تفسير الطبري تفسير الصفحة 228 من المصحف

 تفسير الطبري - صفحة القرآن رقم 228
229
227
 الآية : 54-55
القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {إِن نّقُولُ إِلاّ اعْتَرَاكَ بَعْضُ آلِهَتِنَا بِسُوَءٍ قَالَ إِنّيَ أُشْهِدُ اللّهِ وَاشْهَدُوَاْ أَنّي بَرِيَءٌ مّمّا تُشْرِكُونَ * مِن دُونِهِ فَكِيدُونِي جَمِيعاً ثُمّ لاَ تُنظِرُونِ }.
وهذا خبر من الله تعالـى ذكره, عن قول قوم هود أنهم قالوا له, إذ نصح لهم ودعاهم إلـى توحيد الله وتصديقه, وخـلع الأوثان والبراءة منها: لا نترك عبـادة آلهتنا, وما نقول إلا أن الذي حملك علـى ذمها والنهي عن عبـادتها أنه أصابك منها خبل من جنون فقال هود لهم: إنـي أشهد الله علـى نفسي وأشهدكم أيضا أيها القوم أنـي بريء مـما تشركون فـي عبـادة الله من آلهتكم وأوثانكم من دونه, فَكِيدُونِـي جمِيعا يقول: فـاحتالوا أنتـم جميعا وآلهتكم فـي ضرّي ومكروهي, ثُمّ لا تُنْظِرُونِ يقول: ثم لا تؤخرون ذلك, فـانظروا هل تنالوننـي أنتـم وهم بـما زعمتـم أن آلهتكم نالتنـي به من السوء.
وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك:
14168ـ حدثنا ابن وكيع, قال: حدثنا ابن نـمير, عن ورقاء, عن ابن أبـي نـجيح, عن مـجاهد: اعْتَرَاكَ بَعْضُ آلِهَتِنا بِسُوءٍ قال: أصابتك الأوثان بجنون.
حدثنـي مـحمد بن عمرو, قال: حدثنا أبو عاصم, قال: حدثنا عيسى, عن ابن أبـي نـجيح, عن مـجاهد اعْتَرَاكَ بَعْضُ آلِهَتِنا بِسُوءٍ قال: أصابك الأوثان بجنون.
حدثنـي الـمثنى, قال: حدثنا ابن دكين, قال: حدثنا سفـيان, عن عيسى, عن مـجاهد: إلاّ اعْتَرَاكَ بَعْضُ آلِهَتِنا بِسُوءٍ قال: سبَبْت آلِتها وعبتها فأجنّتك.
قال: حدثنا أبو حذيفة, قال: حدثنا شبل, عن ابن أبـي نـجيح, عن مـجاهد: اعْتَرَاكَ بَعْضُ آلِهَتِنا بِسُوءٍ أصابك بعض آلهتنا بسوء يعنون الأوثان.
قال: حدثنا إسحاق, قال: حدثنا عبد الله, عن ورقاء, عن ابن أبـي نـجيح, عن مـجاهد: إنْ نَقُولُ إلاّ اعْتَرَاكَ بَعْضُ آلِهَتِنا بِسُوءٍ قال: أصابك الأوثان بجنون.
14169ـ حدثنـي مـحمد بن سعد, قال: ثنـي أبـي, قال: ثنـي عمي, قال: ثنـي أبـي, عن أبـيه, عن ابن عبـاس قوله: إنْ نَقُولُ إلاّ اعْتَرَاكَ بَعْضُ آلِهَتِنا بِسُوءٍ قال: تصيبك آلهتنا بـالـجنون.
14170ـ حدثنا مـحمد بن عبد الأعلـى, قال: حدثنا مـحمد بن ثور, عن معمر, عن قتادة: إلاّ اعْتَرَاكَ بَعْضُ آلِهَتِنا بِسُوءٍ قال: ما يحملك علـى ذمّ آلهتنا, إلا أنه أصابك منها سوء.
حدثنا بشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة, قوله: إنْ نَقُولُ إلاّ اعْتَرَاكَ بَعْضُ آلِهَتِنا بِسُوءٍ قال: إنـما تصنع هذا بآلهتنا أنها أصابتك بسوء.
14171ـ حدثنا القاسم, قال: حدثنا الـحسين, قال: ثنـي حجاج, عن ابن جريج, قال: قال عبد الله بن كثـير: أصابتك آلهتنا بشرّ.
