تفسير القرطبي الجامع لأحكام القرآن تفسير الصفحة 228 من المصحف



تفسير القرطبي - صفحة القرآن رقم 228

228- تفسير الصفحة رقم228 من المصحف
الآيتان: 54 - 55 - 56 {إن نقول إلا اعتراك بعض آلهتنا بسوء قال إني أشهد الله واشهدوا أني بريء مما تشركون، من دونه فكيدوني جميعا ثم لا تنظرون، إني توكلت على الله ربي وربكم ما من دابة إلا هو آخذ بناصيتها إن ربي على صراط مستقيم}
قوله تعالى: "إن نقول إلا اعتراك" أي أصابك. "بعض آلهتنا" أي أصنامنا. "بسوء" أي بجنون لسبك إياها، عن ابن عباس وغيره. يقال: عراه الأمر واعتراه إذا ألم به. ومنه "وأطعموا القانع والمعتر" [الحج: 36]. "قال إني أشهد الله" أي على نفسي. "واشهدوا" أي وأشهدكم؛ لا أنهم كانوا أهل شهادة، ولكنه نهاية للتقرير؛ أي لتعرفوا "أني بريء مما تشركون" أي من عبادة الأصنام التي تعبدونها. "فكيدوني جميعا" أي أنتم وأوثانكم في عداوتي وضري. "ثم لا تنظرون" أي لا تؤخرون. وهذا القول مع كثرة الأعداء يدل على كمال الثقة بنصر الله تعالى. وهو من أعلام النبوة، أن يكون الرسول وحده يقول لقومه: "فكيدوني جميعا". وكذلك قال النبي صلى الله عليه وسلم لقريش. وقال نوح صلى الله عليه وسلم "فاجمعوا أمركم وشركاءكم" [يونس: 71] الآية.
قوله تعالى: "إني توكلت على الله ربي وربكم" أي رضيت بحكمه، ووثقت بنصره. "ما من دابة" أي نفس تدب على الأرض؛ وهو في موضع رفع بالابتداء. "إلا هو آخذ بناصيتها" أي يصرفها كيف يشاء، ويمنعها مما يشاء؛ أي فلا تصلون إلى ضري. وكل ما فيه روح يقال له داب ودابه؛ والهاء للمبالغة. وقال الفراء: مالكها، والقادر عليها. وقال القتبي: قاهرها؛ لأن من أخذت بناصيته فقد قهرته. وقال الضحاك: يحييها ثم يميتها؛ والمعنى متقارب. والناصية قصاص الشعر في مقدم الرأس. ونصوت الرجل أنصوه نصوا أي مددت ناصيته. قال ابن جريج: إنما خص الناصية؛ لأن العرب تستعمل ذلك إذا وصفت إنسانا بالذلة والخضوع؛ فيقولون. ما ناصية فلان إلا بيد فلان؛ أي إنه مطيع له يصرفه كيف يشاء. وكانوا إذا أسروا أسيرا وأرادوا إطلاقه والمن عليه جزوا ناصيته ليعرفوا بذلك فخرا عليه؛ فخاطبهم بما يعرفونه في كلامهم. وقال، الترمذي الحكيم في "نوادر الأصول" "ما من دابة إلا هو آخذ بناصيتها" وجهه عندنا أن الله تعالى قدر مقادير أعمال العباد، ثم نظر إليها، ثم خلق خلقه، وقدر نفذ بصره في جميع ما هم فيه عاملون من قبل أن يخلقهم، فلما خلقهم وضع نور تلك النظرة في نواصيهم فذلك النور أخذ بنواصيهم، يجريهم إلى أعمالهم المقدرة عليهم يوم المقادير. وخلق الله المقادير قبل أن يخلق السماوات والأرض بخمسين ألف سنة؛ رواه عبدالله بن عمرو بن العاص قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (قدر الله المقادير قبل أن يخلق السماوات والأرض بخمسين ألف سنة). ولهذا قويت الرسل وصاروا من أولي العزم لأنهم لاحظوا نور النواصي، وأيقنوا أن جميع خلقه منقادون بتلك