قوله: الحمد لله: لفظه خبر كأنه يخبر أن المستحق للحمد هو الله عز وجل وفيه تعليم الخلق تقديره قولوا الحمد لله، والحمد يكون بمعنى الشكر على النعمة، ويكون بمعنى الثناء عليه بما فيه من الخصال الحميدة. يقال: حمدت فلاناً على ما أسدى إلي من النعمة وحمدته على علمه وشجاعته، والشكر لا يكون إلا على النعمة، فالحمد أعم من الشكر إذ لا يقال شكرت فلاناً على علمه فكل حامد شاكر وليس كل شاكر حامداً.وقيل: الحمد باللسان قولاً والشكر بالأركان فعلاً، قال الله تعالى: وقل الحمد لله الذي لم يتخذ ولداً [11 - الإسراء]، وقال: اعملوا آل داود شكراً [123 - سبأ].قوله: لله اللام فيه للاستحقاق؛ كما يقال الدار لزيد.قوله: رب العالمين: فالرب يكون بمعنى المالك؛ كما يقال لمالك الدار: رب الدار، ويقال: رب الشيء إذا ملكه، ويكون بمعنى التربية والإصلاح، يقال: رب فلان الضيعة يربها إذا أتممها وأصلحها فهو رب مثل طب، وبر.فالله تعالى مالك العالمين ومربيهم، ولا يقال للمخلوق هو الرب مُعَرَّفاً إنما يقال رب كذا مضافاً، لأن الألف واللام للتعميم وهو لا يملك الكل.و(العالمين) جمع عالم، لا واحد له في لفظه، واختلفوا في العالمين؛ قال ابن عباس:" هم الجن والإنس لأنهم المكلفون بالخطاب"، قال الله تعالى: ليكون للعالمين نذيراً [1 - الفرقان].وقال قتادة ومجاهد والحسن: "هم جميع المخلوقات"، قال الله تعالى: قال فرعون وما رب العالمين * قال رب السماوات والأرض وما بينهما [23 - 24 الشعراء].واشتقاقه من العلم والعلامة سموا به لظهور أثر الصنعة فيهم، قال أبو عبيد: "هم أربعة أمم: الملائكة، والإنس، والجن، والشياطين".مشتق من العلم، ولا يقال للبهائم عالم لأنها لا تعقل، واختلفوا في مبلغهم، قال سعيد بن المسيب: "لله ألف عالم ستمائة في البحر وأربعمائة في البر".وقال مقاتل بن حيان: "لله ثمانون ألف عالم أربعون ألفاً في البحر وأربعون ألفاً في البر".وقال وهب: "لله ثمانية عشر ألف عالم الدنيا عالم منها، وما العمران في الخراب إلا كفسطاط في صحراء".وقال كعب الأحبار: "لا يحصي عدد العالمين أحد إلا الله"، قال الله تعالى: وما يعلم جنود ربك إلا هو [31 - المدثر].
إذ قال له ربه أسلم أي استقم على الإسلام، واثبت عليه لأنه كان مسلماً. قال ابن عباس: "قال له حين خرج من السرب"، وقال الكلبي:"أخلص دينك وعبادتك لله"، وقال عطاء: "أسلم إلى الله عز وجل وفوض أمورك إليه".قال أسلمت لرب العالمين أي فوضت، قال ابن عباس: "وقد حقق ذلك حيث لم يستعن بأحد من الملائكة حين ألقي في النار".
فهزموهم بإذن الله وقتل داوود جالوت وآتاه الله الملك والحكمة وعلمه مما يشاء ولولا دفع الله الناس بعضهم ببعض لفسدت الأرض ولكن الله ذو فضل على العالمين
( فهزموهم بإذن الله ) أي بعلم الله تعالى ( وقتل داود جالوت ) وصفة قتله : قال أهل التفسيرعبر النهر مع طالوت فيمن عبر إيشا أبو داود في ثلاثة عشر ابنا له وكان داود أصغرهم وكان يرمي بالقذافة فقال لأبيه يوما يا أبتاه ما أرمي بقذافتي شيئا إلا صرعته فقال : أبشر يا بني فإن الله جعل رزقك في قذافتك ثم أتاه مرة أخرى فقال : يا أبتاه لقد دخلت بين الجبال فوجدت أسدا رابضا فركبته فأخذت بأذنيه فلم يهجني فقال : أبشر يا بني فإن هذا خير يريده الله بك ثم أتاه يوما آخر فقال : يا أبتاه إني لأمشي بين الجبال فأسبح فما يبقى جبل إلا سبح معي ، فقال : أبشر يا بني فإن هذا خير أعطاكه الله تعالى فأرسل جالوت إلى طالوت أن ابرز إلي أو أبرز إلي من يقاتلني فإن قتلني فلكم ملكي وإن قتلته فلي ملككم فشق ذلك على طالوت فنادى في عسكره : من قتل جالوت زوجته ابنتي وناصفته ملكي فهاب الناس جالوت فلم يجبه أحد فسأل طالوت نبيهم أن يدعو الله تعالى فدعا الله في ذلك فأتى بقرن فيه دهن القدس وتنور