تفسير الطبري تفسير الصفحة 564 من المصحف

 تفسير الطبري - صفحة القرآن رقم 564
565
563
 الآية : 26-27
القول فـي تأويـل قوله تعالى:{قُلْ إِنّمَا الْعِلْمُ عِنْدَ اللّهِ وَإِنّمَآ أَنَاْ نَذِيرٌ مّبِينٌ * فَلَمّا رَأَوْهُ زُلْفَةً سِيئَتْ وُجُوهُ الّذِينَ كَفَرُواْ وَقِيلَ هَـَذَا الّذِي كُنتُم بِهِ تَدّعُونَ }.
يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم: قل يا محمد لهؤلاء المستعجليك بالعذاب وقيام الساعة: إنما علم الساعة, ومتى تقوم القيامة عند الله لا يعلم ذلك غيره وإنّمَا أنا نَذِير مُبِين يقول: وما أنا إلا نذير لكم أنذركم عذاب الله على كفركم به مُبينٌ: قد أبان لكم إنذاره.
وقوله: فَلَمّا رأَوْهُ زُلْفَة سِيئَتْ وُجُوهُ الّذِينَ كَفَرُوا يقول تعالى ذكره: فلما رأى هؤلاء المشركون عذاب الله زلفة: يقول: قريبا, وعاينون, سيئت وجوه الذين كفروا يقول: ساء الله بذلك وجوه الكافرين. وبنحو الذي قلنا في قوله: زُلْفَة قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك:
26705ـ حدثني يعقوب بن إبراهيم, قال: حدثنا ابن علية, عن أبي رجاء, عن الحسن, في قوله: فَلَمّا رأَوْهُ زُلْفَة سِيئَتْ قال: لما عاينوه.
حدثنا ابن المثنى, قال: حدثنا يحيى بن أبي بكير, قال: حدثنا شعبة, عن أبي رجاء, قال: سألت الحسن, عن قوله: فَلَمّا رأَوْهُ زُلْفَة قال: معاينة.
26706ـ حدثني محمد بن عمرو, قال: حدثنا أبو عاصم, قال: حدثنا عيسى وحدثني الحارث, قال: حدثنا الحسن, قال: حدثنا ورقاء, جميعا عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد, قوله: فَلَمّا رأَوْهُ زُلْفَةً قال: قد اقترب.
26707ـ حدثنا بشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة, قوله: فَلَمّا رأَوْهُ زُلْفَةَ سِيئَتْ وُجوهُ الّذِينَ كَفَرُوا لما عاينت من عذاب الله.
حدثنا ابن عبد الأعلى, قال: حدثنا ابن ثور, عن معمر, عن قتادة فَلَمّا رأَوْهُ زُلْفَةً قال: لما رأوا عذاب اللّهَ زُلفة, يقول: سيئت وجوههم حين عاينوا من عذاب الله وخزيه ما عاينوا.
26708ـ حدثني يونس, قال: أخبرنا ابن وهب, قال: قال ابن زيد, في قوله: فَلَمّا رأَوْهُ زُلْفَةً سِيئَتْ قيل: الزلفة حاضر قد حضرهم عذاب الله عزّ وجلّ.
وَقِيلَ هَذَا الّذِي كُنْتُمْ بِهِ تَدّعُونَ يقول: وقال الله لهم: هذا العذاب الذي كنتم به تذكرون ربكم أن يعجله لكم. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك:
26709ـ حدثني يونس, قال: أخبرنا ابن وهب, قال: قال ابن زيد, في قوله: وَقِيلَ هَذَا الّذِي كُنْتُمْ بِهِ تَدّعُونَ قال: استعجالهم بالعذاب.
واختلفت القرّاء في قراءة ذلك, فقرأته عامة قرّاء الأمصار هَذَا الّذِي كُنْتُمْ بِهِ تَدّعُونَ بتشديد الدال بمعنى تفتعلون من الدعاء.
وذُكر عن قتادة والضحاك أنهما قرءا ذلك: «تَدْعُونَ» بمعنى تفعلون في الدنيا.
26710ـ حدثني أحمد بن يوسف, قال: حدثنا القاسم, قال: حدثنا حجاج, عن هارون, قال: أخبرنا أبان العطار وسعيد بن أبي عُروبة, عن قتادة أنه قرأها: «الذِي كُنْتُمْ بِهِ تَدْعُونَ» خفيفة ويقول: كانوا يدعون بالعذاب, ثم قرأ: وَإذْ قالُوا اللهُمّ إنْ كانَ هَذَا هُوَ الْحَقّ مِنْ عِندِكَ فأمْطِرْ عَلَيْنا حِجارَةً مِنَ السّماءِ أوِ ائْتِنا بعَذَابٍ أليمٍ.
والصواب من القراءة في ذلك, ما عليه قرّاء الأمصار لإجماع الحجة من القرّاء عليه.
الآية : 28
القول فـي تأويـل قوله تعالى:{قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَهْلَكَنِيَ اللّهُ وَمَن مّعِيَ أَوْ رَحِمَنَا فَمَن يُجِيرُ الْكَافِرِينَ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ }.
يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم: قُلْ يا محمد للمشركين من قومك: أرأَيْتُمْ أيها الناس إنْ أهْلَكَنِيَ اللّهُ فأماتني وَمَنْ مَعي أوْ رَحِمَنَا فأخرّ في آجالنا فَمَنْ يُجِيرُ الكافِرِينَ بالله مِنْ عَذَاب موجع مؤلم, وذلك عذاب النار. يقول: ليس ينجى الكفار من عذاب الله موتُنا وحياتنا, فلا حاجة بكم إلى أن تستعجلوا قيام الساعة, ونزول العذاب, فإن ذلك غير نافعكم, بل ذلك بلاء عليكم عظيم.
الآية : 29
القول فـي تأويـل قوله تعالى:{قُلْ هُوَ الرّحْمَـَنُ آمَنّا بِهِ وَعَلَيْهِ تَوَكّلْنَا فَسَتَعْلَمُونَ مَنْ هُوَ فِي ضَلاَلٍ مّبِينٍ }.
يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم: قل يا محمد: ربنا الرّحْمَنُ آمَنّا بِهِ يقول: صدّقنا به وَعَلَيْهِ تَوَكّلْنا يقول: وعليه اعتمدنا في أمورنا, وبه وثقنا فيها فَسَتَعْلَمُونَ مَنْ هُوَ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ يقول: فستعلمون أيها المشركون بالله الذي هو في ذهاب عن الحقّ, والذي هو على غير طريق مستقيم منا ومنكم إذا صرنا إليه, وحشرنا جميعا.
الآية : 30
القول فـي تأويـل قوله تعالى:{قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَصْبَحَ مَآؤُكُمْ غَوْراً فَمَن يَأْتِيكُمْ بِمَآءٍ مّعِينٍ }.
يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم: قُل يا محمد لهؤلاء المشركين: أرأَيْتُمْ أيها القوم العادلون بالله إن أصْبَحَ ماؤُكُمْ غَوْرا يقول: غائرا لا تناله الدلاء فَمَن يَأْتِيكُمْ بِمَاءٍ مَعِينٍ يقول: فمن يجيئكم بماء معين, يعني بالمعين: الذي تراه العيون ظاهرا. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك:
26711ـ حدثني محمد بن سعد, قال: ثني أبي, قال: ثني عمي, قال: ثني أبي, عن أبيه, عن ابن عباس, قوله: فَمَنْ يَأْتِيكُمْ بِماءٍ مَعِين يقول: بماء عذب.
26712ـ حدثنا ابن عبد الأعلى بن واصل, قال: ثني عبيد بن قاسم البزاز, قال: حدثنا شريك, عن سالم, عن سعيد بن جُبير في قوله: إنْ أصْبَحَ ماؤُكُمْ غَوْرا لا تناله الدلاء فَمَنْ يَأْتِيكُمْ بِمَاءٍ مَعِينٍ قال: الظاهر.
26713ـ حدثنا بشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة, قوله: قُلْ أرأيْتُمْ إنْ أصْبَحَ ماؤُكُمْ غَوْرا: أي ذاهبا فَمَنْ يَأْتِيكُمْ بِمَاء مَعِينٍ قال: الماء المعين: الجاري.
26714ـ حُدثت عن الحسين, قال: سمعت أبا معاذ يقول: حدثنا عبيد, قال: سمعت الضحاك يقول, في قوله: ماؤُكُمْ غَوْرا ذاهبا فَمَنْ يَأَتِيكُمْ بمَاءٍ مَعِين جارِ.
وقيل غورا فوصف الماء بالمصدر, كما يقال: ليلة عم, يراد: ليلة عامة.

نهاية تفسير الإمام الطبري لسورة الملك

سورة القلم مكية
وآياتها ثنتان وخمسون
بسم الله الرحمَن الرحيـم

الآية : 1-3
القول فـي تأويـل قوله تعالى:{نَ وَالْقَلَمِ وَمَا يَسْطُرُونَ * مَآ أَنتَ بِنِعْمَةِ رَبّكَ بِمَجْنُونٍ * وَإِنّ لَكَ لأجْراً غَيْرَ مَمْنُونٍ }.
اختلف أهل التأويل في تأويل قوله: ن, فقال بعضهم: هو الحوت الذي عليه الأرَضُون. ذكر من قال ذلك:
26715ـ حدثنا محمد بن المثنى, قال: حدثنا ابن أبي عديّ, عن شعبة, عن سليمان, عن أبي ظَبْيان, عن ابن عباس, قال: «أوّل ما خلق الله من شيء القلم, فجرى بما هو كائن, ثم رفع بخار الماء, فخلقت منه السموات, ثم خلق النون فبسطت الأرض على ظهر النون, فتحرّكت الأرض فمادت, فأثبتت بالجبال, فإن الجبال لتفخر على الأرض», قال: وقرأ: ن والقَلَمِ وما يَسْطُرُونَ.
حدثنا تميم بن المنتصر, قال: حدثنا إسحاق, عن شريك, عن الأعمش, عن أبي ظبيان, أو مجاهد عن ابن عباس, بنحوه, إلا أنه قال: فَفُتِقَتْ مِنْهُ السموات.
26716ـ حدثنا ابن بشار, قال: حدثنا يحيى, قال: حدثنا سفيان, قال: ثني سليمان, عن أبي ظبيان, عن ابن عباس, قال: «أوّل ما خلق الله القلم, قال: اكتب, قال: ما أكتب؟ قال: اكتب القدر, قال: فجرى بما يكون من ذلك اليوم إلى قيام الساعة, ثم خلق النون, ورفع بخار الماء, ففُتِقت منه السماء وبُسِطتَ الأرض على ظهر النون, فاضطرب النون, فمادت الأرض, فأثبتت بالجبال, فإنها لتفخر على الأرض».
حدثنا واصل بن عبد الأعلى, قال: حدثنا محمد بن فُضَيل, عن الأعمش, عن أبي ظبيان, عن ابن عباس قال: «أوّل ما خلق الله من شيء القلم, فقال له: اكتب, فقال: وما أكتب؟ قال: اكتب القدر, قال فجرى القلم بما هو كائن من ذلك إلى قيام الساعة, ثم رفع بخار الماء ففتق منه السموات, ثم خلق النون فدُحيت الأرض على ظهره, فاضطرب النون, فمادت الأرض, فأُثبتت بالجبال فإنها لتفخر على الأرض».
حدثنا واصل بن عبد الأعلى, قال: حدثنا وكيع, عن الأعمش, عن أبي ظبيان, عن ابن عباس نحوه.
26717ـ حدثنا محمد بن عمرو, قال: حدثنا أبو عاصم, قال: حدثنا عيسى وحدثني الحارث, قال: حدثنا الحسن, قال: حدثنا ورقاء, جميعا عن ابن أبي نجيح, أن إبراهيم بن أبي بكر, أخبره عن مجاهد, قال: كان يقال النون: الحوت الذي تحت الأرض السابعة.
حدثنا ابن عبد الأعلى, قال: حدثنا ابن ثور, قال: قال معمر. حدثنا الأعمش, أن ابن عباس قال: إنْ أوّل شيء خُلق القلم, ثم ذكر نحو حديث واصل عن ابن فضيل, وزاد فيه: ثم قرأ ابن عباس ن وَالقَلم وَما يَسْطُرُونَ.
26718ـ حدثنا بن حميد, قال: حدثنا جرير, عن عطاء, عن أبي الضحى مسلم بن صبيح, عن ابن عباس, قال: إن أوّل شيء خلق ربي القلم, فقال له: اكتب, فكتب ما هو كائن إلى أن تقوم الساعة, ثم خلق النون فوق الماء, ثم كبس الأرض عليه.
وقال آخرون: ن حرف من حروف الرحمن. ذكر من قال ذلك:
26719ـ حدثنا عبد الله بن أحمد المروزي, قال: حدثنا عليّ بن الحسين, قال: حدثنا أبي, عن يزيد, عن عكرِمة, عن ابن عباس الر, وحم, ون حروف الرحمن مقطعة.
حدثني محمد بن معمر, قال: حدثنا عباس بن زياد الباهلي, قال: حدثنا شعبة, عن أبي بشر, عن سعيد بن جُبير, عن ابن عباس, قوله الر, وحم, ون قال: اسم مقطع.