الأنوار إلى ما نفذ بصره فيهم من الأعمال، فأوفرهم حظا من الملاحظة أقواهم في العزم، ولذلك ما قوي هود النبي صلى الله عليه وسلم حتى قال: "فكيدوني جميعا ثم لا تنظرون. إني توكلت على الله ربي وربكم ما من دابة إلا هو آخذ بناصيتها" وإنما سميت ناصية لأن الأعمال قد نصت وبرزت من غيب الغيب فصارت منصوصة في المقادير، قد نفذ بصر الخالق في جميع حركات الخلق بقدرة، ثم وضعت حركات كل من دب على الأرض حيا في جبهته بين عينيه، فسمي ذلك الموضع منه ناصية؛ لأنها تنص حركات العباد بما قدر؛ فالناصية مأخوذة بمنصوص الحركات التي نظر الله تعالى إليها قبل أن يخلقها ووصف ناصية أبي جهل فقال: "ناصية كاذبة خاطئة" [العلق: 16] يخبر أن النواصي فيها كاذبة خاطئة؛ فعلى سبيل ما تأولوه يستحيل أن تكون الناصية منسوبة إلى الكذب والخطأ. والله أعلم. "إن ربي على صراط مستقيم" قال النحاس: الصراط في اللغة المنهاج الواضح؛ والمعنى أن الله جل ثناؤه وإن كان يقدر على كل شيء فإنه لا يأخذهم إلا بالحق. وقيل: معناه لا خلل في تدبيره، ولا تفاوت في خلقه سبحانه.
الآية: 57 {فإن تولوا فقد أبلغتكم ما أرسلت به إليكم ويستخلف ربي قوما غيركم ولا تضرونه شيئا إن ربي على كل شيء حفيظ}
قوله تعالى: "فإن تولوا" في موضع جزم؛ فلذلك حذفت منه النون، والأصل تتولوا، فحذفت التاء لاجتماع تاءين. "فقد أبلغتكم ما أرسلت به إليكم" بمعنى قد بينت لكم. "ويستخلف ربي قوما غيركم" أي يهلككم ويخلق من هو أطوع له منكم يوحدونه ويعبدونه. "ويستخلف" مقطوع مما قبله فلذلك ارتفع؛ أو معطوف على ما يجب فيما بعد الفاء من قوله: "فقد أبلغتكم". وروي عن حفص عن عاصم "ويستخلف" بالجزم حملا على موضع الفاء وما بعدها؛ مثل: "ويذرهم في طغيانهم يعمهون" [الأعراف: 186]. "ولا تضرونه شيئا" أي بتوليكم وإعراضكم. "إن ربى على كل شيء حفيظ" أي لكل شيء حافظ. "على" بمعنى اللام؛ فهو يحفظني من أن تنالوني بسوء.
الآية: 58 {ولما جاء أمرنا نجينا هودا والذين آمنوا معه برحمة منا ونجيناهم من عذاب غليظ}
قوله تعالى: "ولما جاء أمرنا" أي عذابنا بهلاك عاد. "نجينا هودا والذين آمنوا معه برحمة منا" لأن أحدا لا ينجو إلا برحمة الله تعالى، وإن كانت له أعمال صالحة. وفي صحيح مسلم والبخاري وغيرهما عن النبي صلى الله عليه وسلم (لن ينجي أحدا منكم عمله. قالوا: ولا أنت يا رسول الله؟ ! قال: ولا أنا إلا أن يتغمدني الله برحمة منه). وقيل: معنى "برحمة منا" بأن بينا لهم الهدى الذي هو رحمة. وكانوا أربعة آلاف. وقيل: ثلاثة آلاف. "ونجيناهم من عذاب غليظ" أي عذاب يوم القيامة. وقيل: هو الريح العقيم كما ذكر الله في "الذاريات" وغيرها وسيأتي. قال القشيري أبو نصر: والعذاب الذي يتوعد به النبي أمته إذا حضر ينجي الله منه النبي والمؤمنين معه؛ نعم! لا يبعد أن يبتلي الله نبيا وقومه فيعمهم ببلاء فيكون ذلك عقوبة للكافرين، وتمحيصا للمؤمنين إذا لم يكن مما توعدهم النبي به.
