سورة الأحزاب | للقراءة من المصحف بخط كبير واضح
استماع mp3 | الجلالين&الميسر | تفسير الشوكاني |
إعراب الصفحة | تفسير ابن كثير | تفسير القرطبي |
التفسير المختصر | تفسير الطبري | تفسير السعدي |
تفسير ابن كثير تفسير الصفحة 426 من المصحف
** لاّ جُنَاحَ عَلَيْهِنّ فِيَ آبَآئِهِنّ وَلاَ أَبْنَآئِهِنّ وَلاَ إِخْوَانِهِنّ وَلاَ أَبْنَآءِ إِخْوَانِهِنّ وَلاَ أَبْنَآءِ أَخَوَاتِهِنّ وَلاَ نِسَآئِهِنّ وَلاَ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنّ وَاتّقِينَ اللّهَ إِنّ اللّهَ كَانَ عَلَىَ كُلّ شَيْءٍ شَهِيداً
لما أمر تبارك وتعالى النساء بالحجاب من الأجانب, بين أن هؤلاء الأقارب لا يجب الاحتجاب منهم, كما استثناهم في سورة النور عند قوله تعالى: {ولا يبدين زينتهن إلا لبعولتهن أو آبائهن أو آباء بعولتهن أو أبنائهن أو أبناء بعولتهن أو إخوانهن أو بني إخوانهن أو بني أخواتهن أو نسائهن أو ما ملكت أيمانهن أو التابعين غير أولي الإربة من الرجال أو الطفل الذين لم يظهروا على عورات النساء} وفيها زيادات على هذه, وقد تقدم تفسيرها والكلام عليها بما أغنى عن إعادته ههنا.
وقد سأل بعض السلف فقال: لم لم يذكر العم والخال في هاتين الاَيتين ؟ فأجاب عكرمة والشعبي بأنهما لم يذكرا لأنهما قد يصفان ذلك لبنيهما. قال ابن جرير: حدثني محمد بن المثنى, حدثنا حجاج بن منهال, حدثنا حماد, حدثنا داود عن الشعبي وعكرمة في قوله تعالى: {لا جناح عليهن في آبائهن} الاَية, قلت: ما شأن العم والخال لم يذكرا ؟ قال لأنهما ينعتانهما لأبنائهما وكرها أن تضع خمارها عند خالها وعمها. وقوله تعالى: {ولا نسائهن} يعنى بذلك عدم الاحتجاب من النساء المؤمنات. وقوله تعالى: {وما ملكت أيمانهن} يعني به أرقاءهن من الذكور والإناث كما تقدم التنبيه عليه وإيراد الحديث فيه, قال سعيد بن المسيب: إنما يعني به الإماء فقط, رواه ابن أبي حاتم. وقوله تعالى: {واتقين الله إن الله كان على كل شيء شهد} أي واخشينه في الخلوة والعلانية, فإنه شهيد على كل شيء, لا تخفى عليه خافية فراقبن الرقيب.
** إِنّ اللّهَ وَمَلاَئِكَـتَهُ يُصَلّونَ عَلَى النّبِيّ يَأَيّهَا الّذِينَ آمَنُواْ صَلّواْ عَلَيْهِ وَسَلّمُواْ تَسْلِيماً
قال البخاري: قال أبو العالية: صلاة الله تعالى ثناؤه عليه عند الملائكة, وصلاة الملائكة الدعاء. وقال ابن عباس: يصلون يبركون, هكذا علقه البخاري عنهما, وقد رواه أبو جعفر الرازي عن الربيع بن أنس عن أبي العالية كذلك, وروي مثله عن الربيع أيضاً, وروى علي بن أبي طلحة عن ابن عباس كما قاله سواء, رواهما ابن أبي حاتم: وقال أبو عيسى الترمذي: وروي عن سفيان الثوري وغير واحد من أهل العلم, قالوا: صلاة الرب الرحمة, وصلاة الملائكة الاستغفار.
ثم قال ابن أبي حاتم: حدثنا عمرو الأودي, حدثنا وكيع عن الأعمش عن عمرو بن مرة, قال الأعمش أراه عن عطاء بن أبي رباح {إن الله وملائكته يصلون على النبي} قال: صلاته تبارك وتعالى سبوح قدوس, سبقت رحمتي غضبي والمقصود من هذه الاَية أن الله سبحانه وتعالى أخبر عباده بمنزلة عبده ونبيه عنده في الملأ الأعلى بأنه يثنى عليه عند الملائكة المقربين, وأن الملائكة تصلي عليه, ثم أمر تعالى أهل العالم السفلي بالصلاة والتسليم عليه, ليجتمع الثناء عليه من أهل العالمين: العلوي والسفلي جميعاً.
وقد قال ابن أبي حاتم: حدثنا علي بن الحسين, حدثنا أحمد بن عبد الرحمن, حدثني أبي عن أبيه عن أشعث بن إسحاق عن جعفر يعني ابن المغيرة, عن سعيد بن جبير عن ابن عباس أن بني إسرائيل قالوا لموسى عليه السلام: هل يصلي ربك ؟ فناداه ربه عز وجل: يا موسى سألوك هل يصلي ربك, فقل: نعم أنا أصلي وملائكتي على أنبيائي ورسلي, فأنزل الله عز وجل على نبيه صلى الله عليه وسلم {إن الله وملائكته يصلون على النبي يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليم}. وقد أخبر سبحانه وتعالى بأنه يصلي على عباده المؤمنين في قوله تعالى: {يا أيها الذين آمنوا اذكروا الله ذكرا كثيراً * وسبحوه بكرة وأصيلاً * هو الذي يصلي عليكم وملائكته} الاَية وقال تعالى: {وبشر الصابرين الذين إذا أصابتهم مصيبة قالوا إنا لله وإنا إليه راجعون * أولئك عليهم صلوات من ربهم} الاَية, وفي الحديث «إن الله وملائكته يصلون على ميامن الصفوف», وفي الحديث الاَخر «اللهم صل على آل أبي أوفى» وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لامرأة جابر وقد سألته أن يصلي عليها وعلى زوجها «صلى الله عليك وعلى زوجك», وقد جاءت الأحاديث المتواترة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بالأمر بالصلاة عليه, وكيفية الصلاة عليه, ونحن نذكر منها إن شاء الله ما تيسر والله المستعان.
قال البخاري عند تفسير هذه الاَية: حدثنا سعيد بن يحيى بن سعيد, أخبرنا أبي عن مسعر عن الحكم عن ابن أبي ليلى. عن كعب بن عجرة قال: قيل يارسول الله أما السلام عليك فقد عرفناه, فكيف الصلاة ؟ قال: «قولوا اللهم صلى على محمد وعلى آل محمد, كما صليت على آل إبراهيم , إنك حميد مجيد, اللهم بارك على محمد وعلى آل محمد, كما باركت على آل إبراهيم, إنك حميد مجيد».
وقال الإمام أحمد: حدثنا محمد بن جعفر, حدثنا شعبة عن الحكم قال: سمعت ابن أبي ليلى قال: لقيني كعب بن عجرة فقال: ألا أهدي لك هدية ؟ خرج علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلنا: يا رسول الله قد علمنا أو عرفنا كيف السلام عليك, فكيف الصلاة ؟ فقال: «قولوا اللهم صل على محمد وعلى آل محمد, كما صليت على آل إبراهيم , إنك حميد مجيد, اللهم بارك على محمد وعلى آل محمد, كما باركت على آل إبراهيم, إنك حميد مجيد» وهذا الحديث قد أخرجه الجماعة في كتبهم من طرق متعددة عن الحكم وهو ابن عتيبة, زاد البخاري وعبد الله بن عيسى كلاهما عن عبد الرحمن بن أبي ليلى فذكره.
وقال ابن أبي حاتم: حدثنا الحسن بن عرفه, حدثنا هشيم بن بشير عن يزيد بن أبي زياد, حدثنا عبد الرحمن بن أبي ليلى عن كعب بن عجرة قال: لما نزلت {إن الله وملائكته يصلون على النبي يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليم}, قال: قلنا يا رسول الله قد علمنا السلام عليك, فكيف الصلاة عليك, قال «قولوا اللهم صل على محمد وعلى آل محمد, كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم.إنك حميد مجيد, وبارك على محمد وعلى آل محمد, كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيهم, إنك حميد مجيد» وكان عبد الرحمن بن أبي ليلى يقول وعلينا معهم. ورواه الترمذي بهذه الزيادة, ومعنى قولهم أما السلام عليك فقد عرفناه هو الذي في التشهد, الذي كان يعلمهم إياه كما كان يعلمهم السورة من القرآن, وفيه السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته.
(حديث آخر) قال البخاري: حدثنا عبد الله بن يوسف, حدثنا الليث عن ابن الهاد عن عبد الله بن خباب, عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: قلنا يا رسول الله هذا السلام, فكيف نصلي عليك ؟ قال «قولوا اللهم صل على محمد عبدك ورسولك, كما صليت على آل إبراهيم, وبارك على محمد وعلى آل محمد, كما باركت على آل إبراهيم» قال أبو صالح عن الليث: على محمد وعلى آل محمد كما باركت على آل إبراهيم. حدثنا إبراهيم بن حمزة, حدثنا ابن أبي حازم والداوردي عن يزيد يعني ابن الهاد قال: كما صليت على إبراهيم, وبارك على محمد وآل محمد كما باركت على إبراهيم وآل إبراهيم. وأخرجه النسائي وابن ماجه من حديث ابن الهاد به.
(حديث آخر) قال الإمام أحمد: قرأت على عبد الرحمن مالك عن عبد الله بن أبي بكر عن أبيه عن عمرو بن سليم أنه قال: أخبرني أبو حميد الساعدي أنهم قالوا: يا رسول الله كيف نصلي عليك ؟ قال «قولوا اللهم صل على محمد وأزواجه وذريته, كما صليت على إبراهيم, وبارك على محمد وأزواجه وذريته كما باركت على آل إبراهيم, إنك حميد مجيد» وقد أخرجه بقية الجماعة سوى الترمذي من حديث مالك به.
(حديث آخر) قال مسلم: حدثنا يحيى بن يحيى التميمي قال: قرأت على مالك عن نعيم بن عبد الله المجمر أخبرني محمد بن عبد الله بن زيد الأنصاري قال: وعبد الله بن زيد هو الذي كان أري النداء بالصلاة, أخبره عن أبي مسعود الأنصاري قال: أتانا رسول الله صلى الله عليه وسلم ونحن في مجلس سعد بن عبادة, فقال له بشير بن سعد: أمرنا الله أن نصلي عليك يا رسول الله, فكيف نصلي عليك ؟ قال: فسكت رسول الله حتى تمنينا أنه لم يسأله, ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «قولوا اللهم صل على محمد وعلى آل محمد كما صليت على آل إبراهيم, وبارك على محمد وعلى آل محمد, كما باركت على آل إبراهيم في العالمين, إنك حميد مجيد, والسلام كما قد علمتم» وقد رواه أبو داود والترمذي والنسائي وابن جرير من حديث مالك به. وقال الترمذي: حسن صحيح.
وروى الإمام أحمد وأبو داود والنسائي وابن خزيمة وابن حبان والحاكم في مستدركه من حديث محمد بن إسحاق, عن محمد بن إبراهيم التيمي عن محمد بن عبد الله بن زي بن عبد ربه, عن أبي مسعود البدري أنهم قالوا: يارسول الله أما السلام فقد عرفناه, فكيف نصلي عليك إذا نحن صلينا في صلاتنا ؟ فقال «قولوا: اللهم صل على محمد وعلى آل محمد» وذكره ورواه الشافعي رحمه الله في مسنده عن أبي هريرة بمثله, ومن ههنا ذهب الشافعي رحمه الله إلى أنه يجب على المصلي أن يصلي على رسول الله صلى الله عليه وسلم في التشهد الأخير, فإن تركه لم تصح صلاته, وقد شرع بعض المتأخرين من المالكية وغيرهم يشنع على الإمام الشافعي في اشتراطه ذلك في الصلاة, ويزعم أنه قد تفرد بذلك, وحكى الإجماع على خلافه أبو جعفر الطبري والطحاوي والخطابي وغيرهم فيما نقله القاضي عياض عنهم, وقد تعسف هذا القائل في رده على الشافعي, وتكلف في دعواه الإجماع في ذلك, وقال ما لم يحط به علماً, فإنا قد روينا وجوب ذلك والأمر بالصلاة على رسول الله صلى الله عليه وسلم في الصلاة, كما هو ظاهر الاَية, ومفسر بهذا الحديث عن جماعة من الصحابة منهم ابن مسعود وأبو مسعود البدري وجابر بن عبد الله, ومن التابعين: الشعبي وأبو جعفر الباقر ومقاتل بن حيان, وإليه ذهب الشافعي لا خلاف عنه في ذلك ولا بين أصحابه أيضاً, وإليه ذهب الإمام أحمد أخيراً فيما حكاه عنه أبو زرعة الدمشقي به, وبه قال إسحاق بن راهوية والفقيه الإمام محمد بن إبراهيم المعروف بابن المواز المالكي رحمهم الله, حتى إن بعض أئمة الحنابلة أوجب أن يقال في الصلاة عليه صلى الله عليه وسلم كما علمهم أن يقولوا لما سألوه, وحتى إن بعض أصحابنا أوجب الصلاة على آله فيما حكاه البندنيجي وسليم الرازي وصاحبه نصر بن إبراهيم المقدسي, ونقله إمام الحرمين وصاحبه الغزالي قولاً عن الشافعي. والصحيح أنه وجه على أن الجمهور على خلافه, وحكوا الإجماع على خلافه, وللقول بوجوبه ظواهر الحديث والله أعلم.
والغرض أن الشافعي رحمه الله يقول بوجوب الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم في الصلاة سلفاً وخلفاً كما تقدم, ولله الحمد والمنة, فلا إجماع على خلافه في هذه المسألة لا قديماً ولا حديثاً, والله أعلم. ومما يؤيد ذلك الحديث الاَخر الذي رواه الإمام أحمد وأبو داود والترمذي وصححه, والنسائي وابن خزيمة وابن حبان في صحيحيهما من رواية حيوة بن شريح المصري عن أبي هانىء حميد بن هانىء عن عمرو بن مالك أبي علي الجنبي عن فضالة بن عبيد رضي الله عنه قال: سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم رجلاً يدعو في صلاته لم يمجد الله ولم يصل على النبي, فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم «عجل هذا» ثم دعاه فقال له أو لغيره «إذا صلى أحدكم فليبدأ بتمجيد الله عز وجل والثناء عليه, ثم ليصل على النبي ثم ليدع بعد بما شاء» وكذا الحديث الذي رواه ابن ماجه من رواية عبد المهيمن بن عباس بن سهل بن سعد الساعدي عن أبيه عن جده عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال «لا صلاة لمن لا وضوء له, ولا وضوء لمن لم يذكر اسم الله عليه, ولا صلاة لمن لم يصل على النبي, ولا صلاة لمن لم يحب الأنصار» ولكن عبد المهيمن هذا متروك وقد رواه الطبراني من رواية أخيه أبي بن عباس, ولكن في ذلك نظر, وإنما يعرف من رواية عبد المهيمن, والله أعلم.
(حديث آخر) قال الإمام أحمد: حدثنا يزيد بن هارون, أخبرنا إسماعيل عن أبي داود الأعمى عن بريدة قال: قلنا يارسول الله قد علمنا كيف نسلم عليك, فكيف نصلي عليك ؟ قال «قولوا: اللهم اجعل صلواتك ورحمتك وبركاتك على محمد وعلى آل محمد, كما جعلتها على إبراهيم وآل إبراهيم, إنك حميد مجيد» أبو داود الأعمى اسمه نفيع بن الحارث, متروك.
(حديث آخر) موقوف. رويناه من طريق سعيد بن منصور ويزيد بن هارون وزيد بن الحباب, ثلاثتهم عن نوح بن قيس: حدثنا سلامة الكندي أن علياً رضي الله عنه كان يعلم الناس هذا الدعاء: اللهم داحي المدحوات, وبارىء المسموكات, وجبار القلوب على فطرتها: شقيها وسعيدها, اجعل شرائف صلواتك, ونوامي بركاتك, وفضائل آلائك, على محمد عبدك ورسولك الفاتح لما أغلق, والخاتم لما سبق, والمعلن الحق بالحق, والدامغ لجيشات الأباطيل, كما حمل فاضطلع بأمرك لطاعتك, مستوفزاً في مرضاتك غير نكل في قدم, ولا واهن في عزم, واعياً لوحيك, حافظاً لعهدك, ماضياً على نفاذ أمرك حتى أورى قبساً لقابس, آلاء الله تصل بأهله أسبابه, به هديت القلوب بعد خوضات الفتن والإثم, وأبهج موضحات الأعلام, ونائرات الأحكام, ومنيرات الإسلام, فهو أمينك المأمون, وخازن علمك المخزون, وشهيدك يوم الدين, وبعيثك نعمة, ورسولك بالحق رحمة, اللهم افسح له في عدنك, واجزه مضاعفات الخير من فضلك, مهنآت غير مكدرات, من فوز ثوابك المحلول وجزيل عطائك المجمول, اللهم أعل على بناء البانين بنيانه. وأكرم مثواه لديك ونزله, وأتمم له نوره واجزه من ابتعاثك له مقبول الشهادة, مرضي المقالة ذا منطق عدل, وخطة فصل, وحجة وبرهان عظيم, هذا مشهور من كلام علي رضي الله عنه, وقد تكلم عليه ابن قتيبة في مشكل الحديث, وكذا أبو الحسين أحمد بن فارس اللغوي في جزء جمعه في فضل الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم إلا أن في إسناده نظراً. قال شيخنا الحافظ أبو الحجاج المزي: سلامة الكندي هذا ليس بمعروف ولم يدرك علياً, كذا قال, وقد روى الحافظ أبو القاسم الطبراني هذا الأثر عن محمد بن علي الصائغ عن سعيد بن منصور: حدثنا نوح بن قيس عن سلامة الكندي قال: كان علي رضي الله عنه يعلمنا الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم فيقول: اللهم داحي المدحوات, وذكره.
(حديث آخر) موقوف قال ابن ماجه: حدثنا الحسين بن بيان حدثنا زياد بن عبد الله, حدثنا المسعودي عن عون بن عبد الله عن أبي فاختة, عن الأسود بن يزيد عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: إذا صليتم على رسول الله صلى الله عليه وسلم, فأحسنوا الصلاة عليه, فإنكم لا تدرون لعل ذلك يعرض عليه, قال: فقالوا له علمنا, قال: قولوا: اللهم اجعل صلواتك ورحمتك وبركاتك على سيد المرسلين, وإمام المتقين,وخاتم النبيين, محمد عبدك ورسولك, إمام الخير وقائد الخير, ورسول الرحمة, اللهم ابعثه مقاماً محموداً يغبطه به الأولون والاَخرون, اللهم صل على محمد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد اللهم بارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على إبراهيم وعلى أل إبراهيم, إنك حميد مجيد, وهذا موقوف, وقد روى إسماعيل القاضي عن عبد الله بن عمرو أو عمر على الشك من الراوي قريباً من هذا.
(حديث آخر) قال ابن جرير: حدثنا أبو كريب, حدثنا مالك بن إسماعيل, حدثنا أبو إسرائيل عن يونس بن خباب قال: خطبنا بفارس فقال {إن الله وملائكته يصلون على النبي يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليم} فقال: أنبأني من سمع ابن عباس يقول: هكذا أنزل, فقلنا: أو قالوا يا رسول الله علمنا السلام عليك, فكيف الصلاة عليك ؟ قال «اللهم صل على محمد وعلى آل محمد, كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم, إنك حميد مجيد, وارحم محمداً وآل محمد, كما رحمت آل إبراهيم, إنك حميد مجيد, وبارك على محمد وعلى آل محمد, كما باركت على إبراهيم, إنك حميد مجيد» فيستدل بهذا الحديث من ذهب إلى جواز الترحم على النبي صلى الله عليه وسلم كما هو قول الجمهور, ويعضده حديث الأعرابي الذي قال: اللهم ارحمني ومحمداً, ولا ترحم معنا أحداً, فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم «لقد حجرت واسعاً» وحكى القاضي عياض عن جمهور المالكية منعه, قال: وأجازه أبو محمد بن أبي زيد.
(حديث آخر) قال الإمام أحمد: حدثنا محمد بن جعفر, أخبرنا شعبة عن عاصم بن عبيد الله قال: سمعت عبد الله بن عامر بن ربيعة يحدث عن أبيه قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: «من صلى علي صلاة, لم تزل الملائكة تصلي عليه ما صلى علي, فليقل عبد من ذلك أو ليكثر» ورواه ابن ماجه من حديث شعبة به.
(حديث آخر) قال أبو عيسى الترمذي: حدثنا بندار, حدثنا محمد بن خالد بن عشمة, حدثني موسى بن يعقوب الزمعي, حدثني عبد الله بن كيسان أن عبد الله بن شداد أخبره عن عبد الله بن مسعود أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال «أولى الناس بي يوم القيامة أكثرهم علي صلاة» تفرد بروايته الترمذي رحمه الله, ثم قال: هذا حديث حسن غريب.
(حديث آخر) قال إسماعيل القاضي: حدثنا علي بن عبد الله, حدثنا سفيان عن يعقوب بن زيد بن طلحة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أتاني آت من ربي فقال لي: ما من عبد يصلي عليك صلاة إلا صلى الله عليه بها عشراً» فقام إليه رجل فقال: يا رسول الله ألا أجعل نصف دعائي لك ؟ قال «إن شئت». قال: ألا أجعل ثلثي دعائي لك ؟ قال «إن شئت». قال: ألا أجعل دعائي لك كله. قال «إذن يكفيك الله هم الدنيا وهم الأخرة» فقال شيخ كان بمكة يقال له منيع لسفيان عمن أسنده: لا أدري.
(حديث آخر) قال إسماعيل القاضي: حدثنا سعيد بن سلام العطار, حدثنا سفيان الثوري عن عبد الله بن محمد بن عقيل عن الطفيل بن أبي بن كعب عن أبيه قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يخرج في جوف الليل فيقول «جاءت الراجفة تتبعها الرادفة, جاء الموت بما فيه» فقال أبي: يا رسول الله إني أصلي من الليل, أفأجعل لك ثلث صلاتي ؟ قالرسول الله صلى الله عليه وسلم «الشطر». قال: أفأجعل لك شطر صلاتي ؟ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «الثلثان».قال: أفأجعل لك صلاتي كلها ؟ قال «إِذن يغفر لك الله ذنبك كله».
وقد رواه الترمذي بنحوه, فقال: حدثنا هناد, حدثنا قبيصة, حدثنا سفيان عن عبد الله بن محمد بن عقيل عن الطفيل بن أبي بن كعب, عن أبيه قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إِذا ذهب ثلثا الليل, قام فقال: «يا أيها الناس اذكروا الله, اذكروا الله, جاءت الراجفة تتبعها الرادفة, جاء الموت بما فيه, جاء الموت بما فيه» قال أَبي: قلت يا رسول الله إِني أكثر الصلاة عليك, فكم أجعل لك من صلاتي ؟ قال «ما شئت» قلت: الربع ؟ قال «ما شئت, فإن زدت فهو خير لك» قلت: فالنصف ؟ قال «ما شئت, فإن زدت فهو خير لك». قلت فالثلثين ؟ قال: «ما شئت, فإن زدت فهو خير لك» قلت: أجعل لك صلاتي كلها ؟ قال «إِذن تكفي همك, ويغفر لك ذنبك» ثم قال: هذا حديث حسن. وقال الإمام أحمد: حدثنا وكيع, حدثنا سفيان عن عبد الله بن محمد بن عقيل عن الطفيل بن أبي عن أبيه قال: قال رجل: يا رسول الله أرأيت إِن جعلت صلاتي كلها عليك ؟ قال «إِذن يكفيك الله ما أهمك من دنياك وآخرتك».
(حديث آخر) قال الإمام أحمد: حدثنا أبو سلمة منصور بن سلمة الخزاعي ويونس هو ابن محمد, قالا: حدثنا ليث عن يزيد بن الهاد عن عمرو بن أبي عمر عن أبي الحويرث, عن محمد بن جبير بن مطعم عن عبد الرحمن بن عوف قال: خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم, فاتبعته حتى دخل نخلاً, فسجد فأطال السجود حتى خفت أو خشيت أن يكون قد توفاه الله أو قبضه, قال فجئت أنظر فرفع رأسه فقال «مالك يا عبد الرحمن ؟» قال فذكرت ذلك له فقال «إن جبريل عليه السلام قال لي: ألا أبشرك إن الله عز وجل يقول: من صلى عليك صليت عليه, ومن سلم عليك سلمت عليه».
(طريق آخر) قال الإمام أحمد: حدثنا أبو سعيد مولى بني هاشم, حدثنا سليمان بن بلال, حدثنا عمرو بن أبي عمرو بن عبد الواحد بن محمد بن عبد الرحمن بن عوف عن عبد الرحمن بن عوف قال: قام رسول الله صلى الله عليه وسلم فتوجه نحو صدقته, فدخل فاستقبل القبلة, فخر ساجداً فأطال السجود حتى ظننت أن الله قد قبض نفسه فيها, فدنوت منه ثم جلست, فرفع رأسه فقال: «من هذا ؟» قلت: عبد الرحمن. قال «ما شأنك ؟» قلت: يا رسول الله سجدت سجدة خشيت أن يكون الله قبض روحك فيها, فقال: «إن جبريل أتاني فبشرني أن الله عز وجل يقول لك: من صلى عليك صليت عليه, ومن سلم عليك سلمت عليه, فسجدت لله عز وجل شكراً» ورواه إِسماعيل بن إِسحاق القاضي في كتابه عن يحيى بن عبد الحميد عن الدراوردي, عن عمرو بن عبد الواحد عن أبيه, عن عبد الرحمن بن عوف به, ورواه من وجه آخر عن عبد الرحمن.
(حديث آخر) قال أبو القاسم الطبراني: حدثنا محمد بن عبد الرحيم بن بحير بن عبد الله بن معاوية بن بحير ريان, حدثنا يحيى بن أيوب , حدثني عبد الله بن عمر عن الحكم بن عتيبة عن إِبراهيم النخعي, عن الأسود بن يزيد عن عمرو بن الخطاب رضي الله عنه قال: خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم لحاجة فلم يجد أحداً يتبعه, ففزع عمر فأتاه بمطهرة من خلفه, فوجد النبي صلى الله عليه وسلم ساجداً في مشربة, فتنحى عنه من خلفه حتى رفع النبي صلى الله عليه وسلم رأسه, فقال «أحسنت يا عمر حين وجدتني ساجداً فتنحيت عني, إن جبريل أتاني فقال: من صلى عليك من أمتك واحدة صلى الله عليه عشر صلوات ورفعه عشر درجات» وقد اختار هذا الحديث الحافظ الضياء المقدسي في كتابه المستخرج على الصحيحين, وقد رواه إسماعيل القاضي عن القعنبي عن سلمة بن وردان عن أنس عن عمر بنحوه ورواه أيضاً عن يعقوب بن حميد عن أنس بن عياض عن سلمة بن وردان, عن مالك بن أوس بن الحدثان عن عمر بن الخطاب بنحوه.
(حديث آخر) قال الإمام أحمد: حدثنا أبو كامل حدثنا حماد بن سلمة عن ثابت بن سليمان مولى الحسن بن علي, عن عبد الله بن أبي طلحة عن أبيه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم جاء ذات يوم والسرور يرى في وجهه, فقالوا: يا رسول الله إِنا لنرى السرور في وجهك, فقال «إنه أتاني الملك فقال: يا محمد أما يرضيك أن ربك عز وجل يقول: إنه لا يصلي عليك أحد من أمتك إلا صليت عليه عشراً, ولا يسلم عليك أحد من أمتك إلا سلمت عليه عشراً, قلت: بلى» ورواه النسائي من حديث حماد بن سلمة به, وقد رواه إسماعيل القاضي عن إسماعيل بن أبي أويس عن أخيه عن سليمان بن بلال, عن عبيد الله بن عمر عن ثابت عن أنس عن أبي طلحة بنحوه.
(طريق أخرى) قال الإمام أحمد: حدثنا سريج, حدثنا أبو معشر عن إسحاق بن كعب بن عجرة, عن أبي طلحة الأنصاري قال: أصبح رسول الله صلى الله عليه وسلم يوماً طيب النفس يرى في وجهه البشر, قالوا: يا رسول الله أصبحت اليوم طيب النفس يرى في وجهك البشر, قال «أجل أتاني آت من ربي عز وجل فقال: من صلى عليك من أمتك صلاة, كتب الله له بها عشر حسنات ومحا عنه عشر سيئات, ورفع له عشر درجات, ورد عليه مثلها» وهذا أيضاً إسناد جيد, ولم يخرجوه.
(حديث آخر) روى مسلم وأبو داود والترمذي والنسائي من حديث إسماعيل بن جعفر عن العلاء بن عبد الرحمن عن أبيه, عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «من صلى علي واحدة صلى الله عليه بها عشراً» قال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح, وفي الباب عن عبد الرحمن بن عوف وعامر بن ربيعة وعمار وأبي طلحة وأنس وأبي بن كعب. وقال الإمام أحمد: حدثنا حسين بن محمد, حدثنا شريك عن ليث عن كعب عن أبي هريرة, عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «صلوا علي, فإنها زكاة لكم وسلوا الله لي الوسيلة فإِنها درجة في أعلى الجنة, ولا ينالها إلا رجل, وأرجو أن أكون أنا هو» تفرد به أحمد. وقد رواه البزار من طريق مجاهد عن أبي هريرة بنحوه, فقال: حدثنا محمد بن إِسحاق البكالي, حدثنا عثمان بن سعيد حدثنا داود بن علية عن ليث عن مجاهد عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «صلوا علي فإِنها زكاة لكم, وسلوا الله لي الدرجة الوسيلة من الجنة» فسألناه أو أخبرنا فقال «هي درجة في أعلى الجنة, وهي لرجل, وأرجو أن أكون ذلك الرجل» في إِسناده بعض من تكلم فيه.
(حديث آخر) قال الإمام أحمد: حدثنا يحيى بن إِسحاق, حدثناابن لهيعة عن عبد الرحمن بن مريح الخولاني, سمعت أبا قيس مولى عمرو بن العاص, سمعت عبد الله بن عمرو يقول: من صلى على رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاة صلى الله عليه وملائكته بها سبعين صلاة, فليقل عبد من ذلك أو ليكثر, وسمعت عبد الله بن عمرو يقول: خرج علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم يوماً كالمودع فقال «أنا محمد النبي الأمي ـ قاله ثلاث مرات ـ ولا نبي بعدي, أوتيت فواتح الكلام وخواتمه وجوامعه, وعلمت كم خزنة النار وحملة العرش وتجوز بي, عوفيت وعوفيت أمتي, فاسمعوا وأطيعوا ما دمت فيكم, فإذا ذهب بي فعليكم بكتاب الله, أحلوا حلاله وحرموا حرامه».
(حديث آخر) قال أبو داود الطيالسي: حدثنا أبو سلمة الخراساني, حدثنا أبو إسحاق عن أنس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «من ذكرت عنده فليصل علي, ومن صلى علي مرة واحدة صلى الله عليه عشراً» ورواه النسائي في اليوم والليلة من حديث أبي داود الطيالسي عن أبي سلمة وهو المغيرة بن مسلم الخراساني, عن أبي إِسحاق عمرو بن عبد الله السبيعي عن أنس به.
(حديث آخر) قال الإمام أحمد: حدثنا محمد بن فضيل, حدثنا يونس بن عمرو يعني يونس بن أبي إسحاق عن بريد بن أبي مريم عن أنس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «من صلى علي صلاة واحدة صلى الله عليه عشر صلوات, وحط عنه عشر خطيئات».
(حديث آخر) قال الإمام أحمد: حدثنا عبد الملك بن عمرو وأبو سعيد, قالا حدثنا سليمان بن بلال عن عمارة بن غزية عن عبد الله بن علي بن الحسين, عن أبيه علي بن الحسين عن أبيه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «البخيل من ذكرت عنده ثم لم يُصلّ علي» وقال أبو سعيد «فلم يصل علي» ورواه الترمذي من حديث سليمان بن بلال, ثم قال: هذا حديث حسن غريب صحيح, ومن الرواة من جعله من مسند الحسين بن علي, ومنهم من جعله من مسند علي نفسه.
(حديث آخر) قال إسماعيل القاضي: حدثنا حجاج بن منهال, حدثنا حماد بن سلمة عن معبد بن بلال العنزي, حدثنا رجل من أهل دمشق عن عوف بن مالك عن أبي ذر رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال «إِن أبخل الناس من ذكرت عنده فلم يصل علي».
(حديث آخر) مرسل. قال إِسماعيل: وحدثنا سليمان بن حرب, حدثنا جرير بن حازم, سمعت الحسن يقول قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «بحسب امرىء من البخل أن أذكر عنده فلا يصلي علي».
(حديث آخر) قال الترمذي: حدثنا أحمد بن إِبراهيم الدورقي, حدثنا ربعي بن إِبراهيم عن عبد الرحمن بن إِسحاق, عن سعيد بن أبي سعيد المقبري, عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «رغم أنف رجل ذكرت عنده فلم يصل علي, ورغم أنف رجل دخل عليه شهر رمضان ثم انسلخ قبل أن يغفر له, ورغم أنف رجل أدرك عنده أبواه الكبر فلم يدخلاه الجنة» ثم قال: حسن غريب.
قلت: وقد رواه البخاري في الأدب عن محمد بن عبيد الله: حدثنا ابن أبي حازم عن كثير بن زيد, عن الوليد بن رباح عن أبي هريرة مرفوعاً بنحوه, ورويناه من حديث محمد بن عمرو عن أبي سلمة عن أبي هريرة به. قال الترمذي: وفي الباب عن جابر وأنس. قلت: وابن عباس وكعب بن عجرة, وقد ذكرت طرق هذا الحديث في أول كتاب الصيام عند قوله: {إما يبلغن عندك الكبر أحدهما أو كلاهم} وهذا الحديث والذي قبله دليل على وجوب الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم كما ذكر, وهو مذهب طائفة من العلماء منهم الطحاوي والحليمي, ويتقوى بالحديث الاَخر الذي رواه ابن ماجه: حدثنا جبارة بن المغلس, حدثنا حماد بن زيد, حدثنا عمرو بن دينار عن جابر بن زيد عن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من نسي الصلاة علي أخطأ طريق الجنة» جبارة ضعيف, ولكن رواه إسماعيل القاضي من غير وجه عن أبي جعفر محمد بن علي الباقر قال: قال رسول الله «من نسي الصلاة علي أخطأ طريق الجنة» وهذا مرسل يتقوى بالذي قبله, والله علم.
وذهب آخرون إِلى أنه تجب الصلاة عليه في المجلس مرة واحدة, ثم لا تجب في بقية ذلك المجلس, بل تستحب, نقله الترمذي عن بعضهم, ويتأيد بالحديث الذي رواه الترمذي: حدثنا محمد بن بشار, حدثنا عبد الرحمن, حدثنا سفيان عن صالح مولى التوأمة عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «ما جلس قوم مجلساً لم يذكروا الله فيه, ولم يصلوا على نبيهم إِلا كان عليهم ترة يوم القيامة, فإن شاء عذبهم وإِن شاء غفر لهم» تفرد به الترمذي من هذا الوجه, ورواه الإمام أحمد عن حجاج ويزيد بن هارون كلاهما عن ابن أبي ذئب عن صالح مولى التوأمة, عن أبي هريرة مرفوعاً مثله, ثم قال الترمذي: هذا حديث حسن.