وقال آخرون: ن: الدواة, والقلم: القلم. ذكر من قال ذلك:
26720ـ حدثنا ابن حميد, قال: حدثنا يعقوب, قال: حدثنا أخي عيسى بن عبد الله, عن ثابت البناني, عن ابن عباس قال: إن الله خلق النون وهي الدواة, وخلق القلم, فقال: اكتب, فقال: ما أكتب؟ قال: اكتب ما هو كائن إلى يوم القيامة, من عمل معمول, برّ أو فجور, أو رزق مقسوم حلال أو حرام, ثم ألزم كلّ شيء من ذلك شأنه دخوله في الدنيا ومقامه فيها كم, وخروجه منها كيف ثم جعل على العباد حفظة وللكتاب خزانا, فالحفظة ينسخون كلّ يوم من الخزان عمل ذلك اليوم, فإذا فني الرزق وانقطع الأثر, وانقضى الأجل, أتت الحفظة الخزنة يطلبون عمل ذلك اليوم, فتقول لهم الخزنة: ما نجد لصاحبكم عندنا شيئا, فترجع الحفظة فيجدونهم قد ماتوا قال: فقال ابن عباس: ألستم قوما عربا تسمعون الحفَظة يقولون: إنّا كُنّا نَسْتَنْسِخُ ما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ وهل يكون الاستنساخ إلا من أصل؟.
26721ـ حدثنا ابن عبد الأعلى, قال: حدثنا ابن ثور, عن معمر, عن الحسن وقتادة, في قوله ن قال: هو الدواة.
حدثنا ابن حميد, قال: حدثنا الحكم بن بشير, قال: حدثنا عمرو, عن قتادة, قال: النون الدواة.
وقال آخرون: ن: لوح من نوره ذكر من قال ذلك:
26722ـ حدثنا الحسن بن شبيب المكتّب, قال: حدثنا محمد بن زياد الجزري, عن فرات بن أبي الفرات, عن معاوية بن قرّة, عن أبيه, قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ن وَالقَلَمِ وما يَسْطُرُونَ: «لوح من نور يجري بما هو كائن إلى يوم القيامة».
وقال آخرون: ن: قَسَم أقسم الله به. ذكر من قال ذلك:
26723ـ حدثنا بشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة, في قوله: ن وَالقَلَمِ ومَا يَسْطُرُونَ يُقْسِم الله بما شاء.
26724ـ حدثني يونس, قال: أخبرنا ابن وهب, قال: قال ابن زيد, في قوله الله: ن وَالقَلَمِ ومَا يَسْطُرُونَ قال: هذا قسم أقسم الله به.
وقال آخرون: هي اسم من أسماء السورة.
وقال آخرون: هي حرف من حروف المعجم وقد ذكرنا القول فيما جانس ذلك من حروف الهجاء التي افتتحت بها أوائل السور, والقول في قوله نظير القول في ذلك.
واختلفت القرّاء في قراءة: ن, فأظهر النون فيها وفي يس عامة قرّاء الكوفة خلا الكسائيّ, وعامة قرّاء البصرة, لأنها حرف هجاء, والهجاء مبني على الوقوف عليه وإن اتصل, وكان الكسائي يُدغم النون الاَخرة منهما ويخفيها بناء على الاتصال.
والصواب من القول في ذلك عندنا أنهما قراءتان فصيحتان بأيتهما قرأ القارىء أصاب, غير أن إظهار النون أفصح وأشهر, فهو أعجب إليّ. وأما القلم: فهو القلم المعروف, غير أن الذي أقسم به ربنا من الأقلام: القلم الذي خلقه الله تعالى ذكره, فأمره فجرى بكتابة جميع ما هو كائن إلى يوم القيامة.
26725ـ حدثني محمد بن صالح الأغاطي, قال حدثنا عباد بن العوّام, قال: حدثنا عبد الواحد بن سليم, قال: سمعت عطاء, قال: سألت الوليد بن عبادة بن الصامت: كيف كانت وصية أبيك حين حشره الموت؟ فقال: دعاني فقال: أي بنيّ اتق الله واعلم أنك لن تتقي الله, ولن تبلغ العلم حتى تؤمن بالله وحده, والقدرِ خيره وشرّه, إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «إنّ أوّلَ ما خَلَقَ اللّهُ خَلَقَ القَلَمَ, فَقالَ لَهُ: اكْتُبْ, قالَ: يا رَبّ ومَا أكْتُبْ؟ قالَ: اكْتُبَ القَدَرَ, قالَ: فَجَرَى القَلَمُ فِي تِلْكَ السّاعَةِ بِمَا كانَ, ومَا هُوَ كائِنٌ إلى الأبَدِ».
26726ـ حدثني محمد بن عبد الله الطوسي, قال: حدثنا عليّ بن الحسن بن شقيق, قال: أخبرنا عبد الله بن المبارك, قال: أخبرنا رباح بن زيد, عن عمرو بن حبيب, عن القاسم بن أبي بزّة, عن سعيد بن جُبير, عن ابن عباس أنه كان يحدّث أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «أوّلُ شَيْءٍ خَلَقَ اللّهُ القَلَمَ, وأمَرَهُ فَكَتَبَ كُلّ شَيْءٍ».
حدثنا موسى بن سهل الرملي, قال: حدثنا نعيم بن حماد, قال: حدثنا ابن المبارك بإسناده عن النبيّ صلى الله عليه وسلم, نحوه.
حدثنا موسى بن سهل الرملي, قال: حدثنا نعيم بن حماد, قال: حدثنا ابن المبارك بإسناده عن النبيّ صلى الله عليه وسلم, نحوه
26727ـ حدثنا ابن بشار, قال: حدثنا عبد الرحمن, قال: حدثنا سفيان, عن أبي هاشم, عن مجاهد قال: قلت لابن عباس: إن ناسا يكذّبون بالقدر, فقال: إنهم يكذّبون بكتاب الله, لاَخذنّ بشَعْر أحدهم, فلا يقصّن به, إن الله كان على عرشه قبل أن يخلق شيئا, فكان أوّل ما خلق الله القلم, فجرى بما هو كائن إلى يوم القيامة, فإنما يجري الناس على أمر قد فُرِغ منه.
حدثنا ابن المثنى, قال: حدثنا عبد الصمد, قال: حدثنا شعبة, قال: حدثنا أبو هاشم, أنه سمع مجاهدا, قال: سمعت عبد الله لا ندري ابن عمر أو ابن عباس قال: إن أوّل ما خلق الله القلم, فجرى القلم بما هو كائن وإنما يعمل الناس اليوم فيما قد فُرِغ منه.
حدثني يونس, قال: أخبرنا ابن وهب, قال: ثني معاوية بن صالح وحدثني عبد الله بن آدم, قال: حدثنا أبي, قال: حدثنا الليث بن سعد عن معاوية بن صالح, عن أيوب بن زياد, قال: ثني عباد بن الوليد بن عبادة بن الصامت, قال: أخبرني أبي, قال: قال أبي عُبادة بن الصامت: يا بنيّ سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «إنّ أوّلَ ما خَلَقَ اللّهُ القَلَمَ, فَقالَ لَهُ: اكْتُبْ فَجَرَى فِي تِلْكَ السّاعَةِ بِمَا هُوَ كائِنٌ إلى يَوْمِ القِيامَةِ».
26728ـ حدثني محمد بن عمرو, قال: حدثنا أبو عاصم, قال: حدثنا عيسى, عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد, في قوله: ن وَالقَلَمِ قال: الذي كُتِبَ به الذكر.
