تفسير الطبري تفسير الصفحة 226 من المصحف

 تفسير الطبري - صفحة القرآن رقم 226
227
225
 الآية : 38-40
القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {وَيَصْنَعُ الْفُلْكَ وَكُلّمَا مَرّ عَلَيْهِ مَلأٌ مّن قَوْمِهِ سَخِرُواْ مِنْهُ قَالَ إِن تَسْخَرُواْ مِنّا فَإِنّا نَسْخَرُ مِنكُمْ كَمَا تَسْخَرُونَ * فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ مَن يَأْتِيهِ عَذَابٌ يُخْزِيهِ وَيَحِلّ عَلَيْهِ عَذَابٌ مّقِيمٌ * حَتّىَ إِذَا جَآءَ أَمْرُنَا وَفَارَ التّنّورُ قُلْنَا احْمِلْ فِيهَا مِن كُلّ زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ وَأَهْلَكَ إِلاّ مَن سَبَقَ عَلَيْهِ الْقَوْلُ وَمَنْ آمَنَ وَمَآ آمَنَ مَعَهُ إِلاّ قَلِيلٌ }.
يقول تعالـى ذكره: ويصنع نوح السفـينة, وكلـما مر علـيه جماعة من كبراء قومه سخروا منه, يقول: هزئوا من نوح, ويقولون له: أتـحولت نـجارا بعد النبوة وتعمل السفـينة فـي البر فـيقول لهم نوح: إنْ تسْخروا مّنا: إن تهزءوا منا الـيوم, فإنا نهزأ منكم فـي الاَخرة كما تهزءون منا فـي الدنـيا. فسوْفَ تعْلـمونَ إذا عاينتـم عذاب الله, من الذي كان إلـى نفسه مسيئا منا. وكانت صنعة نوح السفـينة كما:
14071ـ حدثنـي الـمثنى وصالـح بن مسمار, قالا: حدثنا ابن أبـي مريـم, قال: أخبرنا موسى بن يعقوب, قال: ثنـي فـائد مولـى عبـيد الله بن علـي بن أبـي رافع: أن إبراهيـم بن عبد الرحمن بن أبـي ربـيعة, أخبره أن عائشة زوج النبـيّ صلى الله عليه وسلم أخبرته: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «لَوْ رَحِمَ اللّهُ أحَدا مِنْ قَوْمِ نُوحٍ لَرَحِمَ أُمّ الصّبِـيّ». قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «كانَ نُوحٌ مَكَث فـي قَومِهِ ألْف سَنَةٍ إلاّ خُمسِين عاما يَدْعُوهُمْ إلـى اللّهِ حتـى كانَ آخِرَ زَمانِه غَرَس شَجَرَةً, فعَظُمَتْ وذهَبَتْ كُلّ مَذْهَبٍ, ثُمّ قَطَعَها, ثُمّ جَعَل يَعْمَلُ سَفِـينَةً, ويَـمُرّونَ فـيَسألُونَهُ, فَـيَقُولُ: أعْمَلُها سَفِـينَةً, فَـيَسْخَرُونَ مِنْهُ وَيَقُولُونَ: تَعْمَلُ سَفِـينَةً فِـي البَرّ فَكَيْفَ تَـجْرِي؟ فَـيَقُولُ: سَوْفَ تَعْلَـمُونَ. فَلَـمّا فَرَغَ مِنْها وَفـارَ التّنّورُ وكَثُرَ الـمَاءُ فـي السّكَكِ خَشِيَتْ أُمّ الصَبِـيّ عَلَـيْهِ, وكانَتْ تُـحِبُبّهُ حُبّـا شّدِيدا, فخَرَجَتْ إلـى الـجَبَل حتـى بَلَغَتْ ثُلُثَهُ فَلَـمّا بَلَغَها الـمَاءُ خَرَجَتْ حتـى بَلَغَتْ ثُلُثَـيِ الـجَبَل فَلَـمّا بَلَغَها الـمَاءُ خَرَجَتْ حتـى اسْتَوَتْ علـى الـجَبَلِ فَلَـمّا بَلَغَ الـمَاءُ رَقَبَتَها رَفَعَتْهُ بـينَ يَدَيْها حتـى ذَهَبَ بِها الـمَاءُ, فَلَوْ رَحِمَ اللّهُ مِنْهُمْ أحَدا لَرَحِمَ أُمّ الصّبِـيّ».
14072ـ حدثنا بشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة, قال: ذُكر لنا أن طول السفـينة ثلاث مئة ذراع, وعرضها خمسون ذراعا, وطولها فـي السماء ثلاثون ذراعا, وبـابها فـي عرضها.
14073ـ حدثنـي الـحارث, قال: حدثنا عبد العزيز, قال: حدثنا مبـارك, عن الـحسن, قال: كان طول سفـينة نوح ألف ذراع ومئتـي ذراع, وعرضها ستّ مئة ذراع.
14074ـ حدثنا القاسم, قال: حدثنا الـحسين, قال: ثنـي حجاج, عن مفضل بن فضالة, عن علـي بن زيد بن جدعان, عن يوسف بن مهران, عن ان عبـاس, قال: قال الـحواريون لعيسى ابن مريـم: لو بعثت لنا رجلاً شهد السفـينة فحدثنا عنها قال: فـانطلق بهم حتـى انتهى بهم إلـى كثـيب من تراب, فأخذ كفّـا من ذلك التراب بكفه, قال: أتدرون ما هذا؟ قالوا: الله ورسوله أعلـم, قال: هذا كعب حام بن نوح. قال: فضرب الكثـيب بعصاه, قال: قم بإذن الله فإذا هو قائم ينفض التراب عن رأسه قد شاب. قال له عيسى: هكذا هلكت؟ قال: لا, ولكن متّ وأنا شاب, ولكنـي ظننت أنها الساعة, فمن ثم شِبْت. قال: حدّثنا عن سفـينة نوح قال: كان طولها ألف ذراع ومئتـي ذراع, وعرضها ستّ مئة ذراع, وكانت ثلاث طبقات, فطبقة فـيها الدوابّ والوحش, وطبقة فـيها الإنس, وطبقة فـيها الطير. فلـما كثر أرواث الدوابّ, أوحى الله إلـى نوح أن اغمز ذنب الفـيـل فغمزه فوقع منه خنزير وخنزيرة, فأقبلا علـى الروث. فلـما وقع الفأر بحبل السفـينة يقرضه, أوحى الله إلـى نوح أن اضرب بـين عينـي الأسد فخرج من منـخره سنور وسنورة, فأقبلا علـى الفأر, فقال له عيسى: كيف علـم نوح أن البلاد قد غرقت؟ قال: بعث الغراب يأتـيه بـالـخبر, فوجد جيفة فوقع علـيها, فدعا علـيه بـالـخوف, فلذلك لا يألف البـيوت, قال: ثم بعث الـحمامة فجاءت بورق زيتون بـمنقارها وطين برجلـيها, فعلـم أن البلاد قد غرقت, قال: فطوّقها الـخضرة التـي فـي عنقها, ودعا لها أن تكون فـي أنس وأمان, فمن ثم تألف البـيوت. قال: فقلنا يا رسول الله ألا ننطلق به إلـى أهلـينا, فـيجلس معنا, ويحدثنا؟ قال: كيف يتبعكم من لا رزق له؟ قال: فقال له: عد بإذن الله, قال: فعاد ترابـا.
