تفسير ابن كثير تفسير الصفحة 226 من المصحف



تفسير ابن كثير - صفحة القرآن رقم 226

226 : تفسير الصفحة رقم 226 من القرآن الكريم

** وَأُوحِيَ إِلَىَ نُوحٍ أَنّهُ لَن يُؤْمِنَ مِن قَوْمِكَ إِلاّ مَن قَدْ آمَنَ فَلاَ تَبْتَئِسْ بِمَا كَانُواْ يَفْعَلُونَ * وَاصْنَعِ الْفُلْكَ بِأَعْيُنِنَا وَوَحْيِنَا وَلاَ تُخَاطِبْنِي فِي الّذِينَ ظَلَمُوَاْ إِنّهُمْ مّغْرَقُونَ * وَيَصْنَعُ الْفُلْكَ وَكُلّمَا مَرّ عَلَيْهِ مَلأٌ مّن قَوْمِهِ سَخِرُواْ مِنْهُ قَالَ إِن تَسْخَرُواْ مِنّا فَإِنّا نَسْخَرُ مِنكُمْ كَمَا تَسْخَرُونَ * فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ مَن يَأْتِيهِ عَذَابٌ يُخْزِيهِ وَيَحِلّ عَلَيْهِ عَذَابٌ مّقِيمٌ
يخبر تعالى أنه أوحى إلى نوح لما استعجل قومه نقمة الله بهم وعذابه لهم فدعا عليهم نوح دعوته التي قال الله تعالى مخبراً عنه أنه قال: {رب لا تذر على الأرض من الكافرين ديار} {فدعا ربه أني مغلوب فانتصر} فعند ذلك أوحى الله إليه {أنه لن يؤمن من قومك إلا من قد آمن} فلا تحزن عليهم ولا يهمنك أمرهم {واصنع الفلك} يعني السفينة {بأعينن} أي بمرأى منا {ووحين} أي تعليمنا لك ما تصنعه {ولا تخاطبني في الذين ظلموا إنهم مغرقون} فقال بعض السلف: أمره الله تعالى أن يغرز الخشب ويقطعه وييبسه فكان ذلك في مائة سنة ونجرها في مائة سنة أخرى وقيل في أربعين سنة والله أعلم. وذكر محمد بن إسحاق عن التوراة: أن الله أمره أن يصنعها من خشب الساج وأن يجعل طولها ثمانين ذراعاً وعرضها خمسين ذراعاً وأن يطلي باطنها وظاهرها بالقار وأن يجعل لها جؤجؤاً أزورا يشق الماء, وقال قتادة كان طولها ثلاثمائة ذراع في عرض خمسين وعن الحسن طولها ستمائة ذارع وعرضها ثلثمائة وعنه مع ابن عباس طولها ألف ومائتا ذراع في عرض ستمائة وقيل طولها ألفا ذارع وعرضها مائة ذراع فالله أعلم, قالوا كلهم وكان ارتفاعها في السماء ثلاثين ذراعاً ثلاث طبقات كل طبقة عشرة أذرع فالسفلى للدواب والوحوش والوسطى للإنس والعليا للطيور وكان بابها في عرضها ولها غطاء من فوقها مطبق عليها.
وقد ذكر الإمام أبو جعفر بن جرير أثراً غريباً من حديث علي بن زيد بن جدعان عن يوسف بن مهران عن عبد الله بن عباس أنه قال: قال الحواريون لعيسى ابن مريم: لو بعثت لنا رجلاً شهد السفينة فحدثنا عنها قال فانطلق بهم حتى انتهى إلى كثيب من تراب فأخذ كفاً من ذلك التراب بكفه فقال أتدرون ما هذا ؟ قالوا: الله ورسوله أعلم. قال: هذا كعب حام بن نوح. قال فضرب الكثيب بعصاه قال قم بإذن الله فإذا هو قائم ينفض التراب عن رأسه قد شاب قال له عيسى عليه السلام: أهكذا هلكت ؟ قال: لا. ولكني مت وأنا شاب ولكني ظننت أنها الساعة فمن ثم شبت, قال حدثنا عن سفينة نوح ؟ قال: كان طولها ألف ذراع ومائتي ذراع وعرضها ستمائة ذراع وكانت ثلاث طبقات فطبقة فيها الدواب والوحوش وطبقة فيها الإنس وطبقة فيها الطير فلما كثر روث الدواب أوحى الله عز وجل إلى نوح عليه السلام أن اغمز ذنب الفيل فغمزه فوقع منه خنزير وخنزيرة فأقبلا على الروث فلما وقع الفأر بجوف السفينة يقرضها وحبالها أوحى الله إليه أن اضرب بين عيني الأسد فضرب فخرج من منخره سنور وسنورة فأقبلا على الفأر, فقال له عيسى عليه السلام: كيف علم نوح أن البلاد قد غرقت ؟ قال: بعث الغراب يأتيه بالخبر فوجد جيفة فوقع عليها فدعا عليه بالخوف فلذلك لا يألف البيوت.