حدثني الحارث, قال: حدثنا الحسن, قال: حدثنا ورقاء, عن ابن أبي نجيح, أخبره عن إبراهيم بن أبي بكر, عن مجاهد, في قوله: ن والقَلَمِ قال: الذي كتب به الذكر.
وقوله: ومَا يَسْطُرُون يقول: والذي يخُطّون ويكتبون. وإذا وُجّهَ التأويل إلى هذا الوجه كان القسم بالخلق وأفعالهم. وقد يحتمل الكلام معنى آخر, وهو أن يكون معناه: وسطرهم ما يسطرون, فتكون «ما» بمعنى المصدر. وإذا وُجه التأويل إلى هذا الوجه, كان القسم بالكتاب, كأنه قيل: ن والقلم والكتاب. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك:
26729ـ حدثنا بشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة وَما يَسْطُرُونَ قال: وما يَخُطّون.
26730ـ حدثني عليّ, قال: حدثنا أبو صالح, قال: ثني معاوية, عن عليّ, عن ابن عباس, قوله: ومَا يَسْطُرُونَ يقول: يكتبون.
26731ـ حدثني محمد بن عمرو, قال: حدثنا أبو عاصم, قال: حدثنا عيسى وحدثني الحارث, قال: حدثنا عيسى وحدثني الحارث, قال: حدثنا الحسن قال: حدثنا ورقاء, جميعا عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد, قوله: ومَا يَسْطُرُون قال: وما يكتبون.
حدثنا ابن عبد الأعلى, قال: حدثنا ابن ثور, عن معمر, عن قتادة ومَا يَسْطُرُونَ: وما يكتبون.
يقال منه: سطر فلان الكتاب فهو يَسْطُر سَطْرا: إذا كتبه ومنه قول رُؤبة بن العجّاج:
إنّي وأسْطارٍ سُطِرْنَ سَطْرَا
وقوله: ما أنْتَ بِنِعْمَةِ رَبّكَ بِمَجْنُون يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم: ما أنت بنعمة ربك بمجنون, مكذّبا بذلك مشركي قريش الذين قالوا له: إنك مجنون.
وقوله: وَإنّ لَكَ لأجْرا غَيْرَ مَمْنُون يقول تعالى ذكره: وإن لك يا محمد لثوابا من الله عظيما على صبرك على أذى المشركين إياك غير منقوص ولا مقطوع, من قولهم: حبل منير, إذا كان ضعيفا, وقد ضعفت منّته: إذا ضعفت قوّته. وكان مجاهد يقول في ذلك ما:
26732ـ حدثني به محمد بن عمرو, قال: حدثنا أبو عاصم, قال: حدثنا عيسى وحدثني الحارث, قال: حدثنا الحسن, قال: حدثنا ورقاء, جميعا عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد, قوله: غَيْرَ مَمْنُونٍ قال: محسوب.
الآية : 4-7
القول فـي تأويـل قوله تعالى:{وَإِنّكَ لَعَلَىَ خُلُقٍ عَظِيمٍ * فَسَتُبْصِرُ وَيُبْصِرُونَ * بِأَيّكُمُ الْمَفْتُونُ * إِنّ رَبّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَن ضَلّ عَن سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ }.
يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم: وإنك يا محمد لعلى أدب عظيم, وذلك أدب القرن الذي أدّبه الله به, وهو الإسلام وشرائعه. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك:
26733ـ حدثني عليّ, قال: حدثنا أبو صالح, قال: ثني معاوية, عن عليّ, عن ابن عباس, قوله: وَإنّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ يقول: دين عظيم.
حدثني محمد بن سعد, قال: ثني أبي, قال: ثني عمي, قال: ثني أبي, عن أبيه, عن ابن عباس, قوله: وَإنّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ يقول: إنك على دين عظيم, وهو الإسلام.
26734ـ حدثني محمد بن عمرو, قال: حدثنا أبو عاصم قال: حدثنا عيسى وحدثني الحارث, قال: حدثنا الحسن, قال: حدثنا ورقاء, جميعا عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد, قوله: خُلُقٍ عَظِيمٍ قال: الدين.
26735ـ حدثنا ابن عبد الأعلى, قال: حدثنا ابن ثور, عن معمر, عن قتادة, قال: سألت عائشة عن خُلُق رسول الله صلى الله عليه وسلم, فقالت: كان خلقه القرآن, تقول: كما هو في القرآن.
حدثنا بشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة, قوله: وَإنّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ ذُكر لنا أن سعيد بن هشام سأل عائشة عن خُلُق رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت: ألست تقرأ القرآن؟ قال: قلت: بلى, قال: فإن خُلُق رسول الله صلى الله عليه وسلم كان القرآن.
حدثنا عُبيد بن آدم بن أبي إياس, قال: ثني أبي, قال: حدثنا المبارك بن فضالة, عن الحسن, عن سعيد بن هشام, قال: أتيت عائشة أمّ المؤمنين رضي الله عنها, فقلت: أخبريني عن خُلُق رسول الله صلى الله عليه وسلم, فقالت: كان خلقه القرآن, أما تقرأ: وإنّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظيمٍ.
حدثني يونس, قال: أخبرنا ابن وهب, قال: أخبرني معاوية بن صالح, عن أبي الزاهرية, عن جُبير بن نُفَير قال: حججت فدخلت على عائشة, فسألتها عن خلق رسول الله صلى الله عليه وسلم, فقالت: كان خلق رسول الله صلى الله عليه وسلم القرآن.
26736ـ حدثنا عبيد بن أسباط, قال: ثني أبي, عن فضيل بن مرزوق, عن عطية, في قوله: وَإنّكَ لَعَلى خُلُق عَظِيمٍ قال: أدب القرآن.
26737ـ حدثني يونس, قال: أخبرنا ابن وهب, قال: قال ابن زيد, في قوله وَإنّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ قال: على دين عظيم.
26738ـ حُدثت عن الحسين, قال: سمعت أبا معاذ يقول: حدثنا عبيد, قال: سمعت الضحاك يقول, في قوله: لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ يعني دينه, وأمره الذي كان عليه, مما أمره الله به, ووكله إليه.
وقوله: فَسَتُبْصِرُ وَيُبْصِرُونَ بأَيّكُمُ المُفْتُون يقول تعالى ذكره: فسترى يا محمد, ويرى مشركو قومك الذين يدعونك مجنونا بأَيّكُمُ المَفْتُونُ. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك:
26739ـ حُدثت عن الحسين, قال: سمعت أبا معاذ يقول: حدثنا عبيد, قال: سمعت الضحاك يقول في قوله: فَسَتُبْصِرُ وَيُبْصِرُونَ يقول: ترى ويرون.
وقوله: بأَيّكُمُ المَفْتُونُ اختلف أهل التأويل في تأويل ذلك, فقال بعضهم: تأويله بأيكم المجنون, كأنه وجّه معنى الباء في قوله بأَيّكُمُ إلى معنى في. وإذا وجهت الباء إلى معنى «في» كان تأويل الكلام: ويبصرون في أيّ الفريقين المجنون في فريقك يا محمد أو فريقهم, ويكون المجنون اسما مرفوعا بالباء. ذكر من قال معنى ذلك: بأيكم المجنون:
26740ـ حدثنا ابن حميد, قال: حدثنا مهران, عن سفيان, عن ليث, عن مجاهد بأَيّكُمُ المَفْتُونُ قال: المجنون.
