ربكم أعلم بما في نفوسكم إن تكونوا صالحين فإنه كان للأوابين غفورا
ربكم أعلم بما في نفوسكم ( من بر الوالدين وعقوقهما ) إن تكونوا صالحين ( أبرارا مطيعين) بعد تقصير كان منكم في القيام بما لزمكم من حق الوالدين وغير ذلك ( فإنه كان للأوابين ) بعد المعصية ( غفورا ) قال سعيد بن جبير في هذه الآية : هو الرجل يكون منه البادرة إلى أبويه لا يريد بذلك إلا الخير فإنه لا يؤاخذ به .قال سعيد بن المسيب : " الأواب " : الذي يذنب ثم يتوب ثم يذنب ثم يتوب .قال سعيد بن جبير : الرجاع إلى الخير .وعن ابن عباس قال : هو الرجاع إلى الله فيما يحزبه وينوبه .وعن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال : هم المسبحون ، دليله قوله : " يا جبال أوبي معه " ( سبأ - 10 ) .قال قتادة : هم المصلون .قال عوف العقيلي : هم الذين يصلون صلاة الضحى .أخبرنا أبو الحسن طاهر بن الحسين الروقي الطوسي أخبرنا أبو الحسن محمد بن يعقوب أخبرنا أبو النضر محمد بن محمد بن يوسف حدثنا الحسن بن سفيان حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة حدثنا وكيع عن هشام صاحب الدستوائي عن قتادة عن القاسم بن عوف عن زيد بن أرقم قال : خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم على أهل قباء وهم يصلون صلاة الضحى فقال : " صلاة الأوابين إذا رمضت الفصال من الضحى " .وقال محمد بن المنكدر : " الأواب " : الذي يصلي بين المغرب والعشاء .وروي عن ابن عباس أنه قال : إن الملائكة لتحف بالذين يصلون بين المغرب والعشاء وهي صلاة الأوابين .
تسبح له السماوات السبع والأرض ومن فيهن وإن من شيء إلا يسبح بحمده ولكن لا تفقهون تسبيحهم إنه كان حليما غفورا
( تسبح له السماوات السبع والأرض ومن فيهن ) قرأ أبو عمرو وحمزة والكسائي وحفص ويعقوب : " تسبح " بالتاء وقرأ الآخرون بالياء للحائل بين الفعل والتأنيث .( وإن من شيء إلا يسبح بحمده ) روي عن ابن عباس أنه قال : وإن من شيء حي إلا يسبح بحمده .وقال قتادة : يعني الحيوانات والناميات .وقال عكرمة : الشجرة تسبح والأسطوانة لا تسبح .وعن المقدام بن معد يكرب قال : إن التراب يسبح ما لم يبتل فإذا ابتل ترك التسبيح وإن الخرزة تسبح ما لم ترفع من موضعها فإذا رفعت تركت التسبيح وإن الورقة لتسبح ما دامت على الشجرة فإذا سقطت تركت التسبيح وإن الثوب ليسبح ما دام جديدا فإذا وسخ ترك التسبيح وإن الماء يسبح ما دام جاريا فإذا ركد ترك التسبيح وإن الوحش والطير تسبح إذا صاحت فإذا سكنت تركت التسبيح .وقال إبراهيم النخعي : وإن من شيء جماد إلا يسبح بحمده حتى صرير الباب ونقيض السقف .وقال مجاهد : كل الأشياء تسبح لله حيا كان أو ميتا أو جمادا ، وتسبيحها سبحان الله وبحمده .أخبرنا عبد الواحد المليحي أخبرنا أحمد بن عبد الله النعيمي أخبرنا محمد بن يوسف حدثنا محمد بن إسماعيل حدثنا محمد بن المثنى أخبرنا أبو أحمد الزبير أخبرنا إسرائيل عن منصور عن إبراهيم عن علقمة عن عبد الله قال : كنا نعد الآيات بركة وأنتم تعدونها تخويفا كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في سفر فقل الماء فقال : " اطلبوا فضلة من ماء فجاءوا بإناء فيه ماء قليل فأدخل يده في الإناء ثم قال : حي على الطهور المبارك والبركة من الله فلقد رأيت الماء ينبع من بين أصابع رسول الله صلى الله عليه وسلم ولقد كنا نسمع تسبيح الطعام وهو يؤكل " .وقال بعض أهل المعاني : تسبح السموات والأرض والجمادات وسائر الحيوانات سوى العقلاء ما دلت بلطيف تركيبها وعجيب هيئتها على خالقها فيصير ذلك بمنزلة التسبيح منها .والأول هو المنقول عن السلف .واعلم أن لله تعالى علما في الجمادات لا يقف عليه غيره فينبغي أن يوكل علمه إليه .( ولكن لا تفقهون تسبيحهم ) أي لا تعلمون تسبيح ما عدا من يسبح بلغاتكم وألسنتكم ( إنه كان حليما غفورا )
وربك الغفور ذو الرحمة لو يؤاخذهم بما كسبوا لعجل لهم العذاب بل لهم موعد لن يجدوا من دونه موئلا
( وربك الغفور ذو الرحمة ) ذو النعمة ( لو يؤاخذهم ) يعاقب الكفار ( بما كسبوا ) من الذنوب ( لعجل لهم العذاب ) في الدنيا ( بل لهم موعد ) يعني البعث والحساب ( لن يجدوا من دونه موئلا ) ملجأ .
