تفسير الشوكاني تفسير الصفحة 372 من المصحف



فتح القدير - صفحة القرآن رقم 372

371

112- "قال وما علمي بما كانوا يعملون".
113- "إن حسابهم إلا على ربي لو تشعرون" أي ما حسابهم والتفتيش عن ضمائرهم وأعمالهم إلا على الله لو كنتم من أهل الشعور والفهم، قرأ الجمهور "تشعرون" بالفوقية، وقرأ ابن أبي عبلة وابن السميفع والأعرج وأبو زرعة بالتحتية، كأنه ترك الخطاب للكفار والتفت إلى الإخبار عنهم. قال الزجاج: والصناعات لا تضر في باب الديانات.
وما أحسن ما قال: 114- "وما أنا بطارد المؤمنين" هذا جواب من نوح على ما ظهر من كلامهم من طب الطرد لهم.
115- "إن أنا إلا نذير مبين" أي ما أنا إلا نذير موضح لما أمرني الله سبحانه بإبلاغه أليكم، وهذه الجملة كالعلة لما قلبها.
116- "قالوا لئن لم تنته يا نوح لتكونن من المرجومين" أي إن لم تترك عيب ديننا وسب آلهتنا لتكونن من المرجومين بالحجارة، وقيل من المشتومين، وقيل من المقتولين، فعدلوا بعد تلك المحاورة بينهم وبين نوح إلى التجبر والتوعد فلما سمع نوح قولهم هذا.
117- "قال رب إن قومي كذبون" أي أصروا على تكذيبي، ولم يسمعوا قولي ولا أجابوا دعائي.
118- "فافتح بيني وبينهم فتحاً" الفتح الحكمك أي احكم بيني وبينهم حكماً، وقد تقدم تحقيق معنى الفتح "ونجني ومن معي من المؤمنين" فلما دعا ربه بهذا الدعاء استجاب له.
فقال: 119- "فأنجيناه ومن معه في الفلك المشحون" أي السفينة المملوءة، والشحن ملء السفينة بالناس والدواب والمتاع.
120- "ثم أغرقنا بعد الباقين" أي ثم أغرقنا بعد إنجائهم الباقين من قومه.
121- "إن في ذلك لآية" أي علامة وعبرة عظيمة "وما كان أكثرهم مؤمنين" كان زائدة عند سيبويه وغيره على ما تقدم تحقيقه.
122- " وإن ربك لهو العزيز الرحيم " أي القاهر لأعدائه. الرحيم بأوليائه.
123- "كذبت عاد المرسلين" أنث الفعل باعتبار إسناده إلى القبيلة، لأن عاداً اسم أبيهم الأعلى. ومعنى تكذيبهم المرسلين مع كونهم لم يكذبوا إلا رسولاً واحداً قد تقدم وجهه في قصة نوح قريباً.
124- "إذ قال لهم أخوهم هود ألا تتقون" الكلام فيه كالكلام في قول نوح المتقدم قريباً.
وكذا قوله: 125- "إني لكم رسول أمين".
126- "فاتقوا الله وأطيعون".
127- "وما أسألكم عليه من أجر إن أجري إلا على رب العالمين" الكلام فيه كالذي قبله سواء.
128- "أتبنون بكل ريع آية تعبثون" الريع المكان المرتفع من الأرض جمع ريعة، يقال كم ريع أرضك؟ أي كم ارتفاعها. قال أبو عبيدة: الريع الارتفاع جمع ريعة. وقال قتادة والضحاك والكلبي: الريع الطريق، وبه قال مقاتل والسدي. وإطلاق الريع على ما ارتفع من الأرض معروف عند أهل اللغة، ومنه قول ذي الرمة: طراق الخوافي مشرف فوق ريعة بذي ليلة في ريشه يترقرق وقيل الريع الجبل، واحدة ريعة، والجمع أرياع. وقال مجاهد: هو الفج بين الجبلين، وروي عنه أنه الثنية الصغيرة، وروي عنه أيضاً أنه المنظرة. ومعنى الآية: أنكم تبنون بكل مكان مرتفع علماً تعبثون ببنيانه وتلعبون بالمارة وتخسرون منهم، لأنكم تشرفون من ذلك البناء المرتفع على الطريق فتؤذون المارة وتخسرون منهم. قال الكلبي: إنه عبث العشارين بأموال من يمر بهم حكاه الماوردي. قال ابن الأعرابي: الريع الصومعة، الريع الرج يكون في الصحراء، والريع التل العالي، وفي الريع لغتان كسر الراء وفتحها.