قال: ثم بعث الحمامة فجاءت بورق زيتون بمنقارها وطين برجليها فعلم أن البلاد قد غرقت قال فطوقها الخضرة التي في عنقها ودعا لها أن تكون في أنس وأمان فمن ثم تألف البيوت قال فقلنا يا رسول الله: ألا ننطلق به إلى أهلينا فيجلس معنا ويحدثنا ؟ قال: كيف يتبعكم من لا رزق له ؟ قال فقال له: عد بإذن الله فعاد تراباً, وقوله: {ويصنع الفلك وكلما مر عليه ملأ من قومه سخروا منه} أي يهزءون به ويكذبون بما يتوعدهم به من الغرق {قال إن تسخروا منا فإنا نسخر منكم} الاَية وعيد شديد وتهديد أكيد {من يأتيه عذاب يخزيه} أي يهينه في الدنيا {ويحل عليه عذاب مقيم} أي دائم مستمر أبداً.

** حَتّىَ إِذَا جَآءَ أَمْرُنَا وَفَارَ التّنّورُ قُلْنَا احْمِلْ فِيهَا مِن كُلّ زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ وَأَهْلَكَ إِلاّ مَن سَبَقَ عَلَيْهِ الْقَوْلُ وَمَنْ آمَنَ وَمَآ آمَنَ مَعَهُ إِلاّ قَلِيلٌ
هذه موعدة من الله تعالى لنوح عليه السلام إذا جاء أمر الله من الأمطار المتتابعة والهتان الذي لا يقلع ولا يفتر, بل هو كما قال تعالى: {ففتحنا أبواب السماء بماء منهمر * وفجرنا الأرض عيوناً فالتقى الماء على أمر قد قدر * وحملناه على ذات ألواح ودسر * تجري بأعيننا جزاء لمن كان كفر} وأما قوله {وفار التنور} فعن ابن عباس التنور وجه الأرض, أي صارت الأرض عيوناً تفور حتى فار الماء من التنانير التي هي مكان النار صارت تفور ماء وهذا قول جمهور السلف وعلماء الخلف, وعن علي بن أبي طالب رضي الله عنه التنور فلق الصبح وتنوير الفجر, وهو ضياؤه وإشراقه والأول أظهر وقال مجاهد والشعبي: كان هذا التنور بالكوفة, وعن ابن عباس عين بالهند, وعن قتادة عين بالجزيرة يقال لها عين الوردة وهذه أقوال غريبة فحينئذ أمر الله نوحاً عليه السلام أن يحمل معه في السفينة من كل زوجين اثنين من صنوف المخلوقات ذوات الأرواح, قيل وغيرها من النباتات اثنين ذكراً وأنثى فقيل كان أول من أدخل من الطيور الدرة وآخر من أدخل من الحيوانات الحمار فتعلق إبليس بذنبه وجعل يريد أن ينهض فيثقله إبليس وهو متعلق بذنبه فجعل يقول له نوح عليه السلام: مالك ويحك ادخل فينهض ولا يقدر فقال: ادخل وإن كان إبليس معك فدخلا في السفينة, وذكر بعض السلف أنهم لم يستطيعوا أن يحملوا معهم الأسد حتى ألقيت عليه الحمى.
