تفسير ابن كثير تفسير الصفحة 172 من المصحف



تفسير ابن كثير - صفحة القرآن رقم 172

172 : تفسير الصفحة رقم 172 من القرآن الكريم

** وَإِذَا قَالَتْ أُمّةٌ مّنْهُمْ لِمَ تَعِظُونَ قَوْماً اللّهُ مُهْلِكُهُمْ أَوْ مُعَذّبُهُمْ عَذَاباً شَدِيداً قَالُواْ مَعْذِرَةً إِلَىَ رَبّكُمْ وَلَعَلّهُمْ يَتّقُونَ * فَلَماّ نَسُواْ مَا ذُكّرُواْ بِهِ أَنجَيْنَا الّذِينَ يَنْهَوْنَ عَنِ السُوَءِ وَأَخَذْنَا الّذِينَ ظَلَمُواْ بِعَذَابٍ بَئِيسٍ بِمَا كَانُواْ يَفْسُقُونَ * فَلَماّ عَتَوْاْ عَن مّا نُهُواْ عَنْهُ قُلْنَا لَهُمْ كُونُواْ قِرَدَةً خَاسِئِينَ
( شايخبر تعالى عن أهل هذه القرية أنهم صاروا إلى ثلاث فرق فرقة ارتكبت المحذور واحتالوا على اصطياد السمك يوم السبت كما تقدم بيانه في سورة البقرة وفرقة نهت عن ذلك واعتزلتهم وفرقة سكتت فلم تفعل ولم تنه ولكنها قالت للمنكرة {لم تعظون قوماً الله مهلكهم أو معذبهم عذاباًشديد} أي لمَ تنهون هؤلاء وقد علمتم أنهم قد هلكوا واستحقوا العقوبة من الله فلا فائدة في نهيكم إياهم, قالت لهم المنكرة {معذرة إلى ربكم} قرأ بعضهم بالرفع كأنه على تقدير هذه معذرة وقرأ آخرون بالنصب أي نفعل ذلك {معذرة إلى ربكم} أي فيما أخذ علينا من الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر {ولعلهم يتقون} يقولون ولعل لهذا الإنكار يتقون ما هم فيه ويتركونه ويرجعون إلى الله تائبين فإذا تابوا تاب الله عليهم ورحمهم. قال تعالى: {فلما نسوا ما ذكروا به} أي فلما أبى الفاعلون قبول النصيحة {أنجينا الذين ينهون عن السوء وأخذنا الذين ظلمو} أي ارتكبوا المعصية {بعذاب بئيس} فنص على نجاة الناهين وهلاك الظالمين وسكت عن الساكتين لأن الجزاء من جنس العمل فهم لا يستحقون مدحاً فيمدحوا ولا ارتكبوا عظيماً فيذموا ومع هذا فقد اختلف الأئمة فيهم هل كانوا من الهالكين أو من الناجين على قولين, وقال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس {وإذ قالت أمة منهم لم تعظون قوماً الله مهلكهم أو معذبهم عذاباً شديد} هي قرية على شاطى البحر بين مصر والمدينة يقال لها أيلة فحرم الله عليهم الحيتان يوم سبتهم وكانت الحيتان تأتيهم يوم سبتهم شرعاً في ساحل البحر فإذا مضى يوم السبت لم يقدروا عليها فمضى على ذلك ما شاء الله ثم إن طائفة منهم أخذوا الحيتان يوم سبتهم فنهتهم طائفة وقالوا تأخذونها وقد حرمها الله عليكم يوم سبتكم, فلم يزدادوا إلا غياً وعتواً وجعلت طائفة أخرى تنهاهم فلما طال ذلك عليهم قالت طائفة من النهاة تعلمون أن هؤلاء قوم قد حق عليهم العذاب {لم تعظون قوماً الله مهلكهم} وكانوا أشد غضباً لله من الطائفة الأخرى فقالوا {معذرة إلى ربكم ولعلهم يتقون} وكل قد كانوا ينهون فلما وقع عليهم غضب الله نجت الطائفتان اللتان قالوا لم تعظون قوماً الله مهلكهم, والذين قالوا معذرة إلى ربكم, وأهلك الله أهل معصيته الذين أخذوا الحيتان فجعلهم قردة, وروى العوفي عن ابن عباس قريباً من هذا, وقال حماد بن زيد عن داود بن الحصين عن عكرمة عن ابن عباس في الاَية, قال: ما أدري أنجا الذين قالوا {لم تعظون قوماً الله مهلكهم} أم لا ؟ قال فلم أزل به حتى عرفته أنهم قد نجوا فكساني حلة. وقال عبد الرزاق أخبرنا ابن جريج حدثني رجل عن عكرمة قال جئت ابن عباس يوماً وهو يبكي وإذا المصحف في حجره فأعظمت أن أدنو منه ثم لم أزل على ذلك حتى تقدمت فجلست فقلت: ما يبكيك يا ابن عباس جعلني الله فداك ؟ قال فقال هؤلاء الورقات قال وإذا هو في سورة الأعراف قال تعرف أيلة ؟ قلت نعم قال فإنه كان بها حي من اليهود سيقت الحيتان إليهم يوم السبت ثم غاصت لا يقدرون عليها حتى يغوصوا بعد كد ومؤنة شديدة كانت تأتيهم يوم سبتهم شرعاً بيضاء سماناً كأنها الماخض تنتطح ظهورها لبطونها بأفنيتهم فكانوا كذلك برهة من الدهر, ثم إن الشيطان أوحى إليهم فقال: إنما نُهِيتُهم عن أكلها وأخذها وصيدها يوم السبت فخذوها فيه, وكلوها في غيره من الأيام, فقالت ذلك طائفة منهم وقالت طائفة بل نهيتم عن أكلها وأخذها وصيدها يوم السبت فكانوا كذلك حتى جاءت الجمعة المقبلة فغدت طائفة بأنفسها وأبنائها ونسائها واعتزلت طائفة ذات اليمين وتنحت واعتزلت طائفة ذات اليسار وسكتت وقال الأيمنون ويلكم الله, ننهاكم أن تتعرضوا لعقوبة الله, وقال الأيسرون {لم تعظون قوماً الله مهلكهم أو معذبهم عذاباً شديد} قال الأيمنون {معذرة إلى ربكم ولعلهم يتقون} أي ينتهون, إن ينتهوا فهو أحب إلينا أن لا يصابوا ولا يهلكوا وإن لم ينتهوا فمعذرة إلى ربكم فمضوا على الخطيئة وقال الأيمنون فقد فعلتم يا أعداء الله, والله لا نبايتكم الليلة في مدينتكم والله ما نراكم تصبحون حتى يصبحكم الله بخسف أو قذف أو بعض ما عنده من العذاب فلما أصبحوا ضربوا عليهم الباب ونادوا فلم يجابوا فوضعوا سلماً وأعلوا سور المدينة رجلاً, فالتفت إليهم, فقال: أي عباد الله, قردة والله تعادى تعاوى لها أذناب قال ففتحوا فدخلوا عليهم فعرفت القرود أنسابها من الإنس ولا تعرف الإنس أنسابها من القردة فجعلت القرود يأتيها نسيبها من الإنس فتشم ثيابه وتبكي فيقول: ألم ننهكم عن كذا فتقول برأسها: أي نعم ثم قرأ ابن عباس {فلما نسوا ما ذكروا به أنجينا الذين ينهون عن السوء وأخذنا الذين ظلموا بعذاب بئيس} قال: فأرى الذين نهوا قد نجوا ولا أرى الاَخرين ذكروا ونحن نرى أشياء ننكرها ولا نقول فيها, قال: قلت جعلني الله فداك ألا ترى أنهم قد كرهوا ما هم عليه وخالفوهم ؟ وقالوا {لم تعظون قوماً الله مهلكم} قال: فأمر لي فكسيت ثوبين غليظين, وكذا روى مجاهد عنه. وقال ابن جرير: حدثنا يونس أخبرنا أشهب بن عبد العزيز عن مالك قال: زعم ابن رومان أن قوله تعالى: {تأتيهم حيتانهم يوم سبتهم شرعاً ويوم لا يسبتون لا تأتيهم} قال: كانت تأتيهم يوم السبت فإذا كان المساء ذهبت فلا يرى منها شيء إلى يوم السبت الاَخر, فاتخذ لذلك رجل خيطاً ووتداً فربط حوتاً منها في الماء يوم السبت حتى إذا أمسوا ليلة الأحد أخذه فاشتواه, فوجد الناس ريحه, فأتوه فسألوه عن ذلك فجحدهم, فلم يزالوا به حتى قال لهم فإنه جلد حوت وجدناه فلما كان السبت الاَخر فعل مثل ذلك, ولا أدري لعله قال ربط حوتين فلما أمسى من ليلة الأحد أخذه فاشتواه فوجدوا رائحة فجاؤوا فسألوه فقال لهم: لو شئتم صنعتم كما أصنع فقالوا له: وما صنعت ؟ فأخبرهم ففعلوا مثل ما فعل حتى كثر ذلك وكانت لهم مدينة لها ربض يغلقونها عليهم فأصابهم من المسخ ما أصابهم فغدا عليهم جيرانهم ممن كانواحولهم يطلبون منهم ما يطلب الناس فوجدوا المدينة مغلقة عليهم فنادوا فلم يجيبوهم فتسوروا عليهم فإذا هم قردة فجعل القرد يدنو يتمسح بمن كان يعرف قبل ذلك ويدنو منه ويتمسح به, وقد قدمنا في سورة البقرة من الاَثار في خبر هذه القرية ما فيه مقنع وكفاية ولله الحمد والمنة (القول الثاني) أن الساكتين كانوا من الهالكين قال محمد بن إسحاق عن داود بن الحصين عن عكرمة عن ابن عباس أنه قال: ابتدعوا السبت فابتلوا فيه فحرمت عليهم فيه الحيتان فكانوا إذا كان يوم السبت شرعت لهم الحيتان ينظرون إليها في البحر فإذا انقضى السبت ذهبت فلم تر حتى السبت المقبل فإذا جاء السبت جاءت شرعاً فمكثوا ما شاء الله أن يمكثوا كذلك ثم إن رجلاً منهم أخذ حوتاً فخزم أنفه ثم ضرب له وتداً في الساحل وربطه وتركه في الماء فلما كان الغد أخذه فشواه فأكله ففعل ذلك وهم ينظرون ولا ينكرون ولا ينهاه منهم أحد إلا عصبة منهم نهوه حتى ظهر ذلك في الأسواق ففعل علانية قال: فقالت: طائفة للذين ينهونهم {لم تعظون قوماً الله مهلكهم أو معذبهم عذاباً شديداً قالوا معذرة إلى ربكم} فقالوا: نسخط أعمالهم {ولعلهم يتقون * فلما نسوا ـ إلى قوله ـ قردة خاسئين} قال ابن عباس كانوا ثلاثاً ثلث نهوا وثلث قالوا {لم تعظون قوماً الله مهلكهم} وثلث أصحاب الخطيئة فما نجا إلا الذين نهوا وهلك سائرهم, وهذا إسناد جيد عن ابن عباس ولكن رجوعه إلى قول عكرمة في نجاة الساكتين أولى من القول بهذا لأنه تبين حالهم بعد ذلك والله أعلم. وقوله تعالى: {وأخذنا الذين ظلموا بعذاب بئيس} فيه دلالة بالمفهوم على أن الذين بقوا نجوا. وبئيس فيه قراءات كثيرة ومعناه في قول مجاهد الشديد. وفي رواية أليم وقال قتادة موجع والكل متقارب والله أعلم, وقوله {خاسئين} إي ذليلين حقيرين مهانين.