وقد روي عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم من غير وجه. وقد رواه إسماعيل القاضي من حديث شعبة عن سليمان عن ذكوان عن أبي سعيد قال «ما من قوم يقعدون ثم يقومون ولا يصلون على النبي صلى الله عليه وسلم إلا كان عليهم يوم القيامة حسرة وإن دخلوا الجنة لما يرون من الثواب». وحكي عن بعضهم أنه إنما تجب الصلاة عليه ـ عليه الصلاة والسلام ـ في العمر مرة واحدة امتثالاً لأمر الاَية. ثم هي مستحبة في كل حال, وهذا هو الذي نصره القاضي عياض بعدما حكى الإجماع على وجوب الصلاة عليه صلى الله عليه وسلم في الجملة. قال وقد حكى الطبراني أن محمل الاَية على الندب وادعى فيه الإجماع قال ولعله فيما زاد على المرة والواجب فيه مرة كالشهادة له بالنبوة, وما زاد على ذلك فمندوب ومرغب فيه من سنن الإسلام وشعار أهله. (قلت) وهذا قول غريب, فإنه قد ورد الأمر بالصلاة عليه في أوقات كثيرة, فمنها واجب ومنها مستحب على ما نبينه.
فمنه بعد النداء للصلاة للحديث الذي رواه الإمام أحمد: حدثنا أبو عبد الرحمن, حدثنا حيوة, حدثنا كعب بن علقمة أنه سمع عبد الرحمن بن جبير يقول: إنه سمع عبد الله بن عمرو بن العاص يقول: إنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «إذا سمعتم مؤذناً فقولوا مثلما يقول, ثم صلوا علي فإنه من صلى عليّ صلى الله عليه بها عشراً, ثم سلوا الله لي الوسيلة, فإنها منزلة في الجنة لا تنبغي إِلا لعبد من عباد الله, وأرجو أن أكون أنا هو, فمن سأل لي الوسيلة حلت عليه الشفاعة» وأخرجه مسلم وأبو داود والترمذي والنسائي من حديث كعب بن علقمة.
(طريق أخرى) قال إِسماعيل القاضي: حدثنا محمد بن أبي بكر, حدثنا عمرو بن علي بن أبي بكر الجشمي عن صفوان بن سليم عن عبد الله بن عمرو قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من سأل الله لي الوسيلة حقت عليه شفاعتي يوم القيامة».
(حديث آخر) قال إسماعيل القاضي, حدثنا سليمان بن حرب, حدثنا سعيد بن زيد عن ليث عن كعب الأحبار عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «صلوا علي فإِن صلاتكم علي زكاة لكم, وسلوا الله لي الوسيلة» قال: فإما حدثنا وإِما سألناه, قال «الوسيلة أعلى درجة في الجنة لا ينالها إلا رجل, وأرجو أن أكون أنا ذلك الرجل» ثم رواه عن محمد بن أبي بكر عن معتمر عن ليث وهو ابن أبي سليم به, وكذا الحديث الاَخر. قال الإمام أحمد: حدثنا حسن بن موسى, حدثنا ابن لهيعة, حدثنا بكر بن سوادة عن زياد بن نعيم عن وفاء الحضرمي عن رويفع بن ثابت الأنصاري أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «من صلى على محمد وقال اللهم أنزله المقعد المقرب عندك يوم القيامة وجبت له شفاعتي» وهذا إسناد لا بأس به ولم يخرجوه.
(أثر آخر) ـ قال إِسماعيل القاضي: حدثنا علي بن عبد الله, حدثنا سفيان, حدثني معمر عن ابن طاوس عن أبيه, سمعت ابن عباس يقول: اللهم تقبل شفاعة محمد الكبرى وارفع درجته العليا, وأعطه سؤله في الاَخرة والأولى, كما آتيت إبراهيم وموسى عليهما السلام. إِسناد جيد قوي صحيح.
ومن ذلك عند دخول المسجد والخروج منه للحديث الذي رواه الإمام أحمد: حدثنا إسماعيل بن إبراهيم, حدثنا ليث بن أبي سليم عن عبد الله بن الحسن عن أمه فاطمة بنت الحسين عن جدته فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا دخل المسجد صلى على محمد وسلم, ثم قال: «اللهم اغفر لي ذنوبي وافتح لي أبواب رحمتك, وإذا خرج صلى على محمد وسلم, ثم قال«اللهم اغفر لي ذنوبي وافتح لي أبواب فضلك».
وقال إِسماعيل القاضي: حدثنا يحيى بن عبد الحميد, حدثنا سفيان بن عمر التميمي عن سليمان الضبي عن علي بن الحسين قال: قال علي بن أبي طالب رضي الله عنه: إذا مررتم بالمساجد فصلوا على النبي صلى الله عليه وسلم. وأما الصلاة عليه صلى الله عليه وسلم في الصلاة, فقد قدمنا الكلام عليها في التشهد الأخير ومن ذهب إِلى ذلك من العلماء, منهم الشافعي رحمه الله وأكرمه, وأحمد, وأما التشهد الأول فلا يجب فيه قولاً واحداً وهل تستحب ؟ على قولين للشافعي, ومن ذلك الصلاة عليه صلى الله عليه وسلم في صلاة الجنازة, فإِن السنة أن يقرأ في التكبيرة الأولى فاتحة الكتاب, وفي الثانية يصلي على النبي صلى الله عليه وسلم, وفي الثالثة يدعو للميت, وفي الرابعة يقول اللهم لا تحرمنا أجره, ولا تفتنا بعده.
قال الشافعي رحمه الله: حدثنا مطرف بن مازن عن معمر عن الزهري أخبرني أبو أمامة بن سهل بن حنيف أنه أخبره رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم أن السنة في الصلاة على الجنازة أن يكبر الإمام, ثم يقرأ بفاتحة الكتاب بعد التكبيرة الأولى سراً في نفسه, ثم يصلي على النبي صلى الله عليه وسلم, ويخلص الدعاء للجنازة , وفي التكبيرات لا يقرأ في شيء منها, ثم يسلم سراً في نفسه. ورواه النسائي عن أبي أمامة نفسه أنه قال من السنة, فذكره, وهذا من الصحابي في حكم المرفوع على الصحيح. ورواه إسماعيل القاضي عن محمد بن المثنى عن عبد الأعلى عن معمر عن الزهري عن أبي أمامة بن سهل عن سعيد بن المسيب أنه قال: السنة في الصلاة على الجنازة, فذكره.
وهكذا روي عن أبي هريرة وابن عمر والشعبي, ومن ذلك في صلاة العيد قال إِسماعيل القاضي: حدثنا مسلم بن إِبراهيم, حدثنا هشام الدستوائي, حدثنا حماد بن أبي سليمان عن إِبراهيم عن علقمة أن ابن مسعود وأبا موسى وحذيفة, خرج عليهم الوليد بن عقبة يوماً قبل العيد فقال لهم: إِن هذا العيد قد دنا فكيف التكبير فيه ؟ قال عبد الله: تبدأ فتكبر تكبيرة تفتتح بها الصلاة وتحمد ربك, وتصلي على النبي صلى الله عليه وسلم ثم تدعو وتكبر وتفعل مثل ذلك, ثم تكبر وتفعل مثل ذلك, ثم تكبر وتفعل مثل ذلك, ثم تقرأ ثم تكبر وتركع, ثم تقوم فتقرأ وتحمد ربك وتصلي على النبي صلى الله عليه وسلم, ثم تدعو وتكبر وتفعل مثل ذلك ثم تركع, فقال حذيفة وأبو موسى: صدق أبو عبد الرحمن, إِسناد صحيح.
ومن ذلك أنه يستحب ختم الدعاء بالصلاة عليه صلى الله عليه وسلم قال الترمذي: حدثنا أبو داود, حدثنا النضر بن شميل عن أبي قرة الأسدي عن سعيد بن المسيب عن عمر بن الخطاب قال: الدعاء موقوف بين السماء والأرض لا يصعد منه شيء حتى تصلي على نبيك. وكذا رواه أيوب بن موسى عن سعيد بن المسيب عن عمر بن الخطاب. ورواه معاذ بن الحارث عن أبي قرة عن سعيد بن المسيب عن عمر مرفوعاً, وكذا رواه رزين بن معاوية في كتابه مرفوعاً عن النبي صلى الله عليه وسلم قال «الدعاء موقوف بين السماء والأرض لا يصعد حتى يصلى علي, فلا تجعلوني كغمر الراكب, صلوا علي أول الدعاء وآخره وأوسطه» وهذه الزيادة إنما تروى من رواية جابر بن عبد الله في مسند الإمام عبد بن حميد الكشي حيث قال: حدثنا جعفر بن عون, أخبرنا موسى بن عبيدة عن إِبراهيم بن محمد بن إِبراهيم عن أبيه قال: قال جابر: قال لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا تجعلوني كقدح الراكب إذا علق تعاليقه أخذ قدحه فملأه من الماء, فإذا كان له حاجة في الوضوء توضأ, وإِن كان له حاجة في الشرب شرب وإِلا أهرق ما فيه, اجعلوني في أول الدعاء وفي وسط الدعاء وفي آخر الدعاء» وهذا حديث غريب, وموسى بن عبيدة ضعيف الحديث.
ومن آكد ذلك دعاء القنوت لما رواه أحمد وأهل السنن وابن خزيمة وابن حبان والحاكم من حديث أبي الجوزاء عن الحسن بن علي رضي الله عنهما قال: علمني رسول الله صلى الله عليه وسلم كلمات أقولهن في الوتر: اللهم اهدني فيمن هديت, وعافني فيمن عافيت, وتولني فيمن توليت, وبارك لي فيما أعطيت, وقني شر ما قضيت, فإنك تقضي ولا يقضى عليك, وإِنه لا يذل من واليت, ولا يعز من عاديت, تباركت ربنا وتعاليت, وزاد النسائي في سننه بعد هذا وصلى الله على محمد.
ومن ذلك أنه يستحب الإكثار من الصلاة عليه يوم الجمعة وليلة الجمعة. قال الإمام أحمد: حدثنا حسين بن علي الجعفي عن عبد الرحمن بن يزيد بن جابر عن أبي الأشعث الصنعاني عن أوس الثقفي رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «من أفضل أيامكم يوم الجمعة, فيه خلق آدم وفيه قبض, وفيه النفخة, وفيه الصعقة, فأكثروا علي من الصلاة فيه, فإِن صلاتكم معروضة علي» قالوا: يا رسول الله, وكيف تعرض عليك صلاتنا وقد أرمت ؟ يعني وقد بليت, قال: «إِن الله حرم على الأرض أن تأكل أجساد الأنبياء» ورواه أبو داود والنسائي وابن ماجه من حديث حسين بن علي الجعفي, وقد صحح هذا الحديث ابن خزيمة وابن حبان والدارقطني والنووي في الأذكار.
(حديث آخر) قال أبو عبد الله بن ماجه: حدثنا عمرو بن سواد المصري, حدثنا عبد الله بن وهب عن عمرو بن الحارث عن سعيد بن أبي هلال, عن زيد بن أيمن عن عبادة بن نسي, عن أبي الدرداء قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أكثروا الصلاة علي يوم الجمعة, فإنه مشهود تشهده الملائكة, وإِن أَحداً لا يصلي علي فيه إِلا عرضت علي صلاته حتى يفرغ منها» قال: قلت وبعد الموت ؟ «قال إِن الله حرم على الأرض أن تأكل أجساد الأنبياء فنبي الله حي يرزق» هذا حديث غريب من هذا الوجه وفيه انقطاع بين عبادة بن نسي وأبي الدرداء فإنه لم يدركه, والله أعلم.
وقد روى البيهقي من حديث أبي أمامة وابن مسعود عن النبي صلى الله عليه وسلم في الأمر بالإكثار من الصلاة عليه ليلة الجمعة ويوم الجمعة, ولكن في إِسنادهما ضعف, والله أعلم. وروي مرسلاً عن الحسن البصري يقول: قال إِسماعيل القاضي: حدثنا سليمان بن حرب, حدثنا جرير بن حازم, سمعت الحسن البصري فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا تأكل الأرض جسد من كلمه روح القدس» مرسل حسن, وقال القاضي وقال الشافعي: أخبرنا إِبراهيم بن محمد, أخبرنا صفوان بن سليم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال «إذا كان يوم الجمعة وليلة الجمعة, فأكثروا الصلاة علي» هذا مرسل, وهكذا يجب على الخطيب أن يصلي على النبي صلى الله عليه وسلم يوم الجمعة على المنبر في الخطبتين, ولا تصح الخطبتان إلا بذلك لأنها عبادة, وذكر الله شرط فيها فوجب ذكر الرسول صلى الله عليه وسلم فيها كالأذان والصلاة, هذا مذهب الشافعي وأحمد رحمهما الله.
ومن ذلك أنه يستحب الصلاة والسلام عليه عند زيارة قبره صلى الله عليه وسلم. قال أبو داود: حدثنا ابن عوف هو محمد حدثنا المقري, حدثنا حيوة عن أبي صخر حميد بن زياد عن يزيد بن عبد الله بن قسيط عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «مامنكم من أحد يسلم علي إِلا رد الله علي روحي حتى أرد عليه السلام» تفرد به أبو داود وصححه النووي في الأذكار: ثم قال أبو داود: حدثنا أحمد بن صالح قال: قرأت على عبد الله بن نافع, أخبرني ابن أبي ذئب عن سعيد المقبري عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا تجعلوا بيوتكم قبوراً, ولا تجعلوا قبري عيداً, وصلوا علي, فإن صلاتكم تبلغني حيثما كنتم» تفرد به أبو داود أيضاً. وقد رواه الإمام أحمد عن سريج عن عبد الله بن نافع وهو الصائغ به, وصححه النووي أيضاً.
وقد روي من وجه آخر متصلاً قال القاضي إِسماعيل بن إِسحاق في كتابه فضل الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم: حدثنا إسماعيل بن أبي أويس, حدثنا جعفر بن إِبراهيم بن محمد بن علي بن عبد الله بن جعفر بن أبي طالب عمن أخبره من أهل بيته, عن علي بن الحسين بن علي أن رجلاً كان يأتي كل غداة فيزور قبر النبي صلى الله عليه وسلم ويصلي عليه ويصنع من ذلك ما اشتهر عليه علي بن الحسين, فقال له علي بن الحسين: ما يحملك على هذا ؟ قال: أحب السلام على النبي صلى الله عليه وسلم فقال له علي بن الحسين: هل لك أن أحدثك حديثاً عن أبي ؟ قال: نعم: قال له علي بن الحسين: أخبرني أبي عن جدي أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لاتجعلوا قبري عيداً, ولا تجعلوا بيوتكم قبوراً وصلوا علي وسلموا حيثماكنتم, فتبلغني صلاتكم وسلامكم» في إسناده رجل مبهم لم يسم, وقد روي من وجه آخر مرسلاً قال عبد الرزاق في مصنفه عن الثوري عن ابن عجلان عن رجل يقال له سهيل, عن الحسن بن الحسن بن علي قال: رأى قوماً عند القبر فنهاهم وقال: إِن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «لا تتخذوا قبري عيداً, ولا تتخذوا بيوتكم قبوراً, وصلوا علي حيثما كنتم, فإن صلاتكم تبلغني» فلعله رآهم يسيئون الأدب برفع أصواتهم فوق الحاجة فنهاهم. وقد روي أنه رأى رجلاً ينتاب القبر فقال: يا هذا ما أنت ورجل بالأندلس منه إلا سواء, أي الجميع يبلغه صلوات الله وسلامه عليه دائماً إلى يوم الدين.
وقال الطبراني في معجمه الكبير: حدثنا أحمد بن رشدين المصري, حدثنا سعيد بن أبي مريم, حدثنا محمد بن جعفر, أخبرني حميد بن أبي زينب عن حسن بن حسن بن علي بن أبي طالب رضي الله عنهم عن أبيه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «صلوا علي حيثما كنتم, فإن صلاتكم تبلغني» ثم قال الطبراني: حدثنا العباس بن حمدان الأصبهاني, حدثنا شعيب بن عبد الحميد الطحان, أخبرنا يزيد بن هارون بن أبي شيبان عن الحكم بن عبد الله بن خطاب عن أم أنيس بنت الحسن بن علي عن أبيها قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «أرأيت قول الله عز وجل {إِن الله وملائكته يصلون على النبي} ـ فقال ـ «إن هذا من المكتوم, ولولا أنكم سألتموني عنه ما أخبرتكم, إِن الله عز وجل وكل بي ملكين لا أذكر عند عبد مسلم فيصلي علي إِلا قال ذانك الملكان غفر الله لك, وقال الله وملائكته جواباً لذينك الملكين: آمين, ولا يصلي علي أحد إِلا قال ذانك الملكان: غفر الله لك, ويقول الله وملائكته جواباً لذينك الملكين: آمين» غريب جداً, وإِسناده به ضعف شديد.
وقد قال الإمام أحمد: حدثنا وكيع عن سفيان عن عبد الله بن السائب, عن زاذان عن عبد الله بن مسعود أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال «إِن لله ملائكة سياحين في الأرض يبلغوني عن أمتي السلام» وهكذا رواه النسائي من حديث سفيان الثوري وسليمان بن مهران الأعمش كلاهما عن عبد الله بن السائب به. فأما الحديث الاَخر «من صلى علي عند قبري سمعته, ومن صلى علي من بعيد بلغته» ففي إِسناده نظر تفرد به محمد بن مروان السدي الصغير وهو متروك عن الأعمش عن أبي صالح عن أبي هريرة مرفوعاً. قال أصحابنا: ويستحب للمحرم إِذا لبى وفرغ من تلبيته أن يصلي على النبي صلى الله عليه وسلم لما رواه الشافعي والدارقطني من رواية صالح بن محمد بن زائدة عن القاسم بن محمد بن أبي بكر الصديق قال: كان يؤمر الرجل إِذا فرغ من تلبيته أن يصلي على النبي صلى الله عليه وسلم على كل حال, وقال إسماعيل القاضي: حدثنا عارم بن الفضل حدثنا عبد الله بن المبارك, حدثنا زكريا عن الشعبي عن وهب بن الأجدع قال: سمعت عمر بن الخطاب رضي الله عنه يقول: إِذا قدمتم فطوفوا بالبيت سبعاً وصلوا عند المقام ركعتين, ثم ائتوا الصفا فقوموا عليه من حيث ترون البيت فكبروا سبع مرات تكبيراً بين حمد الله وثناء عليه وصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم ومسألة لنفسك, وعلى المروة مثل ذلك, إسناد جيد حسن قوي, قالوا: ويستحب الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم مع ذكر الله عند الذبح, واستأنسوا بقوله تعالى: {ورفعنا لك ذكرك} قال بعض المفسرين: يقول الله تعالى: لا أذكر إلا ذكرت معي, وخالفهم في ذلك الجمهور وقالوا: هذا موطن يفرد فيه ذكر الله تعالى كما عند الأكل والدخول والوقاع وغير ذلك مما لم ترد فيه السنة بالصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم.