وقال ابن أبي حاتم حدثنا أبي حدثنا عبد الله بن صالح كاتب الليث حدثني الليث حدثني هشام بن سعد عن زيد بن أسلم عن أبيه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «لما حمل نوح في السفينة من كل زوجين اثنين قال أصحابه: وكيف تطمئن المواشي ومعها الأسد ؟ فسلط الله عليه الحمى فكانت أول حمى نزلت في الأرض, ثم شكوا الفأر فقالوا: الفويسقة تفسد علينا طعامنا ومتاعنا فأوحى الله إلى الأسد فعطس, فخرجت الهرة منه فتخبأت الفأرة منها».
وقوله {وأهلك إلا من سبق عليه القول} أي واحمل فيها أهلك وهم أهل بيته وقرابته إلا من سبق عليه القول منهم ممن لم يؤمن بالله فكان منهم ابنه يام الذي انعزل وحده وامرأة نوح وكانت كافرة بالله ورسوله, وقوله {ومن آمن} أي من قومك {وما آمن معه إلا قليل} أي نزر يسير مع طول المدة والمقام بين أظهرهم ألف سنة إلا خمسين عاماً, فعن ابن عباس كانوا ثمانين نفساً منهم نساؤهم, وعن كعب الأحبار كانوا اثنين وسبعين نفساً. وقيل كانوا عشرة, وقيل إنما كان نوح وبنوه الثلاثة سام وحام ويافث وكنائنه الأربع نساء هؤلاء الثلاثة وامرأة يام, وقيل بل امرأة نوح كانت معهم في السفينة وهذا فيه نظر, بل الظاهر أنها هلكت لأنها كانت على دين قومها فأصابها ما أصابهم كما أصاب امرأة لوط ما أصاب قومها, والله أعلم وأحكم.

** وَقَالَ ارْكَبُواْ فِيهَا بِسْمِ اللّهِ مَجْرَاهَا وَمُرْسَاهَا إِنّ رَبّي لَغَفُورٌ رّحِيمٌ * وَهِيَ تَجْرِي بِهِمْ فِي مَوْجٍ كَالْجِبَالِ وَنَادَىَ نُوحٌ ابْنَهُ وَكَانَ فِي مَعْزِلٍ يَبُنَيّ ارْكَبَ مّعَنَا وَلاَ تَكُن مّعَ الْكَافِرِينَ * قَالَ سَآوِيَ إِلَىَ جَبَلٍ يَعْصِمُنِي مِنَ الْمَآءِ قَالَ لاَ عَاصِمَ الْيَوْمَ مِنْ أَمْرِ اللّهِ إِلاّ مَن رّحِمَ وَحَالَ بَيْنَهُمَا الْمَوْجُ فَكَانَ مِنَ الْمُغْرَقِينَ
يقول تعالى إخباراً عن نوح عليه السلام أنه قال للذين أمر بحملهم معه في السفينة {اركبوا فيها بسم الله مجريها ومرساه} أي بسم الله يكون جريها على وجه الماء, وبسم الله يكون منتهى سيرها وهو رسوّها, وقرأ أبو رجاء العطاردي {بسم الله مجريها ومرسيه} وقال الله تعالى: {فإذا استويت أنت ومن معك على الفلك فقل الحمد لله الذي نجانا من القوم الظالمين وقل ربّ أنزلني منزلاً مباركاً وأنت خير المنزلين} ولهذا تستحب التسمية في ابتداء الأمور عند الركوب على السفينة وعلى الدابة كما قال تعالى: {والذي خلق الأزواج كلها وجعل لكم من الفلك والأنعام ما تركبون لتستووا على ظهوره} الاَية, وجاءت السنة بالحث على ذلك والندب إليه كما سيأتي في سورة الزخرف إن شاء الله وبه الثقة وقال أبو القاسم الطبراني حدثنا إبراهيم بن هاشم البغوي حدثنا محمد بن أبي بكر المقدمي وحدثنا زكريا بن يحيى الساجي حدثنا محمد بن موسى الحرشي قالا حدثنا عبد الحميد بن