14075ـ حدثنا ابن حميد, قال: حدثنا سلـمة, عن مـحمد بن إسحاق عمن لا يتّهم عن عبـيد بن عمير اللـيثـي: أنه كان يحدّث أنه بلغه أنهم كانوا يبطشون به يعنـي قوم نوح فـيخنقونه حتـى يغشي علـيه, فإذا أفـاق قال: اللهمّ اغفر لقومي فإنهم لا يعلـمون حتـى إذا تـمادوا فـي الـمعصية, وعظمت فـي الأرض منهم الـخطيئة, وتطاول علـيه وعلـيهم الشأن, واشتدّ علـيه منهم البلاء, وانتظر النـجل بعد النـجل, فلا يأتـي قرن إلا كان أخبث من القرن الذي قبله, حتـى إن كان الاَخِرُ منهم لـيقول: قد كان هذا مع آبـائنا ومع أجدادنا هكذا مـجنونا لا يقبلون منه شيئا. حتـى شكا ذلك من أمرهم نوح إلـى الله تعالـى, كما قصّ الله علـينا فـي كتابه: رَبّ إنـي دَعَوْتُ قَوْمي لَـيْلاً ونهَارا فَلـم يَزِدْهُمْ دُعائي إلاّ فِرَارا إلـى آخر القصة, حتـى قالَ رَبّ لا تَذَرْ علـى الأرْضِ مِنَ الكافِرِينَ دَيّارا إنّكَ إنْ تَذَرْهُمْ يُضِلّوا عِبـادَكَ وَلا يَـلِدُوا إلاّ فـاجِرا كَفّـارا إلـى آخر القصة. فلـما شكا ذلك منهم نوح إلـى الله واستنصره علـيهم, أوحي الله إلـيه أَنِ وَاصْنَعِ الفُلْكَ بأعْيُنِنا وَوَحْيِنا ولاَ تُـخاطبْنـي فـي الّذِينَ ظَلـمُوا أي بعد الـيوم, إنّهُمْ مُغْرَقُونَ. فأقبل نوح علـى عمل الفلك, ولَهِيَ عن قومه, وجعل يقطع الـخشب, ويضرب الـحديد ويهيىء عدة الفلك من القار وغيره مـما لا يصلـحه إلا هو. وجعل قومه يـمرّون به وهو فـي ذلك من عمله, فـيسخرون منه ويستهزئون به, فـيقول: إنْ تَسْخَرُوا منّا فإنّا نَسْخَرُ مِنْكُمْ كمَا تَسْخَرُونَ فَسَوْفَ تَعْلَـمُونَ مَنْ يَأْتِـيهِ عَذَابٌ يُخْزِيهِ وَيحِلّ عَلَـيْهِ عَذَابٌ مُقِـيـمٌ. قال: ويقولون له فـيـما بلغنـي: يا نوح قد صرت نـجارا بعد النبوّة قال: وأعقم الله أرحام النساء, فلا يولد لهم ولد. قال: ويزعم أهل التوراة أن الله أمره أن يصنع الفلك من خشب الساج, وأن يصنعه أزور, وأن يطلـيه بـالقار من داخـله وخارجه, وأن يجعل طوله ثمانـين ذراعا, وأن يجعله ثلاثة أطبـاق: سفلاً ووسطا وعلوا, وأن يجعل فـيه كُوًى. ففعل نوح كما أمره الله, حتـى إذا فرغ منه وقد عهد الله إلـيه إذا جاء أمرنا وفـار التنور فـاحمل فـيها من كلّ زوجين اثنـين وأهلك إلا من سبق علـيه القول ومن آمن, وما آمن معه إلا قلـيـل, وقد جعل التنور آية فـيـما بـينه وبـينه (ف) قال إذَا جاءَ أمْرُنا وَفـارَ التّنّورُ فـاسْلُكْ فَـيها مِنْ كُلَ زَوْجيْنِ اثْنـين واركب. فلـما فـار التنور حمل نوح فـي الفلك من أمره الله, وكانوا قلـيلاً كما قال الله, وحمل فـيها من كلّ زوجين اثنـين مـما فـيه الروح والشجر ذكر وأنثى, فحمل فـيه بنـيه الثلاثة: سام وحام ويافت ونساءهم, وستة أناس مـمن كان آمن به, فكانوا عشرة نفر: نوح وبنوه وأزواجهم, ثم أدخـل ما أمره به من الدوابّ وتـخـلّف عنه ابنه يام, وكان كافرا.
14076ـ حدثنا ابن حميد, قال: حدثنا سلـمة, عن ابن إسحاق, عن الـحسن بن دينار, عن علـيّ بن زيد, عن يوسف بن مهران, عن ابن عبـاس, قال: سمعته يقول: كان أوّل ما حمل نوح فـي الفلك من الدوابّ الدرّة, وآخر ما حمل الـحمار فلـما دخـل الـحمار وأدخـل صدره مَسَك إبلـيس بذنبه, فلـم تستقل رجلاه, فجعل نوح يقول: ويحك ادخـل فـينهض فلا يستطيع. حتـى قال نوح: ويحك ادخـل وإن كان الشيطان معك قال: كلـمة زلّت عن لسانه. فلـما قالها نوح خـلـى الشيطان سبـيـله, فدخـل ودخـل الشيطان معه, فقال له نوح: ما أدخـلك علـيّ يا عدوّ الله؟ فقال: ألـم تقل: ادخـل وإن كان الشيطان معك؟ قال: اخرج عنـي يا عدوّ الله فقال: ما لك بدّ من أن تـحملنـي. فكان فـيـما يزعمون فـي ظهر الفلك. فلـما اطمأنّ نوح فـي الفلك, وأدخـل فـيه مَنْ آمن به, وكان ذلك فـي الشهر من السنة التـي دخـل فـيها نوح بعد ستّ مئة سنة من عمره لسبع عشرة لـيـلة مضت من الشهر فلـما دخـل وحمل معه من حمل, تـحرّك ينابـيع الغوط الأكبر, وفتـح أبواب السماء, كما قال الله لنبـيه مـحمد صلى الله عليه وسلم: فَفَتَـحْنا أبْوَابَ السّماءِ بِـمَاء مُنْهَمرٍ وفَجّرْنا الأرْضَ عُيُونا فـالْتَقَـى الـمَاءُ علـى أمْرٍ قَدْ قُدِرَ فدخـل نوح ومن معه الفلك وغطاه علـيه وعلـى من معه بطبقة, فكان بـين أن أرسل الله الـماء وبـين أن احتـمل الـماء الفلك أربعون يوما وأربعون لـيـلة. ثم احتـمل الـماء كما تزعم أهل التوراة, وكثر الـماء واشتدّ وارتفع يقول الله لـمـحمد: وَحمَلْناهُ علـى ذَاتِ ألْوَاحٍ وَدُسُرٍ والدسر: الـمسامير, مسامير الـحديد. فجعلت الفلك تـجري به وبـمن معه فـي موج كالـجبـال ونادى نوح ابنه الذي هلك فـيـمن هلك, وكان فـي معزل حين رأى نوح من صدق موعد ربه ما رأى فقال: يا بُنَـيّ ارْكَبْ مَعَنا وَلا تَكُنْ مَعَ الكافرِينَ وكان شقـيا قد أضمر كفرا, قالَ سآوِي إلـى جَبَل يَعْصِمُنـي منَ الـمَاءِ وكان عهد الـجبـال وهي حرز من الأمطار إذا كانت, فظن أن ذلك كما كان يعهد. قال نوح: لا عاصِمَ الـيَوْمَ منْ أمْرِ اللّهِ إلاّ مَنْ رَحِمَ وَحالَ بَـيْنَهُما الـمَوْجُ فَكانَ مِنَ الـمُغْرَقـينَ وكثر الـماء حتـى طغى وارتفع فوق الـجبـال كما تزعم أهل التوراة بخمسة عشر ذراعا, فبـاد ما علـى وجه الأرض من الـخـلق من كل شيء فـيه الروح أو شجر, فلـم يبق شيء من الـخلائق إلا نوح ومن معه فـي الفلك, وإلا عوج بن عنق فـيـما يزعم أهل الكتاب. فكان بـين أن أرسل الله الطوفـان وبـين أن غاض الـماء ستة أشهر وعشر لـيال.