(حديث آخر) قال إِسماعيل القاضي: حدثنا محمد بن أبي بكر المقدمي, حدثنا عمرو بن هارون عن موسى بن عبيدة عن محمد بن ثابت, عن أبي هريرة, أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «صلوا على أنبياء الله ورسله فإن الله بعثهم كما بعثني», في إسناده ضعيفان, وهما عمرو بن هارون وشيخه, والله أعلم. وقد رواه عبد الرزاق عن الثوري عن موسى بن عبيدة الربذي به, ومن ذلك أنه يستحب الصلاة عليه عند طنين الأذن إِن صح الخبر في ذلك على أن الإمام أبا بكر محمد بن إِسحاق بن خزيمة قد رواه في صحيحه فقال: حدثنا زياد بن يحيى, حدثنا معمر بن محمد بن عبيد الله عن علي بن أبي رافع عن أبيه عن أبي رافع قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إذا طنت أذن أحدكم فليذكرني وليصل علي وليقل ذكر الله من ذكرني بخير», إِسناده غريب, وفي ثبوته نظر, والله علم.
(مسألة) وقد استحب أهل الكتابة أن يكرر الكاتب الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم كلما كتبه, وقد ورد في الحديث من طريق كادح بن رحمة عن نهشل عن الضحاك, عن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من صلى علي في كتاب لم تزل الصلاة جارية له ما دام اسمي في ذلك الكتاب» وليس هذا الحديث بصحيح من وجوه كثيرة وقد روي من حديث أبي هريرة ولا يصح أيضاً, قال الحافظ أبو عبد الله الذهبي شيخنا أحسبه موضوعاً, وقد روي نحوه عن أبي بكر وابن عباس ولا يصح من ذلك شيء والله أعلم. وقد ذكر الخطيب البغدادي في كتابه(الجامع لاَداب الراوي والسامع) قال: رأيت بخط الإمام أحمد بن حنبل رحمه الله كثيراً ما يكتب اسم النبي صلى الله عليه وسلم من غير ذكر الصلاة عليه كتابة قال: وبلغني أنه كان يصلي عليه لفظاً.
(فصل) وأما الصلاة على غير الأنبياء فإن كانت على سبيل التبعية كما تقدم في الحديث اللهم صل على محمد وآله وأزواجه وذريته, فهذا جائز بالإجماع وإنما وقع النزاع فيما إذا أفرد غير الأنبياء بالصلاة عليهم فقال قائلون: يجوز ذلك, واحتجوا بقول الله تعالى: {هو الذي يصلي عليكم وملائكته}, وبقوله: {أولئك عليهم صلوات من ربهم ورحمة}, وبقوله: {خذ من أموالهم صدقة تطهرهم وتزكيهم بها وصل عليهم} الاَية, وبحديث عبد الله بن أبي أوفى قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أتاه قوم بصدقتهم قال «اللهم صل عليهم» فأتاه أبي بصدقته فقال «اللهم صل على آل أبي أوفى» أخرجاه في الصحيحين, وبحديث جابر أن امرأته قالت يا رسول الله صل علي وعلى زوجي, فقال«صلى الله عليك وعلى زوجك» قال الجمهور من العلماء لا يجوز إِفراد غير الأنبياء بالصلاة لأن هذا قد صار شعاراً للأنبياء إذ ذكروا, فلا يلحق بهم غيرهم فلا يقال: قال أبو بكر صلى الله عليه أو قال علي صلى الله عليه, وإِن كان المعنى صحيحاً, كما لا يقال: قال محمد عز وجل, وإِن كان عزيزاً جليلاً لأن هذا من شعار ذكر الله عز وجل وحملوا ما ورد في ذلك من الكتاب والسنة على الدعاء لهم, ولهذا لم يثبت شعاراً لاَل أبي أوفى ولا لجابر وامرأته, وهذا مسلك حسن.
وقال آخرون: لا يجوز ذلك لأن الصلاة على غير الأنبياء قد صارت من شعار أهل الأهواء, يصلون على من يعتقدون فيهم, فلا يقتدى بهم في ذلك والله أعلم, ثم اختلف المانعون من ذلك: هل هو من باب التحريم أو الكراهة التنزيهية أو خلاف الأولى ؟ على ثلاثة أقوال, حكاه الشيخ أبوزكريا النووي في كتاب الأذكار. ثم قال: والصحيح الذي عليه الأكثرون أنه مكروه كراهة تنزيه لأنه شعار أهل البدع وقد نهينا عن شعارهم, والمكروه هو ما ورد فيه نهي مقصود. قال أصحابنا والمعتمد في ذلك أن الصلاة صارت مخصوصة في لسان السلف بالأنبياء, كما أن قولنا عز وجل مخصوص بالله تعالى فكما لا يقال محمد عز وجل وإِن كان عزيزاً جليلاً لا يقال أبو بكر أو علي صلى الله عليه, هذا لفظ بحروفه, قال: وأما السلام ؟ فقال الشيخ أبو محمد الجويني من أصحابنا: هو في معنى الصلاة فلا يستعمل في الغائب ولا يفرد به غير الأنبياء فلا يقال علي عليه السلام وسواء في هذا الأحياء والأموات, وأما الحاضر فيخاطب به فيقال: سلام عليك, وسلام عليكم أو السلام عليك أو عليكم, وهذا مجمع عليه انتهى ما ذكره (قلت) وقد غلب هذا في عبارة كثير من النساخ للكتب أن ينفرد علي رضي الله عنه بأن يقال عليه السلام من دون سائر الصحابة أو كرم الله وجهه, وهذا وإِن كان معناه صحيحاً, لكن ينبغي أن يسوى بين الصحابة في ذلك فإِن هذا من باب التعظيم والتكريم, فالشيخان وأمير المؤمنين عثمان أولى بذلك منه رضي الله عنهم أجمعين.
قال إِسماعيل القاضي حدثنا عبد الله بن عبد الوهاب بن زياد حدثني عثمان بن حكيم بن عبادة بن حنيف عن عكرمة عن ابن عباس أنه قال: لا تصح الصلاة على أحد إِلا على النبي صلى الله عليه وسلم ولكن يدعى للمسلمين والمسلمات بالمغفرة, وقال أيضاً حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة حدثنا حسين بن علي عن جعفر بن برقان قال كتب عمر بن عبد العزبز رحمه الله: أما بعد فإِن ناساً من الناس قد التمسوا الدنيا بعمل الاَخرة, وإِن ناساً من القصاص قد أحدثوا في الصلاة على خلفائهم وأمرائهم عدل الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم فإِذا جاءك كتابي هذا فمرهم أن تكون صلاتهم على النبيين ودعاؤهم للمسلمين عامة ويدعوا ما سوى ذلك. أثر حسن.
قال إِسماعيل القاضي حدثنا معاذ بن أسد حدثنا عبد الله بن المبارك أخبرنا ابن لهيعة حدثني خالد بن يزيد عن سعيد بن أبي هلال عن نبيه بن وهب أن كعباً دخل على عائشة رضي الله عنها فذكروا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال كعب: ما من فجر يطلع إِلا نزل سبعون ألفاً من الملائكة حتى يحفون بالقبر يضربون بأجنحتهم ويصلون على النبي صلى الله عليه وسلم سبعون ألفاً بالليل وسبعون ألفاً بالنهار حتى إذا انشقت عنه الأرض خرج في سبعين ألفاً من الملائكة يزفونه.
(فرع) قال النووي إذا صلى على النبي صلى الله عليه وسلم فليجمع بين الصلاة والتسليم فلا يقتصر على أحدهما فلا يقول: صلى الله عليه فقط ولا عليه السلام فقط, وهذا الذي قاله منتزع من هذه الاَية الكريمة وهي قوله: {يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليم} فالأولى أن يقال صلى الله عليه وسلم تسليماً.
** إِنّ الّذِينَ يُؤْذُونَ اللّهَ وَرَسُولَهُ لَعَنَهُمُ اللّهُ فِي الدّنْيَا وَالاَخِرَةِ وَأَعَدّ لَهُمْ عَذَاباً مّهِيناً * وَالّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُواْ فَقَدِ احْتَمَلُواْ بُهْتَاناً وَإِثْماً مّبِيناً
يقول تعالى متهدداً ومتوعداً من آذاه بمخالفة أوامره وارتكاب زواجره وإِصراره على ذلك وإِيذاء رسوله بعيب أو بنقص ـ عياذاً بالله من ذلك ـ قال عكرمة في قوله تعالى: {إن الذين يؤذون الله ورسوله} نزلت في المصورين . وفي الصحيحين من حديث سفيان بن عيينة عن الزهري عن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «يقول الله عز وجل: يؤذيني ابن آدم, يسب الدهر وأنا الدهر أقلب ليله ونهاره» ومعنى هذا أن الجاهلية كانوا يقولون يا خيبة الدهر فعل بنا كذا وكذا فيسندون أفعال الله وتعالى إلى الدهر ويسبونه وإنما الفاعل لذلك هو الله عز وجل فنهى عن ذلك. هكذا قرره الشافعي وأبو عبيدة وغيرهما من العلماء رحمهم الله.
وقال العوفي عن ابن عباس في قوله تعالى: {إن الذين يؤذون الله ورسوله} نزلت في الذين طعنوا على النبي صلى الله عليه وسلم في تزويجه صفية بنت حيي بن أخطب. والظاهر أن الاَية عامة في كل من آذاه بشيء ومن آذاه فقدآذى الله كما أن من أطاعه فقد أطاع الله كما قال الإمام أحمد حدثنا يونس حدثنا إبراهيم بن سعد عن عبيدة بن أبي رائطة الحذاء التميمي عن عبد الرحمن بن زياد عن عبد الله بن المغفل المزني قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «الله الله في أصحابي لا تتخذوهم غرضاً بعدي فمن أحبهم فبحبي أحبهم, ومن أبغضهم فببغضي أبغضهم, ومن آذاهم فقد آذاني ومن آذاني فقد آذى الله, ومن آذى الله يوشك أن يأخذه وقد رواه الترمذي من حديث عبيدة بن أبي رائطة عن عبد الرحمن بن زياد عن عبد الله بن المغفل به, ثم قال وهذا حديث غريب لا نعرفه إلا من هذا الوجه.
وقوله تعالى: {والذين يؤذون المؤمنين والمؤمنات بغير ما اكتسبو} أي ينسبون إليهم ما هم برآء منه لم يعملوه ولم يفعلوه {فقد احتملوا بهتاناً وإثماً مبين} وهذا هو البهت الكبير أن يحكى أو ينقل عن المؤمنين والمؤمنات ما لم يفعلوه على سبيل العيب والتنقص لهم, ومن أكثر من يدخل في هذا الوعيد الكفرة بالله ورسوله ثم الرافضة الذين يتنقصون الصحابة ويعيبونهم بما قد برأهم الله منه ويصفونهم بنقيض ما أخبر الله عنهم فإن الله عز وجل قد أخبر أنه قد رضي عن المهاجرين والأنصار ومدحهم وهؤلاء الجهلة الأغبياء يسبونهم وينتقصونهم ويذكرون عنهم ما لم يكن ولا فعلوه أبداً فهم في الحقيقة منكسو القلوب يذمون الممدوحين ويمدحون المذمومين.
وقال أبو داود حدثنا القعنبي حدثنا عبد العزيز يعني ابن محمد عن العلاء عن أبيه عن أبي هريرة أنه قيل يا رسول الله ما الغيبة ؟ قال: «ذكرك أخاك بما يكره» قيل أفرأيت إن كان في أخي ما أقول ؟ قال: «إن كان فيه ما تقول فقد اغتبته, وإن لم يكن فيه ما تقول فقد بهته» وهكذا رواه الترمذي عن قتيبة عن الدراوردي به ثم قال حسن صحيح, وقد قال ابن أبي حاتم حدثنا أحمد بن سلمة حدثنا أبو كريب حدثنا معاوية بن هشام عن عمار بن أنس عن ابن أبي مليكة عن عائشة قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأصحابه «أي الربا أربى عند الله ؟» قالوا الله ورسوله أعلم قال «أربى الربا عند الله استحلال عرض امرىء مسلم» ثم قرأ {والذين يؤذون المؤمنين والمؤمنات بغير ما اكتسبوا فقد احتملوا بهتاناً وإثماً مبين}.
** يَأَيّهَا النّبِيّ قُل لأزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَآءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنّ مِن جَلاَبِيبِهِنّ ذَلِكَ أَدْنَىَ أَن يُعْرَفْنَ فَلاَ يُؤْذَيْنَ وَكَانَ اللّهُ غَفُوراً رّحِيماً * لّئِن لّمْ يَنتَهِ الْمُنَافِقُونَ وَالّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مّرَضٌ وَالْمُرْجِفُونَ فِي الْمَدِينَةِ لَنُغْرِيَنّكَ بِهِمْ ثُمّ لاَ يُجَاوِرُونَكَ فِيهَآ إِلاّ قَلِيلاً * مّلْعُونِينَ أَيْنَمَا ثُقِفُوَاْ أُخِذُواْ وَقُتّلُواْ تَقْتِيلاً * سُنّةَ اللّهِ فِي الّذِينَ خَلَوْاْ مِن قَبْلُ وَلَن تَجِدَ لِسُنّةِ اللّهِ تَبْدِيلاً
يقول تعالى آمراً رسوله صلى الله عليه وسلم تسليماً أن يأمر النساء المؤمنات ـ خاصة أزواجه وبناته لشرفهن ـ بأن يدنين عليهن من جلابيبهن ليتميزن عن سمات نساء الجاهلية وسمات الإماء, والجلباب هو الرداء فوق الخمار, قاله ابن مسعود وعبيدة وقتادة والحسن البصري وسعيد بن جبير وإبراهيم النخعي وعطاء الخراساني وغير واحد وهو بمنزلة الإزار اليوم. قال الجوهري: الجلباب الملحفة, قالت امرأة من هذيل ترثي قتيلاً لها:
تمشي النسور إليه وهي لاهيةمشي العذارى عليهن الجلابيب
قال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس أمر الله نساء المؤمنين إذا خرجن من بيوتهن في حاجة أن يغطين وجوههن من فوق رؤوسهن بالجلابيب ويبدين عيناً واحدة, وقال محمد بن سيرين سألت عبيدة السلماني عن قول الله عز وجل: {يدنين عليهن من جلابيبهن} فغطى وجهه ورأسه وأبرز عينه اليسرى وقال عكرمة تغطي ثغرة نحرها بجلبابها تدنيه عليها. وقال ابن أبي حاتم حدثنا أبو عبد الله الطهراني فيما كتب إليّ حدثنا عبد الرزاق أخبرنا معمر عن ابن خيثم عن صفية بنت شيبة عن أم سلمة قالت لما نزلت هذه الاَية {يدنين عليهن من جلابيبهن} خرج نساء الأنصار كأن على رؤوسهن الغربان من السكينة وعليهن أكسية سود يلبسنها.
وقال ابن أبي حاتم حدثنا أبي حدثنا أبو صالح حدثنا الليث حدثنا يونس بن يزيد قال وسألناه يعني الزهري هل على الوليدة خمار متزوجة أو غير متزوجة ؟ قال عليها الخمار إن كانت متزوجة وتنهى عن الجلباب لأنه يكره لهن أن يتشبهن بالحرائر المحصنات وقد قال الله تعالى: {يا أيها النبي قل لأزواجك وبناتك ونساء المؤمنين يدنين عليهن من جلابيبهن}, وروي عن سفيان الثوري أنه قال: لا بأس بالنظر إلى زينة نساء أهل الذمة وإنما نهى عن ذلك لخوف الفتنة لا لحرمتهن واستدل بقوله تعالى: {ونساء المؤمنين} وقوله: {ذلك أدنى أن يعرفن فلا يؤذين} أي إذا فعلن ذلك عرفن أنهن حرائر, لسن بإماء ولا عواهر. قال السدي في قوله تعالى: {يا أيها النبي قل لأزواجك وبناتك ونساء المؤمنين يدنين عليهن من جلابيبهن ذلك أدنى أن يعرفن فلا يؤذين} قال كان ناس من فساق أهل المدينة يخرجون بالليل حين يختلظ الظلام إلى طرق المدينة يتعرضون للنساء وكانت مساكن أهل المدينة ضيقة فإذا كان الليل خرج النساء إلى الطرق يقضين حاجتهن فكان أولئك الفساق يبتغون ذلك منهن, فإذا رأوا المرأة عليها جلباب قالوا هذه حرة فكفوا عنها, وإذا رأوا المرأة ليس عليها جلباب قالوا هذه أمة فوثبوا عليها, وقال مجاهد يتجلببن فيعلم أنهن حرائر فلا يتعرض لهن فاسق بأذى ولا ريبة.
وقوله تعالى: {وكان الله غقوراً رحيم} أي لما سلف في أيام الجاهلية حيث لم يكن عندهن علم بذلك, ثم قال تعالى متوعداً للمنافقين وهم الذين يظهرون الإيمان ويبطنون الكفر {والذين في قلوبهم مرض} قال عكرمة وغيره هم الزناة ههنا {والمرجفون في المدنية} يعني الذين يقولون جاء الأعداء وجاءت الحروب وهو كذب وافتراء لئن لم ينتهوا عن ذلك ويرجعوا إلى الحق {لنغرينك بهم} قال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس أي لنسلطنك عليهم. وقال قتادة لنحرشنك بهم, وقال السدي لنعلمنك بهم {ثم لا يجاورونك فيه} أي في المدينة {إلا قليلاً * ملعونين} حال منهم في مدة إقامتهم في المدينة مدة قريبة مطرودين مبعدين {أينما ثقفو} أي وجدوا {أخذو} لذلتهم وقلتهم {وقتلوا تقتيل} ثم قال تعالى: {سنة الله في الذين خلوا من قبل} أي هذه سنته في المنافقين إذا تمردوا على نفاقهم وكفرهم ولم يرجعوا عما هم فيه أن أهل الإيمان يسلطون عليهم ويقهرونهم {ولن تجد لسنة الله تبديل} أي وسنة الله في ذلك لا تبدل ولا تغير.
