سورة النازعات | للقراءة من المصحف بخط كبير واضح
استماع mp3 | الجلالين&الميسر | تفسير الشوكاني |
إعراب الصفحة | تفسير ابن كثير | تفسير القرطبي |
التفسير المختصر | تفسير الطبري | تفسير السعدي |
تفسير السعدي تفسير الصفحة 584 من المصحف
( فَقُلْ ) له: ( هَلْ لَكَ إِلَى أَنْ تَزَكَّى ) أي: هل لك في خصلة حميدة، ومحمدة جميلة، يتنافس فيها أولو الألباب، وهي أن تزكي نفسك وتطهرها من دنس الكفر والطغيان، إلى الإيمان والعمل الصالح؟
( وَأَهْدِيَكَ إِلَى رَبِّكَ ) أي: أدلك عليه، وأبين لك مواقع رضاه، من مواقع سخطه. ( فَتَخْشَى ) الله إذا علمت الصراط المستقيم، فامتنع فرعون مما دعاه إليه موسى.
( فَأَرَاهُ الآيَةَ الْكُبْرَى ) أي: جنس الآية الكبرى، فلا ينافي تعددها فَأَلْقَى عَصَاهُ فَإِذَا هِيَ ثُعْبَانٌ مُبِينٌ * وَنَزَعَ يَدَهُ فَإِذَا هِيَ بَيْضَاءُ لِلنَّاظِرِينَ
( فَكَذَّبَ ) بالحق ( وَعَصَى ) الأمر، ( ثُمَّ أَدْبَرَ يَسْعَى ) أي: يجتهد في مبارزة الحق ومحاربته، ( فَحَشَرَ ) جنوده أي: جمعهم ( فَنَادَى * فَقَالَ ) لهم: ( أَنَا رَبُّكُمُ الأعْلَى ) فأذعنوا له وأقروا بباطله حين استخفهم، ( فَأَخَذَهُ اللَّهُ نَكَالَ الآخِرَةِ وَالأولَى ) أي: صارت عقوبته دليلا وزاجرا، ومبينة لعقوبة الدنيا والآخرة، ( إِنَّ فِي ذَلِكَ لَعِبْرَةً لِمَنْ يَخْشَى ) فإن من يخشى الله هو الذي ينتفع بالآيات والعبر، فإذا رأى عقوبة فرعون، عرف أن كل من تكبر وعصى، وبارز الملك الأعلى، عاقبه في الدنيا والآخرة، وأما من ترحلت خشية الله من قلبه، فلو جاءته كل آية لم يؤمن [ بها ] .
( رَفَعَ سَمْكَهَا ) أي: جرمها وصورتها، ( فَسَوَّاهَا ) بإحكام وإتقان يحير العقول، ويذهل الألباب، ( وَأَغْطَشَ لَيْلَهَا ) أي: أظلمه، فعمت الظلمة [ جميع ] أرجاء السماء، فأظلم وجه الأرض، ( وَأَخْرَجَ ضُحَاهَا ) أي: أظهر فيه النور العظيم، حين أتى بالشمس، فامتد الناس في مصالح دينهم ودنياهم.
( وَالأرْضَ بَعْدَ ذَلِكَ ) أي: بعد خلق السماء ( دَحَاهَا ) أي: أودع فيها منافعها.
وفسر ذلك بقوله: ( أَخْرَجَ مِنْهَا مَاءَهَا وَمَرْعَاهَا * وَالْجِبَالَ أَرْسَاهَا ) أي: ثبتها في الأرض. فدحى الأرض بعد خلق السماء، كما هو نص هذه الآيات [ الكريمة ] . وأما خلق نفس الأرض، فمتقدم على خلق السماء كما قال تعالى: قُلْ أَئِنَّكُمْ لَتَكْفُرُونَ بِالَّذِي خَلَقَ الأَرْضَ فِي يَوْمَيْنِ إلى أن قال: ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ وَهِيَ دُخَانٌ فَقَالَ لَهَا وَلِلأَرْضِ ائْتِيَا طَوْعًا أَوْ كَرْهًا قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ فالذي خلق السماوات العظام وما فيها من الأنوار والأجرام، والأرض الكثيفة الغبراء، وما فيها من ضروريات الخلق ومنافعهم، لا بد أن يبعث الخلق المكلفين، فيجازيهم على أعمالهم، فمن أحسن فله الحسنى، ومن أساء فلا يلومن إلا نفسه، ولهذا ذكر بعد هذا القيام الجزاء ، فقال:
ويعلم إذ ذاك أن مادة ربحه وخسرانه ما سعاه في الدنيا، وينقطع كل سبب ووصلة كانت في الدنيا سوى الأعمال.