14077ـ حدثنا ابن حميد, قال: حدثنا سلـمة, عن ابن إسحاق, عن الـحسن بن دينار, عن علـيّ بن زيد بن جدعان, قال ابن حميد, قال سلـمة وحدثنـي حسن بن علـيّ بن زيد عن يوسف بن مهران, قال: سمعته يقول: لـما آذى نوحا فـي الفلك عذرةُ الناس, أمر أن يـمسح ذنب الفـيـل, فمسحه فخرج منه خنزيران, وكفـي ذلك عنه. وإن الفأر توالدت فـي الفلك, فلـما آذته, أمر أن يأمر الأسد يعطس, فعطس فخرج من مَنْـخِريه هرّان يأكلان عنه الفأر.
14078ـ حدثنا مـحمد بن بشار, قال: حدثنا أبو أحمد, قال: حدثنا سفـيان, عن علـيّ بن زيد, عن يوسف بن مهران, عن ابن عبـاس, قال: لـما كان نوح فـي السفـينة, قرض الفأر حبـال السفـينة, فشكا نوح, فأوحي الله إلـيه فمسح ذنب الأسد فخرج سنّوران. وكان فـي السفـينة عذرة, فشكا ذلك إلـى ربه, فأوحي الله إلـيه, فمسح ذنب الفـيـل, فخرج خنزيران.
حدثنا إبراهيـم بن يعقوب الـجوزجانـي, قال: حدثنا الأسود بن عامر, قال: أخبرنا سفـيان بن سعيد, عن علـيّ بن زيد, عن يوسف بن مهران, عن ابن عبـاس, بنـحوه.
14079ـ حُدثت عن الـمسيب بن أبـي رَوْق, عن الضحاك, قال: قال سلـيـمان القَرَاسِي: عمل نوح السفـينة فـي أربع مئة سنة, وأنبت الساج أربعين سنة حتـى كان طوله أربع مئة ذراع, والذراع إلـى الـمنكب.
القول فـي تأويـل قوله تعالـى: مَنْ يَأْتِـيهِ عَذَابٌ يُخْزِيهِ ويَحِلّ عَلَـيْهِ عَذَابٌ مُقِـيـمٌ حتـى إذَا جاءَ أمْرُنا وَفـارَ التّنّورُ قُلْنا احْمِلْ فِـيها مِنْ كُلّ زَوْجَيْنِ اثْنَـيْنِ وأهْلَكَ إلاّ مَنْ سَبَقَ عَلَـيْهِ القَوْلُ وَمَنْ آمَنَ وَما آمَنَ مَعَهُ إلاّ قَلِـيـلٌ.
يقول تعالـى ذكره مخبرا عن قـيـل نوح لقومه: فَسَوْفَ تَعْلَـمُونَ أيها القوم إذا جاء أمر الله, من الهالك مَنْ يَأْتِـيهِ عَذَابٌ يُخْزِيهِ يقول: الذي يأتـيه عذاب الله منا ومنكم يهينه ويذله, ويحلّ عَلَـيْهِ عَذَابٌ مُقِـيـمٌ يقول: وينزل به فـي الاَخرة مع ذلك عذاب دائم لا انقطاع له, مقـيـم علـيه أبدا.
وقوله: حتـى إذَا جاءَ أمْرُنا يقول: ويصنع نوح الفلك حتـى إذا جاء أمرنا الذي وعدناه أن يجيء قومه من الطوفـان الذي يغرقهم.
وقوله: وَفـارَ التّنّورُ اختلف أهل التأويـل فـي معنى ذلك, فقال بعضهم: معناه: انبجس الـماء من وجه الأرض, وفـار التنور, وهو وجه الأرض. ذكر من قال ذلك:
14080ـ حدثنـي يعقوب بن إبراهيـم, قال: حدثنا هشيـم, قال: أخبرنا العوّام بن حوشب, عن الضحاك, عن ابن عبـاس أنه قال فـي قوله: وَفـارَ التّنّورُ قال: التنور: وجه الأرض. قال: قـيـل له: إذا رأيت الـماء علـى وجه الأرض, فـاركب أنت ومن معك قال: والعرب تسمى وجه الأرض: تنور الأرض.
14081ـ حدثنـي الـمثنى, قال: حدثنا عمرو بن عون, قال: أخبرنا هشيـم, عن العوّام, عن الضحاك, بنـحوه.
14082ـ حدثنا أبو كريب وأبو السائب, قالا: حدثنا ابن إدريس, قال: أخبرنا الشيبـانـي, عن عكرمة, فـي قوله: وَفـارَ التّنّورُ قال: وجه الأرض.
حدثنا زكريا بن يحيى بن أبـي زائدة وسفـيان بن وكيع, قالا: حدثنا ابن إدريس, عن الشيبـانـي, عن عكرمة: وَفـارَ التّنّورُ قال: وجه الأرض.
وقال آخرون: هو تنوير الصبح من قولهم: نوّر الصبح تنويرا. ذكر من قال ذلك:
14083ـ حدثنا أبو هشام الرفـاعي, قال: حدثنا مـحمد بن فُضَيـل, قال: حدثنا عبد الرحمن بن إسحاق, عن عبـاس مولـى أبـي جحيفة, عن أبـي جحيفة, عن علـيّ رضي الله عنه, قوله: حتـى إذَا جاءَ أمْرُنا وَفـارَ التّنّورُ قال: هو تنوير الصبح.
حدثنا ابن وكيع وإسحاق بن إسرائيـل, قالا: حدثنا مـحمد بن فضيـل, عن عبد الرحمن بن إسحاق, عن زياد مولـى أبـي جُحيفة, عن أبـي جُحيفة, عن علـيّ فـي قوله: وَفـارَ التّنّورُ قال: تنوير الصبح.
حدثنا حماد بن يعقوب, قال: أخبرنا ابن فضيـل, عن عبد الرحمن بن إسحاق, عن مولـى أبـي جُحيفة, أراه قد سماه عن أبـي جحيفة, عن علـيّ: وَفـارَ التّنّورُ قال: تنوير الصبح.
حدثنـي إسحاق بن شاهين, قال: حدثنا هشيـم, عن ابن إسحاق, عن رجل من قريش, عن علـيّ بن أبـي طالب رضي الله عنه: وَفـارَ التّنّورُ قال: طلع الفجر.
حدثنا القاسم, قال: حدثنا الـحسين, قال: حدثنا هشيـم, قال: أخبرنا عبد الرحمن بن إسحاق, عن رجل قد سماه, عن علـيّ بن أبـي طالب, قوله: وَفـارَ التّنّورُ قال: إذا طلع الفجر.
وقال آخرون: معنى ذلك: وفـار علـى الأرض وأشَرفِ مكان فـيها بـالـماء. وقال: التنور أشرف الأرض. ذكر من قال ذلك:
14084ـ حدثنا بشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة, قوله: حتـى إذَا جاء أمْرُنا وَفـارَ التّنّورُ كنا نُـحَدّث أنه أعلـى الأرض وأشرفها, وكان عَلَـما بـين نوح وبـين ربه.
حدثنا مـحمد بن بشار, قال: حدثنا سلـيـمان, قال: حدثنا أبو هلال, قال: سمعت قتادة, قوله: وَفـارَ التّنّورُ قال: أشرف الأرض وأرفعها فـار الـماء منه.