تفسير ابن كثير - صفحة القرآن رقم 426
426 : تفسير الصفحة رقم 426 من القرآن الكريم** لاّ جُنَاحَ عَلَيْهِنّ فِيَ آبَآئِهِنّ وَلاَ أَبْنَآئِهِنّ وَلاَ إِخْوَانِهِنّ وَلاَ أَبْنَآءِ إِخْوَانِهِنّ وَلاَ أَبْنَآءِ أَخَوَاتِهِنّ وَلاَ نِسَآئِهِنّ وَلاَ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنّ وَاتّقِينَ اللّهَ إِنّ اللّهَ كَانَ عَلَىَ كُلّ شَيْءٍ شَهِيداً
لما أمر تبارك وتعالى النساء بالحجاب من الأجانب, بين أن هؤلاء الأقارب لا يجب الاحتجاب منهم, كما استثناهم في سورة النور عند قوله تعالى: {ولا يبدين زينتهن إلا لبعولتهن أو آبائهن أو آباء بعولتهن أو أبنائهن أو أبناء بعولتهن أو إخوانهن أو بني إخوانهن أو بني أخواتهن أو نسائهن أو ما ملكت أيمانهن أو التابعين غير أولي الإربة من الرجال أو الطفل الذين لم يظهروا على عورات النساء} وفيها زيادات على هذه, وقد تقدم تفسيرها والكلام عليها بما أغنى عن إعادته ههنا.
وقد سأل بعض السلف فقال: لم لم يذكر العم والخال في هاتين الاَيتين ؟ فأجاب عكرمة والشعبي بأنهما لم يذكرا لأنهما قد يصفان ذلك لبنيهما. قال ابن جرير: حدثني محمد بن المثنى, حدثنا حجاج بن منهال, حدثنا حماد, حدثنا داود عن الشعبي وعكرمة في قوله تعالى: {لا جناح عليهن في آبائهن} الاَية, قلت: ما شأن العم والخال لم يذكرا ؟ قال لأنهما ينعتانهما لأبنائهما وكرها أن تضع خمارها عند خالها وعمها. وقوله تعالى: {ولا نسائهن} يعنى بذلك عدم الاحتجاب من النساء المؤمنات. وقوله تعالى: {وما ملكت أيمانهن} يعني به أرقاءهن من الذكور والإناث كما تقدم التنبيه عليه وإيراد الحديث فيه, قال سعيد بن المسيب: إنما يعني به الإماء فقط, رواه ابن أبي حاتم. وقوله تعالى: {واتقين الله إن الله كان على كل شيء شهد} أي واخشينه في الخلوة والعلانية, فإنه شهيد على كل شيء, لا تخفى عليه خافية فراقبن الرقيب.
** إِنّ اللّهَ وَمَلاَئِكَـتَهُ يُصَلّونَ عَلَى النّبِيّ يَأَيّهَا الّذِينَ آمَنُواْ صَلّواْ عَلَيْهِ وَسَلّمُواْ تَسْلِيماً
قال البخاري: قال أبو العالية: صلاة الله تعالى ثناؤه عليه عند الملائكة, وصلاة الملائكة الدعاء. وقال ابن عباس: يصلون يبركون, هكذا علقه البخاري عنهما, وقد رواه أبو جعفر الرازي عن الربيع بن أنس عن أبي العالية كذلك, وروي مثله عن الربيع أيضاً, وروى علي بن أبي طلحة عن ابن عباس كما قاله سواء, رواهما ابن أبي حاتم: وقال أبو عيسى الترمذي: وروي عن سفيان الثوري وغير واحد من أهل العلم, قالوا: صلاة الرب الرحمة, وصلاة الملائكة الاستغفار.
ثم قال ابن أبي حاتم: حدثنا عمرو الأودي, حدثنا وكيع عن الأعمش عن عمرو بن مرة, قال الأعمش أراه عن عطاء بن أبي رباح {إن الله وملائكته يصلون على النبي} قال: صلاته تبارك وتعالى سبوح قدوس, سبقت رحمتي غضبي والمقصود من هذه الاَية أن الله سبحانه وتعالى أخبر عباده بمنزلة عبده ونبيه عنده في الملأ الأعلى بأنه يثنى عليه عند الملائكة المقربين, وأن الملائكة تصلي عليه, ثم أمر تعالى أهل العالم السفلي بالصلاة والتسليم عليه, ليجتمع الثناء عليه من أهل العالمين: العلوي والسفلي جميعاً.
وقد قال ابن أبي حاتم: حدثنا علي بن الحسين, حدثنا أحمد بن عبد الرحمن, حدثني أبي عن أبيه عن أشعث بن إسحاق عن جعفر يعني ابن المغيرة, عن سعيد بن جبير عن ابن عباس أن بني إسرائيل قالوا لموسى عليه السلام: هل يصلي ربك ؟ فناداه ربه عز وجل: يا موسى سألوك هل يصلي ربك, فقل: نعم أنا أصلي وملائكتي على أنبيائي ورسلي, فأنزل الله عز وجل على نبيه صلى الله عليه وسلم {إن الله وملائكته يصلون على النبي يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليم}. وقد أخبر سبحانه وتعالى بأنه يصلي على عباده المؤمنين في قوله تعالى: {يا أيها الذين آمنوا اذكروا الله ذكرا كثيراً * وسبحوه بكرة وأصيلاً * هو الذي يصلي عليكم وملائكته} الاَية وقال تعالى: {وبشر الصابرين الذين إذا أصابتهم مصيبة قالوا إنا لله وإنا إليه راجعون * أولئك عليهم صلوات من ربهم} الاَية, وفي الحديث «إن الله وملائكته يصلون على ميامن الصفوف», وفي الحديث الاَخر «اللهم صل على آل أبي أوفى» وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لامرأة جابر وقد سألته أن يصلي عليها وعلى زوجها «صلى الله عليك وعلى زوجك», وقد جاءت الأحاديث المتواترة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بالأمر بالصلاة عليه, وكيفية الصلاة عليه, ونحن نذكر منها إن شاء الله ما تيسر والله المستعان.
قال البخاري عند تفسير هذه الاَية: حدثنا سعيد بن يحيى بن سعيد, أخبرنا أبي عن مسعر عن الحكم عن ابن أبي ليلى. عن كعب بن عجرة قال: قيل يارسول الله أما السلام عليك فقد عرفناه, فكيف الصلاة ؟ قال: «قولوا اللهم صلى على محمد وعلى آل محمد, كما صليت على آل إبراهيم , إنك حميد مجيد, اللهم بارك على محمد وعلى آل محمد, كما باركت على آل إبراهيم, إنك حميد مجيد».
وقال الإمام أحمد: حدثنا محمد بن جعفر, حدثنا شعبة عن الحكم قال: سمعت ابن أبي ليلى قال: لقيني كعب بن عجرة فقال: ألا أهدي لك هدية ؟ خرج علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلنا: يا رسول الله قد علمنا أو عرفنا كيف السلام عليك, فكيف الصلاة ؟ فقال: «قولوا اللهم صل على محمد وعلى آل محمد, كما صليت على آل إبراهيم , إنك حميد مجيد, اللهم بارك على محمد وعلى آل محمد, كما باركت على آل إبراهيم, إنك حميد مجيد» وهذا الحديث قد أخرجه الجماعة في كتبهم من طرق متعددة عن الحكم وهو ابن عتيبة, زاد البخاري وعبد الله بن عيسى كلاهما عن عبد الرحمن بن أبي ليلى فذكره.
وقال ابن أبي حاتم: حدثنا الحسن بن عرفه, حدثنا هشيم بن بشير عن يزيد بن أبي زياد, حدثنا عبد الرحمن بن أبي ليلى عن كعب بن عجرة قال: لما نزلت {إن الله وملائكته يصلون على النبي يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليم}, قال: قلنا يا رسول الله قد علمنا السلام عليك, فكيف الصلاة عليك, قال «قولوا اللهم صل على محمد وعلى آل محمد, كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم.إنك حميد مجيد, وبارك على محمد وعلى آل محمد, كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيهم, إنك حميد مجيد» وكان عبد الرحمن بن أبي ليلى يقول وعلينا معهم. ورواه الترمذي بهذه الزيادة, ومعنى قولهم أما السلام عليك فقد عرفناه هو الذي في التشهد, الذي كان يعلمهم إياه كما كان يعلمهم السورة من القرآن, وفيه السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته.
(حديث آخر) قال البخاري: حدثنا عبد الله بن يوسف, حدثنا الليث عن ابن الهاد عن عبد الله بن خباب, عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: قلنا يا رسول الله هذا السلام, فكيف نصلي عليك ؟ قال «قولوا اللهم صل على محمد عبدك ورسولك, كما صليت على آل إبراهيم, وبارك على محمد وعلى آل محمد, كما باركت على آل إبراهيم» قال أبو صالح عن الليث: على محمد وعلى آل محمد كما باركت على آل إبراهيم. حدثنا إبراهيم بن حمزة, حدثنا ابن أبي حازم والداوردي عن يزيد يعني ابن الهاد قال: كما صليت على إبراهيم, وبارك على محمد وآل محمد كما باركت على إبراهيم وآل إبراهيم. وأخرجه النسائي وابن ماجه من حديث ابن الهاد به.
(حديث آخر) قال الإمام أحمد: قرأت على عبد الرحمن مالك عن عبد الله بن أبي بكر عن أبيه عن عمرو بن سليم أنه قال: أخبرني أبو حميد الساعدي أنهم قالوا: يا رسول الله كيف نصلي عليك ؟ قال «قولوا اللهم صل على محمد وأزواجه وذريته, كما صليت على إبراهيم, وبارك على محمد وأزواجه وذريته كما باركت على آل إبراهيم, إنك حميد مجيد» وقد أخرجه بقية الجماعة سوى الترمذي من حديث مالك به.
(حديث آخر) قال مسلم: حدثنا يحيى بن يحيى التميمي قال: قرأت على مالك عن نعيم بن عبد الله المجمر أخبرني محمد بن عبد الله بن زيد الأنصاري قال: وعبد الله بن زيد هو الذي كان أري النداء بالصلاة, أخبره عن أبي مسعود الأنصاري قال: أتانا رسول الله صلى الله عليه وسلم ونحن في مجلس سعد بن عبادة, فقال له بشير بن سعد: أمرنا الله أن نصلي عليك يا رسول الله, فكيف نصلي عليك ؟ قال: فسكت رسول الله حتى تمنينا أنه لم يسأله, ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «قولوا اللهم صل على محمد وعلى آل محمد كما صليت على آل إبراهيم, وبارك على محمد وعلى آل محمد, كما باركت على آل إبراهيم في العالمين, إنك حميد مجيد, والسلام كما قد علمتم» وقد رواه أبو داود والترمذي والنسائي وابن جرير من حديث مالك به. وقال الترمذي: حسن صحيح.
وروى الإمام أحمد وأبو داود والنسائي وابن خزيمة وابن حبان والحاكم في مستدركه من حديث محمد بن إسحاق, عن محمد بن إبراهيم التيمي عن محمد بن عبد الله بن زي بن عبد ربه, عن أبي مسعود البدري أنهم قالوا: يارسول الله أما السلام فقد عرفناه, فكيف نصلي عليك إذا نحن صلينا في صلاتنا ؟ فقال «قولوا: اللهم صل على محمد وعلى آل محمد» وذكره ورواه الشافعي رحمه الله في مسنده عن أبي هريرة بمثله, ومن ههنا ذهب الشافعي رحمه الله إلى أنه يجب على المصلي أن يصلي على رسول الله صلى الله عليه وسلم في التشهد الأخير, فإن تركه لم تصح صلاته, وقد شرع بعض المتأخرين من المالكية وغيرهم يشنع على الإمام الشافعي في اشتراطه ذلك في الصلاة, ويزعم أنه قد تفرد بذلك, وحكى الإجماع على خلافه أبو جعفر الطبري والطحاوي والخطابي وغيرهم فيما نقله القاضي عياض عنهم, وقد تعسف هذا القائل في رده على الشافعي, وتكلف في دعواه الإجماع في ذلك, وقال ما لم يحط به علماً, فإنا قد روينا وجوب ذلك والأمر بالصلاة على رسول الله صلى الله عليه وسلم في الصلاة, كما هو ظاهر الاَية, ومفسر بهذا الحديث عن جماعة من الصحابة منهم ابن مسعود وأبو مسعود البدري وجابر بن عبد الله, ومن التابعين: الشعبي وأبو جعفر الباقر ومقاتل بن حيان, وإليه ذهب الشافعي لا خلاف عنه في ذلك ولا بين أصحابه أيضاً, وإليه ذهب الإمام أحمد أخيراً فيما حكاه عنه أبو زرعة الدمشقي به, وبه قال إسحاق بن راهوية والفقيه الإمام محمد بن إبراهيم المعروف بابن المواز المالكي رحمهم الله, حتى إن بعض أئمة الحنابلة أوجب أن يقال في الصلاة عليه صلى الله عليه وسلم كما علمهم أن يقولوا لما سألوه, وحتى إن بعض أصحابنا أوجب الصلاة على آله فيما حكاه البندنيجي وسليم الرازي وصاحبه نصر بن إبراهيم المقدسي, ونقله إمام الحرمين وصاحبه الغزالي قولاً عن الشافعي. والصحيح أنه وجه على أن الجمهور على خلافه, وحكوا الإجماع على خلافه, وللقول بوجوبه ظواهر الحديث والله أعلم.
والغرض أن الشافعي رحمه الله يقول بوجوب الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم في الصلاة سلفاً وخلفاً كما تقدم, ولله الحمد والمنة, فلا إجماع على خلافه في هذه المسألة لا قديماً ولا حديثاً, والله أعلم. ومما يؤيد ذلك الحديث الاَخر الذي رواه الإمام أحمد وأبو داود والترمذي وصححه, والنسائي وابن خزيمة وابن حبان في صحيحيهما من رواية حيوة بن شريح المصري عن أبي هانىء حميد بن هانىء عن عمرو بن مالك أبي علي الجنبي عن فضالة بن عبيد رضي الله عنه قال: سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم رجلاً يدعو في صلاته لم يمجد الله ولم يصل على النبي, فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم «عجل هذا» ثم دعاه فقال له أو لغيره «إذا صلى أحدكم فليبدأ بتمجيد الله عز وجل والثناء عليه, ثم ليصل على النبي ثم ليدع بعد بما شاء» وكذا الحديث الذي رواه ابن ماجه من رواية عبد المهيمن بن عباس بن سهل بن سعد الساعدي عن أبيه عن جده عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال «لا صلاة لمن لا وضوء له, ولا وضوء لمن لم يذكر اسم الله عليه, ولا صلاة لمن لم يصل على النبي, ولا صلاة لمن لم يحب الأنصار» ولكن عبد المهيمن هذا متروك وقد رواه الطبراني من رواية أخيه أبي بن عباس, ولكن في ذلك نظر, وإنما يعرف من رواية عبد المهيمن, والله أعلم.
(حديث آخر) قال الإمام أحمد: حدثنا يزيد بن هارون, أخبرنا إسماعيل عن أبي داود الأعمى عن بريدة قال: قلنا يارسول الله قد علمنا كيف نسلم عليك, فكيف نصلي عليك ؟ قال «قولوا: اللهم اجعل صلواتك ورحمتك وبركاتك على محمد وعلى آل محمد, كما جعلتها على إبراهيم وآل إبراهيم, إنك حميد مجيد» أبو داود الأعمى اسمه نفيع بن الحارث, متروك.
(حديث آخر) موقوف. رويناه من طريق سعيد بن منصور ويزيد بن هارون وزيد بن الحباب, ثلاثتهم عن نوح بن قيس: حدثنا سلامة الكندي أن علياً رضي الله عنه كان يعلم الناس هذا الدعاء: اللهم داحي المدحوات, وبارىء المسموكات, وجبار القلوب على فطرتها: شقيها وسعيدها, اجعل شرائف صلواتك, ونوامي بركاتك, وفضائل آلائك, على محمد عبدك ورسولك الفاتح لما أغلق, والخاتم لما سبق, والمعلن الحق بالحق, والدامغ لجيشات الأباطيل, كما حمل فاضطلع بأمرك لطاعتك, مستوفزاً في مرضاتك غير نكل في قدم, ولا واهن في عزم, واعياً لوحيك, حافظاً لعهدك, ماضياً على نفاذ أمرك حتى أورى قبساً لقابس, آلاء الله تصل بأهله أسبابه, به هديت القلوب بعد خوضات الفتن والإثم, وأبهج موضحات الأعلام, ونائرات الأحكام, ومنيرات الإسلام, فهو أمينك المأمون, وخازن علمك المخزون, وشهيدك يوم الدين, وبعيثك نعمة, ورسولك بالحق رحمة, اللهم افسح له في عدنك, واجزه مضاعفات الخير من فضلك, مهنآت غير مكدرات, من فوز ثوابك المحلول وجزيل عطائك المجمول, اللهم أعل على بناء البانين بنيانه. وأكرم مثواه لديك ونزله, وأتمم له نوره واجزه من ابتعاثك له مقبول الشهادة, مرضي المقالة ذا منطق عدل, وخطة فصل, وحجة وبرهان عظيم, هذا مشهور من كلام علي رضي الله عنه, وقد تكلم عليه ابن قتيبة في مشكل الحديث, وكذا أبو الحسين أحمد بن فارس اللغوي في جزء جمعه في فضل الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم إلا أن في إسناده نظراً. قال شيخنا الحافظ أبو الحجاج المزي: سلامة الكندي هذا ليس بمعروف ولم يدرك علياً, كذا قال, وقد روى الحافظ أبو القاسم الطبراني هذا الأثر عن محمد بن علي الصائغ عن سعيد بن منصور: حدثنا نوح بن قيس عن سلامة الكندي قال: كان علي رضي الله عنه يعلمنا الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم فيقول: اللهم داحي المدحوات, وذكره.