14172ـ حُدثت عن الـحسين, قال: سمعت أبـا معاذ, قال: حدثنا عبـيد بن سلـيـمان, قال: سمعت الضحاك يقول فـي قوله: إنْ نَقُولُ إلاّ اعْتَرَاكَ بَعْضُ آلِهَتِنا بِسُوءٍ يقولون: نـخشى أن يصيبك من آلهتنا سوء, ولا نـحب أن تعتريك, يقولون: يصيبك منها سوء.
14173ـ حدثنـي يونس, قال: أخبرنا ابن وهب, قال: قال ابن زيد فـي قوله: إنْ نَقُولُ إلاّ اعْتَرَاكَ بَعْضُ آلِهَتِنا بِسُوءٍ يقولون: اختلط عقلك فأصابك هذا مـما صنعت بك آلهتنا.
وقوله: اعْتَرَاكَ افتَعَل, من عرانـي الشيء يعرونـي: إذا أصابك, كما قال الشاعر:
نَ القَوْمِ يَعْرُوهُ اجْتِراءٌ ومَأْثَمُ
الآية : 56
القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {إِنّي تَوَكّلْتُ عَلَى اللّهِ رَبّي وَرَبّكُمْ مّا مِن دَآبّةٍ إِلاّ هُوَ آخِذٌ بِنَاصِيَتِهَآ إِنّ رَبّي عَلَىَ صِرَاطٍ مّسْتَقِيمٍ }.
يقول: إنـي علـى الله الذي هو مالكي ومالككم والقّم علـى جميع خـلقه تَوَكّلْتُ من أن تصيبونـي أنتـم وغيركم من الـخـلق بسوء, فإنه لـيس من شيء يدبّ علـى الأرض إلا والله مالكه وهو فـي قبضته وسلطانه ذلـيـل له خاضع.
فإن قال قائل: وكيف قـيـل: هو آخذ بناصيتها, فخصّ بـالأخذ الناصية دون سائر أماكن الـجسد؟ قـيـل: لأن العرب كانت تستعمل ذلك فـي وصفها من وصفته بـالذلة والـخضوع, فتقول: ما ناصية فلان إلا بـيد فلان, أي أنه له مطيع يصرفه كيف شاء وكانوا إذا أسروا الأسير فأرادوا إطلاقه والـمن علـيه جزّوا ناصيته لـيعتدوا بذلك علـيه فخرا عند الـمفـاخرة. فخاطبهم الله بـما يعرفون فـي كلامهم, والـمعنى ما ذكرت.
وقوله: إنّ رَبّـي علـى صِرَاط مُسْتَقِـيـمٍ يقول: إن ربـي علـى طريق الـحق, يجازي الـمـحسن من خـلقه بإحسانه والـمسيء بإساءته, لا يظلـم أحدا منهم شيئا ولا يقبل منهم إلا الإسلام والإيـمان به. كما:
14174ـ حدثنـي الـمثنى, قال: حدثنا أبو حذيفة, قال: حدثنا شبل, عن ابن أبـي نـجيح, عن مـجاهد: إنّ رَبّـي علـى صِرَاط مُسْتَقِـيـمٍ الـحق.
حدثنـي الـمثنى, قال: حدثنا إسحاق, قال: حدثنا عبد الله, عن ورقاء, عن ابن أبـي نـجيح, عن مـجاهد, مثله.
حدثنـي مـحمد بن عمرو, قال: حدثنا أبو عاصم, قال: حدثنا عيسى, عن ابن أبـي نـجيح, عن مـجاهد مثله.
حدثنا القاسم, قال: حدثنا الـحسين, قال: ثنـي حجاج, عن ابن جريج, عن مـجاهد, مثله.
الآية : 57
القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {فَإِن تَوَلّوْاْ فَقَدْ أَبْلَغْتُكُمْ مّآ أُرْسِلْتُ بِهِ إِلَيْكُمْ وَيَسْتَخْلِفُ رَبّي قَوْماً غَيْرَكُمْ وَلاَ تَضُرّونَهُ شَيْئاً إِنّ رَبّي عَلَىَ كُلّ شَيْءٍ حَفِيظٌ }.
