سورة الطور | للقراءة من المصحف بخط كبير واضح
استماع mp3 | الجلالين&الميسر | تفسير الشوكاني |
إعراب الصفحة | تفسير ابن كثير | تفسير القرطبي |
التفسير المختصر | تفسير الطبري | تفسير السعدي |
تفسير الشنقيطي تفسير الصفحة 525 من المصحف
تفسير أضواء البيان - صفحة القرآن رقم 525
تفسير أضواء البيان - صفحة القرآن رقم 67
{قَالُوۤاْ إِنَّا كُنَّا قَبْلُ فِىۤ أَهْلِنَا مُشْفِقِينَ * فَمَنَّ ٱللَّهُ عَلَيْنَا وَوَقَـٰنَا عَذَابَ ٱلسَّمُومِ * إِنَّا كُنَّا مِن قَبْلُ نَدْعُوهُ إِنَّهُ هُوَ ٱلْبَرُّ ٱلرَّحِيمُ * فَذَكِّرْ فَمَآ أَنتَ بِنِعْمَةِ رَبِّكَ بِكَـٰهِنٍ وَلاَ مَجْنُونٍ * أَمْ يَقُولُونَ شَاعِرٌ نَّتَرَبَّصُ بِهِ رَيْبَ ٱلْمَنُونِ * قُلْ تَرَبَّصُواْ فَإِنِّى مَعَكُمْ مِّنَ ٱلْمُتَرَبِّصِينَ * أَمْ تَأْمُرُهُمْ أَحْلَـٰمُهُمْ بِهَـٰذَآ أَمْ هُمْ قَوْمٌ طَاغُونَ * أَمْ يَقُولُونَ تَقَوَّلَهُ بَل لاَّ يُؤْمِنُونَ * فَلْيَأْتُواْ بِحَدِيثٍ مِّثْلِهِ إِن كَانُواْ صَـٰدِقِينَ * أَمْ خُلِقُواْ مِنْ غَيْرِ شَىْءٍ أَمْ هُمُ ٱلْخَـٰلِقُونَ * أَمْ خَلَقُواْ ٱلسَّمَـٰوَٰتِ وَٱلاٌّرْضَ بَل لاَّ يُوقِنُونَ * أَمْ عِندَهُمْ خَزَآئِنُ رَبِّكَ أَمْ هُمُ ٱلْمُسَيْطِرُونَ * أَمْ لَهُمْ سُلَّمٌ يَسْتَمِعُونَ فِيهِ فَلْيَأْتِ مُسْتَمِعُهُم بِسُلْطَـٰنٍ مُّبِينٍ * أَمْ لَهُ ٱلْبَنَـٰتُ وَلَكُمُ ٱلْبَنُونَ * أَمْ تَسْألُهُمْ أَجْراً فَهُم مِّن مَّغْرَمٍ مُّثْقَلُونَ * أَمْ عِندَهُمُ ٱلْغَيْبُ فَهُمْ يَكْتُبُونَ * أَمْ يُرِيدُونَ كَيْداً فَٱلَّذِينَ كَفَرُواْ هُمُ ٱلْمَكِيدُونَ * أَمْ لَهُمْ إِلَـٰهٌ غَيْرُ ٱللَّهِ سُبْحَـٰنَ ٱللَّهِ عَمَّا يُشْرِكُونَ * وَإِن يَرَوْاْ كِسْفاً مِّنَ ٱلسَّمَآءِ سَـٰقِطاً يَقُولُواْ سَحَـٰبٌ مَّرْكُومٌ * فَذَرْهُمْ حَتَّىٰ يُلَـٰقُواْ يَوْمَهُمُ ٱلَّذِى فِيهِ يُصْعَقُونَ * يَوْمَ لاَ يُغْنِى عَنْهُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئاً وَلاَ هُمْ يُنصَرُونَ * وَإِنَّ لِلَّذِينَ ظَلَمُواْ عَذَاباً دُونَ ذَلِكَ وَلَـٰكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ * وَٱصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ فَإِنَّكَ بِأَعْيُنِنَا وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ حِينَ تَقُومُ * وَمِنَ ٱلَّيْلِ فَسَبِّحْهُ وَإِدْبَـٰرَ ٱلنُّجُومِ}
قوله تعالى: {قَالُوۤاْ إِنَّا كُنَّا قَبْلُ فِىۤ أَهْلِنَا مُشْفِقِين َفَمَنَّ ٱللَّهُ عَلَيْنَا وَوَقَـٰنَا عَذَابَ ٱلسَّمُومِ}. ذكر جل وعلا في هذه الآية الكريمة، أن أهل الجنة يسأل بعضهم بعضاً، وأن المسؤول عنهم يقول للسائل: {إِنَّا كُنَّا قَبْلُ}، أي في دار الدنيا {فِىۤ أَهْلِنَا مُشْفِقِينَ} أي خائفين من عذاب الله، ونحن بين أهلنا أحياء فمنَّ الله علينا أي أكرمنا، وتفضل علينا بسبب الخوف منه في دار الدنيا فهدانا، ووفقنا في الدنيا ووقانا في الآخرة عذاب السموم، والسموم النار ولفحها ووهجها، وأصله الريح الحارة التي تدخل المسام، والجمع سمائم. ومنه قول عمر بن أبي ربيعة المخزومي: أنامل لم تضرب على البهم بالضحى بهن ووجه لم تلحه السمائم
وقد يطلق السموم على الريح الشديدة البرد، ومنه قول الراجز:
اليوم يوم بارد سمومه من جزع اليوم فلا ألومه
الفاء في قوله: {فَمَنَّ ٱللَّهُ عَلَيْنَا}، تدل على أن علة ذلك هي الخوف من الله في دار الدنيا، وما تضمنته هذه الآية الكريمة من أن الإشفاق الذي هو الخوف الشديد من عذاب الله في دار الدنيا، سبب للسلامة منه في الآخرة، يفهم من دليل خطابه، أعني مفهوم مخالفته أن من لم يخف من عذاب الله في الدنيا لم ينج منه في الآخرة.
