تفسير القرطبي الجامع لأحكام القرآن تفسير الصفحة 564 من المصحف



تفسير القرطبي - صفحة القرآن رقم 564

564.- تفسير الصفحة رقم564. من المصحف
الآية: 27 {فلما رأوه زلفة سيئت وجوه الذين كفروا وقيل هذا الذي كنتم به تدعون}
قوله تعالى: "فلما رأوه زلفة" مصدر بمعنى مزدلفا أي قريبا؛ قال مجاهد. الحسن عيانا. وأكثر المفسرين على أن المعنى: فلما رأوه يعني العذاب، وهو عذاب الآخرة. وقال مجاهد: يعني عذاب بدر. وقيل: أي رأوا ما وعدوا من الحشر قريبا منهم. ودل عليه "تحشرون". وقال ابن عباس: لما رأوا عملهم السيئ قريبا. "سيئت وجوه الذين كفروا" أي فعل بها السوء. وقال الزجاج: تبين فيها السوء أي ساءهم ذلك العذاب وظهر على وجوههم سمة تدل على كفرهم؛ كقوله تعالى: "يوم تبيض وجوه وتسود وجوه" [آل عمران: 106]. وقرأ نافع وابن محيصن وابن عامر والكسائي "سئت" بإشمام الضم. وكسر الباقون بغير إشمام طلبا للخفة. ومن ضم لاحظ الأصل. "وقيل هذا الذي كنتم به تدعون" قال الفراء: "تدعون" تفتعلون من الدعاء وهو قول أكثر العلماء أي تتمنون وتسألون. وقال ابن عباس: تكذبون؛ وتأويله: هذا الذي كنتم من أجله تدعون الأباطيل والأحاديث؛ قاله الزجاج. وقراءة العامة "تدعون" بالتشديد، وتأويله ما ذكرناه. وقرأ قتادة وابن أبي إسحاق والضحاك ويعقوب "تدعون" مخففة. قال قتادة: هو قولهم "ربنا عجل لنا قطنا" [ص: 16]. وقال الضحاك: هو قولهم "اللهم إن كان هذا هو الحق من عندك فأمطر علينا حجارة من السماء" [الأنفال: 32] الآية. وقال أبو العباس: "تدعون" تستعجلون؛ يقال: دعوت بكذا إذا طلبته؛ وادعيت افتعلت منه. النحاس: "تدعون وتدعون" بمعنى واحد؛ كما يقال: قدر وأقتدر، وعدى واعتدى؛ إلا أن في "أفتعل" معنى شيء بعد شيء، و"فعل" يقع على القليل والكثير.
الآية: 28 {قل أرأيتم إن أهلكني الله ومن معي أو رحمنا فمن يجير الكافرين من عذاب أليم}
قوله تعالى: "قل أرأيتم إن أهلكني الله" أي قل لهم يا محمد - يريد مشركي مكة، وكانوا يتمنون موت محمد صلى الله عليه وسلم؛ كما قال تعالى: "أم يقولون شاعر نتربص به ريب المنون" [الطور: 30] - أرأيتم إن متنا أو رحمنا فأخرت آجالنا فمن يجيركم من عذاب الله؛ فلا حاجة بكم إلى التربص بنا ولا إلى استعجال قيام الساعة. وأسكن الياء في "أهلكني" ابن محيصن والمسيبي وشيبة والأعمش وحمزة. وفتحها الباقون. وكلهم فتح الياء في "ومن معي" إلا أهل الكوفة فإنهم سكنوها. وفتحها حفص كالجماعة.
الآية: 29 {قل هو الرحمن آمنا به وعليه توكلنا فستعلمون من هو في ضلال مبين}
قوله تعالى: "قل هو الرحمن آمنا به وعليه توكلنا فستعلمون" قرأ الكسائي بالياء على الخبر؛ ورواه عن علي. الباقون بالتاء على الخطاب. وهو تهديد لهم. ويقال: لم أخر مفعول "آمنا" وقدم مفعول "توكلنا" فيقال: لوقوع "آمنا" تعريضا بالكافرين حين ورد عقيب ذكرهم. كأنه قيل: آمنا ولم نكفر كما كفرتم. ثم قال "وعليه توكلنا" خصوصا لم نتكل على ما أنتم متكلون عليه من رجالكم وأموالكم؛ قاله الزمخشري.
