سورة القصص | للقراءة من المصحف بخط كبير واضح
استماع mp3 | الجلالين&الميسر | تفسير الشوكاني |
إعراب الصفحة | تفسير ابن كثير | تفسير القرطبي |
التفسير المختصر | تفسير الطبري | تفسير السعدي |
تفسير السعدي تفسير الصفحة 388 من المصحف
وَلَمَّا تَوَجَّهَ تِلْقَاءَ مَدْيَنَ أي: قاصدا بوجهه مدين، وهو جنوبي فلسطين، حيث لا ملك لفرعون، قَالَ عَسَى رَبِّي أَنْ يَهْدِيَنِي سَوَاءَ السَّبِيلِ أي: وسط الطريق المختصر، الموصل إليها بسهولة ورفق، فهداه اللّه سواء السبيل، فوصل إلى مدين.
وَلَمَّا وَرَدَ مَاءَ مَدْيَنَ وَجَدَ عَلَيْهِ أُمَّةً مِنَ النَّاسِ يَسْقُونَ مواشيهم، وكانوا أهل ماشية كثيرة وَوَجَدَ مِنْ دُونِهِمُ أي: دون تلك الأمة امْرَأتَيْنِ تَذُودَانِ غنمهما عن حياض الناس، لعجزهما عن مزاحمة الرجال وبخلهم، وعدم مروءتهم عن السقي لهما.
قَالَ لهما موسى مَا خَطْبُكُمَا أي: ما شأنكما بهذه الحالة، قَالَتَا لا نَسْقِي حَتَّى يُصْدِرَ الرِّعَاءُ أي: قد جرت العادة أنه لا يحصل لنا سقي حتى يصدر الرعاء مواشيهم، فإذا خلا لنا الجو سقينا، وَأَبُونَا شَيْخٌ كَبِيرٌ أي: لا قوة له على السقي، فليس فينا قوة، نقتدر بها، ولا لنا رجال يزاحمون الرعاء.
فرق لهما موسى عليه السلام ورحمهما فَسَقَى لَهُمَا غير طالب منهما الأجرة، ولا له قصد غير وجه اللّه تعالى، فلما سقى لهما، وكان ذلك وقت شدة حر، وسط النهار، بدليل قوله: ثُمَّ تَوَلَّى إِلَى الظِّلِّ مستريحا لذلك الظلال بعد التعب.
فَقَالَ في تلك الحالة، مسترزقا ربه رَبِّ إِنِّي لِمَا أَنْزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ أي: إني مفتقر للخير الذي تسوقه إليَّ وتيسره لي. وهذا سؤال منه بحاله، والسؤال بالحال أبلغ من السؤال بلسان المقال، فلم يزل في هذه الحالة داعيا ربه متملقا. وأما المرأتان، فذهبتا إلى أبيهما، وأخبرتاه بما جرى.
فأرسل أبوهما إحداهما إلى موسى، فجاءته تَمْشِي عَلَى اسْتِحْيَاءٍ وهذا يدل على كرم عنصرها، وخلقها الحسن، فإن الحياء من الأخلاق الفاضلة، وخصوصا في النساء.
ويدل على أن موسى عليه السلام، لم يكن فيما فعله من السقي بمنزلة الأجير والخادم الذي لا يستحى منه عادة، وإنما هو عزيز النفس، رأت من حسن خلقه ومكارم أخلاقه، ما أوجب لها الحياء منه، فـ قَالَتْ له: إِنَّ أَبِي يَدْعُوكَ لِيَجْزِيَكَ أَجْرَ مَا سَقَيْتَ لَنَا أي: لا لِيمُنَّ عليك، بل أنت الذي ابتدأتنا بالإحسان، وإنما قصده أن يكافئك على إحسانك، فأجابها موسى.