يقول تعالـى ذكره مخبرا عن قـيـل هود لقومه: فإنْ تَوَلّوْا يقول: فإن أدبروا معرضين عما أدعوهم إلـيه من توحيد الله وترك عبـادة الأوثان, فَقَدْ أبْلَغْتُكُمْ أيها القوم ما أُرْسِلْتُ بِه إلَـيْكُمْ وما علـى الرسول إلا البلاغ. وَيَسْتَـخْـلِفُ رَبـي قَوْما غَيْرَكُمْ يهلككم ربـي, ثم يستبدل ربـي منكم قوما غيركم يوحدونه ويخـلصون له العبـادة. وَلا تَضُرّونَهُ شَيْئا يقول: ولا تقدرون له علـى ضر إذا أراد إهلاككم أو أهلككم. وقد قـيـل: لا يضرّه هلاككم إذا أهلككم لا تنقصونه شيئا, لأنه سواء عنده كنتـم أو لـم تكونوا. إنّ رَبّـي علـى كُلّ شَيْءٍ حَفِـيظٌ يقول: إن ربـي علـى جميع خـلقه ذو حفظ وعلـم, يقول: هو الذي يحفظنـي من أن تنالونـي بسوء.
الآية : 58
القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {وَلَمّا جَآءَ أَمْرُنَا نَجّيْنَا هُوداً وَالّذِينَ آمَنُواْ مَعَهُ بِرَحْمَةٍ مّنّا وَنَجّيْنَاهُمْ مّنْ عَذَابٍ غَلِيظٍ }.
يقول تعالـى ذكره: ولـما جاء قومَ هود عذابُنا نَـجّيْنا منه هُودا والّذِينَ آمَنُوا بـالله مَعَهُ بِرَحْمَةٍ مِنا يعنـي بفضل منه علـيهم ونعمة, ونَـجّيْناهُمْ مِنْ عَذَابٍ غَلِـيظٍ يقول: نـجيناهم أيضا من عذاب غلـيظ يوم القـيامة, كما نـجيناهم فـي الدنـيا من السّخْطة التـي أنزلتها بعاد.
الآية : 59
القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {وَتِلْكَ عَادٌ جَحَدُواْ بِآيَاتِ رَبّهِمْ وَعَصَوْاْ رُسُلَهُ وَاتّبَعُوَاْ أَمْرَ كُلّ جَبّارٍ عَنِيدٍ }.
يقول تعالـى ذكره: وهؤلاء الذين أحللنا بهم نقمتنا وعذابنا عادٌ, جحدوا بأدلة الله وحججه, وعصوا رسله الذين أرسلهم إلـيهم للدعاء إلـى توحيده واتبـاع أمره, واتّبَعُوا أمْرَ كُلّ جَبّـارٍ عَنِـيدٍ يعنـي كلّ مستكبر علـى الله, حائد عن الـحقّ لا يذعن له ولا يقبله, يقال منه: عَنِدَ عن الـحقّ فهو يَعْنَدُ عُنُودا, والرجل عَانِدٌ وعَنُودٌ, ومن ذلك قـيـل للعرق الذي ينفجر فلا يرقأ: عرق عانِدٌ: أي ضارّ, ومنه قول الراجز:
إنّـي كَبِـيرٌ لا أُطِيقُ العُنّدَا
14175ـ حدثنا بشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة, قوله: وَاتّبَعُوا أمْرَ كُلّ جَبّـارٍ عَنِـيدٍ: الـمشرك.
الآية : 60
القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {وَأُتْبِعُواْ فِي هَـَذِهِ الدّنْيَا لَعْنَةً وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ أَلآ إِنّ عَاداً كَفَرُواْ رَبّهُمْ أَلاَ بُعْداً لّعَادٍ قَوْمِ هُودٍ }.
يقول تعالـى ذكره: وأتبع عاد قوم هود فـي هذه الدنـيا غضبـا من الله وسخطة يوم القـيامة, مثلها لعنة إلـى اللعنة التـي سلفت لهم من الله فـي الدنـيا. أَلاَ إِنّ عَادا كَفَرُوا رَبّهمْ ألا بُعْدا لِعادٍ قَوْمِ هُودٍ يقول: أبعدهم الله من الـخير, يقال: كَفَرَ فلان رَبّه وكفر بَربّه, وشكرت لك وشكرتك. وقـيـل: إن معنى كفروا ربهم: كفروا نعمة ربهم.
