تفسير الشوكاني تفسير الصفحة 119 من المصحف



فتح القدير - صفحة القرآن رقم 119

118

قوله: 65- "ولو أن أهل الكتاب آمنوا واتقوا" أي لو أن المتمسكين بالكتاب، وهم اليهود والنصارى، على أن التعريف للجنس "آمنوا" الإيمان الذي طلبه الله منهم، ومن أهم الإيمان بما جاء به محمد صلى الله عليه وسلم كما أمروا بذلك في كتب الله المنزلة عليهم "واتقوا" المعاصي التي من أعظمها ما هم عليه من الشرك بالله والجحود لما جاء به رسول الله "لكفرنا عنهم سيئاتهم" التي اقترفوها، وإن كانت كثيرة متنوعة، وقيل المعنى: لوسعنا عليهم في أرزاقهم.
66- "ولو أنهم أقاموا التوراة والإنجيل" أي أقاموا ما فيهما من الأحكام التي من جملتها الإيمان بما جاء به محمد صلى الله عليه وسلم. قوله: "وما أنزل إليهم من ربهم"من سائر كتب الله التي من جملتها القرآن فإنها كلها وإن نزلت على غيرهم فهي في حكم المنزلة عليهم لكونهم متعبدين بما فيها "لأكلوا من فوقهم ومن تحت أرجلهم" ذكر فوق وتحت للمبالغة في تيسر أسباب الرزق لهم وكثرتها وتعدد أنواعها. قوله: "منهم أمة مقتصدة" جواب سؤال مقدر، كأنه قيل هل جميعهم متصفون بالأوصاف السابقة، أو البعض دون البعض، والمقتصدون منهم هم المؤمنون كعبد الله بن سلام ومن تبعه وطائفة من النصارى "وكثير منهم ساء ما يعملون" وهم المصرون على الكفر المتمردون عن إجابة محمد صلى الله عليه وسلم والإيمان بما جاء به. وقد أخرج ابن إسحاق والطبراني في الكبير وابن مردويه عن ابن عباس قال: قال رجل من اليهود يقال له النباش بن قيس: إن ربك بخيل لا ينفق، فأنزل الله: "وقالت اليهود يد الله مغلولة" الآية. وأخرج أبو الشيخ عنه أنها نزلت في فنحاص اليهودي. وأخرج مثله ابن جرير عن عكرمة. وأخرج عبد بن حميد وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله: "وقالت اليهود يد الله مغلولة" أي بخيلة. وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عنه نحوه. وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن قتادة في قوله: "وليزيدن كثيراً منهم ما أنزل إليك من ربك طغياناً وكفراً" قال: حملهم حسد محمد والعرب على أن تركوا القرآن وكفروا بمحمد ودينه وهم يجدونه مكتوباً عندهم. وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن مجاهد في قوله: "كلما أوقدوا ناراً للحرب" قال: حرب محمد صلى الله عليه وسلم. وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن السدي في الآية: كلما أجمعوا أمرهم على شيء فرقه الله وأطفأ حدهم ونارهم وقذف في قلوبهم الرعب. وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن قتادة في قوله: "ولو أن أهل الكتاب آمنوا واتقوا" قال: آمنوا بما أنزل على محمد واتقوا ما حرم الله. وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن مجاهد في قوله: "ولو أنهم أقاموا التوراة والإنجيل" قال: العمل بهما، وأما ما أنزل إليهم فمحمد صلى الله عليه وسلم وما أنزل عليه، وأما "لأكلوا من فوقهم" فأرسلت عليهم مطراً، وأما "من تحت أرجلهم" يقول أنبت لهم من الأرض من رزقي ما يغنيهم، "منهم أمة مقتصدة" وهم مسلمة أهل الكتاب. وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن عباس "لأكلوا من فوقهم" يعني لأرسل عليهم السماء مدراراً "ومن تحت أرجلهم" قال: تخرج الأرض من بركتها. وأخرج ابن جرير وأبو الشيخ عن الربيع بن أنس قال: الأمة المقتصدة: الذين لا هم فسقوا في الدين ولا هم غلوا. قال: والعلو الرغبة، والفسق التقصير عنه. وأخرج أبو الشيخ عن السدي "أمة مقتصدة" يقول مؤمنة. وأخرج ابن مردويه قال: حدثنا عبد الله بن جعفر، حدثنا أحمد بن يونس الضبي، حدثنا عاصم بن علي، حدثنا أبو معشر عن يعقوب بن زيد بن طلحة عن زيد بن أسلم عن أنس بن مالك قال: كنا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكر حديثاً، قال: ثم حدثهم النبي صلى الله عليه وسلم قال: "تفرقت أمة موسى على اثنتين وسبعين ملة، واحدة منها في الجنة وإحدى وسبعون منها في النار، وتفرقت أمة عيسى على اثنتين وسبعين ملة، واحدة منها في الجنة وإحدى وسبعون منها في النار، تعلو أمتي على الفريقين جميعاً ملة واحدة في الجنة وثنتان وسبعون منها في النار، قالوا: من هم يا رسول الله؟ قال: الجماعات الجماعات". قال يعقوب بن زيد: كان علي بن أبي طالب إذا حدث بهذا الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم تلا فيه قرآناً، قال: "ولو أن أهل الكتاب آمنوا واتقوا لكفرنا عنهم سيئاتهم" إلى قوله: "منهم أمة مقتصدة وكثير منهم ساء ما يعملون" وتلا أيضاً: "وممن خلقنا أمة يهدون بالحق وبه يعدلون" يعني أمة محمد صلى الله عليه وسلم. قال ابن كثير في تفسيره بعد ذكره لهذا الحديث ما لفظه: وحديث افتراق الأمم إلى بضع وسبعين مروي من طرق عديدة قد ذكرناها في موضع آخر انتهى. قلت: أما زيادة كونها في النار إلا واحدة، فقد ضعفها جماعة من المحدثين، بل قال ابن حزم إنها موضوعة.
العموم الكائن في ما أنزل يفيد أنه يجب عليه صلى الله عليه وسلم أن يبلغ جميع ما أنزل الله إليه لا يكتم منه شيئاً. وفيه دليل على أنه لم يسر إلى أحد مما يتعلق بما أنزله الله إليه شيئاً، ولهذا ثبت في الصحيحين عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت: من زعم أن محمداً صلى الله عليه وسلم كتم شيئاً من الوحي فقد كذب. وفي صحيح البخاري من حديث أبي جحيفة وهب بن عبد الله السوائي قال: قلت لعلي بن أبي طالب رضي الله عنه: هل عندكم شيء من الوحي مما ليس في القرآن؟ فقال: لا والذي فلق الحبة وبرأ النسمة، إلا فهماً يعطيه الله رجلاً في القرآن وما في هذه الصحيفة، قلت: وما في هذه الصحيفة؟ قال: العقل، وفكاك، الأسير، وأن لا يقتل مسلم بكافر "فإن لم تفعل" ما أمرت به من تبليغ الجميع بل كتمت ولو بعضاً من ذلك " فما بلغت رسالته ". قرأ أبو عمرو وأهل الكوفة إلا شعبة "رسالته" على التوحيد. وقرأ أهل المدينة وأهل الشام "رسالاته" على الجمع، قال النحاس: والجمع أبين لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان ينزل عليه الوحي شيئاً فشيئاً، ثم يبينه انتهى. وفيه نظر، فإن نفي التبليغ عن الرسالة الواحدة أبلغ من نفيه عن الرسالات، كما ذكره علماء البيان على خلاف في ذلك، وقد بلغ رسول الله صلى الله عليه وسلم لأمته ما نزل إليهم، وقال لهم في غير موطن: هل بلغت؟ فيشهدون له بالبيان، فجزاه الله عن أمته خيراً، ثم إن الله سبحانه وعده بالعصمة من الناس دفعاً لما يظن أنه حامل على كتم البيان، وهو خوف لحوق الضرر من الناس، وقد كن ذلك بحمد الله فإنه بين لعباد الله ما نزل إليهم على وجه التمام، ثم حمل من أبى من الدخول في الدين على الدخول فيه طوعاً أو كرهاً وقتل صناديد الشرك وفرق جموعهم وبدد شملهم، وكانت كلمة الله هي العليا، فأسلم كل من نازعه ممن لم يسبق فيه السيف العذل حتى قال يوم الفتح لصناديد قريش وأكابرهم: ما تظنون أني فاعل بكم؟ فقالوا: أخ كريم وابن أخ كريم فقال: اذهبوا فأنتم الطلقاء، وهكذا من سبقت له العناية من علماء هذه الأمة يعصمه الله من الناس، إن قام ببيان حجج الله وإيضاح براهينه، وصرخ بين ظهراني من ضاد الله وعانده ولم يمتثل لشرعه كطوائف المبتدعة، وقد رأينا من هذا في أنفسنا وسمعناه في غيرنا ما يزيد المؤمن إيماناً وصلابة في دين الله وشدة شكيمة في القيام بحجة الله، وكل ما يظنه متزلزلو الأقدام ومضطربو القلوب من نزول الضرر بهم وحصول المحن عليهم فهو خيالات مختلة وتوهمات باطلة، فإن كل محنة في الظاهر هي محنة في الحقيقة، لأنها لا تأتي إلا بخير في الأولى والأخرى: "إن في ذلك لذكرى لمن كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد". قوله: "إن الله لا يهدي القوم الكافرين" جملة متضمنة لتعليل ما سبق من العصمة: أي إن الله لا يجعل لهم سبيلاً إلى الإضرار بك، فلا تخف وبلغ ما أمرت بتبليغه. وقد أخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن مجاهد قال: لما نزلت "بلغ ما أنزل إليك من ربك" قال: يا رب إنما أنا واحد كيف أصنع؟ يجتمع علي الناس، فنزلت "وإن لم تفعل فما بلغت رسالته". وأخرج أبو الشيخ عن الحسن أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إن الله بعثني برسالته فضقت بها ذرعاً وعرفت أن الناس مكذبي، فوعدني لأبلغن أو ليعذبني، فأنزلت "يا أيها الرسول بلغ ما أنزل إليك من ربك"". وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله: "وإن لم تفعل فما بلغت رسالته" يعني إن كتمت آية مما أنزل إليك لم تبلغ رسالته. وأخرج ابن أبي حاتم وابن مردويه وابن عساكر عن أبي سعيد الخدري قال: نزلت هذه الآية "يا أيها الرسول بلغ ما أنزل إليك" على رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم غدير خم في علي بن أبي طالب رضي الله عنه. وأخرج ابن مردويه عن ابن مسعود قال: كنا نقرأ على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم (يا أيها الرسول بلغ ما أنزل إليك من ربك إن علياً مولى المؤمنين وإن لم تفعل فما بلغت رسالته والله يعصمك من الناس). وأخرج ابن أبي حاتم عن عنترة قال: كنت عند ابن عباس فجاءه رجل فقال: إن ناساً يأتونا فيخبرونا أن عندكم شيئاً لم يبده رسول الله صلى الله عليه وسلم للناس، فقال: ألم تعلم أن الله قال: "يا أيها الرسول بلغ ما أنزل إليك من ربك" والله ما ورثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم سوداء في بيضاء. وأخرج ابن مردويه والضياء في المختارة عن ابن عباس "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سئل: أي آية أنزلت من السماء أشد عليك؟ قال: كنت بمنى أيام موسم، فاجتمع مشركو العرب وأفناء الناس في الموسم، فأنزل علي جبريل فقال: "يا أيها الرسول بلغ ما أنزل إليك" الآية، قال: فقمت عند العقبة فناديت يا أيها الناس من ينصرني على أن أبلغ رسالة ربي وله الجنة، أيها الناس قولوا لا إله إلا الله وأنا رسول الله إليكم، تفلحوا وتنجحوا ولكم الجنة، قال: فما بقي رجل ولا امرأة ولا صبي إلا يرمون بالتراب والحجارة ويبزقون في وجهي ويقولون: كذاب صابئ، فعرض علي عارض فقال: يا محمد إن كنت رسول الله فقد آن لك أن تدعو عليهم كما دعا نوح على قومه بالهلاك، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: اللهم اهد قومي فإنهم لا يعلمون، فجاء العباس عمه فأنقذه منهم وطردهم عنه". قال الأعمش: فبذلك يفتخر بنو العباس ويقولون فيهم نزلت: "إنك لا تهدي من أحببت ولكن الله يهدي من يشاء" هوى النبي صلى الله عليه وسلم أبا طالب، وشاء الله عباس بن عبد المطلب. وأخرج عبد بن حميد والترمذي وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ والحاكم وابن مردويه وأبو نعيم والبيهقي كلاهما في الدلائل عن عائشة قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يحرس حتى نزلت "والله يعصمك من الناس" فأخرج رأسه من القبة فقال: أيها الناس انصرفوا فقد عصمني الله. قال الحاكم في المستدرك: صحيح الإسناد ولم يخرجاه. وأخرج الطبراني وابن مردويه من حديث أبي سعيد. وقد روي في هذا المعنى أحاديث. وأخرج ابن أبي حاتم عن جابر بن عبد الله قال:" لما غزا رسول الله صلى الله عليه وسلم بني أنمار نزل ذات الرقيع بأعلى نخل، فبينما هو جالس على رأس بئر قد دلى رجليه، فقال الوارث من بني النجار: لأقتلن محمداً، فقال له أصحابه: كيف تقتله؟ قال: أقول له أعطني سيفك فإذا أعطانيه قتلته به، فأتاه فقال: يا محمد أعطني سيفك أشمه، فأعطاه إياه، فرعدت يده حتى سقط من يده، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:حال الله بينك وبين ما تريد، فأنزل الله سبحانه: "يا أيها الرسول بلغ ما أنزل إليك" الآية". قال ابن كثير: وهذا حديث غريب من هذا الوجه. وأخرج ابن حبان في صحيحه وابن مردويه عن أبي هريرة نحو هذه القصة ولم يسم الرجل. وأخرج ابن جرير من حديث محمد بن كعب القرظي نحوه، وفي الباب روايات. وقصة غورث بن الحارث ثابتة في الصحيح، وهي معروفة ومشهورة.
قوله: 90- "على شيء" فيه تحقير وتقليل لما هم عليه: أي لستم على شيء يعتد به حتى تقيموا التوراة والإنجيل: أن تعملوا بما فيهما من أوامر الله ونواهيه التي من جملتها أمركم باتباع محمد صلى الله عليه وسلم ونهيكم عن مخالفته. قال أبو علي الفارسي: ويجوز أن يكون ذلك قبل النسخ لهما. قوله: "وما أنزل إليكم من ربكم" قيل هو القرآن، فإن إقامة الكتابين لا تصح بغير إقامته، ويجوز أن يكون المراد ما أنزل إليهم على لسان الأنبياء من غير الكتابين. قوله: "وليزيدن كثيراً منهم ما أنزل إليك من ربك طغياناً وكفراً" أي كفراً إلى كفرهم وطغياناً على طغيانهم، والمراد بالكثير منهم من لم يسلم، واستمر على المعاندة، وقيل المراد به العلماء منهم، وتصدير هذه الجملة بالقسم لتأكيد مضمونها، قوله: "فلا تأس على القوم الكافرين" أي دع عنك التأسف على هؤلاء، فإن ضرر ذلك راجع إليهم ونازل بهم، وفي المتبعين لك من المؤمنين غنى لك عنهم.