فَلَمَّا جَاءَهُ وَقَصَّ عَلَيْهِ الْقَصَصَ من ابتداء السبب الموجب لهربه، إلى أن وصل إليه قَالَ مسكنا روعه، جابرا قلبه: لا تَخَفْ نَجَوْتَ مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ أي: ليذهب خوفك وروعك، فإن اللّه نجاك منهم، حيث وصلت إلى هذا المحل، الذي ليس لهم عليه سلطان.
قَالَتْ إِحْدَاهُمَا أي: إحدى ابنتيه يَا أَبَتِ اسْتَأْجِرْهُ أي: اجعله أجيرا عندك، يرعى الغنم ويسقيها، إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الأَمِينُ أي: إن موسى أولى من استؤجر، فإنه جمع القوة والأمانة، وخير أجير استؤجر، من جمعهما، أي: القوة والقدرة على ما استؤجر عليه، والأمانة فيه بعدم الخيانة، وهذان الوصفان، ينبغي اعتبارهما في كل من يتولى للإنسان عملا بإجارة أو غيرها.
فإن الخلل لا يكون إلا بفقدهما أو فقد إحداهما، وأما باجتماعهما، فإن العمل يتم ويكمل، وإنما قالت ذلك، لأنها شاهدت من قوة موسى عند السقي لهما ونشاطه، ما عرفت به قوته، وشاهدت من أمانته وديانته، وأنه رحمهما في حالة لا يرجى نفعهما، وإنما قصده [ بذلك ] وجه اللّه تعالى.
قَالَ صاحب مدين لموسى إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أُنْكِحَكَ إِحْدَى ابْنَتَيَّ هَاتَيْنِ عَلَى أَنْ تَأْجُرَنِي أي تصير أجيرا عندي ثَمَانِيَ حِجَجٍ أي: ثماني سنين. فَإِنْ أَتْمَمْتَ عَشْرًا فَمِنْ عِنْدِكَ تبرع منك، لا شيء واجب عليك. وَمَا أُرِيدُ أَنْ أَشُقَّ عَلَيْكَ فأحتم عشر السنين، أو ما أريد أن أستأجرك لأكلفك أعمالا شاقة، وإنما استأجرك لعمل سهل يسير لا مشقة فيه سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّالِحِينَ فرغبه في سهولة العمل، وفي حسن المعاملة، وهذا يدل على أن الرجل الصالح، ينبغي له أن يحسن خلقه مهما أمكنه، وأن الذي يطلب منه، أبلغ من غيره.
فـ قَالَ موسى عليه السلام - مجيبا له فيما طلبه منه- : ذَلِكَ بَيْنِي وَبَيْنَكَ أي: هذا الشرط، الذي أنت ذكرت، رضيت به، وقد تم فيما بيني وبينك. أَيَّمَا الأَجَلَيْنِ قَضَيْتُ فَلا عُدْوَانَ عَلَيَّ سواء قضيت الثماني الواجبة، أم تبرعت بالزائد عليها وَاللَّهُ عَلَى مَا نَقُولُ وَكِيلٌ حافظ يراقبنا، ويعلم ما تعاقدنا عليه.
وهذا الرجل، أبو المرأتين، صاحب مدين، ليس بشعيب النبي المعروف، كما اشتهر عند كثير من الناس، فإن هذا، قول لم يدل عليه دليل، وغاية ما يكون، أن شعيبا عليه السلام، قد كانت بلده مدين، وهذه القضية جرت في مدين، فأين الملازمة بين الأمرين؟
وأيضا، فإنه غير معلوم أن موسى أدرك زمان شعيب، فكيف بشخصه؟ « ولو كان ذلك الرجل شعيبا، لذكره اللّه تعالى، ولسمته المرأتان، وأيضا فإن شعيبا عليه الصلاة والسلام، قد أهلك اللّه قومه بتكذيبهم إياه، ولم يبق إلا من آمن به، وقد أعاذ اللّه المؤمنين أن يرضوا لبنتي نبيهم، بمنعهما عن الماء، وصد ماشيتهما، حتى يأتيهما رجل غريب، فيحسن إليهما، ويسقي ماشيتهما، وما كان شعيب، ليرضى أن يرعى موسى عنده ويكون خادما له، وهو أفضل منه وأعلى درجة، والله أعلم، [ إلا أن يقال: هذا قبل نبوة موسى فلا منافاة وعلى كل حال لا يعتمد على أنه شعيب النبي بغير نقل صحيح عن النبي صلى اللّه عليه وسلم ]
»
وَلَمَّا وَرَدَ مَاءَ مَدْيَنَ وَجَدَ عَلَيْهِ أُمَّةً مِنَ النَّاسِ يَسْقُونَ مواشيهم، وكانوا أهل ماشية كثيرة وَوَجَدَ مِنْ دُونِهِمُ أي: دون تلك الأمة امْرَأتَيْنِ تَذُودَانِ غنمهما عن حياض الناس، لعجزهما عن مزاحمة الرجال وبخلهم، وعدم مروءتهم عن السقي لهما.