في حديد فقيل: إن صاحبكم الذي يقتل جالوت هو الذي يوضع هذا القرن على رأسه فيغلي الدهن حتى يدهن منه رأسه ولا يسيل على وجهه ويكون على رأسه كهيئة الإكليل ويدخل في هذا التنور فيملؤه ولا يتقلقل فيه فدعا طالوت بني إسرائيل فجربهم فلم يوافقه منهم أحد فأوحى الله إلى نبيهم أن في ولد إيشا من يقتل الله به جالوت فدعا طالوت إيشا فقال : اعرض علي بنيك فأخرج له اثني عشر رجلا أمثال السواري فجعل يعرضهم على القرن فلا يرى شيئا فقال : لإيشا هل بقي لك ولد غيرهم فقال : لا فقال النبي : يا رب إنه زعم أن لا ولد له غيرهم فقال كذب فقال النبي : إن ربي كذبك فقال : صدق الله يا نبي الله إن لي ابنا صغيرا يقال له داود استحييت أن يراه الناس لقصر قامته وحقارته ( فخلفته ) في الغنم يرعاها وهو في شعب كذا وكذا وكان داود رجلا قصيرا مسقاما مصفارا أزرق أمعر ، فدعاه طالوت ويقال : بل خرج طالوت إليه فوجد الوادي قد سال بينه وبين الزريبة التي كان يريح إليها فوجده يحمل شاتين يجيز بهما السيل ولا يخوض بهما الماء فلما رآه قال : هذا هو لا شك فيه هذا يرحم البهائم فهو بالناس أرحم فدعاه ووضع القرن على رأسه ففاض فقال طالوت : هل لك أن تقتل جالوت وأزوجك ابنتي وأجري خاتمك في ملكي قال : نعم قال : وهل آنست من نفسك شيئا تتقوى به على قتله؟ قال : نعم أنا أرعى فيجيء الأسد أو النمر أو الذئب فيأخذ شاة فأقوم إليه فأفتح لحييه عنها وأضرقها إلى قفاه فرده إلى عسكره فمر داود عليه السلام في طريقه بحجر فناداه الحجر يا داود احملني فإني حجر هارون الذي قتل بي ملك كذا فحمله في مخلاته ثم مر بحجر آخر فقال : احملني فإني حجر موسى الذي قتل بي ملك كذا وكذا فحمله في مخلاته ثم مر بحجر آخر فقال : احملني فإني حجرك الذي تقتل بي جالوت فوضعها في مخلاته فلما تصافوا للقتال وبرز جالوت وسأل المبارزة انتدب له داود فأعطاه طالوت فرسا ودرعا وسلاحا فلبس السلاح وركب الفرس وسار قريبا ثم انصرف إلى الملك فقال من حوله جبن الغلام فجاء فوقف على الملك فقال : ما شأنك؟ فقال : إن الله إن لم ينصرني لم يغن عني هذا السلاح شيئا فدعني أقاتل كما أريد قال : فافعل ما شئت قال : نعم فأخذ داود مخلاته فتقلدها وأخذ المقلاع ومضى نحو جالوت وكان جالوت من أشد الرجال وأقواهم وكان يهزم الجيوش وحده وكان له بيضة فيها ثلاثمائة رطل حديد فلما نظر إلى داود ألقي في قلبه الرعب فقال له : أنت تبرز إلي؟ قال : نعم .وكان جالوت على فرس أبلق عليه السلاح التام قال : فأتيتني بالمقلاع والحجر كما يؤتى الكلب؟ قال : نعم أنت شر من الكلب قال لا جرم لأقسمن لحمك بين سباع الأرض وطير السماء قال داود : أو يقسم الله لحمك فقال داود : باسم إله إبراهيم وأخرج حجرا ثم أخرج الآخر وقال : باسم إله إسحاق ووضعه في مقلاعه ثم أخرج الثالث وقال : باسم إله يعقوب ووضعه في مقلاعه فصارت كلها حجرا واحدا ودور داود المقلاع ورمى به فسخر الله له الريح حتى أصاب الحجر أنف البيضة فخالط دماغه وخرج من قفاه وقتل من ورائه ثلاثين رجلا وهزم الله تعالى الجيش وخر جالوت قتيلا فأخذه يجره حتى ألقاه بين يدي طالوت ففرح المسلمون فرحا شديدا وانصرفوا إلى المدينة سالمين غانمين والناس يذكرون داود فجاء داود طالوت وقال انجز لي ما وعدتني فقال : أتريد ابنة الملك بغير صداق؟ فقال داود : ما شرطت علي صداقا وليس لي شيء فقال لا أكلفك إلا ما تطيق أنت رجل جريء وفي حيالنا أعداء لنا غلف فإذا قتلت منهم مائتي رجل وجئتني بغلفهم زوجتك ابنتي فأتاهم فجعل كلما قتل واحدا منهم نظم غلفته في خيط حتى نظم غلفهم فجاء بها إلى طالوت فألقى إليه وقال ادفع إلي امرأتي فزوجه ابنته وأجرى خاتمه في ملكه فمال الناس إلى داود وأحبوه وأكثروا ذكره فحسده طالوت وأراد قتله فأخبر ذلك ابنة طالوت رجل يقال له ذو العينين فقالت لداود إنك مقتول في هذه الليلة قال : ومن يقتلني؟ قالت أبي قال وهل أجرمت جرما قالت : حدثني من لا يكذب ولا عليك أن تغيب هذه الليلة حتى تنظر مصداق ذلك فقال : لئن كان أراد الله ذلك لا أستطيع خروجا ولكن ائتيني بزق خمر فأتت به فوضعه في مضجعه على السرير وسجاه ودخل تحت السرير فدخل طالوت نصف الليل فقال لها : أين بعلك؟ فقالت : هو نائم على السرير فضربه بالسيف ضربة فسال الخمر فلما وجد ريح الشراب قال : يرحم الله داود ما كان أكثر شربه للخمر وخرج .فلما أصبح علم أنه لم يفعل شيئا فقال : إن رجلا طلبت منه ما طلبت لخليق أن لا يدعني حتى يدرك مني ثأره فاشتد حجابه وحراسه وأغلق دونه أبوابه ثم إن داود أتاه ليلة وقد هدأت العيون فأعمى الله سبحانه الحجبة وفتح له الأبواب فدخل عليه وهو نائم على فراشه فوضع سهما عند رأسه وسهما عند رجليه وسهما عن يمينه وسهما عن شماله ثم خرج فلما استيقظ طالوت بصر بالسهام فعرفها فقال : يرحم الله تعالى داود هو خير مني ظفرت به فقصدت قتله وظفر بي فكف عني ولو شاء لوضع هذا السهم في حلقي وما أنا بالذي آمنه فلما كانت القابلة أتاه ثانيا وأعمى الله الحجاب فدخل عليه وهو نائم فأخذ إبريق طالوت الذي كان يتوضأ منه وكوزه الذي كان يشرب منه وقطع شعرات من لحيته وشيئا من هدب ثيابه ثم خرج وهرب وتوارى فلما أصبح طالوت ورأى ذلك سلط على داود العيون وطلبه أشد الطلب فلم يقدر عليه ثم إن طالوت ركب يوما فوجد داود يمشي في البرية فقال : اليوم أقتله فركض على أثره فاشتد داود وكان إذا فزع لم يدرك فدخل غارا فأوحى الله تعالى إلى العنكبوت فنسج عليه بيتا فلما انتهى طالوت إلى الغار ونظر إلى بناء العنكبوت قال : لو كان دخل هاهنا لخرق بناء العنكبوت فتركه ومضى فانطلق داود وأتى الجبل مع المتعبدين فتعبد فيه فطعن العلماء والعباد على طالوت في شأن داود فجعل طالوت لا ينهاه أحد عن قتل داود إلا قتله وأغرى بقتل العلماء فلم يكن يقدر على عالم في بني إسرائيل يطيق قتله إلا قتله حتى أتي بامرأة تعلم اسم الله الأعظم فأمر خبازه بقتلها فرحمها الخباز وقال : لعلنا نحتاج إلى عالم فتركها فوقع في قلب طالوت التوبة وندم على ما فعل وأقبل على البكاء حتى رحمه الناس .وكان كل ليلة يخرج إلى القبور فيبكي وينادي : أنشد الله عبدا يعلم أن لي توبة إلا أخبرني بها فلما أكثر عليهم ناداه مناد من القبور يا طالوت أما ترضى أن قتلتنا حتى تؤذينا أمواتا فازداد بكاء وحزنا فرحمه الخباز فقال : ما لك أيها الملك؟ قال : هل تعلم لي في الأرض عالما أسأله هل لي من توبة فقال الخباز : إنما مثلك مثل ملك نزل قرية عشاء فصاح الديك فتطير منه فقال : لا تتركوا في القرية ديكا إلا ذبحتموه فلما أراد أن ينام قال لأصحابه : إذا صاح الديك فأيقظونا حتى ندلج فقالوا له : وهل تركت ديكا نسمع صوته؟ ولكن هل تركت عالما في الأرض؟ فازداد حزنا وبكاء فلما رأى الخباز ذلك قال له : أرأيتك إن دللتك على عالم لعلك أن تقتله قال : لا فتوثق عليه الخباز فأخبره أن المرأة العالمة عنده قال : انطلق بي إليها أسألها هل لي من توبة؟ وكانت من أهل بيت يعلم الاسم الأعظم فإذا فنيت رجالهم علمت نساؤهم فلما بلغ طالوت الباب قال الخباز إنها إذا رأتك فزعت فخلفه خلفه ثم دخله عليها فقال لها : ألست أعظم الناس منة عليك أنجيتك من القتل وآويتك قالت : بلى قال : فإن لي إليك حاجة هذا طالوت يسأل هل لي من توبة؟ فغشي عليها من الفرق فقال لها : إنه لا يريد قتلك ولكن يسألك : هل له من توبة؟ قالت : لا والله لا أعلم لطالوت توبة ولكن هل تعلمون مكان قبر نبي؟ فانطلق بهما إلى قبر إشمويل فصلت ودعت ثم نادت يا صاحب القبر فخرج إشمويل من القبر ينفض رأسه من التراب فلما نظر إلى ثلاثتهم قال : ما لكم أقامت القيامة؟ قالت : لا ولكن طالوت يسألك : هل له من توبة؟ قال إشمويل : يا طالوت ما فعلت بعدي؟ قال : لم أدع من الشر شيئا إلا فعلته وجئت أطلب التوبة قال : كم لك من الولد؟ قال : عشرة رجال قال : ما أعلم لك من توبة إلا أن تتخلى من ملكك وتخرج أنت وولدك في سبيل الله ثم تقدم ولدك حتى يقتلوا بين يديك ثم تقاتل أنت حتى تقتل آخرهم؟ ثم رجع إشمويل إلى القبر وسقط ميتا ورجع طالوت أحزن ما كان رهبة أن لا يتابعه ولده وقد بكى حتى سقطت أشفار عينيه ونحل جسمه فدخل عليه أولاده فقال لهم : أرأيتم لو دفعت إلى النار هل كنتم تفدونني؟ قالوا : نعم نفديك بما قدرنا عليه قال : فإنها النار إن لم تفعلوا ما أقول لكم قالوا : فاعرض علينا فذكر لهم القصة قالوا : وإنك لمقتول قال : نعم قالوا : فلا خير لنا في الحياة بعدك قد طابت أنفسنا بالذي سألت فتجهز بماله وولده فتقدم ولده وكانوا عشرة فقاتلوا بين يديه حتى قتلوا ثم شد هو بعدهم حتى قتل فجاء قاتله إلى داود ليبشره وقال : قتلت عدوك فقال داود : ما أنت بالذي تحيا بعده فضرب عنقه وكان ملك طالوت إلى أن قتل أربعين سنة وأتى بنو إسرائيل إلى داود وأعطوه خزائن طالوت وملكوه على أنفسهم . قال الكلبي والضحاك : ملك داود بعد قتل طالوت سبع سنين ولم يجتمع بنو إسرائيل على ملك واحد إلا على داود فذلك قوله تعالى : ( وآتاه الله الملك والحكمة ) يعني : النبوة; جمع الله لداود بين الملك والنبوة ولم يكن من قبل بل كان الملك في سبط والنبوة في سبط وقيل: الملك والحكمة هو العلم مع العمل . قوله تعالى : ( وعلمه مما يشاء ) قال الكلبي وغيره يعني صنعة الدروع وكان يصنعها ويبيعها وكان لا يأكل إلا من عمل يده وقيل: منطق الطير ( وكلام الحكل ) والنمل والكلام الحسن وقيل هو الزبور وقيل هو الصوت الطيب والألحان فلم يعط الله أحدا من خلقه مثل صوته وكان إذا قرأ الزبور تدنو الوحوش حتى يأخذ بأعناقها وتظله الطير مصيخة له ويركد الماء ( الجاري ) ويسكن الريح .وروى الضحاك عن ابن عباس رضي الله عنهما هو أن الله تعالى أعطاه سلسلة موصولة بالمجرة ورأسها عند صومعته قوتها قوة الحديد ولونها لون النار وحلقها مستديرة مفصلة بالجواهر مدسرة بقضبان اللؤلؤ الرطب فلا يحدث في الهواء حدث إلا صلصلت السلسلة فعلم داود ذلك الحدث ولا يمسها ذو عاهة إلا برئ وكانوا يتحاكمون إليها بعد داود عليه السلام إلى أن رفعت فمن تعدى على صاحبه وأنكر له حقا أتى السلسلة فمن كان صادقا مد يده إلى السلسلة فتناولها ومن كان كاذبا لم ينلها فكانت كذلك إلى أن ظهر بهم المكر والخديعة فبلغنا أن بعض ملوكها أودع رجلا جوهرة ثمينة فلما استردها أنكر فتحاكما إلى السلسلة فعمد الذي عنده الجوهرة إلى عكازة فنقرها وضمنها الجوهرة واعتمد عليها حتى حضر السلسلة فقال صاحب الجوهرة : رد علي الوديعة فقال صاحبه : ما أعرف لك عندي من وديعة فإن كنت صادقا فتناول السلسلة فتناولها بيده فقيل للمنكر : قم أنت فتناولها فقال لصاحب الجوهرة : خذ عكازي هذه فاحفظها حتى أتناول السلسلة فأخذها عنده ثم قام المنكر نحو السلسلة فأخذها فقال الرجل : اللهم إن كنت تعلم أن هذه الوديعة التي يدعيها علي قد وصلت إليه فقرب مني السلسلة فمد يده فتناولها فتعجب القوم وشكوا فيها فأصبحوا وقد رفع الله السلسلة .قوله تعالى : ( ولولا دفع الله الناس بعضهم ببعض ) قرأ أهل المدينة ويعقوب " دفاع الله " ) بالألف هاهنا وفي سورة الحج وقرأ الآخرون بغير الألف لأن الله تعالى لا يغالبه أحد وهو الدافع وحده ومن قرأ بالألف قال : قد يكون الدفاع من واحد مثل قول العرب : أحسن الله عنك الدفاع ، قال ابن عباس ومجاهد : ولولا دفع الله بجنود المسلمين لغلب المشركون على الأرض فقتلوا المؤمنين وخربوا المساجد والبلاد وقال سائر المفسرين : لولا دفع الله بالمؤمنين والأبرار عن الكفار والفجار لهلكت الأرض بمن فيها ولكن الله يدفع بالمؤمن عن الكافر وبالصالح عن الفاجر .