تفسير ابن كثير تفسير الصفحة 122 من المصحف



تفسير ابن كثير - صفحة القرآن رقم 122

122 : تفسير الصفحة رقم 122 من القرآن الكريم

** لَتَجِدَنّ أَشَدّ النّاسِ عَدَاوَةً لّلّذِينَ آمَنُواْ الْيَهُودَ وَالّذِينَ أَشْرَكُواْ وَلَتَجِدَنّ أَقْرَبَهُمْ مّوَدّةً لّلّذِينَ آمَنُواْ الّذِينَ قَالُوَاْ إِنّا نَصَارَىَ ذَلِكَ بِأَنّ مِنْهُمْ قِسّيسِينَ وَرُهْبَاناً وَأَنّهُمْ لاَ يَسْتَكْبِرُونَ * وَإِذَا سَمِعُواْ مَآ أُنزِلَ إِلَى الرّسُولِ تَرَىَ أَعْيُنَهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدّمْعِ مِمّا عَرَفُواْ مِنَ الْحَقّ يَقُولُونَ رَبّنَآ آمَنّا فَاكْتُبْنَا مَعَ الشّاهِدِينَ * وَمَا لَنَا لاَ نُؤْمِنُ بِاللّهِ وَمَا جَآءَنَا مِنَ الْحَقّ وَنَطْمَعُ أَن يُدْخِلَنَا رَبّنَا مَعَ الْقَوْمِ الصّالِحِينَ * فَأَثَابَهُمُ اللّهُ بِمَا قَالُواْ جَنّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَذَلِكَ جَزَآءُ الْمُحْسِنِينَ * وَالّذِينَ كَفَرُواْ وَكَذّبُواْ بِآيَاتِنَآ أُوْلَـَئِكَ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ
قال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس: نزلت هذه الاَيات في النجاشي وأصحابه الذين حين تلا عليهم جعفر بن أبي طالب بالحبشة القرآن, بكوا حتى أخضلوا لحاهم, وهذا القول فيه نظر, لأن هذه الاَية مدنية, وقصة جعفر مع النجاشي قبل الهجرة. وقال سعيد بن جبير والسدي وغيرهما: نزلت في وفد بعثهم النجاشي إلى النبي صلى الله عليه وسلم ليسمعوا كلامه ويروا صفاته, فلما رأوه وقرأ عليهم القرآن أسلموا وبكوا وخشعوا, ثم رجعوا إلى)النجاشي فأخبروه. قال السدي: فهاجر النجاشي فمات بالطريق. وهذا من أفراد السدي, فإن النجاشي مات وهو ملك الحبشة, وصلى عليه النبي صلى الله عليه وسلم يوم مات, وأخبر به أصحابه, وأخبر أنه مات بأرض الحبشة. ثم اختلف في عدة هذا الوفد, فقيل: اثنا عشر: سبعة قساوسة وخمسة رهابين. وقيل: بالعكس. وقيل: خمسون. وقيل: بضع وستون. وقيل: سبعون رجلاً, فالله أعلم وقال عطاء بن أبي رباح: هم قوم من أهل الحبشة أسلموا حين قدم عليهم مهاجرة الحبشة من المسلمين وقال قتادة: هم قوم كانوا على دين عيس ابن مريم, فلما رأوا المسلمين, وسمعوا القرآن أسلموا ولم يتلعثموا, واختار ابن جرير أن هذه الاَيات نزلت في صفة أقوام بهذه المثابة, سواء كانوا من الحبشة أو غيرها.
فقوله تعالى: {لتجدنّ أشد الناس عداوة للذين آمنوا اليهود والذين أشركو} ما ذاك إلا لأن كفر اليهود كفر عناد وجحود ومباهتة للحق وغمط للناس وتنقص بحملة العلم, ولهذا قتلوا كثيراً من الأنبياء حتى هموا بقتل رسول الله صلى الله عليه وسلم غير مرة, وسموه وسحروه, وألبوا عليه أشباههم من المشركين عليهم لعائن الله المتتابعة إلى يوم القيامة. قال الحافظ أبو بكر بن مردويه عند تفسير هذه الاَية: حدثنا أحمد بن محمد بن السري, حدثنا محمد بن علي بن حبيب الرقي, حدثنا علي بن سعيد العلاف, حدثنا أبو النضر عن الأشجعي, عن سفيان, عن يحيى بن عبد الله, عن أبيه, عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «ماخلا يهودي بمسلم قط إلا همّ بقتله», ثم رواه عن محمد بن أحمد بن إسحاق العسكري, حدثنا أحمد بن أيو ب الأهوازي, حدثنا فرج بن عبيد, حدثنا عباد بن العوام عن يحيى بن عبد الله, عن أبيه, عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «ماخلا يهودي بمسلم إلا حدث نفسه بقتله», وهذا حديث غريب جداً.