الآية: 59 {وتلك عاد جحدوا بآيات ربهم وعصوا رسله واتبعوا أمر كل جبار عنيد}
قوله تعالى: "وتلك عاد" ابتداء وخبر. وحكى الكسائي أن من العرب من لا يصرف "عادا" فيجعله اسما للقبيلة. "جحدوا بآيات ربهم" أي كذبوا بالمعجزات وأنكروها. "وعصوا رسله" يعني هودا وحده؛ لأنه لم يرسل إليهم من الرسل سواه. ونظيره قوله تعالى: "يا أيها الرسل كلوا من الطيبات" [المؤمنون: 51] يعني النبي صلى الله عليه وسلم وحده؛ لأنه لم يكن في عصره رسول سواه؛ وإنما جمع ههنا لأن من كذب رسولا واحدا فقد كفر بجميع الرسل. وقيل: عصوا هودا والرسل قبله، وكانوا بحيث لو أرسل إليهم ألف رسول لجحدوا الكل. "واتبعوا أمر كل جبار عنيد" أي اتبع سقاطهم رؤساءهم. والجبار المتكبر. والعنيد الطاغي الذي لا يقبل الحق ولا يذعن له. قال أبو عبيد: العنيد والعنود والعاند والمعاند المعارض بالخلاف، ومنه قيل للعرق الذي ينفجر بالدم عاند. وقال الراجز:
إني كبير لا أطيق العُنَّدا
الآية: 60 {وأتبعوا في هذه الدنيا لعنة ويوم القيامة ألا إن عادا كفروا ربهم ألا بعدا لعاد قوم هود}
قوله تعالى: "وأتبعوا في هذه الدنيا لعنة" أي ألحقوها. "ويوم القيامة" أي واتبعوا يوم القيامة مثل ذلك؛ فالتمام على قوله: "ويوم القيامة". "ألا إن عادا كفروا ربهم" قال الفراء: أي كفروا نعمة ربهم؛ قال: ويقال كفرته وكفرت به، مثل شكرته وشكرت له. "ألا بعدا لعاد قوم هود" أي لا زالوا مبعدين عن رحمة الله. والبعد الهلاك والبعد التباعد من الخير. يقال: بعد يبعد بعدا إذا تأخر وتباعد. وبعد يبعد بعدا إذا هلك؛ قال:
لا يبعدن قومي الذين هم سم العداة وآفة الجزر
وقال النابغة:
فلا تبعدن إن المنية منهل وكل امرئ يوما به الحال زائل
الآية: 61 {وإلى ثمود أخاهم صالحا قال يا قوم اعبدوا الله ما لكم من إله غيره هو أنشأكم من الأرض واستعمركم فيها فاستغفروه ثم توبوا إليه إن ربي قريب مجيب}
قوله تعالى: "وإلى ثمود" أي أرسلنا إلى ثمود "أخاهم" أي في النسب. "صالحا" وقرأ يحيي بن وثاب "وإلى ثمود" بالتنوين في كل القرآن؛ وكذلك روي عن الحسن. واختلف سائر القراء فيه فصرفوه في موضع ولم يصرفوه في موضع. وزعم أبو عبيدة أنه لولا مخالفة السواد لكان الوجه ترك الصرف؛ إذ كان الأغلب عليه التأنيث. قال النحاس: الذي قال أبو عبيدة - رحمه الله - من أن الغالب عليه التأنيث كلام مردود؛ لأن ثمودا يقال له حي؛ ويقال له قبيلة، وليس الغالب عليه القبيلة؛ بل الأمر على ضد ما قال عند سيبويه. والأجود عند سيبويه فيما لم يقل فيه بنو فلان الصرف، نحو قريش وثقيف وما أشبههما، وكذلك ثمود، والعلة في ذلك أنه لما كان التذكير الأصل، وكان يقع له مذكر ومؤنث كان الأصل الأخف أولى. والتأنيث جيد بالغ حسن. وأنشد سيبويه في التأنيث:
غلب المساميح الوليد سماحة وكفى قريش المعضلات وسادها
قوله تعالى: "قال يا قوم اعبدوا الله ما لكم من إله غيره" تقدم. "هو أنشأكم من الأرض" أي ابتدأ خلقكم من الأرض، وذلك أن آدم خلق من الأرض على ما تقدم في "البقرة" و"الأنعام" وهم منه، وقيل: "أنشأكم في الأرض". ولا يجوز إدغام الهاء من "غيره" في الهاء من "هو" إلا على لغة من حذف الواو في الإدراج. "واستعمركم فيها" أي جعلكم عمارها وسكانها. قال مجاهد: ومعنى "استعمركم" أعمركم من قوله: أعمر فلان فلانا داره؛ فهي له عمرى. وقال قتادة: أسكنكم فيها؛ وعلى هذين القولين تكون استفعل بمعنى أفعل؛ مثل استجاب بمعنى أجاب. وقال الضحاك: أطال أعماركم، وكانت أعمارهم من ثلاثمائة إلى ألف. ابن عباس: (أعاشكم فيها). زيد بن أسلم: أمركم بعمارة ما تحتاجون إليه فيها من بناء مساكن، وغرس أشجار. وقيل: المعنى ألهمكم عمارتها من الحرث والغرس وحفر الأنهار وغيرها.