قال: ثنا مهران, عن سفيان, عن خصيف, عن مجاهد بأَيّكُمُ المَفْتُونُ قال: بأيكم المجنون.
وقال آخرون: بل تأويل ذلك: بأيكم الجنون وكأن الذين قالوا هذا القول وجهوا المفتون إلى معنى الفتنة أو الفتون, كما قيل: ليس له معقول ولا معقود: أي بمعنى ليس له عقل ولا عقد رأى فكذلك وضع المفتون موضع الفُتُون. ذكر من قال: المفتون: بمعنى المصدر, وبمعنى الجنون:
26741ـ حدثني محمد بن عمرو, قال: حدثنا أبو عاصم, قال: حدثنا عيسى وحدثني الحارث, قال: حدثنا الحسن, قال: حدثنا ورقاء, جميعا عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد, قوله: بأَيّكُمُ المَفْتُونُ قال: الشيطان.
26742ـ حُدثت عن الحسين, قال: سمعت أبا معاذ يقول: حدثنا عبيد, قال: سمعت الضحاك, يقول في قوله: بأَيّكُمُ المَفْتُونُ يعني الجنون.
26743ـ حدثني محمد بن سعد, قال: ثني أبي, قال: ثني عمي, قال: ثني أبي, عن أبيه, عن ابن عباس يقول: بأيكم الجنون.
وقال آخرون: بل معنى ذلك: أيكم أولى بالشيطان فالباء على قول هؤلاء زيادة دخولها وخروجها سواء, ومثّل هؤلاء ذلك بقول الراجز:
نَحْنُ بَنُو جَعْدَةَ أصجَابُ الفَلَجْنَضْرِبُ بالسّيْفِ وَنَرْجُو بالفَرَجْ
بمعنى: نرجو الفرج, فدخول الباء في ذلك عندهم في هذا الموضع وخروجها سواء. ذكر من قال ذلك:
26744ـ حدثنا بشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة, قوله: فَسَتُبْصِرُ وَيُبْصِرُونَ بأَيّكُمُ المَفْتُونُ يقول: بأيكم أولى بالشيطان.
حدثنا ابن عبد الأعلى, قال: حدثنا ابن ثور, عن معمر, عن قتادة, في قوله: بأَيّكُمُ المَفْتُونُ قال: أيكم أولى بالشيطان.
واختلف أهل العربية في ذلك نحوَ اختلاف أهل التأويل, فقال بعض نحوّيي البصرة: معنى ذلك: فستبصر ويبصرون أيّكم المفتون. وقال بعض نحويي الكوفة: بأيكم المفتون ها هنا, بمعنى الجنون, وهو في مذهب الفُتُون, كما قالوا: ليس له معقول ولا معقود قال: وإن شئت جعلت بأيكم في أيكم في أيّ الفريقين المجنون قال: وهو حينئذٍ اسم ليس بمصدر.
وأولى الأقوال في ذلك عندي بالصواب قول من قال: معنى ذلك: بأيكم الجنون, ووجه المفتون إلى الفتون بمعنى المصدر, لأن ذلك أظهر معاني الكلام, إذا لم ينو إسقاط الباء, وجعلنا لدخولها وجها مفهوما. وقد بيّنا أنه غير جائز أن يكون في القرآن شيء لا معنى له.
وقوله: إنّ رَبّكَ هُوَ أعْلَمُ بِمَنْ ضَلّ عَنْ سَبِيلِهِ يقول تعالى ذكره: إن ربك يا محمد هو أعلم بمن ضلّ عن سبيله, كضلال كفار قريش عن دين الله, وطريق الهدى وَهُوَ أعْلَمُ بالمُهْتَدينَ يقول: وهو أعلم بمن اهتدى, فاتبع الحقّ, وأقرّ به, كما اهتديت أنت فاتبعت الحقّ, وهذا من معاريض الكلام. وإنما معنى الكلام: إن ربك هو أعلم يا محمد بك, وأنت المهتدي وبقومك من كفار قريش وأنهم الضالون عن سبيل الحقّ.
الآية : 8-11
القول فـي تأويـل قوله تعالى:{فَلاَ تُطِعِ الْمُكَذّبِينَ * وَدّواْ لَوْ تُدْهِنُ فَيُدْهِنُونَ * وَلاَ تُطِعْ كُلّ حَلاّفٍ مّهِينٍ * هَمّازٍ مّشّآءِ بِنَمِيمٍ }.
يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم: فَلا تُطِعْ يا محمد المُكَذّبِينَ بآيات الله ورسوله وَدّوا لَوْ تُدْهِنُ فَيُدْهِنُونَ. اختلف أهل التأويل في تأويله, فقال بعضهم: معنى ذلك: ودّ المكذّبون بآيات الله لو تكفر بالله يا محمد فيكفرون. ذكر من قال ذلك:
26745ـ حدثني محمد بن سعد, قال: ثني أبي, قال: ثني عمي, قال: ثني أبي, عن أبيه, عن ابن عباس, قوله: لَوْتُدْهِنُ فَيُدْهِنُونَ يقول: ودّوا لو تكفر فيكفرون.
26746ـ حُدثت عن الحسين, فقال: سمعت أبا معاذ يقول: حدثنا عبيد, قال: سمعت الضحاك يقول في قوله: وَدّوا لَوْ تُدْهِنُ فَيُدْهِنُونَ قال: تكفُر فيكفرون.
26747ـ حدثنا ابن حميد, قال: حدثنا مهران, عن سفيان وَدّوا لَوْتُدْهِنُ فَيُدْهِنُونَ قال: تكفر فيكفرون.
وقال آخرون: بل معنى ذلك: ودّوا لو تُرخّص لهم فيُرخّصون, أو تلين في دينك فيلينون في دينهم. ذكر من قال ذلك:
26748ـ حدثني عليّ, قال: حدثنا أبو صالح, قال: ثني معاوية, عن عليّ, عن ابن عباس, قوله: لَو تُدْهِنُ فَيُدْهِنُونَ يقول: لو ترخص لهم فيرخّصون.
26749ـ حدثني محمد بن عمرو, قال: حدثنا أبو عاصم, قال: حدثنا عيسى وحدثني الحارث, قال: حدثنا الحسن, قال: حدثنا ورقاء, جميعا عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد, قوله: وَدّوا لَوْ تُدْهِنُ فَيُدْهِنُونَ قال: لو تَرْكَنُ إلى آلهتهم, وتترك ما أنت عليه من الحقّ فيما لئونك.
26750ـ حدثنا بشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة, قوله: وَدّوا لَوْ تُدْهِنُ فَيُدْهِنُونَ يقول: ودّوا يا محمد لو أدهنت عن هذا الأمر, فأدهنوا معك.