قَالَ لهما موسى مَا خَطْبُكُمَا أي: ما شأنكما بهذه الحالة، قَالَتَا لا نَسْقِي حَتَّى يُصْدِرَ الرِّعَاءُ أي: قد جرت العادة أنه لا يحصل لنا سقي حتى يصدر الرعاء مواشيهم، فإذا خلا لنا الجو سقينا، وَأَبُونَا شَيْخٌ كَبِيرٌ أي: لا قوة له على السقي، فليس فينا قوة، نقتدر بها، ولا لنا رجال يزاحمون الرعاء.
فرق لهما موسى عليه السلام ورحمهما فَسَقَى لَهُمَا غير طالب منهما الأجرة، ولا له قصد غير وجه اللّه تعالى، فلما سقى لهما، وكان ذلك وقت شدة حر، وسط النهار، بدليل قوله: ثُمَّ تَوَلَّى إِلَى الظِّلِّ مستريحا لذلك الظلال بعد التعب.
فَقَالَ في تلك الحالة، مسترزقا ربه رَبِّ إِنِّي لِمَا أَنْزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ أي: إني مفتقر للخير الذي تسوقه إليَّ وتيسره لي. وهذا سؤال منه بحاله، والسؤال بالحال أبلغ من السؤال بلسان المقال، فلم يزل في هذه الحالة داعيا ربه متملقا. وأما المرأتان، فذهبتا إلى أبيهما، وأخبرتاه بما جرى.
فأرسل أبوهما إحداهما إلى موسى، فجاءته تَمْشِي عَلَى اسْتِحْيَاءٍ وهذا يدل على كرم عنصرها، وخلقها الحسن، فإن الحياء من الأخلاق الفاضلة، وخصوصا في النساء.
ويدل على أن موسى عليه السلام، لم يكن فيما فعله من السقي بمنزلة الأجير والخادم الذي لا يستحى منه عادة، وإنما هو عزيز النفس، رأت من حسن خلقه ومكارم أخلاقه، ما أوجب لها الحياء منه، فـ قَالَتْ له: إِنَّ أَبِي يَدْعُوكَ لِيَجْزِيَكَ أَجْرَ مَا سَقَيْتَ لَنَا أي: لا لِيمُنَّ عليك، بل أنت الذي ابتدأتنا بالإحسان، وإنما قصده أن يكافئك على إحسانك، فأجابها موسى.
فَلَمَّا جَاءَهُ وَقَصَّ عَلَيْهِ الْقَصَصَ من ابتداء السبب الموجب لهربه، إلى أن وصل إليه قَالَ مسكنا روعه، جابرا قلبه: لا تَخَفْ نَجَوْتَ مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ أي: ليذهب خوفك وروعك، فإن اللّه نجاك منهم، حيث وصلت إلى هذا المحل، الذي ليس لهم عليه سلطان.