وَإِذْ تَأَذّنَ رَبّكَ لَيَبْعَثَنّ عَلَيْهِمْ إِلَىَ يَوْمِ الْقِيَامَةِ مَن يَسُومُهُمْ سُوَءَ الْعَذَابِ إِنّ رَبّكَ لَسَرِيعُ الْعِقَابِ وَإِنّهُ لَغَفُورٌ رّحِيمٌ
{تأذن} تفعل من الأذان أي: أعلم قاله مجاهد, وقال غيره: أمر, وفي قوة الكلام ما يفيد معنى القسم من هذه اللفظة, ولهذا أتبعت باللام في قوله {ليبعثن عليهم} أي على اليهود {إلى يوم القيامة من يسومهم سوء العذاب} أي بسبب عصيانهم ومخالفتهم أوامر الله وشرعه واحتيالهم على المحارم, ويقال إن موسى عليه السلام ضرب عليهم الخراج, سبع سنين وقيل ثلاث عشرة سنة, وكان أول من ضرب الخراج ثم كانوا في قهر الملوك من اليونانيين والكشدانيين والكلدانيين, ثم صاروا إلى قهر النصارى وإذلالهم إياهم وأخذهم منهم الجزية والخراج, ثم جاء الإسلام ومحمد صلى الله عليه وسلم فكانوا تحت قهره وذمته يؤدون الخراج والجزية. قال العوفي عن ابن عباس في تفسير هذه الاَية قال: هي المسكنة وأخذ الجزية منهم, وقال علي بن أبي طلحة عنه هي الجزية والذي يسومهم سوء العذاب محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم وأمته إلى يوم القيامة, وكذا قال سعيد بن جبير وابن جريج والسدي وقتادة, وقال عبد الرزاق عن معمر عن عبد الكريم الجزري عن سعيد بن المسيب قال: يستحب أن تبعث الأنباط في الجزية قلت: ثم آخر أمرهم أنهم يخرجون أنصاراً للدجال فيقتلهم المسلمون مع عيسى ابن مريم عليه السلام, وذلك آخر الزمان وقوله {إن ربك لسريع العقاب} أي لمن عصاه وخالف شرعه {وإنه لغفور رحيم} أي لمن تاب إليه وأناب وهذا من باب قرن الرحمة مع العقوبة لئلا يحصل اليأس فيقرن تعالى بين الترغيب والترهيب كثيراً لتبقى النفوس بين الرجاء والخوف.

** وَقَطّعْنَاهُمْ فِي الأرْضِ أُمَماً مّنْهُمُ الصّالِحُونَ وَمِنْهُمْ دُونَ ذَلِكَ وَبَلَوْنَاهُمْ بِالْحَسَنَاتِ وَالسّيّئَاتِ لَعَلّهُمْ يَرْجِعُونَ * فَخَلَفَ مِن بَعْدِهِمْ خَلْفٌ وَرِثُواْ الْكِتَابَ يَأْخُذُونَ عَرَضَ هَـَذَا الأدْنَىَ وَيَقُولُونَ سَيُغْفَرُ لَنَا وَإِن يَأْتِهِمْ عَرَضٌ مّثْلُهُ يَأْخُذُوهُ أَلَمْ يُؤْخَذْ عَلَيْهِمْ مّيثَاقُ الْكِتَابِ أَن لاّ يِقُولُواْ عَلَى اللّهِ إِلاّ الْحَقّ وَدَرَسُواْ مَا فِيهِ وَالدّارُ الاَخِرَةُ خَيْرٌ لّلّذِينَ يَتّقُونَ أَفَلاَ تَعْقِلُونَ * وَالّذِينَ يُمَسّكُونَ بِالْكِتَابِ وَأَقَامُواْ الصّلاَةَ إِنّا لاَ نُضِيعُ أَجْرَ الْمُصْلِحِينَ
يذكر تعالى أنه فرقهم في الأرض أمماً أي طوائف وفرقاً كما قال {وقلنا من بعده لبني إسرائيل اسكنوا)الأرض فإذا جاء وعد الاَخرة جئنا بكم لفيف} {منهم الصالحون ومنهم دون ذلك} أي فيهم الصالح وغير ذلك كقول الجن {وأنا منا الصالحون ومنا دون ذلك كنا طرائق قدد} {وبلوناهم} أي اختبرناهم {بالحسنات والسيئات} أي بالرخاء والشدة والرغبة والرهبة والعافية والبلاء {لعلهم يرجعون} ثم قال تعالى {فخلف من بعدهم خلف