( وَبُرِّزَتِ الْجَحِيمُ لِمَنْ يَرَى ) أي: جعلت في البراز، ظاهرة لكل أحد، قد برزت لأهلها، واستعدت لأخذهم، منتظرة لأمر ربها.
( فَأَمَّا مَنْ طَغَى ) أي: جاوز الحد، بأن تجرأ على المعاصي الكبار، ولم يقتصر على ما حده الله.
( وَآثَرَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا ) على الآخرة فصار سعيه لها، ووقته مستغرقا في حظوظها وشهواتها، ونسي الآخرة وترك العمل لها. ( فَإِنَّ الْجَحِيمَ هِيَ الْمَأْوَى ) [ له ] أي: المقر والمسكن لمن هذه حاله، ( وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ ) أي: خاف القيام عليه ومجازاته بالعدل، فأثر هذا الخوف في قلبه فنهى نفسه عن هواها الذي يقيدها عن طاعة الله، وصار هواه تبعا لما جاء به الرسول، وجاهد الهوى والشهوة الصادين عن الخير، ( فَإِنَّ الْجَنَّةَ ) [ المشتملة على كل خير وسرور ونعيم ] ( هِيَ الْمَأْوَى ) لمن هذا وصفه.
إِذْ نَادَاهُ رَبُّهُ بِالْوَادِ الْمُقَدَّسِ طُوًى ( 16 ) اذْهَبْ إِلَى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى ( 17 ) فَقُلْ هَلْ لَكَ إِلَى أَنْ تَزَكَّى ( 18 ) وَأَهْدِيَكَ إِلَى رَبِّكَ فَتَخْشَى ( 19 ) فَأَرَاهُ الآيَةَ الْكُبْرَى ( 20 ) فَكَذَّبَ وَعَصَى ( 21 ) ثُمَّ أَدْبَرَ يَسْعَى ( 22 ) فَحَشَرَ فَنَادَى ( 23 ) فَقَالَ أَنَا رَبُّكُمُ الأَعْلَى ( 24 ) فَأَخَذَهُ اللَّهُ نَكَالَ الآخِرَةِ وَالأُولَى ( 25 ) إِنَّ فِي ذَلِكَ لَعِبْرَةً لِمَنْ يَخْشَى ( 26 ) .
( إِذْ نَادَاهُ رَبُّهُ بِالْوَادِ الْمُقَدَّسِ طُوًى ) وهو المحل الذي كلمه الله فيه، وامتن عليه بالرسالة، واختصه بالوحي والاجتباء فقال له ( اذْهَبْ إِلَى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى ) أي: فانهه عن طغيانه وشركه وعصيانه، بقول لين، وخطاب لطيف، لعله يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى ( فَقُلْ ) له: ( هَلْ لَكَ إِلَى أَنْ تَزَكَّى ) أي: هل لك في خصلة حميدة، ومحمدة جميلة، يتنافس فيها أولو الألباب، وهي أن تزكي نفسك وتطهرها من دنس الكفر والطغيان، إلى الإيمان والعمل الصالح؟
( وَأَهْدِيَكَ إِلَى رَبِّكَ ) أي: أدلك عليه، وأبين لك مواقع رضاه، من مواقع سخطه. ( فَتَخْشَى ) الله إذا علمت الصراط المستقيم، فامتنع فرعون مما دعاه إليه موسى.
( فَأَرَاهُ الآيَةَ الْكُبْرَى ) أي: جنس الآية الكبرى، فلا ينافي تعددها فَأَلْقَى عَصَاهُ فَإِذَا هِيَ ثُعْبَانٌ مُبِينٌ * وَنَزَعَ يَدَهُ فَإِذَا هِيَ بَيْضَاءُ لِلنَّاظِرِينَ
( فَكَذَّبَ ) بالحق ( وَعَصَى ) الأمر، ( ثُمَّ أَدْبَرَ يَسْعَى ) أي: يجتهد في مبارزة الحق ومحاربته، ( فَحَشَرَ ) جنوده أي: جمعهم ( فَنَادَى * فَقَالَ ) لهم: ( أَنَا رَبُّكُمُ الأعْلَى ) فأذعنوا له وأقروا بباطله حين استخفهم، ( فَأَخَذَهُ اللَّهُ نَكَالَ الآخِرَةِ وَالأولَى ) أي: صارت عقوبته دليلا وزاجرا، ومبينة لعقوبة الدنيا والآخرة، ( إِنَّ فِي ذَلِكَ لَعِبْرَةً لِمَنْ يَخْشَى ) فإن من يخشى الله هو الذي ينتفع بالآيات والعبر، فإذا رأى عقوبة فرعون، عرف أن كل من تكبر وعصى، وبارز الملك الأعلى، عاقبه في الدنيا والآخرة، وأما من ترحلت خشية الله من قلبه، فلو جاءته كل آية لم يؤمن [ بها ] .