وقوله تعالى: {ولتجدن أقربهم مودة للذين آمنوا الذين قالوا إنا نصارى} أي الذين زعموا أنهم نصارى من أتباع المسيح وعلى منهاج إنجيله فيهم مودة للإسلام وأهله في الجملة, وما ذاك إلا لما في قلوبهم إذ كانوا على دين المسيح من الرقة والرأفة, كما قال تعالى {وجعلنا في قلوب الذين اتبعوه رأفة ورحمة ورهبانية} وفي كتابهم: من ضربك على خدك الأيمن فأدر له خدك الأيسر. وليس القتال مشروعاً في ملتهم, ولهذا قال تعالى: {ذلك بأن منهم قسيسين ورهباناً وأنهم لا يستكبرون} أي يوجد فيهم القسيسون وهم خطباؤهم وعلماؤهم, واحدهم قسيس وقس أيضاً, وقد يجمع على قسوس, والرهبان جمع راهب, وهو العابد, مشتق من الرهبة, وهي الخوف, كراكب وركبان, وفرسان. قال ابن جرير: وقد يكون الرهبان واحداً وجمعه رهابين, مثل قربان وقرابين, وجردان وجرادين, وقد يجمع على رهابنة, ومن الدليل على أنه يكون عند العرب واحداً قول الشاعر:
لو عاينت رهبان دير في القلللانحدر الرهبان يمشي ونزل
وقال الحافظ أبو بكر البزار: حدثنا بشر بن آدم. حدثنا نصير بن أبي الأشعث, حدثني الصلت الدهان عن جاثمة بن رئاب, قال: سألت سلمان عن قول الله تعالى {ذلك بأن منهم قسيسين ورهبان} فقال: دع القسيسين في البيع والخرب, أقرأني رسول الله صلى الله عليه وسلم «ذلك بأن منهم صديقين ورهباناً», وكذا رواه ابن مردويه من طريق يحيى بن عبد الحميد الخاني عن نضير بن زياد الطائي, عن صلت الدهان, عن جاثمة بن رئاب, عن سلمان به. قال ابن أبي حاتم: ذكره أبي, حدثنا يحيى بن عبد الحميد الخاني, حدثنا نضير بن زياد الطائي, حدثنا صلت الدهان عن جاثمة بن رئاب قال: سمعت سلمان وسئل عن قوله {ذلك بأن منهم قسيسين ورهبان} فقال هم الرهبان الذين هم في الصوامع والخرب فدعوهم فيها, قال سلمان: وقرأت على النبي صلى الله عليه وسلم {ذلك بأن منهم قسيسين} فأقرأني «ذلك بأن منهم صديقين ورهباناً» فقوله {ذلك بأن منهم قسيسين ورهباناً وأنهم لا يستكبرون} تضمن وصفهم بأن فيهم العلم والعبادة والتواضع, ثم وصفهم بالانقياد للحق واتباعه والإنصاف, فقال {وإذا سمعوا ما أنزل إلى الرسول ترى أعينهم تفيض من الدمع مما عرفوا من الحق} أي مما عندهم من البشارة ببعثة محمد صلى الله عليه وسلم {يقولون ربنا آمنا فاكتبنا مع الشاهدين} أي مع من يشهد بصحة هذا ويؤمن به.
وقد روى النسائي عن عمرو بن علي الفلاس, عن عمر بن علي بن مقدم, عن هشام بن عروة, عن أبيه, عن عبد الله بن الزبير قال: نزلت هذه الاَية في النجاشي وفي أصحابه {وإذا سمعوا ما أنزل إلى الرسول ترى أعينهم تفيض من الدمع مما عرفوا من الحق يقولون ربنا آمنا فاكتبنا مع الشاهدين} وروى ابن أبي حاتم وابن مردويه والحاكم في مستدركه من طريق سماك, عن عكرمة, عن ابن عباس في قوله {فاكتبنا مع الشاهدين} أي مع محمد صلى الله عليه وسلم وأمته هم الشاهدون, يشهدون لنبيهم صلى الله عليه وسلم أنه قد بلغ, وللرسل أنهم قد بلغوا, ثم قال الحاكم: صحيح الإسناد, ولم يخرجاه.
وقال الطبراني, حدثنا أبو شبيل عبد الله بن عبد الرحمن بن واقد, حدثنا أبي, حدثنا العباس بن الفضل عن عبد الجبار بن نافع الضبي, عن قتادة, وجعفر بن إياس عن سعيد بن جبير, عن ابن عباس في قول الله تعالى: {وإذا سمعوا ما أنزل إلى الرسول ترى أعينهم تفيض من الدمع} قال: إنهم كانوا كرابين يعني فلاحين, قدموا مع جعفر بن أبي طالب من الحبشة, فلما قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم عليهم القرآن, آمنوا وفاضت أعينهم, فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم «لعلكم إذا رجعتم إلى أرضكم انتقلتم إلى دينكم» فقالوا: لن ننتقل عن ديننا, فأنزل الله ذلك من قولهم {ومالنا لا نؤمن بالله وما جاءنا من الحق ونطمع أن يدخلنا ربنا مع القوم الصالحين} وهذا الصنف من النصارى هم المذكورون في قوله تعالى: {وإن من أهل الكتاب لمن يؤمن بالله وما أنزل إليكم وما أنزل إليهم خاشعين لله} الاَية, وهم الذين قال الله فيهم {الذين آتيناهم الكتاب من قبله هم به يؤمنون * وإذا يتلى عليهم قالوا آمنا به إنه الحق من ربنا إنا كنا من قبله مسلمين} إلى قوله {لا نبتغي الجاهلين} ولهذا قال تعالى ههنا: {فأثابهم الله بما قالوا جنات تجري من تحتها الأنهار} أي فجزاهم على إيمانهم وتصديقهم واعترافهم بالحق {جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيه} أي ماكثين فيها أبداً لا يحولون ولا يزولون {وذلك جزاء المحسنين} أي في اتباعهم الحق وانقيادهم له حيث كان وأين كان ومع من كان, ثم أخبر عن حال الأشقياء فقال {والذين كفروا وكذبوا بآياتن} أي جحدوا بها وخالفوها, {أولئك أصحاب الجحيم} أي هم أهلها والداخلون فيها.

** يَأَيّهَا الّذِينَ آمَنُواْ لاَ تُحَرّمُواْ طَيّبَاتِ مَآ أَحَلّ اللّهُ لَكُمْ وَلاَ تَعْتَدُوَاْ إِنّ اللّهَ لاَ يُحِبّ الْمُعْتَدِينَ * وَكُلُواْ مِمّا رَزَقَكُمُ اللّهُ حَلاَلاً طَيّباً وَاتّقُواْ اللّهَ الّذِيَ أَنتُم بِهِ مُؤْمِنُونَ
قال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس: نزلت هذه الاَية في رهط من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم, قالوا: نقطع مذاكيرنا, ونترك شهوات الدنيا, ونسيح في الأرض كما يفعل الرهبان, فبلغ ذلك النبي صلى الله عليه وسلم, فأرسل إليهم فذكر لهم ذلك, فقالوا: نعم, فقال النبي صلى الله عليه وسلم «لكني أصوم وأفطر, وأصلي, وأنام, وأنكح النساء, فمن أخذ بسنتي فهو مني, ومن لم يأخذ بسنتي فليس مني» رواه ابن أبي حاتم, وروى ابن مردويه من طريق العوفي عن ابن عباس نحو ذلك, وفي الصحيحين عن عائشة رضي الله عنها أن ناساً من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم سألوا أزواج النبي صلى الله عليه وسلم عن عمله في السر فقال بعضهم لا آكل اللحم وقال بعضهم لا أتزوج النساء وقال بعضهم لا أنام على الفراش فبلغ ذلك النبي صلى الله عليه وسلم فقال «ما بال أقوام يقول أحدهم كذا وكذا, لكني أصوم وأفطر وأنام وأقوم وآكل اللحم, وأتزوج النساء, فمن رغب عن سنتي فليس مني».
وقال ابن أبي حاتم: حدثنا أحمد بن عصام الأنصاري, حدثنا أبو عاصم الضحاك بن مخلد, عن عثمان يعني ابن سعيد, أخبرني عكرمة عن ابن عباس أن رجلاً أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله, إني إذا أكلت من هذا اللحم انتشرت إلى النساء, وإني حرمت عليّ اللحم, فنزلت {يا أيها الذين آمنوا لا تحرموا طيبات ما أحل الله لكم}. وكذا رواه الترمذي وابن جرير جميعاً عن عمرو بن علي الفلاس عن أبي عاصم النبيل به. وقال, حسن غريب. وقد روي من وجه آخر مرسلاً, وروي موقوفاً على ابن عباس, فالله أعلم. وقال سفيان الثوري ووكيع عن إسماعيل بن أبي خالد, عن قيس بن أبي حازم, عن عبد الله بن مسعود, قال: كنا نغزو مع النبي صلى الله عليه وسلم وليس معنا نساء, فقلنا: ألا نستخصي ؟ فنهانا رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ذلك, ورخص لنا أن ننكح المرأة بالثوب إلى أجل, ثم قرأ عبد الله {يا أيها الذين آمنوا لا تحرموا طيبات ما أحل الله لكم} الاَية, أخرجاه من حديث إسماعيل, وهذا كان قبل تحريم نكاح المتعة, والله أعلم.
وقال الأعمش, عن إبراهيم, عن همام بن الحارث, عن عمرو بن شرحبيل, قال: جاء معقل بن مقرن إلى عبد الله بن مسعود فقال: إني حرمت فراشي, فتلا هذه الاَية {يا أيها الذين آمنوا لا تحرموا طيبات ما أحل الله لكم} الاَية. وقال الثوري, عن منصور, عن أبي الضحى, عن مسروق, قال: كنا عند عبد الله بن مسعود, فجيء بضرع فتنحى رجل, فقال له عبد الله: ادْنُ, فقال: إني حرمت أن آكله, فقال عبد الله: ادْنُ فاطعم وكفر عن يمينك, وتلا هذه الاَية {يا أيها الذين آمنوا لا تحرموا طيبات ما أحل الله لكم} الاَية: رواهن ابن أبي حاتم, وروى الحاكم هذا الأثر الأخير في مستدركه من طريق إسحاق بن راهويه, عن جرير, عن منصور به¹ ثم قال: على شرط الشيخين, ولم يخرجاه, ثم قال ابن أبي حاتم: حدثنا يونس بن عبد الأعلى, حدثنا ابن وهب, أخبرني هشام بن سعد أن زيد بن أسلم حدثه أن عبد الله بن رواحة أضافه ضيف من أهله, وهو عند النبي صلى الله عليه وسلم, ثم رجع إلى أهله فوجدهم لم يطعموا ضيفهم انتظاراً له, فقال لامرأته حبست ضيفي من أجلي هو علي حرام, فقالت امرأته: هو علي حرام. وقال الضيف: هو علي حرام, فلما رأى ذلك وضع يده وقال: كلوا باسم الله, ثم ذهب إلى النبي صلى الله عليه وسلم فذكر الذي كان منهم, ثم أنزل الله {يا أيها الذين آمنوا لا تحرموا طيبات ما أحل الله لكم} وهذا أثر منقطع.
وفي صحيح البخاري في قصة الصديق مع أضيافه شبيه بهذا, وفيه وفي هذه القصة دلالة لمن ذهب من العلماء كالشافعي وغيره إلى أن من حرم مأكلاً أو ملبساً أو شيئاً ما عدا النساء أنه لا يحرم عليه, ولا كفارة عليه أيضاً, ولقوله تعالى: {يا أيها الذين آمنوا لا تحرموا طيبات ما أحل الله لكم} ولأن الذي حرم اللحم على نفسه كما في الحديث المتقدم لم يأمره النبي صلى الله عليه وسلم بكفارة, وذهب آخرون منهم الإمام أحمد بن حنبل إلى أن من حرم مأكلاً أو مشرباً أو ملبساً أو شيئاً من الأشياء, فإنه يجب عليه بذلك كفارة يمين, كما إذا التزم تركه باليمين, فكذلك يؤاخذ بمجرد تحريمه على نفسه إلزاماً له بما التزمه, كما أفتى بذلك ابن عباس, وكما في قوله تعالى {يا أيها النبي لم تحرم ما أحل الله لك تبتغي مرضات أزواجك والله غفور رحيم}, ثم قال {قد فرض الله لكم تحلة أيمانكم} الاَية, وكذلك هاهنا لما ذكر هذا الحكم, عقبه بالاَية المبينة لتكفير اليمين, فدل على أن هذا منزل منزلة اليمين في اقتضاء التكفير, والله أعلم.
وقال ابن جرير: حدثنا القاسم, حدثنا الحسين, حدثنا حجاج عن ابن جريج, عن مجاهد قال: أراد رجال منهم عثمان بن مظعون وعبد الله بن عمرو أن يتبتلوا, ويخصوا أنفسهم, ويلبسوا المسوح, فنزلت هذه الاَية إلى قوله {واتقوا الله الذي أنتم به مؤمنون}. قال ابن جريج, عن عكرمة: أن عثمان بن مظعون وعلي بن أبي طالب وابن مسعود والمقداد بن الأسود وسالماً مولى أبي حذيفة في أصحابه تبتلوا, فجلسوا في البيوت, واعتزلوا النساء, ولبسوا المسوح, وحرموا طيبات الطعام واللباس, إلا ما يؤكل ويلبس أهل السياحة من بني إسرائيل, وهموا بالاختصاء, وأجمعوا لقيام الليل, وصيام النهار, فنزلت هذه الاَية {يا أيها الذين آمنوا لا تحرموا طيبات ما أحل الله لكم ولا تعتدوا إن الله لا يحب المعتدين} يقول لا تسيروا بغير سنة المسلمين, يريد ما حرموا من النساء والطعام واللباس, وما أجمعوا له من قيام الليل وصيام النهار, وما هموا به من الاختصاء, فلما نزلت فيهم بعث إليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال «إن لأنفسكم حقاً, وإن لأعينكم حقاً, صوموا وأفطروا, وصلوا وناموا, فليس منا من ترك سنتنا» فقالوا: اللهم سلمنا واتبعنا ما أنزلت.
وقد ذكر هذه القصة غير واحد من التابعين مرسلة, ولها شاهد في الصحيحين من رواية عائشة أم المؤمنين كما تقدم ذلك, ولله الحمد والمنة. وقال أسباط عن السدي في قوله {يا أيها الذين آمنوا لا تحرموا طيبات ما أحل الله لكم ولا تعتدوا إن الله لا يحب المعتدين} وذلك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم جلس يوماً فذكر الناس, ثم قام ولم يزدهم على التخويف, فقال ناس من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم, كانوا عشرة منهم علي بن أبي طالب وعثمان بن مظعون: ما حقنا إن لم نحدث عملاً, فإن النصارى قد حرموا على أنفسهم فنحن نحرم, فحرم بعضهم أن يأكل اللحم والودك, وأن يأكل بالنهار, وحرم بعضهم النوم, وحرم بعضهم النساء, فكان عثمان بن مظعون ممن حرم النساء فكان لا يدنو من أهله ولا يدنون منه, فأتت امرأته عائشة رضي الله عنها وكان يقال لها الحولاء, فقالت لها عائشة ومن عندها من أزواج النبي صلى الله عليه وسلم: ما بالك يا حولاء متغيرة اللون, لا تمتشطين ولا تتطيبين ؟ فقالت: وكيف أمتشط وأتطيب وما وقع علي زوجي, وما وقع عني ثوباً منذ كذا وكذا. قال: فجعلن يضحكن من كلامها, فدخل رسول الله صلى الله عليه وسلم وهن يضحكن, فقال «ما يضحككن ؟» قالت: يا رسول الله إن الحولاء سألتها عن أمرها. فقالت: ما وقع عني زوجي ثوباً منذ كذا وكذا, فأرسل إليه فدعاه فقال «مالك يا عثمان ؟» قال: إني تركته لله لكي أتخلى للعبادة, وقص عليه أمره, وكان عثمان قد أراد أن يجب نفسه, فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم «أقسمت عليك إلا رجعت فواقعت أهلك». فقال: يا رسول الله إني صائم. فقال «أفطر» فأفطر وأتى أهله, فرجعت الحولاء إلى عائشة وقد امتشطت واكتحلت وتطيبت, فضحكت عائشة وقالت: مالك يا حولاء ؟ فقالت: إنه أتاها أمس.
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم «ما بال أقوام حرموا النساء والطعام والنوم, ألا إني أنام وأقوم وأفطر وأصوم وأنكح النساء, فمن رغب عني فليس مني» فنزلت {يا أيها الذين آمنوا لا تحرموا طيبات ما أحل الله لكم ولا تعتدو} يقول لعثمان: لا تجب نفسك, فإن هذا هو الاعتداء, وأمرهم أن يكفروا عن أيمانهم فقال {لا يؤاخذكم الله باللغو في أيمانكم ولكن يؤاخذكم بما عقدتم الأيمان}, رواه ابن جرير. وقوله تعالى: {ولا تعتدو} يحتمل أن يكون المراد منه ولا تبالغوا في التضييق على أنفسكم بتحريم المباحات عليكم, كما قاله من قاله من السلف, ويحتمل أن يكون المراد كما لا تحرموا الحلال فلا تعتدوا في تناول الحلال, بل خذوا منه بقدر كفايتكم وحاجتكم ولا تجاوزوا الحد فيه: كما قال تعالى: {وكلوا واشربوا ولا تسرفو} الاَية, وقال {والذين إذا أنفقوا لم يسرفوا ولم يقتروا وكان بين ذلك قوام} فشرع الله عدل بين الغالي فيه والجافي عنه, لا إفراط ولا تفريط, ولهذا قال {لا تحرموا طيبات ما أحل الله لكم ولا تعتدوا إن الله لا يحب المعتدين} ثم قال {وكلوا مما رزقكم الله حلالاً طيب} أي في حال كونه حلالاً طيباً {واتقوا الله} أي في جميع أموركم, واتبعوا طاعته ورضوانه, واتركوا مخالفته وعصيانه {واتقوا الله الذي أنتم به مؤمنون}.

** لاَ يُؤَاخِذُكُمُ اللّهُ بِاللّغْوِ فِيَ أَيْمَانِكُمْ وَلَـَكِن يُؤَاخِذُكُم بِمَا عَقّدتّمُ الأيْمَانَ فَكَفّارَتُهُ إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ أَوْ كِسْوَتُهُمْ أَوْ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ فَمَن لّمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلاَثَةِ أَيّامٍ ذَلِكَ كَفّارَةُ أَيْمَانِكُمْ إِذَا حَلَفْتُمْ وَاحْفَظُوَاْ أَيْمَانَكُمْ كَذَلِكَ يُبَيّنُ اللّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلّكُمْ تَشْكُرُونَ
وقد تقدم الكلام على اللغو في اليمين في سورة البقرة بما أغنى عن إعادته ههنا, ولله الحمد والمنة, وأنه قول الرجل في الكلام من غير قصد: لا والله وبلى والله. وهذا مذهب الشافعي. وقيل هو في الهزل. وقيل: في المعصية. وقيل: على غلبة الظن, وهو قول أبي حنيفة وأحمد. وقيل: اليمين في الغضب وقيل: في النسيان. وقيل: هو الحلف على ترك المأكل والمشرب والملبس ونحو ذلك, واستدلوا بقوله {لا تحرموا طيبات ما أحل الله لكم} والصحيح أنه اليمين من غير قصد بدليل قوله {ولكن يؤاخذكم بما عقدتم الأيمان} أي بما صممتم عليه منها وقصدتموها, {فكفارته إطعام عشرة مساكين} يعني محاويج من الفقراء ومن لا يجد ما يكفيه.
وقوله {من أوسط ما تطعمون أهليكم} قال ابن عباس وسعيد بن جبير وعكرمة: أي من أعدل ما تطعمون أهليكم. وقال عطاء الخراساني: من أمثل ما تطعمون أهليكم. قال ابن أبي حاتم: حدثنا أبو سعيد الأشج, حدثنا أبو خالد الأحمر عن حجاج, عن أبي إسحاق السبيعي, عن الحارث, عن علي قال: خبز ولبن, وخبز وسمن. وقال ابن أبي حاتم: أنبأنا يونس بن عبد الأعلى قراءة, حدثنا سفيان بن عيينة عن سليمان يعني ابن أبي المغيرة, عن سعيد بن جبير, عن ابن عباس قال: كان الرجل يقوت بعض أهله قوت دون, وبعضهم قوتاً فيه سعة, فقال الله تعالى: {من أوسط ما تطعمون أهليكم} أي من الخبز والزيت, وحدثنا أبو سعيد الأشج, حدثنا وكيع, حدثنا إسرائيل عن جابر, عن عامر, عن ابن عباس {من أوسط ما تطعمون أهليكم} قال: من عسرهم ويسرهم وحدثنا عبد الرحمن بن خلف الحمصي, حدثنا محمد بن شعيب يعني ابن شابور, وحدثنا شيبان بن عبد الرحمن التميمي عن ليث بن أبي سليم عن عاصم الأحول, عن رجل يقال له عبد الرحمن التميمي, عن ابن عمر رضي الله عنه أنه قال {من أوسط ما تطعمون أهليكم}, قال: الخبز واللحم, والخبز والسمن, والخبز واللبن, والخبز والزيت, والخبز والخل.
وحدثنا علي بن حرب الموصلي, حدثنا أبو معاوية عن عاصم, عن ابن سيرين, عن ابن عمر في قوله {من أوسط ما تطعمون أهليكم} قال: الخبز والسمن, والخبز واللبن, والخبز والزيت, والخبز والتمر, ومن أفضل ما تطعمون أهليكم الخبز واللحم, ورواه ابن جرير عن هناد وابن وكيع, كلاهما عن أبي معاوية, ثم روى ابن جرير عن عبيدة والأسود وشريح القاضي ومحمد بن سيرين والحسن والضحاك وأبي رزين, أنهم قالوا نحو ذلك, وحكاه ابن أبي حاتم عن مكحول أيضاً.
واختار ابن جرير أن المراد بقوله {من أوسط ما تطعمون أهليكم} أي في القلة والكثرة, ثم اختلف العلماء في مقدار ما يطعمهم, فقال ابن أبي حاتم: حدثنا أبو سعيد, حدثنا أبو خالد الأحمر عن حجاج, عن حصين الحارثي, عن الشعبي, عن الحارث, عن علي رضي الله عنه في قوله {من أوسط ما تطعمون أهليكم} قال: يغديهم ويعشيهم. وقال الحسن ومحمد بن سيرين: يكفيه أن يطعم عشرة مساكين أكلة واحدة خبزاً ولحماً, زاد الحسن: فإن لم يجد فخبزاً وسمناً ولبناً, فإن لم يجد فخبزاً وزيتاً وخلاً, حتى يشبعوا. وقال آخرون: يطعم كل واحد من العشرة نصف صاع من بر أو تمر ونحوهما, فهذا قول عمر وعلي وعائشة ومجاهد والشعبي وسعيد بن جبير وإبراهيم النخعي وميمون بن مهران وأبي مالك والضحاك والحكم ومكحول وأبي قلابة ومقاتل بن حيان. وقال أبو حنيفة: نصف صاع بر وصاع مما عداه.
وقد قال أبو بكر بن مردويه: حدثنا محمد بن أحمد بن الحسن الثقفي, حدثنا عبيد بن الحسن بن يوسف, حدثنا محمد بن معاوية, حدثنا زياد بن عبد الله بن الطفيل بن سخبرة بن أخي عائشة لأمه, حدثنا عمر بن يعلى عن المنهال بن عمرو, عن سعيد بن جبير, عن ابن عباس, قال: كفّر رسول الله صلى الله عليه وسلم بصاع من تمر, وأمر الناس به, ومن لم يجد فنصف صاع من بر. ورواه ابن ماجه عن العباس بن يزيد, عن زياد بن عبد الله البكاء, عن عمر بن عبد الله بن يعلى الثقفي, عن المنهال بن عمرو به, لا يصح هذا الحديث لحال عمر بن عبد الله هذا, فإنه مجمع على ضعفه, وذكروا أنه كان يشرب الخمر. وقال الدارقطني: متروك. وقال ابن أبي حاتم: حدثنا أبو سعيد الأشج, حدثنا ابن إدريس عن داود يعني ابن أبي هند, عن عكرمة, عن ابن عباس, أنه قال: مد من بر يعني لكل مسكين ومعه إدامه, ثم قال: وروي عن ابن عمر وزيد بن ثابت وسعيد بن المسيب ومجاهد وعطاء وعكرمة وأبي الشعثاء والقاسم وسالم وأبي سلمة بن عبد الرحمن وسليمان بن يسار والحسن ومحمد بن سيرين والزهري, نحو ذلك.
وقال الشافعي: الواجب في كفارة اليمين مد بمد النبي صلى الله عليه وسلم لكل مسكين ولم يتعرض للأدم. واحتج بأمر النبي صلى الله عليه وسلم للذي جامع في رمضان بأن يطعم ستين مسكيناً من مكتل يسع خمسة عشر صاعاً, لكل واحد منهم مد. وقد ورد حديث آخر صريح في ذلك, فقال أبو بكر بن مردويه: حدثنا أحمد بن علي بن الحسن المقري, حدثنا محمد بن إسحاق السراج, حدثنا قتيبة بن سعيد, حدثنا النضر بن زرارة الكوفي عن عبد الله بن عمر العمري عن نافع عن ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقيم كفارة اليمين مداً من حنطة بالمد الأول, إسناده ضعيف لحال النضر بن زرارة بن عبد الأكرم الذهلي الكوفي نزيل بلخ, قال فيه أبو حاتم الرازي: هو مجهول مع أنه قد روى عنه غير واحد, وذكره ابن حبان في الثقات. وقال: روى عنه قتيبة بن سعيد أشياء مستقيمة, فالله أعلم, ثم إن شيخه العمري ضعيف أيضاً. وقال أحمد بن حنبل: الواجب مد من بر أو مدان من غيره, والله أعلم.
وقوله تعالى: {أو كسوتهم} قال الشافعي رحمه الله: لو دفع إلى كل واحد من العشرة ما يصدق عليه اسم الكسوة من قميص أو سراويل أو إزار أو عمامة أو مقنعة, أجزأه ذلك, واختلف أصحابه في القلنسوة: هل تجزىء أم لا ؟ على وجهين, فمنهم من ذهب إلى الجواز احتجاجاً بما رواه ابن أبي حاتم: حدثنا أبو سعيد الأشج وعمار بن خالد الواسطي: قالا: حدثنا القاسم بن مالك عن محمد بن الزبير, عن أبيه, قال: سألت عمران بن الحصين عن قوله {أو كسوتهم} قال: لو أن وفداً قدموا على أميركم فكساهم قلنسوة, قلنسوة قلتم قد كسوا, ولكن هذا إسناد ضعيف لحال محمد بن الزبير هذا, والله أعلم. وهكذا حكى الشيخ أبو حامد الإسفراييني: في الخف وجهين أيضاً, والصحيح عدم الإجزاء وقال مالك وأحمد بن حنبل: لا بد أن يدفع إلى كل واحد منهم من الكسوة ما يصح أن يصلي فيه, إن كان رجلاً أو امرأة كل بحسبه, والله أعلم.
وقال العوفي عن ابن عباس: عباءة لكل مسكين أو شملة, وقال مجاهد: أدناه ثوب وأعلاه ما شئت. وقال ليث عن مجاهد: يجزىء في كفارة اليمين كل شيء إلا التبان. وقال الحسن وأبو جعفر الباقر وعطاء وطاوس وإبراهيم النخعي وحماد بن أبي سليمان وأبو مالك. ثوب ثوب. وعن إبراهيم النخعي أيضاً: ثوب جامع كالملحفة والرداء, ولا يرى الدرع والقميص والخمار ونحوه جامعاً, وقال الأنصاري عن أشعث عن ابن سيرين: والحسن ثوبان ثوبان. وقال الثوري عن داود بن أبي هند عن سعيد بن المسيب: عمامة يلف بها رأسه, وعباءة يلتحف بها. وقال ابن جرير: حدثنا هناد, حدثنا ابن المبارك عن عاصم الأحول, عن ابن سيرين, عن أبي موسى أنه حلف على يمين, فكسا ثوبين من معقدة البحرين. وقال ابن مردويه: حدثنا سليمان بن أحمد, حدثنا أحمد بن المعلى, حدثنا هشام بن عمار, حدثنا إسماعيل بن عياش, عن مقاتل بن سليمان, عن أبي عثمان, عن أبي عياض, عن عائشة, عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في قوله {أو كسوتهم} قال «عباءة لكل مسكين», حديث غريب.
وقوله {أو تحرير رقبة} أخذ أبو حنيفة بإطلاقها فقال: تجزىء الكافرة كما تجزىء المؤمنة. وقال الشافعي وآخرون: لا بد أن تكون مؤمنة. وأخذ تقييدها بالإيمان من كفارة القتل لاتحاد الموجب وإن اختلف السبب. ومن حديث معاوية بن الحكم السلمي الذي هو في موطأ مالك ومسند الشافعي وصحيح مسلم أنه ذكر أن عليه عتق رقبة, وجاء معه بجارية سوداء فقال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم «أين الله ؟». قالت: في السماء. قال «من أنا ؟» قالت: رسول الله. قال «أعتقها فإنها مؤمنة» الحديث بطوله. فهذه خصال ثلاث في كفارة اليمين, أيها فعل الحانث أجزأ عنه بالإجماع, وقد بدأ بالأسهل, فالإطعام أسهل وأيسر من الكسوة, كما أن الكسوة أيسر من العتق, فترقى فيها من الأدنى إلى الأعلى, فإن لم يقدر المكلف على واحدة من هذه الخصال الثلاث كفر بصيام ثلاثة أيام, كما قال تعالى: {فمن لم يجد فصيام ثلاثة أيام}.
وروى ابن جرير عن سعيد بن جبير والحسن البصري, أنهما قالا: من وجد ثلاثة دراهم لزمه الإطعام وإلا صام, وقال ابن جرير حاكياً عن بعض متأخري متفقهة زمانه أنه جائز لمن لم يكن له فضل عن رأس مال يتصرف فيه لمعاشه, ومن الفضل عن ذلك ما يكفر به عن يمينه, ثم اختار ابن جرير أنه الذي لا يفضل عن قوته وقوت عياله في يومه ذلك ما يخرج به كفارة اليمين, واختلف العلماء: هل يجب فيها التتابع أو يستحب ولا يجب, ويجزىء التفريق ؟ قولان: أحدهما لا يجب وهذا منصوص الشافعي في كتاب الأيمان, وهو قول مالك لإطلاق قوله {فصيام ثلاثة أيام} وهو صادق على المجموعة والمفرقة, كما في قضاء رمضان لقوله {فعدّة من أيام أخر} ونص الشافعي في موضع آخر في الأم على وجوب التتابع, كما هو قول الحنفية والحنابلة, لأنه قد روي عن أبي بن كعب وغيره أنهم كانوا يقرؤونها {فصيام ثلاثة أيام متتابعات}. قال أبو جعفر الرازي, عن الربيع, عن أبي العالية عن أبي بن كعب أنه كان يقرؤها {فصيام ثلاثة أيام متتابعات} وحكاها مجاهد والشعبي وأبو إسحاق عن عبد الله بن مسعود, وقال إبراهيم في قراءة أصحاب عبد الله بن مسعود {فصيام ثلاثة أيام متتابعات}. وقال الأعمش كان أصحاب ابن مسعود يقرؤونها كذلك, وهذه إذا لم يثبت كونها قرآناً متواتراً, فلا أقل أن يكون خبراً واحداً أو تفسيراً من الصحابة وهو في حكم المرفوع. وقال أبو بكر بن مردويه: حدثنا محمد بن علي, حدثنا محمد بن جعفر الأشعري, حدثنا الهيثم بن خالد القرشي, حدثنا يزيد بن قيس عن إسماعيل بن يحيى, عن ابن جريج, عن ابن عباس قال: لما نزلت آية الكفارات قال حذيفة: يا رسول الله نحن بالخيار ؟ قال «أنت بالخيار إن شئت أعتقت, وإن شئت كسوت, وإن شئت أطعمت, فمن لم يجد فصيام ثلاثة أيام متتابعات» وهذا حديث غريب جداً. وقوله {ذلك كفارة أيمانكم إذا حلفتم} أي هذه كفارة اليمين الشرعية {واحفظوا أيمانكم}. قال ابن جرير: معناه لا تتركوها بغير تكفير {كذلك يبين الله لكم آياته} أي يوضحها ويفسرها {لعلكم تشكرون}.