ذلك ومن عاقب بمثل ما عوقب به ثم بغي عليه لينصرنه الله إن الله لعفو غفور
( ذلك ) أي : الأمر ذلك الذي قصصنا عليكم ، ( ومن عاقب بمثل ما عوقب به ) جازى الظالم بمثل ظلمه . قال الحسن : يعني قاتل المشركين كما قاتلوه ، ( ثم بغي عليه ) أي : ظلم بإخراجه من منزله يعني : ما أتاه المشركون من البغي على المسلمين حتى أحوجوهم إلى مفارقة أوطانهم ، نزلت في قوم من المشركين أتوا قوما من المسلمين لليلتين بقيتا من المحرم فكره المسلمون قتالهم وسألوهم أن يكفوا عن القتال من أجل الشهر الحرام فأبى المشركون وقاتلوهم فذلك بغيهم عليهم ، وثبت المسلمون لهم فنصروا عليهم قال الله تعالى : ( لينصرنه الله ) والعقاب الأول بمعنى الجزاء ، ( إن الله لعفو غفور ) عفا عن مساوئ المؤمنين وغفر لهم ذنوبهم .
إلا الذين تابوا من بعد ذلك وأصلحوا فإن الله غفور رحيم
إلا الذين تابوا من بعد ذلك وأصلحوا فإن الله غفور رحيم ) اختلف العلماء في قبول شهادة القاذف بعد التوبة ، وفي حكم هذا الاستثناء . فذهب قوم إلى أن القاذف ترد شهادته بنفس القذف ، وإذا تاب وندم على ما قال وحسنت حالته قبلت شهادته ، سواء تاب بعد إقامة الحد عليه أو قبله ؛ لقوله تعالى : " إلا الذين تابوا " . وقالوا : الاستثناء يرجع إلى الشهادة وإلى الفسق ، فبعد التوبة تقبل شهادته ، ويزول عنه اسم الفسق . يروى ذلك عن ابن عباس وعمر . وهذا قول سعيد بن جبير ومجاهد وعطاء وطاوس وسعيد بن المسيب وسليمان بن يسار والشعبي وعكرمة وعمر بن عبد العزيز 55 والزهري وبه قال مالك والشافعي .وذهب قوم إلى أن شهادة المحدود في القذف لا تقبل أبدا وإن تاب ، وقالوا : الاستثناء يرجع إلى قوله : ( وأولئك هم الفاسقون ) وهو قول النخعي وشريح وأصحاب الرأي ، وقالوا : بنفس القذف لا ترد شهادته ما لم يحد .قال الشافعي : وهو قبل أن يحد شر منه حين يحد ؛ لأن الحدود كفارات ، فكيف يردونها في أحسن حاليه ويقبلونها في شر حاليه . وذهب الشعبي إلى أن حد القذف يسقط بالتوبة ، وقال : الاستثناء يرجع إلى الكل .وعامة العلماء على أنه لا يسقط بالتوبة إلا أن يعفو عنه المقذوف فيسقط ، كالقصاص يسقط بالعفو ، ولا يسقط بالتوبة .فإن قيل: إذا قبلتم شهادته بعد التوبة فما معنى قوله ( أبدا ) ؟ .قيل: معناه لا تقبل شهادته أبدا ما دام مصرا على قذفه ؛ لأن أبد كل إنسان مدته على ما يليق بحاله . كما يقال : لا تقبل شهادة الكافر أبدا : يراد ما دام كافرا .