وقال آخرون: هو التنور الذي يختبز فـيه. ذكر من قال ذلك:
14085ـ حدثنـي مـحمد بن سعد, قال: ثنـي أبـي, قال: ثنـي عمي, قال: ثنـي أبـي, عن أبـيه, عن ابن عبـاس, قوله: حتـى إذا جاءَ أمْرُنا وفـارَ التّنّورُ قال: إذا رأيت تنور أهلك يخرج منه الـماء فإنه هلاك قومك.
14086ـ حدثنـي يعقوب بن إبراهيـم, قال: حدثنا هشيـم, عن أبـي مـحمد, عن الـحسن, قال: كان تنورا من حجارة كان لـحواء حتـى صار إلـى نوح, قال: فقـيـل له: إذا رأيت الـماء يفور من التنور فـاركب أنت وأصحابك.
14087ـ حدثنا ابن وكيع, قال: حدثنا أبو أسامة, عن شبل, عن ابن أبـي نـجيح, عن مـجاهد: وَفـارَ التّنّورُ قال: حين انبجس الـماء وأمر نوح أن يركب هو ومن معه فـي الفلك.
حدثنـي مـحمد بن عمرو, قال: حدثنا أبو عاصم, قال: حدثنا عيسى, عن ابن أبـي نـجيح, عن مـجاهد: وَفـارَ التّنّورُ قال: انبجس الـماء منه آية أن يركب بأهله ومن معه فـي السفـينة.
حدثنـي الـمثنى, قال: حدثنا أبو حذيفة, قال: حدثنا شبل, عن ابن أبـي نـجيح, عن مـجاهد نـحوه, إلا أنه قال: آية أن يركب أهله ومن معه فـي السفـينة.
حدثنـي الـمثنى, قال: حدثنا إسحاق, قال: حدثنا عبد الله بن ورقاء, عن ابن أبـي نـجيح, عن مـجاهد, بنـحوه, إلا أنه قال: آية بأن يركب بأهله ومن معهم فـي السفـينة.
14088ـ حدثنـي الـحرث, قال: حدثنا القاسم, قال: حدثنا خـلف بن خـلـيفة, عن لـيث, عن مـجاهد, قال: نبع الـماء فـي التنور, فعلـمت به امرأته فأخبرته. قال: وكان ذلك فـي ناحية الكوفة.
14089ـ قال: حدثنا القاسم, قال: حدثنا علـي بن ثابت, عن السري بن إسماعيـل, عن الشعبـي: أنه كان يحلف بـالله ما فـار التنور إلا من ناحية الكوفة.
14090ـ حدثنا أبو كريب, قال: حدثنا عبد الـحميد الـحِمّانـي, عن النضر أبـي عمر الـخزاز, عن عكرمة, عن ابن عبـاس, فـي قوله: وَفـارَ التّنّورُ قال: فـار التنور بـالهند.
14091ـ حُدثت عن الـحسين بن الفرج, قال: سمعت أبـا معاذ, يقول: حدثنا عبـيد بن سلـيـمان, قال: سمعت الضحاك يقول فـي قوله: وَفـارَ التّنّورُ كان آية لنوح إذا خرج منه الـماء فقد أتـي الناس الهلاك والغرق.
وكان ابن عبـاس يقول فـي معنى فـار: نبع.
14092ـ حدثنـي الـمثنى, قال: حدثنا عبد الله بن صالـح, قال: ثنـي معاوية, عن علـي, عن ابن عبـاس, قوله: وَفـارَ التّنّورُ قال: نبع.
قال أبو جعفر: وفوران الـماء سَوْرة دفعته, يقال منه: فـار الـماء يفور فوَرَانا وفَوْرا, وذاك إذا سارت دفعته.
وأولـى هذه الأقوال عندنا بتأويـل قوله: التّنّور قول من قال: هو التنور الذي يخبز فـيه لأن ذلك هو الـمعروف من كلام العرب, وكلام الله لا يوجه إلا إلـى الأغلب الأشهر من معانـيه عند العرب إلا أن تقوم حجة علـى شيء منه بخلاف ذلك فـيسلـم لها. وذلك أنه جل ثناؤه إنـما خاطبهم بـما خاطبهم به لإفهامهم معنى ما خاطبهم به.
قُلْنَا لنوح حين جاء عذابنا قومه الذي وعدنا نوحا أن نعذّبهم به, وفـار التنور الذي جعلنا فورانه بـالـماء آية مـجيء عذابنا بـيننا وبـينه لهلاك قومه: احْمِلْ فِـيها يعنـي فـي الفلك مِنْ كُلّ زَوْجَيْنِ اثْنَـيْنِ يقول: من كلّ ذكر وأنثى. كما:
14093ـ حدثنا ابن وكيع, قال: حدثنا ابن نـمير, عن ورقاء, عن ابن أبـي نـجيح, عن مـجاهد: مِنْ كُلّ زَوْجَيْنِ اثْنَـيْنِ قال: ذكر وأنثى من كلّ صنف.
حدثنـي مـحمد بن عمرو, قال: حدثنا أبو عاصم, قال: حدثنا عيسى, عن ابن أبـي نـجيح, عن مـجاهد, مثله.
حدثنـي الـمثنى, قال: حدثنا أبو حذيفة, قال: حدثنا شبل, عن ابن أبـي نـجيح, عن مـجاهد: مِنْ كُلّ زَوْجَيْنِ اثْنَـيْنِ فـالواحد زوج, والزوجين ذكر وأنثى من كلّ صنف.
قال: حدثنا إسحاق, قال: حدثنا عبد الله, عن ورقاء, عن ابن أبـي نـجيح, عن مـجاهد, قوله: مِنْ كُلّ زَوْجَيْنِ اثْنَـيْنِ قال: ذكر وأنثى من كل صنف.
قال: حدثنا القاسم, قال: حدثنا الـحسين, قال: ثنـي حجاج, عن ابن جريج, عن مـجاهد, مثله.
14094ـ حدثنا بشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة: قُلْنا احْمِلْ فِـيها مِنْ كُلَ زَوْجَيْنِ اثْنَـيْنِ يقول: من كل صنف اثنـين.
14095ـ حُدثت عن الـحسين بن الفرج, قال: سمعت أبـا معاذ, قال: حدثنا عبـيد بن سلـيـمان, قال: سمعت الضحاك يقول فـي قوله: مِنْ كُلّ زَوْجَيْنِ اثْنَـيْنِ يعنـي بـالزوجين اثنـين: ذكرا وأنثى.
وقال بعض أهل العلـم بكلام العرب من الكوفـيـين: الزوجان فـي كلام العرب: الاثنان, قال: ويقال علـيه زَوْجَا نعال: إذا كانت علـيه نعلان, ولا يقال علـيه زوج نعال, وكذلك عنده زوجا حمام, وعلـيه زوجا قـيود. وقال: ألا تسمع إلـى قوله: وأنّهُ خَـلَقَ الزّوْجَيْنِ الذّكَرَ والأُنْثَى فإنـما هما اثنان. وقال بعض البصريـين من أهل العربـية فـي قوله: قلْنا احْمِلْ فِـيها مِنْ كُلّ زَوْجَيْنِ اثْنَـيْنِ قال: فجعل الزوجين: الضربـين, الذكور والإناث, قال: وزعم يونس أن قول الشاعر:
وأنْتَ امْرُءٌ تَعْدُو علـى كُلّ غِرّةٍفتُـخْطِيءُ فِـيها مَرّةً وتُصِيبُ
يعنـي به الذئب. قال: فهذا أشذّ من ذلك. وقال آخر منهم: الزوج: اللون, قال: وكل ضرب يدعي لونا, واستشهد ببـيت الأعشى فـي ذلك:
وكُلّ زَوْجٍ مِنَ الديبـاجِ يَـلْبَسُهُأبُو قُدَامَةَ مَـحْبُوّ بِذَاكَ مَعا
وبقول لبـيد:
وذِيَ بهْجَةٍ كَنّ الـمَقانِبُ صَوْبَهُوَزَيّنَهُ أزْوَاجُ نَوْرٍ مُشَرّبِ
وذكر أن الـحسن قال فـي قوله: مِنْ كُلّ شَيْءٍ خَـلَقْنا زَوْجَيْنِ السماء زوج, والأرض زوج, والشتاء زوج, والصيف زوج, واللـيـل زوج, والنهار زوج, حتـى يصير الأمر إلـى الله الفرد الذي لا يشبهه شيء.