(حديث آخر) موقوف قال ابن ماجه: حدثنا الحسين بن بيان حدثنا زياد بن عبد الله, حدثنا المسعودي عن عون بن عبد الله عن أبي فاختة, عن الأسود بن يزيد عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: إذا صليتم على رسول الله صلى الله عليه وسلم, فأحسنوا الصلاة عليه, فإنكم لا تدرون لعل ذلك يعرض عليه, قال: فقالوا له علمنا, قال: قولوا: اللهم اجعل صلواتك ورحمتك وبركاتك على سيد المرسلين, وإمام المتقين,وخاتم النبيين, محمد عبدك ورسولك, إمام الخير وقائد الخير, ورسول الرحمة, اللهم ابعثه مقاماً محموداً يغبطه به الأولون والاَخرون, اللهم صل على محمد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد اللهم بارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على إبراهيم وعلى أل إبراهيم, إنك حميد مجيد, وهذا موقوف, وقد روى إسماعيل القاضي عن عبد الله بن عمرو أو عمر على الشك من الراوي قريباً من هذا.
(حديث آخر) قال ابن جرير: حدثنا أبو كريب, حدثنا مالك بن إسماعيل, حدثنا أبو إسرائيل عن يونس بن خباب قال: خطبنا بفارس فقال {إن الله وملائكته يصلون على النبي يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليم} فقال: أنبأني من سمع ابن عباس يقول: هكذا أنزل, فقلنا: أو قالوا يا رسول الله علمنا السلام عليك, فكيف الصلاة عليك ؟ قال «اللهم صل على محمد وعلى آل محمد, كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم, إنك حميد مجيد, وارحم محمداً وآل محمد, كما رحمت آل إبراهيم, إنك حميد مجيد, وبارك على محمد وعلى آل محمد, كما باركت على إبراهيم, إنك حميد مجيد» فيستدل بهذا الحديث من ذهب إلى جواز الترحم على النبي صلى الله عليه وسلم كما هو قول الجمهور, ويعضده حديث الأعرابي الذي قال: اللهم ارحمني ومحمداً, ولا ترحم معنا أحداً, فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم «لقد حجرت واسعاً» وحكى القاضي عياض عن جمهور المالكية منعه, قال: وأجازه أبو محمد بن أبي زيد.
(حديث آخر) قال الإمام أحمد: حدثنا محمد بن جعفر, أخبرنا شعبة عن عاصم بن عبيد الله قال: سمعت عبد الله بن عامر بن ربيعة يحدث عن أبيه قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: «من صلى علي صلاة, لم تزل الملائكة تصلي عليه ما صلى علي, فليقل عبد من ذلك أو ليكثر» ورواه ابن ماجه من حديث شعبة به.
(حديث آخر) قال أبو عيسى الترمذي: حدثنا بندار, حدثنا محمد بن خالد بن عشمة, حدثني موسى بن يعقوب الزمعي, حدثني عبد الله بن كيسان أن عبد الله بن شداد أخبره عن عبد الله بن مسعود أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال «أولى الناس بي يوم القيامة أكثرهم علي صلاة» تفرد بروايته الترمذي رحمه الله, ثم قال: هذا حديث حسن غريب.
(حديث آخر) قال إسماعيل القاضي: حدثنا علي بن عبد الله, حدثنا سفيان عن يعقوب بن زيد بن طلحة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أتاني آت من ربي فقال لي: ما من عبد يصلي عليك صلاة إلا صلى الله عليه بها عشراً» فقام إليه رجل فقال: يا رسول الله ألا أجعل نصف دعائي لك ؟ قال «إن شئت». قال: ألا أجعل ثلثي دعائي لك ؟ قال «إن شئت». قال: ألا أجعل دعائي لك كله. قال «إذن يكفيك الله هم الدنيا وهم الأخرة» فقال شيخ كان بمكة يقال له منيع لسفيان عمن أسنده: لا أدري.
(حديث آخر) قال إسماعيل القاضي: حدثنا سعيد بن سلام العطار, حدثنا سفيان الثوري عن عبد الله بن محمد بن عقيل عن الطفيل بن أبي بن كعب عن أبيه قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يخرج في جوف الليل فيقول «جاءت الراجفة تتبعها الرادفة, جاء الموت بما فيه» فقال أبي: يا رسول الله إني أصلي من الليل, أفأجعل لك ثلث صلاتي ؟ قالرسول الله صلى الله عليه وسلم «الشطر». قال: أفأجعل لك شطر صلاتي ؟ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «الثلثان».قال: أفأجعل لك صلاتي كلها ؟ قال «إِذن يغفر لك الله ذنبك كله».
وقد رواه الترمذي بنحوه, فقال: حدثنا هناد, حدثنا قبيصة, حدثنا سفيان عن عبد الله بن محمد بن عقيل عن الطفيل بن أبي بن كعب, عن أبيه قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إِذا ذهب ثلثا الليل, قام فقال: «يا أيها الناس اذكروا الله, اذكروا الله, جاءت الراجفة تتبعها الرادفة, جاء الموت بما فيه, جاء الموت بما فيه» قال أَبي: قلت يا رسول الله إِني أكثر الصلاة عليك, فكم أجعل لك من صلاتي ؟ قال «ما شئت» قلت: الربع ؟ قال «ما شئت, فإن زدت فهو خير لك» قلت: فالنصف ؟ قال «ما شئت, فإن زدت فهو خير لك». قلت فالثلثين ؟ قال: «ما شئت, فإن زدت فهو خير لك» قلت: أجعل لك صلاتي كلها ؟ قال «إِذن تكفي همك, ويغفر لك ذنبك» ثم قال: هذا حديث حسن. وقال الإمام أحمد: حدثنا وكيع, حدثنا سفيان عن عبد الله بن محمد بن عقيل عن الطفيل بن أبي عن أبيه قال: قال رجل: يا رسول الله أرأيت إِن جعلت صلاتي كلها عليك ؟ قال «إِذن يكفيك الله ما أهمك من دنياك وآخرتك».
(حديث آخر) قال الإمام أحمد: حدثنا أبو سلمة منصور بن سلمة الخزاعي ويونس هو ابن محمد, قالا: حدثنا ليث عن يزيد بن الهاد عن عمرو بن أبي عمر عن أبي الحويرث, عن محمد بن جبير بن مطعم عن عبد الرحمن بن عوف قال: خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم, فاتبعته حتى دخل نخلاً, فسجد فأطال السجود حتى خفت أو خشيت أن يكون قد توفاه الله أو قبضه, قال فجئت أنظر فرفع رأسه فقال «مالك يا عبد الرحمن ؟» قال فذكرت ذلك له فقال «إن جبريل عليه السلام قال لي: ألا أبشرك إن الله عز وجل يقول: من صلى عليك صليت عليه, ومن سلم عليك سلمت عليه».
(طريق آخر) قال الإمام أحمد: حدثنا أبو سعيد مولى بني هاشم, حدثنا سليمان بن بلال, حدثنا عمرو بن أبي عمرو بن عبد الواحد بن محمد بن عبد الرحمن بن عوف عن عبد الرحمن بن عوف قال: قام رسول الله صلى الله عليه وسلم فتوجه نحو صدقته, فدخل فاستقبل القبلة, فخر ساجداً فأطال السجود حتى ظننت أن الله قد قبض نفسه فيها, فدنوت منه ثم جلست, فرفع رأسه فقال: «من هذا ؟» قلت: عبد الرحمن. قال «ما شأنك ؟» قلت: يا رسول الله سجدت سجدة خشيت أن يكون الله قبض روحك فيها, فقال: «إن جبريل أتاني فبشرني أن الله عز وجل يقول لك: من صلى عليك صليت عليه, ومن سلم عليك سلمت عليه, فسجدت لله عز وجل شكراً» ورواه إِسماعيل بن إِسحاق القاضي في كتابه عن يحيى بن عبد الحميد عن الدراوردي, عن عمرو بن عبد الواحد عن أبيه, عن عبد الرحمن بن عوف به, ورواه من وجه آخر عن عبد الرحمن.
(حديث آخر) قال أبو القاسم الطبراني: حدثنا محمد بن عبد الرحيم بن بحير بن عبد الله بن معاوية بن بحير ريان, حدثنا يحيى بن أيوب , حدثني عبد الله بن عمر عن الحكم بن عتيبة عن إِبراهيم النخعي, عن الأسود بن يزيد عن عمرو بن الخطاب رضي الله عنه قال: خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم لحاجة فلم يجد أحداً يتبعه, ففزع عمر فأتاه بمطهرة من خلفه, فوجد النبي صلى الله عليه وسلم ساجداً في مشربة, فتنحى عنه من خلفه حتى رفع النبي صلى الله عليه وسلم رأسه, فقال «أحسنت يا عمر حين وجدتني ساجداً فتنحيت عني, إن جبريل أتاني فقال: من صلى عليك من أمتك واحدة صلى الله عليه عشر صلوات ورفعه عشر درجات» وقد اختار هذا الحديث الحافظ الضياء المقدسي في كتابه المستخرج على الصحيحين, وقد رواه إسماعيل القاضي عن القعنبي عن سلمة بن وردان عن أنس عن عمر بنحوه ورواه أيضاً عن يعقوب بن حميد عن أنس بن عياض عن سلمة بن وردان, عن مالك بن أوس بن الحدثان عن عمر بن الخطاب بنحوه.
(حديث آخر) قال الإمام أحمد: حدثنا أبو كامل حدثنا حماد بن سلمة عن ثابت بن سليمان مولى الحسن بن علي, عن عبد الله بن أبي طلحة عن أبيه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم جاء ذات يوم والسرور يرى في وجهه, فقالوا: يا رسول الله إِنا لنرى السرور في وجهك, فقال «إنه أتاني الملك فقال: يا محمد أما يرضيك أن ربك عز وجل يقول: إنه لا يصلي عليك أحد من أمتك إلا صليت عليه عشراً, ولا يسلم عليك أحد من أمتك إلا سلمت عليه عشراً, قلت: بلى» ورواه النسائي من حديث حماد بن سلمة به, وقد رواه إسماعيل القاضي عن إسماعيل بن أبي أويس عن أخيه عن سليمان بن بلال, عن عبيد الله بن عمر عن ثابت عن أنس عن أبي طلحة بنحوه.
(طريق أخرى) قال الإمام أحمد: حدثنا سريج, حدثنا أبو معشر عن إسحاق بن كعب بن عجرة, عن أبي طلحة الأنصاري قال: أصبح رسول الله صلى الله عليه وسلم يوماً طيب النفس يرى في وجهه البشر, قالوا: يا رسول الله أصبحت اليوم طيب النفس يرى في وجهك البشر, قال «أجل أتاني آت من ربي عز وجل فقال: من صلى عليك من أمتك صلاة, كتب الله له بها عشر حسنات ومحا عنه عشر سيئات, ورفع له عشر درجات, ورد عليه مثلها» وهذا أيضاً إسناد جيد, ولم يخرجوه.
(حديث آخر) روى مسلم وأبو داود والترمذي والنسائي من حديث إسماعيل بن جعفر عن العلاء بن عبد الرحمن عن أبيه, عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «من صلى علي واحدة صلى الله عليه بها عشراً» قال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح, وفي الباب عن عبد الرحمن بن عوف وعامر بن ربيعة وعمار وأبي طلحة وأنس وأبي بن كعب. وقال الإمام أحمد: حدثنا حسين بن محمد, حدثنا شريك عن ليث عن كعب عن أبي هريرة, عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «صلوا علي, فإنها زكاة لكم وسلوا الله لي الوسيلة فإِنها درجة في أعلى الجنة, ولا ينالها إلا رجل, وأرجو أن أكون أنا هو» تفرد به أحمد. وقد رواه البزار من طريق مجاهد عن أبي هريرة بنحوه, فقال: حدثنا محمد بن إِسحاق البكالي, حدثنا عثمان بن سعيد حدثنا داود بن علية عن ليث عن مجاهد عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «صلوا علي فإِنها زكاة لكم, وسلوا الله لي الدرجة الوسيلة من الجنة» فسألناه أو أخبرنا فقال «هي درجة في أعلى الجنة, وهي لرجل, وأرجو أن أكون ذلك الرجل» في إِسناده بعض من تكلم فيه.
(حديث آخر) قال الإمام أحمد: حدثنا يحيى بن إِسحاق, حدثناابن لهيعة عن عبد الرحمن بن مريح الخولاني, سمعت أبا قيس مولى عمرو بن العاص, سمعت عبد الله بن عمرو يقول: من صلى على رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاة صلى الله عليه وملائكته بها سبعين صلاة, فليقل عبد من ذلك أو ليكثر, وسمعت عبد الله بن عمرو يقول: خرج علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم يوماً كالمودع فقال «أنا محمد النبي الأمي ـ قاله ثلاث مرات ـ ولا نبي بعدي, أوتيت فواتح الكلام وخواتمه وجوامعه, وعلمت كم خزنة النار وحملة العرش وتجوز بي, عوفيت وعوفيت أمتي, فاسمعوا وأطيعوا ما دمت فيكم, فإذا ذهب بي فعليكم بكتاب الله, أحلوا حلاله وحرموا حرامه».
(حديث آخر) قال أبو داود الطيالسي: حدثنا أبو سلمة الخراساني, حدثنا أبو إسحاق عن أنس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «من ذكرت عنده فليصل علي, ومن صلى علي مرة واحدة صلى الله عليه عشراً» ورواه النسائي في اليوم والليلة من حديث أبي داود الطيالسي عن أبي سلمة وهو المغيرة بن مسلم الخراساني, عن أبي إِسحاق عمرو بن عبد الله السبيعي عن أنس به.
(حديث آخر) قال الإمام أحمد: حدثنا محمد بن فضيل, حدثنا يونس بن عمرو يعني يونس بن أبي إسحاق عن بريد بن أبي مريم عن أنس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «من صلى علي صلاة واحدة صلى الله عليه عشر صلوات, وحط عنه عشر خطيئات».
(حديث آخر) قال الإمام أحمد: حدثنا عبد الملك بن عمرو وأبو سعيد, قالا حدثنا سليمان بن بلال عن عمارة بن غزية عن عبد الله بن علي بن الحسين, عن أبيه علي بن الحسين عن أبيه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «البخيل من ذكرت عنده ثم لم يُصلّ علي» وقال أبو سعيد «فلم يصل علي» ورواه الترمذي من حديث سليمان بن بلال, ثم قال: هذا حديث حسن غريب صحيح, ومن الرواة من جعله من مسند الحسين بن علي, ومنهم من جعله من مسند علي نفسه.
(حديث آخر) قال إسماعيل القاضي: حدثنا حجاج بن منهال, حدثنا حماد بن سلمة عن معبد بن بلال العنزي, حدثنا رجل من أهل دمشق عن عوف بن مالك عن أبي ذر رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال «إِن أبخل الناس من ذكرت عنده فلم يصل علي».
(حديث آخر) مرسل. قال إِسماعيل: وحدثنا سليمان بن حرب, حدثنا جرير بن حازم, سمعت الحسن يقول قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «بحسب امرىء من البخل أن أذكر عنده فلا يصلي علي».
(حديث آخر) قال الترمذي: حدثنا أحمد بن إِبراهيم الدورقي, حدثنا ربعي بن إِبراهيم عن عبد الرحمن بن إِسحاق, عن سعيد بن أبي سعيد المقبري, عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «رغم أنف رجل ذكرت عنده فلم يصل علي, ورغم أنف رجل دخل عليه شهر رمضان ثم انسلخ قبل أن يغفر له, ورغم أنف رجل أدرك عنده أبواه الكبر فلم يدخلاه الجنة» ثم قال: حسن غريب.
قلت: وقد رواه البخاري في الأدب عن محمد بن عبيد الله: حدثنا ابن أبي حازم عن كثير بن زيد, عن الوليد بن رباح عن أبي هريرة مرفوعاً بنحوه, ورويناه من حديث محمد بن عمرو عن أبي سلمة عن أبي هريرة به. قال الترمذي: وفي الباب عن جابر وأنس. قلت: وابن عباس وكعب بن عجرة, وقد ذكرت طرق هذا الحديث في أول كتاب الصيام عند قوله: {إما يبلغن عندك الكبر أحدهما أو كلاهم} وهذا الحديث والذي قبله دليل على وجوب الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم كما ذكر, وهو مذهب طائفة من العلماء منهم الطحاوي والحليمي, ويتقوى بالحديث الاَخر الذي رواه ابن ماجه: حدثنا جبارة بن المغلس, حدثنا حماد بن زيد, حدثنا عمرو بن دينار عن جابر بن زيد عن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من نسي الصلاة علي أخطأ طريق الجنة» جبارة ضعيف, ولكن رواه إسماعيل القاضي من غير وجه عن أبي جعفر محمد بن علي الباقر قال: قال رسول الله «من نسي الصلاة علي أخطأ طريق الجنة» وهذا مرسل يتقوى بالذي قبله, والله علم.
وذهب آخرون إِلى أنه تجب الصلاة عليه في المجلس مرة واحدة, ثم لا تجب في بقية ذلك المجلس, بل تستحب, نقله الترمذي عن بعضهم, ويتأيد بالحديث الذي رواه الترمذي: حدثنا محمد بن بشار, حدثنا عبد الرحمن, حدثنا سفيان عن صالح مولى التوأمة عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «ما جلس قوم مجلساً لم يذكروا الله فيه, ولم يصلوا على نبيهم إِلا كان عليهم ترة يوم القيامة, فإن شاء عذبهم وإِن شاء غفر لهم» تفرد به الترمذي من هذا الوجه, ورواه الإمام أحمد عن حجاج ويزيد بن هارون كلاهما عن ابن أبي ذئب عن صالح مولى التوأمة, عن أبي هريرة مرفوعاً مثله, ثم قال الترمذي: هذا حديث حسن.
وقد روي عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم من غير وجه. وقد رواه إسماعيل القاضي من حديث شعبة عن سليمان عن ذكوان عن أبي سعيد قال «ما من قوم يقعدون ثم يقومون ولا يصلون على النبي صلى الله عليه وسلم إلا كان عليهم يوم القيامة حسرة وإن دخلوا الجنة لما يرون من الثواب». وحكي عن بعضهم أنه إنما تجب الصلاة عليه ـ عليه الصلاة والسلام ـ في العمر مرة واحدة امتثالاً لأمر الاَية. ثم هي مستحبة في كل حال, وهذا هو الذي نصره القاضي عياض بعدما حكى الإجماع على وجوب الصلاة عليه صلى الله عليه وسلم في الجملة. قال وقد حكى الطبراني أن محمل الاَية على الندب وادعى فيه الإجماع قال ولعله فيما زاد على المرة والواجب فيه مرة كالشهادة له بالنبوة, وما زاد على ذلك فمندوب ومرغب فيه من سنن الإسلام وشعار أهله. (قلت) وهذا قول غريب, فإنه قد ورد الأمر بالصلاة عليه في أوقات كثيرة, فمنها واجب ومنها مستحب على ما نبينه.