ولا يأتل أولو الفضل منكم والسعة أن يؤتوا أولي القربى والمساكين والمهاجرين في سبيل الله وليعفوا وليصفحوا ألا تحبون أن يغفر الله لكم والله غفور رحيم
قوله - عز وجل - ( ولا يأتل ) أي : ولا يحلف ، وهو يفتعل من الألية وهي القسم ، وقرأ أبو جعفر : " يتأل " بتقديم التاء وتأخير الهمزة ، وهو يتفعل من الألية . ( أولو الفضل منكم والسعة ) يعني أبا بكر الصديق ( أن يؤتوا أولي القربى والمساكين والمهاجرين في سبيل الله ) يعني مسطحا ، وكان مسكينا مهاجرا بدريا ابن خالة أبي بكر ، حلف أبو بكر أن لا ينفق عليه ، ( وليعفوا وليصفحوا ) عنهم خوضهم في أمر عائشة ، ( ألا تحبون ) يخاطب أبا بكر ، ( أن يغفر الله لكم والله غفور رحيم ) فلما قرأها النبي - صلى الله عليه وسلم - على أبي بكر قال : بلى أنا أحب أن يغفر الله لي ، ورجع إلى مسطح نفقته التي كان ينفق عليه ، وقال : والله لا أنزعها منه أبدا .وقال ابن عباس والضحاك : أقسم ناس من الصحابة فيهم أبو بكر أن لا يتصدقوا على رجل تكلم بشيء من الإفك ولا ينفعوهم ، فأنزل الله هذه الآية .
وليستعفف الذين لا يجدون نكاحا حتى يغنيهم الله من فضله والذين يبتغون الكتاب مما ملكت أيمانكم فكاتبوهم إن علمتم فيهم خيرا وآتوهم من مال الله الذي آتاكم ولا تكرهوا فتياتكم على البغاء إن أردن تحصنا لتبتغوا عرض الحياة الدنيا ومن يكرههن فإن الله من بعد إكراههن غفور رحيم
( وليستعفف الذين لا يجدون نكاحا ) أي : ليطلب العفة عن الحرام والزنا الذين لا يجدون ما لا ينكحون به للصداق والنفقة ، ( حتى يغنيهم الله من فضله ) أي : يوسع عليهم من رزقه .قوله تعالى : ( والذين يبتغون الكتاب ) أي : يطلبون المكاتبة ، ( مما ملكت أيمانكم فكاتبوهم ) سبب نزول هذه الآية ما روي أن غلاما لحويطب بن عبد العزى سأل مولاه أن يكاتبه فأبى عليه ، فأنزل الله هذه الآية فكاتبه حويطب على مائة دينار ، ووهب له منها عشرين دينارا فأداها ، وقتل يوم حنين في الحربوالكتابة أن يقول الرجل لمملوكه : كاتبتك على كذا من المال ، ويسمي مالا معلوما ، يؤدى ذلك في نجمين أو نجوم معلومة في كل نجم كذا ، فإذا أديت فأنت حر ، والعبد يقبل ذلك ، فإذا أدى المال عتق ، ويصير العبد أحق بمكاسبه بعد الكتابة ، وإذا أعتق بعد أداء المال فما فضل في يده من المال ، يكون له ، ويتبعه أولاده الذين حصلوا في حال الكتابة في العتق ، وإذا عجز عن أداء المال كان لمولاه أن يفسخ كتابته ويرده إلى الرق ، وما في يده من المال يكون لمولاه ، لما أخبرنا أبو الحسن السرخسي ، أخبرنا زاهر بن أحمد ، أخبرنا أبو إسحاق الهاشمي ، أخبرنا أبو مصعب ، عن مالك عن نافع ، أخبرنا عبد الله بن عمر كان يقول : " المكاتب عبد ما بقي عليه من كتابته شيء " . ورواه عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده مرفوعا : " المكاتب عبد ما بقي عليه من كتابته درهم " .