الحسن الهلالي عن نهشل بن سعيد عن الضحاك عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «أمان أمتي من الغرق إذا ركبوا في السفن أن يقولوا بسم الله الملك {وما قدروا الله حق قدره} ـ الاَية ـ {بسم الله مجريها ومرساها إن ربي لغفور رحيم}.) وقوله {إن ربي لغفور رحيم} مناسب عند ذكر الانتقام من الكافرين بإغراقهم أجمعين فذكر أنه غفور رحيم كقوله: {إن ربك لسريع العقاب * وإنه لغفور رحيم} وقال: {وإن ربك لذو مغفرة للناس على ظلمهم وإن ربك لشديد العقاب} إلى غير ذلك من الاَيات التي يقرن فيها بين رحمته وانتقامه وقوله: {وهي تجري بهم في موج كالجبال} أي السفينة سائرة بهم على وجه الماء الذي قد طبق جميع الأرض حتى طفت على رؤوس الجبال وارتفع عليها بخمسة عشر ذراعاً وقيل بثمانين ميلاً, وهذه السفينة جارية على وجه الماء سائرة بإذن الله وتحت كنفه وعنايته وحراسته وامتنانه كما قال تعالى: {إنا لما طغى الماء حملناكم في الجارية * لنجعلها لكم تذكرة وتعيها أذن واعية} وقال تعالى: {وحملناه على ذات ألواح ودسر * تجري بأعيننا جزاء لمن كان كفر * ولقد تركناها آية فهل من مدكر} وقوله: {ونادى نوح ابنه} الاَية, هذا هو الابن الرابع واسمه يام وكان كافراً دعاه أبوه عند ركوب السفينة أن يؤمن ويركب معهم ولا يغرق مثل ما يغرق الكافرون {قال سآوي إلى جبل يعصمني من الماء} وقيل إنه اتخذ له مركباً من زجاج وهذا من الإسرائيليات والله أعلم بصحته, والذي نص عليه القرآن أنه قال: {سآوي إلى جبل يعصمني من الماء} اعتقد بجهله أن الطوفان لا يبلغ إلى رؤوس الجبال, وأنه لو تعلق في رأس جبل لنجاه ذلك من الغرق, فقال له أبوه نوح عليه السلام: {لا عاصم اليوم من أمر الله إلا من رحم} أي ليس شيء يعصم اليوم من أمر الله, وقيل إن عاصماً بمعنى معصوم كما يقال طاعم وكاس بمعنى مطعوم ومكسو {وحال بينهما الموج فكان من المغرقين}.

** وَقِيلَ يَأَرْضُ ابْلَعِي مَآءَكِ وَيَسَمَآءُ أَقْلِعِي وَغِيضَ الْمَآءُ وَقُضِيَ الأمْرُ وَاسْتَوَتْ عَلَى الْجُودِيّ وَقِيلَ بُعْداً لّلْقَوْمِ الظّالِمِينَ
يخبر تعالى أنه لما اغرق أهل الأرض كلهم إلا أصحاب السفينة أمر الأرض أن تبلع ماءها الذي نبع منها واجتمع عليها, وأمر السماء أن تقلع عن المطر {وغيض الماء} أي شرع في النقص {وقضي الأمر} أي فرغ من أهل الأرض قاطبة ممن كفر بالله لم يبق منهم ديار {واستوت} السفينة بمن فيها {على الجودي} قال مجاهد: وهو جبل بالجزيرة تشامخت الجبال يومئذ من الغرق وتطاولت وتواضع هو لله عز وجل فلم يغرق وأرسَت عليه سفينة نوح عليه السلام وقال قتادة: استوت عليه شهراً حتى نزلوا منها, قال قتادة: قد أبقى الله سفينة نوح عليه السلام على الجودي من أرض الجزيرة عبرة وآية حتى رآها أوائل هذه الأمة وكم من سفينة قد كانت بعدها فهلكت وصارت رماداً.