الآية: 30 {قل أرأيتم إن أصبح ماؤكم غورا فمن يأتيكم بماء معين}
قوله تعالى: "قل أرأيتم" يا معشر قريش "إن أصبح ماؤكم غورا" أي غائرا ذاهبا في الأرض لا تناله الدلاء. وكان ماؤهم من بئرين: بئر زمزم وبئر ميمون. "فمن يأتيكم بماء معين" أي جار؛ قاله قتادة والضحاك. فلا بد لهم من أن يقولوا لا يأتينا به إلا الله؛ فقل لهم لم تشركون به من لا يقدر على أن يأتيكم. يقال: غار الماء يغور غورا؛ أي نضب. والغور: الغائر؛ وصف بالمصدر للمبالغة؛ كما تقول: رجل عدل ورضا. وقد مضى في سورة "الكهف" ومضى القول في المعنى في سورة "المؤمنون" والحمد لله. وعن ابن عباس: "بماء معين" أي ظاهر تراه العيون؛ فهو مفعول. وقيل: هو من معن الماء أي كثر؛ فهو على هذا فعيل. وعن ابن عباس أيضا: أن المعنى فمن يأتيكم بماء عذب. والله أعلم.
سورة القلم
مقدمة السورة
مكية في قول الحسن وعكرمة وعطاء وجابر. وقال ابن عباس وقتادة: من أولها إلى قوله تعالى: "سنسمه على الخرطوم" [القلم: 16] مكي. ومن بعد ذلك إلى قوله تعالى: "أكبر لو كانوا يعلمون" [القلم: 33] مدني. ومن بعد ذلك إلى قوله: "يكتبون" [القلم: 47] مكي. ومن بعد ذلك إلى قوله تعالى: "من الصالحين" [القلم: 50] مدني، وما بقي مكي؛ قاله الماوردي.
الآية: 1 - 3 {ن والقلم وما يسطرون، ما أنت بنعمة ربك بمجنون، وإن لك لأجرا غير ممنون}
قوله تعالى: "ن والقلم" أدغم النون الثانية في هجائها في الواو أبو بكر والمفضل وهبيرة وورش وابن محيصن وابن عامر والكسائي ويعقوب. والباقون بالإظهار. وقرأ عيسى بن عمر بفتحها؛ كأنه أضمر فعلا. وقرأ ابن عباس ونصر وابن أبي إسحاق بكسرها على إضمار حرف، القسم. وقرأ هارون ومحمد بن السميقع بضمها على البناء. واختلف في تأويله؛ فروى معاوية بن قرة عن أبيه يرفعه إلى النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (ن لوح من نور). وروى ثابت البناني أن "ن" الدواة. وقاله الحسن وقتادة. وروى الوليد بن مسلم قال: حدثنا مالك بن أنس عن سمي مولى أبي بكر عن أبي صالح السمان عن أبي هريرة قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (أول ما خلق الله القلم ثم خلق النون وهي الدواة وذلك قوله تعالى: "ن والقلم" ثم قال له اكتب قال: وما أكتب قال: ما كان وما هو كائن إلى يوم القيامة من عمل أو أجل أو رزق أو أثر فجرى القلم بما هو كائن إلى يوم القيامة - قال - ثم ختم فم القلم فلم ينطق ولا ينطق إلى يوم القيامة. ثم خلق العقل فقال الجبار ما خلقت خلقا أعجب إلي منك وعزتي وجلالي لأكملنك فيمن أحببت ولأنقصنك فيمن أبغضت) قال: ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أكمل الناس عقلا أطوعهم لله وأعملهم بطاعته). وعن مجاهد قال: "ن" الحوت الذي تحت الأرض السابعة. قال: "والقلم" الذي كتب به الذكر. وكذا قال مقاتل ومرة الهمداني وعطاء الخراساني والسدي والكلبي: إن النون هو الحوت الذي عليه الأرضون. وروى أبو ظبيان عن ابن عباس قال: أول ما خلق الله القلم فجرى بما هو كائن، ثم رفع بخار الماء فخلق منه السماء، ثم خلق النون فبسط الأرض على ظهره، فمادت الأرض فأثبتت بالجبال، وإن الجبال لتفخر على الأرض. ثم قرأ ابن عباس "ن والقلم" الآية. وقال الكلبي ومقاتل: اسمه البهموت. قال الراجز:
مالي أراكم كلكم سكوتا والله ربي خلق البهموتا
وقال أبو اليقظان والواقدي: ليوثا. وقال كعب: لوثوثا. وقال: بلهموثا. وقال كعب: إن إبليس تغلغل إلى الحوت الذي على ظهره الأرضون فوسوس في قلبه، وقال: أتدري ما على ظهرك يا لوثوثا من الدواب والشجر والأرضين وغيرها، لو لفظتهم ألقيتهم عن ظهرك أجمع؛ فهم ليوثا أن يفعل ذلك، فبعث الله إليه دابة فدخلت منخره ووصلت إلى دماغه، فضج الحوت إلى الله عز وجل منها فأذن الله لها فخرجت. قال كعب: فوالله إنه لينظر إليها وتنظر إليه إن هم بشيء من ذلك عادت كما كانت. وقال الضحاك عن ابن عباس: إن "ن" آخر حروف من حروف الرحمن. قال: الر، وحم، ون؛ الرحمن تعالى متقطعة. وقال ابن زيد: هو قسم أقسم تعالى