قال ابن العربي قال بعض علماء الشافعية: الاستعمار طلب العمارة؛ والطلب المطلق من الله تعالى على الوجوب، قال القاضي أبو بكر: تأتي كلمة استفعل في لسان العرب على معان: منها؛ استفعل بمعنى طلب الفعل كقوله: استحملته أي طلبت منه حملانا؛ وبمعنى اعتقد، كقولهم: استسهلت هذا الأمر اعتقدته سهلا، أو وجدته سهلا، واستعظمته أي اعتقدته عظيما ووجدته، ومنه استفعلت بمعنى أصبت؛ كقولهم: استجدته أي أصبته جيدا: ومنها بمعنى فعل؛ كقوله: قر في المكان واستقر؛ وقالوا وقوله: "يستهزئون" و"يستسخرون" منه؛ فقوله تعالى: "استعمركم فيها" خلقكم لعمارتها، لا على معنى استجدته واستسهلته؛ أي أصبته جيدا وسهلا؛ وهذا يستحيل في الخالق، فيرجع إلى أنه خلق؛ لأنه الفائدة، وقد يعبر عن الشيء بفائدته مجازا؛ ولا يصح أن يقال: إنه طلب من الله تعالى لعمارتها، فإن هذا اللفظ لا يجوز في حقه، أما أنه يصح أن يقال: أنه استدعى عمارتها فإنه جاء بلفظ استفعل، وهو استدعاء الفعل بالقول ممن هو دونه إذا كان أمرا، وطلب للفعل إذا كان من الأدنى إلى الأعلى رغبة.
قلت: لم يذكر استفعل بمعنى أفعل، مثل قوله: استوقد بمعنى أوقد، وقد ذكرناه
ويكون فيها دليل على الإسكان والعمرى وقد مضى القول في "البقرة" في السكنى والرقبى. وأما العمرى فاختلف العلماء فيها على ثلاثة أقوال: أحدها - أنها تمليك لمنافع الرقبة حياة المعمر مدة عمره؛ فإن لم يذكر عقبا فمات المعمر رجعت إلى الذي أعطاها أو لورثته؛ هذا قول القاسم بن محمد ويزيد بن قسيط والليث بن سعد، وهو مشهور مذهب مالك، وأحد أقوال الشافعي، وقد تقدم في "البقرة" حجة هذا القول. الثاني: أنها تمليك الرقبة ومنافعها وهي هبة مبتولة؛ وهو قول أبي حنيفة والشافعي وأصحابهما والثوري والحسن بن حي وأحمد بن حنبل وابن شبرمة وأبي عبيد؛ قالوا: من أعمر رجلا شيئا حياته فهو له حياته؛ وبعد وفاته لورثته؛ لأنه قد ملك رقبتها، وشرط المعطى الحياة والعمر باطل؛ لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (العمرى جائزة) و(العمرى لمن وهبت له). الثالث: إن قال عمرك ولم يذكر العقب كان كالقول الأول: وإن قال لعقبك كان كالقول الثاني؛ وبه قال الزهري وأبو ثور وأبو سلمة بن عبدالرحمن وابن أبي ذئب، وقد روي عن مالك؛ وهو ظاهر قوله في الموطأ. والمعروف عنه وعن أصحابه أنها ترجع إلى المعمر؛ إذا انقرض عقب المعمر؛ إن كان المعمر حيا، وإلا فإلى من كان حيا من ورثته، وأولى الناس بميراثه. ولا يملك المعمر بلفظ العمرى عند مالك وأصحابه رقبة شيء من الأشياء، وإنما يملك