وقوله: وأهْلَكَ إلاّ مَنْ سَبَقَ عَلَـيْهِ القَوْلُ يقول: واحمل أهلك أيضا فـي الفلك, يعنـي بـالأهل: ولده ونساءه وأزواجه إلاّ مَنْ سَبَقَ عَلَـيْهِ القَوْلُ يقول: إلا من قلت فـيهم إنـي مهلكه مع من أهلك من قومك.
ثم اختلفوا فـي الذي استثناه الله من أهله, فقال بعضهم: هو بعض نساء نوح. ذكر من قال ذلك:
14096ـ حدثنا القاسم, قال: حدثنا الـحسين, قال: ثنـي حجاج, قال: قال ابن جريج: وأهْلَكَ إلاّ مَنْ سَبَقَ عَلَـيْهِ القَوْلُ قال: العذاب, هي امرأته كانت من الغابرين فـي العذاب.
وقال آخرون: بل هو ابنه الذي غرق. ذكر من قال ذلك:
14097ـ حُدثت عن الـمسيب, عن أبـي روق, عن الضحاك, فـي قوله: وأهْلَكَ إلاّ مَنْ سَبَقَ عَلَـيْهِ القَوْلُ قال: ابنه غرق فـيـمن غرق.
وقوله: وَمَنْ آمَنَ يقول: واحمل معهم من صدّقك واتبعك من قومك. يقول الله: وما آمَنَ مَعَهُ إلاّ قَلِـيـلٌ يقول: وما أقرّ بوحدانـية الله مع نوح من قومه إلا قلـيـل.
واختلفوا فـي عدد الذين كانوا آمنوا معه فحملهم معه فـي الفلك, فقال بعضهم فـي ذلك: كانوا ثمانـية أنفس. ذكر من قال ذلك:
14098ـ حدثنا بشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة, قوله: وأهْلَكَ إلاّ مَنْ سَبَقَ عَلَـيْهِ القَوْلُ وَمَنْ آمَنَ وَما آمَنَ مَعَهُ إلاّ قَلـيـلٌ قال: ذكر لنا أنه لـم يتـمّ فـي السفـينة إلا نوح وامرأته وثلاثة بنـيه, ونساؤهم, فجميعهم ثمانـية.
14099ـ حدثنا ابن وكيع والـحسن بن عرفة, قالا: حدثنا يحيى بن عبد الـملك بن أبـي غنـية, عن أبـيه, عن الـحكم: وَما آمَنَ مَعَهُ إلاّ قَلِـيـلٌ قال: نوح, وثلاثة بنـيه, وأربع كنائنه.
14100ـ حدثنا القاسم, قال: حدثنا الـحسين, قال: ثنـي حجاج, قال: قال ابن جريج: حُدثت أن نوحا حمل معه بنـيه الثلاثة وثلاث نسوة لبنـيه, وامرأة نوح, فهم ثمانـية بأزواجهم. وأسماء بنـيه: يافث, وسام, وحام, وأصاب حام زوجته فـي السفـينة, فدعا نوح أن يغير نطفته فجاء بـالسودان.
وقال آخرون: بل كانوا سبعة أنفس. ذكر من قال ذلك:
14101ـ حدثنـي الـحارث, قال: حدثنا عبد العزيز, قال: حدثنا سفـيان, عن الأعمش: وَما آمَنَ مَعَهُ إلاّ قَلِـيـلٌ قال: كانوا سبعة: نوح, وثلاث كنائن له, وثلاثة بنـين.
وقال آخرون: كانوا عشرة سوى نسائهم. ذكر من قال ذلك:
14102ـ حدثنا ابن حميد, قال: حدثنا سلـمة, عن ابن إسحاق, قال: لـما فـار التنور, حمل نوح فـي الفلك من أمره الله به, وكانوا قلـيلاً كما قالالله, فحمل بنـيه الثلاثة: سام, وحام, ويافث, ونساءهم, وستة أناسي مـمن كان آمن, فكانوا عشرة نفر بنوح وبنـيه وأزواجهم.
وقال آخرون: بل كانوا ثمانـين نفسا. ذكر من قال ذلك:
14103ـ حدثنا القاسم, قال: حدثنا الـحسين, قال: ثنـي حجاج, قال: قال ابن جريج, قال ابن عبـاس: حمل نوح معه فـي السفـينة ثمانـين إنسانا.
14104ـ حدثنـي الـحرث, قال: حدثنا عبد العزيز, قال: حدثنا سفـيان, كان بعضهم يقول: كانوا ثمانـين, يعنـي القلـيـل الذي قال الله: وَما آمَنَ مَعَهُ إلاّ قَلِـيـلٌ.
14105ـ حدثنـي موسى بن عبد الرحمن الـمسروقـي, قال: حدثنا زيد بن الـخُبـاب, قال: ثنـي حسين بن واقد الـخُراسانـي, قال: ثنـي أبو نَهِيك, قال: سمعت ابن عبـاس يقول: كان فـي سفـينة نوح ثمانون رجلاً, أحدهم جُرْهُم.
والصواب من القول فـي ذلك أن يقال كما قال الله: وَما آمَنَ مَعَهُ إلاّ قَلِـيـلٌ يصفهم بأنهم كانوا قلـيلاً, ولـم يحدد عددهم بـمقدار ولا خبر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم صحيح, فلا ينبغي أن يتـجاوز فـي ذلك حد الله, إذ لـم يكن لـمبلغ عدد ذلك حد من كتاب الله أو أثر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.
الآية : 41
القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {وَقَالَ ارْكَبُواْ فِيهَا بِسْمِ اللّهِ مَجْرَاهَا وَمُرْسَاهَا إِنّ رَبّي لَغَفُورٌ رّحِيمٌ }.
يقول تعالـى ذكره: وقال نوح: اركبوا فـي الفلك بسم الله مَـجراها ومُرْساها. وفـي الكلام مـحذوف قد استغنـي بدلالة ما ذكر من الـخبر علـيه عنه, وهو قوله: قُلْنا احْمِلْ فِـيها مِنْ كُلَ زَوْجَيْنِ اثْنَـيْنِ وأهْلَكَ إلاّ مَنْ سَبَقَ عَلَـيْهِ القَوْلُ مْنهُمْ وَمَنْ آمَنَ وَما آمَنَ مَعَهُ إلاّ قَلِـيـلٌ فحملهم نوح فـيها وقال لهم: اركبوا فـيها. فـاستغنـي بدلالة قوله: وَقالَ ارْكَبُوا فِـيها عن حمله إياهم فـيها, فترك ذكره.