به. وقال ابن كيسان: هو فاتحة السورة. وقيل: اسم السورة. وقال عطاء وأبو العالية: هو أفتتاح اسمه نصير ونور وناصر. وقال محمد بن كعب: أقسم الله تعالى بنصره للمؤمنين؛ وهو حق. بيانه قوله تعالى: "وكان حقا علينا نصر المؤمنين" [الروم: 47] وقال جعفر الصادق: هو نهر من أنهار الجنة يقال له نون. وقيل: هو المعروف من حروف المعجم، لأنه لو كان غير ذلك لكان معربا؛ وهو اختيار القشيري أبو نصر عبدالرحيم في تفسيره. قال: لأن "ن" حرف لم يعرب، فلو كان كلمة تامة أعرب كما أعرب القلم، فهو إذا حرف هجاء كما في سائر مفاتيح السور. وعلى هذا قيل: هو اسم السورة، أي هذه السورة "ن". ثم قال: "والقلم" أقسم بالقلم لما فيه من البيان كاللسان؛ وهو واقع على كل قلم مما يكتب به من في السماء ومن في الأرض؛ ومنه قول أبي الفتح البستي:
إذا أقسم الأبطال يوما بسيفهم وعدوه مما يكسب المجد والكرم
كفى قلم الكتاب عزا ورفعة مدى الدهر أن الله أقسم بالقلم
وللشعراء في تفضيل القلم على السيف أبيات كثيرة؛ ما ذكرناه أعلاها. وقال ابن عباس: هذا قسم بالقلم الذي خلقه الله؛ فأمره فجرى بكتابة جميع ما هو كائن إلى يوم القيامة. قال: وهو قلم من نور طوله كما بين السماء والأرض. ويقال. خلق الله القلم ثم نظر إليه فأنشق نصفين؛ فقال: أجر؛ فقال: يا رب بم أجري؟ قال بما هو كائن إلى يوم القيامة؛ فجرى على اللوح المحفوظ. وقال الوليد بن عبادة بن الصامت: أوصاني أبي عند موته فقال: يا بني، اتق الله، وأعلم أنك لن تتقي ولن تبلغ العلم حتى تؤمن بالله وحده، والقدر خيره وشره، سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: (إن أول ما خلق الله القلم فقال له أكتب فقال يا رب وما أكتب فقال أكتب القدر فجرى القلم في تلك الساعة بما كان وما هو كائن إلى الأبد) وقال ابن عباس: أول ما خلق الله القلم فأمره أن يكتب ما هو كائن؛ فكتب فيما كتب "تبت يدا أبي لهب" [المسد: 1]. وقال قتادة: القلم نعمة من الله تعالى على عباده. قال غيره: فخلق الله القلم الأول فكتب ما يكون في الذكر ووضعه عنده فوق عرشه، ثم خلق القلم الثاني ليكتب به في الأرض؛ على ما يأتي بيانه في سورة "اقرأ باسم ربك" [العلق: 1].
قوله تعالى: "وما يسطرون" أي وما يكتبون. يريد الملائكة يكتبون أعمال بني آدم؛ قاله ابن عباس: وقيل: وما يكتبون أي الناس ويتفاهمون به. وقال ابن عباس: ومعنى "وما يسطرون" وما يعلمون. و"ما" موصولة أو مصدرية؛ أي ومسطوراتهم أو وسطرهم، ويراد به كل من يسطر أو الحفظة؛ على الخلاف. "ما أنت بنعمة ربك بمجنون" هذا جواب القسم وهو نفي، وكان المشركون يقولون للنبي صلى الله عليه وسلم إنه مجنون، به شيطان. وهو قولهم: "يا أيها الذي نزل عليه الذكر إنك لمجنون" [الحجر: 6] فأنزل الله تعالى ردا عليهم وتكذيبا لقولهم {ما أنت بنعمة ربك بمجنون" أي برحمة ربك. والنعمة ها هنا الرحمة. ويحتمل ثانيا - أن النعمة ها هنا قسم؛ وتقديره: ما أنت ونعمة ربك بمجنون؛ لأن الواو والباء من حروف القسم. وقيل هو كما تقول: ما أنت بمجنون، والحمد لله. وقيل: معناه ما أنت بمجنون، والنعمة لربك؛ كقولهم: سبحانك اللهم وبحمدك؛ أي والحمد لله. ومنه قول لبيد:
وأفردت في الدنيا بفقد عشيرتي وفارقني جار بأربد نافع
أي وهو أربد. وقال النابغة:
لم يحرموا حسن الغذاء وأمهم طفحت عليك بناتق مذكار
أي هو ناتق. والباء في "بنعمة ربك" متعلقة "بمجنون" منفيا؛ كما يتعلق بغافل مثبتا. كما في قولك: أنت بنعمة ربك غافل. ومحله النصب على الحال؛ كأنه قال: ما أنت بمجنون منعما عليك بذلك. "وإن لك لأجرا" أي ثوابا على ما تحملت من أثقال النبوة. "غير ممنون" أي غير مقطوع ولا منقوص؛ يقال: مننت الحبل إذا قطعته. وحبل منين إذا كان غير متين. قال الشاعر:
غُبْسا كواسب لا يُمَنّ طعامها
أي لا يقطع. وقال مجاهد: "غير ممنون" محسوب. الحسن: "غير ممنون" غير مكدر بالمن. الضحاك: أجرا بغير عمل. وقيل: غير مقدر وهو التفضل؛ لأن الجزاء مقدر والتفضل غير مقدر؛ ذكره الماوردي، وهو معنى قول مجاهد.