وما تضمنته هذه الآية الكريمة بمنطوقها ومفهومها جاء موضحاً في غير هذا الموضوع. فذكر تعالى أن السرور في الدنيا وعدم الخوف من الله سبب العذاب يوم القيامة، وذلك في قوله {وَأَمَّا مَنْ أُوتِىَ كِتَـٰبَهُ وَرَآءَ ظَهْرِهِ فَسَوْفَ يَدْعُو ثُبُوراً وَيَصْلَىٰ سَعِيراً إِنَّهُ كَانَ فِىۤ أَهْلِهِ مَسْرُوراً إِنَّهُ ظَنَّ أَن لَّن يَحُورَ}.
وقد تقرر في مسلك الإيماء والتنبيه أن إن المكسورة المشددة من حروف التعليل، فقوله: {إِنَّهُ كَانَ فِىۤ أَهْلِهِ مَسْرُور}، علة لقوله: {فَسَوْفَ يَدْعُو ثُبُوراً وَيَصْلَىٰ سَعِير}.
والمسرور في أهله في دار الدنيا ليس بمشقق ولا خائف، ويؤيد ذلك قوله بعده: {إِنَّهُ ظَنَّ أَن لَّن يَحُورَ}، لأن معناه، ظن ألن يرجع إلى الله حياً يوم القيامة، ولا شك أن من ظن أنه لا يبعث بعد الموت لا يكون مشفقاً في أهله خوفاً من العذاب، لأنه لا يؤمن بالحساب والجزاء، وكون لن يحور، بمعنى لن يرجع معروف في كلام العرب، ومنه قول مهلهل بن ربيعة التغلبي:
أليلتنا بذي حسم أنيري إذا أنت انقضيت فلا تحوري
فقوله: فلا تحوري، أي فلا ترجعي.
وقول لبيد بن ربيعة العامري:
وما المرء إلا كالشهاب وضوئه يحور رماداً بعد ما هو ساطع
أي يرجع رماداً، وقيل: يصير، والمعنى واحد. وقوله تعالى: {وَأَصْحَـٰبُ ٱلشِّمَالِ مَآ أَصْحَـٰبُ ٱلشِّمَالِ فِى سَمُومٍ وَحَمِيمٍ وَظِلٍّ مِّن يَحْمُومٍ لاَّ بَارِدٍ وَلاَ كَرِيمٍ إِنَّهُمْ كَانُواْ قَبْلَ ذَلِكَ مُتْرَفِينَ وَكَانُواْ يُصِرُّونَ عَلَى ٱلْحِنثِ ٱلْعَظِيمِ وَكَانُواْ يِقُولُونَ أَءِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَاباً وَعِظَـٰماً أَءِنَّا لَمَبْعُوثُونَ}، لأن تنعمهم في الدنيا المذكور في قوله {مُتْرَفِينَ}، وإنكارهم للبعث المذكور في قوله {أَءِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَاب} الآية. دليل على عدم إشفاقهم في الدنيا، وهو علة كونهم في سموم وحميم.
وقد قدمنا قريباً أن إن المكسورة المشددة من حروف التعليل، فقوله تعالى: {إِنَّهُمْ كَانُواْ قَبْلَ ذَلِكَ مُتْرَفِينَ}. علة لقوله {فِى سَمُومٍ وَحَمِيمٍ}.
وقد ذكر جل وعلا أن الإشفاق من عذاب الله من أسباب دخول الجنة والنجاة من العذاب يوم القيامة، كما دل عليه منطوق آية الطور هذه، قال تعالى في المعارج {وَٱلَّذِينَ هُم مِّنْ عَذَابِ رَبِّهِم مُّشْفِقُونَ إِنَّ عَذَابَ رَبِّهِمْ غَيْرُ مَأْمُونٍ} ـ إلى قوله ـ {أُوْلَـٰئِكَ فِى جَنَّـٰتٍ مُّكْرَمُونَ}، وذكر ذلك من صفات أهل الجنة في قوله تعالى {إِنَّ ٱلَّذِينَ هُم مِّنْ خَشْيةِ رَبِّهِمْ مُّشْفِقُونَ} ـ إلى قوله ـ {أُوْلَـٰئِكَ يُسَـٰرِعُونَ فِى ٱلْخَيْرَٰتِ وَهُمْ لَهَا سَـٰبِقُونَ}، وقد قال تعالى: {وَٱلسَّـٰبِقُونَ ٱلسَّـٰبِقُونَ * أُوْلَـٰئِكَ ٱلْمُقَرَّبُونَ * فِى جَنَّـٰتِ ٱلنَّعِيمِ}.