واختلفت القراء فـي قراءة قوله: بسْمِ اللّهِ مَـجْرَاها وَمُرْساها فقرأته عامة قرّاء أهل الـمدينة والبصرة وبعض الكوفـيـين: «بِسْمِ اللّهِ مُـجْرَاها ومُرْساها» بضمّ الـميـم فـي الـحرفـين كلـيهما. وإذا قرىء كذلك كان من أجرى وأرسى, وكان فـيه وجهان من الإعراب: أحدهما الرفع بـمعنى: بسم الله إجراؤها وإرساؤها, فـيكون الـمُـجْرى والـمُرْسَى مرفوعين حينئذ بـالبـاء التـي فـي قوله: بِسْمِ اللّهِ. والاَخر بـالنصب, بـمعنى: بسم الله عند إجرائها وإرسائها, أو وقت إجرائها وإرسائها, فـيكون قوله: «بسم الله» كلاما مكتفـيا بنفسه, كقول القائل عند ابتدائه فـي عمل يعمله: بسم الله, ثم يكون الـمُـجْرى والـمُرسَى منصوبـين علـى ما نصبت العرب قولهم الـحمد لله سرارك وإهلالَك, يعنون الهلال أوّله وآخره, كأنهم قالوا: الـحمد لله أوّل الهلال وآخره, ومسموع منهم أيضا: الـحمد لله ما إهلالُك إلـى سرارك. وقرأ ذلك عامة قرّاء الكوفـيـين: بسْمِ اللّهِ مَـجْرَاها وَمُرْساها بفتـح الـميـم من «مَـجْراها», وضمها من «مُرْساها», فجعلوا «مـجراها» مصدرا من جري يجري مَـجْرًى, ومُرساها من أرسَى يُرْسِي إرساءً. وإذا قرىء ذلك كذلك كان فـي إعرابهما من الوجهين نـحو الذي فـيهما إذا قرئا: «مُـجراها ومُرساها» بضم الـميـم فـيهما علـى ما بـيّنت.
ورُوي عن أبـي رجاء العُطاردي أنه كان يقرأ ذلك: «بِسمِ اللّهِ مَـجْرِيها وَمُرْسِيها» بضمّ الـميـم فـيهما, ويصيرهما نعتا لله. وإذا قرئا كذلك, كان فـيهما أيضا وجهان من الإعراب, غير أن أحدهما الـخفض وهو الأغلب علـيهما من وجهي الإعراب لأن معنى الكلام علـى هذه القراءة: بسم الله مُـجْرِي الفلك ومُرسِيها, فـالـمُـجْرَى نعت لاسم الله. وقد يحتـمل أن يكون نصبـا, وهو الوجه الثانـي, لأنه يحسن دخول الألف واللام فـي الـمُـجِري والـمُرْسِي, كقولك بسم الله الـمُـجْريها والـمُرْسِيها, وإذا حذفتا نصبتا علـى الـحال, إذ كان فـيهما معنى النكرة, وإن كانا مضافـين إلـى الـمعرفة. وقد ذُكر عن بعض الكوفـيـين أنه قرأ ذلك: «مَـجْراها ومَرْساها», بفتـح الـميـم فـيهما جميعا, مِنْ جَرَى ورَسَا كأنه وجهه إلـى أنه فـي حال جريها وحال رسوها, وجعل كلتا الصفتـين للفُلْك كما قال عنترة:
فَصَبَرْتُ نَفْسا عِنْدَ ذلكَ حُرّةًتَرْسُو إذَا نَفْسُ الـجَبـانِ تَطَلّعُ
والقراءة التـي نـختارها فـي ذلك قراءة من قرأ: بِسْمِ اللّهِ مَـجْرَاها بفتـح الـميـم وَمُرْساها بضم الـميـم, بـمعنى: بسم الله حين تَـجْري وحين تُرْسِي. وإنـما اخترت الفتـح فـي ميـم «مَـجْراها» لقرب ذلك من قوله: وَهِيَ تَـجْرِي بِهِمْ فِـي مَوْجٍ كالـجِبـالِ ولـم يقل: تُـجْرَى بهم. ومن قرأ: «بِسْمِ اللّهِ مُـجْراها» كان الصواب علـى قراءته أن يقرأ: وهي تُـجْرَي بهم. وفـي إجماعهم علـى قراءة «تـجري» بفتـح التاء دلـيـل واضح علـى أن الوجه فـي «مَـجراها» فتـح الـميـم. وإنـما اخترنا الضم فـي «مُرساها» لإجماع الـحجة من القرّاء علـى ضمها. ومعنى قوله مَـجْراها مسيرها وَمُرْساها وَقْـفها, من وقـفها الله وأرساها. وكان مـجاهد يقرأ ذلك بضم الـميـم فـي الـحرفـين جميعا.
14106ـ حدثنـي الـمثنى, قال: حدثنا أبو حذيفة, قال: حدثنا شبل, عن ابن أبـي نـجيح, عن مـجاهد. قال: حدثنا إسحاق, قال: حدثنا عبد الله, عن ورقاء, عن ابن أبـي نـجيح, عن مـجاهد: «بسْمِ اللّهِ مُـجْرَاها وَمُرْساها» قال: حين يركبون ويُجْرُون ويُرْسُون.
حدثنا ابن وكيع, قال: حدثنا ابن نـمير, عن ورقاء, عن ابن أبـي نـجيح, عن مـجاهد: «بسْمِ اللّهِ مُـجْرَاها وَمُرْساها» قال: بسم الله حين يُجْرون وحين يُرْسون.
14107ـ حدثنا أبو كريب, قال: حدثنا جابر بن نوح, قال: حدثنا أبو رَوْق, عن الضحاك, فـي قوله: «ارْكَبُوا فِـيها بِسْمِ اللّهِ مُـجْرَاها وَمُرْساها» قال: إذا أراد أن ترسي قال: بسم الله فأرست, وإذا أراد أن تـجري قال بسم الله فجرت.
وقوله: إنّ رَبـي لَغَفُورٌ رَحِيـمٌ يقول: إن ربـي لساتر ذنوب من تاب وأناب إلـيه رحيـم بهم أن يعذّبهم بعد التوبة.
الآية : 42
القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {وَهِيَ تَجْرِي بِهِمْ فِي مَوْجٍ كَالْجِبَالِ وَنَادَىَ نُوحٌ ابْنَهُ وَكَانَ فِي مَعْزِلٍ يَبُنَيّ ارْكَبَ مّعَنَا وَلاَ تَكُن مّعَ الْكَافِرِينَ }.
يعنـي تعالـى ذكره بقوله: وَهِيَ تَـجْرِي بِهِمْ والفلك تـجري بنوح ومن معه فـيها فِـي مَوْجٍ كالـجبـالِ وَنادَى نُوحٌ ابْنَهُ يام, وكانَ فِـي مَعْزِلٍ عنه لـم يركب معه الفلك: يا بُنَـيّ ارْكَبْ مَعَنا الفلك وَلا تَكُنْ مَعَ الكافِرِينَ.
الآية : 43
القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {قَالَ سَآوِيَ إِلَىَ جَبَلٍ يَعْصِمُنِي مِنَ الْمَآءِ قَالَ لاَ عَاصِمَ الْيَوْمَ مِنْ أَمْرِ اللّهِ إِلاّ مَن رّحِمَ وَحَالَ بَيْنَهُمَا الْمَوْجُ فَكَانَ مِنَ الْمُغْرَقِينَ }.
يقول تعالـى ذكره: قال ابن نوح لـما دعاه نوح إلـى أن يركب معه السفـينة خوفـا علـيه من الغرق: سآوِي إلـى جَبَلٍ يَعْصِمُنـي منَ الـماءِ يقول: سأصير إلـى جبل أتـحصن به من الـماء, فـيـمنعنـي منه أن يغرقنـي. ويعنـي بقوله: يَعْصِمُنـي يـمنعنـي, مثل عصام القربة الذي يشدّ به رأسها فـيـمنع الـماء أن يسيـل منها. وقوله: لا عاصِمَ الـيَوْمَ مِنْ أمْرِ اللّهِ إلاّ مَنْ رَحِمَ يقول: لا مانع الـيوم من أمر الله الذي قد نزل بـالـخـلق من الغرق والهلاك إلا من رَحِمنا فأنقَذَنا منه, فإنه الذي يـمنع من شاء من خـلقه ويعصم. ف «من» فـي موضع رفع, لأن معنى الكلام: لا عاصم يعصم الـيوم من أمر الله إلا الله.