الآية: 4 {وإنك لعلى خلق عظيم}
قوله تعالى: "وإنك لعلى خلق عظيم" قال ابن عباس ومجاهد: على خلق، على دين عظيم من الأديان، ليس دين أحب إلى الله تعالى ولا أرضى عنده منه. وفي صحيح مسلم عن عائشة: أن خلقه كان القرآن. وقال علي رضي الله عنه وعطية: هو أدب القرآن. وقيل: هو رفقه بأمته وإكرامه إياهم. وقال قتادة: هو ما كان يأتمر به من أمر الله وينتهي عنه مما نهى الله عنه. وقيل: أي إنك على طبع كريم. الماوردي: وهو الظاهر. وحقيقة الخلق في اللغة: هو ما يأخذ به الإنسان نفسه من الأدب يسمى خلقا؛ لأنه يصير كالخلقة فيه. وأما ما طبع عليه من الأدب فهو الخيم (بالكسر): السجية والطبيعة، لا واحد له من لفظه. وخيم: اسم جبل. فيكون الخلق الطبع المتكلف. والخيم الطبع الغريزي. وقد أوضح الأعشى ذلك في شعره فقال:
وإذا ذو الفضول ضن على المولى وعادت لخيمها الأخلاق
أي رجعت الأخلاق إلى طبائعها.
قلت: ما ذكرته عن عائشة في صحيح مسلم أصح الأقوال. وسئلت أيضا عن خلقه عليه السلام؛ فقرأت "قد أفلح المؤمنون" [المؤمنون: 1] إلى عشر آيات، وقالت: ما كان أحد أحسن خلقا من رسول الله صلى الله عليه وسلم، ما دعاه أحد من الصحابة ولا من أهل بيته إلا قال لبيك، ولذلك قال الله تعالى "وإنك لعلى خلق عظيم". ولم يذكر خلق محمود إلا وكان للنبي صلى الله عليه وسلم منه الحظ الأوفر. وقال الجنيد: سمي خلقه عظيما لأنه لم تكن له همة سوى الله تعالى. وقيل سمي خلقه عظيما لاجتماع مكارم الأخلاق فيه؛ يدل عليه قوله عليه السلام: (إن الله بعثني لأتمم مكارم الأخلاق). وقيل: لأنه أمتثل تأديب الله تعالى إياه بقوله تعالى: "خذ العفو وأمر بالعرف وأعرض عن الجاهلين" [الأعراف: 199]. وقد روي عنه عليه السلام أنه قال: (أدبني ربي تأديبا حسنا إذ قال: "خذ العفو وأمر بالعرف وأعرض عن الجاهلين" [الأعراف: 199] فلما قبلت ذلك منه قال: "إنك لعلى خلق عظيم".
روى الترمذي عن أبي ذر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أتق الله حيثما كنت وأتبع السيئة الحسنة تمحها وخالق الناس بخلق حسن). قال حديث حسن صحيح. وعن أبي الدرداء أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (ما شيء أثقل في ميزان المؤمن يوم القيامة من خلق حسن وإن الله تعالى ليبغض الفاحش البذيء). قال: حديث حسن صحيح. وعنه قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: (ما من شيء يوضع في الميزان أثقل من حسن الخلق وإن صاحب حسن الخلق ليبلغ به درجة صاحب الصلاة والصوم). قال: حديث غريب من هذا الوجه. وعن أبي هريرة قال: سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أكثر ما يدخل الناس الجنة؟ فقال: (تقوى الله وحسن الخلق). وسئل عن أكثر ما يدخل الناس النار؟ فقال: (الفم والفرج) قال: هذا حديث صحيح غريب. وعن عبدالله بن المبارك أنه وصف حسن الخلق فقال: هو بسط الوجه، وبذل المعروف، وكف الأذى. وعن جابر: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (إن من أحبكم إلي وأقربكم مني مجلسا يوم القيامة أحسنكم أخلاقا - قال - وإن أبغضكم إلي وأبعدكم مني مجلسا يوم القيامة الثرثارون والمتشدقون والمتفيهقون). قالوا: يا رسول الله، قد علمنا الثرثارون والمتشدقون، فما المتفيهقون؟ قال: (المتكبرون). قال: وفي الباب عن أبي هريرة وهذا حديث حسن غريب من هذا الوجه.