بلفظ العمرى المنفعة دون الرقبة. وقد قال مالك في الحبس أيضا: إذا حبس على رجل وعقبه أنه لا يرجع إليه. وإن حبس على رجل بعينه حياته رجع إليه، وكذلك العمرى قياسا، وهو ظاهر الموطأ. وفي صحيح مسلم عن جابر بن عبدالله أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (أيما رجل أعمر رجلا عمرى له ولعقبه فقال قد أعطيتكها وعقبك ما بقي منكم أحد فإنها لمن أعطيها وأنها لا ترجع إلى صاحبها من أجل أنه أعطى عطاء وقعت فيه المواريث) وعنه قال: إن العمرى التي أجاز رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يقول: هي لك ولعقبك، فأما إذا قال: هي لك ما عشت فإنها ترجع إلى صاحبها؛ قال معمر: وبذلك كان الزهري يفتي.
قلت: معنى القرآن يجري مع أهل القول الثاني؛ لأن الله سبحانه قال: "واستعمركم" بمعنى أعمركم؛ فأعمر الرجل الصالح فيها مدة حياته بالعمل الصالح، وبعد موته بالذكر الجميل والثناء الحسن؛ وبالعكس الرجل الفاجر؛ فالدنيا ظرف لهما حياة وموتا. وقد يقال: إن الثناء الحسن يجري مجرى العقب. وفي التنزيل: "واجعل لي لسان صدق في الآخرين" [الشعراء: 84] أي ثناء حسنا. وقيل: هو محمد صلى الله عليه وسلم. قال: "وجعلنا ذريته هم الباقين" [الصافات: 77] وقال: "وباركنا عليه وعلى إسحاق ومن ذريتهما محسن وظالم لنفسه مبين" [الصافات: 113].
قوله تعالى: "فاستغفروه" أي سلوه المغفرة من عبادة الأصنام. "ثم توبوا إليه" أي ارجعوا إلى عبادته. "إن ربي قريب مجيب" أي قريب الإجابة لمن دعاه. وقد مضى في "البقرة" عند قوله: "فإني قريب أجيب دعوة الداعي" القول فيه.
الآية: 62 {قالوا يا صالح قد كنت فينا مرجوا قبل هذا أتنهانا أن نعبد ما يعبد آباؤنا وإننا لفي شك مما تدعونا إليه مريب}
قوله تعالى: "قالوا يا صالح قد كنت فينا مرجوا قبل هذا" أي كنا نرجو أن تكون فينا سيدا قبل هذا؛ أي قبل دعوتك النبوة. وقيل: كان صالح يعيب آلهتهم ويشنؤها، وكانوا يرجون رجوعه إلى دينهم، فلما دعاهم إلى الله قالوا: انقطع رجاؤنا منك. "أتنهانا" استفهام معناه الإنكار. "أن نعبد" أي عن أن نعبد. "ما يعبد آباؤنا" فأن في محل نصب بإسقاط حرف الجر. "وإننا لفي شك" وفي سورة "إبراهيم" و"وإنا" والأصل وإننا؛ فاستثقل ثلاث نونات فأسقط الثالثة. "مما تدعونا" الخطاب لصالح، وفي سورة إبراهيم "تدعوننا" [إبراهيم: 9] لأن الخطاب للرسل صلوات الله وسلامه عليهم "إليه مريب" من أربته فأنا أريبه إذا فعلت به فعلا يوجب لدية الريبة. قال الهذلي:
كنت إذا أتوته من غيب يشم عطفي ويبز ثوبي
كأنما أربته بريب