أخبرنا أحمد بن إبراهيم الشريحي أخبرنا أبو إسحاق الثعلبي أنا أبو عبد الله بن فنجويه أنا أبو بكر بن خرجة أنا عبد الله بن أحمد بن حنبل أنا أبو حميد الحمصي أنا يحيى بن سعيد العطار أنا حفص بن سليمان عن محمد بن سوقة عن وبرة عن عبد الرحمن عن ابن عمر رضي الله عنهما قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إن الله عز وجل ليدفع بالمسلم الصالح عن مائة أهل بيت من جيرانه البلاء " ثم قرأ " ولولا دفع الله الناس بعضهم ببعض..( لفسدت الأرض ولكن الله ذو فضل على العالمين ) .
إن الله اصطفى آدم ونوحا وآل إبراهيم وآل عمران على العالمين
وقوله تعالى : ( إن الله اصطفى آدم ونوحا ) الآية قال ابن عباس رضي الله عنهما : قالت اليهود نحن من أبناء إبراهيم وإسحاق ويعقوب ، ونحن على دينهم فأنزل الله تعالى هذه الآية يعني : إن الله اصطفى هؤلاء بالإسلام وأنتم على غير دين الإسلام ( اصطفى ) اختار ، افتعل من الصفوة وهي الخالص من كل شيء ( آدم ) أبو البشر ( ونوحا وآل إبراهيم وآل عمران ) قيل: أراد بآل إبراهيم وآل عمران إبراهيم عليه السلام وعمران أنفسهما كقوله تعالى " وبقية مما ترك آل موسى وآل هرون " ( 248 - البقرة ) يعني موسى وهارون .وقال آخرون : آل إبراهيم : إسماعيل وإسحاق ويعقوب والأسباط ، وكان محمد صلى الله عليه وسلم من آل إبراهيم عليه السلام ، وأما آل عمران فقال مقاتل : هو عمران بن يصهر بن فاهت بن لاوي بن يعقوب عليه السلام ( والد ) موسى وهارون . وقال الحسن ووهب : هو عمران بن أشهم بن أمون من ولد سليمان بن داود عليهما السلام [ والد ] مريم وعيسى . وقيل: عمران بن ماثان وإنما خص هؤلاء بالذكر لأن الأنبياء والرسل كلهم من نسلهم
وإذ قالت الملائكة يا مريم إن الله اصطفاك وطهرك واصطفاك على نساء العالمين
قوله تعالى : ( وإذ قالت الملائكة ) يعني جبريل ( يا مريم إن الله اصطفاك ) اختارك ( وطهرك ) قيل من مسيس الرجال وقيل من الحيض والنفاس ، قال السدي : كانت مريم لا تحيض ، وقيل: من الذنوب ( واصطفاك على نساء العالمين ) قيل: على عالمي زمانها وقيل: على جميع نساء العالمين في أنها ولدت بلا أب ، ولم يكن ذلك لأحد من النساء ، وقيل: بالتحرير في المسجد ولم تحرر أنثى .أخبرنا عبد الواحد المليحي ، أخبرنا أحمد بن عبد الله النعيمي ، أخبرنا محمد بن يوسف ، أخبرنا محمد بن إسماعيل ، أخبرنا أحمد بن رجاء ، أخبرنا النضر عن هشام أخبرنا أبي قال : سمعت عبد الله بن جعفر قال : سمعت عليا رضي الله عنه يقول : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : " خير نسائها مريم بنت عمران وخير نسائها خديجة رضي الله عنهما " ورواه وكيع وأبو معاوية عن هشام بن عروة وأشار وكيع إلى السماء والأرض .أخبرنا عبد الواحد المليحي ، أخبرنا أحمد بن عبد الله النعيمي ، أخبرنا محمد بن يوسف ، أخبرنا محمد بن إسماعيل ، أخبرنا آدم ، أنا شعبة ، عن عمرو بن مرة عن أبي موسى الأشعري قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " كمل من الرجال كثير ولم يكمل من النساء إلا مريم بنت عمران وآسية امرأة فرعون وفضل عائشة على النساء كفضل الثريد على سائر الطعام " .أخبرنا أبو سعيد عبد الله بن أحمد الطاهري ، أخبرنا جدي عبد الرحمن بن عبد الصمد البزار ، أخبرنا محمد بن زكريا العذافري ، أخبرنا إسحاق الديري ، أخبرنا عبد الرزاق ، أخبرنا معمر ، عن قتادة ، عن أنس رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " حسبك من نساء العالمين مريم بنت عمران وخديجة بنت خويلد ، وفاطمة بنت محمد صلى الله عليه وسلم وآسية امرأة فرعون " .