الآية: 5 - 7 {فستبصر ويبصرون، بأيكم المفتون، إن ربك هو أعلم بمن ضل عن سبيله وهو أعلم بالمهتدين}
قوله تعالى: "فستبصر ويبصرون" قال ابن عباس: معناه فستعلم ويعلمون يوم القيامة. وقيل: فسترى ويرون يوم القيامة حين يتبين الحق والباطل. "بأيكم المفتون" الباء زائدة؛ أي فستبصر ويبصرون أيكم المفتون. أي الذي فتن بالجنون؛ كقوله تعالى: "تنبت بالدهن" [المؤمنون: 20] و"يشرب بها عباد الله" [الإنسان: 6]. وهذا قول قتادة وأبي عبيد والأخفش. وقال الراجز: نحن بنو جعدة أصحاب الفلج نضرب بالسيف ونرجو بالفرج وقيل: الباء ليست بزائدة؛ والمعنى: "بأيكم المفتون" أي الفتنة. وهو مصدر على وزن المفعول، ويكون معناه الفتون؛ كما قالوا: ما لفلان مجلود ولا معقول؛ أي عقل ولا جلادة. وقاله الحسن والضحاك وابن عباس. وقال الراعي:
حتى إذا لم يتركوا لعظامه لحما ولا لفؤاده معقولا
أي عقلا. وقيل في الكلام تقدير حذف مضاف؛ والمعنى: بأيكم فتنة المفتون. وقال الفراء: الباء بمعنى في؛ أي فستبصر ويبصرون في أي الفريقين المجنون؛ أبالفرقة التي أنت فيها من المؤمنين أم بالفرقة الأخرى. والمفتون: المجنون الذي فتنه الشيطان. وقيل: المفتون المعذب. من قول العرب: فتنت الذهب بالنار إذا حميته. ومنه قوله تعالى: "يوم هم على النار يفتنون" [الذاريات: 13] أي يعذبون.
ومعظم السورة نزلت في الوليد بن المغيرة وأبي جهل. وقيل: المفتون هو الشيطان؛ لأنه مفتون في دينه. وكانوا يقولون: إن به شيطانا، وعنوا بالمجنون هذا؛ فقال الله تعالى: فسيعلمون غدا بأيهم المجنون؛ أي الشيطان الذي يحصل من مسه الجنون واختلاط العقل. "إن ربك هو أعلم بمن ضل عن سبيله" أي إن الله هو العالم بمن حاد عن دينه. "وهو أعلم بالمهتدين" أي الذين هم على الهدى فيجازي كلا غدا بعمله.
الآية: 8 {فلا تطع المكذبين}
نهاه عن ممايلة المشركين؛ وكانوا يدعونه إلى أن يكف عنهم ليكفوا عنه، فبين الله تعالى أن ممايلتهم كفر. وقال تعالى: "ولولا أن ثبتناك لقد كدت تركن إليهم شيئا قليلا" [الإسراء: 74]. وقيل: أي فلا تطع المكذبين فيما دعوك إليه من دينهم الخبيث. نزلت في مشركي قريش حين دعوه إلى دين آبائه.
الآية: 9 {ودوا لو تدهن فيدهنون}
قال ابن عباس وعطية والضحاك والسدي: ودوا لو تكفر فيتمادون على كفرهم. وعن ابن عباس أيضا: ودوا لو ترخص لهم فيرخصون لك. وقال الفراء والكلبي: لو تلين فيلينون لك. والادهان: التليين لمن لا ينبغي له التليين؛ قاله الفراء. وقال مجاهد: المعنى ودوا لو ركنت إليهم وتركت الحق فيمالئونك. وقال الربيع بن أنس: ودوا لو تكذب فيكذبون. وقال قتادة: ودوا لو تذهب عن هذا الأمر فيذهبون معك. الحسن: ودوا لو تصانعهم في دينك فيصانعونك في دينهم. وعنه أيضا: ودوا لو ترفض بعض أمرك فيرفضون بعض أمرهم. زيد بن أسلم: لو تنافق وترائي فينافقون ويراؤون. وقيل: ودوا لو تضعف فيضعفون؛ قال أبو جعفر. وقيل: ودوا لو تداهن في دينك فيداهنون في أديانهم؛ قاله القتبي. وعنه: طلبوا منه أن يعبد ألهتهم مدة ويعبدوا إلهه مدة. فهذه آثنا عشر قولا. ابن العربي: ذكر المفسرون فيها نحو عشرة أقوال كلها دعاوى على اللغة والمعنى. أمثلها قولهم: ودوا لو تكذب فيكذبون، ودوا لو تكفر فيكفرون.