وقد اختلف أهل العربـية فـي موضع «مَنْ» فـي هذا الـموضع, فقال بعض نـحويـي الكوفة: هو فـي موضع نصب, لأن الـمعصوم بخلاف العاصم, والـمرحوم معصوم قال: كأن نصبه بـمنزلة قوله: ما لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْـمِ إلاّ اتّبـاعَ الظّنّ قال: ومن استـجاز «اتبـاعُ الظن» والرفعَ فـي قوله:
وَبَلْدَةٌ لَـيْسَ بِها أنِـيسُإلاّ الـيَعافِـيرُ وَإلاّ العِيسُ
لـم يجز له الرفع فـي «مَنْ», لأن الذي قال: إلا الـيعافـيرُ, جعل أنـيس البر الـيعافـير وما أشبهها, وكذلك قوله: إلاّ اتّبَـاعَ الظنّ, يقول علـمهم ظَنّ. قال: وأنت لا يجوز لك فـي وجه أن تقول: الـمعصوم هو عاصم فـي حال, ولكن لو جعلت العاصم فـي تأويـل معصوم, لا معصوم الـيوم من أمر الله, لـجاز رفع «مَنْ». قال: ولا ينكر أن يخرج الـمفعول علـى فـاعل, ألا ترى قوله: مِنْ ماءٍ دَافِقٍ معناه والله أعلـم مدفوق؟ وقوله: فِـي عِيشَةٍ رَاضِيَةٍ معناها: مرضية؟ قال الشاعر:
شع دعَ الـمَكارِمَ لا تَرْحَلْ لِبُغْيَتِها
وَاقْعُدْ فإنّكَ أنْتَ الطّاعِمُ الكاسِي
الآية : 44
ومعناه: الـمكسوّ. وقال بعض نـحويـي البصرة: لا عاصِمَ الـيَوْمَ مِنْ أمْرِ اللّهِ إلاّ مَنْ رَحِمَ علـى: لَكِنْ مَنْ رحم, ويجوز أن يكون علـى: لا ذا عصمة: أي معصوم, ويكون «إلا من رحم» رفعا بدلاً من العاصم. ولا وجه لهذه الأقوال التـي حكيناها عن هؤلاء, لأن كلام الله تعالـى إنـما يوجه إلـى الأفصح الأشهر من كلام مَن نزل بلسانه ما وجد إلـى ذلك سبـيـل, ولـم يضطرنا شيء إلـى أن نـجعل «عاصما» فـي معنى «معصوم», ولا أن نـجعل «إلاّ» بـمعنى «لكن», إذ كنا نـجد لذلك فـي معناه الذي هو معناه فـي الـمشهور من كلام العرب مَخْرجا صحيحا, وهو ما قلنا من أن معنى ذلك: قال نوح: لا عاصم الـيوم من أمر الله إلا من رحمنا فأنـجانا من عذابه, كما يقال: لا مُنْـجِيَ الـيوم من عذاب الله إلا الله, ولا مُطِعم الـيوم من طعام زيد إلا زيد. فهذا هو الكلام الـمعروف والـمعنى الـمفهوم.
وقوله: وَحالَ بَـيْنَهُما الـمَوْجُ فَكانَ مِنَ الـمُغْرَقِـينَ يقول: وحال بـين نوح موج الـماء, فغرق, فكان مـمن أهلكه الله بـالغرق من قوم نوح صلى الله عليه وسلم.)
القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {وَقِيلَ يَأَرْضُ ابْلَعِي مَآءَكِ وَيَسَمَآءُ أَقْلِعِي وَغِيضَ الْمَآءُ وَقُضِيَ الأمْرُ وَاسْتَوَتْ عَلَى الْجُودِيّ وَقِيلَ بُعْداً لّلْقَوْمِ الظّالِمِينَ }.
يقول الله تعالـى ذكره: وقال الله للأرض بعد ما تناهى أمره فـي هلاك قوم نوح بـما أهلكهم به من الغرق: يا أرْضُ ابْلَعِي ماءَكِ: أي تَشَرّبـي, من قول القائل: بَلَعَ فلان كذا يَبْلَعُهُ, أو بَلِعَهُ يَبْلَعُه إذا ازدرده. وَيا سَماءُ اقْلِعي يقول: أقلعي عن الـمطر: أمسكي. وَغِيضَ الـماءُ ذهبت به الأرض ونشفته. وَقُضِيَ الأمْرُ يقول: قُضِي أمر الله, فمضي بهلاك قوم نوح. وَاسْتَوَتْ علـى الـجُودِيّ يعنـي الفُلْك. استوت: أرست علـى الـجوديّ, وهو جبل فـيـما ذكر بناحية الـموصل أو الـجزيرة. وَقِـيـلَ بُعْدا للقَوْمِ الظّالِـمِينَ يقول: قال الله: أبعد الله القوم الظالـمين الذين كفروا بـالله من قوم نوح.
14108ـ حدثنا عبـاد بن يعقوب الأسدي, قال: حدثنا الـمـحاربـيّ, عن عثمان بن مطر, عن عبد العزيز بن عبد الغفور عن أبـيه, قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «فِـي أولِ يَوْمٍ مِنْ رَجَبٍ رَكبَ نُوحٌ السّفِـينَة فَصَامَ هُوَ وَجمِيعُ مَنْ مَعَهُ, وَجَرَتْ بِهِمُ السّفِـينَةُ سِتّةَ أشْهُرٍ, فـانْتَهَى ذلكَ إلـى الـمُـحَرّمِ, فَأرْسَتِ السّفِـينَةُ علـى الـجُودِيّ يَوْمَ عاشُورَاءَ, فَصَامَ نُوحٌ وأمَرَ جَمِيعَ مَنْ مَعَهُ مِن الوَحْشِ والدّوَابّ فَصَامُوا شُكْرا لِلّهِ».
14109ـ حدثنا القاسم, قال: حدثنا الـحسين, قال: ثنـي حجاج, عن ابن جريج, قال: كانت السفـينة أعلاها للطير, ووسطها للناس, وفـي أسفلها السبـاع, وكان طولها فـي السماء ثلاثـين ذراعا, دفعت من عين وردة يوم الـجمعة لعشر لـيال مضين من رجب, وأرست علـى الـجوديّ يوم عاشوراء, ومرّت بـالبـيت فطافت به سبعا, وقد رفعه الله من الغرق, ثم جاءت الـيـمن, ثم رجعت.
14110ـ حدثنا القاسم, قال: حدثنا الـحسين, قال: ثنـي حجاج, عن أبـي جعفر الرازي, عن قتادة, قال: هبط نوح من السفـينة يوم العاشر من الـمـحرّم, فقال لـمن معه: من كان منكم الـيوم صائما فلـيتـمّ صومه, ومن كان مفطرا فلـيصم.
14111ـ حدثنا القاسم, قال: حدثنا الـحسين, قال: ثنـي حجاج, عن أبـي معشر, عن مـحمد بن قـيس قال: كان فـي زمن نوح شبر من الأرض لا إنسان يدّعيه.
14112ـ حدثنا بشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة, قال: ذكر لنا أنها يعنـي الفلك استقلت بهم فـي عشر خـلون من رجب, وكانت فـي الـماء خمسين ومئة يوم, واستقرّت علـى الـجوديّ شهرا, وأهبط بهم فـي عشر من الـمـحرّم يوم عاشوراء.