إن أول بيت وضع للناس للذي ببكة مباركا وهدى للعالمين
قوله تعالى : ( إن أول بيت وضع للناس للذي ببكة مباركا ) سبب [ نزول هذه الآية ] أن اليهود قالوا للمسلمين : بيت المقدس قبلتنا ، وهو أفضل من الكعبة وأقدم ، وهو مهاجر الأنبياء ، وقال المسلمون بل الكعبة أفضل ، فأنزل الله تعالى : ( إن أول بيت وضع للناس للذي ببكة مباركا وهدى للعالمين )( فيه آيات بينات مقام إبراهيم ومن دخله كان آمنا ) وليس شيء من هذه الفضائل لبيت المقدس .واختلف العلماء في قوله تعالى : ( إن أول بيت وضع للناس للذي ببكة ) فقال بعضهم : هو أول بيت ظهر على وجه الماء عند خلق [ السماء ] والأرض ، خلقه الله قبل الأرض بألفي عام ، وكانت زبدة بيضاء على الماء فدحيت الأرض من تحته ، هذا قول عبد الله بن عمر ومجاهد وقتادة والسدي .وقال بعضهم : هو أول بيت بني في الأرض ، روي عن علي بن الحسين : أن الله تعالى وضع تحت العرش بيتا وهو البيت المعمور ، وأمر الملائكة أن يطوفوا به ، ثم أمر الملائكة الذين هم سكان الأرض أن يبنوا في الأرض بيتا على مثاله وقدره ، فبنوا واسمه الضراح ، وأمر من في الأرض أن يطوفوا به كما يطوف أهل السماء بالبيت المعمور .وروي أن الملائكة بنوه قبل خلق آدم بألفي عام ، وكانوا يحجونه ، فلما حجه آدم ، قالت الملائكة : بر حجك يا آدم حججنا هذا البيت قبلك بألف عام ، ويروى عن ابن عباس أنه قال : أراد به أنه أول بيت بناه آدم في الأرض ، وقيل: هو أول بيت مبارك وضع [ في الأرض ] هدى للناس ، يروى ذلك عن علي بن أبي طالب ، قال الضحاك : أول بيت وضع فيه البركة وقيل: أول بيت وضع للناس يحج إليه . وقيل: أول بيت جعل قبلة للناس . وقال الحسن والكلبي : معناه : أول مسجد ومتعبد وضع للناس يعبد الله فيه كما قال الله تعالى : ( في بيوت أذن الله أن ترفع ) يعني المساجد .أخبرنا عبد الواحد المليحي ، أنا أحمد بن عبد الله النعيمي ، أنا محمد بن يوسف ، أنا محمد بن إسماعيل ، أخبرنا موسى بن إسماعيل ، أخبرنا عبد الواحد ، أنا الأعمش ، أخبرنا إبراهيم بن يزيد التيمي ، عن أبيه ، قال سمعت أبا ذر يقول : قلت يا رسول الله أي مسجد وضع في الأرض أولا؟ قال : " المسجد الحرام ، قلت ثم أي؟ قال : المسجد الأقصى قلت : كم كان بينهما؟ قال : أربعون سنة ، ثم أينما أدركتك الصلاة بعد فصل فإن الفضل فيه " .قوله تعالى : ( للذي ببكة ) قال جماعة : هي مكة نفسها ، وهو قول الضحاك ، والعرب تعاقب بين الباء والميم ، فتقول : سبد رأسه وسمده وضربة لازب ولازم ، وقال الآخرون : بكة موضع البيت ومكة اسم البلد كله .وقيل: بكة موضع البيت والمطاف ، سميت بكة : لأن الناس يتباكون فيها ، أي يزدحمون يبك بعضهم بعضا ، ويصلي بعضهم بين يدي بعض ويمر بعضهم بين يدي بعض .وقال عبد الله بن الزبير : سميت بكة لأنها تبك أعناق الجبابرة ، أي تدقها فلم يقصدها جبار بسوء إلا قصمه الله .وأما مكة سميت بذلك لقلة مائها من قول العرب : مك الفصيل ضرع أمه وامتكه إذا امتص كل ما فيه من اللبن ، وتدعى أم رحم لأن الرحمة تنزل بها .( مباركا ) نصب على الحال أي : ذا بركة ( وهدى للعالمين ) لأنه قبلة المؤمنين
فيه آيات بينات مقام إبراهيم ومن دخله كان آمنا ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلا ومن كفر فإن الله غني عن العالمين