قلت: كلها إن شاء الله تعالى صحيحة على مقتضى اللغة والمعنى؛ فإن الادهان: اللين والمصانعة. وقيل: مجاملة العدو ممايلته. وقيل: المقاربة في الكلام والتليين في القول. قال الشاعر:
لبعض الغشم أحزم في أمور تنوبك من مداهنة العدو
وقال المفضل: النفاق وترك المناصحة. فهي على هذا الوجه مذمومة، وعلى الوجه الأول غير مذمومة، وكل شيء منها لم يكن. قال المبرد: يقال أدهن في دينه وداهن في أمره؛ أي خان فيه وأظهر خلاف ما يضمر. وقال قوم: داهنت بمعنى واريت، وأدهنت بمعنى غششت؛ قال الجوهري. وقال: "فيدهنون" فساقه على العطف، ولو جاء به جواب النهي لقال فيدهنوا. وإنما أراد: إن تمنوا لو فعلت فيفعلون مثل فعلك؛ عطفا لا جزاء عليه ولا مكافأة، وإنما هو تمثيل وتنظير.
الآية: 10 - 13 {ولا تطع كل حلاف مهين، هماز مشاء بنميم، مناع للخير معتد أثيم، عتل بعد ذلك زنيم}
يعني الأخنس بن شريق؛ في قول الشعبي والسدي وابن إسحاق. وقيل: الأسود بن عبد يغوث، أو عبدالرحمن بن الأسود؛ قاله مجاهد. وقيل: الوليد بن المغيرة، عرض على النبي صلى الله عليه وسلم مالا وحلف أن يعطيه إن رجع عن دينه؛ قال مقاتل. وقال ابن عباس: هو أبو جهل بن هشام. والحلاف: الكثير الحلف. والمهين: الضعيف القلب؛ عن مجاهد. ابن عباس: الكذاب. والكذاب مهين. وقيل: المكثار في الشر؛ قاله الحسن وقتادة. وقال الكلبي: المهين الفاجر العاجز. وقيل: معناه الحقير عند الله. وقال ابن شجرة: إنه الذليل. الرماني: المهين الوضيع لإكثاره من القبيح. وهو فعيل من المهانة بمعنى القلة. وهي هنا القلة في الرأي والتمييز. أو هو فعيل بمعنى مفعل؛ والمعنى مهان. "هماز" قال ابن زيد: الهماز الذي يهمز الناس بيده ويضربهم. واللماز باللسان. وقال الحسن: هو الذي يهمز ناحية في المجلس؛ كقوله تعالى: "همزة". [الهمزة: 1]. وقيل: الهماز الذي يذكر الناس في وجوههم. واللماز الذي يذكرهم في مغيبهم؛ قاله أبو العالية وعطاء بن أبي رباح والحسن أيضا. وقال مقاتل ضد هذا الكلام: إن الهمزة الذي يغتاب بالغيبة. واللمزة الذي يغتاب في الوجه. وقال مرة: هما سواء. وهو القتات الطعان للمرء إذا غاب. ونحوه عن ابن عباس وقتادة. قال الشاعر:
تدلي بود إذا لاقيتني كذبا وإن أغب فأنت الهامز اللمزة
"مشاء بنميم" أي يمشي بالنميمة بين الناس ليفسد بينهم. يقال: نم ينم نما ونميما ونميمة؛ أي يمشي ويسعى بالفساد. وفي صحيح مسلم عن حذيفة أنه بلغه أن رجلا ينم الحديث، فقال حذيفة: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (لا يدخل الجنة نمام). وقال الشاعر:
ومولى كبيت النمل لا خير عنده لمولاه إلا سعيه بنميم
قال الفراء: هما لغتان. وقيل: النميم جمع نميمة. "مناع للخير" أي للمال أن ينفق في وجوهه. وقال ابن عباس: يمنع عن الإسلام ولده وعشيرته. وقال الحسن: يقول لهم من دخل منكم في دين محمد لا أنفعه بشيء أبدا. "معتد" أي على الناس في الظلم متجاوز للحد، صاحب باطل. "أثيم" أي ذي إثم، ومعناه أثوم، فهو فعيل بمعنى فعول. "عتل بعد ذلك زنيم" العتل الجافي الشديد في كفره. وقال الكلبي والفراء: هو الشديد الخصومة بالباطل. وقيل: إنه الذي يعتل الناس فيجرهم إلى حبس أو عذاب. مأخوذ من العتل وهو الجر؛ ومنه قوله تعالى: "خذوه فاعتلوه" [الدخان: 47]. وفي الصحاح: وعتلت الرجل أعتله وأعتله إذا جذبته جذبا عنيفا. ورجل معتل (بالكسر). وقال يصف فرسا:
نفرعه فرعا ولسنا نعتله
قال ابن السكيت: عتله وعتنه، باللام والنون جميعا. والعتل الغليظ الجافي. والعتل أيضا: الرمح الغليظ. ورجل عتل (بالكسر) بين العتل؛ أي سريع إلى الشر. ويقال: لا أنعتل معك؛ أي لا أبرح مكاني. وقال عبيد بن عمير: العتل الأكول الشروب القوي الشديد يوضع في الميزان فلا يزن شعيرة؛ يدفع الملك من أولئك في جهنم بالدفعة الواحدة سبعين ألفا. وقال علي بن أبي طالب والحسن: العتل الفاحش السيئ الخلق. وقال معمر: هو الفاحش اللئيم. قال الشاعر:
بعُتُلّ من الرجال زنيم غير ذي نجدة وغير كريم
وفي صحيح مسلم عن حارثة بن وهب سمع النبي صلى الله عليه وسلم قال: (ألا أخبركم بأهل الجنة - قالوا بلى قال - كل ضعيف متضعف لو أقسم على الله لأبره. ألا أخبركم بأهل النار - قالوا بلى قال - كل عتل جواظ مستكبر). وفي رواية عنه (كل جواظ زنيم متكبر). الجواظ: قيل هو الجموع المنوع. وقيل الكثير اللحم المختال في مشيته. وذكر الماوردي عن شهر بن حوشب عن عبدالرحمن بن غنم، ورواه ابن مسعود أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لا يدخل الجنة جواظ ولا جعظري ولا العتل الزنيم). فقال رجل: ما الجواظ وما الجعظري وما العتل الزنيم؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (الجواظ الذي جمع ومنع. والجعظري الغليظ. والعتل الزنيم الشديد الخلق الرحيب الجوف المصحح الأكول الشروب الواجد للطعام الظلوم للناس). وذكره الثعلبي عن شداد بن أوس: (لا يدخل الجنة جواظ ولا جعظري ولا عتل زنيم) سمعتهن من النبي صلى الله عليه وسلم قلت: وما الجواظ؟ قال: الجماع المناع. قلت: وما الجعظري؟ قال: الفظ الغليظ. قلت: وما العتل الزنيم؟ قال: الرحيب الجوف الوثير الخلق الأكول الشروب الغشوم الظلوم.
قلت: فهذا التفسير من النبي صلى الله عليه وسلم في العتل قد أربى على أقوال المفسرين. ووقع في كتاب أبي داود في تفسير الجواظ أنه الفظ الغليظ. ذكره من حديث حارثة بن وهب الخزاعي قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا يدخل الجنة الجواظ ولا الجعظري) قال: والجواظ الفظ الغليظ. ففيه تفسيران مرفوعان حسب ما ذكرناه أولا. وقد قيل: إنه الجافي القلب. وعن زيد بن أسلم في قوله تعالى: "عتل بعد ذلك زنيم" قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: (تبكي السماء من رجل أصح الله جسمه ورحب جوفه وأعطاه من الدنيا بعضا فكان للناس ظلوما فذلك العتل الزنيم. وتبكي السماء من الشيخ الزاني ما تكاد الأرض تقله). والزنيم الملصق بالقوم الدعي؛ عن ابن عباس وغيره. قال الشاعر: زنيم تداعاه الرجال زيادة كما زيد في عرض الأديم الأكارع وعن ابن عباس أيضا: أنه رجل من قريش كانت له زنمة كزنمة الشاة. وروى عنه ابن جبير. أنه الذي يعرف بالشر كما تعرف الشاة بزنمتها. وقال عكرمة: هو اللئيم الذي يعرف بلؤمه كما تعرف الشاة بزنمتها. وقيل: إنه الذي يعرف بالأبنة. وهو مروي عن ابن عباس أيضا. وعنه أنه الظلوم. فهذه ستة أقوال. وقال مجاهد: زنيم كانت له ستة أصابع في يده، في كل إبهام له إصبع زائدة. وعنه أيضا وسعيد بن المسيب وعكرمة: هو ولد الزنى الملحق في النسب بالقوم. وكان الوليد دعيا في قريش ليس من سنخهم؛ ادعاه أبوه بعد ثماني عشرة سنة من مولده. قال الشاعر:
زنيم ليس يعرف من أبوه بغي الأم ذو حسب لئيم
وقال حسان:
وأنت زنيم نيط في آل هاشم كما نيط خلف الراكب القدح الفرد
قلت: وهذا هو القول الأول بعينه. وعن علي رضي الله تعالى عنه أنه الذي لا أصل له؛ والمعنى واحد. وروي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لا يدخل الجنة ولد زنى ولا ولده ولا ولد ولده). وقال عبدالله بن عمر: إن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إن أولاد الزنى يحشرون يوم القيامة في صورة القردة والخنازير). وقالت ميمونة: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: (لا تزال أمتي بخير ما لم يفش فيهم ولد الزنى فإذا فشا فيهم ولد الزنى أوشك أن يعمهم الله بعقاب). وقال عكرمة: إذا كثر ولد الزنى قحط المطر.