وقوله في آية الواقعة المذكورة:
{وَكَانُواْ يُصِرُّونَ عَلَى ٱلْحِنثِ ٱلْعَظِيمِ}، أي يديمون ويعزمون على الذنب الكبير، كالشرك وإنكار البعث، وقيل المراد بالحنث: حنثهم في اليمين الفاجرة كما في قوله تعالى: {وَأَقْسَمُواْ بِٱللَّهِ جَهْدَ أَيْمَـٰنِهِمْ لاَ يَبْعَثُ ٱللَّهُ مَن يَمُوتُ}. قوله تعالى: {فَذَكِّرْ فَمَآ أَنتَ بِنِعْمَةِ رَبِّكَ بِكَـٰهِنٍ وَلاَ مَجْنُونٍ أَمْ يَقُولُونَ شَاعِرٌ نَّتَرَبَّصُ بِهِ رَيْبَ ٱلْمَنُونِ}. نفى الله جل وعلا عن نبيه صلى الله عليه وسلم في هاتين الآيتين الكريمتين ثلاث صفات قبيحة عن نبيه صلى الله عليه وسلم رماه بها الكفار، وهي الكهانة والجنون والشعر، أما دعواهم أنه كاهن أو مجنون، فقد نفاها صريحاً بحرف النفي الذي هو ما في قوله: {فَمَآ أَنتَ} وأكد النفي بالباء في قوله: {بِكَـٰهِنٍ} وأما كونه شاعراً فقد نفاه ضمناً بأم المنقطعة في قوله: {أَمْ يَقُولُونَ شَاعِرٌ}، لأنها تدل على الإضراب والإنكار المتضمن معنى النفي.
وقد جاءت آيات أخر بنفي هذه الصفات عنه صلى الله عليه وسلم كقوله تعالى في نفي الجنون عنه في أول القلم: {مَآ أَنتَ بِنِعْمَةِ رَبِّكَ بِمَجْنُونٍ} وقوله في التكوير {وَمَا صَـٰحِبُكُمْ بِمَجْنُونٍ} وكقوله في نفي الصفتين الأخيرتين أعني الكهانة والشعر: {وَمَا هُوَ بِقَوْلِ شَاعِرٍ قَلِيلاً مَّا تُؤْمِنُونَ وَلاَ بِقَوْلِ كَاهِنٍ قَلِيلاً مَّا تَذَكَّرُونَ}، وقد قدمنا بعض الكلام على هذا في سورة الشعراء وغيرها.
وقوله تعالى في هذه الآية الكريمة: {نَّتَرَبَّصُ بِهِ رَيْبَ ٱلْمَنُونِ} أي ننتظر به حوادث الدهر، حتى يحدث له منها الموت، فالمنون: الدهر، وريبه: حوادثه التي يطرأ فيها الهلاك والتغيير، والتحقيق أن الدهر هو المراد في قول أبي ذؤيب الهذلي:
أمن المنون وريبه تتوجع والدهر ليس بمعتب من يجزع
لأن الضمير في قوله: وريبه يدل على أن المنون الدهر، ومن ذلك أيضاً قول الآخر: تربص بها ريب المنون لعلها تطلق يوماً أو يموت حليلها
وقال بعض العلماء: المنون في الآية الموت، وإطلاق المنون على الموت معروف في كلام العرب، ومنه قول أبي الغول الطهوي:
هم منعوا حمى الوقبي بضرب يؤلف بين أشتات المنون
لأن الذين ماتوا عند ذلك الماء المسمى بالوقبا، جاءوا من جهات مختلفة، فجمع الموت بينهم في محل واحد، ولو ماتوا في بلادهم لكانت مناياهم في بلاد شتى. قوله تعالى: {فَلْيَأْتُواْ بِحَدِيثٍ مِّثْلِهِ إِن كَانُواْ صَـٰدِقِينَ}. قد قدمنا أن الله تحداهم بسورة واحدة من هذا القرآن في سورة البقرة في قوله: {فَأْتُواْ بِسُورَةٍ مِّن مِّثْلِهِ وَٱدْعُواْ شُهَدَآءَكُم مِّن دُونِ ٱللَّهِ}. وفي سورة يونس في قوله تعالى {قُلْ فَأْتُواْ بِسُورَةٍ مِّثْلِهِ وَٱدْعُواْ مَنِ ٱسْتَطَعْتُمْ مِّن دُونِ ٱللَّهِ}.
وتحداهم في سورة هود بعشر سور منه في قوله: {قُلْ فَأْتُواْ بِعَشْرِ سُوَرٍ مِّثْلِهِ مُفْتَرَيَاتٍ وَٱدْعُواْ مَنِ ٱسْتَطَعْتُمْ مِّن دُونِ ٱللَّهِ}.
وتحداهم في سورة الطور هذه به كله في قوله {فَلْيَأْتُواْ بِحَدِيثٍ مِّثْلِهِ}.
وبين في سورة بني إسرائيل أنهم لا يقدرون على شيء من ذلك في قوله {قُل لَّئِنِ ٱجْتَمَعَتِ ٱلإِنسُ وَٱلْجِنُّ عَلَىٰ أَن يَأْتُواْ بِمِثْلِ هَـٰذَا ٱلْقُرْءَانِ لاَ يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ}.
وقد أطلق جل وعلا اسم الحديث على القرآن في قوله هنا: {فَلْيَأْتُواْ بِحَدِيثٍ مِّثْلِهِ} كما أطلق عليه ذلك في قوله {ٱللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ ٱلْحَدِيثِ كِتَـٰباً مُّتَشَـٰبِه}، وقوله تعالى {مَا كَانَ حَدِيثًا يُفْتَرَىٰ وَلَـٰكِن تَصْدِيقَ ٱلَّذِى بَيْنَ يَدَيْهِ}. قوله تعالى: {أَمْ خُلِقُواْ مِنْ غَيْرِ شَىْءٍ أَمْ هُمُ ٱلْخَـٰلِقُونَ}. قد قدمنا الكلام عليه وعلى الآيات المشابهة له في سورة مريم في الكلام على قوله تعالى {أَطَّلَعَ ٱلْغَيْبَ أَمِ ٱتَّخَذَ عِندَ ٱلرَّحْمَـٰنِ عَهْد}. قوله تعالى: {أَمْ لَهُمْ سُلَّمٌ يَسْتَمِعُونَ فِيهِ}. قد قدمنا الكلام عليه وعلى الآيات المشابهة له في سورة الحجر في الكلام على قوله تعالى {وَلَقَدْ جَعَلْنَا فِى ٱلسَّمَاءِ بُرُوجًا وَزَيَّنَّـٰهَا لِلنَّـٰظِرِينَ وَحَفِظْنَـٰهَ}. قوله تعالى: {أَمْ لَهُ ٱلْبَنَـٰتُ وَلَكُمُ ٱلْبَنُونَ}. قد قدمنا الآيات الموضحة له في سورة النحل في الكلام على قوله تعالى: {وَيَجْعَلُونَ لِلَّهِ ٱلْبَنَـٰتِ سُبْحَانَهُ وَلَهُمْ مَّا يَشْتَهُونَ}، وفي مواضع أخر متعددة. قوله
تعالى: {أَمْ تَسْألُهُمْ أَجْراً فَهُم مِّن مَّغْرَمٍ مُّثْقَلُونَ}. قد قدمنا الآيات الموضحة له وما يتعلق بها من الأحكام في سورة هود في الكلام على قوله تعالى {وَيٰقَوْمِ لاۤ أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مَال}. قوله تعالى: {وَإِن يَرَوْاْ كِسْفاً مِّنَ ٱلسَّمَآءِ سَـٰقِطاً يَقُولُواْ سَحَـٰبٌ مَّرْكُومٌ}. قد قدمنا الآيات الموضحة له بكثرة في سورة الأنعام في الكلام على قوله تعالى {وَلَوْ نَزَّلْنَا عَلَيْكَ كِتَـٰباً فِى قِرْطَاسٍ فَلَمَسُوهُ بِأَيْدِيهِمْ}، وفي غير ذلك من المواضع. قوله تعالى: {يَوْمَ لاَ يُغْنِى عَنْهُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئ}. بين جل وعلا في هذه الآية أن كيد الكفار لا يغني عنهم شيئاً في الآخرة في غير هذا الموضع، كقوله تعالى {هَـٰذَا يَوْمُ ٱلْفَصْلِ جَمَعْنَـٰكُمْ وَٱلاٌّوَّلِينَ فَإِن كَانَ لَكمُ كَيْدٌ فَكِيدُونِ}.
وبين أنه لا ينفعهم في الدنيا أيضاً كقوله تعالى في هذه السورة الكريمة {أَمْ يُرِيدُونَ كَيْداً فَٱلَّذِينَ كَفَرُواْ هُمُ ٱلْمَكِيدُونَ} وقوله {إِنَّهُمْ يَكِيدُونَ كَيْداً وَأَكِيدُ كَيْدا}، وقوله {سَنَسْتَدْرِجُهُمْ مِّنْ حَيْثُ لاَ يَعْلَمُونَ وَأُمْلِى لَهُمْ إِنَّ كَيْدِى مَتِينٌ} إلى غير ذلك من الآيات. قوله تعالى: {وَإِنَّ لِلَّذِينَ ظَلَمُواْ عَذَاباً دُونَ ذَلِكَ وَلَـٰكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ}. الظاهر أن قوله {عَذَاباً دُونَ ذَلِكَ} هو ما عذبوا به في دار الدنيا من القتل وغيره،
كما دل على ذلك قوله {وَلَنُذِيقَنَّهُمْ مِّنَ ٱلْعَذَابِ ٱلاٌّدْنَىٰ دُونَ ٱلْعَذَابِ ٱلاٌّكْبَرِ}. وقوله تعالى {قَـٰتِلُوهُمْ يُعَذِّبْهُمُ ٱللَّهُ بِأَيْدِيكُمْ} إلى غير ذلك من الآيات، ولا مانع من دخول عذاب القبر في ذلك، لأنه قد يدخل في ظاهر الآية، وما قيل في معنى الآية غير هذا لا يتجه عندي. والعلم عند الله تعالى.
تم بحمد الله تفسير سورة الطور
تفسير أضواء البيان - صفحة القرآن رقم 525
تفسير أضواء البيان - صفحة القرآن رقم 67
{قَالُوۤاْ إِنَّا كُنَّا قَبْلُ فِىۤ أَهْلِنَا مُشْفِقِينَ * فَمَنَّ ٱللَّهُ عَلَيْنَا وَوَقَـٰنَا عَذَابَ ٱلسَّمُومِ * إِنَّا كُنَّا مِن قَبْلُ نَدْعُوهُ إِنَّهُ هُوَ ٱلْبَرُّ ٱلرَّحِيمُ * فَذَكِّرْ فَمَآ أَنتَ بِنِعْمَةِ رَبِّكَ بِكَـٰهِنٍ وَلاَ مَجْنُونٍ * أَمْ يَقُولُونَ شَاعِرٌ نَّتَرَبَّصُ بِهِ رَيْبَ ٱلْمَنُونِ * قُلْ تَرَبَّصُواْ فَإِنِّى مَعَكُمْ مِّنَ ٱلْمُتَرَبِّصِينَ * أَمْ تَأْمُرُهُمْ أَحْلَـٰمُهُمْ بِهَـٰذَآ أَمْ هُمْ قَوْمٌ طَاغُونَ * أَمْ يَقُولُونَ تَقَوَّلَهُ بَل لاَّ يُؤْمِنُونَ * فَلْيَأْتُواْ بِحَدِيثٍ مِّثْلِهِ إِن كَانُواْ صَـٰدِقِينَ * أَمْ خُلِقُواْ مِنْ غَيْرِ شَىْءٍ أَمْ هُمُ ٱلْخَـٰلِقُونَ * أَمْ خَلَقُواْ ٱلسَّمَـٰوَٰتِ وَٱلاٌّرْضَ بَل لاَّ يُوقِنُونَ * أَمْ عِندَهُمْ خَزَآئِنُ رَبِّكَ أَمْ هُمُ ٱلْمُسَيْطِرُونَ * أَمْ لَهُمْ سُلَّمٌ يَسْتَمِعُونَ فِيهِ فَلْيَأْتِ مُسْتَمِعُهُم بِسُلْطَـٰنٍ مُّبِينٍ * أَمْ لَهُ ٱلْبَنَـٰتُ وَلَكُمُ ٱلْبَنُونَ * أَمْ تَسْألُهُمْ أَجْراً فَهُم مِّن مَّغْرَمٍ مُّثْقَلُونَ * أَمْ عِندَهُمُ ٱلْغَيْبُ فَهُمْ يَكْتُبُونَ * أَمْ يُرِيدُونَ كَيْداً فَٱلَّذِينَ كَفَرُواْ هُمُ ٱلْمَكِيدُونَ * أَمْ لَهُمْ إِلَـٰهٌ غَيْرُ ٱللَّهِ سُبْحَـٰنَ ٱللَّهِ عَمَّا يُشْرِكُونَ * وَإِن يَرَوْاْ كِسْفاً مِّنَ ٱلسَّمَآءِ سَـٰقِطاً يَقُولُواْ سَحَـٰبٌ مَّرْكُومٌ * فَذَرْهُمْ حَتَّىٰ يُلَـٰقُواْ يَوْمَهُمُ ٱلَّذِى فِيهِ يُصْعَقُونَ * يَوْمَ لاَ يُغْنِى عَنْهُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئاً وَلاَ هُمْ يُنصَرُونَ * وَإِنَّ لِلَّذِينَ ظَلَمُواْ عَذَاباً دُونَ ذَلِكَ وَلَـٰكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ * وَٱصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ فَإِنَّكَ بِأَعْيُنِنَا وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ حِينَ تَقُومُ * وَمِنَ ٱلَّيْلِ فَسَبِّحْهُ وَإِدْبَـٰرَ ٱلنُّجُومِ}
قوله تعالى: {قَالُوۤاْ إِنَّا كُنَّا قَبْلُ فِىۤ أَهْلِنَا مُشْفِقِين َفَمَنَّ ٱللَّهُ عَلَيْنَا وَوَقَـٰنَا عَذَابَ ٱلسَّمُومِ}. ذكر جل وعلا في هذه الآية الكريمة، أن أهل الجنة يسأل بعضهم بعضاً، وأن المسؤول عنهم يقول للسائل: {إِنَّا كُنَّا قَبْلُ}، أي في دار الدنيا {فِىۤ أَهْلِنَا مُشْفِقِينَ} أي خائفين من عذاب الله، ونحن بين أهلنا أحياء فمنَّ الله علينا أي أكرمنا، وتفضل علينا بسبب الخوف منه في دار الدنيا فهدانا، ووفقنا في الدنيا ووقانا في الآخرة عذاب السموم، والسموم النار ولفحها ووهجها، وأصله الريح الحارة التي تدخل المسام، والجمع سمائم. ومنه قول عمر بن أبي ربيعة المخزومي: أنامل لم تضرب على البهم بالضحى بهن ووجه لم تلحه السمائم
وقد يطلق السموم على الريح الشديدة البرد، ومنه قول الراجز:
اليوم يوم بارد سمومه من جزع اليوم فلا ألومه
الفاء في قوله: {فَمَنَّ ٱللَّهُ عَلَيْنَا}، تدل على أن علة ذلك هي الخوف من الله في دار الدنيا، وما تضمنته هذه الآية الكريمة من أن الإشفاق الذي هو الخوف الشديد من عذاب الله في دار الدنيا، سبب للسلامة منه في الآخرة، يفهم من دليل خطابه، أعني مفهوم مخالفته أن من لم يخف من عذاب الله في الدنيا لم ينج منه في الآخرة.
وما تضمنته هذه الآية الكريمة بمنطوقها ومفهومها جاء موضحاً في غير هذا الموضوع. فذكر تعالى أن السرور في الدنيا وعدم الخوف من الله سبب العذاب يوم القيامة، وذلك في قوله {وَأَمَّا مَنْ أُوتِىَ كِتَـٰبَهُ وَرَآءَ ظَهْرِهِ فَسَوْفَ يَدْعُو ثُبُوراً وَيَصْلَىٰ سَعِيراً إِنَّهُ كَانَ فِىۤ أَهْلِهِ مَسْرُوراً إِنَّهُ ظَنَّ أَن لَّن يَحُورَ}.
وقد تقرر في مسلك الإيماء والتنبيه أن إن المكسورة المشددة من حروف التعليل، فقوله: {إِنَّهُ كَانَ فِىۤ أَهْلِهِ مَسْرُور}، علة لقوله: {فَسَوْفَ يَدْعُو ثُبُوراً وَيَصْلَىٰ سَعِير}.
والمسرور في أهله في دار الدنيا ليس بمشقق ولا خائف، ويؤيد ذلك قوله بعده: {إِنَّهُ ظَنَّ أَن لَّن يَحُورَ}، لأن معناه، ظن ألن يرجع إلى الله حياً يوم القيامة، ولا شك أن من ظن أنه لا يبعث بعد الموت لا يكون مشفقاً في أهله خوفاً من العذاب، لأنه لا يؤمن بالحساب والجزاء، وكون لن يحور، بمعنى لن يرجع معروف في كلام العرب، ومنه قول مهلهل بن ربيعة التغلبي:
أليلتنا بذي حسم أنيري إذا أنت انقضيت فلا تحوري
فقوله: فلا تحوري، أي فلا ترجعي.
وقول لبيد بن ربيعة العامري:
وما المرء إلا كالشهاب وضوئه يحور رماداً بعد ما هو ساطع
أي يرجع رماداً، وقيل: يصير، والمعنى واحد. وقوله تعالى: {وَأَصْحَـٰبُ ٱلشِّمَالِ مَآ أَصْحَـٰبُ ٱلشِّمَالِ فِى سَمُومٍ وَحَمِيمٍ وَظِلٍّ مِّن يَحْمُومٍ لاَّ بَارِدٍ وَلاَ كَرِيمٍ إِنَّهُمْ كَانُواْ قَبْلَ ذَلِكَ مُتْرَفِينَ وَكَانُواْ يُصِرُّونَ عَلَى ٱلْحِنثِ ٱلْعَظِيمِ وَكَانُواْ يِقُولُونَ أَءِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَاباً وَعِظَـٰماً أَءِنَّا لَمَبْعُوثُونَ}، لأن تنعمهم في الدنيا المذكور في قوله {مُتْرَفِينَ}، وإنكارهم للبعث المذكور في قوله {أَءِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَاب} الآية. دليل على عدم إشفاقهم في الدنيا، وهو علة كونهم في سموم وحميم.
وقد قدمنا قريباً أن إن المكسورة المشددة من حروف التعليل، فقوله تعالى: {إِنَّهُمْ كَانُواْ قَبْلَ ذَلِكَ مُتْرَفِينَ}. علة لقوله {فِى سَمُومٍ وَحَمِيمٍ}.
وقد ذكر جل وعلا أن الإشفاق من عذاب الله من أسباب دخول الجنة والنجاة من العذاب يوم القيامة، كما دل عليه منطوق آية الطور هذه، قال تعالى في المعارج {وَٱلَّذِينَ هُم مِّنْ عَذَابِ رَبِّهِم مُّشْفِقُونَ إِنَّ عَذَابَ رَبِّهِمْ غَيْرُ مَأْمُونٍ} ـ إلى قوله ـ {أُوْلَـٰئِكَ فِى جَنَّـٰتٍ مُّكْرَمُونَ}، وذكر ذلك من صفات أهل الجنة في قوله تعالى {إِنَّ ٱلَّذِينَ هُم مِّنْ خَشْيةِ رَبِّهِمْ مُّشْفِقُونَ} ـ إلى قوله ـ {أُوْلَـٰئِكَ يُسَـٰرِعُونَ فِى ٱلْخَيْرَٰتِ وَهُمْ لَهَا سَـٰبِقُونَ}، وقد قال تعالى: {وَٱلسَّـٰبِقُونَ ٱلسَّـٰبِقُونَ * أُوْلَـٰئِكَ ٱلْمُقَرَّبُونَ * فِى جَنَّـٰتِ ٱلنَّعِيمِ}.
وقوله في آية الواقعة المذكورة:
{وَكَانُواْ يُصِرُّونَ عَلَى ٱلْحِنثِ ٱلْعَظِيمِ}، أي يديمون ويعزمون على الذنب الكبير، كالشرك وإنكار البعث، وقيل المراد بالحنث: حنثهم في اليمين الفاجرة كما في قوله تعالى: {وَأَقْسَمُواْ بِٱللَّهِ جَهْدَ أَيْمَـٰنِهِمْ لاَ يَبْعَثُ ٱللَّهُ مَن يَمُوتُ}. قوله تعالى: {فَذَكِّرْ فَمَآ أَنتَ بِنِعْمَةِ رَبِّكَ بِكَـٰهِنٍ وَلاَ مَجْنُونٍ أَمْ يَقُولُونَ شَاعِرٌ نَّتَرَبَّصُ بِهِ رَيْبَ ٱلْمَنُونِ}. نفى الله جل وعلا عن نبيه صلى الله عليه وسلم في هاتين الآيتين الكريمتين ثلاث صفات قبيحة عن نبيه صلى الله عليه وسلم رماه بها الكفار، وهي الكهانة والجنون والشعر، أما دعواهم أنه كاهن أو مجنون، فقد نفاها صريحاً بحرف النفي الذي هو ما في قوله: {فَمَآ أَنتَ} وأكد النفي بالباء في قوله: {بِكَـٰهِنٍ} وأما كونه شاعراً فقد نفاه ضمناً بأم المنقطعة في قوله: {أَمْ يَقُولُونَ شَاعِرٌ}، لأنها تدل على الإضراب والإنكار المتضمن معنى النفي.
وقد جاءت آيات أخر بنفي هذه الصفات عنه صلى الله عليه وسلم كقوله تعالى في نفي الجنون عنه في أول القلم: {مَآ أَنتَ بِنِعْمَةِ رَبِّكَ بِمَجْنُونٍ} وقوله في التكوير {وَمَا صَـٰحِبُكُمْ بِمَجْنُونٍ} وكقوله في نفي الصفتين الأخيرتين أعني الكهانة والشعر: {وَمَا هُوَ بِقَوْلِ شَاعِرٍ قَلِيلاً مَّا تُؤْمِنُونَ وَلاَ بِقَوْلِ كَاهِنٍ قَلِيلاً مَّا تَذَكَّرُونَ}، وقد قدمنا بعض الكلام على هذا في سورة الشعراء وغيرها.
وقوله تعالى في هذه الآية الكريمة: {نَّتَرَبَّصُ بِهِ رَيْبَ ٱلْمَنُونِ} أي ننتظر به حوادث الدهر، حتى يحدث له منها الموت، فالمنون: الدهر، وريبه: حوادثه التي يطرأ فيها الهلاك والتغيير، والتحقيق أن الدهر هو المراد في قول أبي ذؤيب الهذلي:
أمن المنون وريبه تتوجع والدهر ليس بمعتب من يجزع
لأن الضمير في قوله: وريبه يدل على أن المنون الدهر، ومن ذلك أيضاً قول الآخر: تربص بها ريب المنون لعلها تطلق يوماً أو يموت حليلها
وقال بعض العلماء: المنون في الآية الموت، وإطلاق المنون على الموت معروف في كلام العرب، ومنه قول أبي الغول الطهوي:
هم منعوا حمى الوقبي بضرب يؤلف بين أشتات المنون
لأن الذين ماتوا عند ذلك الماء المسمى بالوقبا، جاءوا من جهات مختلفة، فجمع الموت بينهم في محل واحد، ولو ماتوا في بلادهم لكانت مناياهم في بلاد شتى. قوله تعالى: {فَلْيَأْتُواْ بِحَدِيثٍ مِّثْلِهِ إِن كَانُواْ صَـٰدِقِينَ}. قد قدمنا أن الله تحداهم بسورة واحدة من هذا القرآن في سورة البقرة في قوله: {فَأْتُواْ بِسُورَةٍ مِّن مِّثْلِهِ وَٱدْعُواْ شُهَدَآءَكُم مِّن دُونِ ٱللَّهِ}. وفي سورة يونس في قوله تعالى {قُلْ فَأْتُواْ بِسُورَةٍ مِّثْلِهِ وَٱدْعُواْ مَنِ ٱسْتَطَعْتُمْ مِّن دُونِ ٱللَّهِ}.
وتحداهم في سورة هود بعشر سور منه في قوله: {قُلْ فَأْتُواْ بِعَشْرِ سُوَرٍ مِّثْلِهِ مُفْتَرَيَاتٍ وَٱدْعُواْ مَنِ ٱسْتَطَعْتُمْ مِّن دُونِ ٱللَّهِ}.
وتحداهم في سورة الطور هذه به كله في قوله {فَلْيَأْتُواْ بِحَدِيثٍ مِّثْلِهِ}.
وبين في سورة بني إسرائيل أنهم لا يقدرون على شيء من ذلك في قوله {قُل لَّئِنِ ٱجْتَمَعَتِ ٱلإِنسُ وَٱلْجِنُّ عَلَىٰ أَن يَأْتُواْ بِمِثْلِ هَـٰذَا ٱلْقُرْءَانِ لاَ يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ}.
وقد أطلق جل وعلا اسم الحديث على القرآن في قوله هنا: {فَلْيَأْتُواْ بِحَدِيثٍ مِّثْلِهِ} كما أطلق عليه ذلك في قوله {ٱللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ ٱلْحَدِيثِ كِتَـٰباً مُّتَشَـٰبِه}، وقوله تعالى {مَا كَانَ حَدِيثًا يُفْتَرَىٰ وَلَـٰكِن تَصْدِيقَ ٱلَّذِى بَيْنَ يَدَيْهِ}. قوله تعالى: {أَمْ خُلِقُواْ مِنْ غَيْرِ شَىْءٍ أَمْ هُمُ ٱلْخَـٰلِقُونَ}. قد قدمنا الكلام عليه وعلى الآيات المشابهة له في سورة مريم في الكلام على قوله تعالى {أَطَّلَعَ ٱلْغَيْبَ أَمِ ٱتَّخَذَ عِندَ ٱلرَّحْمَـٰنِ عَهْد}. قوله تعالى: {أَمْ لَهُمْ سُلَّمٌ يَسْتَمِعُونَ فِيهِ}. قد قدمنا الكلام عليه وعلى الآيات المشابهة له في سورة الحجر في الكلام على قوله تعالى {وَلَقَدْ جَعَلْنَا فِى ٱلسَّمَاءِ بُرُوجًا وَزَيَّنَّـٰهَا لِلنَّـٰظِرِينَ وَحَفِظْنَـٰهَ}. قوله تعالى: {أَمْ لَهُ ٱلْبَنَـٰتُ وَلَكُمُ ٱلْبَنُونَ}. قد قدمنا الآيات الموضحة له في سورة النحل في الكلام على قوله تعالى: {وَيَجْعَلُونَ لِلَّهِ ٱلْبَنَـٰتِ سُبْحَانَهُ وَلَهُمْ مَّا يَشْتَهُونَ}، وفي مواضع أخر متعددة. قوله
تعالى: {أَمْ تَسْألُهُمْ أَجْراً فَهُم مِّن مَّغْرَمٍ مُّثْقَلُونَ}. قد قدمنا الآيات الموضحة له وما يتعلق بها من الأحكام في سورة هود في الكلام على قوله تعالى {وَيٰقَوْمِ لاۤ أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مَال}. قوله تعالى: {وَإِن يَرَوْاْ كِسْفاً مِّنَ ٱلسَّمَآءِ سَـٰقِطاً يَقُولُواْ سَحَـٰبٌ مَّرْكُومٌ}. قد قدمنا الآيات الموضحة له بكثرة في سورة الأنعام في الكلام على قوله تعالى {وَلَوْ نَزَّلْنَا عَلَيْكَ كِتَـٰباً فِى قِرْطَاسٍ فَلَمَسُوهُ بِأَيْدِيهِمْ}، وفي غير ذلك من المواضع. قوله تعالى: {يَوْمَ لاَ يُغْنِى عَنْهُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئ}. بين جل وعلا في هذه الآية أن كيد الكفار لا يغني عنهم شيئاً في الآخرة في غير هذا الموضع، كقوله تعالى {هَـٰذَا يَوْمُ ٱلْفَصْلِ جَمَعْنَـٰكُمْ وَٱلاٌّوَّلِينَ فَإِن كَانَ لَكمُ كَيْدٌ فَكِيدُونِ}.
وبين أنه لا ينفعهم في الدنيا أيضاً كقوله تعالى في هذه السورة الكريمة {أَمْ يُرِيدُونَ كَيْداً فَٱلَّذِينَ كَفَرُواْ هُمُ ٱلْمَكِيدُونَ} وقوله {إِنَّهُمْ يَكِيدُونَ كَيْداً وَأَكِيدُ كَيْدا}، وقوله {سَنَسْتَدْرِجُهُمْ مِّنْ حَيْثُ لاَ يَعْلَمُونَ وَأُمْلِى لَهُمْ إِنَّ كَيْدِى مَتِينٌ} إلى غير ذلك من الآيات. قوله تعالى: {وَإِنَّ لِلَّذِينَ ظَلَمُواْ عَذَاباً دُونَ ذَلِكَ وَلَـٰكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ}. الظاهر أن قوله {عَذَاباً دُونَ ذَلِكَ} هو ما عذبوا به في دار الدنيا من القتل وغيره،
كما دل على ذلك قوله {وَلَنُذِيقَنَّهُمْ مِّنَ ٱلْعَذَابِ ٱلاٌّدْنَىٰ دُونَ ٱلْعَذَابِ ٱلاٌّكْبَرِ}. وقوله تعالى {قَـٰتِلُوهُمْ يُعَذِّبْهُمُ ٱللَّهُ بِأَيْدِيكُمْ} إلى غير ذلك من الآيات، ولا مانع من دخول عذاب القبر في ذلك، لأنه قد يدخل في ظاهر الآية، وما قيل في معنى الآية غير هذا لا يتجه عندي. والعلم عند الله تعالى.
تم بحمد الله تفسير سورة الطور
الصفحة رقم 525 من المصحف تحميل و استماع mp3