حدثنا ابن عبد الأعلى, قال: حدثنا ابن ثور, عن معمر, عن قتادة, في قوله: وَدّوا لَوْ تُدْهِنُ فَيُدْهِنُونَ قال: ودّوا لو يُدْهن رسول الله صلى الله عليه وسلم فيُدْهنون.
وأولى القولين في ذلك بالصواب قول من قال: معنى ذلك: ودّ هؤلاء المشركون يا محمد لو تلين لهم في دينك بإجابتك إياهم إلى الركون إلى آلهتهم, فيلينون لك في عبادتك إلهك, كما قال جلّ ثناؤه: وَلَوْلا أنْ ثَبّتْناكَ لَقَدْ كِدْتَ تَرْكَنُ إلَيْهِمْ شَيْئا قَلِيلاً إذًا لأذَقْنَاكَ ضِعْفَ الْحَياةِ وَضِعْفَ المَماتِ وإنما هو مأخوذ من الدّهن شبه التليين في القول بتليين الدّهن.
وقوله: وَلا تُطِعْ كُلّ حَلاّفٍ مَهِينٍ ولا تطع يا محمد كلّ ذي إكثار للحلف بالباطل مَهِين: وهو الضعيف. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. غير أن بعضهم وجه معنى المهين إلى الكذّاب, وأحسبه فعل ذلك لأنه رأى أنه إذا وصف بالمهانة فإنما وصف بها لمهانة نفسه كانت عليه, وكذلك صفة الكذوب, إنما يكذب لمهانة نفسه عليه. ذكر من قال ذلك:
26751ـ حدثني محمد بن سعد, قال: ثني أبي, قال: ثني عمي, قال: ثني أبي, عن أبيه, عن ابن عباس وَلا تُطِعْ كُلّ حَلاّف مَهِين والمهين: الكذّاب.
26752ـ حدثني محمد بن عمرو, قال: حدثنا أبو عاصم, قال: حدثنا عيسى وحدثني الحارث, قال: حدثنا الحسن, قال: حدثنا ورقاء, جميعا, عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد, قوله: حَلاّفٍ مَهِينٍ قال: ضعيف.
26753ـ حدثنا بشر, مقال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة, قوله: وَلا تُطِعْ كُلّ حَلاّفٍ مَهِينٍ وهو الكثار في الشرّ.
26754ـ حدثنا ابن عبد الأعلى, قال: حدثنا ابن ثور, عن معمر, عن الحسن, في قوله: كُلّ حَلاّفٍ مَهِينٍ يقول: كلّ مكثار في الحلف مهين ضعيف.
حدثنا ابن حميد, قال: حدثنا مهران, عن سفيان, عن سعيد, عن الحسن وقتادة وَلا تُطِعْ كُلّ حَلاّفٍ مَهِينٍ قال: هو المِكثار في الشرّ.
وقوله: هَمّازٍ يعني: مغتاب للناس يأكل لحومهم. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك:
26755ـ حدثني محمد بن سعد, قال: ثني أبي, قال: ثني عمي, قال: ثني أبي, عن أبيه, عن ابن عباس, قوله: هَمّازٍ يعني الاغتياب.
26756ـ حدثنا بشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة هَمّازٍ: يأكل لحوم المسلمين.
26757ـ حدثني يونس, قال: أخبرنا ابن وهب, قال: قال ابن زيد, في قوله هَمّازٍ قال: الهماز: الذي يهمز الناس بيده ويضربهم, وليس باللسان وقرأ: وَيْلٌ لِكُلّ هُمَزَةٍ لُمَزَةٍ الذي يلمز الناس بلسانه, والهمز أصله الغمز, فقيل للمغتاب: هماز, لأنه يطعن في أعراض الناس بما يكرهون, وذلك غمز عليهم.
وقوله: مَشّاءٍ بِنَمِيمٍ يقول: مشاء بحديث الناس بعضهم في بعض, ينقل حديث بعضهم إلى بعض. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك:
26758ـ حدثنا بشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعد, عن قتادة هَمّازٍ: يأكل لحوم المسلمين مَشّاءٍ بِنَمِيمٍ: ينقل الأحاديث من بعض الناس إلى بعض.
26759ـ حدثني محمد بن سعد, قال: ثني أبي, قال: ثني عمي, قال: ثني أبي, عن أبيه, عن ابن عباس مَشّاءٍ بِنَمِيمٍ: يمشي بالكذب.
26760ـ حدثنا ابن عبد الأعلى, قال: حدثنا ابن ثور, عن معمر, عن الكلبي, في قوله: مَشّاءٍ بِنَمِيمٍ قال: هو الأخنس بن شريق, وأصله من ثقيف, وعداده في بني زُهْرة.
الآية : 12-13
القول فـي تأويـل قوله تعالى:{مّنّاعٍ لّلْخَيْرِ مُعْتَدٍ أَثِيمٍ * عُتُلّ بَعْدَ ذَلِكَ زَنِيمٍ }.
وقوله: منّاعٍ لِلْخَيْرِ. يقول تعالى ذكره: بخيل بالمال ضنين به عن الحقوق.
وقوله: مُعْتَدٍ يقول: معتد على الناس أثِيمٍ: ذي إثم بربه. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك:
26761ـ حدثنا بشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة, في قوله: مُعْتدٍ في عمله أثِيمٍ بربه.
وقوله: عُتُلّ يقول: وهو عُتُلّ, والعتلّ: الجافي الشديد في كفره, وكلّ شديد قويّ فالعرب تسمية عُتُلاّ ومنه قول ذي الإصبع العَدْوانيّ:
والدّهْرُ يَغْدُو مِعْتَلاً جَذَعا
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك:
26762ـ حدثني محمد بن سعد, قال: ثني أبي, قال: ثني عمي, قال: ثني أبي, عن أبيه, عن ابن عباس, قوله: عُتُلّ العتلّ: العاتل الشديد المنافق.
26763ـ حدثني إسحاق بن وهب الواسطي, قال: حدثنا أبو عامر العَقْدِيّ, قال: حدثنا زهير بن محمد, عن زيد ابن أسلم, عن عطاء بن يسار, عن وهب الذّمارِيّ, قال: «تبكي السماء والأرض من رجل أتمّ الله خلقه, وأرحب جوفه, وأعطاه مقضما من الدنيا, ثم يكون ظلوما للناس, فذلك العتلّ الزنيم».
26764ـ حدثنا أبو كُرَيب, قال: حدثنا ابن إدريس, عن ليث, عن أبي الزبير, عن عبيد بن عمير, قال: العتلّ: الأكول الشروب القويّ الشديد, يوضع في الميزان فلا يزن شعيرة, يدفع المَلَكُ من أولئك سبعين ألفا دفعة في جهنم.
26765ـ حدثنا أبو كُرَيب, قال: حدثنا ابن يمان, عن سفيان, عن منصور, عن أبي رزين, في قوله: عُتُلّ بَعْدَ ذلكَ زَنِيمٍ قال: العتلّ: الشديد.