وقال الضحاك: الجودي جبل بالموصل وقال بعضهم: هو الطور, وقال ابن أبي حاتم: حدثنا أبي حدثنا عمرو بن رافع حدثنا محمد بن عبيد عن توبة بن سالم قال: رأيت زر بن حبيش يصلي في الزاوية حين يدخل من أبواب كندة على يمينك فسألته إنك لكثير الصلاة ههنا يوم الجمعة قال بلغني أن سفينة نوح أرست من ههنا. وقال علباء بن أحمر عن عكرمة عن ابن عباس قال: كان مع نوح في السفينة ثمانون رجلاً معهم أهلوهم وإنهم كانوا فيها مائة وخمسين يوماً وإن الله وجه السفينة إلى مكة فطافت بالبيت أربعين يوماً ثم وجهها الله إلى الجودي فاستقرت عليه فبعث نوح الغراب ليأتيه بخبر الأرض فذهب فوقع على الجيف فأبطأ عليه فبعث الحمامة فأتته بورق الزيتون فلطخت رجليها بالطين فعرف نوح عليه السلام أن الماء قد نضب فهبط إلى أسفل الجودي فابتنى قرية, وسماها ثمانين فأصبحوا ذات يوم وقد تبلبلت ألسنتهم على ثمانين لغة إحدها اللسان العربي, فكان بعضهم لا يفقه كلام بعض فكان نوح عليه السلام يعبر عنهم. وقال كعب الأحبار: إن السفينة طافت ما بين المشرق والمغرب قبل أن تستقر على الجودي, وقال قتادة وغيره: ركبوا في عاشر شهر رجب فساروا مائة وخمسين يوماً واستقرت بهم على الجودي شهراً وكان خروجهم من السفينة في يوم عاشوراء من المحرم, وقد ورد نحو هذا في حديث مرفوع رواه ابن جرير وأنهم صاموا يومهم ذلك والله أعلم.
وقال الإمام أحمد حدثنا أبو جعفر حدثنا عبد الصمد بن حبيب الأزدي عن أبيه حبيب بن عبد الله عن شبل عن أبي هريرة قال: مر النبي صلى الله عليه وسلم بأناس من اليهود وقد صاموا يوم عاشوراء فقال «ما هذا الصوم ؟ قالوا هذا اليوم الذي نجى الله به موسى وبني إسرائيل من الغرق وغرق فيه فرعون وهذا يوم استوت فيه السفينة على الجودي فصام نوح وموسى عليهما السلام شكراً لله عز وجل. فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «أنا أحق بموسى وأحق بصوم هذا اليوم» فصام وقال لأصحابه: «من كان أصبح منكم صائماً فليتم صومه, ومن كان أصاب من غذاء أهله فليتم بقية يومه» وهذا حديث غريب من هذا الوجه ولبعضه شاهد في الصحيح, وقوله: {وقيل بعداً للقوم الظالمين} أي هلاكاً وخساراً لهم وبعداً من رحمة الله فإنهم قد هلكوا عن آخرهم فلم يبق لهم بقية.
وقد روى الإمام أبو جعفر بن جرير والحبر أبو محمد بن أبي حاتم في تفسيريهما من حديث موسى بن يعقوب الزمعي عن قائد مولى عبيد الله بن أبي رافع أن إبراهيم بن عبد الرحمن بن أبي ربيعة أخبره أن عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم أخبرته أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «لو رحم الله من قوم نوح أحداً لرحم أم الصبي» قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «كان نوح عليه السلام مكث في قومه ألف سنة إلا خمسين عاماً يعني وغرس مائة سنة الشجر فعظمت وذهبت كل مذهب ثم قطعها ثم جعلها سفينة ويمرون عليه ويسخرون منه ويقولون تعمل سفينة في البر فكيف تجري ؟ قال سوف تعلمون فلما فرغ ونبع الماء وصار في السكك خشيت أم الصبي عليه وكانت تحبه حباً شديداً فخرجت إلى الجبل حتى بلغت ثلثه فلما بلغها الماء ارتفعت حتى بلغت ثلثيه فلما بلغها الماء خرجت به حتى استوت على الجبل فلما بلغ الماء رقبتها رفعته بيديها فغرقا, فلو رحم الله منهم أحداً لرحم أم الصبي» وهذا حديث غريب من هذا الوجه, وقد روي عن كعب الأحبار ومجاهد بن جبير قصة هذا الصبي وأمه بنحو من هذا.