وبنـحو ما قلنا فـي تأويـل قوله: وَغِيضَ الـمَاءُ وَقُضِيَ الأمْرُ وَاسْتَوَتْ علـى الـجُودِيّ قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك:
14113ـ حدثنـي مـحمد بن عمرو, قال: حدثنا أبو عاصم, قال: حدثنا عيسى, عن ابن أبـي نـجيح, عن مـجاهد: وَغِيضَ الـمَاءُ قال: نقص. وَقُضِيَ الأمْرُ قال: هلاك قوم نوح.
حدثنـي الـمثنى, قال: حدثنا أبو حذيفة, قال: حدثنا شبل, عن ابن أبـي نـجيح, عن مـجاهد, مثله.
حدثنـي القاسم, قال: حدثنا الـحسين, قال: ثنـي حجاج, عن ابن جريج, عن مـجاهد, مثله. قال: قال ابن جريج وَغِيضَ الـمَاءُ نشفته الأرض.
14114ـ حدثنـي الـمثنى, قال: حدثنا عبد الله, قال: حدثنا معاوية, عن علـيّ, عن ابن عبـاس, قوله: يا سَماءُ أقْلِعِي يقول: أمسكي. وَغِيضَ الـمَاءُ يقول: ذهب الـماء.
14115ـ حدثنا بشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة: وَغِيضَ الـمَاءُ الغيوض: ذهاب الـماء وَاسْتَوَتْ علـى الـجُودِيّ.
14116ـ حدثنا ابن وكيع, قال: حدثنا ابن نـمير, عن ورقاء, عن ابن أبـي نـجيح, عن مـجاهد: وَاسْتَوَتْ علـى الـجُودِيّ قال: جبل بـالـجزيرة, تشامخت الـجبـال من الغرق, وتواضع هو لله فلـم يغرق, فأرسيت علـيه.
حدثنـي الـمثنى, قال: حدثنا أبو حذيفة, قال: حدثنا شبل, عن ابن أبـي نـجيح, عن مـجاهد: وَاسْتَوَتْ علـى الـجُودِيّ قال: الـجوديّ جبل بـالـجزيرة, تشامخت الـجبـال يومئذ من الغرق وتطاولت, وتواضع هو لله فلـم يغرق, وأُرسيت سفـينة نوح علـيه.
حدثنا القاسم, قال: حدثنا الـحسين, قال: ثنـي حجاج, عن ابن جريج, عن مـجاهد, مثله.
14117ـ حدثنـي مـحمد بن سعد, قال: ثنـي أبـي, قال: ثنـي عمي, قال: ثنـي أبـي, عن أبـيه, عن ابن عبـاس, قوله: وَاسْتَوَتْ علـى الـجُودِيّ يقول: علـى الـجبل, واسمه الـجُوديّ.
14118ـ حدثنـي الـحارث, قال: حدثنا عبد العزيز, قال: حدثنا سفـيان: وَاسْتَوَتْ علـى الـجُودِيّ قال: جبل بـالـجزيرة شمخت الـجبـال وتواضع حين أرادت أن ترفأ علـيه سفـينة نوح.
14119ـ حدثنا بشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة: وَاسْتَوَتْ علـى الـجُودِيّ أبقاها الله لنا بوادي أرض الـجزيرة عبرة وآية.
14120ـ حُدثت عن الـحسين, قال: سمعت أبـا معاذ قال: حدثنا عبـيد بن سلـيـمان, قال: سمعت الضحاك يقول: وَاسْتَوَتْ علـى الـجُودِيّ هو جبل بـالـموصل.
14121ـ حدثنا بشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة, قال: ذكر لنا أن نوحا بعث الغراب لـينظر إلـى الـماء, فوجد جيفة فوقع علـيها, فبعث الـحمامة فأتته بورق الزيتون, فأعطيت الطوق الذي فـي عنقها وخضاب رجلـيها.
14122ـ حدثنا ابن حميد, قال: حدثنا سلـمة, عن ابن إسحاق, قال: لـما أراد الله أن يكفّ ذلك يعنـي الطوفـان أرسل ريحا علـى وجه الأرض, فسكن الـماء, واستدت ينابـيع الأرض الغمر الأكبر, وأبواب السماء يقول الله تعالـى: وَقِـيـلَ يا أرْضُ ابْلَعِي ماءَكِ ويا سمَاءُ أقْلِعِي... إلـى: بُعْدا للقَوْمِ الظّالِـمِينَ فجعل ينقص ويغيض ويدبر. وكان استواء الفلك علـى الـجودي فـيـما يزعم أهل التوراة فـي الشهر السابع لسبع عشرة لـيـلة مضت منه, فـي أول يوم من الشهر العاشر, رُئِي رؤوس الـجبـال. فلـما مضى بعد ذلك أربعون يوما فتـح نوح كوة الفلك التـي صنع فـيها, ثم أرسل الغراب لـينظر له ما فعل الـماء فلـم يرجع إلـيه, فأرسل الـحمامة فرجعت إلـيه, ولـم يجد لرجلـيها موضعا, فبسط يده للـحمامة فأخذها ثم مكث سبعة أيام, ثم أرسلها لتنظر له, فرجعت حين أمست وفـي فـيها ورق زيتونة, فعلـم نوح أن الـماء قد قل عن وجه الأرض. ثم مكث سبعة أيام, ثم أرسلها فلـم ترجع, فعلـم نوح أن الأرض قد برزت, فلـما كملت السنة فـيـما بـين أن أرسل الله الطوفـان إلـى أن أرسل نوح الـحمامة ودخـل يوم واحد من الشهر الأول من سنة اثنتـين برز وجه الأرض, فظهر الـيَبَس, وكشف نوح غطاء الفلك, ورأى وجه الأرض. وفـي الشهر الثانـي من سنة اثنتـين فـي سبع وعشرين لـيـلة منه قـيـل لنوح: اهْبِطْ بِسَلامٍ مِنّا وَبَرَكاتٍ عَلَـيْكَ وَعَلـى أُمَـمٍ مِـمّنْ مَعَك وأُمَـمٌ سَنُـمَتّعُهُمْ ثُمّ يَـمَسّهُمْ مِنّا عَذَابٌ ألِـيـمٌ.
14123ـ حُدثت عن الـحسين بن الفرج, قال: سمعت أبـا معاذ يقول: حدثنا عبـيد بن سلـيـمان, قال: سمعت الضحاك يقول: تزعم أناس أن من غرق من الولدان مع آبـائهم, ولـيس كذلك, إنـما الولدان بـمنزلة الطير وسائر من أغرق الله بغير ذنب, ولكن حضرت آجالهم فماتوا لاَجالهم, والـمدركون من الرجال والنساء كان الغرق عقوبة من الله لهم فـي الدنـيا ثم مصيرهم إلـى النار.
الآية : 45
القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {وَنَادَى نُوحٌ رّبّهُ فَقَالَ رَبّ إِنّ ابُنِي مِنْ أَهْلِي وَإِنّ وَعْدَكَ الْحَقّ وَأَنتَ أَحْكَمُ الْحَاكِمِينَ }.
يقول تعالـى ذكره: ونادى نوح ربه, فقال: ربّ إنك وعدتنـي أن تنـجينـي من الغرق والهلاك وأهلـي, وقد هلك ابنـي, وابنـي من أهلـي. وَإنّ وَعْدَكَ الـحَقّ الذي لا خـلف له. وأنْتَ أحكَمُ الـحاكِمينَ بـالـحق, فـاحكم لـي بأن تفـيَ بـما وعدتنـي من أن تنـجيَ لـي أهلـي وترجعَ إلـيّ ابنـي. كما:
14124ـ حدثنـي يونس, قال: أخبرنا ابن وهب, قال: قال ابن زيد فـي قوله: وأنْتَ أحْكَمُ الـحاكِمينَ قال: أحكم الـحاكمين بـالـحقّ