26766ـ حدثنا ابن حميد, قال: حدثنا جرير, عن منصور, عن أبي رزِين, في قوله: عُتُلّ بَعْدَ ذلكَ زَنِيمٍ قال: العتلّ: الصحيح.
26767ـ حدثني يونس, قال: أخبرنا ابن وهب, قال: ثني معاوية بن صالح, عن كثير بن الحارث, عن القاسم, مولى معاوية قال: سُئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن العُتُلّ الزنيم, قال: «الفاحِشُ اللّئيمُ».
قال: معاوية, وثني عياض بن عبد الله الفهريّ, عن موسى بن عقبة, عن رسول الله صلى الله عليه وسلم, بمثل ذلك.
26768ـ حدثني يعقوب, قال: حدثنا ابن علية, عن أبي رجاء, عن الحسن, في قوله: عُتُلّ بَعْدَ ذلك زَنَيمٍ قال: فاحش الخُلق, لئيم الضريبة.
26769ـ حدثنا بشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة, قوله: عُتُلّ بَعْدَ ذلكَ زَنِيمٍ قال: الحسن وقتادة: هو الفاحش اللئيم الضريبة.
حدثنا ابن عبد الأعلى, قال: حدثنا ابن ثور, عن معمر, عن الحسن, في قوله عُتُلّ قال: هو الفاحش اللئيم الضريبة.
26770ـ قال: ثنا ابن ثور, عن معمر, عن زيد بن أسلم, قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «تَبْكي السّماءُ مِنْ عَبْدٍ أصَحّ اللّهُ جِسْمَهُ, وأرْحَبَ جَوْفَهُ, وأعْطاهُ مِنَ الدّنْيا مِقْضَما, فَكانَ للنّاسِ ظَلُوما, فَذلكَ العُتُلّ الزّنِيمُ».
26771ـ حدثنا ابن حميد, قال: حدثنا مهران, عن سفيان, عن منصور, عن أبي رزين, قال: العتلّ: الصحيح الشديد.
26772ـ حدثني جعفر بن محمد البزوري, قال: حدثنا أبو زكريا, وهو يحيى بن مصعب, عن عمر بن نافع, قال: سُئل عكرِمة, عن عُتُلّ بَعْدَ ذلكَ زَنِيمٍ فقال: ذلك الكافر اللئيم.
حدثني علي بن الحسن الأزديّ, قال: حدثنا يحيى, يعني ابن يمان, عن أبي الأشهب, عن الحسن في قوله عُتُلّ بَعْدَ ذلكَ زَنِيمٌ قال: الفاحش اللئيم الضريبة.
حدثنا ابن بشار, قال: حدثنا معاذ بن هشام, قال: ثني أبي, عن قتادة, قال: العتلّ: الزنيم الفاحش اللئيم الضريبة.
26773ـ حدثني محمد بن عمرو, قال: حدثنا أبو عاصم, قال: حدثنا عيسى وحدثني الحارث, قال: حدثنا الحسن, قال: حدثنا ورقاء, جميعا عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد, قوله: عُتُلّ قال: شديد الأشَر.
26774ـ حُدثت عن الحسن, قال: سمعت أبا معاذ يقول: حدثنا عبيد, قال: سمعت الضحاك يقول: عُتُلّ قال: العتلّ: الشديد.
بَعْدَ ذلكَ زَنِيمٍ ومعنى «بعد» في هذا الموضع معنى مع, وتأويل الكلام: عُتُلّ بَعْدَ ذلكَ زَنِيمٍ: أي مع العتلّ زنيم.
وقوله: زنيم والزنيم في كلام العرب: الملصق بالقوم وليس منهم ومنه قول حسان بن ثابت:
وأنْتَ زَنِيمٌ نِيطَ فِي آلِ هاشِمٍكمَا نِيطَ خَلْفَ الرّاكِب القَدَحُ الفَرْدُ
وقال آخر:
زَنِيمٌ لَيْسَ يَعْرِفُ مَن أبُوهُبَغِيّ الأُمّ ذُو حَسَبٍ لَئِيمٍ
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك:
26775ـ حدثني محمد بن سعد, قال: ثني أبي, قال: ثني عمي, قال: ثني أبي, عن أبيه, عن ابن عباس زَنِيمٍ قال: والزنيم: الدعيّ, ويقال: الزنيم: رجل كانت به زنمة يُعرف بها, ويقال: هو الأخنس بن شَرِيق الثّقَفِيّ حليف بني زُهْرة. وزعم ناس من بني زُهرة أن الزنيم هو: الأسود بن عبد يغوث الزّهريّ, وليس به.
26776ـ حدثنا أبو كُرَيب, قال: أخبرنا ابن إدريس, قال: حدثنا هشام, عن عكرِمة, قال: هو الدعيّ.
26777ـ حدثني يونس, قال: أخبرنا ابن وهب, قال: ثني سليمان بن بلال, عن عبد الرحمن بن حرملة, عن سعيد بن المسيب, أنه سمعه يقول في هذه الاَية: عُتُلَ بَعْدَ ذلكَ زَنِيمٍ قال سعيد: هو الملصق بالقوم ليس منهم.
26778ـ حدثنا ابن حميد, قال: حدثنا مهران, عن سفيان, عن جابر, عن الحسن, عن سعيد بن جبير, قال: الزنيم الذي يعرف بالشرّ, كما تعرف الشاة بزنمتها الملصق.
وقال آخرون: هو الذي له زَنَمة كزنمة الشاة. ذكر من قال ذلك:
26779ـ حدثنا ابن المثنى, قال: حدثنا عبد الأعلى, حدثنا داود, عن عكرِمة, عن ابن عباس أنه قال في الزنيم قال: نُعِتَ, فلم يعرف حتى قيل زنيم. قال: وكانت له زنمة في عنقة يُعرف بها.
وقال آخرون: كان دعيّا.
26780ـ حدثني الحسين بن عليّ الصدائي, قال: حدثنا عليّ بن عاصم, قال حدثنا داود بن أبي هند, عن عكرِمة, عن ابن عباس, في قوله: بَعْدَ ذلكَ زَنِيمٍ قال: نزل على النبيّ صلى الله عليه وسلم: وَلا تُطِعْ كُلّ حَلاّفٍ مَهِينٍ هَمّازٍ مَشّاءٍ بِنَمِيمٍ قال: فلم نعرفه حتى نزل على النبيّ صلى الله عليه وسلم: بَعْدَ ذَلكَ زَنيمٍ قال: فعرفناه له زنمة كزنمة الشاة.
26781ـ حدثنا أبو كُرَيب, قال: حدثنا ابن إدريس, عن أصحاب التفسير, قالوا: هو الذي يكون له زنمة كزنمة الشاة.
26782ـ حُدثت عن الحسين, قال: سمعت أبا معاذ يقول: حدثنا عبيد, قال: سمعت الضحاك يقول في قوله الزنيم: يقول: كانت له زنمة في أصل أذنه, يقال: هو اللئيم الملصق في النسب.