وذهب بعض أهل العلم إلى أن قوله تعالى : ( فكاتبوهم ) أمر إيجاب ، يجب على المولى أن يكاتب عبده الذي علم فيه خيرا إذا سأل العبد ذلك ، على قيمته أو أكثر ، وإن سأل على أقل من قيمته فلا يجب ، وهو قول عطاء وعمرو بن دينار ، ولما روي أن سيرين سأل أنس بن مالك أن يكاتبه فتلكأ عنه فشكا إلى عمر ، فعلاه بالدرة وأمره بالكتابة فكاتبه . وذهب أكثر أهل العلم إلى أنه أمر ندب واستحباب . ولا تجوز الكتابة على أقل من نجمين عند الشافعي; لأنه عقد جوز إرفاقا بالعبد ، ومن تتمة الإرفاق أن يكون ذلك المال عليه إلى أجل حتى يؤديه على مهل ، فيحصل المقصود ، كالدية في قتل الخطأ ، وجبت على العاقلة على سبيل المواساة فكانت عليهم مؤجلة منجمة ، وجوز أبو حنيفة الكتابة على نجم واحد وحالة .قوله تعالى : ( إن علمتم فيهم خيرا ) اختلفوا في معنى الخير ، فقال ابن عمر : قوة على الكسب . وهو قول مالك والثوري ، وقال الحسن ومجاهد والضحاك : مالا كقوله تعالى : " إن ترك خيرا " ( البقرة - 180 ) أي : مالا وروي أن عبدا لسلمان الفارسي قال له : كاتبني ، قال : ألك مال ؟ قال : لا . قال : تريد أن تطعمني من أوساخ الناس ، ولم يكاتبه . قال الزجاج : لو أراد به المال لقال : إن علمتم لهم خيرا . وقال إبراهيم وابن زيد وعبيدة : صدقا وأمانة وقال طاوس ، وعمرو بن دينار : مالا وأمانة وقال الشافعي : وأظهر معاني الخير في العبد : الاكتساب مع الأمانة ، فأحب أن لا يمنع من كتابته إذا كان هكذا .أخبرنا أبو الحسن علي بن يوسف الجويني ، أخبرنا أبو الحسن بن علي بن شريك الشافعي ، أخبرنا عبد الله بن محمد بن مسلم ، أخبرنا أبو بكر الجوربذي ، أخبرنا يونس بن عبد الأعلى ، أخبرنا ابن وهب أخبرني الليث عن محمد بن عجلان ، عن سعيد بن أبي سعيد المقبري ، عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : " ثلاثة حق على الله عونهم : المكاتب الذي يريد الأداء ، والناكح يريد العفاف ، والمجاهد في سبيل الله " . وحكى محمد بن سيرين عن عبيدة : " إن علمتم فيهم خيرا " أي : أقاموا الصلاة . وقيل: هو أن يكون العبد بالغا عاقلا فأما الصبي والمجنون فلا تصح كتابتهما لأن الابتغاء منهما لا يصح . وجوز أبو حنيفة كتابة الصبي المراهق .قوله - عز وجل - : ( وآتوهم من مال الله الذي آتاكم ) اختلفوا فيه ، فقال بعضهم : هذا خطاب للموالي ، يجب على المولى أن يحط عن مكاتبه من مال كتابته شيئا ، وهو قول عثمان وعلي والزبير وجماعة ، وبه قال الشافعي . ثم اختلفوا في قدره ، فقال قوم : يحط عنه ربع مال الكتابة ، وهو قول علي ، ورواه بعضهم عن علي مرفوعا ، وعن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما يحط عنه الثلث . وقال الآخرون : ليس له حد بل عليه أن يحط عنه ما شاء وهو قول الشافعي .قال نافع : كاتب عبد الله بن عمر غلاما له على خمسة وثلاثين ألف درهم فوضع عنه من آخر كتابته خمسة آلاف درهم . وقال سعيد بن جبير : كان ابن عمر إذا كاتب مكاتبه لم يضع عنه شيئا من أول نجومه مخافة أن يعجز فترجع إليه صدقته ، ووضع من آخر كتابته ما أحب . وقال بعضهم : هو أمر استحباب . والوجوب أظهر . وقال قوم : أراد بقوله : " وآتوهم من مال الله " أي سهمهم الذي جعله الله لهم من الصدقات المفروضات ، بقوله تعالى : " وفي الرقاب " ( التوبة - 60 ) وهو قول الحسن وزيد بن أسلم . وقال إبراهيم : هو حث لجميع الناس على معونتهمولو مات المكاتب قبل أداء النجوم ، اختلف أهل العلم فيه : فذهب كثير منهم إلى أنه يموت رقيقا ، وترتفع الكتابة سواء ترك مالا أو لم يترك ، كما لو تلف المبيع قبل القبض يرتفع البيع . وهو قول عمر ، وابن عمر ، وزيد بن ثابت ، وبه قال عمر بن عبد العزيز ، والزهري ، وقتادة ، وإليه ذهب الشافعي وأحمد . وقال قوم : إن ترك وفاء بما بقي عليه من الكتابة كان حرا وإن كان فيه فضل ، فالزيادة لأولاده الأحرار ، وهو قول عطاء ، وطاوس ، والنخعي ، والحسن ، وبه قال مالك ، والثوري ، وأصحاب الرأي . ولو كاتب عبده كتابة فاسدة يعتق بأداء المال لأن عتقه معلق بالأداء ، وقد وجد وتبعه الأولاد والاكتساب كما في الكتابة الصحيحة ، ويفترقان في بعض الأحكام : وهي أن الكتابة الصحيحة لا يملك المولى فسخها ما لم يعجز المكاتب عن أداء النجوم ، ولا تبطل بموت المولى ، ويعتق بالإبراء عن النجوم ، والكتابة الفاسدة يملك المولى فسخها قبل أداء المال ، حتى لو أدى المال بعد الفسخ لا يعتق ويبطل بموت المولى ، ولا يعتق بالإبراء عن النجوم ، وإذا عتق المكاتب بأداء المال لا يثبت التراجع في الكتابة الصحيحة ، ويثبت في الكتابة الفاسدة ، فيرجع المولى عليه بقيمة رقبته ، وهو يرجع على المولى بما دفع إليه إن كان مالا .قوله - عز وجل - : ( ولا تكرهوا فتياتكم على البغاء إن أردن تحصنا ) الآية نزلت في عبد الله بن أبي ابن سلول المنافق ، كانت له جاريتان : معاذة ومسيكة ، وكان يكرههما على الزنا بالضريبة يأخذها منهما ، وكذلك كانوا يفعلون في الجاهلية ، يؤجرون إماءهم ، فلما جاء الإسلام قالت معاذة لمسيكة : إن هذا الأمر الذي نحن فيه لا يخلو من وجهين ، فإن يك خيرا فقد استكثرنا منه ، وإن يك شرا فقد آن لنا أن ندعه ، فأنزل الله هذه الآية . وروي أنه جاءت إحدى الجاريتين يوما ببرد وجاءت الأخرى بدينار ، فقال لهما : ارجعا فازنيا ، قالتا : والله لا نفعل ، قد جاء الإسلام وحرم الزنا ، فأتيا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وشكتا إليه ، فأنزل هذه الآية( ولا تكرهوا فتياتكم ) إماءكم ( على البغاء ) أي : الزنا ( إن أردن تحصنا ) أي : إذا أردن ، وليس معناه الشرط ، لأنه لا يجوز إكراههن على الزنا وإن لم يردن تحصنا ، كقوله تعالى : " وأنتم الأعلون إن كنتم مؤمنين " ( آل عمران - 139 ) ، أي : إذا كنتم مؤمنين وقيل: شرط إرادة التحصن لأن الإكراه إنما يكون عند إرادة التحصن ، فإذا لم ترد التحصن بغت طوعا ، والتحصن : التعفف . وقال الحسن بن الفضل : في الآية تقديم وتأخير تقديرها : وأنكحوا الأيامى منكم إن أردن تحصنا ولا تكرهوا فتياتكم على البغاء .( لتبتغوا عرض الحياة الدنيا ) أي : لتطلبوا من أموال الدنيا ، يريد من كسبهن وبيع أولادهن ، ( ومن يكرهن فإن الله من بعد إكراههن غفور رحيم ) يعني للمكرهات ، والوزر على المكره . وكان الحسن إذا قرأ هذه الآية قال : لهن والله لهن والله .