الآية : 61
القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {وَإِلَىَ ثَمُودَ أَخَاهُمْ صَالِحاً قَالَ يَقَوْمِ اعْبُدُواْ اللّهَ مَا لَكُمْ مّنْ إِلَـَهٍ غَيْرُهُ هُوَ أَنشَأَكُمْ مّنَ الأرْضِ وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيهَا فَاسْتَغْفِرُوهُ ثُمّ تُوبُوَاْ إِلَيْهِ إِنّ رَبّي قَرِيبٌ مّجِيبٌ }.
يقول تعالـى ذكره: وأرسلنا إلـى ثمود أخاهم صالـحا, فقال لهم يا قوم: اعبدوا الله وحده لا شريك له, وأخـلصوا له العبـادة دون ما سواه من الاَلهة, فما لكم من إله غيره يستوجب علـيكم العبـادة, ولا تـجوز الألوهة إلاّ له. هُوَ أنْشأَكُمْ مِنَ الأرْضِ يقول: هو ابتدأ خـلقكم من الأرض. وإنـما قال ذلك لأنه خـلق آدم من الأرض, فخرج الـخطاب لهم إذ كان ذلك فعله بـمن هم منه. وَاسْتَعْمَركُمْ فَـيها يقول: وجعلكم عُمّارا فـيها, فكان الـمعنى فـيه: أسكنكم فـيها أيام حياتكم, من قولهم: أعمر فلان فلانا داره, وهي له عُمْرَي.
وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك:
14176ـ حدثنـي مـحمد بن عمرو, قال: حدثنا أبو عاصم, قال: حدثنا عيسى, عن ابن أبـي نـجيح, عن مـجاهد فـي قول الله: وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِـيها قال: أعمركم فـيها.
حدثنـي الـمثنى, قال: حدثنا أبو حذيفة, قال: حدثنا شبل, عن ابن أبـي نـجيح, عن مـجاهد: وَاسْتَعْمَرَكُم فِـيها يقول: أعمركم.
وقوله: فـاسْتَغْفِرُوهُ يقول: اعملوا عملاً يكون سببـا لستر الله علـيكم ذنوبكم, وذلك الإيـمان به وإخلاص العبـادة له دون ما سواه واتبـاع رسوله صالـح. ثُمّ تُوبُوا إلَـيْهِ يقول: ثم اتركوا من الأعمال ما يكرهه ربكم إلـى ما يرضاه ويحبه. إنّ رَبـيّ قَرِيبٌ مُـجِيبٌ يقول: إن ربـي قريب مـمن أخـلص له العبـادة ورغب إلـيه فـي التوبة, مـجيب له إذا دعاه.
الآية : 62
القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {قَالُواْ يَصَالِحُ قَدْ كُنتَ فِينَا مَرْجُوّاً قَبْلَ هَـَذَا أَتَنْهَانَآ أَن نّعْبُدَ مَا يَعْبُدُ آبَاؤُنَا وَإِنّنَا لَفِي شَكّ مّمّا تَدْعُونَآ إِلَيْهِ مُرِيبٍ }.
يقول تعالـى ذكره: قالت ثمود لصالـح نبـيهم: يا صَالِـحُ قَدْ كُنْتَ فـينا مَرْجُوّا: أي كنا نرجو أن تكون فـينا سيدا قَبْلَ هَذَا القول الذي قلته لنا من أنه مالنا من إله غير الله. أتَنْهانا أنْ نَعْبُد ما يَعْبُدُ آبـاؤُنا يقول: أتنهانا أن نعبد الاَلهة التـي كانت آبـاؤنا تعبد, وَإنّنا لَفِـي شَكّ مِـمّا تَدْعُونا إلَـيْهِ مُرِيبٍ يعنون أنهم لا يعلـمون صحة ما يدعوهم إلـيه من توحيد الله, وأن الألوهة لا تكون إلا له خالصا. وقوله مُرِيبٍ أي يوجب التهمة من أَرَبْته فأنا أَرِيُبه إرابة, إذا فعلت به فعلاً يوجب له الريبة, ومنه قول الهُذَلـيّ:
كُنتُ إذا أتَوْتُهُ منْ غَيْبِيَشُمّ عِطْفـي وَيُبزّ ثَوْبِـي كأنـما أرَبْتُهُ بِرَيْبِ