وقال آخرون: هو المريب ذكر من قال ذلك:
26783ـ حدثنا تميم بن المنتصر, قال: حدثنا إسحاق, عن شريك, عن أبي إسحاق, عن سعيد بن جبير, عن ابن عباس, في قوله: عُتُلّ بَعْدَ ذلكَ زَنِيمٍ قال: زنيم: المُرِيب الذي يعرف بالشرّ.
26784ـ حدثنا ابن حميد, قال: حدثنا مهران, عن سفيان, عن جابر, عن الحسن بن مسلم, عن سعيد بن جبير قال: الزنيم: الذي يعرف بالشرّ.
وقال آخرون: هو الظلوم. ذكر من قال ذلك:
26785ـ حدثني عليّ, قال: حدثنا أبو صالح, قال: ثني معاوية, عن عليّ, عن ابن عباس, في قوله زَنِيمٍ قال: ظلومٍ.
وقال آخرون: هو الذي يُعرف بأُبنة. ذكر من قال ذلك:
26786ـ حدثنا ابن المثنى, قال: حدثنا محمد بن جعفر, قال: حدثنا شعبة, عن أبي إسحاق, عن سعيد بن جُبير, عن ابن عباس أنه قال في الزنيم: الذي يُعرف بأُبنة, قال أبو إسحاق: وسمعت الناس في إمرة زياد يقولون: العتلّ: الدعيّ.
وقال آخرون: هو الجِلْف الجافي. ذكر من قال ذلك:
26787ـ حدثنا ابن المثنى, قال: ثني عبد الأعلى, قال: حدثنا داود بن أبي هند, قال: سمعت شهر بن حَوْشب يقول: هو الجلف الجافي الأكول الشروب من الحرام.
وقال آخرون: هو علامة الكفر. ذكر من قال ذلك:
26788ـ حدثنا أبو كريب, حدثنا ابن يمان, عن سفيان, عن منصور, عن أبي رزين, قال: الزنيم: علامة الكفر.
حدثنا ابن حميد, قال: حدثنا مهران, عن سفيان, عن منصور, عن أبي رزين, قال: الزنيم: علامة الكافر.
26789ـ حدثني الحارث, قال: حدثنا الحسن, قال: حدثنا ورقاء, عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد, أنه كان يقول الزنيم يُعرف بهذا الوصف كما تعرف الشاة.
وقال آخرون: هو الذي يعرف باللؤم. ذكر من قال ذلك:
26790ـ حدثنا ابن حميد, قال: حدثنا مهران, عن سفيان, عن خصيف, عن عكرِمة, قال: الزّنيم: الذي يعرف باللؤم, كما تُعرف الشاة بزنمتها.
وقال آخرون: هو الفاجر. ذكر من قال ذلك:
26791ـ حدثنا ابن حميد, قال: حدثنا جرير, عن منصور, عن أبي رزين, في قوله: عُتُلّ بَعْدَ ذلكَ زَنيمٍ قال: الزنيم: الفاجر.
الآية : 14-16
القول فـي تأويـل قوله تعالى:{أَن كَانَ ذَا مَالٍ وَبَنِينَ * إِذَا تُتْلَىَ عَلَيْهِ آيَاتُنَا قَالَ أَسَاطِيرُ الأوّلِينَ * سَنَسِمُهُ عَلَى الْخُرْطُومِ }.
اختلفت القرّاء في قراءة قوله: أنْ كانَ فقرأ ذلك أبو جعفر المدنيّ وحمزة: «أأنْ كانَ ذَا مالٍ» بالاستفهام بهمزتين, وتتوجه قراءة من قرأ ذلك كذلك إلى وجهين: أحدهما أن يكون مرادا به تقريع هذا الحلاّف المهين, فقيل: ألأن كان هذا الحلاف المهين ذا مال وبنين إذَا تُتْلَى عَلَيْه آياتُنا قالَ أساطيرُ الأوّلين وهذا أظهر وجهيه. والاَخر أن يكون مرادا به: ألأن كان ذا مال وبنين تطيعه, على وجه التوبيخ لمن أطاعه. وقرأ ذلك بعد سائر قرّاء المدينة والكوفة والبصرة: أنْ كانَ ذا مال على وجه الخبر بغير استفهام بهمزة واجدة ومعناه إذا قُرىء كذلك: ولا تطع كلّ حلاف مهين أن كان ذا مال وبنين كأنه نهاه أن يطيعه من أجل أنه ذو مال وبنين.
وقوله: إذَا تُتْلَى عَلَيْهِ آياتُنا قالَ أساطِيرُ الأوّلِينَ يقول: إذا تقرأ عليه آيات كتابنا, قال: هذا مما كتبه الأوّلون استهزاء به وإنكارا منه أن يكون ذلك من عند الله.
وقوله: سَنَسِمُهُ على الخُرْطُومِ اختلف أهل التأويل في تأويل ذلك, فقال بعضهم: معناه: سنخطمه بالسيف, فنجعل ذلك علامة باقية, وسمة ثابتة فيه ما عاش. ذكر من قال ذلك:
26792ـ حدثني محمد بن سعد, قال: ثني أبي, قال: ثني عمي, قال: ثني أبي, عن أبيه, عن ابن عباس سَنَسِمُهُ على الخُرْطُومِ فقاتل يوم بدر, فخُطِم بالسيف في القتال.
وقال آخرون: بل معنى ذلك سنشينه شينا باقيا. ذكر من قال ذلك:
26793ـ حدثنا بشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة, قوله: سَنَسِمُهُ على الخُرْطُومِ شَيْن لا يفارقه آخر ما عليه.
وقال آخرون: سيمَى على أنفه. ذكر من قال ذلك:
26794ـ حدثنا ابن عبد الأعلى, قال: حدثنا ابن ثور, عن معمر, عن قتادة سَنَسِمُهُ على الخُرْطومِ قال: سنسم على أنفه.
وأولى القولين بالصواب في تأويل ذلك عندي قول من قال: معنى ذلك: سنبين أمره بيانا واضحا حتى يعرفوه, فلا يخفى عليهم, كما لا تخفى السمة على الخرطوم. وقال قتادة: معنى ذلك: شين لا يفارقه آخر ما عليه, وقد يحتمل أيضا أن يكون خطم بالسيف, فجمع له مع بيان عيوبه للناس الخطم بالسيف.
ويعني بقوله: سَنَسِمُهُ سنكويه. وقال بعضهم: معنى ذلك: سنسمه سِمَة أهل النار: أي سنسوّد وجهه. وقال: إن الخرطوم وإن كان خصّ بالسمة, فإنه في مذهب الوجه, لأن بعض الوجه يؤدّي عن بعض, والعرب تقول: والله لأسمنك وسما لا يفارقك, يريدون الأنف. قال: وأنشدني بعضهم:
لأُعَلِطَنّهُ وَسْما لا يُفارِقهُكما يُحَزّ بِحَمْى المِيسَمِ النّجِزُ
والنجز: داء يأخذ الإبل فتُكوى على أنفها