قوله: 69- "إن الذين آمنوا" إلخ، جملة مستأنفة لترغيب من عداهم من المؤمنين. والمراد بالمؤمنين هنا الذين آمنوا بألسنتهم وهم المنافقون "والذين هادوا" أي دخلوا في دين اليهود " والصابئون " مرتفع على الابتداء وخبره محذوف، والتقدير: والصابون والنصارى كذلك. قال الخليل وسيبويه: الرفع محمول على التقديم والتأخير، والتقدير: إن الذين آمنوا والذين هادوا من آمن بالله واليوم الآخر وعمل صالحاً فلا خوف عليهم ولا هم يحزنون والصابون والنصارى كذلك، وأنشد سيبويه، قول الشاعر: وإلا فاعلمــوا أنا وانتـــــم بغاة ما بقينا في شقاق أي وإلا فاعلموا أنا بغاة وأنتم كذلك، ومثله قوله ضابي البرجمي: فمن يك أمسى بالمدينة رحله فإني وقيار بها لغريب أي فإني لغريب وقيار كذلك. وقال الكسائي والأخفش: إن " الصابئون " معطوف على المضمر في "هادوا" قال النحاس: سمعت الزجاج يقول وقد ذكر له قول الكسائي والأخفش: هذا خطأ من وجهين: أحدهما أن المضمر المرفوع لا يعطف عليه حتى يؤكد. وثانيهما أن المعطوف شريك المعطوف عليه، فيصير المعنى: إن الصابئين قد دخلوا في اليهودية، وهذا محال. وقال الفراء: إنما جاز الرفع لأن إن ضعيفة فلا تؤثر إلا في الإسم دون الخبر، فعلى هذا هو عنده معطوف على محل اسم إن، أو على مجموع إن واسمها، وقيل إن خبر إن مقدر، والجملة الآتية خبر الصابئون والنصارى، كما في قول الشاعر: نحن بما عندنــا وأنت بما عندك راض والرأي مختلف وقيل إن إن هنا بمعنى نعم: فالصابون مرتفع بالابتداء، ومثله قول قيس بن الرقيات: بكــر العواذل في الصبـــا ح يلمــــنني وألومــــنه ويقلن شــــيب قد عـــلا ك وقد كبرت فقلت إنه قال الأخفش: إنه بمعنى نعم والهاء للسكت. وقد تقدم الكلام على الصابئين والنصارى في البقرة، وقرئ الصابيون بياء صريحة تخفيفاً للهمزة، وقرئ الصابون بدون ياء، وهو من صبا يصبو لأنهم صبوا إلى اتباع الهوى، وقرئ والصابئين عطفاً على اسم إن. قوله: "من آمن بالله" مبتدأ خبره "فلا خوف عليهم ولا هم يحزنون" والمبتدأ وخبره خبر لإن، ودخول الفاء لتضمن المبتدأ معنى الشرط، والعائد إلى اسم إن محذوف: أي من آمن منهم، ويجوز أن يكون من آمن بدلاً من اسم إن وما عطف عليه، ويكون خبر إن "فلا خوف عليهم ولا هم يحزنون". والمعنى على تقدير كون المراد بالذين آمنوا المنافقين كما قدمنا: أن من آمن من هذه الطوائف إيماناً خالصاً على الوجه المطلوب وعمل عملاً صالحاً، فهو الذي لا خوف عليه ولا حزن، وأما على تقدير كون المراد بالذين آمنوا جميع أهل الإسلام: المخلص والمنافق، فالمراد بمن آمن من اتصف بالإيمان الخالص واستمر عليه، ومن أحدث إيماناً خالصاً بعد نفاقه.
قوله: 70- "لقد أخذنا ميثاق بني إسرائيل" كلام مبتدأ لبيان بعض أفعالهم الخبيثة. وقد تقدم في البقرة بيان معنى الميثاق "وأرسلنا إليهم رسلاً" ليعرفوهم بالشرائع وينذروهم "كلما جاءهم رسول بما لا تهوى أنفسهم" جملة شرطية وقعت جواباً لسؤال ناس من الأحبار بإرسال الرسل كأنه قيل: ماذا فعلوا بالرسل؟ وجواب الشرط محذوف: أي عصوه. وقوله: "فريقاً كذبوا وفريقاً يقتلون" جملة مستأنفة أيضاً جواب عن سؤال ناس عن الجواب الأول كأنه قيل: كيف فعلوا بهم؟ فقيل فريقاً منهم كذبوهم ولم يتعرضوا لهم بضرر، وفريقاً آخر منهم قتلوهم، وإنما قال: "وفريقاً يقتلون" لمراعاة رؤوس الآي، فمن كذبوه عيسى وأمثاله من الأنبياء، وممن قتلوه زكريا ويحيى.