . وإنما قيل فيها : هي حرام تعظيما لها ، ألا ترى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث خالد بن الوليد يوم الفتح وقال : احصدهم بالسيف حتى تلقاني على الصفا حتى جاء العباس فقال : يا رسول الله ، ذهبت قريش ، فلا قريش بعد اليوم . ألا ترى أنه قال في تعظيمها : ولا يلتقط لقطتها إلا منشد واللقطة بها وبغيرها سواء ، ويجوز أن تكون منسوخة بقوله : وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة . قال ابن العربي : حضرت في بيت المقدس - طهره الله - بمدرسة أبي عقبة الحنفي ، والقاضي الزنجاني يلقي علينا الدرس في يوم جمعة ، فبينا نحن كذلك إذ دخل علينا رجل بهي المنظر على ظهره أطمار ، فسلم سلام العلماء وتصدر في صدر المجلس بمدارع الرعاء ، فقال القاضي الزنجاني : من السيد ؟ فقال : رجل سلبه الشطار أمس ، وكان مقصدي هذا الحرم المقدس ، وأنا رجل من أهل صاغان من طلبة العلم ، فقال القاضي مبادرا : سلوه - على العادة في إكرام العلماء بمبادرة سؤالهم - ووقعت القرعة على مسألة الكافر إذا التجأ إلى الحرم هل يقتل أم لا ؟ فأفتى بأنه لا يقتل ، فسئل عن الدليل ، فقال قوله تعالى : ولا تقاتلوهم عند المسجد الحرام حتى يقاتلوكم فيه قرئ " ولا تقتلوهم ، ولا تقاتلوهم " فإن قرئ " ولا تقتلوهم " فالمسألة نص ، وإن قرئ " ولا تقاتلوهم " فهو تنبيه ; لأنه إذا نهى عن القتال الذي هو سبب القتل كان دليلا بينا ظاهرا على النهي عن القتل ، فاعترض عليه القاضي منتصرا للشافعي ومالك ، وإن لم ير مذهبهما ، على العادة ، فقال : هذه الآية منسوخة بقوله تعالى : فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم ، فقال له الصاغاني : هذا لا يليق بمنصب القاضي وعلمه ، فإن هذه الآية التي اعترضت بها عامة في الأماكن ، والتي احتججت بها خاصة ، ولا يجوز لأحد أن يقول : إن العام ينسخ الخاص ، فبهت القاضي الزنجاني ، وهذا من بديع الكلام . قال ابن العربي : فإن لجأ إليه كافر فلا سبيل إليه ، لنص الآية والسنة الثابتة بالنهي عن القتال فيه ، وأما الزاني والقاتل فلا بد من إقامة الحد عليه ، إلا أن يبتدئ الكافر بالقتال فيقتل بنص القرآن .قلت : وأما ما احتجوا به من قتل ابن خطل وأصحابه فلا حجة فيه ، فإن ذلك كان في الوقت الذي أحلت له مكة وهي دار حرب وكفر ، وكان له أن يريق دماء من شاء من أهلها في الساعة التي أحل له فيها القتال . فثبت وصح أن القول الأول أصح ، والله أعلم .الرابعة : قال بعض العلماء : في هذه الآية دليل على أن الباغي على الإمام بخلاف الكافر ، فالكافر يقتل إذا قاتل بكل حال والباغي إذا قاتل يقاتل بنية الدفع ، ولا يتبع مدبر ولا يجهز على جريح . على ما يأتي بيانه من أحكام الباغين في " الحجرات " إن شاء الله تعالى .
English | Türkçe | Indonesia |
Русский | Français | فارسی |
تفسير | انجليزي | اعراب |
تفسير آيات من القرآن الكريم
- تفسير: وإذا رآك الذين كفروا إن يتخذونك إلا هزوا أهذا الذي يذكر آلهتكم وهم بذكر الرحمن
- تفسير: لكم دينكم ولي دين
- تفسير: فسبح باسم ربك العظيم
- تفسير: فأما من تاب وآمن وعمل صالحا فعسى أن يكون من المفلحين
- تفسير: ولكل جعلنا موالي مما ترك الوالدان والأقربون والذين عقدت أيمانكم فآتوهم نصيبهم إن الله كان
- تفسير: وما خلقنا السموات والأرض وما بينهما لاعبين
- تفسير: قال ياقوم لم تستعجلون بالسيئة قبل الحسنة لولا تستغفرون الله لعلكم ترحمون
- تفسير: ما كان لي من علم بالملإ الأعلى إذ يختصمون
- تفسير: إذ قال الله ياعيسى ابن مريم اذكر نعمتي عليك وعلى والدتك إذ أيدتك بروح القدس
- تفسير: ومناة الثالثة الأخرى
تحميل سورة البقرة mp3 :
سورة البقرة mp3 : قم باختيار القارئ للاستماع و تحميل سورة البقرة
ماهر المعيقلي
سعد الغامدي
عبد الباسط
أحمد العجمي
المنشاوي
الحصري
مشاري العفاسي
ناصر القطامي
فارس عباد
ياسر الدوسري
لا تنسنا من دعوة صالحة بظهر الغيب