129- "وتتخذون مصانع" المصانع: هي الأبنية التي يتخذها الناس منازل. قال أبو عبيدة: كل بناء مصنعة منه وبه قال الكلبي وغيره، منه قول الشاعر: تركن ديارهم منهم قفارا وهد من المصانع والبروجا وقيل هي الحصون المشيدة، قاله مجاهد وغيره، وقال الزجاج: إنها مصانع الماء التي تجعل تحت الأرض واحدتها مصنعة ومصنع، ومنه قول لبيد: بلينا وما تبلى النجوم الطوالع وتبقى الجبال بعدنا والمصانع وليس في هذا البيت ما يدل صريحاً على ما قاله الزجاج، ولكنه قال الجوهري: المصنعة بضم النون الحوض يجمع فيه ماء المطر، والمصانع الحصون. وقال عبد الرزاق: المصانع عندنا بلغة اليمن القصور العالية. ومعنى "لعلكم تخلدون" راجين أن تخلدوا، وقيل إن لعل هنا للاستفهام التوبيخي: أي هل تخلدون، كقولهم لعلك تشتمني: أي هل تشتمني. وقال الفراء: كي تخلدون ولا تتفكرون في الموت، وقيل المعنى: كأنكم باقون مخلدون. قرأ الجمهور "تخلدون" مخففاً. وقرأ قتادة بالتشديد. وحكى النحاس أن في بعض القراءات كأنكم مخلدون وقرأ ابن مسعود كي تخلدوا.
130- "وإذا بطشتم بطشتم جبارين" البطش السطوة والأخذ بالعنف. قال مجاهد وغيره: البطش العسف قتلاً بالسيف وضرباً بالسوط. والمعنتى: فعلتم ذلك ظلماً، وقيل هو القتل على العصب قاله الحسن والكلبي. قيل والتقدير: وإذا أردتم البطش، لئلا يتحد الشرط والجزاء، وانتصاب جبارين على الحال. قال الزجاج: إنما أنكر عليهم ذلك لأنه ظلم، وأما في الحق فالبطش بالسوط والسيف جائز. ثم لما وصفهم بهذه الأوصاف القبيحة الدالة على الظلم والعتو التمرد والتجبر أمرهم بالتقوى.
131- "فاتقوا الله وأطيعون" أجمل التقوى ثم فصلها.
بقوله: 132- " واتقوا الذي أمدكم بما تعلمون ".
133- "أمدكم بأنعام وبنين" وأعاد الفعل للتقرير والتأكيد.
134- "وجنات وعيون" أي بساتين وأنهار وأبيار. ثم وعظهم وحذرهم.
فقال: 135- "إني أخاف عليكم عذاب يوم عظيم" إن كفرتم وأصررتم على ما أنتم فيه ولم تشكروا هذه النعم، والمراد بالعذاب العظيم الدنيوي والأخروي. وقد أخرج ابن المنذر عن ابن عباس "قالوا أنؤمن لك" أي أنصدقك؟. وأخرج ابن أبي حاتم عن مجاهد "واتبعك الأرذلون" قال: الحواكون. وأخرج أيضاً عن قتادة قال: سفلة الناس وأراذلهم. وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن عباس "الفلك المشحون" قال: الممتلئ. وأخرج ابن أبي شيبة وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عنه أنه قال أتدرون ما المشحون؟ قلنا لا، قال: هو الموقر. وأخرج ابن جرير عنه أيضاً قال: هو المثقل. وأخرج ابن جرير عنه أيضاً "بكل ريع" قال: طريق "آية" قال: علماً "تعبثون" قال: تلعبون. وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عنه أيضاً "بكل ريع" قال: شرف. وأخرجوا أيضاً عنه "لعلكم تخلدون" قال: كأنكم تخلدون. وأخرج ابن أبي حاتم عنه أيضاً "جبارين" قال: أقوياء.
أي وعظك وعدمه "سواء" عندنا لا نبالي بشيء منه ولا نلتفت إلى ما تقوله. وقد روى العباس عن أبي عمرو، وروى بشر عن الكسائي "أوعظت" بإدغام الظاء في التاء وهو بعيد، لان حرف الظاء حرف إطباق إنما يدغم فيما قرب منه جداً. وروي ذلك عن عاصم والأعمش وابن محيصن. وقرأ الباقون بإظهار الظاء.