تفسير الطبري تفسير الصفحة 426 من المصحف

 تفسير الطبري - صفحة القرآن رقم 426
427
425
 الآية : 55
القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {لاّ جُنَاحَ عَلَيْهِنّ فِيَ آبَآئِهِنّ وَلاَ أَبْنَآئِهِنّ وَلاَ إِخْوَانِهِنّ وَلاَ أَبْنَآءِ إِخْوَانِهِنّ وَلاَ أَبْنَآءِ أَخَوَاتِهِنّ وَلاَ نِسَآئِهِنّ وَلاَ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنّ وَاتّقِينَ اللّهَ إِنّ اللّهَ كَانَ عَلَىَ كُلّ شَيْءٍ شَهِيداً }.
يقول تعالـى ذكره: لا حرج علـى أزواج رسول الله صلى الله عليه وسلم فـي آبـائهنّ ولا إثم.
ثم اختلف أهل التأويـل فـي الـمعنى الذي وضع عنهنّ الـجناح فـي هؤلاء, فقال بعضهم: وضع عنهنّ الـجناح فـي وضع جلابـيبهنّ عندهم. ذكر من قال ذلك:
21833ـ حدثنا ابن حميد, قال: حدثنا حكام, عن عنبسة, عن ابن أبـي لـيـلـى, عن عبد الكريـم, عن مـجاهد, فـي قوله: لا جُناحَ عَلَـيْهِنّ فِـي آبـائهنّ... الاَية كلها, قال: أن تضع الـجلبـاب.
21834ـ حدثنـي مـحمد بن عمرو, قال: حدثنا أبو عاصم, قال: حدثنا عيسى وحدثنـي الـحارث, قال: حدثنا الـحسن, قال: حدثنا ورقاء, جميعا عن ابن أبـي نـجيح, عن مـجاهد, فـي قول الله: لا جُناحَ عَلَـيْهِنّ فـي آبـائهن ومن ذكر معه أن يروهنّ.
وقال آخرون: وضع عنهنّ الـجناح فـيهنّ فـي ترك الاحتـجاب.
21835ـ حدثنا بشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد عن قتادة, فـي قوله لا جُناحَ عَلَـيْهنّ... إلـى شَهِيدا: فرخص لهؤلاء أن لا يحتـجبن منهم.
وأولـى القولـين فـي ذلك بـالصواب قول من قال: ذلك وضع الـجناح عنهنّ فـي هؤلاء الـمسلـمين أن لا يحتـجبن منهم, وذلك أن هذه الاَية عقـيب آية الـحجاب, وبعد قول الله: وَإذَا سألْتُـمُوهُنّ مَتاعا فـاسأَلُوهُنّ مِنْ وَرَاءِ حِجابٍ فلا يكون قوله: لا جُناحَ عَلَـيْهِنّ فِـي آبـائهِنّ استثناء من جملة الذين أمروا بسؤالهنّ الـمتاع من وراء الـحجاب إذا سألوهنّ ذلك أولـى وأشبه من أن يكون خبر مبتدإ عن غير ذلك الـمعنى.
فتأويـل الكلام إذن: لا إثم علـى نساء النبـيّ صلى الله عليه وسلم, وأمّهات الـمؤمنـين فـي إذنهنّ لاَبـائهنّ, وترك الـحجاب منهنّ, ولا لأبنائهنّ ولا لإخوانهنّ, ولا لأبناء إخوانهنّ. وعُنـي بإخوانهنّ وأبناء إخوانهنّ إخوتهنّ وأبناء إخوتهنّ. وخرج معهم جمع ذلك مخرج جمع فتـى إذا جمع فتـيان, فكذلك جمع أخ إذا جمع إخوان. وأما إذا جمع إخوة, فذلك نظير جمع فتـى إذا جمع فتـية, ولا أبناء إخوانهنّ, ولـم يذكر فـي ذلك العمّ علـى ما قال الشعبـي حذرا من أن يصفهنّ لأبنائه.
21836ـ حدثنا مـحمد بن الـمثنى, قال: حدثنا حجاج بن الـمنهال, قال: حدثنا حماد, عن داود, عن الشعبـي وعكرِمة فـي قوله: لا جُناحَ عَلَـيْهِنّ فِـي آبـائهِنّ وَلا أبْنائهِنّ وَلا إخْوَانِهِنّ وَلا أبْناءِ إخْوَانِهِنّ وَلا أبْناءِ أخَوَاتِهِنّ وَلا نِسائهِنّ وَلا ما مَلَكَتْ أيـمَانُهُنّ قلت: ما شأن العم والـخال لـم يذكرا؟ قال: لأنهما ينعتانها لأبنائهما, وكرها أن تضع خمارها عند خالها وعمها.
حدثنا ابن الـمثنى,, قال: حدثنا أبو الولـيد, قال: حدثنا حماد, عن داود, عن عكرمة والشعبـيّ نـحوه, غير أنه لـم يذكر ينعتانها.
وقوله: وَلا نسائهِنّ يقول: ولا جناح علـيهنّ أيضا فـي أن لا يحتـجبن من نساء الـمؤمنـين, كما:
21837ـ حدثنـي يونس, قال: أخبرنا ابن وهب, قال: قال ابن زيد, فـي قوله: وَلا نِسائهِنّ. قال: نساء الـمؤمنات الـحرائر لـيس علـيهنّ جناح أن يرين تلك الزينة, قال: وإنـما هذا كله فـي الزينة, قال: ولا يجوز للـمرأة أن تنظر إلـى شيء من عورة الـمرأة, قال: ولو نظر الرجل إلـى فخذ الرجل لـم أر به بأسا, قال: وَلا ما مَلَكَتْ أيـمَانُهُنّ فلـيس ينبغي لها أن تكشف قرطها للرجل, قال: وأما الكحل والـخاتـم والـخضاب, فلا بأس به, قال: والزوج له فضل, والاَبـاء من وراء الرجل لهم فضل. قال: والاَخرون يتفـاضلون, قال: وهذا كله يجمعه ما ظهر من الزينة, قال: وكان أزواج النبـيّ صلى الله عليه وسلم لا يحتـجبن من الـمـمالـيك.
وقوله: وَلا ما مَلَكَتْ أيـمَانُهُنّ من الرجال والنساء. وقال آخرون: من النساء. وقوله: وَاتّقِـينَ اللّهِ يقول: وخَفن الله أيها النساء أن تتعدّين ما حدّ الله لكن, فتبدين من زينتكنّ ما لـيس لكنّ أن تبدينه, أو تتركن الـحجاب الذي أمركنّ الله بلزومه, إلا فـيـما أبـاح لكن تركه, والزمْنَ طاعته إنّ اللّهَ عَلـى كُلّ شَيْءٍ شَهِيدا يقول تعالـى ذكره: إن الله شاهد علـى ما تفعلنه من احتـجابكنّ, وترككنّ الـحجاب لـمن أبحت لكن ترك ذلك له, وغير ذلك من أموركنّ يقول: فـاتقـين الله فـي أنفسكنّ لا تلقـين الله, وهو شاهد علـيكم بـمعصيته, وخلاف أمره ونهيه, فتهلكن, فإنه شاهد علـى كلّ شيء.
الآية : 56
القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {إِنّ اللّهَ وَمَلاَئِكَـتَهُ يُصَلّونَ عَلَى النّبِيّ يَأَيّهَا الّذِينَ آمَنُواْ صَلّواْ عَلَيْهِ وَسَلّمُواْ تَسْلِيماً }.
يقول تعالـى ذكره: إن الله وملائكته يبرّكون علـى النبـيّ مـحمد صلى الله عليه وسلم, كما:
21838ـ حدثنـي علـيّ, قال: حدثنا أبو صالـح, قال: ثنـي معاوية, عن علـيّ, عن ابن عبـاس, قوله: إنّ اللّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلّونَ علـى النّبِـيّ يا أيّها الّذِينَ آمَنُوا صَلّوا عَلَـيْهِ يقول: يبـاركون علـى النبـيّ.
وقد يحتـمل أن يقال: إن معنى ذلك: أن الله يرحم النبـيّ, وتدعو له ملائكته ويستغفرون, وذلك أن الصلاة فـي كلام العرب من غير الله إنـما هو دعاء. وقد بـيّنا ذلك فـيـما مضى من كتابنا هذا بشواهده, فأغنى ذلك عن إعادته.
يا أيّها الّذِينَ آمَنُوا صَلّوا عَلَـيْهِ يقول تعالـى ذكره: يا أيها الذين آمنوا ادعوا لنبـيّ الله مـحمد صلى الله عليه وسلم وَسَلّـمُوا عَلَـيْهِ تَسْلِـيـما يقول: وحيوه تـحية الإسلام. وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك جاءت الاَثار عن رسول الله صلى الله عليه وسلم. ذكر من قال ذلك:
21839ـ حدثنا ابن حميد, قال: حدثنا هارون, عن عنبسة, عن عثمان بن موهب, عن موسى بن طلـحة, عن أبـيه, قال: أتـى رجل النبـيّ صلى الله عليه وسلم, فقال: سمعت الله يقول: إنّ اللّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلّونَ عَلـى النّبِـيّ... الاَية, فكيف الصلاة علـيك؟ فقال: «قُلِ: اللّهُمّ صَلّ علـى مُـحَمّدٍ وَعَلـى آلِ مُـحَمّدٍ, كمَا صَلّـيْتَ عَلـى إبْراَهِيـمَ إنّكَ حَمِيدٌ مَـجِيدٌ, وَبـارِكْ عَلـى مُـحَمّدٍ وَعَلـى آلِ مُـحَمّدٍ, كمَا بـارَكْتَ عَلـى إبْراهِيـمَ إنّكَ حَمِيدٌ مَـجِيدٌ».
21840ـ حدثنـي جعفر بن مـحمد الكوفـي, قال: حدثنا يعلـى بن الأجلـح, عن الـحكم بن عُتـيبة, عن عبد الرحمن بن أبـي لَـيـلـى, عن كعب بن عُجرة, قال: لـما نزلت: إنّ اللّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلّونَ عَلـى النّبِـيّ يا أيها الّذِينَ آمَنُوا صَلّوا عَلَـيْهِ وَسَلّـمُوا تَسْلِـيـما قمت إلـيه, فقلت: السلام علـيك قد عرفناه, فكيف الصلاة علـيك يا رسول الله؟ قال: «قُلِ اللّهُمّ صَلّ علـى مُـحَمّدٍ وَعَلـى آلِ مُـحَمّدٍ, كمَا صَلّـيْتَ عَلـى إبْراهِيـمَ وآلِ إبْراهِيـمَ, إنّكَ حَمِيدٌ مَـجِيدٌ, وَبـارِكْ عَلـى مُـحَمّدٍ وَعَلـى آلِ مُـحَمّدٍ, كمَا بـارَكْتَ عَلـى إبْراهِيـمَ وآلِ إبْراهِيـمَ إنّكَ حَمِيدٌ مَـجِيدٌ».
21841ـ حدثنا أبو كُرَيب, قال: حدثنا مالك بن إسماعيـل, قال: حدثنا أبو إسرائيـل, عن يونس بن خبـاب, قال: خطبنا بفـارس فقال: إنّ اللّهَ وَمَلائِكَتَهُ... الاَية, فقال: أنبأنـي من سمع ابن عبـاس يقول: هكذا أنزل, فقلنا: أو قالوا يا رسول الله قد علـمنا السلام علـيك, فكيف الصلاة علـيك؟ فقال: «اللّهُمّ صَلّ عَلـى مُـحَمّدٍ وَعَلـى آلِ مُـحَمّدٍ, كمَا صَلّـيْتَ عَلـى إبْرَاهِيـمَ وآلِ إبْراهِيـمَ, إنّكَ حَمِيدٌ مَـجِيدٌ, وَبـارِكْ عَلـى مُـحَمّدٍ وَعَلـى آلِ مُـحَمّدٍ, كمَا بـارَكْتَ عَلـى إبْراهِيـمَ إنّكَ حَمِيدٌ مَـجِيدٌ».
21842ـ حدثنا ابن حميد, قال: حدثنا جرير, عن مغيرة, عن زياد, عن إبراهيـم فـي قوله إنّ اللّهَ وَمَلائِكَتَهُ... الاَية, قالوا: يا رسول الله هذا السلام قد عرفناه, فكيف الصلاة علـيك؟ فقال: قولوا: «اللّهُمّ صَلّ عَلـى مَـحَمّدٍ عَبْدِدَكَ وَرَسُولِكَ وأهْلِ بَـيْتِهِ كمَا صَلّـيْتَ عَلـى إبْراهِيـمَ إنّكَ حَمِيدٌ مَـجِيدٌ».
21843ـ حدثنـي يعقوب الدورقـي, قال: حدثنا ابن علـية, قال: حدثنا أيوب, عن مـحمد بن سيرين, عن عبد الرحمن بن بشر بن مسعود الأنصاري, قال: لـما نزلت: إنّ اللّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلّونَ عَلـى النّبِـيّ يا أيّها الّذِينَ آمَنُوا صَلّوا عَلَـيْهِ وَسَلّـمُوا تَسْلِـيـما قالوا: يا رسول الله هذا السلام قد عرفناه, فكيف الصلاة, وقد غفر الله لك ما تقدّم من ذنبك وما تأخر؟ قال: «قولوا: اللّهُمّ صَلّ عَلـى مُـحَمّدٍ كمَا صَلّـيْتَ عَلـى آلِ إبْراهِيـمَ, اللّهُمّ بـارِكْ عَلـى مُـحَمّدٍ كمَا بـارَكْتَ علـى آلِ إبْراهِيـمَ».
21844ـ حدثنا بشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة, قوله: إنّ اللّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلّونَ عَلـى النّبِـيّ يا أيّها الّذِينَ آمَنُوا صَلّوا عَلَـيْهِ وَسَلّـمُوا تَسْلِـيـما قال: لـما نزلت هذه الاَية قالوا: يا رسول الله قد علـمنا السلام علـيك, فكيف الصلاة علـيك؟ قال: «قولوا: اللّهُمّ صَلّ علـى مُـحَمّدٍ, كمَا صَلّـيْتَ عَلـى إبْرَاهِيـمَ, وَبـارِكْ عَلـى مُـحَمّدٍ كمَا بـارَكْتَ عَلـى إبْرَاهِيـمَ» وقال الـحسن: «اللهمّ اجعل صلواتك وبركاتك علـى آل مـحمد, كما جعلتها علـى إبراهيـم إنك حميد مـجيد».

الآية : 57 -58
القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {إِنّ الّذِينَ يُؤْذُونَ اللّهَ وَرَسُولَهُ لَعَنَهُمُ اللّهُ فِي الدّنْيَا وَالاَخِرَةِ وَأَعَدّ لَهُمْ عَذَاباً مّهِيناً * وَالّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُواْ فَقَدِ احْتَمَلُواْ بُهْتَاناً وَإِثْماً مّبِيناً }.
يعنـي بقوله تعالـى ذكره: إنّ الّذِينَ يُؤْذُونَ اللّهَ إنّ الذين يؤذون ربهم بـمعصيتهم إياه, وركوبهم ما حرّم علـيهم. وقد قـيـل: إنه عنى بذلك أصحاب التصاوير, وذلك أنهم يرومون تكوين خـلق مثل خـلق الله. ذكر من قال ذلك:
21845ـ حدثنـي مـحمد بن سعد القرشي, قال: حدثنا يحيى بن سعيد, عن سلـمة بن الـحجاج, عن عكرِمة, قال: الذين يؤذون الله ورسوله هم أصحاب التصاوير.
21846ـ حدثنا بشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة, فـي قوله: إنّ الّذِينَ يُؤْذُونَ اللّهَ وَرَسُولَهُ لَعَنَهُمُ اللّهُ فِـي الدّنْـيا والاَخِرَةِ وأعَدّ لَهُمْ عَذَابـا مُهِينا قال: يا سبحان الله ما زال أناس من جهلة بنـي آدم حتـى تعاطوا أذى ربهم وأما أذاهم رسول الله صلى الله عليه وسلم فهو طعنهم علـيه فـي نكاحه صفـية بنت حيـيّ فـيـما ذكر.
21847ـ حدثنـي مـحمد بن سعد, قال: ثنـي أبـي, قال: ثنـي عمي, قال: ثنـي أبـي, عن أبـيه, عن ابن عبـاس, فـي قوله: إنّ الّذِينَ يُؤْذُونَ اللّهَ وَرَسُولَهُ لَعَنَهُمُ اللّهُ فِـي الدّنْـيا والاَخِرَةِ وأعَدّ لَهُمْ عَذَابـا مُهِينا قال: نزلت فـي الذين طعنوا علـى النبـيّ صلى الله عليه وسلم حين اتـخذ صفـية بنت حيـيّ بن أخطب.
وقوله: وَلَعَنَهُمُ اللّهُ فـي الدّنْـيا والاَخِرَةِ يقول تعالـى ذكره: أبعدهم الله من رحمته فـي الدنـيا والاَخرة وأعدّ لهم فـي الاَخرة عذابـا يهينهم فـيه بـالـخـلود فـيه.
وقوله: وَالّذِينَ يُؤْذُونَ الـمُؤْمِنِـينَ كان مـجاهد يوجه معنى قوله يُؤْذُونَ إلـى يقـفون. ذكر الرواية بذلك عنه:
21848ـ حدثنـي مـحمد بن عمرو, قال: حدثنا أبو عاصم, قال: حدثنا عيسى وحدثنـي الـحارث, قال: حدثنا الـحسن, قال: حدثنا ورقاء, جميعا عن ابن أبـي نـجيح, عن مـجاهد وَالّذِينَ يُؤْذُونَ قال: يقـفون.
فمعنى الكلام علـى ما قال مـجاهد: والذين يقـفون الـمؤمنـين والـمؤمنات, ويعيبونهم طلبـا لشينهم بغَيْرِ ما اكْتَسَبُوا يقول: بغير ما عملوا, كما:
21849ـ حدثنـي مـحمد بن عمرو, قال: حدثنا أبو عاصم, قال: حدثنا عيسى وحدثنـي الـحارث, قال: حدثنا الـحسن, قال: حدثنا ورقاء, جميعا عن ابن أبـي نـجيح, عن مـجاهد, فـي قوله: بغَيْرِ ما اكْتَسَبُوا قال عملوا.
21850ـ حدثنا نصر بن علـيّ, قال: حدثنا عثام بن علـيّ, عن الأعمش, عن مـجاهد, قال: قرأ ابن عمر: وَالّذِينَ يُؤْذُونَ الـمُؤْمِنِـينَ وَالـمُؤْمِناتِ بِغَيْرِ ما اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَـمَلُوا بُهْتانا وإثْما مُبِـينا قال: فكيف إذا أوذي بـالـمعروف, فذلك يضاعف له العذاب.
حدثنا أبو كريب, قال: حدثنا عثام بن علـيّ, عن الأعمش, عن ثور, عن ابن عمر وَالّذِينَ يُؤْذون الـمُؤْمِنِـينَ وَالـمُؤْمِناتِ بِغَيْرِ ما اكْتَسَبُوا قال: كيف بـالذي يأتـي إلـيهم الـمعروف.
21851ـ حدثنا بشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة وَالّذِينَ يُؤْذونَ الـمُؤْمِنِـينَ وَالـمُؤْمِناتِ بِغَيْرِ ما اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَـمَلُوا بُهْتانا وإثْما مُبـيِنا فإياكم وأذى الـمؤمن, فإن الله يحوطه, ويغضب له.
وقوله: فَقَدِ احْتَـمَلُوا بُهْتانا وإثْما مُبِـينا يقول: فقد احتـملوا زورا وكذبـا وفرية شنـيعة وبهتان: أفحش الكذب وإثْما مُبِـينا يقول: وإثما يبـينُ لسامعه أنه إثم وزور.

الآية : 59
القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {يَأَيّهَا النّبِيّ قُل لأزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَآءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنّ مِن جَلاَبِيبِهِنّ ذَلِكَ أَدْنَىَ أَن يُعْرَفْنَ فَلاَ يُؤْذَيْنَ وَكَانَ اللّهُ غَفُوراً رّحِيماً }.
يقول تعالـى ذكره لنبـيه مـحمد صلى الله عليه وسلم: يا أيها النبـيّ قل لأزواجك وبناتك ونساء الـمؤمنـين, لا يتشبهن بـالإماء فـي لبـاسهنّ إذا هن خرجن من بـيوتهنّ لـحاجتهنّ, فكشفن شعورهنّ ووجوههنّ, ولكن لـيدنـين علـيهنّ من جلابـيبهنّ, لئلا يعرض لهنّ فـاسق, إذا علـم أنهنّ حرائر بأذى من قول.
ثم اختلف أهل التأويـل فـي صفة الإدناء الذي أمرهنّ الله به, فقال بعضهم: هو أن يغطين وجوههنّ ورؤوسهنّ, فلا يبدين منهنّ إلا عينا واحدة. ذكر من قال ذلك:
21852ـ حدثنـي علـيّ, قال: حدثنا أبو صالـح, قال: ثنـي معاوية, عن علـيّ, عن ابن عبـاس, قوله: يا أيّها النّبِـيّ قُلْ لأَزْوَاجِكَ وَبَناتِكَ وَنِساءِ الـمُؤْمِنِـينَ يُدْنِـينَ عَلَـيْهِنّ مِنْ جَلابِـيبِهِنّ أمر الله نساء الـمؤمنـين إذا خرجن من بـيوتهنّ فـي حاجة أن يغطين وجوههنّ من فوق رؤوسهنّ بـالـجلابـيب, ويبدين عينا واحدة.
21853ـ حدثنـي يعقوب, قال: حدثنا ابن علـية, عن ابن عون, عن مـحمد, عن عُبـيدة فـي قوله: يا أيّها النّبِـيّ قُلْ لأَزْوَاجِكَ وَبَناتِكَ وَنِساءِ الـمُؤْمِنِـينَ يُدْنِـينَ عَلَـيْهِنّ مِنْ جَلابِـيبِهِنّ فلبسها عندنا ابن عون, قال: ولبسها عندنا مـحمد, قال مـحمد: ولبسها عندي عبـيدة قال ابن عون بردائه, فتقنّع به, فغطى أنفه وعينه الـيسرى, وأخرج عينه الـيـمنى, وأدنى رداءه من فوق حتـى جعله قريبـا من حاجبه أو علـى الـحاجب.
21854ـ حدثنـي يعقوب, قال: حدثنا هشيـم, قال: أخبرنا هشام, عن ابن سيرين, قال: سألت عبـيدة, عن قوله: قُلْ لأَزْوَاجِكَ وَبَناتِكَ وَنِساءِ الـمُؤْمِنِـينَ يُدْنِـينَ عَلَـيْهِنّ مِنْ جَلابِـيبِهِنّ قال: فقال بثوبه, فغطى رأسه ووجهه, وأبرز ثوبه عن إحدى عينـيه.
وقال آخرون: بل أمرن أن يشددن جلابـيبهنّ علـى جبـاههنّ. ذكر من قال ذلك:
21855ـ حدثنـي مـحمد بن سعد, قال: ثنـي أبـي, قال: ثنـي عمي, قال: ثنـي أبـي, عن أبـيه, عن ابن عبـاس, قوله: يا أيّها النّبِـيّ قُلْ لأَزْوَاجِكَ وَبَناتِكَ وَنِساءِ الـمُؤْمِنِـينَ يُدْنِـينَ عَلَـيْهِنّ مِنْ جَلابِـيبِهِنّ.... إلـى قوله: وكانَ اللّهُ غَفُورا رَحِيـما قال: كانت الـحرّة تلبس لبـاس الأمة, فأمر الله نساء الـمؤمنـين أن يدنـين علـيهنّ من جلابـيبهنّ وإدناء الـجلبـاب: أن تقنع وتشدّ علـى جبـينها.
21856ـ حدثنا بشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة, قوله: يا أيّها النّبِـيّ قُلْ لأَزْوَاجِكَ وَبَناتِكَ وَنِساءِ الـمُؤْمِنِـينَ أخذ الله علـيهنّ إذا خرجن أن يقنعن علـى الـحواجب ذلكَ أدْنَى أنْ يُعْرَفْنَ فَلا يُؤْذَيْنَ وقد كانت الـمـملوكة إذا مرّت تناولوها بـالإيذاء, فنهى الله الـحرائر أن يتشبهن بـالإماء.
21857ـ حدثنـي مـحمد بن عمرو, قال: حدثنا أبو عاصم, قال: حدثنا عيسى وحدثنـي الـحارث, قال: حدثنا الـحسن, قال: حدثنا ورقاء, جميعا عن ابن أبـي نـجيح, عن مـجاهد, قوله: يُدْنِـينَ عَلَـيْهِنّ مِنْ جَلابِـيبِهِنّ يتـجلببن فـيُعلـم أنهنّ حوائر فلا يعرض لهنّ فـاسق بأذى من قول ولا ريبة.
21858ـ حدثنا ابن حميد, قال: حدثنا حكام, عن عنبسة, عمن حدثه, عن أبـي صالـح, قال: قدم النبـيّ صلى الله عليه وسلم الـمدينة علـى غير منزل, فكان نساء النبـيّ صلى الله عليه وسلم وغيرهنّ إذا كان اللـيـل خرجن يقضين حوائجهنّ, وكان رجال يجلسون علـى الطريق للغزل, فأنزل الله: يا أيّها النّبِـيّ قُلْ لأَزْوَاجِكَ وَبَناتِكَ وَنِساءِ الـمُؤْمِنِـينَ يُدْنِـينَ عَلَـيْهِنّ مِنْ جَلابِـيبِهِنّ يقنعن بـالـجلبـاب حتـى تعرف الأمة من الـحرّة.
وقوله: ذلكَ أدْنَى أنْ يُعْرَفْنَ فَلأ يُؤْذَيْنَ يقول تعالـى ذكره: إدناؤهنّ جلابـيبهنّ إذا أدنـينها علـيهنّ أقرب وأحرى أن يعرفن مـمن مررن به, ويعلـموا أنهنّ لسن بـاماء, فـيتنكّبوا عن أذاهنّ بقول مكروه, أو تعرّض بريبة وكانَ اللّهُ غَفُورا لـما سلف منهنّ من تركهنّ إدناءهنّ الـجلابـيب علـيهنّ رَحِيـما بهنّ أن يعاقبهنّ بعد توبتهنّ بـادناء الـجلابـيب علـيهنّ.
الآية : 60 -61
القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {لّئِن لّمْ يَنتَهِ الْمُنَافِقُونَ وَالّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مّرَضٌ وَالْمُرْجِفُونَ فِي الْمَدِينَةِ لَنُغْرِيَنّكَ بِهِمْ ثُمّ لاَ يُجَاوِرُونَكَ فِيهَآ إِلاّ قَلِيلاً * مّلْعُونِينَ أَيْنَمَا ثُقِفُوَاْ أُخِذُواْ وَقُتّلُواْ تَقْتِيلاً }.
يقول تعالـى ذكره: لئن لـم ينته أهل النفـاق, الذين يستسرّون الكفر, ويظهرون الإيـمان وَالّذِينَ فِـي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ يعنـي: ريبة من شهوة الزنا وحبّ الفجور. وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك:
21859ـ حدثنـي مـحمد بن عمرو بن علـيّ, قال: حدثنا أبو عبد الصمد, قال: حدثنا مالك بن دينار, عن عكرِمة, فـي قوله: لَئِنْ لَـمْ يَنْتهِ الـمُنافِقُونَ وَالّذِينَ فِـي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ قال: هم الزناة.
21860ـ حدثنا ابن بشار, قال: حدثنا عبد الأعلـى, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة وَالّذِينَ فِـي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ قال: شهوة الزنا.
قال: ثنا عبد الرحمن بن مهدي, قال: حدثنا أبو صالـح التـمار, قال: سمعت عكرِمة فـي قوله: فِـي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ قال: شهوة الزنا.
21861ـ حدثنا ابن حميد, قال: حدثنا حكام, عن عنبسة عمن حدثه, عن أبـي صالـح وَالّذِينَ فِـي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ قال: الزناة.
21862ـ حدثنـي يونس, قال: أخبرنا ابن وهب, قال: قال ابن زيد, فـي قوله: لَئِنْ لَـمْ يَنْتَهِ الـمُنافِقُونَ وَالّذِينَ فِـي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ.... الاَية, قال: هؤلاء صنف من الـمنافقـين وَالّذِينَ فِـي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ أصحاب الزنا, قال: أهل الزنا من أهل النفـاق الذين يطلبون النساء فـيبتغون الزنا. وقرأ: فَلا تَـخْضَعْنَ بـالقَوْلِ فَـيَطْمَعَ الّذِي فِـي قَلْبِهِ مَرَضٌ قال: والـمنافقون أصناف عشرة فـي براءة, قال: فـالذين فـي قلوبهم مرض صنف منهم مرض من أمر النساء.
وقوله: وَالـمُرْجِفُونَ فِـي الـمَدِينَةِ يقول: وأهل الإرجاف فـي الـمدينة بـالكذب والبـاطل.
وكان إرجافهم فـيـما ذُكر كالذي:
21863ـ حدثنـي بشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة, قوله: لَئِنْ لَـمْ يَنْتَهِ الـمُنافِقُونَ وَالّذِينَ فِـي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ وَالـمُرْجِفُونَ فِـي الـمَدِينَةِ.... الاَية, الإرجاف: الكذب الذي كان نافقه أهل النفـاق, وكانوا يقولون: أتاكم عدد وعدّة. وذكر لنا أن الـمنافقـين أرادوا أن يظهروا ما فـي قلوبهم من النفـاق, فأوعدهم الله بهذه الاَية, قوله: لَئِنْ لَـمْ يَنْتَهِ الـمُنافِقُونَ وَالّذِينَ فِـي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ.... الاَية فلـما أوعدهم الله بهذه الاَية كتـموا ذلك وأسرّوه.
21864ـ حدثنـي يونس, قال: أخبرنا ابن وهب, قال: قال ابن زيد, فـي قوله وَالـمُرْجِفُونَ فِـي الـمَدِينَةِ هم أهل النفـاق أيضا الذين يرجفون برسول الله صلى الله عليه وسلم وبـالـمؤمنـين.
وقوله: لَنُغْرِيَنّكَ بِهِمْ يقول: لنسلطنك علـيهم ولنـحرّشنك بهم. وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك:
21865ـ حدثنـي علـيّ, قال: حدثنا أبو صالـح, قال: ثنـي معاوية, عن علـيّ, عن ابن عبـاس, قوله: لَنُغْرِيَنّكَ بِهِمْ يقول: لنسلطنك علـيهم.
21866ـ حدثنا بشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة لَنُغْرِيَنّكَ بِهِمْ: أي لنـحملنك علـيهم لنـحرشنك بهم.
قوله: ثُمّ لا يُجاوِرونكَ فِـيها إلاّ قَلِـيلاً يقول: ثم لننفـينهم عن مدينتك فلا يسكنون معك فـيها إلا قلـيلاً من الـمدة والأجل, حتـى تنفـيهم عنها, فنـخرجهم منها, كما:
21867ـ حدثنا بشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة ثُمّ لا يُجاوِرونَكَ فِـيها إلاّ قَلِـيلاً أي بـالـمدينة.
وقوله: مَلْعُونِـينَ إيْنَـما ثُقِـفُوا أخذوا وَقُتّلُوا تَقْتِـيلاً يقول تعالـى ذكره: مطرودين منفـيـين أينـما ثقـفوا يقول: حيثما لقوا من الأرض أخذوا وقتلوا لكفرهم بـالله تقتـيلاً. وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك:
21868ـ حدثنا بشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة مَلْعُونِـينَ علـى كلّ حال أيْنَـما ثُقِـفُوا أخذوا وَقُتّلُوا تَقْتِـيلاً إذا هم أظهروا النفـاق.
ونصب قوله: مَلْعُونِـينَ علـى الشتـم, وقد يجوز أن يكون القلـيـل من صفة الـملعونـين, فـيكون قوله ملعونـين مردودا علـى القلـيـل, فـيكون معناه: ثم لا يجاورونك فـيها إلا أقلاء ملعونـين يقتلون حيث أصيبوا.

الآية : 62
القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {سُنّةَ اللّهِ فِي الّذِينَ خَلَوْاْ مِن قَبْلُ وَلَن تَجِدَ لِسُنّةِ اللّهِ تَبْدِيلاً }.
يقول تعالـى ذكره: سُنّةَ اللّهِ فِـي الّذِينَ خَـلَوْا مِنْ قَبْلُ هؤلاء الـمنافقـين الذين فـي مدينة رسول الله صلى الله عليه وسلم معه ضُرَبـاء هؤلاء الـمنافقـين, إذا هم أظهروا نفـاقهم أن يُقَتّلَهُمْ تَقْتـيلاً, ويـلعنهم لعنا كثـيرا. وبنـحو الذي قولنا فـي ذلك قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك:
21869ـ حدثنا بشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة, قوله: سُنّةَ اللّهِ فِـي الّذِينَ خَـلَوْا مِنْ قَبْلُ... الاَية, يقول: هكذا سنة الله فـيهم إذا أظهروا النفـاق.
وقوله: وَلَنْ تَـجِدَ لِسُنّةِ اللّهِ تَبْدِيلاً يقول تعالـى ذكره لنبـيه مـحمد صلى الله عليه وسلم: ولن تـجد يا مـحمد لسنة الله التـي سنها فـي خـلقه تغيـيرا, فأيقن أنه غير مغير فـي هؤلاء الـمنافقـين سنته