قلت: أما الحديث الأول والثاني فما أظن لهما سندا يصح، وأما حديث ميمونة وما قاله عكرمة ففي صحيح مسلم عن زينب بنت جحش زوج النبي صلى الله عليه وسلم قالت: خرج النبي صلى الله عليه وسلم يوما فزعا محمرا وجهه يقول: (لا إله إلا الله. ويل للعرب من شر قد اقترب. فتح اليوم من ردم يأجوج ومأجوج مثل هذه) وحلق بإصبعيه الإبهام والتي تليها. قالت فقلت: يا رسول الله، أنهلك وفينا الصالحون؟ قال: (نعم إذا كثر الخبث) خرجه البخاري. وكثرة الخبث ظهور الزنى وأولاد الزنى؛ كذا فسره العلماء. وقول عكرمة "قحط المطر" تبيين لما يكون به الهلاك. وهذا يحتاج إلى توقيف، وهو أعلم من أين قاله. ومعظم المفسرين على أن هذا نزل في الوليد بن المغيرة، وكان يطعم أهل منى حيسا ثلاثة أيام، وينادي ألا لا يوقدن أحد تحت برمة، ألا لا يدخنن أحد بكراع، ألا ومن أراد الحيس فليأت الوليد بن المغيرة. وكان ينفق في الحجة الواحدة عشرين ألفا وأكثر. ولا يعطي المسكين درهما واحدا فقيل: "مناع للخير". وفيه نزل: "وويل للمشركين. الذين لا يؤتون الزكاة" [فصلت: 6]. وقال محمد بن إسحاق: نزلت في الأخنس بن شريق، لأنه حليف ملحق في بني زهرة، فلذلك سمي زنيما. وقال ابن عباس: في هذه الآية نعت، فلم يعرف حتى قتل فعرف، وكان له زنمة في عنقه معلقة يعرف بها. وقال مُرَّة الهمداني: إنما ادعاه أبوه بعد ثماني عشرة سنة.
الآية: 14 - 15 {أن كان ذا مال وبنين، إذا تتلى عليه آياتنا قال أساطير الأولين}
قوله تعالى: "أن كان ذا مال وبنين" قرأ أبو جعفر وابن عامر وأبو حيوة والمغيرة والأعرج "آن كان" بهمزة واحدة ممدودة على الاستفهام. وقرأ المفضل وأبو بكر وحمزة "أأن كان" بهمزتين محققتين. وقرأ الباقون بهمزة واحدة على الخبر؛ فمن قرأ بهمزة مطولة أو بهمزتين محققتين فهو استفهام والمراد به التوبيخ، ويحسن له أن يقف على "زنيم"، ويبتدئ "أن كان" على معنى ألأن كان ذا مال وبنين تطيعه. ويجوز أن يكون التقدير: ألأن كان ذا مال وبنين يقول إذا تتلى عليه آياتنا: أساطير الأولين ويجوز أن يكون التقدير: ألأن كان ذا مال وبنين يكفر ويستكبر. ودل عليه ما تقدم من الكلام فصار كالمذكور بعد الاستفهام. ومن قرأ "أن كان" بغير استفهام فهو مفعول من أجله والعامل فيه فعل مضمر، والتقدير: يكفر لأن كان ذا مال وبنين. ودل على هذا الفعل: "إذا تتلى عليه آياتنا قال أساطير الأولين" ولا يعمل في "أن": "تتلى" ولا "قال" لأن ما بعد "إذا" لا يعمل فيما قبلها؛ لأن "إذا" تضاف إلى الجمل التي بعدها، ولا يعمل المضاف إليه فيما قبل المضاف. و"قال" جواب الجزاء ولا يعمل فيما قبل الجزاء؛ إذا حكم العامل أن يكون قبل المعمول فيه، وحكم الجواب أن يكون بعد الشرط فيصير مقدما مؤخرا في حال. ويجوز أن يكون المعنى لا تطعه لأن كان ذا يسار وعدد. قال ابن الأنباري: ومن قرأ بلا استفهام لم يحسن أن يقف على "زنيم" لأن المعنى لأن كان وبأن كان، "فأن" متعلقة بما قبلها. قال غيره: يجوز أن يتعلق بقوله: "مشاء بنميم" والتقدير يمشي بنميم لأن كان ذا مال وبنين. وأجاز أبو علي أن يتعلق "بعتل". وأساطير الأولين: أباطيلهم وترهاتهم وخرافاتهم. وقد تقدم.