تفسير السعدي تفسير الصفحة 372 من المصحف

 فقال نوح عليه السلام: وَمَا عِلْمِي بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ * إِنْ حِسَابُهُمْ إِلا عَلَى رَبِّي لَوْ تَشْعُرُونَ أي أعمالهم وحسابهم على الله إنما علي التبليغ وأنتم دعوهم عنكم إن كان ما جئتكم به الحق فانقادوا له وكل له عمله
وَمَا أَنَا بِطَارِدِ الْمُؤْمِنِينَ كأنهم - قبحهم الله - طلبوا منه أن يطردهم عنه تكبرا وتجبرا ليؤمنوا فقال وَمَا أَنَا بِطَارِدِ الْمُؤْمِنِينَ فإنهم لا يستحقون الطرد والإهانة وإنما يستحقون الإكرام القولي والفعلي كما قال تعالى وَإِذَا جَاءَكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِآيَاتِنَا فَقُلْ سَلامٌ عَلَيْكُمْ كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ
إِنْ أَنَا إِلا نَذِيرٌ مُبِينٌ أي ما أنا إلا منذر ومبلغ عن الله ومجتهد في نصح العباد وليس لي من الأمر شيء إن الأمر إلا لله .
فاستمر نوح عليه الصلاة والسلام على دعوتهم ليلا ونهارا سرا وجهارا فلم يزدادوا إلا نفورا و قَالُوا لَئِنْ لَمْ تَنْتَهِ يَا نُوحُ من دعوتك إيانا إلى الله وحده لَتَكُونَنَّ مِنَ الْمَرْجُومِينَ أي لنقتلك شر قتلة بالرمي بالحجارة كما يقتل الكلب فتبا لهم ما أقبح هذه المقابلة يقابلون الناصح الأمين الذي هو أشفق عليهم من أنفسهم بشر مقابلة لا جرم لما انتهى ظلمهم واشتد كفرهم دعا عليهم نبيهم بدعوة أحاطت بهم فقال رَبِّ لا تَذَرْ عَلَى الأَرْضِ مِنَ الْكَافِرِينَ دَيَّارًا الآيات.
وهنا قَالَ رَبِّ إِنَّ قَوْمِي كَذَّبُونِ * فَافْتَحْ بَيْنِي وَبَيْنَهُمْ فَتْحًا أي أهلك الباغي منا وهو يعلم أنهم البغاة الظلمة ولهذا قال وَنَجِّنِي وَمَنْ مَعِيَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ
فَأَنْجَيْنَاهُ وَمَنْ مَعَهُ فِي الْفُلْكِ أي السفينة الْمَشْحُونِ من الخلق والحيوانات.
ثُمَّ أَغْرَقْنَا بَعْدُ أي بعد نوح ومن معه من المؤمنين الْبَاقِينَ أي جميع قومه.
إِنَّ فِي ذَلِكَ أي نجاة نوح وأتباعه وإهلاك من كذبه لآيَةً دالة على صدق رسلنا وصحة ما جاءوا به وبطلان ما عليه أعداؤهم المكذبون بهم .
وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الذي قهر بعزه أعداءه فأغرقهم بالطوفان الرَّحِيمُ بأوليائه حيث نجى نوحا ومن معه من أهل الإيمان.
كَذَّبَتْ عَادٌ الْمُرْسَلِينَ ( 123 - 140 ) إلى آخر القصة.
أي: كذبت القبيلة المسماة عادا, رسولهم هودا، وتكذيبهم له تكذيب لغيره, لاتفاق الدعوة.
إِذْ قَالَ لَهُمْ أَخُوهُمْ في النسب هُودٌ بلطف وحسن خطاب: أَلا تَتَّقُونَ الله, فتتركون الشرك وعبادة غيره.
إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ أي: أرسلني الله إليكم, رحمة بكم, واعتناء بكم، وأنا أمين, تعرفون ذلك مني, رتب على ذلك قوله: فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ .
أي: أدوا حق الله تعالى, وهو التقوى, وأدوا حقي, بطاعتي فيما آمركم به, وأنهاكم عنه, فهذا موجب, لأن تتبعوني وتطيعوني وليس ثَمَّ مانع يمنعكم من الإيمان، فلست أسألكم على تبليغي إياكم, ونصحي لكم, أجرا, حتى تستثقلوا ذلك المغرم. إِنْ أَجْرِيَ إِلا عَلَى رَبِّ الْعَالَمِينَ الذي رباهم بنعمه, وأدرَّ عليهم فضله وكرمه, خصوصا ما ربَّى به أولياءه وأنبياءه.
أَتَبْنُونَ بِكُلِّ رِيعٍ أي: مدخل بين الجبال آيَةً أي: علامة تَعْبَثُونَ أي: تفعلون ذلك عبثا لغير فائدة تعود بمصالح دينكم ودنياكم.
وَتَتَّخِذُونَ مَصَانِعَ أي: بركا ومجابي للحياة لَعَلَّكُمْ تَخْلُدُونَ والحال أنه لا سبيل إلى الخلود لأحد.
وَإِذَا بَطَشْتُمْ بالخلق بَطَشْتُمْ جَبَّارِينَ قتلا وضربا, وأخذ أموال. وكان الله تعالى قد أعطاهم قوة عظيمة, وكان الواجب عليهم أن يستعينوا بقوتهم على طاعة الله, ولكنهم فخروا, واستكبروا, وقالوا: مَنْ أَشَدُّ مِنَّا قُوَّةً واستعملوا قوتهم في معاصي الله, وفي العبث والسفه, فلذلك نهاهم نبيهم عن ذلك.
فَاتَّقُوا اللَّهَ واتركوا شرككم وبطركم وَأَطِيعُونِ حيث علمتم أني رسول الله إليكم, أمين ناصح.
وَاتَّقُوا الَّذِي أَمَدَّكُمْ أي: أعطاكم بِمَا تَعْلَمُونَ أي: أمدكم بما لا يجهل ولا ينكر من الإنعام.
أَمَدَّكُمْ بِأَنْعَامٍ من إبل وبقر وغنم وَبَنِينَ أي: وكثرة نسل، كثر أموالكم, وكثر أولادكم, خصوصا الذكور, أفضل القسمين.
هذا تذكيرهم بالنعم, ثم ذكرهم حلول عذاب الله فقال: إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ .
أي: إني - من شفقتي عليكم وبري بكم - أخاف أن ينزل بكم عذاب يوم عظيم, إذا نزل لا يرد, إن استمريتم على كفركم وبغيكم.
فقالوا معاندين للحق مكذبين لنبيهم: سَوَاءٌ عَلَيْنَا أَوَعَظْتَ أَمْ لَمْ تَكُنْ مِنَ الْوَاعِظِينَ أي: الجميع على حد سواء، وهذا غاية العتو, فإن قوما بلغت بهم الحال إلى أن صارت مواعظ الله, التي تذيب الجبال الصم الصلاب, وتتصدع لها أفئدة أولي الألباب, وجودها وعدمها - عندهم- على حد سواء، لقوم انتهى ظلمهم, واشتد شقاؤهم, وانقطع الرجاء من هدايتهم، ولهذا قالوا: