تفسير الطبري تفسير الصفحة 122 من المصحف

 تفسير الطبري - صفحة القرآن رقم 122
123
121
 الآية : 83
القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {وَإِذَا سَمِعُواْ مَآ أُنزِلَ إِلَى الرّسُولِ تَرَىَ أَعْيُنَهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدّمْعِ مِمّا عَرَفُواْ مِنَ الْحَقّ يَقُولُونَ رَبّنَآ آمَنّا فَاكْتُبْنَا مَعَ الشّاهِدِينَ }..
يقول تعالـى ذكره: وإذا سمع هؤلاء الذين قالوا إنا نصارى الذين وصفت لك يا مـحمد صفتهم أنك تـجدهم أقرب الناس مودّة للذين آمنوا, ما أنزل إلـيك من الكتاب يتلـى, تَرَى أعْيُنَهُمْ تَفِـيضُ مِنَ الدّمْعِ. وفـيض العين من الدمع: امتلاؤها منه ثم سيلانه منها كفـيض النهر من الـماء, وفـيض الإناء, وذلك سيلانه عن شدّة امتلائه ومنه قول الأعشى:
فَفـاضَتْ دُمُوعِي فَطَلّ الشّؤونِ إمّا وَكِيفـا وإمّا انْـحِدَارَا
وقوله: مِـمّا عَرَفُوا مِنَ الـحَقّ يقول: فـيض دموعهم لـمعرفتهم بأن الذي يتلـى علـيهم من كتاب الله الذي أنزله إلـى رسول الله حقّ. كما:
9699ـ حدثنا هناد بن السريّ, قال: حدثنا يونس بن بكير, قال: حدثنا أسبـاط بن نصر الهمدانـي, عن إسماعيـل بن عبد الرحمن السديّ, قال: بعث النـجاشيّ إلـى النبـيّ صلى الله عليه وسلم اثنى عشر رجلاً يسألونه ويأتونه بخبره, فقرأ علـيهم رسول الله صلى الله عليه وسلم القرآن فبكوا. وكان منهم سبعة رهبـان وخمسة قسيسون, أو خمسة رهبـان وسبعة قسيسون, فأنزل الله فـيهم: وَإذَا سَمِعُوا ما أُنْزِلَ إلـى الرّسُولِ تَرَى أعْيُنَهُمْ تَفِـيضُ مِنَ الدّمْعِ... إلـى آخر الاَية.
9700ـ حدثنا عمرو بن علـيّ, قال: حدثنا عمر بن علـيّ بن مقدّم, قال: سمعت هشام بن عروة يحدّث عن أبـيه, عن عبد الله بن الزبـير, قال: نزلت فـي النـجاشيّ وأصحابه: وَإذَا سَمِعُوا ما أُنْزِلَ إلـى الرّسُولِ تَرَى أعْيُنَهُمْ تَفِـيضُ مِنَ الدّمْعِ.
حدثنا هناد, قال: حدثنا عبدة بن سلـيـم, عن هشام بن عروة, عن أبـيه, فـي قوله: تَرَى أعْيُنَهُمْ تَفِـيضُ مِنَ الدّمْعِ مِـمّا عَرفُوَا مِنَ الـحَقّ قال: ذلك فـي النـجاشيّ.
حدثنا هناد وابن وكيع, قالا: حدثنا أبو معاوية, عن هشام بن عروة, عن أبـيه, قال: كانوا يرون أن هذه الاَية أنزلت فـي النـجاشيّ: وَإذَا سَمِعُوا ما أُنْزِلَ إلـى الرّسُولِ تَرَى أعْيُنَهُمْ تَفِـيضُ مِنَ الدّمْعِ.
9701ـ حدثنا هناد, قال: حدثنا يونس بن بكير, قال: قال ابن إسحاق, سألت الزهري عن الاَيات: ذَلِكَ بأنّ مِنْهُمْ قِسّيسِينَ وَرُهْبـانا وأنّهُمْ لا يَسْتَكْبِرُونَ وَإذَا سَمِعُوا ما أُنْزِلَ إلـى الرّسُولِ تَرَى أعْيُنَهُمْ تَفِـيضُ مِنَ الدّمْعِ... الاَية. وقوله وَإذَا خاطَبَهُمُ الـجاهِلُونَ قالُوا سَلاما قال: ما زلت أسمع علـماءنا يقولون: نزلت فـي النـجاشيّ وأصحابه.
وأما قوله: يَقولُونَ فإنه لو كان بلفظ اسم كان نصبـا علـى الـحال, لأنّ معنى الكلام: وإذا سمعوا ما أنزل إلـى الرسول ترى أعينهم تفـيض من الدمع مـما عرفوا من الـحقّ, قائلـين ربنا آمنا. ويعنـي بقوله تعالـى ذكره: يَقُولُونَ رَبَنّا آمَنا أنهم يقولون: يا ربنا صدّقنا لـما سمعنا ما أنزلته إلـى نبـيك مـحمد صلى الله عليه وسلم من كتابك, وأقررنا به أنه من عندك وأنه الـحقّ لا شكّ فـيه.
وأما قوله: فـاكْتُبْنا مَعَ الشّاهِدِينَ فإنه رُوي عن ابن عبـاس وغيره فـي تأويـله, ما:
9702ـ حدثنا به هناد قال: حدثنا وكيع, وحدثنا ابن وكيع, قال: حدثنا أبـي وابن نـمير جميعا, عن إسرائيـل, عن سماك, عن عكرمة, عن ابن عبـاس فـي قوله: اكْتُبْنا مَعَ الشّاهِدِينَ قال: أمة مـحمد صلى الله عليه وسلم.
9703ـ حدثنا القاسم, قال: حدثنا الـحسين, قال: ثنـي حجاج, عن ابن جريج: فـاكْتُبْنا مَعَ الشّاهِدِينَ مع أمة مـحمدصلى الله عليه وسلم.
حدثنـي الـمثنى, قال: حدثنا عبد الله بن صالـح, قال: ثنـي معاوية, عن علـيّ بن أبـي طلـحة, عن ابن عبـاس: فـاكْتُبْنا مَعَ الشّاهِدِينَ يعنون بـالشاهدين: مـحمدا صلى الله عليه وسلم وأمته.
حدثنـي الـحرث, قال: حدثنا عبد العزيز, قال: حدثنا إسرائيـل, عن سماك, عن عكرمة, عن ابن عبـاس, فـي قوله: فـاكْتُبْنا مَعَ الشّاهِدِينَ قال مـحمد صلى الله عليه وسلم وأمته, أنهم شهدوا أنه قد بلّغ, وشهدوا أن الرسل قد بلّغت.
حدثنا الربـيع, قال: حدثنا أسد بن موسى, قال: حدثنا يحيى بن زكريا, قال: ثنـي إسرائيـل, عن سماك, عن عكرمة, عن ابن عبـاس, مثل حديث الـحرثق بن عبد العزيز, غير أنه قال: وشهدوا للرسل أنهم قد بلّغُوا.
فكأنّ متأوّل هذا التأويـل قصد بتأويـله هذا إلـى معنى قول الله تعالـى ذكره: وكَذَلِكَ جَعَلْناكم أمّةً وَسَطا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ علـى النّاسِ وَيَكُونَ الرّسُولُ عَلَـيْكُمْ شَهِيدا فذهب ابن عبـاس ألـى أن الشاهدين هم الشهداء فـي قوله: لِتَكُونوا شُهَدَاءَ علـى النّاسِ وهم أمة مـحمد صلى الله عليه وسلم.
وإذا كان التأويـل ذلك, كان معنى الكلام: يقولون ربنا آمنا فـاكتبنا مع الشاهدين الذين يشهدون لأنبـيائك يوم القـيامة أنهم قد بلّغوا أمـمهم رسالاتك.
ولو قال قائل: معنى ذلك: فـاكتبنا مع الشاهدين الذين يشدون أن ما أنزلته إلـى رسولك من الكتب حقّ, كان صوابـا لأن ذلك خاتـمة قوله: وَإذَا سَمِعُوا ما أُنْزِلَ إلـى الرّسُولِ تَرَى أعْيُنَهُمْ تَفِـيضُ مِنَ الدّمْعِ مِـمّا عَرَفُوا مِنَ الـحَقّ يَقُولُونَ رَبّنا آمَنّا فـاكْتُبْنا مَعَ الشّاهِدِينَ وذلك صفة من الله تعالـى ذكره لهم بإيـمانهم لـما سمعوا من كتاب الله, فتكون مسألتهم أيضا الله أن يجعلهم مـمن صحت عنده شهادتهم بذلك, ويُـلـحقهم فـي الثواب والـجزاء منازلهم. ومعنى الكتاب فـي هذا الـموضع: الـجَعْل, يقول: فـاجْعَلْنا مَعَ الشّاهِدِينَ, وأثبتنا معهم فـي عدادهم.
الآية : 84
القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {وَمَا لَنَا لاَ نُؤْمِنُ بِاللّهِ وَمَا جَآءَنَا مِنَ الْحَقّ وَنَطْمَعُ أَن يُدْخِلَنَا رَبّنَا مَعَ الْقَوْمِ الصّالِحِينَ }..
وهذا خبر من الله تعالـى ذكره عن هؤلاء القوم الذين وصف صفتهم فـي هذه الاَيات, أنهم إذا سمعوا ما أنزل إلـى رسوله مـحمد صلى الله عليه وسلم من كتابه, آمنوا به وصدّقوا كتاب الله, وقالوا: ما لنا لا نؤمن بـالله؟ يقول: لا نقرّ بوحدانـية الله وما جَاءَنا مِنَ الـحَقّ يقول: وما جاءنا من عند الله من كتابه وآي تنزيـله, ونـحن نطمع بإيـماننا بذلك أنْ يُدْخِـلَنا رَبّنا مَعَ القَوْمِ الصّالِـحِينَ يعنـي بـالقوم الصالـحين: الـمؤمنـين بـالله الـمطيعين له, الذين استـحقوا من الله الـجنة بطاعتهم إياه. وإنـما معنى ذلك: ونـحن نطمع أن يدخـلنا ربنا مع أهل طاعته مداخـلهم من جنته يوم القـيامة, ويـلـحق منازلنا بـمنازلهم ودرجاتنا بدرجاتهم فـي جناته.
وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك:
9704ـ حدثنـي يونس بن عبد الأعلـى, قال: أخبرنا ابن وهب, قال: قال ابن زيد فـي قوله: وَما لَنا لا نُؤْمِنُ بـاللّهِ وَما جاءَنا مِنَ الـحَقّ وَنَطْمَعُ أنْ يُدْخِـلَنا رَبّنا مَعَ القَوْمِ الصّالِـحِينَ قال: «القَوْم الصالـحون»: رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه.
الآية : 85
القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {فَأَثَابَهُمُ اللّهُ بِمَا قَالُواْ جَنّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَذَلِكَ جَزَآءُ الْمُحْسِنِينَ }..
يقول تعالـى ذكره: فجزاهم الله بقولهم: فجزاهم الله بقولهم: ربنا آمنا فـاكتبنا مع الشاهدين, وما لنا لا نؤمن بـالله وما جاءنا من الـحقّ, ونطمع أن يدخـلنا ربنا مع القوم الصالـحين جَنّاتٍ تَـجْري مِنْ تَـحْتِهَا الأَنْهَارُ يعنـي: بساتـين تـجري من تـحت أشجارها الأنهار خَالِدِينَ فِـيَها يقول: دائما فـيها مكثهم, لا يخرجون منها ولا يحولون عنها. وذَلِكَ جَزَاءُ الـمُـحْسِنِـينَ يقول: وهذا الذي جزيت هؤلاء القائلـين بـما وصفت عنهم من قـيـلهم علـى ما قالوا من الـجنات التـي هم فـيها خالدون, جزاء كلّ مـحسن فـي قـيـله وفعله. وإحسان الـمـحسن فـي ذلك أن يوحد الله توحيدا خالصا مـحضا لا شرك فـيه, ويقرّ بأنبـياء الله وما جاءت به من عند الله من الكتب, ويؤدّي فرائضه, ويجتنب معاصيه, فذلك كمال إحسان الـمـحسنـين الذين قال الله تعالـى: جَنّاتٍ تَـجْرِي مِنْ تَـحْتِها الأنهَارُ خالِدِينَ فـيها.
الآية : 86
القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {وَالّذِينَ كَفَرُواْ وَكَذّبُواْ بِآيَاتِنَآ أُوْلَـَئِكَ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ }..
يقول تعالـى ذكره: وأما الذين جحدوا توحيد الله, وأنكروا نبوّة مـحمد صلى الله عليه وسلم, وكذّبوا بآيات كتابه, فإن أولئك أصحاب الـجحيـم, يقول: هم سكانها واللابثون فـيها. والـجحيـم: ما اشتدّ من النار, وهو الـجاحم والـجحيـم.
الآية : 87
القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {يَأَيّهَا الّذِينَ آمَنُواْ لاَ تُحَرّمُواْ طَيّبَاتِ مَآ أَحَلّ اللّهُ لَكُمْ وَلاَ تَعْتَدُوَاْ إِنّ اللّهَ لاَ يُحِبّ الْمُعْتَدِينَ }..
يقول تعالـى ذكره: يا أيها الذين صدّقوا الله ورسوله, وأقرّوا بـما جاءهم به نبـيهم صلى الله عليه وسلم أنه حقّ من عند الله لا تُـحَرّمُوا طَيّبـاتِ ما أَحَلّ لَكُمْ يعنـي بـالطيبـات: اللذيذات التـي تشتهيها النفوس وتـميـل إلـيها القلوب, فتـمنعوها إياها, كالذي فعله القسيسون والرهبـان, فحرّموا علـى أنفسهم النساء والـمطاعم الطيبة والـمشارب اللذيذة, وحبس فـي الصوامع بعضهم أنفسهم, وساح فـي الأرض بعضهم. يقول تعالـى ذكره: فلا تفعلوا أيها الـمؤمنون كما فعل أولئك, ولا تعتدوا حَدّ الله الذي حدّ لكم فـيـما أحلّ لكم وفـيـما حرّم علـيكم فتـجاوزوا حَدّهُ الذي حَدّه, فتـخالفوا بذلك طاعته, فإن الله لا يحبّ من اعتدى حدّه الذي حدّه لـخـلقه فـيـما أحلّ لهم وحرّم علـيهم.
وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك:
9705ـ حدثنـي أبو حصين عبد الله بن أحمد بن يونس, قال: حدثنا عبثر أبو زبـيد, قال: حدثنا حصين, عن أبـي مالك فـي هذه الاَية: يا أيّها الّذِينَ آمَنُوا لا تُـحَرّمُوا طَيّبـاتِ ما أحَلّ اللّهُ لَكُمْ... الاَية, قال: عثمان بن مظعون وأناس من الـمسلـمين حرّموا علـيهم النساء, وامتنعوا من الطعام الطيّب, وأراد بعضهم أن يقطع ذَكَره, فنزت هذه الاَية.
9706ـ حدثنا حميد بن مسعدة, قال: حدثنا يزيد بن زريع, قال: ثنـي خالد الـحذاء, عن عكرمة, قال: كان أناس من أصحاب النبـيّ صلى الله عليه وسلم هموا بـالـخصاء وترك اللـحم والنساء, فنزلت هذه الاَية: يا أيّها الّذِينَ آمَنُوا لا تُـحَرّمُوا طَيّبـاتِ ما أحَلّ اللّهُ لَكُمْ وَلا تَعْتَدُوا إنّ اللّهَ لا يُحِبّ الـمُعْتَدِينَ.
9707ـ حدثنـي يعقوب قال: حدثنا ابن علـية, عن خالد, عن عكرمة: أن رجالاً أرادوا كذا وكذا, وأرادوا كذا وكذا, وأن يختصوا, فنزلت: يا أيّها الّذِينَ آمَنُوا لا تُـحَرّمُوا طَيّبـاتِ ما أحَلّ اللّهُ لَكُمْ إلـى قوله: الّذِي أنْتُـمْ بِهِ مُؤمِنُونَ.
9708ـ حدثنا ابن وكيع, قال: حدثنا جرير, عن مغيرة, عن إبراهيـم: يا أيّها الّذِينَ آمَنُوا لا تُـحَرّمُوا طَيّبـاتِ ما أحَلّ اللّهُ لَكُمْ قال: كانوا حرّموا الطيب واللـحم, فأنزل الله تعالـى هذا فـيهم.
حدثنا ابن وكيع, قال: حدثنا عبد الوهاب الثقـفـي, قال: حدثنا خالد, عن عكرمة: أن أناسا قالوا: لا نتزوّج, ولا نأكل, ولا نفعل كذا وكذا. فأنزل الله تعالـى: يا أيّها الّذِينَ آمَنُوا لا تُـحَرّمُوا طَيّبـاتِ ما أحَلّ اللّهُ لَكُمْ وَلا تَعْتَدُوا إنّ اللّهَ لا يُحِبّ الـمُعْتَدِينَ.
9709ـ حدثنا الـحسن بن يحيى, قال: أخبرنا عبد الرزاق, قال: أخبرنا معمر, عن أيوب, عن أبـي قِلابة قال: أراد أناس من أصحاب النبـيّ صلى الله عليه وسلم أن يرفضوا الدنـيا ويتركوا النساء ويترهبوا, فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم فغلظ فـيهم الـمقالة, ثم قال: «إنـما هَلكَ مَنْ كَان قَبْلَكُمْ بـالتّشْدِيدِ, شَدّدُوا علـى أنْفُسِهِمْ فَشَدّدَ الله عَلَـيْهِمْ, فأولئك بَقَايَاهُمْ فـي الدّيار والصّوَامِع, اعْبُدُوا الله ولا تُشْرِكُوا به شيئا, وحجّوا واعْتَـمِرُوا, واسْتَقِـيـمُوا يَسْتَقِمْ لَكُمْ». قال: ونزلت فـيهم: يا أيّها الّذِينَ آمَنُوا لا تُـحَرّمُوا طَيّبـاتِ ما أحَلّ اللّهُ لَكُمْ... الاَية.
9710ـ حدثنا الـحسن بن يحيى, قال: أخبرنا عبد الرزاق, قال: أخبرنا معمر, عن قتادة, فـي قوله: لا تُـحَرّمُوا طَيّبـاتِ ما أحَلّ اللّهُ لَكُمْ قال: نزلت فـي أناس من أصحاب النبـيّ صلى الله عليه وسلم, أرادوا أن يتـخـلوا من اللبـاس ويتركوا النساء ويتزهدوا, منهم علـيّ بن أبـي طالب وعثمان بن مظعون.
9711ـ حدثنا ابن وكيع, قال: حدثنا أبـي, عن سفـيان, عن زياد بن فـياض, عن أبـي عبد الرحمن, قال: قال النبـيّ صلى الله عليه وسلم: «لا آمُرُكُمْ أنْ تَكُونُوا قِسّيسينَ وَرُهْبـانا».
9712ـ حدثنا بشر بن معاذ, قال: حدثنا جامع بن حماد, قال: حدثنا يزيد بن زريع, عن سعيد, عن قتادة, فـي قوله: يا أيّها الّذِينَ آمَنُوا لا تُـحَرّمُوا طَيّبـاتِ ما أحَلّ اللّهُ لَكُمْ... الاَية ذكر لنا أن رجالاً من أصحاب النبـيّ صلى الله عليه وسلم رفضوا النساء واللـحم وأرادوا أن يتـخذوا الصوامع فلـما بلغ ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم, قال: «لـيس فـي دينـي تَرْكُ النّساءِ واللّـحْم, ولا اتّـخَاذُ الصّوَامِعِ». وخُبّرنا أن ثلاثة نفر علـى عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم اتفقوا, فقال أحمدهم: أما أنا فأقوم اللـيـل لا أنام, وقال أحدهم: أما أنا فأصوم النهار فلا أفطر, وقال الاَخر: أما أنا فلا أتـي النساء. فبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم إلـيهم, فقال: «ألَـمْ أُنَبّأْ أنّكُمُ اتّفَقْتُـمْ علـى كَذَا؟» قالوا: بلـى يا رسول الله, وما أردنا إلا الـخير. قال: «لَكِنّـي أقُومُ وأنامُ وأصُومُ وأُفْطِرُ وآتِـي النّساءَ, فَمَنْ رَغِبَ عَنْ سُنّتِـي فَلَـيْسَ مِنّـي». وكان فـي بعض القراءة: «من رغب عن سنتك فلـيس من أمتك وقد ضلّ عن سواء السبـيـل». وذكر لنا أن نبـيّ الله صلى الله عليه وسلم قال لأناس من أصحابه: «إنّ مَن قبلكم شدّدوا علـى انْفُسِهِمْ فَشدّدَ الله عَلَـيْهِمْ, فهَؤُلاء إخْوَانُهُم فـي الدّور والصّوَامِعِ, اعْبُدُوا الله ولا تُشْرِكُوا به شَيْئا, وأقِـيـمُوا الصّلاةَ, وآتُوا الزّكاة, وصُومُوا رَمَضَانَ, وحُجّوا واعْتَـمِرُوا, واسْتَقِـيـمُوا يُسْتَقَم لكم».
9713ـ حدثنـي مـحمد بن الـحسين, قال: حدثنا أحمد بن مفضل, قال: حدثنا أسبـاط, عن السديّ: يا أيّها الّذِينَ آمَنُوا لا تُـحَرّمُوا طَيّبـاتِ ما أحَلّ اللّهُ لَكُمْ وَلا تَعْتَدُوا إنّ اللّهَ لا يُحِبّ الـمُعْتَدِينَ وذلك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم جلس يوما, فذكّر الناس, ثم قام ولـم يزدهم علـى التـخويف, فقال أناس من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم كانوا عشرة, منهم علـيّ بن أبـي طالب, وعثمان بن مظعون: ما حقنا إن لـم نـحدث عملاً فإن النصارى قد حرّموا علـى أنفسهم, فنـحن نـحرّم. فحرّم بعضهم أكل اللـحم والوَدَك وأن يأكل بـالنهار, وحرّم بعضهم النوم, وحرّم بعضهم النساء, فكان عثمان بن مظعون مـمن حرّم النساء, وكان لا يدنو من أهله ولا يدنون منه, فأتت امرأته عائشة وكان يقال لها: الـحولاء, فقالت لها عائشة ومَن عندها من نساء النبـيّ صلى الله عليه وسلم: ما بـالك يا حولاء متغيرة اللون, لا تـمتشطين ولا تطيبـين؟ فقالت: وكيف أتطيب وأمتشط وما وقع علـيّ زوجي ولا رفع عنـي ثوبـا منذ كذا وكذا فجعلن يضحكن من كلامها, فدخـل رسول الله صلى الله عليه وسلم وهن يضحكن, فقال: «ما يُضْحِكُكُنّ؟» قالت: يا رسول الله, الـحولاء سألتها عن أمرها, فقالت: ما رفع عنـي زوجي ثوبـا منذ كذا وكذا. فأرسل إلـيه فدعاه, فقال: «ما بَـالُكَ يا عُثْمانُ؟» قال: إنـي تركته لله لكي أتـخـلـى للعبـادة. وقصّ علـيه أمره, وكان عثمان قد أراد أن يَجُبّ نفسه, فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أقْسَمْتُ عَلَـيْكَ إلاّ رَجَعْتَ فَوَاقَعْتَ أهْلَكَ» فقال: يا رسول الله إنـي صائم. قال: «أفْطِرْ» فأفْطَر وأتـى أهله. فرجعت الـحَوْلاء إلـى عائشة قد اكتـحلت وامتشطت وتطيبت, فضحكت عائشة فقالت: ما بـالك يا حولاء؟ فقالت: إنه أتاها أمس. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ما بـالُ أقْوَامٍ حَرّمُوا النّساءَ وَالطّعامَ والنّوْمَ؟ ألا إنّـي أنامُ وأقُومُ وأفْطِرُ وأُصُومُ وأنْكِحُ النّساءَ, فَمَنْ رَغِبَ عَنْ سُنّتِـي فَلَـيْسَ مِنّـي». فنزلت: يا أيّها الّذِينَ آمَنُوا لا تُـحَرّمُوا طَيّبـاتِ ما أحَلّ اللّهُ لَكُمْ وَلا تَعْتَدُوا يقول لعثمان: لا تـجبّ نفسك, فإن هذا هو الاعتداء. وأمرهم أن يكفّروا أيـمانهم, فقال: لا يؤاخذكمُ اللّهُ بـاللّغوِ فِـي أيْـمَانِكُمْ وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِـمَا عَقّدْتُـمُ الأَيـمَانَ.
9714ـ حدثنـي الـمثنى, قال: حدثنا عبد الله بن صالـح, قال: ثنـي معاوية, عن علـيّ, عن ابن عبـاس, قوله: يا أيّها الّذِينَ آمَنُوا لا تُـحَرّمُوا طَيّبـاتِ ما أحَلّ اللّهُ لَكُمْ قال: هم رهط من أصحاب النبـيّ صلى الله عليه وسلم قالوا: نقطع مذاكيرنا, ونترك شهوات الدنـيا, ونسيح فـي الأرض كما تفعل الرهبـان. فبلغ ذلك النبـيّ صلى الله عليه وسلم, فأرسل إلـيهم, فذكر ذلك لهم, فقالوا: نعم, فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لَكِنّـي أصُومُ وأفْطُرِ وأُصَلّـي وأنامُ وأنْكِحُ النّساءَ, فَمَنْ أخَذَ بِسُنّتِـي فَهُوَ مِنّـي, وَمَنْ لَـمْ يَأْخُذْ بِسُنّتِـي فَلَـيْسَ مِنّـي».
حدثنـي مـحمد بن سعد, قال: ثنـي أبـي, قال: ثنـي عمي, قال: ثنـي أبـي, عن أبـيه, عن ابن عبـاس قوله: يا أيّها الّذِينَ آمَنُوا لا تُـحَرّمُوا طَيّبـاتِ ما أحَلّ اللّهُ لَكُمْ وذلك أن رجالاً من أصحاب مـحمد صلى الله عليه وسلم منهم عثمان بن مظعون حرّموا النّساءَ وَاللّـحْمَ علـى أنْفُسِهِمْ, وأخذوا الشفـار لـيقطعوا مذاكيرهم لكي تنقطع الشهوة ويتفرّغوا لعبـادة ربهم. فأُخبر بذلك النبـيّ صلى الله عليه وسلم, فقال: «ما أرَدْتُـمْ؟» فقالوا: أردنا أن نقطع الشهوة عنا ونتفرّغ لعبـادة ربنا ونلهو عن النساء. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لَـمْ أُومَرُ بِذَلِكَ, وَلَكِنّـي أُمِرْتُ فِـي دِينِـي أنْ أتَزَوّجَ النّساءَ». فقالوا: نطيع رسول الله صلى الله عليه وسلم. فأنزل الله: يا أيّها الّذِينَ آمَنُوا لا تُـحَرّمُوا طَيّبـاتِ ما أحَلّ اللّهُ لَكُمْ, وَلا تَعْتَدُوا إنّ اللّهَ لا يُحِبّ الـمُعْتِدينَ... إلـى قوله: الّذِي أنُتـمْ بِهِ مُؤْمِنُونَ.
9715ـ حدثنا القاسم, قال: حدثنا الـحسين, قال: ثنـي حجاج, عن ابن جريج, عن مـجاهد, قال: أراد رجال منهم عثمان بن مظعون وعبد الله بن عمرو أن يتبتلوا ويخْصوا أنفسهم, ويـلبسوا الـمسوح, فنزلت هذه الاَية إلـى قوله: واتّقُوا الله الّذِي أنْتُـمْ بِهِ مُؤْمِنُونَ. قال ابن جريج عن عكرمة: إن عثمان بن مظعون, وعلـيّ بن أبـي طالب, وابن مسعود, والـمقداد بن الأسود, وسالـما مولـى أبـي حذيفة فـي أصحاب تبتّلوا, فجلسوا فـي البـيوت واعتزلوا النساء ولبسوا الـمسوح وحرّموا طيبـات الطعام واللبـاس, إلا ما أكل ولبس أهل السياحة من بنـي إسرائيـل, وهمّوا بـالاختصاء, وأجمعوا لقـيام اللـيـل وصيام النهار, فنزلت: يا أيّها الّذِينَ آمَنُوا لا تُـحَرّمُوا طَيّبـاتِ ما أحَلّ اللّهُ لَكُمْ وَلا تَعْتَدُوا إنّ اللّهَ لا يُحِبّ الـمُعْتَدِينَ يقول: لا تستَنّوا بغير سنة الـمسلـمين, يريد ما حرّموا من النساء والطعام واللبـاس, وما أجمعوا له من صيام النهار وقـيام اللـيـل, وما همّوا له من الإخصاء. فلـما نزلت فـيهم بعث إلـيهم رسول الله صلى الله عليه وسلم, فقال: «إنّ لأِنْفُسِكُمْ حَقّا, وَإنّ لاِءَعَيُنِكُمْ حَقّا, صُومُوا وأفْطِرُوا وَصَلّوا وَنامُوا فَلَـيْسَ مِنّا مَنْ تَرَكَ سُنّتَنا». فقالوا: اللهمّ أسلَـمْنا واتبعنا ما أنزلت.
9716ـ حدثنـي يونس بن عبد الأعلـى, قال: أخبرنا ابن وهب, عن ابن زيد فـي قوله: يا أيّها الّذِينَ آمَنُوا لا تُـحَرّمُوا طَيّبـاتِ ما أحَلّ اللّهُ لَكُمْ قال: قال أبىّ: ضاف عبدَ الله بن رواحة ضيفٌ, فـانقلب ابن رواحة ولـم يتعشّ, فقال لأهله: ما عشيتِه؟ فقالت: كان الطعام قلـيلاً فـانتظرت أن تأتـي. قال: فحبستِ ضيفـي من أجلـي؟ فطعامك علـيّ حرام إن ذقته فقالت: هي وهو علـيّ حرام إن ذقته إن لـم تذقه وقال الضيف: هو علـيّ حرام إن لـم تذوقوه فلـما رأى ذلك, قال ابن رواحة: قرّبـي طعامك, كلوا بسم الله وغدا إلـى النبـيّ صلى الله عليه وسلم, فأخبره, فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «قَدْ أحْسَنْتَ» فنزلت هذه الاَية: يا أيّها الّذِينَ آمَنُوا لا تُـحَرّمُوا طَيّبـاتِ ما أحَلّ اللّهُ لَكُمْ... وقرأ حتـى بلغ: لا يُؤَاخِذُكُمُ اللّهُ بـاللّغُوِ فِـي إيـمَانِكُمْ وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِـمَا عَقّدْتُـمُ الأَيـمَانَ إذا قلت: والله لا أذوقه, فذلك العقد.
9717ـ حدثنا عمرو بن علـيّ, قال: حدثنا أبو عاصم, قال: حدثنا عثمان بن سعيد, قال: حدثنا عكرمة, عن ابن عبـاس: أن رجلاً أتـى النبـيّ صلى الله عليه وسلم, فقال: يا رسول الله, إنـي إذا أصبت من اللـحم انتشرت وأخذتنـي شهوتـي, فحرّمت اللـحم. فأنزل الله تعالـى ذكره: يا أيّها الّذِينَ آمَنُوا لا تُـحَرّمُوا طَيّبـاتِ ما أحَلّ اللّهُ لَكُمْ وَلا تَعْتَدُوا إنّ اللّهَ لا يُحِبّ الـمُعْتَدِينَ.
9718ـ حدثنا عمرو بن علـيّ, قال: حدثنا يزيد بن زريع, قال: حدثنا خالد الـحذّاء, عن عكرمة, قال: همّ أناس من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم بترك النساء والـخصاء, فأنزل الله تعالـى: يا أيّها الّذِينَ آمَنُوا لا تُـحَرّمُوا طَيّبـاتِ ما أحَلّ اللّهُ لَكُمْ... الاَية.
واختلفوا فـي معنى الاعتداء الذي قال تعالـى ذكره: وَلا تَعْتَدُوا إنّ اللّهَ لا يُحِبّ الـمُعْتَدِينَ فقال بعضهم: الاعتداء الذي نهي الله عنه فـي هذا الـموضع هو ما كان عثمان بن مظعون همّ به من جبّ نفسه, فنهى عن ذلك, وقـيـل له: هذا هو الاعتداء. ومـمن قال ذلك السديّ.
حدثنا مـحمد بن الـحسين, قال: ثنـي أحمد بن الـمفضل, قال: حدثنا أسبـاط, عنه به.
وقال آخرون: بل ذلك هو ما كان الـجماعة من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم همّوا به من تـحريـم النساء والطعام واللبـاس والنوم, فُنهوا أن يفعلوا ذلك وأن يستَنّوا بغير سنة نبـيهم مـحمد صلى الله عليه وسلم. ومـمن قال ذلك عكرمة.
9719ـ حدثنا القاسم, قال: حدثنا الـحسين, قال: ثنـي حجاج, عن ابن جريج, عنه به.
وقال بعضهم: بل ذلك نهي من الله تعالـى ذكره أن يتـجاوز الـحلال إلـى الـحرام. ذكر من قال ذلك:
9720ـ حدثنا ابن وكيع, قال: حدثنا الـمـحاربـي, عن عاصم, عن الـحسن: يا أيّها الّذِينَ آمَنُوا لا تُـحَرّمُوا طَيّبـاتِ ما أحَلّ اللّهُ لَكُمْ وَلا تَعْتَدُوا قال: لا تعتدوا إلـى ما حرّم علـيكم.
وقد بـيّنا أن معنى الاعتداء: تـجاوز الـمرء ماله إلـى ما لـيس له فـي كلّ شيء, فـيـما مضى بـما أغنى عن إعادته. وإذ كان ذلك كذلك, وكان الله تعالـى ذكره قد عمّ بقوله: لا تَعْتَدُوا النهي عن العدوان كله, كان الواجب أن يكون مـحكوما لـما عمه بـالعموم حتـى يخصه ما يجب التسلـيـم له. ولـيس لأحد أن يتعدّى حدّ الله تعالـى فـي شي من الأشياء مـما أحلّ أو حرّم, فمن تعدّاه فهو داخـل فـي جملة من قال تعالـى ذكره: إنّ اللّهَ لا يُحِبّ الـمُعْتَدِينَ. وغير مستـحيـل أن تكون الاَية نزلت فـي أمر عثمان بن مظعون والرهط الذين همّوا من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم بـما همّوا به من تـحريـم بعض ما أحلّ الله لهم علـى أنفسهم, ويكون مرادا بحكمها كلّ من كان فـي مثل معناهم مـمن حرّم علـى نفسه ما أحلّ الله له أو أحلّ ما حرّم الله علـيه أو تـجاوز حدّا حدّه الله له, وذلك أن الذين همّوا بـما همّوا به من تـحريـم بعض ما أحلّ لهم علـى أنفسهم إنـما عوتبوا علـى ما همّوا به من تـجاوزهم ما سنّ لهم وحدّ إلـى غيره.
الآية : 88
القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {وَكُلُواْ مِمّا رَزَقَكُمُ اللّهُ حَلاَلاً طَيّباً وَاتّقُواْ اللّهَ الّذِيَ أَنتُم بِهِ مُؤْمِنُونَ }..
يقول تعالـى ذكره لهؤلاء الـمؤمنـين الذين نهاهم أن يحرّموا طيبـات ما أحلَ الله لهم: كلوا أيها الـمؤمنون من رزق الله الذي رزقكم وأحله لكم حلالاً طيبـا. كما:
9721ـ حدثنا القاسم, قال: حدثنا الـحسين, قال: ثنـي حجاج, عن ابن جريج, عن عكرمة: وكُلُوا مِـمّا رَزَقَكُمُ اللّهُ حَلالاً طَيّبـا يعنـي: ما أحلّ الله لهم من الطعام.
وأما قوله: وَاتّقُوا اللّهَ الّذِي أنْتُـمْ بِهِ مُؤْمِنُونَ فإنه يقول: وخافوا أيها الـمؤمنون أن تعتدوا فـي حدوده, فتـحلوا ما حرّم علـيكم وتـحرّموا ما أحلّ لكم, واحذروه فـي ذلك أن تـخالفوه فـينزل بكم سخطه, أو تستوجبوا به عقوبته. الّذِي أنْتُـمْ به مُؤْمِنُونَ يقول: الذي أنتـم بوحدانـيته مقرّون وبربوبـيته مصدّقون.
الآية : 89
القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {لاَ يُؤَاخِذُكُمُ اللّهُ بِاللّغْوِ فِيَ أَيْمَانِكُمْ وَلَـَكِن يُؤَاخِذُكُم بِمَا عَقّدتّمُ الأيْمَانَ فَكَفّارَتُهُ إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ أَوْ كِسْوَتُهُمْ أَوْ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ فَمَن لّمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلاَثَةِ أَيّامٍ ذَلِكَ كَفّارَةُ أَيْمَانِكُمْ إِذَا حَلَفْتُمْ وَاحْفَظُوَاْ أَيْمَانَكُمْ كَذَلِكَ يُبَيّنُ اللّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلّكُمْ تَشْكُرُونَ }..
يقول تعالـى ذكره للذين كانوا حرّموا علـى أنفسهم الطيبـات من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وكانوا حرّموا ذلك بأيـمان حلفوا بها, فنهاهم عن تـحريـمها, وقال لهم: لا يؤاخذكم ربكم بـاللغو فـي أيـمانكم. كما:
9722ـ حدثنـي مـحمد بن سعد, قال: ثنـي أبـي, قال: ثنـي عمي, قال: ثنـي أبـي, عن أبـيه, عن ابن عبـاس, قال: لـما نزلت: يا أيّها الّذِينَ آمَنُوا لا تُـحَرّمُوا طَيّبـاتِ ما أحَلّ اللّهُ لَكُمْ فـي القوم الذين كانوا حرّموا النساء واللـحم علـى أنفسهم, قالوا: يا رسول الله, كيف نصنع بأيـماننا التـي حلفنا علـيها؟ فأنزل الله تعالـى ذكره: لا يُؤَاخِذُكُمُ اللّهُ بـاللّغْوِ فِـي أيـمَانِكُمْ... الاَية.
فهذا يدلّ علـى ما قلنا من أن القوم كانوا حرّموا علـى أنفسهم بأيـمان حلفوا بها, فنزلت هذه الاَية بسببهم.
واختلفت القراء فـي قراءة ذلك, فقرأته عامة قرّاء الـحجاز وبعض البصريـين: وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِـمَا عَقّدْتُـمُ الأَيْـمَانَ بتشديد القاف, بـمعنى: وكدتـم الأيـمان وردّدتـموها وقرّاء الكوفـيـين: «بِـمَا عَقَدْتُـمُ الأَيـمَانَ» بتـخفـيف القاف, بـمعنى: أوجبتـموها علـى أنفسكم, وعزمت علـيها قلوبكم.
وأولـى القراءتـين بـالصواب فـي ذلك قراءة من قرأ بتـخفـيف القاف, وذلك أن العرب لا تكاد تستعمل فعلت فـي الكلام, إلا فـيـما يكون فـيه تردّد مرّة بعد مرّة, مثل قولهم: شدّدت علـى فلان فـي كذا إذا كرّر علـيه الشدّ مرّة بعد أخرى, فإذا أرادوا الـخبر عن فعل مرّة واحدة قـيـل: شَدّدت علـيه بـالتـخفـيف. وقد أجمع الـجميع لا خلاف بـينهم أن الـيـمين التـي تـجب بـالـحنث فـيها الكفـارة تلزم بـالـحنث فـي حلف مرّة واحدة وإن لـم يكرّرها الـحالف مرّات, وكان معلوما بذلك أن الله مؤاخذ الـحالف العاقد قلبه علـى حلفه وإن لـم يكرّره ولـم يردّده وإذا كان ذلك كذلك لـم يكن لتشديد القاف من عقّدتـم وجه مفهوم. فتأويـل الكلام إذن: لا يؤاخذكم الله أيها الـمؤمنون من أيـمانكم بـما لغوتـم فـيه, ولكن يؤاخذكم بـما أوجبتـموه علـى أنفسكم منها وعقدت علـيه قلوبكم. وقد بـينا الـيـمين التـي هي لغو والتـي الله مؤاخذ العبد بها, والتـي فـيها الـحنث والتـي لا حنث فـيها, فـيـما مضى من كتابنا هذا فكرهنا إعادة ذلك فـي هذا الـموضع.
وأما قوله: بِـمَا عَقّدْتُـمُ الأَيـمَانَ فإن هنادا:
9723ـ حدثنا قال: حدثنا وكيع, عن سفـيان, عن ابن أبـي نـجيح, عن مـجاهد: وَلَكِنْ يَؤَاخِذُكُمْ بِـمَا عَقّدْتُـمُ الأَيَـمانَ قال: بـما تعمدتـم.
حدثنا ابن وكيع, قال: حدثنا أبـي, عن سفـيان, عن ابن أبـي نـجيح, عن مـجاهد, مثله.
9724ـ حدثنا بشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة, عن الـحسن: وَلَكِنْ يَؤَاخِذُكُمْ بِـمَا عَقّدْتُـمُ الأَيَـمانَ يقول: ما تعمدتَ فـيه الـمأثم, فعلـيك فـيه الكفـارة.
القول فـي تأويـل قوله تعالـى: فَكَفّـارَتُهُ إطْعَامُ عَشَرَةِ مَساكِينَ.
اختلف أهل التأويـل فـي الهاء التـي فـي قوله: فَكَفّـارَتُهُ علـى ما هي عائدة, ومن ذكر ما؟ فقال بعضهم: هي عائدة علـى «ما» التـي فـي قوله: بِـمَا عَقّدْتُـمُ الأَيـمَانَ. ذكر من قال ذلك:
9725ـ حدثنا ابن بشار, قال: حدثنا ابن أبـي عديّ, عن عوف, عن الـحسن فـي هذه الاَية: لا يُؤَاخِذُكُمُ اللّهُ بـاللّغْوِ فِـي إيـمَانِكُمْ قال: هو أن تـحلف علـى الشيء وأنت يخيـل إلـيك أنه كما حلفت ولـيس كذلك, فلا يؤاخذكم الله, فلا كفـارة, ولكن الـمؤاخذة والكفـارة فـيـما حلفت علـيه علـى علـم.
9726ـ حدثنا ابن حميد, وابن وكيع, قالا: حدثنا جرير, عن منصور, عن مغيرة, عن الشعبـي, قال: اللغو لـيس فـيه كفـارة وَلَكِنْ يَؤَاخِذُكُمْ بِـمَا عَقّدْتُـمُ الأَيَـمانَ قال: ما عقد فـيه يـمينه فعلـيه الكفـارة.
9727ـ حدثنـي يعقوب, قال: حدثنا هشيـم, قال: أخبرنا حصين, عن أبـي مالك, قال: الأيـمان ثلاث: يـمين تكفّر, ويـمين لا تكفّر, ويـمين لا يؤاخذ بها صاحبها. فأما الـيـمين التـي تكفر, فـالرجل يحلف علـى الأمر لا يفعله ثم يفعله, فعلـيه الكفـارة. وأما الـيـمين التـي لا تكفر: فـالرجل يحلف علـى الأمر يتعمد فـيه الكذب, فلـيس فـيه كفـارة. وأما الـيـمين التـي لا يؤاخذ بها صاحبها: فـالرجل يحلف علـى الأمر يرى أنه كما حلف علـيه فلا يكون كذلك, فلـيس علـيه فـيه كفـارة, وهو اللغو.
9728ـ حدثنا يعقوب, قال: حدثنا هشيـم, قال: أخبرنا ابن أبـي لـيـلـى, عن عطاء, قال: قالت عائشة: لغو الـيـمين ما لـم يعقد علـيه الـحالف قلبه.
9729ـ حدثنـي يعقوب, قال: حدثنا ابن علـية, قال: حدثنا هشام, قال: حدثنا حماد, عن إبراهيـم, قال: لـيس فـي لغو الـيـمين كفـارة.
9730ـ حدثنـي يونس بن عبد الأعلـى, قال: أخبرنا ابن وهب, قال: أخبرنـي يونس, عن ابن شهاب, أن عروة حدثه أن عائشة قالت: أيـمان الكفـارة كلّ يـمين حلف فـيها الرجل علـى جدّ من الأمور فـي غضب أو غيره لـيفعلنّ لـيتركنّ, فذلك عقد الأيـمان التـي فرض الله فـيها الكفـارة, وقال تعالـى ذكره: لا يُؤَاخِذُكُمُ اللّهُ بـاللّغْوِ فِـي إيـمَانِكُمْ وَلَكِنْ يَؤَاخِذُكُمْ بِـمَا عَقّدْتُـمُ الأَيَـمانَ.
9731ـ حدثنـي يونس, قال: أخبرنا ابن وهب, قال: أخبرنـي معاوية بن صالـح, عن يحيى بن سعيد, وعن علـيّ بن أبـي طلـحة, قالا: لـيس فـي لغو الـيـمين كفـارة.
9732ـ حدثنا بشر, قال: حدثنا جامع بن حماد, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة, عن الـحسن: وَلَكِنْ يَؤَاخِذُكُمْ بِـمَا عَقّدْتُـمُ الأَيَـمانَ يقول: ما تعمدت فـيه الـمأثم فعلـيك فـيه الكفـارة. قال: وقال قتادة: أما اللغو فلا كفـارة فـيه.
حدثنا هناد, قال: حدثنا عبدة, عن سعيد, عن قتادة, عن الـحسن, قال: لا كفـارة فـي لغو الـيـمين.
9733ـ حدثنا ابن وكيع, قال: حدثنا عمرو العنقزي, عن أسبـاط, عن السديّ: لـيس فـي لغو الـيـمين كفـارة.
فمعنى الكلام علـى هذا التأويـل: لا يؤاخذكم الله بـاللغو فـي أيـمانكم, ولكن يؤاخذكم بـما عقدتـم الأيـمان, فكفـارة ما عقدتـم منها: إطعام عشرة مساكين.
وقال آخرون: الهاء فـي قوله: فَكَفّـارَتُهُ عائدة علـى اللغو, وهي كناية عنه. قالوا: وإنـما معنى الكلام: لا يؤاخذكم الله بـاللغو فـي أيـمانكم إذا كفرتـموه, ولكن يؤاخذكم إذا عقدتـم الأيـمان فأقمتـم علـى الـمضيّ علـيه بترك الـحنث والكفـارة فـيه, والإقامة علـى الـمضيّ علـيه غير جائزة لكم, فكفّـارة اللغو منها إذا حنثتـم فـيه: إطعام عشرة مساكين. ذكر من قال ذلك:
9734ـ حدثنـي الـمثنى, قال: حدثنا عبد الله بن صالـح, قال: ثنـي معاوية بن صالـح, عن علـيّ بن أبـي طلـحة, عن ابن عبـاس قوله: لا يُؤَاخِذُكُمْ بِـمَا عَقّدْتُـمُ الأَيَـمانَ قال: هو الرجل يحلف علـى أمر ضرار أن يفعله فلا يفعله فـيرى الذي هو خير منه, فأمره الله أن يكفر عن يـمينه ويأتـي الذي هو خير. وقال مرّة أخرى قوله: لايُؤَاخِذُكُمْ بِـمَا عَقّدْتُـمُ الأَيَـمانَ... إلـى قوله: بِـمَا عَقّدْتُـمُ الأيـمَانَ قال: واللغو من الـيـمين هي التـي تكفر لا يؤاخذ الله بها, ولكن من أقام علـى تـحريـم ما أحلّ الله له ولـم يتـحوّل عنه ولـم يكفّر عن يـمينه, فتلك التـي يؤاخذ بها.
9735ـ حدثنا هناد, قال: حدثنا حفص بن غياث, عن داود بن أبـي هند, عن سعيد بن جبـير, قوله: لا يُؤَاخِذُكُمْ بِـمَا عَقّدْتُـمُ الأَيَـمانَ قال: هو الذي يحلف علـى الـمعصية فلا يفـي, فـيكفّر.
9736ـ حدثنا مـحمد بن الـمثنى, قال: حدثنا عبد الوهاب, قال: حدثنا داود, عن سعيد بن جبـير: لا يُؤَاخِذُكُمُ اللّهُ بـاللّغْوِ فِـي أيـمَانِكُمْ قال: هو الرجل يحلف علـى الـمعصية فلا يؤاخذه الله تعالـى, يكفّر عن يـمينه ويأتـي الذي هو خير ولَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بـما عَقّدْتُـمُ الأَيْـمَانَ الرجل يحلف علـى الـمعصية ثم يقـيـم علـيها, فكفـارته إطعام عشرة مساكين.
9737ـ حدثنـي يعقوب, قال: حدثنا ابن عُلَـية, قال: أخبرنا داود, عن سعيد بن جبـير, قال فـي لغو الـيـمين: هي الـيـمين فـي الـمعصية, فقال: أو لا تقرأ فتفهم؟ قال: لا يُؤَاخِذُكُمُ اللّهُ بـاللّغْوِ فِـي أيـمانِكُمْ وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِـمَا عَقّدْتُـمُ الأَيـمَانَ قال: فلا يؤاخذه بـالإلغاء, ولكن يؤاخذه بـالـمقام علـيها. قال: وقال: وَلا تَـجْعَلُوا اللّهَ عُرْضَةً لاِءَيـمَانِكُمْ.
حدثنـي يعقوب, قال: حدثنا هشيـم, قال: أخبرنا أبو بشر, عن سعيد بن جبـير, فـي قوله: لا يُؤَاخِذُكُمُ اللّهُ بـاللّغْوِ فِـي أيـمَانِكُمْ قال: هو الرجل يحلف علـى الـمعصية فلا يؤاخذه الله بتركها إن تركها. قلت: وكيف يصنع؟ قال: يكفّر يـمينه, ويترك الـمعصية.
9738ـ حدثنـي يحيى بن جعفر, قال: حدثنا يزيد بن هارون, قال: أخبرنا جويبر, عن الضحاك, فـي قوله: لا يُؤَاخِذُكُمُ اللّهُ بـاللّغْوِ فِـي أيـمانِكُمْ قال: الـيـمين الـمكفرة.
9739ـ حدثنا هناد, قال: حدثنا أبو الأحوص, عن مغيرة, عن إبراهيـم, قال: اللغو: يـمين لا يؤاخذ بها صاحبها, وفـيها كفـارة.
والذي هو أولـى عندي بـالصواب فـي ذلك, أن تكون الهاء فـي قوله: فَكَفّـارَتُهُ عائدة علـى «ما» التـي فـي قوله: بِـمَا عَقّدْتُـمُ الأَيـمَانَ لـما قدّمنا فـيـما مضى قبل أن من لزمته فـي يـمينه كفـارة وأوخذ بها, غير جائز أن يقال لـمن قد أوخذ: لا يؤاخذه الله بـاللغو وفـي قوله تعالـى: لا يُؤَاخِذُكُمُ اللّهُ بـاللّغْوِ فِـي أيـمانِكُمْ دلـيـل واضح أنه لا يكون مؤاخذ بوجه من الوجوه من أخبرنا تعالـى ذكره أنه غير مؤاخذ.
فإن ظنّ ظانّ أنه إنـما عنى تعالـى ذكره بقوله: لا يُؤَاخِذُكُمُ اللّهُ بـاللّغْوِ فِـي أيـمانِكُمْ بـالعقوبة علـيها فـي الاَخرة إذا حنثتـم وكفّرتـم, لا أنه لا يؤاخذهم بها فـي الدنـيا بتكفـير فإن إخبـار الله تعالـى ذكره وأمره ونهيه فـي كتابه علـى الظاهر العامّ عندنا بـما قد دللنا علـى صحة القول به فـي غير هذا الـموضع فأغنى عن إعادته, دون البـاطن العامّ الذي لا دلالة علـى خصوصه فـي عقل ولا خبر ولا دلالة من عقل ولا خبر, أنه عنى تعالـى ذكره بقوله: لا يُؤَاخِذُكُمُ اللّهُ بـاللّغْوِ فِـي أيـمانِكُمْ بعض معانـي الـمؤاخذة دون جميعها. وإذ كان ذلك كذلك, وكان من لزمته كفـارة فـي يـمين حنث فـيها مؤاخذا بها بعقوبة فـي ماله عاجلة, كان معلوما أنه غير الذي أخبرنا تعالـى ذكره أنه لا يؤاخذه بها. وإذا كان الصحيح من التأويـل فـي ذلك ما قلنا بـالذي علـيه دللنا, فمعنى الكلام إذن: لا يؤاخذكم الله أيها الناس بلغو من القول والأيـمان إذا لـم تتعمدوا بها معصية الله تعالـى ولا خلاف أمره ولـم تقصدوا بها إثما, ولكن يؤاخذكم بـما تعمدتـم به الإثم وأوجبتـموه علـى أنفسكم وعزمت علـيه قلوبكم, ويكفر ذلك عنكم, فـيغطى علـى سيء ما كان منكم من كذب وزُور قول ويـمـحوه عنكم, فلا يتبعكم به ربكم إطعام عشرة مساكين من أوسط ما تطعمون أهلـيكم.
القول فـي تأويـل قوله تعالـى: مِنْ أوْسَطِ ما تُطْعِمُونَ أهْلِـيكُمْ.
يعنـي تعالـى ذكره بقوله: {مِنْ أوسَطِ ما تُطْعِمُونَ أهْلِـيكُمْ}: أعدله. كما:
9740ـ حدثنـي يونس, قال: أخبرنا ابن وهب, قال: أخبرنا ابن جريج, قال: سمعت عطاء يقول فـي هذه الاَية: مِنْ أوْسَطِ ما تُطْعِمُونَ أهْلِـيكُمْ أوْ كِسْوَتُهُمْ قال عطاء: أوسطه: أعدله, واختلف أهل التأويـل فـي معنى قوله: مِنْ أوْسَطِ ما تُطْعِمُونَ أهْلِـيكُمْ فقال بعضهم: معناه: من أوسط ما يطعم من أجناس الطعام الذي يقتاته أهل بلد الـمكفر أهالـيهم. ذكر من قال ذلك:
9741ـ حدثنا هناد, قال: أخبرنا شريك, عن عبد الله بن حنَشَ, عن الأسود, قال: سألته عن: أوْسَطِ ما تُطْعِمُونَ أهْلِـيكُمْ قال: الـخبز والتـمر والزيت والسمن, وأفضله اللـحم.
حدثنا هناد, قال: حدثنا وكيع, وحدثنا ابن وكيع, قال: حدثنا أبـي, عن سفـيان, عن عبد الله بن حنَشَ, قال: سألت الأسود بن يزيد, عن ذلك, فقال: الـخبز والتـمر. زاد هناد فـي حديثه: الزيت, قال: وأحسبه الـخـلّ.
9742ـ حدثنا هناد وابن وكيع, قالا: حدثنا أبو الأحوص, عن عاصم الأحول, عن ابن سيرين, عن ابن عمر فـي قوله: مِنْ أوْسَطِ ما تُطْعِمُونَ أهْلِـيكُمْ قال: من أوسط ما يطعم أهله الـخبز والتـمر, والـخبز والسمن والـخبز والزيت, ومن أفضل ما يطعمهم: الـخبز واللـحم.
حدثنا ابن وكيع, قال: حدثنا مـحمد بن فضيـل, عن لـيث, عن ابن سيرين, عن ابن عمر: مِنْ أوْسَطِ ما تُطْعِمُونَ أهْلِـيكُمْ الـخبز واللـحم, والـخبز والسمن, والـخبز والـجبن, والـخبز والـخـلّ.
حدثنا ابن بشار, قال: حدثنا عبد الرحمن, قال: حدثنا سفـيان, عن عبد الله بن حنش, قال: سألت الأسود بن يزيد عن أوسط ما تطعمون أهلـيكم؟ قال: الـخبز والتـمر.
حدثنا ابن بشار, قال: حدثنا يحيى, قال: حدثنا سفـيان, قال: حدثنا عبد الله بن حنش, قال: سألت الأسود بن يزيد, فذكر مثله.
9743ـ حدثنا ابن بشار, قال: حدثنا عبد الرحمن, قال: حدثنا سعيد بن عبد الرحمن, عن مـحمد بن سيرين, عن عبـيدة السلـمانـي: مِنْ أوْسَطِ ما تُطْعِمُونَ أهْلِـيكُمْ قال: الـخبز والسمن.
حدثنا هناد, قال: حدثنا وكيع, وحدثنا ابن وكيع, قال: حدثنا أبـي, عن سعيد بن عبد الرحمن, عن ابن سيرين, قال: سألت عبـيدة عن ذلك, فذكر مثله.
حدثنا ابن بشار, قال: حدثنا أزهر, قال: أخبرنا ابن عون, عن مـحمد بن سيرين, عن عبـيدة: مِنْ أوْسَطِ ما تُطْعِمُونَ أهْلِـيكُمْ الـخبز والسمن.
9744ـ حدثنا هناد, قال: حدثنا وكيع, وحدثنا ابن وكيع, قال: حدثنا أبـي, عن يزيد بن إبراهيـم, عن ابن سيرين, قال: كانوا يقولون: أفضله الـخبز واللـحم, وأوسطه: الـخبز والسمن, وأخسه: الـخبز والتـمر.
9745ـ حدثنا هناد, قال: حدثنا وكيع, وحدثنا ابن وكيع, قال: حدثنا أبـي, عن الربـيع, عن الـحسن, قال: خبز ولـحم, أو خبز وسمن, أو خبز ولبن.
9746ـ حدثنا هناد وابن وكيع, قالا: حدثنا عمر بن هارون, عن أبـي مصلـح, عن الضحاك فـي قوله: مِنْ أوْسَطِ ما تُطْعِمُونَ أهْلِـيكُمْ قال: الـخبز واللـحم والـمرقة.
9747ـ حدثنا ابن بشار, قال: حدثنا عبد الرحمن, قال: حدثنا زائدة, عن يحيى بن حبـان الطائي, قال: كنت عند شريح, فأتاه رجل, فقال: إنـي حلفت علـى يـمين فأثمت قال شريح: ما حملك علـى ذلك؟ قال: قدّر علـيّ, فما أوسط ما أطعم أهلـي؟ قال له شريح: الـخبز والزيت والـخـلّ طيب. قال: فأعاد علـيه, فقال له شريح ذلك ثلاث مرار لا يزيده شريح علـى ذلك. فقال له: أرأيت إن أطعمت الـخبز واللـحم؟ قال: ذاك أرفع طعام أهلك وطعام الناس.
9748ـ حدثنا هناد, قال: ينا أبو خالد الأحمر, عن حجاج, عن أبـي إسحاق, عن الـحرث, عن علـيّ, قال فـي كفـارة الـيـمين: يغديهم ويعشّيهم خبزا وزيتا, أو خبزا وسمنا, أو خلاً وزيتا.
9749ـ حدثنا هناد وابن وكيع, قالا: حدثنا أبو أسامة, عن زبرقان, عن أبـي رزين: مِنْ أوْسَطِ ما تُطْعِمُونَ أهْلِـيكُمْ خبز وزيت وخـلّ.
9750ـ حدثنا ابن وكيع, قال: حدثنا عبد الأعلـى, عن هشام بن مـحمد, قال: أكلة واحدة خبز ولـحم. قال: وهو من أوسط ما تطعمون أهلـيكم, وإنكم لتأكلون الـخبـيص والفـاكهة.
9751ـ حدثنا ابن وكيع, قال: حدثنا عبد الأعلـى, وحدثنا هناد, قال: حدثنا أبو أسامة, عن هشام, عن الـحسن قال فـي كفـارة الـيـمين: يجزيك أن تطعم عشرة مساكين أكله واحدة خبزا ولـحما, فإن لـم تـجد فخبزا وسمنا ولبنا, فإن لـم تـجد فخبزا وخلاّ وزيتا حتـى يشبعوا.
حدثنا ابن وكيع, قال: حدثنا ابن نـمير, عن زبرقان, قال: سألت أبـا رزين, عن كفـارة الـيـمين ما يطعم؟ قال: خبزا وخلاّ وزيتا من أوسط ما تطعمون أهلـيكم, وذلك قدر قوتهم يوما واحدا.
ثم اختلف قائلو ذلك فـي مَبْلَغِه. فقال بعضهم: مبلغ ذلك نصف صاع من حنطة, أو صاع من سائر الـحبوب غيرها. ذكر من قال ذلك:
9752ـ حدثنا هناد, حدثنا وكيع, وحدثنا ابن وكيع, قال: حدثنا أبـي, عن عبد الله بن عمرو بن مرّة, عن أبـيه, عن إبراهيـم, عن عمر, قال: إنـي أحلف علـى الـيـمين ثم يبدو لـي, فإذا رأيتنـي قد فعلت ذلك فأطعم عشرة مساكين لكل مسكين مدّان من حِنطة.
9753ـ حدثنا هناد, قال: حدثنا أبو معاوية, ويعلـى عن الأعمش, عن شقـيق, عن يسار بن نُـمير, قال: قال عمر: إنـي أحلف أن لا أعطي أقواما ثم يبدو لـي أن أعطيهم, فإذا رأيتنـي فعلت ذلك, فأطعم عنـي عشرة مساكين بـين كلّ مسكينـين صاعا من برّ أو صاعا من تـمر.
9754ـ حدثنا هناد ومـحمد بن العلاء قالا: حدثنا وكيع, وحدثنا ابن وكيع قال: حدثنا أبـي, عن ابن أبـي لـيـلـى, عن عمرو بن مُرّة, عن عبد الله بن سلـمة, عن علـيّ, قال: كفـارة الـيـمين إطعام عشرة مساكين, لكلّ مسكين نصف صاع من حنطة.
9755ـ حدثنا هناد, قال: حدثنا أبو الأحوص, عن مغيرة, عن إبراهيـم: مِنْ أوْسَطِ ما تُطْعِمُونَ أهْلِـيكُمْ نصف صاع برّ كلّ مسكين.
9756ـ حدثنا هناد, قال: حدثنا حفص عن عبد الكريـم الـجزري, قال: قلت لسعيد بن جبـير: أجمعهم؟ قال: لا, أعطهم مدّينَ من حنطة, مدّا لطعامه ومدّا لإدامه.
حدثنا أبو كريب, قال: حدثنا وكيع, وحدثنا ابن وكيع, قال: حدثنا أبـي, عن سفـيان, عن عبد الكريـم الـحزري, قال: قلت لسعيد, فذكر نـحوه.
9757ـ حدثنا هناد, قال: حدثنا أبو زيد, عن حصين, قال: سألت الشعبـي, عن كفـارة الـيـمين, فقال: مكوكين: مكوكا لطعامه, ومكوكا لإدامه.
9758ـ حدثنا ابن وكيع, قال: حدثنا عبد الأعلـى, قال: حدثنا هشام, عن عطاء, عن ابن عبـاس, قال: لكلّ مسكين مدّين.
حدثنا هناد, قال: حدثنا أبو أسامة, عن هشام, عن عطاء, عن ابن عبـاس, قال: لكلّ مسكين مدّين من برّ فـي كفـارة الـيـمين.
9759ـ حدثنا هناد, قال: حدثنا وكيع, وحدثنا ابن وكيع, قال: حدثنا أبـي, عن سفـيان, عن ابن أبـي نـجيح, عن مـجاهد, قال: مدّان من طعام لكلّ مسكين.
9760ـ حدثنـي يعقوب, قال: حدثنا ابن عُلَـية, قال: حدثنا سعد بن يزيد أبو سَلَـمة, قال: سألت جابر بن زيد عن إطعام الـمسكين فـي كفـارة الـيـمين, فقال: أكلة. قلت: فإن الـحسن يقول: مكوك برّ, ومكوك تـمر, فما ترى فـي مكوك برّ؟ فقال: إن مكوك برّ لا, أو مكوك تـمر لا. قال يعقوب: قال ابن عُلَـية وقال أبو سلـمة بـيده, كأنه يراه حسنا, وقلب أبو سلـمة يده.
9761ـ حدثنا هناد, قال: حدثنا أبو أسامة, عن هشام, عن الـحسن: أنه كان يقول فـي كفـارة الـيـمين فـيـما وجب فـيه الطعام: مكوك تـمر, ومكوك برّ لكلّ مسكين.
9762ـ حدثنا هناد, قال: حدثنا وكيع, قال: حدثنا أبـي, عن الربـيع, عن الـحسن قال, قال: إن جمعهم أشبعهم إشبـاعة واحدة, وإن أعطاهم أعطاهم مكوكا مكوكا.
حدثنا يعقوب, قال: حدثنا ابن علـية, عن يونس, قال: كان الـحسن يقول: فإن أعطاهم فـي أيديهم فمكوك برّ ومكوك تـمر.
9763ـ حدثنا ابن وكيع, قال: حدثنا عبـيد الله, عن إسرائيـل, عن السديّ, عن أبـي مالك فـي كفّـارة الـيـمين: نصف صاع لكلّ مسكين.
9764ـ حدثنا ابن وكيع, قال: حدثنا ابن علـية, عن أبـيه, عن الـحكم, فـي قوله: إطعامُ عَشَرَةِ مَساكِين مِنْ أوْسَطِ ما تُطْعِمُونَ أهْلِـيكُمْ قال: إطعام نصف صاع لكلّ مسكين.
9765ـ حدثنا ابن بشار, قال: حدثنا عبد الرحمن, قال: حدثنا زائدة, عن مغيرة, عن إبراهيـم, قال: أوْسَطِ ما تُطْعِمُونَ أهْلِـيكُمْ نصف صاع.
9766ـ حُدثت عن الـحسين بن الفرج, قال: سمعت أبـا معاذ الفضل بن خالد, قال: حدثنا عبـيد بن سلـيـمان, قال: سمعت الضحاك بن مزاحم يقول فـي قوله: فَكفّـارَتُهُ إطْعامُ عَشَرَةِ مَساكِينَ قال: الطعام لكلّ مسكين: نصف صاع من تـمر أو برّ.
وقال آخرون: بل مبلغ ذلك من كلّ شيء من الـحبوب مدّ واحد. ذكر من قال ذلك:
9767ـ حدثنا هناد وأبو كريب, قالا: حدثنا وكيع, وحدثنا ابن وكيع, قال: حدثنا أبـي, عن هشام الدّستَوائي, عن يحيى بن أبـي كثـير, عن أبـي سلـمة, عن زيد بن ثابت, أنه قال فـي كفـارة الـيـمين: مدّ من حنطة لكلّ مسكين.
9768ـ حدثنا هناد, قال: حدثنا أبو معاوية, عن داود بن أبـي هند, عن عكرمة, عن ابن عبـاس, قال فـي كفّـارة الـيـمين: مدّ من حنطة لكلّ مسكين رُبْعه إدامُه.
حدثنا هناد وأبو كريب, قالا: حدثنا وكيع, عن سفـيان, عن داود بن أبـي هند, عن عكرمة, عن ابن عبـاس, نـحوه.
9769ـ حدثنا ابن وكيع, قال: حدثنا جرير, عن ابن عجلان, عن نافع, عن ابن عمر: إطعام عشرة مساكين لكلّ مسكين مدّ.
حدثنا هناد وأبو كريب, قالا: حدثنا وكيع, قال: حدثنا العمري, عن نافع, عن ابن عمر, قال: مدّ من حنطة لكلّ مسكين.
9770ـ حدثنا هناد, قال: حدثنا أبو الأحوص, عن يحيى بن سعيد, عن نافع, عن ابن عمر: أنه كان يكفّر الـيـمين بعشرة أمداد بـالـمدّ الأصغر.
9771ـ حدثنا ابن وكيع, قال: حدثنا ابن مهدي, عن حماد بن سلـمة, عن عبـيد الله, عن القاسم وسالـم فـي كفّـارة الـيـمين: ما يطعم؟ قالا: مدّ لكلّ مسكين.
9772ـ حدثنا هناد, قال: حدثنا أبو الأحوص, عن يحيى بن سعيد, عن سلـيـمان بن يسار, قال: كان الناس إذا كفّر أحدهم, كفّر بعشرة أمداد بـالـمدّ الأصغر.
9773ـ حدثنا هناد, قال: حدثنا عمر بن هارون, عن ابن جريج, عن عطاء فـي قوله: إطْعامُ عَشَرَةِ مَساكِينَ قال: عشرة أمداد لعشَرة مساكين.
9774ـ حدثنا بشر, قال: حدثنا جامع بن حماد, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة, عن الـحسن: إطْعامُ عَشَرَةِ مَساكِينَ مِنْ أوْسَطِ ما تُطْعِمُونَ أهْلِـيكُمْ قال: كان يقال: البرّ والتـمر, لكلّ مسكين مدّ من تـمر ومدّ من برّ.
9775ـ حدثنا أبو كريب وهناد, قالا: حدثنا وكيع, وحدثنا ابن وكيع, قال: حدثنا أبـي, عن مالك بن مِغْول, عن عطاء, قال: مدّ لكلّ مسكين.
9776ـ حدثنـي يونس, قال: أخبرنا ابن وهب, قال: قال ابن زيد فـي قوله: مِنْ أوْسَطِ ما تُطْعِمُونَ أهْلِـيكُمْ قال: من أوسط ما تعولونهم. قال: وكان الـمسلـمون رأوا أوسط ذلك مدّا بـمدّ رسول الله صلى الله عليه وسلم من حنطة. قال ابن زيد: هو الوسط مـما يقوت به أهله, لـيس بأدناه ولا بأرفعه.
9777ـ حدثنـي يونس, قال: أخبرنا ابن وهب, قال: أخبرنـي يحيى بن عبد الله بن سالـم, عن يحيى بن سعيد, عن سعيد بن الـمسيب: مِنْ أوْسَطِ ما تُطْعِمُونَ أهْلِـيكُمْ قال: مدّ.
وقال آخرون: بل ذلك غَداء وعَشاء. ذكر من قال ذلك:
9778ـ حدثنا هناد, قال: حدثنا أبو خالد الأحمر, عن حجاج, عن أبـي إسحاق, عن الـحرث, عن علـيّ, قال فـي كفّـارة الـيـمين: يغدّيهم ويعشيهم.
9779ـ حدثنا هناد, قال: حدثنا عمر بن هارون, عن موسى بن عبـيدة, عن مـحمد بن كعب القرظي فـي كفّـارة الـيـمين قال: غداء وعشاء.
9780ـ حدثنا هناد, قال: حدثنا وكيع, وحدثنا ابن وكيع, قال: حدثنا أبـي, عن سفـيان, عن يونس, عن الـحسن, قال: يغدّيهم ويعشيهم.
وقال آخرون: إنـما عنى بقوله: مِنْ أوْسَطِ ما تُطْعِمُونَ أهْلِـيكُمْ: من أوسط ما يطعم الـمكفّر أهله. قال: إن كان مـمن يشبع أهله أشبع الـمساكين العشرة, وإن كان مـمن لا يشبعهم لعجزه عن ذلك أطعهم الـمساكين علـى قدر ما يفعل من ذلك بأهله فـي عسره ويسره. ذكر من قال ذلك:
9781ـ حدثنـي الـمثنى, قال: حدثنا عبد الله بن صالـح, قال: ثنـي معاوية بن صالـح, عن علـيّ بن أبـي طلـحة, عن ابن عبـاس, قوله: فَكَفّـارَتُهُ إطْعامُ عَشَرَةِ مَساكِينَ مِنْ أوْسَطِ ما تُطْعِمُونَ أهْلِـيكُمْ قال: إن كنت تشبع أهلك فأشبع الـمساكين, وإلاّ فعلـى ما تطعم أهلك بقدره.
حدثنـي مـحمد بن سعد, قال: ثنـي أبـي, قال: ثنـي عمي, قال: ثنـي أبـي, عن أبـيه, عن ابن عبـاس: فَكَفّـارَتُهُ إطْعامُ عَشَرَةِ مَساكِين مِنْ أوْسَطِ ما تُطْعِمُونَ أهْلِـيكُمْ وهو أن تطعم كلّ مسكين من نـحو ما تطعم أهلك من الشبع, أو نصف صاع من برّ.
9782ـ حدثنا أبو كريب, قال: حدثنا وكيع, قال: حدثنا أبـي, عن إسرائيـل, عن جابر, عن عامر, عن ابن عبـاس, قال: من عسرهم ويسرهم.
9783ـ حدثنا هناد, قال: حدثنا وكيع, عن إسرائيـل, عن جابر, عن عامر, قال: من عسرهم ويسرهم.
9784ـ حدثنا ابن بشار, قال: حدثنا ابن مهدي, قال: حدثنا سفـيان, عن سلـيـمان بن أبـي الـمغيرة, عن سعيد بن جبـير: مِنْ أوْسَطِ ما تُطْعِمُونَ أهْلِـيكُمْ قال: قوتهم.
حدثنا هناد وأبو كريب, قالا: حدثنا وكيع, وحدثنا ابن وكيع, قال: حدثنا أبـي, عن سفـيان, عن سلـيـمان العبسي, عن سعيد بن جبـير, فـي قوله: مِنْ أوْسَطِ ما تُطْعِمُونَ أهْلِـيكُمْ قال: قوتهم.
9785ـ حدثنا أبو حميد, قال: حدثنا حكام بن سلـم, قال: حدثنا عنبسة, عن سلـيـمان بن عبـيد العبسي, عن سعيد بن جبـير فـي قوله: مِنْ أوْسَطِ ما تُطْعِمُونَ أهْلِـيكُمْ قال: كانوا يفضلون الـحرّ علـى العبد والكبـير علـى الصغير, فنزلت: مِنْ أوْسَطِ ما تُطْعِمُونَ أهْلِـيكُمْ.
حدثنا الـحرث, قال: حدثنا عبد العزيز, قال: حدثنا قـيس بن الربـيع, عن سالـم الأفطس, عن سعيد بن جبـير, قال: كانوا يطعمون الكبـير ما لا يطعمون الصغير, ويطعمون الـحرّ ما لا يطعمون العبد, فقال: مِنْ أوْسَطِ ما تُطْعِمُونَ أهْلِـيكُمْ.
9786ـ حدثنا أبو كريب, قال: حدثنا هشيـم, قال: حدثنا جويبر, عن الضحاك, فـي قوله: مِنْ أوْسَطِ ما تُطْعِمُونَ أهْلِـيكُمْ قال: إن كنت تشبع أهلك فأشبعهم, وإن كنت لا تشبعهم, فعلـىقدر ذلك.
حدثنـي الـحرث, قال: حدثنا عبد العزيز, قال: حدثنا شيبـان النـحويّ, عن جابر, عن عامر, عن ابن عبـاس: مِنْ أوْسَطِ ما تُطْعِمُونَ أهْلِـيكُمْ قال: من عسرهم ويسرهم.
9787ـ حدثنا يونس, قال: حدثنا سفـيان عن سلـيـمان, عن سعيد بن جبـير, قال: قال ابن عبـاس: كان الرجل يقوت بعض أهله قوتا دونا وبعضهم قوتا فـيه سعة, فقال الله: مِنْ أوْسَطِ ما تُطْعِمُونَ أهْلِـيكُمْ الـخبز والزيت.
وأولـى الأقوال فـي تأويـل قوله: مِنْ أوْسَطِ ما تُطْعِمُونَ أهْلِـيكُمْ عندنا قول من قال: من أوسط ما تطعمون أهلـيكم فـي القلة والكثرة. وذلك أن أحكام رسول الله صلى الله عليه وسلم فـي الكفّـارات كلها بذلك وردت, وذلك كحكمة صلى الله عليه وسلم فـي كفّـارة الوطء فـي شهر رمضان بخمسة عشر صاعا بـين ستـين مسكينا لكلّ مسكين ربع صاع. ولا يعرف له صلى الله عليه وسلم شيء من الكفـارات أمر بإطعام خبز وإدام ولا بغَداء وعَشاء. فإذا كان ذلك كذلك, وكانت كفـارة الـيـمين إحدى الكفـارات التـي تلزم من لزمته, كان سيبـيـلها سبـيـل ما تولـى الـحكم فـيه صلى الله عليه وسلم من أن الواجب علـى مكفّرها من الطعام مقدار للـمساكين العشرة, مـحدود بكيـل دون جمعهم علـى غداء أو عشاء مخبوز مأدوم, إذ كانت سنته صلى الله عليه وسلم فـي سائر الكفـارات كذلك. فإذ كان صحيحا ما قلنا بـما به استشهدنا, فبـيّن أن تأويـل الكلام: ولكن يؤاخذكم بـما عقدتـم الأيـمان, فكفـارته إطعام عشرة مساكين من أعدل إطعامكم أهلـيكم, وأن «ما» التـي فـي قوله: مِنْ أوْسَطِ ما تُطْعِمُونَ أهْلِـيكُمْ بـمعنى الـمصدر, لا بـمعنى الأسماء. وإذا كان ذلك كذلك, فأعدل أقوات الـموسع علـى أهله مدّان, وذلك نصف صاع فـي ربعه إدامه, وذلك أعلـى ما حكم به النبـيّ صلى الله عليه وسلم فـي كفـارة فـي إطعام مساكين, وأعدل أقوات الـمقتر علـى أهلهمدّ وذلك ربع صاع, وهو أدنى ما حكم به فـي كفـارة فـي إطعام مساكين. وأما الذين رأوا إطعام الـمساكين فـي كفـارة الـيـمين الـخيز واللـحم وما ذكرنا عنهم قبل, والذين رأوا أن يغدّوا أو يعشوا, والذين رأوا أن يغدوا ويعشوا, فإنهم ذهبوا إلـى تأويـل قوله: مِنْ أوْسَطِ ما تُطْعِمُونَ أهْلِـيكُمْ: من أوسط الطعام الذي تطعمونه أهلـيكم, فجعلوا «ما» التـي فـي قوله: مِنْ أوْسَطِ ما تُطْعِمُونَ أهْلِـيكُمْ اسما لا مصدرا, فأوجبوا علـى الكفّر إطعام الـمساكين من أعدل ما يطعم أهله من الأغذية. وذلك مذهب لولا ما ذكرنا من سنن فـي الكفـارات غيرها التـي يجب إلـحاق أشكالها بها, وأن كفـارة الـيـمين لها نظيرة وشبـيهة يجب إلـحاقها بها.
القول فـي تأويـل قوله تعالـى: أوْ كِسْوَتُهُمْ.
يعنـي تعالـى ذكره بذلك: فكفّـارة ما عقدتـم من الأيـمان إطعام عشرة مساكين أو كسوتهم. يقول إما أن تطعموهم أو تكسوهم, والـخيار فـي ذلك إلـى الـمكفّر.
واختلف أهل التأويـل فـي الكسوة التـي عنى الله بقوله: أوْ كِسْوَتُهُمْ فقال بعضهم: عنى بذلك كسوة ثوب واحد. ذكر من قال ذلك:
9788ـ حدثنا ابن وكيع, قال: حدثنا ابن علـية, عن ابن أبـي نـجيح, عن مـجاهد فـي كسوة الـمساكين فـي كفّـارة الـيـمين: أدناه ثوب.
حدثنا هناد, قال: حدثنا وكيع, وحدثنا ابن وكيع, قال: حدثنا أبـي, عن سفـيان, عن ابن أبـي نـجيح, عن مـجاهد, قال: أدناه ثوب, وأعلاه ما شئت.
9789ـ حدثنا هناد وأبو كريب, قالا: حدثنا وكيع, عن الربـيع, عن الـحسن, قال فـي كفّـارة الـيـمين فـي قوله: أوْ كِسْوَتهُمْ ثوب لكلّ مسكين.
9790ـ حدثنا ابن وكيع, قال: حدثنا ابن مهديّ, عن وهيب, عن ابن طاوس, عن أبـيه: أوْ كِسْوَتُهُمْ قال: ثوب.
حدثنا هناد, قال: حدثنا عبـيدة, وحدثنا ابن حميد وابن وكيع, قالا: حدثنا جرير جميعا, عن منصور, عن مـجاهد, فـي قوله: أوْ كِسْوَتُهُمْ قال: ثوب.
9791ـ حدثنا ابن حميد, قال: حدثنا جرير, عن منصور, عن مـجاهد, فـي قوله: أوْ كِسْوَتُهُمْ قال: ثوب ثوب. قال منصور: القميص, أو الرداء, أو الإزار.
9792ـ حدثنا أبو كريب وهناد, قالا: حدثنا وكيع, وحدثنا ابن وكيع, قال: حدثنا أبـي, عن إسرائيـل, عن جابر, عن أبـي جعفر, فـي قوله: أوْ كِسْوَتُهُمْ قال: كسوة الشتاء والصيف ثوب ثوب.
9793ـ حدثنا هناد, قال: قال حدثنا عمر بن هارون, عن ابن جريج, عن عطاء فـي قوله: أوْ كِسْوَتُهُمْ قال: ثوب ثوب لكلّ مسكين.
9794ـ حدثنا هناد, قال: حدثنا عبدة بن سلـمان, عن سعيد بن أبـي عروبة, عن أبـي معشر, عن إبراهيـم, فـي قوله: أوْ كِسْوَتُهُمْ قال: إذا كساهم ثوبـا ثوبـا أجزأ عنه.
9795ـ حدثنا ابن وكيع, قال: حدثنا إسحاق بن سلـيـمان الرازي, عن ابن سنان, عن حماد, قال: ثوب أو ثوبـان, وثوب لا بدّ منه.
9796ـ حدثنا القاسم, قال: حدثنا الـحسين, قال: ثنـي حجاج, عن ابن جريج, عن عطاء الـخُراسانـي, عن ابن عبـاس قال: ثوب ثوب لكلّ إنسان, وقد كانت العبـاءة تقضي يومئذ من الكسوة.
حدثنـي الـمثنى, قال: حدثنا عبد الله بن صالـح, عن معاوية بن صالـح, عن علـيّ بن أبـي طلـحة, عن ابن عبـاس: أوْ كِسْوَتُهُمْ قال: الكسوة: عبـاءة لكلّ مسكين أو شَمْلة.
9797ـ حدثنـي الـحرث, قال: حدثنا عبد العزيز, قال: حدثنا إسرائيـل, عن السديّ, عن أبـي مالك, قال: ثوب, أو قميص, أو رداء, أو إزار.
9798ـ حدثنـي مـحمد بن سعد, قال: ثنـي أبـي, قال: ثنـي عمي, قال: ثنـي أبـي, عن أبـيه, عن ابن عبـاس قال: إن اختار صاحب الـيـمين الكسوة, كسا عشرة أناسيّ كلّ إنسان عبـاءة.
9799ـ حدثنـي يونس, قال: أخبرنا ابن وهب, قال: أخبرنا ابن جريج, قال: سمعت عطاء يقول فـي قوله: أوْ كِسْوَتُهُمْ الكسوة: ثوب ثوب.
وقال بعضهم: عنى بذلك: الكسوة ثوبـين ثوبـين. ذكر من قال ذلك:
9800ـ حدثنا هناد, قال: حدثنا عبـيدة, وحدثنا ابن وكيع, قال: حدثنا أبو معاوية جميعا, عن داود بن أبـي هند عن سعيد بن الـمسيب, فـي قوله: أوْ كِسْوَتُهُمْ قال: عبـاءة وعمامة.
حدثنا هناد وأبو كريب, قالا: حدثنا وكيع, وحدثنا ابن وكيع, قال: حدثنا أبـي, عن سفـيان, عن داود ابن أبـي هند, عن سعيد بن الـمسيب, قال: عمامة يـلُفّ بها رأسه, وعبـاءة يـلتـحف بها.
9801ـ حدثنا ابن وكيع, قال: حدثنا مـحمد بن عبد الله الأنصاري, عن أشعث, عن الـحسن وابن سيرين, قالا: ثوبـين ثوبـين.
9802ـ حدثنا ابن وكيع, قال: حدثنا عبد الأعلـى, عن يونس, عن الـحسن, قال: ثوبـين.
حدثنا ابن وكيع, قال: حدثنا أبـي, عن سفـيان, عن يونس, عن الـحسن, مثله.
حدثنا أبو كريب وهناد, قالا: حدثنا وكيع, عن سفـيان, عن يونس بن عبـيد, عن الـحسن, قال: ثوبـان ثوبـان لكلّ مسكين.
9803ـ حدثنا هناد, قال: حدثنا ابن الـمبـارك, عن عاصم الأحول, عن ابن سيرين, عن أبـي موسى: أنه حلف علـى يـمين, فكسا ثوبـين من مُعَقّدة البحرين.
حدثنا هناد وأبو كريب, قالا: حدثنا وكيع, عن يزيد بن إبراهيـم, عن ابن سيرين: أن أبـا موسى كسا ثوبـين من معقدة البحرين.
9804ـ حدثنا هناد, قال: حدثنا أبو أسامة, عن هشام, عن مـحمد بن عبد الأعلـى: أن أبـا موسى الأشعري حلف علـى يـمين, فرأى أن يكفّر ففعل, وكسا عشرةً ثوبـين ثوبـين.
9805ـ حدثنا ابن وكيع, قال: حدثنا عبد الأعلـى, عن هشام, عن مـحمد: أن أبـا موسى حلف علـى يـمين فكفّر, فكسا عشرة مساكين ثوبـين ثوبـين.
حدثنا أبو كريب, قال: حدثنا هشيـم, عن داود بن أبـي هند, عن سعيد بن الـمسيب, قال: عبـاءة وعمامة لكل مسكين.
9806ـ حدثنا أبو كريب, قال: حدثنا هشيـم, عن جويبر, عن الضحاك, مثله.
9807ـ حدثنـي يعقوب, قال: حدثنا ابن علـية, قال: حدثنا داود بن أبـي هند, قال: قال رجل عند سعيد بن الـمسيب: «أو كأُسْوَتهم» فقال سعيد: لا إنـما هي: «أو كسوتهم». قال: فقلت: يا أبـا مـحمد ما كسوتهم؟ قال: لكلّ مسكين عبـاءة وعمامة, عبـاءة يـلتـحف بها, وعمامة يشدّ بها رأسه.
9808ـ حُدثت عن الـحسين بن الفرج, قال: سمعت أبـا معاذ الفضل بن خالد, قال: حدثنا عبـيد بن سلـمان, قال: سمعت الضحاك يقول فـي قوله: أوْ كِسْوَتُهُمْ قال: الكسوة لكلّ مسكين: رداء وإزار, كنـحو ما يجد من الـميسرة والفـاقة.
وقال آخرون: بل عَنَى بذلك: كسوتهم: ثوب جامع, كالـملـحفة والكساء والشيء الذي يصلـح للبس والنوم. ذكر من قال ذلك:
9809ـ حدثنا هناد بن السريّ, قال: حدثنا أبو الأحوص, عن مغيرة, عن حماد, عن إبراهيـم, قال: الكسوة: ثوب جامع.
9810ـ حدثنا هناد وابن وكيع قالا: حدثنا ابن فضيـل, عن مغيرة, عن إبراهيـم, فـي قوله: أوْ كِسْوَتُهُمْ قال: ثوب جامع. قال: وقال مغيرة: والثوب الـجامع الـمِلـحفة أو الكساء أو نـحوه, ولا نرى الدرع والقميص والـخِمار ونـحوه جامعا.
حدثنا ابن وكيع, قال: حدثنا أبـي, عن سفـيان, عن مغيرة, عن إبراهيـم, قال: ثوب جامع.
حدثنا ابن وكيع, قال: حدثنا ابن إدريس, عن أبـيه, عن مغيرة, عن إبراهيـم, قال: ثوب جامع.
حدثنا أبو كريب, قال: حدثنا هشيـم, عن مغيرة, عن إبراهيـم: أوْ كِسْوَتُهُمْ قال: ثوب جامع لكلّ مسكين.
حدثنا ابن بشار, قال: حدثنا عبد الرحمن, قال: حدثنا سفـيان وشعبة, عن الـمغيرة, عن إبراهيـم فـي قوله: أوْ كِسْوَتُهُمْ قال: ثوب جامع.
9811ـ حدثنا ابن الـمثنى, قال: حدثنا ابن أبـي عديّ, عن شعبة, عن الـمغيرة, مثله.
وقال آخرون: عنى بذلك كسوة إزار ورداء وقميص. ذكر من قال ذلك:
9812ـ حدثنا ابن وكيع, قال: حدثنا عبد الأعلـى, عن بردة, عن نافع, عن ابن عمر, قال فـي الكسوة فـي الكفّـارة: إزار, ورداء, وقميص.
وقال آخرون: كل ما كسا فـيجزي, والاَية علـى عمومها. ذكر من قال ذلك:
9813ـ حدثنا هناد, قال: حدثنا عبد السلام بن حرب, عن لـيث, عن مـجاهد, قال: يجزي فـي كفّـارة الـيـمين كلّ شيء إلاّ التّبّـان.
9814ـ حدثنا هناد وأبو كريب, قالا: حدثنا وكيع, وحدثنا ابن وكيع, قال: حدثنا أبـي, عن سفـيان, عن أشعث, عن الـحسن, قال: يجزىء عمامة فـي كفّـارة الـيـمين.
9815ـ حدثنا أبو كريب, قال: حدثنا وكيع, وحدثنا ابن وكيع, قال: حدثنا أبـي, عن أويس الصيرفـي, عن أبـي الهيثم, قال: قال سلـمان: نعم الثوب التّبّـان.
9816ـ حدثنـي الـحرث, قال: حدثنا عبد العزيز, قال: حدثنا سفـيان, عن الشيبـانـي, عن الـحكم, قال: عمامة يـلفّ بها رأسه.
وأولـى الأقوال فـي ذلك عندنا بـالصحة وأشبهها بتأويـل القرآن قول من قال: عنى بقوله: أوْ كِسْوَتُهُمْ: ما وقع علـيه اسم كسوة مـما يكون ثوبـا فصاعدا, لأن ما دون الثوب لا خلاف بـين جميع الـحجة أنه لـيس مـما دخـل فـي حكم الاَية, فكان ما دون قدر ذلك خارجا من أن يكون الله تعالـى عناه بـالنقل الـمستفـيض, والثوب وما فوقه داخـل فـي حكم الاَية, إذ لـم يأت من الله تعالـى وحي ولا من رسوله صلى الله عليه وسلم خبر ولـم يكن من الأمة إجماع بأنه غير داخـل فـي حكمها, وغير جائز إخراج ما كان ظاهر الاَية مـحتـمله من حكم الاَية إلاّ بحجة يجب التسلـيـم لها, ولا حجة بذلك.
القول فـي تأويـل قوله تعالـى: أوْ تَـحْرِيرُ رَقَبَةٍ.
يعنـي تعالـى ذكره بذلك: أو فكّ عبد من أسر العبودة وذلها. وأصل التـحرير: الفكّ من الأسر, ومنه قول الفرزدق بن غالب:
أبَنِـي غُدَانَةَ إنّنِـي حَرّرْتُكُمْفوَهَبْتُكُمْ لعَطِيّةَ بنِ جِعالِ
يعنـي بقوله: «حررتكم»: فككت رقابكم من ذلّ الهجاء ولزوم العار. وقـيـل: تـحرير رقبة, والـمـحرّر صاحب الرقبة, لأن العرب كان من شأنها إذا أسرت أسيرا أن تـجمع يديه إلـى عنقه بقـيد أو حبل أو غير ذلك, وإذا أطلقته من الأسر أطلقت يديه وحلتهما مـما كانتا به مشدودتـين إلـى الرقبة. فجرى الكلام عند إطلاقهم الأسير, بـالـخبر عن فكّ يديه عن رقبته, وهم يريدون الـخبر عن إطلاقه من أسره, كما يقال: قبض فلان يده عن فلان: إذا أمسك يده عن نواله وبسط فـيه لسانه: إذا قال فـيه سوءا, فـيضاف الفعل إلـى الـجارحة التـي يكون بها ذلك الفعل دون فـاعله, لاستعمال الناس ذلك بـينهم وعلـمهم بـمعنى ذلك فكذلك ذلك فـي قول الله تعالـى ذكره: أوْ تَـحْرِيرُ رَقَبَةٍ أضيف التـحرير إلـى الرقبة وإن لـم يكن هناك غلّ فـي رقبته ولا شدّ يد إلـيها, وكان الـمراد بـالتـحرير نفس العبد بـما وصفنا من جَرّى استعمال الناس ذلك بـينهم لـمعرفتهم بـمعناه.
فإن قال قائل: أفكل الرقاب معنىّ بذلك أو بعضها؟ قـيـل: بل معنىّ بذلك كلّ رقبة كانت سلـيـمة من الإقعاد والعمى والـخرس وقطع الـيدين أو شللهما والـجنون الـمطبق, ونظائر ذلك, فإن من كان به ذلك أو شيء منه من الرقاب, فلا خلاف بـين الـجميع من الـحجة أنه لا يجزي فـي كفّـارة الـيـمين. فكان معلوما بذلك أن الله تعالـى ذكره لـم يعنه بـالتـحرير فـي هذه الاَية. فأما الصغير والكبـير والـمسلـم والكافر, فإنهم معنـيون به.
وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك قال جماعة من أهل العلـم. ذكر من قال ذلك:
9817ـ حدثنا هناد, قال: حدثنا مغيرة, عن إبراهيـم, أنه كان يقول: من كانت علـيه رقبة واجبة, فـاشترى نَسَمة, قال: إذا أنقذها من عمل أجزأته, ولا يجوز عتق من لا يعمل فأما الذي يعمل, كالأعور ونـحوه. وأما الذي لا يعمل فلا يجزي كالأعمى والـمقعد.
9818ـ حدثنا هناد, قال: حدثنا هشيـم, عن يونس, عن الـحسن, قال: كان يكره عتق الـمخبّل فـي شيء من الكفـارات.
9819ـ حدثنا هناد, قال: حدثنا هشيـم, عن مغيرة, عن إبراهيـم: أنه كان لا يرى عتق الـمغلوب علـى عقله يجزىء فـي شيء من الكفـارات.
وقال بعضهم: لا يجزىء فـي الكفّـارة من الرقاب إلاّ صحيح, ويجزىء الصغير فـيها. ذكر من قال ذلك:
9820ـ حدثنا هناد, قال: حدثنا وكيع, عن سفـيان, عن ابن جريج, عن عطاء, قال: لا يجزىء فـي الرقبة إلاّ صحيح.
9821ـ حدثنا هناد, قال: حدثنا وكيع, عن سفـيان, عن ابن جريج, عن عطاء, قال: يجزىء الـمولود فـي الإسلام من رقبة.
9822ـ حدثنا أبو كريب, قال: حدثنا وكيع, عن الأعمش, عن إبراهيـم, قال: ما كان فـي القرآن من رقبة مؤمنة. فلا يجزىء إلاّ ما صام وصلّـى, وما كان لـيس بـمؤمنة فـالصبـيّ يجزىء.
وقال بعضهم: لا يقال للـمولود رقبة إلاّ بعد مدّة تأتـي علـيه. ذكر من قال ذلك:
9823ـ حدثنـي مـحمد بن يزيد الرفـاعي, قال: حدثنا يحيى بن زكريا بن أبـي زائدة, عن مـحمد بن شعيب بن شابور, عن النعمان بن الـمنذر, عن سلـيـمان, قال: إذا وُلد الصبـيّ فهو نسمة, وإذا انقلب ظهرا لبطن فهو رقبة, وإذا صلّـى فهو مؤمنة.
والصواب من القول فـي ذلك عندنا أن يقال: إن الله تعالـى عمّ بذكر الرقبة كلّ رقبة, فأيّ رقبة حرّرها الـمكفر يـمينه فـي كفّـارته فقد أدّى ما كلف, إلاّ ما ذكرنا أن الـحجة مـجمعة علـى أن الله تعالـى لـم يعنه بـالتـحرير, فذلك خارج من حكم الاَية, وما عدا ذلك فجائز تـحريره فـي الكفـار بظاهر التنزيـل. والـمكفّر مخير فـي تكفـير يـمينه التـي حنث فـيها بإحدى هذه الـحالات الثلاث التـي سماها الله فـي كتابه, وذلك: إطعام عشرة مساكين من أوسط ما يطعم أهله, أو كسوتهم, أو تـحرير رقبة, بإجماع من الـجميع لا خلاف بـينهم فـي ذلك. فإن ظنّ ظانّ أن ما قلنا من أن ذلك إجماع من الـجميع لـيس كما قلنا لِـمَا:
9824ـ حدثنا مـحمد بن عبد الـملك بن أبـي الشوارب, قال: حدثنا عبد الواحد بن زياد, قال: حدثنا سلـيـمان الشيبـانـي, قال: حدثنا أبو الضحى, عن مسروق, قال: جاء نعمان بن مقرّن إلـى عبد الله, فقال: إنـي آلـيت من النساء والفراش فقرأ عبد الله هذه الاَية: لا تُـحَرّمُوا طَيّبـاتِ ما أحَلّ اللّهُ لَكُمْ وَلا تَعْتَدُوا إنّ اللّهَ لا يُحِبّ الـمُعْتَدِينَ قال: فقال نعمان: إنـما سألتك لكونـي أتـيت علـى هذه الاَية. فقال عبد الله: ائت النساء ونـم وأعتق رقبة, فإنك موسر.
حدثنـي يونس, أخبرنا ابن وهب, قال: ثنـي جرير بن حازم أن سلـيـمان الأعمش حدثه عن إبراهيـم بن يزيد النـخعي, عن همام بن الـحرث: أن نعمان بن مقرّن سأل عبد الله بن مسعود, فقال: إنـي حلفت أن لا أنام علـى فراشي سنة فقال ابن مسعود: يا أيّهَا الّذِينَ آمَنُوا لا تُـحَرّمُوا طَيّبـاتِ ما أحَلّ اللّهُ لَكُمْ كفّر عن يـمينك ونـم علـى فراشك قال: بـم أكفر عن يـمينـي؟ قال: أعتق رقبة فإنك موسر.
ونـحو هذا من الأخبـار التـي رويت عن ابن مسعود وابن عمر وغيرهما, فإن ذلك منهك كان علـى وجه الاستـحبـاب لـمن أمروه بـالتكفـير بـما أمروه بـالتكفـير به من الرقاب, لا علـى أنه كان لا يجزى عندهم التكفـير للـموسر إلاّ بـالرقبة, لأنه لـم ينقل أحد عن أحد منهم أنه قال: لا يجزى الـموسرَ التكفـيرُ إلاّ بـالرقبة. والـجميع من علـماء الأمصار قديـمهم وحديثهم مـجمعون علـى أن التكفـير بغير الرقاب جائز للـموسر, ففـي ذلك مكتفـىً عن الاستشهاد علـى صحة ما قلنا فـي ذلك بغيره.
القول فـي تأويـل قوله تعالـى: فَمَنْ لَـمْ يجِدْ فَصِيامُ ثَلاثةٍ أيّامٍ.
يقول تعالـى ذكره: فمن لـم يجد لكفـارة يـمينه التـي لزمه تكفـيرها من الطعام والكسوة والرقاب ما يكفرها به علـى ما فرضنا علـيه وأوجبناه فـي كتابنا وعلـى لسان رسولنا مـحمد صلى الله عليه وسلم فَصِيَامُ ثَلاثَةِ أيّامٍ يقول: فعلـيه صيام ثلاثة أيام.
ثم اختلف أهل العلـم فـي معنى قوله: فَمَنْ لَـمْ يَجِدْ ومتـى يستـحقّ الـحانث فـي يـمينه الذي قد لزمته الكفـارة اسم غير واجد حتـى يكون مـمن له الصيام فـي ذلك؟ فقال بعضهم: إذا لـم يكن للـحانث فـي وقت تكفـيره عن يـمينه إلاّ قدر قوته وقوت عياله يومه ولـيـلته فإن له أن يكفّر بـالصيام, فإن كان عنده فـي ذلك الوقت قوته وقوت عياله يومه ولـيـلته ومن الفضل ما يطعم عشرة مساكين أو ما يكسوهم, لزمه التكفـير بـالإطعام أو الكسوة ولـم يجزه الصيام حينئذٍ ومـمن قال ذلك الشافعي. حدثنا بذلك عنه الربـيع.
وهذا القول قَصَدَ إن شاء الله مَنْ أوجب الطعام علـى من كان عنده درهمان من أوجبه علـى من عنده ثلاثة دراهم. وبنـحو ذلك:
9825ـ حدثنا هناد, قال: حدثنا ابن الـمبـارك, عن حماد بن سلـمة, عن عبد الكريـم, عن سعيد ابن جبـير, قال: إذا لـم يكن له إلاّ ثلاثة دراهم أطعم. قال: يعنـي فـي الكفـارة.
9826ـ حدثنا القاسم, قال: حدثنا الـحسين, قال: ثنـي معتـمر بن سلـيـمان, قال: قلت لعمر بن راشد: الرجل يحلف, ولا يكون عنده من الطعام إلاّ بقدر ما يكفّر؟ قال: كان قتادة يقول: يصوم ثلاثة أيام.
9827ـ حدثنا القاسم, قال: حدثنا الـحسين, قال: حدثنا الـمعتـمر بن سلـيـمان, قال: حدثنا يونس بن عبـيد, عن الـحسن قال: إذا كان عنده درهمان.
9828ـ حدثنا القاسم, قال: حدثنا الـحسين, قال: حدثنا معتـمر, عن حماد, عن عبد الكريـم بن أبـي أمية, عن سعيد بن جبـير, قال: ثلاثة دراهم.
وقال آخرون: جائز لـمن لـم يكن عنده مِئتا درهم أن يصوم وهو مـمن لا يجد.
وقال آخرون: جائز لـمن لـم يكن عنده فضل عن رأس ماله يتصرّف به لـمعاشه ما يكفّر به بـالإطعام أن يصوم, إلاّ أن يكون له كفـاية من الـمال ما يتصرّف به لـمعاشه ومن الفضل عن ذلك ما يكفّر به عن يـمينه. وهذا قول كان يقوله بعض متأخري الـمتفقهة.
والصواب من القول فـي ذلك عندنا, أن من لـم يكن عنده فـي حال حنثه فـي يـمينه إلاّ قدر قوته وقوت عياله يومه ولـيـلته لا فضل له عن ذلك, يصوم ثلاثة أيام, وهو مـمن دخـل فـي جملة من لا يجد ما يطعم أو يكسو أو يعتق. وإن كان عنده فـي ذلك الوقت من الفضل عن قوته وقوت عياله يومه ولـيـلته ما يطعم أو يكسو عشرة مساكين أو يُعتق رقبة, فلا يجزيه حينئذٍ الصوم لأن إحدى الـحالات الثلاث حينئذٍ من إطعام أو كسوة أو عتق حقّ قد أوجبه الله تعالـى فـي ماله وجوب الدين, وقد قامت الـحجة بأن الـمفلس إذا فرقّ ماله بـين غرمائه أنه لا يترك ذلك الـيوم إلاّ ما لا بدّ له من قوته وقوت عياله يومه ولـيـلته, فكذلك حكم الـمعدم بـالدين الذي أوجبه الله تعالـى فـي ماله بسبب الكفّـارة التـي لزمت ماله.
واختلف أهل العلـم فـي صفة الصوم الذي أوجبه الله فـي كفـارة الـيـمين, فقال بعضهم: صفته أن يكون مواصلاً بـين الأيام الثلاثة غير مفرّقها. ذكر من قال ذلك:
9829ـ حدثنا مـحمد بن العلاء, قال: حدثنا وكيع, عن سفـيان, عن لـيث, عن مـجاهد, قال: كلّ صوم فـي القرآن فهو متتابع إلاّ قضاء رمضان, فإنه عدّة من أيام أخر.
9830ـ حدثنا أبو كريب وهناد, قالا: حدثنا وكيع, وحدثنا ابن وكيع, قال: حدثنا أبـي, عن أبـي جعفر, عن الربـيع بن أنس, قال: كان أبـيّ بن كعب يقرأ: «فصيام ثلاثة أيام متتابعات».
حدثنا عبد الأعلـى بن واصل الأسديّ, قال: حدثنا عبـيد الله بن موسى, عن أبـي جعفر الرازي, عن الربـيع ابن أنس, عن أبـي العالـية, عن أبـيّ بن كعب, أنه كان يقرأ: «فصيام ثلاثة أيام متتابعات».
9831ـ حدثنا ابن وكيع, قال: حدثنا يزيد بن هارون, عن قزعة بن سويد, عن سيف بن سلـيـمان, عن مـجاهد, قال: فـي قراءة عبد الله: «فصيام ثلاثة أيام متتابعات».
9832ـ حدثنا هناد, قال: حدثنا ابن الـمبـارك, عن ابن عون, عن إبراهيـم, قال: فـي قراءتنا: «فَصِيامُ ثَلاثَةِ أيّامٍ مُتَتَابِعاتٍ».
حدثنا ابن وكيع, قال: حدثنا ابن علـية, عن ابن عون, عن إبراهيـم, مثله.
9833ـ حدثنا ابن وكيع, قال: حدثنا جرير, عن مغيرة, عن إبراهيـم: فـي قراءة أصحاب عبد الله: «فصيام ثلاثة أيام متتابعات».
9834ـ حدثنا هناد وأبو كريب, قالا: حدثنا وكيع, عن سفـيان, عن جابر, عن عامر, قال: فـي قراءة عبد الله: «فصيام ثلاثة أيام متتابعات».
9835ـ حدثنا ابن وكيع, قال: حدثنا مـحمد بن حميد, عن معمر, عن أبـي إسحاق: فـي قراءة عبد الله: «فصيام ثلاثة أيام متتابعات».
9836ـ حدثنا ابن وكيع, قال: حدثنا مـحمد بن حميد, عن معمر, عن الأعمش, قال: كان أصحاب عبد الله يقرءون: «فصيام ثلاثة أيام متتابعات».
9837ـ حدثنا أبو كريب, قال: حدثنا وكيع, قال: سمعت سفـيان, يقول: إذا فرّق صيام ثلاثة أيام لـم يجزه. قال: وسمعته يقول فـي رجل صام فـي كفـارة يـمين ثم أفطر, قال: يستقبل الصوم.
9838ـ حدثنا بشر بن معاذ, قال: حدثنا جامع بن حماد, قال: حدثنا يزيد بن زريع, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة, قوله: فَصِيامُ ثَلاثَةِ أيّامٍ قال: إذا لـم يجد طعاما وكان فـي بعض القراءة: «فصيام ثلاثة أيام متتابعات». وبه كان بأخذ قتادة.
9839ـ حدثنـي الـمثنى, قال: حدثنا عبد الله بن صالـح, قال: ثنـي معاوية بن صالـح, عن علـيّ بن أبـي طلـحة, عن ابن عبـاس, قال: هو بـالـخيار فـي هؤلاء الثلاثة الأوّل فـالأوّل, فإن لـم يجد من ذلك شيئا فصيام ثلاثة أيام متتابعات.
وقال آخرون: جائز لـمن صامهنّ أن يصومهنّ كيف شاء مـجتـمعات ومفترقات. ذكر من قال ذلك:
9840ـ حدثنـي يونس, قال: أخبرنا أشهب, قال: قال مالك: كلّ ما ذكر الله فـي القرآن من الصيام, فأن يصام تبـاعا أعجب, فإن فرّقها رجوت أن تـجزي عنه.
والصواب من القول فـي ذلك عندنا أن يقال: إن الله تعالـى أوجب علـى من لزمته كفـارة يـمين إذا لـم يجد إلـى تكفـيرها بـالإطعام أو الكسوة أو العتق سبـيلاً, أن يكفّرها بصيام ثلاثة أيام, ولـم يشرط فـي ذلك متتابعة, فكيفما صامهنّ الـمكفّر مفرّقة ومتتابعة أجزأه لأن الله تعالـى إنـما أوجب علـيه صيام ثلاثة أيام, فكيفما أتـى بصومهنّ أجزأ. فأما ما رُوي عن أبـيّ وابن مسعود من قراءتهما «فصيام ثلاثة أيام متتابعات» فذلك خلاف ما فـي مصاحفنا, وغير جائز لنا أن نشهد بشيء لـيس فـي مصاحفنا من الكلام أنه من كتاب الله. غير أنـي أختار للصائم فـي كفّـارة الـيـمين أن يتابع بـين الأيام الثلاثة ولا يفرّق, لأنه لا خلاف بـين الـجميع أنه إذا فعل ذلك فقد أجزأ ذلك عنه من كفّـارته. وهم فـي غير ذلك مختلفون, ففعل ما لا يختلف فـي جوازه أحبّ إلـيّ وإن كان الاَخر جائزا.
القول فـي تأويـل قوله تعالـى: ذَلِكَ كَفّـارَةُ أيـمَانِكُمْ إذَا حَلَفْتُـمْ وَاحْفَظُوا أيـمَانَكُمْ كذَلِكَ يُبَـيّنُ اللّهُ لَكُمْ آياتِهِ لَعَلّكُمْ تَشْكُرُونَ.
يعنـي تعالـى ذكره بقوله: ذَلِكَ هذا الذي ذكرت لكم أنه كَفّـارَةُ أيـمانِكُمْ من إطعام العشرة الـمساكين أو كسوتهم أو تـحرير الرقبة, وصيام الثلاثة الأيام إذا لـم تـجدوا من ذلك شيئا هو كفـارة أيـمانكم التـي عقدتـموها إذَا حَلَفْتُـمْ وَاحْفَظُوا أيها الذين آمنوا أيـمَانَكُمْ أن تـحنثوا فـيها ثم تضيعوا الكفـارة فـيها بـما وصفته لكم. كَذَلِكَ يُبَـيّنُ اللّهُ لَكُمْ آياتِهِ كما بـين لكم كفـارة أيـمانكم, كذلك يبـين الله لكم جميع آياته, يعنـي: أعلام دينه, فـيوضحها لكم, لئلا يقول الـمضيع الـمفرّط فـيـما ألزمه الله: لـم أعلـم حكم الله فـي ذلك. لَعَلّكُمْ تَشْكُرُونَ يقول: لتشكروا الله علـى هدايته إياكم وتوفـيقه لكم