ورثوا الكتاب يأخذون عرض هذا الأدنى} الاَية يقول تعالى: فخلف من بعد ذلك الجيل الذين فيهم الصالح والطالح خلف آخر لا خير فيهم وقد ورثوا دراسة الكتاب وهو التوراة وقال مجاهد: هم النصارى وقد يكون أعم من ذلك {يأخذون عرض هذا الأدنى} أي يعتاضون عن بذل الحق ونشره بعرض الحياة الدنيا ويسوفون أنفسهم ويعدونها بالتوبة وكلما لاح لهم مثل الأول وقعوا فيه, ولهذا قال {وإن يأتهم عرض مثله يأخذوه} وكما قال سعيد بن جبير يعملون الذنب ثم يستغفرون الله منه ويعترفون لله فإن عرض ذلك الذنب أخذوه وقال مجاهد في قوله تعالى: {يأخذون عرض هذا الأدنى} قال لا يشرف لهم شيء من الدنيا إلا أخذوه حلالاً كان أو حراماً ويتمنون المغفرة {ويقولون سيغفر لنا وإن يأتهم عرض مثله يأخذوه}, وقال قتادة في الاَية إي والله لخلف سوء {ورثوا الكتاب} بعد أنبيائهم ورسلهم أورثهم الله وعهد إليهم, وقال الله تعالى في آية أخرى {فخلف من بعدهم خلف أضاعوا الصلاة} الاَية قال {يأخذون عرض هذا الأدنى ويقولون سيغفر لن} تمنوا على الله أماني وغرة يغترون بها {وإن يأتهم عرض مثله يأخذوه} لا يشغلهم شيء ولا ينهاهم شيء عن ذلك كلما هف لهم شيء من الدنيا أكلوه لا يبالون حلالاً كان أو حراماً, وقال السدي: قوله {فخلف من بعدهم خلف} إلى قوله {ودرسوا ما فيه} قال: كانت بنو إسرائيل لا يستقضون قاضياً إلا ارتشى في الحكم وإن خيارهم اجتمعوا فأخذ بعضهم على بعض العهود أن لا يفعلوا ولا يرتشوا فجعل الرجل منهم إذا استقضى ارتشى فيقال له ما شأنك ترتشي في الحكم ؟ فيقول سيغفر لي, فتطعن عليه البقية الاَخرون من بني إسرائيل فيما صنع فإذا مات أو نزع وجعل مكانه رجل ممن كان يطعن عليه فيرتشي, يقول وإن يأت الاَخرين عرض الدنيا يأخذوه قال الله تعالى: {ألم يؤخذ عليهم ميثاق الكتاب أن لا يقولوا على الله إلا الحق} الاَية يقول تعالى منكراً عليهم في صنيعهم هذا مع ما أخذ عليهم من الميثاق ليبينن الحق للناس ولا يكتمونه كقوله {وإذ أخذ الله ميثاق الذين أوتوا الكتاب لتبيننه للناس ولا تكتمونه فنبذوه وراء ظهورهم واشتروا به ثمناً قليلاً فبئس ما يشترون} وقال ابن جريج قال ابن عباس {ألم يؤخذ عليهم ميثاق الكتاب أن لا يقولوا على الله إلا الحق} قال فيما يتمنون على الله من غفران ذنوبهم التي لا يزالون يعودون فيها ولا يتوبون منها, وقوله تعالى {والدار الاَخرة خير للذين يتقون أفلا تعقلون} يرغبهم في جزيل ثوابه ويحذرهم من وبيل عقابه, أي وثوابي وما عندي خير لمن اتقى المحارم وترك هوى نفسه وأقبل على طاعة ربه {أفلا تعقلون} يقول أفليس لهؤلاء الذين اعتاضوا بعرض الدنيا عما عندي عقل يردعهم عما هم فيه من السفه والتبذير, ثم أثنى تعالى على من تمسك بكتابه الذي يقوده إلى اتباع رسوله محمد صلى الله عليه وسلم كما هو مكتوب فيه فقال تعالى: {والذين يمسكون بالكتاب} أي اعتصموا به واقتدوا بأوامره, وتركوا زواجره {وأقاموا الصلاة إنا لا نضيع أجر المصلحين}.