تفسير ابن كثير تفسير الصفحة 228 من المصحف



تفسير ابن كثير - صفحة القرآن رقم 228

228 : تفسير الصفحة رقم 228 من القرآن الكريم

** قَالُواْ يَهُودُ مَا جِئْتَنَا بِبَيّنَةٍ وَمَا نَحْنُ بِتَارِكِيَ آلِهَتِنَا عَن قَوْلِكَ وَمَا نَحْنُ لَكَ بِمُؤْمِنِينَ * إِن نّقُولُ إِلاّ اعْتَرَاكَ بَعْضُ آلِهَتِنَا بِسُوَءٍ قَالَ إِنّيَ أُشْهِدُ اللّهِ وَاشْهَدُوَاْ أَنّي بَرِيَءٌ مّمّا تُشْرِكُونَ * مِن دُونِهِ فَكِيدُونِي جَمِيعاً ثُمّ لاَ تُنظِرُونِ * إِنّي تَوَكّلْتُ عَلَى اللّهِ رَبّي وَرَبّكُمْ مّا مِن دَآبّةٍ إِلاّ هُوَ آخِذٌ بِنَاصِيَتِهَآ إِنّ رَبّي عَلَىَ صِرَاطٍ مّسْتَقِيمٍ
يخبر تعالى أنهم قالوا لنبيهم {ما جئتنا ببينة} أي بحجة وبرهان على ما تدعيه {وما نحن بتاركي آلهتنا عن قولك} أي بمجرد قولك اتركوهم نتركهم {وما نحن لك بمؤمنين} بمصدقين {إن نقول إلا اعتراك بعض آلهتنا بسوء} يقولون: ما نظن إلا أن بعض الاَلهة أصابك بجنون وخبل في عقلك بسبب نهيك عن عبادتها وعيبك لها {قال إني أشهد الله واشهدوا أني بريء مما تشركون من دونه} يقول: إني بريء من جميع الأنداد والأصنام {فكيدوني جميع} أي أنتم وآلهتكم إن كانت حقاً {ثم لا تنظرون} أي طرفة عين وقوله: {إني توكلت على الله ربي وربكم ما من دابة إلا هو آخذ بناصيته} أي تحت قهره وسلطانه وهو الحاكم العادل الذي لا يجور في حكمه فإنه على صراط مستقيم. قال الوليد بن مسلم عن صفوان بن عمرو عن أيفع بن عبد الكلاعي أنه قال في قوله تعالى: {ما من دابة إلا هو آخذ بناصيتها إن ربي على صراط مستقيم} قال: فيأخذ بنواصي عباده فيلقن المؤمن حتى يكون له أشفق من الوالد لولده ويقول: {ما غرك بربك الكريم} وقد تضمن هذا المقام حجة بالغة ودلالة قاطعة على صدق ما جاءهم به وبطلان ما هم عليه من عبادة الأصنام التي لا تنفع ولا تضر بل هي جماد لا تسمع ولاتبصر ولا توالي ولا تعادي وإنما يستحق إخلاص العبادة الله وحده لا شريك له الذي بيده الملك وله التصرف وما من شيء إلا تحت ملكه وقهره وسلطانه فلا إله إلا هو ولا رب سواه.

** فَإِن تَوَلّوْاْ فَقَدْ أَبْلَغْتُكُمْ مّآ أُرْسِلْتُ بِهِ إِلَيْكُمْ وَيَسْتَخْلِفُ رَبّي قَوْماً غَيْرَكُمْ وَلاَ تَضُرّونَهُ شَيْئاً إِنّ رَبّي عَلَىَ كُلّ شَيْءٍ حَفِيظٌ * وَلَمّا جَآءَ أَمْرُنَا نَجّيْنَا هُوداً وَالّذِينَ آمَنُواْ مَعَهُ بِرَحْمَةٍ مّنّا وَنَجّيْنَاهُمْ مّنْ عَذَابٍ غَلِيظٍ * وَتِلْكَ عَادٌ جَحَدُواْ بِآيَاتِ رَبّهِمْ وَعَصَوْاْ رُسُلَهُ وَاتّبَعُوَاْ أَمْرَ كُلّ جَبّارٍ عَنِيدٍ * وَأُتْبِعُواْ فِي هَـَذِهِ الدّنْيَا لَعْنَةً وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ أَلآ إِنّ عَاداً كَفَرُواْ رَبّهُمْ أَلاَ بُعْداً لّعَادٍ قَوْمِ هُودٍ
يقول لهم هود: فإن تولوا عما جئتكم به من عبادة الله ربكم وحده لا شريك له فقد قامت عليكم الحجة بإبلاغي إياكم رسالة الله التي بعثني بها {ويستخلف ربي قوماً غيركم} يعبدونه وحده لا يشركون به ولا يبالي بكم فإنكم لا تضرونه بكفركم بل يعود وبال ذلك عليكم {إن ربي على كل شيء حفيظ} أي شاهد وحافظ لأقوال عباده وأفعالهم ويجزيهم عليها إن خيراً فخير وإن شراً فشر {ولما جاء أمرن} وهو الريح العقيم فأهلكهم الله عن آخرهم ونجى هوداً وأتباعه من عذاب غليظ برحمته تعالى ولطفه {وتلك عاد جحدوا بآيات ربهم} كفروا بها وعصوا رسل الله وذلك أن من كفر بنبي فقد كفر بجميع الأنبياء لأنه لا فرق بين أحد منهم في وجوب الإيمان به فعاد كفروا بهود فنزل كفرهم منزلة من كفر بجميع الرسل {واتبعوا أمر كل جبار عنيد} تركوا اتباع رسولهم الرشيد ؟ واتبعوا أمر كل جبار عنيد, فلهذا أتبعوا في الدنيا لعنة من الله ومن عباده المؤمنين كلما ذكروا وينادى عليهم يوم القيامة على رؤوس الأشهاد {ألا إِن عاداً كفروا ربهم} الاَية قال السدي: ما بعث نبي بعد عاد إلا لعنوا على لسانه.

** وَإِلَىَ ثَمُودَ أَخَاهُمْ صَالِحاً قَالَ يَقَوْمِ اعْبُدُواْ اللّهَ مَا لَكُمْ مّنْ إِلَـَهٍ غَيْرُهُ هُوَ أَنشَأَكُمْ مّنَ الأرْضِ وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيهَا فَاسْتَغْفِرُوهُ ثُمّ تُوبُوَاْ إِلَيْهِ إِنّ رَبّي قَرِيبٌ مّجِيبٌ
يقول تعالى: {و} لقد أرسلنا {إِلى ثمود} وهم الذين كانوا يسكنون مدائن الحجر بين تبوك والمدينة وكانوا بعد عاد فبعث الله منهم {أخاهم صالح} فأمرهم بعبادة الله وحده ولهذا قال: {هو أنشأكم من الأرض} أي ابتدأ خلقكم منها خلق منها أباكم آدم {واستعمركم فيه} أي جعلكم عماراً تعمرونها وتستغلونها {فاستغفروه} لسالف ذنوبكم {ثم توبوا إليه} فيما تستقبلونه {إن ربي قريب مجيب} كما قال تعالى: {وإذا سألك عبادي عني فإني قريب أجيب دعوة الداع إذا دعان} الاَية.