إنما المؤمنون الذين آمنوا بالله ورسوله وإذا كانوا معه على أمر جامع لم يذهبوا حتى يستأذنوه إن الذين يستأذنونك أولئك الذين يؤمنون بالله ورسوله فإذا استأذنوك لبعض شأنهم فأذن لمن شئت منهم واستغفر لهم الله إن الله غفور رحيم
قوله - عز وجل - : ( إنما المؤمنون الذين آمنوا بالله ورسوله وإذا كانوا معه ) أي : مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، ( على أمر جامع ) يجمعهم من حرب حضرت ، أو صلاة أو جمعة أو عيد أو جماعة أو تشاور في أمر نزل ، ) ( لم يذهبوا ) يتفرقوا عنه ، لم ينصرفوا عما اجتمعوا له من الأمر ، ) ( حتى يستأذنوه ) قال المفسرون : كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا صعد المنبر يوم الجمعة وأراد الرجل أن يخرج من المسجد ، لحاجة أو عذر ، لم يخرج حتى يقوم بحيال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حيث يراه ، فيعرف أنه إنما قام يستأذن ، فيأذن لمن شاء منهم . قال مجاهد : وإذن الإمام يوم الجمعة أن يشير بيده .قال أهل العلم : وكذلك كل أمر اجتمع عليه المسلمون مع الإمام لا يخالفونه ولا يرجعون عنه إلا بإذن ، وإذا استأذن فللإمام إن شاء أذن له وإن شاء لم يأذن ، وهذا إذا لم يكن له سبب يمنعه من المقام ، فإن حدث سبب يمنعه من المقام بأن يكون في المسجد فتحيض منهم امرأة ، أو يجنب رجل ، أو يعرض له مرض ، فلا يحتاج إلى الاستئذان . ( إن الذين يستأذنونك أولئك الذين يؤمنون بالله ورسوله فإذا استأذنوك لبعض شأنهم ) أي : أمرهم ، ( فأذن لمن شئت منهم ) في الانصراف ، معناه إن شئت فأذن وإن شئت فلا تأذن ، ( واستغفر لهم الله إن الله غفور رحيم )
إلا من تاب وآمن وعمل عملا صالحا فأولئك يبدل الله سيئاتهم حسنات وكان الله غفورا رحيما
( إلا من تاب وآمن وعمل عملا صالحا ) قال قتادة : إلا من تاب من ذنبه ، وآمن بربه ، وعمل عملا صالحا فيما بينه وبين ربه . أخبرنا أبو سعيد الشريحي ، أخبرنا أبو إسحاق الثعلبي ، أخبرني الحسين بن محمد بن عبد الله ، حدثنا موسى بن محمد ، حدثنا موسى بن هارون الحمال ، حدثنا إبراهيم بن محمد الشافعي ، حدثنا عبد الله بن رجاء عن عبيد الله بن عمر ، عن علي بن يزيد ، عن يوسف بن مهران ، عن ابن عباس ، قال : قرأناها على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - سنتين : ( والذين لا يدعون مع الله إلها آخر ) الآية ، ثم نزلت : ) ( إلا من تاب ) فما رأيت النبي - صلى الله عليه وسلم - فرح بشيء قط كفرحه بها وفرحه ب : إنا فتحنا لك فتحا مبينا ليغفر لك الله ما تقدم من ذنبك وما تأخر ( الفتح 1 - 2 ) ( فأولئك يبدل الله سيئاتهم حسنات وكان الله غفورا رحيما ) فذهب جماعة إلى أن هذا التبديل في الدنيا; قال ابن عباس ، وسعيد بن جبير ، والحسن ، ومجاهد ، والسدي ، والضحاك : يبدلهم الله بقبائح أعمالهم في الشرك محاسن الأعمال في الإسلام ، فيبدلهم بالشرك إيمانا ، وبقتل المؤمنين قتل المشركين ، وبالزنا عفة وإحصانا . وقال قوم : يبدل الله سيئاتهم التي عملوها في الإسلام حسنات يوم القيامة وهو قول سعيد بن المسيب ، ومكحول ، يدل عليه ما : أخبرنا أبو محمد عبد الله بن عبد الصمد الجوزجاني ، أخبرنا أبو القاسم علي بن أبي أحمد الخزاعي ، أخبرنا الهيثم بن كليب ، أخبرنا أبو عيسى الترمذي ، حدثنا أبو عمار الحسين بن خريت ، حدثنا وكيع ، حدثنا الأعمش ، عن المعرور بن سويد ، عن أبي ذر قال : قال النبي - صلى الله عليه وسلم - : " إني لأعلم آخر رجل يخرج من النار ، يؤتى به يوم القيامة فيقال : اعرضوا عليه صغار ذنوبه ، ويخبأ عنه كبارها ، فيقال له عملت يوم كذا وكذا كذا وكذا ، وهو مقر لا ينكر ، وهو مشفق من كبارها ، فيقال : أعطوه مكان كل سيئة عملها حسنة ، فيقول : رب إن لي ذنوبا ما أراها هاهنا ، قال أبو ذر : لقد رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ضحك حتى بدت نواجذه . وقال بعضهم : إن الله - عز وجل - يمحو بالندم جميع السيئات ، ثم يثبت مكان كل سيئة حسنة .