قَالَتْ إِحْدَاهُمَا أي: إحدى ابنتيه يَا أَبَتِ اسْتَأْجِرْهُ أي: اجعله أجيرا عندك، يرعى الغنم ويسقيها، إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الأَمِينُ أي: إن موسى أولى من استؤجر، فإنه جمع القوة والأمانة، وخير أجير استؤجر، من جمعهما، أي: القوة والقدرة على ما استؤجر عليه، والأمانة فيه بعدم الخيانة، وهذان الوصفان، ينبغي اعتبارهما في كل من يتولى للإنسان عملا بإجارة أو غيرها.
فإن الخلل لا يكون إلا بفقدهما أو فقد إحداهما، وأما باجتماعهما، فإن العمل يتم ويكمل، وإنما قالت ذلك، لأنها شاهدت من قوة موسى عند السقي لهما ونشاطه، ما عرفت به قوته، وشاهدت من أمانته وديانته، وأنه رحمهما في حالة لا يرجى نفعهما، وإنما قصده [ بذلك ] وجه اللّه تعالى.
قَالَ صاحب مدين لموسى إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أُنْكِحَكَ إِحْدَى ابْنَتَيَّ هَاتَيْنِ عَلَى أَنْ تَأْجُرَنِي أي تصير أجيرا عندي ثَمَانِيَ حِجَجٍ أي: ثماني سنين. فَإِنْ أَتْمَمْتَ عَشْرًا فَمِنْ عِنْدِكَ تبرع منك، لا شيء واجب عليك. وَمَا أُرِيدُ أَنْ أَشُقَّ عَلَيْكَ فأحتم عشر السنين، أو ما أريد أن أستأجرك لأكلفك أعمالا شاقة، وإنما استأجرك لعمل سهل يسير لا مشقة فيه سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّالِحِينَ فرغبه في سهولة العمل، وفي حسن المعاملة، وهذا يدل على أن الرجل الصالح، ينبغي له أن يحسن خلقه مهما أمكنه، وأن الذي يطلب منه، أبلغ من غيره.
فـ قَالَ موسى عليه السلام - مجيبا له فيما طلبه منه- : ذَلِكَ بَيْنِي وَبَيْنَكَ أي: هذا الشرط، الذي أنت ذكرت، رضيت به، وقد تم فيما بيني وبينك. أَيَّمَا الأَجَلَيْنِ قَضَيْتُ فَلا عُدْوَانَ عَلَيَّ سواء قضيت الثماني الواجبة، أم تبرعت بالزائد عليها وَاللَّهُ عَلَى مَا نَقُولُ وَكِيلٌ حافظ يراقبنا، ويعلم ما تعاقدنا عليه.
وهذا الرجل، أبو المرأتين، صاحب مدين، ليس بشعيب النبي المعروف، كما اشتهر عند كثير من الناس، فإن هذا، قول لم يدل عليه دليل، وغاية ما يكون، أن شعيبا عليه السلام، قد كانت بلده مدين، وهذه القضية جرت في مدين، فأين الملازمة بين الأمرين؟
وأيضا، فإنه غير معلوم أن موسى أدرك زمان شعيب، فكيف بشخصه؟ « ولو كان ذلك الرجل شعيبا، لذكره اللّه تعالى، ولسمته المرأتان، وأيضا فإن شعيبا عليه الصلاة والسلام، قد أهلك اللّه قومه بتكذيبهم إياه، ولم يبق إلا من آمن به، وقد أعاذ اللّه المؤمنين أن يرضوا لبنتي نبيهم، بمنعهما عن الماء، وصد ماشيتهما، حتى يأتيهما رجل غريب، فيحسن إليهما، ويسقي ماشيتهما، وما كان شعيب، ليرضى أن يرعى موسى عنده ويكون خادما له، وهو أفضل منه وأعلى درجة، والله أعلم، [ إلا أن يقال: هذا قبل نبوة موسى فلا منافاة وعلى كل حال لا يعتمد على أنه شعيب النبي بغير نقل صحيح عن النبي صلى اللّه عليه وسلم ]
»
الصفحة رقم 388 من المصحف تحميل و استماع mp3