( فيه آيات بينات ) قرأ ابن عباس ( آية بينة ) على الواحدان ، وأراد مقام إبراهيم وحده ، وقرأ الآخرون ( آيات بينات ) بالجمع فذكر منها مقام إبراهيم [ وهو الحجر ] الذي قام عليه إبراهيم ، وكان أثر قدميه فيه فاندرس من كثرة المسح بالأيدي ، ومن تلك الآيات : الحجر الأسود والحطيم وزمزم والمشاعر كلها ، وقيل: مقام إبراهيم جميع الحرم ، ومن الآيات في البيت أن الطير تطير فلا تعلو فوقه ، وأن الجارحة إذا قصدت صيدا فإذا دخل الصيد الحرم كفت عنه ، وإنه بلد صدر إليه الأنبياء والمرسلون والأولياء والأبرار ، وإن الطاعة والصدقة فيها تضاعف بمائة ألف .أخبرنا عبد الواحد المليحي ، أنا أبو محمد الحسن بن أحمد المخلدي ، أخبرنا أبو العباس محمد بن إسحاق السراج ، أخبرنا أبو مصعب أحمد بن أبي بكر الزهري ، أنا مالك بن أنس عن زيد بن رباح وعبيد الله بن أبي عبد الله عن أبي عبد الله الأغر عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " صلاة في مسجدي هذا أفضل من ألف صلاة فيما سواه إلا المسجد الحرام " .قوله عز وجل : ( ومن دخله كان آمنا ) من أن يحاج فيه ، وذلك بدعاء إبراهيم عليه السلام حيث قال : رب اجعل هذا بلدا آمنا وكانت العرب في الجاهلية يقتل بعضهم بعضا ويغير بعضهم على بعض ومن دخل الحرم أمن من القتل والغارة ، وهو المراد من الآية على قول الحسن وقتادة وأكثر المفسرين قال الله تعالى : " أولم يروا أنا جعلنا حرما آمنا ويتخطف الناس من حولهم " ( سورة العنكبوت الآية 67 ) وقيل: المراد به أن من دخله عام عمرة القضاء مع رسول الله صلى الله عليه وسلم كان آمنا ، كما قال تعالى : " لتدخلن المسجد الحرام إن شاء الله آمنين " ( سورة الفتح الآية 27 ) وقيل: هو خبر بمعنى الأمر تقديره : ومن دخله فأمنوه ، كقوله تعالى : " فلا رفث ولا فسوق ولا جدال في الحج " ( البقرة - 197 ) أي : لا ترفثوا ولا تفسقوا ، حتى ذهب بعض أهل العلم إلى أن من وجب عليه القتل قصاصا أو حدا فالتجأ إلى الحرم فلا يستوفى منه فيه ، ولكنه [ لا يطعم ] ولا يبايع ولا يشارى حتى يخرج منه فيقتل ، قاله ابن عباس ، وبه قال أبو حنيفة ، وذهب قوم إلى أن القتل الواجب بالشرع يستوفى فيه أما إذا ارتكب الجريمة في الحرم يستوفى فيه عقوبته بالاتفاق .وقيل: معناه ومن دخله معظما له متقربا إلى الله عز وجل كان آمنا يوم القيامة من العذاب .قوله عز وجل : ( ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلا ) أي : ولله فرض واجب على الناس حج البيت ، قرأ أبو جعفر وحمزة والكسائي وحفص ( حج البيت ) بكسر الحاء في هذا الحرف خاصة ، وقرأ الآخرون بفتح الحاء ، وهي لغة أهل الحجاز ، وهما لغتان فصيحتان ومعناهما واحد .والحج أحد أركان الإسلام ، أخبرنا عبد الواحد بن أحمد المليحي ، أنا أحمد بن عبد الله النعيمي ، أنا محمد بن يوسف ، أخبرنا محمد بن إسماعيل ، أنا عبد الله بن موسى ، أنا حنظلة بن أبي سفيان ، عن عكرمة بن خالد ، عن ابن عمر رضي الله عنهما قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " بني الإسلام على خمس شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله ، وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة والحج وصوم رمضان .قال أهل العلم : ولوجوب الحج خمس شرائط : الإسلام والعقل والبلوغ والحرية والاستطاعة ، فلا يجب على الكافر ولا على المجنون ، ولو حجا بأنفسهما لا يصح لأن الكافر ليس من أهل القربة ولا حكم [ لفعل ] المجنون ، ولا يجب على الصبي ولا على العبد ، ولو حج صبي يعقل ، أو عبد يصح حجهما تطوعا لا يسقط به فرض الإسلام عنهما فلو بلغ الصبي ، أو عتق العبد بعدما حج واجتمع في حقه شرائط [ وجوب ] الحج وجب عليه أن يحج ثانيا ، ولا يجب على غير المستطيع ، لقوله تعالى : ( من استطاع إليه سبيلا ) غير أنه لو تكلف فحج يسقط عنه فرض الإسلام .