أَأَنْتُمْ أَشَدُّ خَلْقًا أَمِ السَّمَاءُ بَنَاهَا ( 27 ) رَفَعَ سَمْكَهَا فَسَوَّاهَا ( 28 ) وَأَغْطَشَ لَيْلَهَا وَأَخْرَجَ ضُحَاهَا ( 29 ) وَالأَرْضَ بَعْدَ ذَلِكَ دَحَاهَا ( 30 ) أَخْرَجَ مِنْهَا مَاءَهَا وَمَرْعَاهَا ( 31 ) وَالْجِبَالَ أَرْسَاهَا ( 32 ) مَتَاعًا لَكُمْ وَلأَنْعَامِكُمْ ( 33 ) .
يقول تعالى مبينا دليلا واضحا لمنكري البعث ومستبعدي إعادة الله للأجساد: ( أَأَنْتُمْ ) أيها البشر ( أَشَدُّ خَلْقًا أَمِ السَّمَاءُ ) ذات الجرم العظيم، والخلق القوي، والارتفاع الباهر ( بَنَاهَا ) الله. ( رَفَعَ سَمْكَهَا ) أي: جرمها وصورتها، ( فَسَوَّاهَا ) بإحكام وإتقان يحير العقول، ويذهل الألباب، ( وَأَغْطَشَ لَيْلَهَا ) أي: أظلمه، فعمت الظلمة [ جميع ] أرجاء السماء، فأظلم وجه الأرض، ( وَأَخْرَجَ ضُحَاهَا ) أي: أظهر فيه النور العظيم، حين أتى بالشمس، فامتد الناس في مصالح دينهم ودنياهم.
( وَالأرْضَ بَعْدَ ذَلِكَ ) أي: بعد خلق السماء ( دَحَاهَا ) أي: أودع فيها منافعها.
وفسر ذلك بقوله: ( أَخْرَجَ مِنْهَا مَاءَهَا وَمَرْعَاهَا * وَالْجِبَالَ أَرْسَاهَا ) أي: ثبتها في الأرض. فدحى الأرض بعد خلق السماء، كما هو نص هذه الآيات [ الكريمة ] . وأما خلق نفس الأرض، فمتقدم على خلق السماء كما قال تعالى: قُلْ أَئِنَّكُمْ لَتَكْفُرُونَ بِالَّذِي خَلَقَ الأَرْضَ فِي يَوْمَيْنِ إلى أن قال: ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ وَهِيَ دُخَانٌ فَقَالَ لَهَا وَلِلأَرْضِ ائْتِيَا طَوْعًا أَوْ كَرْهًا قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ فالذي خلق السماوات العظام وما فيها من الأنوار والأجرام، والأرض الكثيفة الغبراء، وما فيها من ضروريات الخلق ومنافعهم، لا بد أن يبعث الخلق المكلفين، فيجازيهم على أعمالهم، فمن أحسن فله الحسنى، ومن أساء فلا يلومن إلا نفسه، ولهذا ذكر بعد هذا القيام الجزاء ، فقال:
فَإِذَا جَاءَتِ الطَّامَّةُ الْكُبْرَى ( 34 ) يَوْمَ يَتَذَكَّرُ الإِنْسَانُ مَا سَعَى ( 35 ) وَبُرِّزَتِ الْجَحِيمُ لِمَنْ يَرَى ( 36 ) فَأَمَّا مَنْ طَغَى ( 37 ) وَآثَرَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا ( 38 ) فَإِنَّ الْجَحِيمَ هِيَ الْمَأْوَى ( 39 ) وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى ( 40 ) فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَى ( 41 )
أي: إذا جاءت القيامة الكبرى، والشدة العظمى، التي يهون عندها كل شدة، فحينئذ يذهل الوالد عن ولده، والصاحب عن صاحبه [ وكل محب عن حبيبه ] . و ( يَتَذَكَّرُ الإنْسَانُ مَا سَعَى ) في الدنيا، من خير وشر، فيتمنى زيادة مثقال ذرة في حسناته، ويغمه ويحزن لزيادة مثقال ذرة في سيئاته. ويعلم إذ ذاك أن مادة ربحه وخسرانه ما سعاه في الدنيا، وينقطع كل سبب ووصلة كانت في الدنيا سوى الأعمال.