فمنه بعد النداء للصلاة للحديث الذي رواه الإمام أحمد: حدثنا أبو عبد الرحمن, حدثنا حيوة, حدثنا كعب بن علقمة أنه سمع عبد الرحمن بن جبير يقول: إنه سمع عبد الله بن عمرو بن العاص يقول: إنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «إذا سمعتم مؤذناً فقولوا مثلما يقول, ثم صلوا علي فإنه من صلى عليّ صلى الله عليه بها عشراً, ثم سلوا الله لي الوسيلة, فإنها منزلة في الجنة لا تنبغي إِلا لعبد من عباد الله, وأرجو أن أكون أنا هو, فمن سأل لي الوسيلة حلت عليه الشفاعة» وأخرجه مسلم وأبو داود والترمذي والنسائي من حديث كعب بن علقمة.
(طريق أخرى) قال إِسماعيل القاضي: حدثنا محمد بن أبي بكر, حدثنا عمرو بن علي بن أبي بكر الجشمي عن صفوان بن سليم عن عبد الله بن عمرو قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من سأل الله لي الوسيلة حقت عليه شفاعتي يوم القيامة».
(حديث آخر) قال إسماعيل القاضي, حدثنا سليمان بن حرب, حدثنا سعيد بن زيد عن ليث عن كعب الأحبار عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «صلوا علي فإِن صلاتكم علي زكاة لكم, وسلوا الله لي الوسيلة» قال: فإما حدثنا وإِما سألناه, قال «الوسيلة أعلى درجة في الجنة لا ينالها إلا رجل, وأرجو أن أكون أنا ذلك الرجل» ثم رواه عن محمد بن أبي بكر عن معتمر عن ليث وهو ابن أبي سليم به, وكذا الحديث الاَخر. قال الإمام أحمد: حدثنا حسن بن موسى, حدثنا ابن لهيعة, حدثنا بكر بن سوادة عن زياد بن نعيم عن وفاء الحضرمي عن رويفع بن ثابت الأنصاري أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «من صلى على محمد وقال اللهم أنزله المقعد المقرب عندك يوم القيامة وجبت له شفاعتي» وهذا إسناد لا بأس به ولم يخرجوه.
(أثر آخر) ـ قال إِسماعيل القاضي: حدثنا علي بن عبد الله, حدثنا سفيان, حدثني معمر عن ابن طاوس عن أبيه, سمعت ابن عباس يقول: اللهم تقبل شفاعة محمد الكبرى وارفع درجته العليا, وأعطه سؤله في الاَخرة والأولى, كما آتيت إبراهيم وموسى عليهما السلام. إِسناد جيد قوي صحيح.
ومن ذلك عند دخول المسجد والخروج منه للحديث الذي رواه الإمام أحمد: حدثنا إسماعيل بن إبراهيم, حدثنا ليث بن أبي سليم عن عبد الله بن الحسن عن أمه فاطمة بنت الحسين عن جدته فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا دخل المسجد صلى على محمد وسلم, ثم قال: «اللهم اغفر لي ذنوبي وافتح لي أبواب رحمتك, وإذا خرج صلى على محمد وسلم, ثم قال«اللهم اغفر لي ذنوبي وافتح لي أبواب فضلك».
وقال إِسماعيل القاضي: حدثنا يحيى بن عبد الحميد, حدثنا سفيان بن عمر التميمي عن سليمان الضبي عن علي بن الحسين قال: قال علي بن أبي طالب رضي الله عنه: إذا مررتم بالمساجد فصلوا على النبي صلى الله عليه وسلم. وأما الصلاة عليه صلى الله عليه وسلم في الصلاة, فقد قدمنا الكلام عليها في التشهد الأخير ومن ذهب إِلى ذلك من العلماء, منهم الشافعي رحمه الله وأكرمه, وأحمد, وأما التشهد الأول فلا يجب فيه قولاً واحداً وهل تستحب ؟ على قولين للشافعي, ومن ذلك الصلاة عليه صلى الله عليه وسلم في صلاة الجنازة, فإِن السنة أن يقرأ في التكبيرة الأولى فاتحة الكتاب, وفي الثانية يصلي على النبي صلى الله عليه وسلم, وفي الثالثة يدعو للميت, وفي الرابعة يقول اللهم لا تحرمنا أجره, ولا تفتنا بعده.
قال الشافعي رحمه الله: حدثنا مطرف بن مازن عن معمر عن الزهري أخبرني أبو أمامة بن سهل بن حنيف أنه أخبره رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم أن السنة في الصلاة على الجنازة أن يكبر الإمام, ثم يقرأ بفاتحة الكتاب بعد التكبيرة الأولى سراً في نفسه, ثم يصلي على النبي صلى الله عليه وسلم, ويخلص الدعاء للجنازة , وفي التكبيرات لا يقرأ في شيء منها, ثم يسلم سراً في نفسه. ورواه النسائي عن أبي أمامة نفسه أنه قال من السنة, فذكره, وهذا من الصحابي في حكم المرفوع على الصحيح. ورواه إسماعيل القاضي عن محمد بن المثنى عن عبد الأعلى عن معمر عن الزهري عن أبي أمامة بن سهل عن سعيد بن المسيب أنه قال: السنة في الصلاة على الجنازة, فذكره.
وهكذا روي عن أبي هريرة وابن عمر والشعبي, ومن ذلك في صلاة العيد قال إِسماعيل القاضي: حدثنا مسلم بن إِبراهيم, حدثنا هشام الدستوائي, حدثنا حماد بن أبي سليمان عن إِبراهيم عن علقمة أن ابن مسعود وأبا موسى وحذيفة, خرج عليهم الوليد بن عقبة يوماً قبل العيد فقال لهم: إِن هذا العيد قد دنا فكيف التكبير فيه ؟ قال عبد الله: تبدأ فتكبر تكبيرة تفتتح بها الصلاة وتحمد ربك, وتصلي على النبي صلى الله عليه وسلم ثم تدعو وتكبر وتفعل مثل ذلك, ثم تكبر وتفعل مثل ذلك, ثم تكبر وتفعل مثل ذلك, ثم تقرأ ثم تكبر وتركع, ثم تقوم فتقرأ وتحمد ربك وتصلي على النبي صلى الله عليه وسلم, ثم تدعو وتكبر وتفعل مثل ذلك ثم تركع, فقال حذيفة وأبو موسى: صدق أبو عبد الرحمن, إِسناد صحيح.
ومن ذلك أنه يستحب ختم الدعاء بالصلاة عليه صلى الله عليه وسلم قال الترمذي: حدثنا أبو داود, حدثنا النضر بن شميل عن أبي قرة الأسدي عن سعيد بن المسيب عن عمر بن الخطاب قال: الدعاء موقوف بين السماء والأرض لا يصعد منه شيء حتى تصلي على نبيك. وكذا رواه أيوب بن موسى عن سعيد بن المسيب عن عمر بن الخطاب. ورواه معاذ بن الحارث عن أبي قرة عن سعيد بن المسيب عن عمر مرفوعاً, وكذا رواه رزين بن معاوية في كتابه مرفوعاً عن النبي صلى الله عليه وسلم قال «الدعاء موقوف بين السماء والأرض لا يصعد حتى يصلى علي, فلا تجعلوني كغمر الراكب, صلوا علي أول الدعاء وآخره وأوسطه» وهذه الزيادة إنما تروى من رواية جابر بن عبد الله في مسند الإمام عبد بن حميد الكشي حيث قال: حدثنا جعفر بن عون, أخبرنا موسى بن عبيدة عن إِبراهيم بن محمد بن إِبراهيم عن أبيه قال: قال جابر: قال لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا تجعلوني كقدح الراكب إذا علق تعاليقه أخذ قدحه فملأه من الماء, فإذا كان له حاجة في الوضوء توضأ, وإِن كان له حاجة في الشرب شرب وإِلا أهرق ما فيه, اجعلوني في أول الدعاء وفي وسط الدعاء وفي آخر الدعاء» وهذا حديث غريب, وموسى بن عبيدة ضعيف الحديث.
ومن آكد ذلك دعاء القنوت لما رواه أحمد وأهل السنن وابن خزيمة وابن حبان والحاكم من حديث أبي الجوزاء عن الحسن بن علي رضي الله عنهما قال: علمني رسول الله صلى الله عليه وسلم كلمات أقولهن في الوتر: اللهم اهدني فيمن هديت, وعافني فيمن عافيت, وتولني فيمن توليت, وبارك لي فيما أعطيت, وقني شر ما قضيت, فإنك تقضي ولا يقضى عليك, وإِنه لا يذل من واليت, ولا يعز من عاديت, تباركت ربنا وتعاليت, وزاد النسائي في سننه بعد هذا وصلى الله على محمد.
ومن ذلك أنه يستحب الإكثار من الصلاة عليه يوم الجمعة وليلة الجمعة. قال الإمام أحمد: حدثنا حسين بن علي الجعفي عن عبد الرحمن بن يزيد بن جابر عن أبي الأشعث الصنعاني عن أوس الثقفي رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «من أفضل أيامكم يوم الجمعة, فيه خلق آدم وفيه قبض, وفيه النفخة, وفيه الصعقة, فأكثروا علي من الصلاة فيه, فإِن صلاتكم معروضة علي» قالوا: يا رسول الله, وكيف تعرض عليك صلاتنا وقد أرمت ؟ يعني وقد بليت, قال: «إِن الله حرم على الأرض أن تأكل أجساد الأنبياء» ورواه أبو داود والنسائي وابن ماجه من حديث حسين بن علي الجعفي, وقد صحح هذا الحديث ابن خزيمة وابن حبان والدارقطني والنووي في الأذكار.
(حديث آخر) قال أبو عبد الله بن ماجه: حدثنا عمرو بن سواد المصري, حدثنا عبد الله بن وهب عن عمرو بن الحارث عن سعيد بن أبي هلال, عن زيد بن أيمن عن عبادة بن نسي, عن أبي الدرداء قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أكثروا الصلاة علي يوم الجمعة, فإنه مشهود تشهده الملائكة, وإِن أَحداً لا يصلي علي فيه إِلا عرضت علي صلاته حتى يفرغ منها» قال: قلت وبعد الموت ؟ «قال إِن الله حرم على الأرض أن تأكل أجساد الأنبياء فنبي الله حي يرزق» هذا حديث غريب من هذا الوجه وفيه انقطاع بين عبادة بن نسي وأبي الدرداء فإنه لم يدركه, والله أعلم.
وقد روى البيهقي من حديث أبي أمامة وابن مسعود عن النبي صلى الله عليه وسلم في الأمر بالإكثار من الصلاة عليه ليلة الجمعة ويوم الجمعة, ولكن في إِسنادهما ضعف, والله أعلم. وروي مرسلاً عن الحسن البصري يقول: قال إِسماعيل القاضي: حدثنا سليمان بن حرب, حدثنا جرير بن حازم, سمعت الحسن البصري فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا تأكل الأرض جسد من كلمه روح القدس» مرسل حسن, وقال القاضي وقال الشافعي: أخبرنا إِبراهيم بن محمد, أخبرنا صفوان بن سليم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال «إذا كان يوم الجمعة وليلة الجمعة, فأكثروا الصلاة علي» هذا مرسل, وهكذا يجب على الخطيب أن يصلي على النبي صلى الله عليه وسلم يوم الجمعة على المنبر في الخطبتين, ولا تصح الخطبتان إلا بذلك لأنها عبادة, وذكر الله شرط فيها فوجب ذكر الرسول صلى الله عليه وسلم فيها كالأذان والصلاة, هذا مذهب الشافعي وأحمد رحمهما الله.
ومن ذلك أنه يستحب الصلاة والسلام عليه عند زيارة قبره صلى الله عليه وسلم. قال أبو داود: حدثنا ابن عوف هو محمد حدثنا المقري, حدثنا حيوة عن أبي صخر حميد بن زياد عن يزيد بن عبد الله بن قسيط عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «مامنكم من أحد يسلم علي إِلا رد الله علي روحي حتى أرد عليه السلام» تفرد به أبو داود وصححه النووي في الأذكار: ثم قال أبو داود: حدثنا أحمد بن صالح قال: قرأت على عبد الله بن نافع, أخبرني ابن أبي ذئب عن سعيد المقبري عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا تجعلوا بيوتكم قبوراً, ولا تجعلوا قبري عيداً, وصلوا علي, فإن صلاتكم تبلغني حيثما كنتم» تفرد به أبو داود أيضاً. وقد رواه الإمام أحمد عن سريج عن عبد الله بن نافع وهو الصائغ به, وصححه النووي أيضاً.
وقد روي من وجه آخر متصلاً قال القاضي إِسماعيل بن إِسحاق في كتابه فضل الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم: حدثنا إسماعيل بن أبي أويس, حدثنا جعفر بن إِبراهيم بن محمد بن علي بن عبد الله بن جعفر بن أبي طالب عمن أخبره من أهل بيته, عن علي بن الحسين بن علي أن رجلاً كان يأتي كل غداة فيزور قبر النبي صلى الله عليه وسلم ويصلي عليه ويصنع من ذلك ما اشتهر عليه علي بن الحسين, فقال له علي بن الحسين: ما يحملك على هذا ؟ قال: أحب السلام على النبي صلى الله عليه وسلم فقال له علي بن الحسين: هل لك أن أحدثك حديثاً عن أبي ؟ قال: نعم: قال له علي بن الحسين: أخبرني أبي عن جدي أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لاتجعلوا قبري عيداً, ولا تجعلوا بيوتكم قبوراً وصلوا علي وسلموا حيثماكنتم, فتبلغني صلاتكم وسلامكم» في إسناده رجل مبهم لم يسم, وقد روي من وجه آخر مرسلاً قال عبد الرزاق في مصنفه عن الثوري عن ابن عجلان عن رجل يقال له سهيل, عن الحسن بن الحسن بن علي قال: رأى قوماً عند القبر فنهاهم وقال: إِن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «لا تتخذوا قبري عيداً, ولا تتخذوا بيوتكم قبوراً, وصلوا علي حيثما كنتم, فإن صلاتكم تبلغني» فلعله رآهم يسيئون الأدب برفع أصواتهم فوق الحاجة فنهاهم. وقد روي أنه رأى رجلاً ينتاب القبر فقال: يا هذا ما أنت ورجل بالأندلس منه إلا سواء, أي الجميع يبلغه صلوات الله وسلامه عليه دائماً إلى يوم الدين.
وقال الطبراني في معجمه الكبير: حدثنا أحمد بن رشدين المصري, حدثنا سعيد بن أبي مريم, حدثنا محمد بن جعفر, أخبرني حميد بن أبي زينب عن حسن بن حسن بن علي بن أبي طالب رضي الله عنهم عن أبيه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «صلوا علي حيثما كنتم, فإن صلاتكم تبلغني» ثم قال الطبراني: حدثنا العباس بن حمدان الأصبهاني, حدثنا شعيب بن عبد الحميد الطحان, أخبرنا يزيد بن هارون بن أبي شيبان عن الحكم بن عبد الله بن خطاب عن أم أنيس بنت الحسن بن علي عن أبيها قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «أرأيت قول الله عز وجل {إِن الله وملائكته يصلون على النبي} ـ فقال ـ «إن هذا من المكتوم, ولولا أنكم سألتموني عنه ما أخبرتكم, إِن الله عز وجل وكل بي ملكين لا أذكر عند عبد مسلم فيصلي علي إِلا قال ذانك الملكان غفر الله لك, وقال الله وملائكته جواباً لذينك الملكين: آمين, ولا يصلي علي أحد إِلا قال ذانك الملكان: غفر الله لك, ويقول الله وملائكته جواباً لذينك الملكين: آمين» غريب جداً, وإِسناده به ضعف شديد.
وقد قال الإمام أحمد: حدثنا وكيع عن سفيان عن عبد الله بن السائب, عن زاذان عن عبد الله بن مسعود أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال «إِن لله ملائكة سياحين في الأرض يبلغوني عن أمتي السلام» وهكذا رواه النسائي من حديث سفيان الثوري وسليمان بن مهران الأعمش كلاهما عن عبد الله بن السائب به. فأما الحديث الاَخر «من صلى علي عند قبري سمعته, ومن صلى علي من بعيد بلغته» ففي إِسناده نظر تفرد به محمد بن مروان السدي الصغير وهو متروك عن الأعمش عن أبي صالح عن أبي هريرة مرفوعاً. قال أصحابنا: ويستحب للمحرم إِذا لبى وفرغ من تلبيته أن يصلي على النبي صلى الله عليه وسلم لما رواه الشافعي والدارقطني من رواية صالح بن محمد بن زائدة عن القاسم بن محمد بن أبي بكر الصديق قال: كان يؤمر الرجل إِذا فرغ من تلبيته أن يصلي على النبي صلى الله عليه وسلم على كل حال, وقال إسماعيل القاضي: حدثنا عارم بن الفضل حدثنا عبد الله بن المبارك, حدثنا زكريا عن الشعبي عن وهب بن الأجدع قال: سمعت عمر بن الخطاب رضي الله عنه يقول: إِذا قدمتم فطوفوا بالبيت سبعاً وصلوا عند المقام ركعتين, ثم ائتوا الصفا فقوموا عليه من حيث ترون البيت فكبروا سبع مرات تكبيراً بين حمد الله وثناء عليه وصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم ومسألة لنفسك, وعلى المروة مثل ذلك, إسناد جيد حسن قوي, قالوا: ويستحب الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم مع ذكر الله عند الذبح, واستأنسوا بقوله تعالى: {ورفعنا لك ذكرك} قال بعض المفسرين: يقول الله تعالى: لا أذكر إلا ذكرت معي, وخالفهم في ذلك الجمهور وقالوا: هذا موطن يفرد فيه ذكر الله تعالى كما عند الأكل والدخول والوقاع وغير ذلك مما لم ترد فيه السنة بالصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم.