والاستطاعة نوعان ، أحدهما : أن يكون مستطيعا [ بنفسه ] والآخر : أن يكون مستطيعا بغيره ، أما الاستطاعة بنفسه أن يكون قادرا بنفسه على الذهاب ووجد الزاد والراحلة ، أخبرنا عبد الواحد بن محمد الكسائي الخطيب ، ثنا عبد العزيز بن أحمد الخلال ، ثنا أبو العباس الأصم ، أخبرنا الربيع بن سليمان ، أخبرنا الشافعي ، أخبرنا سعيد بن سالم ، عن إبراهيم بن يزيد ، عن محمد بن عباد بن جعفر ، قال : قعدنا إلى عبد الله ابن عمر فسمعته يقول : سأل رجل رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : ما الحاج؟ قال : " الشعث التفل " فقام رجل آخر فقال : يا رسول الله : أي الحج أفضل؟ قال : " العج والثج " فقام رجل آخر فقال : يا رسول الله ما السبيل؟ قال : " زاد وراحلة " .وتفصيله : أن يجد راحلة تصلح لمثله ، ووجد الزاد للذهاب والرجوع ، فاضلا عن نفقة عياله ومن تلزمه نفقتهم وكسوتهم لذهابه ورجوعه ، وعن دين يكون عليه ، ووجد رفقة يخرجون في وقت جرت عادة أهل بلده بالخروج في ذلك الوقت ، فإن خرجوا قبله أو أخروا الخروج إلى وقت لا يصلون إلا أن يقطعوا كل يوم أكثر من مرحلة لا يلزمهم الخروج [ في ذلك الوقت ] ويشترط أن يكون الطريق آمنا فإن كان فيه خوف من عدو مسلم أو كافر أو رصدي يطلب شيئا لا يلزمه ، ويشترط أن تكون المنازل المأهولة معمورة يجد فيها الزاد والماء ، فإن كان زمان جدوبة تفرق أهلها أو غارت مياهها فلا يلزمه ، ولو لم يجد الراحلة لكنه قادر على المشي ، أو لم يجد الزاد ولكن يمكنه أن يكتسب في الطريق لا يلزمه الحج ، ويستحب لو فعل ، وعند مالك يلزمه .أما الاستطاعة بالغير هو : أن يكون الرجل عاجزا بنفسه ، بأن كان زمنا أو به مرض غير مرجو الزوال ، لكن له مال يمكنه أن يستأجر من يحج عنه ، يجب عليه أن يستأجر ، أو لم يكن له مال لكن بذل له ولده أو أجنبي الطاعة في أن يحج عنه ، يلزمه أن يأمره إذا كان يعتمد صدقه ، لأن وجوب الحج [ يتعلق ] بالاستطاعة ، ويقال في العرف : فلان مستطيع لبناء دار وإن كان لا يفعله بنفسه ، وإنما يفعله بماله أو بأعوانه .وعند أبي حنيفة لا يجب الحج ببذل الطاعة ، وعند مالك لا يجب على المعضوب في المال .وحجة من أوجبه ما أخبرنا أبو الحسن السرخسي أخبرنا زاهر بن أحمد أخبرنا أبو إسحاق الهاشمي ، أخبرنا أبو مصعب عن مالك عن ابن شهاب عن سليمان بن يسار عن عبد الله بن عباس أنه قال : كان الفضل بن عباس رديف رسول الله صلى الله عليه وسلم فجاءته امرأة من خثعم تستفتيه ، فجعل الفضل ينظر إليها وتنظر إليه ، فجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم يصرف وجه الفضل إلى الشق الآخر ، فقالت : يا رسول الله إن فريضة الله على عباده في الحج أدركت أبي شيخا كبيرا لا يستطيع أن يثبت على الراحلة أفأحج عنه؟ قال : " نعم " .قوله تعالى : ( ومن كفر فإن الله غني عن العالمين ) قال ابن عباس والحسن وعطاء : جحد فرض الحج ، وقال مجاهد : من كفر بالله واليوم الآخر .وقال سعيد بن المسيب : نزلت في اليهود حيث قالوا : الحج إلى مكة غير واجب .وقال السدي : هو من وجد ما يحج به ثم لم يحج حتى مات فهو كفر به أخبرنا أبو سعيد أحمد بن إبراهيم الشريحي ، أنا أبو إسحاق الثعلبي ، أخبرنا أبو الحسن الكلماتي ، أخبرنا أبو بكر محمد بن عمر ، أخبرنا سهل بن عمار ، أخبرنا يزيد بن هارون ، أخبرنا شريك ، عن الليث عن عبد الرحمن بن سابط ، عن أبي أمامة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " من لم تحبسه حاجة ظاهرة أو مرض حابس أو سلطان جائر ، ولم يحج فليمت إن شاء يهوديا وإن شاء نصرانيا " .