( وَبُرِّزَتِ الْجَحِيمُ لِمَنْ يَرَى ) أي: جعلت في البراز، ظاهرة لكل أحد، قد برزت لأهلها، واستعدت لأخذهم، منتظرة لأمر ربها.
( فَأَمَّا مَنْ طَغَى ) أي: جاوز الحد، بأن تجرأ على المعاصي الكبار، ولم يقتصر على ما حده الله.
( وَآثَرَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا ) على الآخرة فصار سعيه لها، ووقته مستغرقا في حظوظها وشهواتها، ونسي الآخرة وترك العمل لها. ( فَإِنَّ الْجَحِيمَ هِيَ الْمَأْوَى ) [ له ] أي: المقر والمسكن لمن هذه حاله، ( وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ ) أي: خاف القيام عليه ومجازاته بالعدل، فأثر هذا الخوف في قلبه فنهى نفسه عن هواها الذي يقيدها عن طاعة الله، وصار هواه تبعا لما جاء به الرسول، وجاهد الهوى والشهوة الصادين عن الخير، ( فَإِنَّ الْجَنَّةَ ) [ المشتملة على كل خير وسرور ونعيم ] ( هِيَ الْمَأْوَى ) لمن هذا وصفه.
يَسْأَلُونَكَ عَنِ السَّاعَةِ أَيَّانَ مُرْسَاهَا ( 42 ) فِيمَ أَنْتَ مِنْ ذِكْرَاهَا ( 43 ) إِلَى رَبِّكَ مُنْتَهَاهَا ( 44 ) إِنَّمَا أَنْتَ مُنْذِرُ مَنْ يَخْشَاهَا ( 45 ) كَأَنَّهُمْ يَوْمَ يَرَوْنَهَا لَمْ يَلْبَثُوا إِلا عَشِيَّةً أَوْ ضُحَاهَا ( 46 ) .
أي: يسألك المتعنتون المكذبون بالبعث ( عَنِ السَّاعَةِ ) متى وقوعها و ( أَيَّانَ مُرْسَاهَا ) فأجابهم الله بقوله: ( فِيمَ أَنْتَ مِنْ ذِكْرَاهَا ) أي: ما الفائدة لك ولهم في ذكرها ومعرفة وقت مجيئها؟ فليس تحت ذلك نتيجة، ولهذا لما كان علم العباد للساعة ليس لهم فيه مصلحة دينية ولا دنيوية، بل المصلحة في خفائه عليهم، طوى علم ذلك عن جميع الخلق، واستأثر بعلمه فقال: ( إِلَى رَبِّكَ مُنْتَهَاهَا ) أي: إليه ينتهي علمها، كما قال في الآية الأخرى: يَسْأَلُونَكَ عَنِ السَّاعَةِ أَيَّانَ مُرْسَاهَا قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِنْدَ رَبِّي لا يُجَلِّيهَا لِوَقْتِهَا إِلا هُوَ ثَقُلَتْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ لا تَأْتِيكُمْ إِلا بَغْتَةً يَسْأَلُونَكَ كَأَنَّكَ حَفِيٌّ عَنْهَا قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِنْدَ اللَّهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ . ( إِنَّمَا أَنْتَ مُنْذِرُ مَنْ يَخْشَاهَا ) أي: إنما نذارتك [ نفعها ] لمن يخشى مجيء الساعة، ويخاف الوقوف بين يديه، فهم الذين لا يهمهم سوى الاستعداد لها والعمل لأجلها. وأما من لا يؤمن بها، فلا يبالي به ولا بتعنته، لأنه تعنت مبني على العناد والتكذيب، وإذا وصل إلى هذه الحال، كان الإجابة عنه عبثا، ينزه الحكيم عنه [ تمت ] والحمد لله رب العالمين.
الصفحة رقم 584 من المصحف تحميل و استماع mp3