(حديث آخر) قال إِسماعيل القاضي: حدثنا محمد بن أبي بكر المقدمي, حدثنا عمرو بن هارون عن موسى بن عبيدة عن محمد بن ثابت, عن أبي هريرة, أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «صلوا على أنبياء الله ورسله فإن الله بعثهم كما بعثني», في إسناده ضعيفان, وهما عمرو بن هارون وشيخه, والله أعلم. وقد رواه عبد الرزاق عن الثوري عن موسى بن عبيدة الربذي به, ومن ذلك أنه يستحب الصلاة عليه عند طنين الأذن إِن صح الخبر في ذلك على أن الإمام أبا بكر محمد بن إِسحاق بن خزيمة قد رواه في صحيحه فقال: حدثنا زياد بن يحيى, حدثنا معمر بن محمد بن عبيد الله عن علي بن أبي رافع عن أبيه عن أبي رافع قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إذا طنت أذن أحدكم فليذكرني وليصل علي وليقل ذكر الله من ذكرني بخير», إِسناده غريب, وفي ثبوته نظر, والله علم.
(مسألة) وقد استحب أهل الكتابة أن يكرر الكاتب الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم كلما كتبه, وقد ورد في الحديث من طريق كادح بن رحمة عن نهشل عن الضحاك, عن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من صلى علي في كتاب لم تزل الصلاة جارية له ما دام اسمي في ذلك الكتاب» وليس هذا الحديث بصحيح من وجوه كثيرة وقد روي من حديث أبي هريرة ولا يصح أيضاً, قال الحافظ أبو عبد الله الذهبي شيخنا أحسبه موضوعاً, وقد روي نحوه عن أبي بكر وابن عباس ولا يصح من ذلك شيء والله أعلم. وقد ذكر الخطيب البغدادي في كتابه(الجامع لاَداب الراوي والسامع) قال: رأيت بخط الإمام أحمد بن حنبل رحمه الله كثيراً ما يكتب اسم النبي صلى الله عليه وسلم من غير ذكر الصلاة عليه كتابة قال: وبلغني أنه كان يصلي عليه لفظاً.
(فصل) وأما الصلاة على غير الأنبياء فإن كانت على سبيل التبعية كما تقدم في الحديث اللهم صل على محمد وآله وأزواجه وذريته, فهذا جائز بالإجماع وإنما وقع النزاع فيما إذا أفرد غير الأنبياء بالصلاة عليهم فقال قائلون: يجوز ذلك, واحتجوا بقول الله تعالى: {هو الذي يصلي عليكم وملائكته}, وبقوله: {أولئك عليهم صلوات من ربهم ورحمة}, وبقوله: {خذ من أموالهم صدقة تطهرهم وتزكيهم بها وصل عليهم} الاَية, وبحديث عبد الله بن أبي أوفى قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أتاه قوم بصدقتهم قال «اللهم صل عليهم» فأتاه أبي بصدقته فقال «اللهم صل على آل أبي أوفى» أخرجاه في الصحيحين, وبحديث جابر أن امرأته قالت يا رسول الله صل علي وعلى زوجي, فقال«صلى الله عليك وعلى زوجك» قال الجمهور من العلماء لا يجوز إِفراد غير الأنبياء بالصلاة لأن هذا قد صار شعاراً للأنبياء إذ ذكروا, فلا يلحق بهم غيرهم فلا يقال: قال أبو بكر صلى الله عليه أو قال علي صلى الله عليه, وإِن كان المعنى صحيحاً, كما لا يقال: قال محمد عز وجل, وإِن كان عزيزاً جليلاً لأن هذا من شعار ذكر الله عز وجل وحملوا ما ورد في ذلك من الكتاب والسنة على الدعاء لهم, ولهذا لم يثبت شعاراً لاَل أبي أوفى ولا لجابر وامرأته, وهذا مسلك حسن.
وقال آخرون: لا يجوز ذلك لأن الصلاة على غير الأنبياء قد صارت من شعار أهل الأهواء, يصلون على من يعتقدون فيهم, فلا يقتدى بهم في ذلك والله أعلم, ثم اختلف المانعون من ذلك: هل هو من باب التحريم أو الكراهة التنزيهية أو خلاف الأولى ؟ على ثلاثة أقوال, حكاه الشيخ أبوزكريا النووي في كتاب الأذكار. ثم قال: والصحيح الذي عليه الأكثرون أنه مكروه كراهة تنزيه لأنه شعار أهل البدع وقد نهينا عن شعارهم, والمكروه هو ما ورد فيه نهي مقصود. قال أصحابنا والمعتمد في ذلك أن الصلاة صارت مخصوصة في لسان السلف بالأنبياء, كما أن قولنا عز وجل مخصوص بالله تعالى فكما لا يقال محمد عز وجل وإِن كان عزيزاً جليلاً لا يقال أبو بكر أو علي صلى الله عليه, هذا لفظ بحروفه, قال: وأما السلام ؟ فقال الشيخ أبو محمد الجويني من أصحابنا: هو في معنى الصلاة فلا يستعمل في الغائب ولا يفرد به غير الأنبياء فلا يقال علي عليه السلام وسواء في هذا الأحياء والأموات, وأما الحاضر فيخاطب به فيقال: سلام عليك, وسلام عليكم أو السلام عليك أو عليكم, وهذا مجمع عليه انتهى ما ذكره (قلت) وقد غلب هذا في عبارة كثير من النساخ للكتب أن ينفرد علي رضي الله عنه بأن يقال عليه السلام من دون سائر الصحابة أو كرم الله وجهه, وهذا وإِن كان معناه صحيحاً, لكن ينبغي أن يسوى بين الصحابة في ذلك فإِن هذا من باب التعظيم والتكريم, فالشيخان وأمير المؤمنين عثمان أولى بذلك منه رضي الله عنهم أجمعين.
قال إِسماعيل القاضي حدثنا عبد الله بن عبد الوهاب بن زياد حدثني عثمان بن حكيم بن عبادة بن حنيف عن عكرمة عن ابن عباس أنه قال: لا تصح الصلاة على أحد إِلا على النبي صلى الله عليه وسلم ولكن يدعى للمسلمين والمسلمات بالمغفرة, وقال أيضاً حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة حدثنا حسين بن علي عن جعفر بن برقان قال كتب عمر بن عبد العزبز رحمه الله: أما بعد فإِن ناساً من الناس قد التمسوا الدنيا بعمل الاَخرة, وإِن ناساً من القصاص قد أحدثوا في الصلاة على خلفائهم وأمرائهم عدل الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم فإِذا جاءك كتابي هذا فمرهم أن تكون صلاتهم على النبيين ودعاؤهم للمسلمين عامة ويدعوا ما سوى ذلك. أثر حسن.
قال إِسماعيل القاضي حدثنا معاذ بن أسد حدثنا عبد الله بن المبارك أخبرنا ابن لهيعة حدثني خالد بن يزيد عن سعيد بن أبي هلال عن نبيه بن وهب أن كعباً دخل على عائشة رضي الله عنها فذكروا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال كعب: ما من فجر يطلع إِلا نزل سبعون ألفاً من الملائكة حتى يحفون بالقبر يضربون بأجنحتهم ويصلون على النبي صلى الله عليه وسلم سبعون ألفاً بالليل وسبعون ألفاً بالنهار حتى إذا انشقت عنه الأرض خرج في سبعين ألفاً من الملائكة يزفونه.
(فرع) قال النووي إذا صلى على النبي صلى الله عليه وسلم فليجمع بين الصلاة والتسليم فلا يقتصر على أحدهما فلا يقول: صلى الله عليه فقط ولا عليه السلام فقط, وهذا الذي قاله منتزع من هذه الاَية الكريمة وهي قوله: {يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليم} فالأولى أن يقال صلى الله عليه وسلم تسليماً.
** إِنّ الّذِينَ يُؤْذُونَ اللّهَ وَرَسُولَهُ لَعَنَهُمُ اللّهُ فِي الدّنْيَا وَالاَخِرَةِ وَأَعَدّ لَهُمْ عَذَاباً مّهِيناً * وَالّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُواْ فَقَدِ احْتَمَلُواْ بُهْتَاناً وَإِثْماً مّبِيناً
يقول تعالى متهدداً ومتوعداً من آذاه بمخالفة أوامره وارتكاب زواجره وإِصراره على ذلك وإِيذاء رسوله بعيب أو بنقص ـ عياذاً بالله من ذلك ـ قال عكرمة في قوله تعالى: {إن الذين يؤذون الله ورسوله} نزلت في المصورين . وفي الصحيحين من حديث سفيان بن عيينة عن الزهري عن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «يقول الله عز وجل: يؤذيني ابن آدم, يسب الدهر وأنا الدهر أقلب ليله ونهاره» ومعنى هذا أن الجاهلية كانوا يقولون يا خيبة الدهر فعل بنا كذا وكذا فيسندون أفعال الله وتعالى إلى الدهر ويسبونه وإنما الفاعل لذلك هو الله عز وجل فنهى عن ذلك. هكذا قرره الشافعي وأبو عبيدة وغيرهما من العلماء رحمهم الله.
وقال العوفي عن ابن عباس في قوله تعالى: {إن الذين يؤذون الله ورسوله} نزلت في الذين طعنوا على النبي صلى الله عليه وسلم في تزويجه صفية بنت حيي بن أخطب. والظاهر أن الاَية عامة في كل من آذاه بشيء ومن آذاه فقدآذى الله كما أن من أطاعه فقد أطاع الله كما قال الإمام أحمد حدثنا يونس حدثنا إبراهيم بن سعد عن عبيدة بن أبي رائطة الحذاء التميمي عن عبد الرحمن بن زياد عن عبد الله بن المغفل المزني قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «الله الله في أصحابي لا تتخذوهم غرضاً بعدي فمن أحبهم فبحبي أحبهم, ومن أبغضهم فببغضي أبغضهم, ومن آذاهم فقد آذاني ومن آذاني فقد آذى الله, ومن آذى الله يوشك أن يأخذه وقد رواه الترمذي من حديث عبيدة بن أبي رائطة عن عبد الرحمن بن زياد عن عبد الله بن المغفل به, ثم قال وهذا حديث غريب لا نعرفه إلا من هذا الوجه.
وقوله تعالى: {والذين يؤذون المؤمنين والمؤمنات بغير ما اكتسبو} أي ينسبون إليهم ما هم برآء منه لم يعملوه ولم يفعلوه {فقد احتملوا بهتاناً وإثماً مبين} وهذا هو البهت الكبير أن يحكى أو ينقل عن المؤمنين والمؤمنات ما لم يفعلوه على سبيل العيب والتنقص لهم, ومن أكثر من يدخل في هذا الوعيد الكفرة بالله ورسوله ثم الرافضة الذين يتنقصون الصحابة ويعيبونهم بما قد برأهم الله منه ويصفونهم بنقيض ما أخبر الله عنهم فإن الله عز وجل قد أخبر أنه قد رضي عن المهاجرين والأنصار ومدحهم وهؤلاء الجهلة الأغبياء يسبونهم وينتقصونهم ويذكرون عنهم ما لم يكن ولا فعلوه أبداً فهم في الحقيقة منكسو القلوب يذمون الممدوحين ويمدحون المذمومين.
وقال أبو داود حدثنا القعنبي حدثنا عبد العزيز يعني ابن محمد عن العلاء عن أبيه عن أبي هريرة أنه قيل يا رسول الله ما الغيبة ؟ قال: «ذكرك أخاك بما يكره» قيل أفرأيت إن كان في أخي ما أقول ؟ قال: «إن كان فيه ما تقول فقد اغتبته, وإن لم يكن فيه ما تقول فقد بهته» وهكذا رواه الترمذي عن قتيبة عن الدراوردي به ثم قال حسن صحيح, وقد قال ابن أبي حاتم حدثنا أحمد بن سلمة حدثنا أبو كريب حدثنا معاوية بن هشام عن عمار بن أنس عن ابن أبي مليكة عن عائشة قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأصحابه «أي الربا أربى عند الله ؟» قالوا الله ورسوله أعلم قال «أربى الربا عند الله استحلال عرض امرىء مسلم» ثم قرأ {والذين يؤذون المؤمنين والمؤمنات بغير ما اكتسبوا فقد احتملوا بهتاناً وإثماً مبين}.
** يَأَيّهَا النّبِيّ قُل لأزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَآءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنّ مِن جَلاَبِيبِهِنّ ذَلِكَ أَدْنَىَ أَن يُعْرَفْنَ فَلاَ يُؤْذَيْنَ وَكَانَ اللّهُ غَفُوراً رّحِيماً * لّئِن لّمْ يَنتَهِ الْمُنَافِقُونَ وَالّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مّرَضٌ وَالْمُرْجِفُونَ فِي الْمَدِينَةِ لَنُغْرِيَنّكَ بِهِمْ ثُمّ لاَ يُجَاوِرُونَكَ فِيهَآ إِلاّ قَلِيلاً * مّلْعُونِينَ أَيْنَمَا ثُقِفُوَاْ أُخِذُواْ وَقُتّلُواْ تَقْتِيلاً * سُنّةَ اللّهِ فِي الّذِينَ خَلَوْاْ مِن قَبْلُ وَلَن تَجِدَ لِسُنّةِ اللّهِ تَبْدِيلاً
يقول تعالى آمراً رسوله صلى الله عليه وسلم تسليماً أن يأمر النساء المؤمنات ـ خاصة أزواجه وبناته لشرفهن ـ بأن يدنين عليهن من جلابيبهن ليتميزن عن سمات نساء الجاهلية وسمات الإماء, والجلباب هو الرداء فوق الخمار, قاله ابن مسعود وعبيدة وقتادة والحسن البصري وسعيد بن جبير وإبراهيم النخعي وعطاء الخراساني وغير واحد وهو بمنزلة الإزار اليوم. قال الجوهري: الجلباب الملحفة, قالت امرأة من هذيل ترثي قتيلاً لها:
تمشي النسور إليه وهي لاهيةمشي العذارى عليهن الجلابيب
قال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس أمر الله نساء المؤمنين إذا خرجن من بيوتهن في حاجة أن يغطين وجوههن من فوق رؤوسهن بالجلابيب ويبدين عيناً واحدة, وقال محمد بن سيرين سألت عبيدة السلماني عن قول الله عز وجل: {يدنين عليهن من جلابيبهن} فغطى وجهه ورأسه وأبرز عينه اليسرى وقال عكرمة تغطي ثغرة نحرها بجلبابها تدنيه عليها. وقال ابن أبي حاتم حدثنا أبو عبد الله الطهراني فيما كتب إليّ حدثنا عبد الرزاق أخبرنا معمر عن ابن خيثم عن صفية بنت شيبة عن أم سلمة قالت لما نزلت هذه الاَية {يدنين عليهن من جلابيبهن} خرج نساء الأنصار كأن على رؤوسهن الغربان من السكينة وعليهن أكسية سود يلبسنها.
وقال ابن أبي حاتم حدثنا أبي حدثنا أبو صالح حدثنا الليث حدثنا يونس بن يزيد قال وسألناه يعني الزهري هل على الوليدة خمار متزوجة أو غير متزوجة ؟ قال عليها الخمار إن كانت متزوجة وتنهى عن الجلباب لأنه يكره لهن أن يتشبهن بالحرائر المحصنات وقد قال الله تعالى: {يا أيها النبي قل لأزواجك وبناتك ونساء المؤمنين يدنين عليهن من جلابيبهن}, وروي عن سفيان الثوري أنه قال: لا بأس بالنظر إلى زينة نساء أهل الذمة وإنما نهى عن ذلك لخوف الفتنة لا لحرمتهن واستدل بقوله تعالى: {ونساء المؤمنين} وقوله: {ذلك أدنى أن يعرفن فلا يؤذين} أي إذا فعلن ذلك عرفن أنهن حرائر, لسن بإماء ولا عواهر. قال السدي في قوله تعالى: {يا أيها النبي قل لأزواجك وبناتك ونساء المؤمنين يدنين عليهن من جلابيبهن ذلك أدنى أن يعرفن فلا يؤذين} قال كان ناس من فساق أهل المدينة يخرجون بالليل حين يختلظ الظلام إلى طرق المدينة يتعرضون للنساء وكانت مساكن أهل المدينة ضيقة فإذا كان الليل خرج النساء إلى الطرق يقضين حاجتهن فكان أولئك الفساق يبتغون ذلك منهن, فإذا رأوا المرأة عليها جلباب قالوا هذه حرة فكفوا عنها, وإذا رأوا المرأة ليس عليها جلباب قالوا هذه أمة فوثبوا عليها, وقال مجاهد يتجلببن فيعلم أنهن حرائر فلا يتعرض لهن فاسق بأذى ولا ريبة.
وقوله تعالى: {وكان الله غقوراً رحيم} أي لما سلف في أيام الجاهلية حيث لم يكن عندهن علم بذلك, ثم قال تعالى متوعداً للمنافقين وهم الذين يظهرون الإيمان ويبطنون الكفر {والذين في قلوبهم مرض} قال عكرمة وغيره هم الزناة ههنا {والمرجفون في المدنية} يعني الذين يقولون جاء الأعداء وجاءت الحروب وهو كذب وافتراء لئن لم ينتهوا عن ذلك ويرجعوا إلى الحق {لنغرينك بهم} قال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس أي لنسلطنك عليهم. وقال قتادة لنحرشنك بهم, وقال السدي لنعلمنك بهم {ثم لا يجاورونك فيه} أي في المدينة {إلا قليلاً * ملعونين} حال منهم في مدة إقامتهم في المدينة مدة قريبة مطرودين مبعدين {أينما ثقفو} أي وجدوا {أخذو} لذلتهم وقلتهم {وقتلوا تقتيل} ثم قال تعالى: {سنة الله في الذين خلوا من قبل} أي هذه سنته في المنافقين إذا تمردوا على نفاقهم وكفرهم ولم يرجعوا عما هم فيه أن أهل الإيمان يسلطون عليهم ويقهرونهم {ولن تجد لسنة الله تبديل} أي وسنة الله في ذلك لا تبدل ولا تغير.
الصفحة رقم 426 من المصحف تحميل و استماع mp3