تفسير الشوكاني تفسير الصفحة 168 من المصحف



فتح القدير - صفحة القرآن رقم 168

167

وجملة 144- "قال يا موسى" مستأنفة كالتي قبلها متضمنة لإكرام موسى واختصاصه بما اختصه الله به. والاصطفاء: الاجتباء والاختيار: أي اخترتك على الناس المعاصرين لك برسالتي كذا قرأ نافع وابن كثير بالإفراد، وقرأ الباقون بالجمع. والرسالة مصدر، والأصل فيه الإفراد، ومن جمع فكأنه نظر إلى أن الرسالة هي على ضروب فجمع لاختلاف الأنواع، والمراد بالكلام هنا: التكليم. امتن الله سبحانه عليه بهذين النوعين العظيمين من أنواع الإكرام، وهما الرسالة والتكليم من غير واسطة ثم أمره بأن يأخذ ما آتاه: أي أعطاه من هذا الشرف الكريم، وأمره بأن يكون من الشاكرين على هذا العطاء العظيم والإكرام الجليل.
قوله: 145- "وكتبنا له في الألواح من كل شيء موعظة وتفصيلاً لكل شيء" من كل شيء: أي من كل ما يحتاج إليه بنو إسرائيل في دينهم ودنياهم، وهذه الألواح: هي التوراة، قيل: كانت من زمردة خضراء، وقيل: من ياقوتة حمراء، وقيل: من زبرجد، وقيل: من صخرة صماء. وقد اختلف في عدد الألواح وفي مقدار طولها وعرضها، والألواح: جمع لوح، وسمي لوحاً لكونه تلوح فيه المعاني، وأسند الله سبحانه الكتابة إلى نفسه تشريفا للمكتوب في الألواح، وهي مكتوبة بأمره سبحانه، وقيل: هي كتابة خلقها الله في الألواح، و "من كل شيء" في محل نصب على أنه مفعول "كتبنا" و "موعظة وتفصيلاً" بدل من محل كل شيء أي موعظة لمن يتعظ بها من بني إسرائيل وغيرهم وتفصيلاً للأحكام المحتاجة إلى التفصيل "فخذها بقوة" أي خذ الألواح بقوة: أي بجد ونشاط وقيل: الضمير عائد إلى الرسالات، أو إلى كل شيء، أو إلى التوراة، قيل: وهذا الأمر على إضمار القول: أي فقلنا له خذها، وقيل إن "فخذها" بدل من قوله: "فخذ ما آتيتك" "وأمر قومك يأخذوا بأحسنها" أي بأحسن ما فيها بما أجره أكثر من غيره، وهو مثل قوله تعالى: "اتبعوا أحسن ما أنزل إليكم من ربكم"، وقوله: "فيتبعون أحسنه"، ومن الأحسن الصبر على الغير والعفو عنه والعمل بالعزيمة دون الرخصة، وبالفريضة دون النافلة، وفعل المأمور به، وترك المنهي عنه. قوله: " سأريكم دار الفاسقين " قيل: هي أرض مصر التي كانت لفرعون وقومه وقيل: منازل عاد وثمود، وقيل: هي جهنم، وقيل: منازل الكفار من الجبابرة والعمالقة ليعتبروا بها، وقيل الدار: الهلاك. والمعنى: سأريكم هلاك الفاسقين. وقد تقدم تحقيق معنى الفسق.
قوله: 146- "سأصرف عن آياتي الذين يتكبرون في الأرض بغير الحق" قيل: معنى "سأصرف عن آياتي الذين يتكبرون" سأمنعهم فهم كتابي، وقيل: سأصرفهم عن الإيمان بها، وقيل: سأصرفهم عن نفعها مجازاة على تكبرهم كما في قوله: " فلما زاغوا أزاغ الله قلوبهم "، وقيل: سأطبع على قلوبهم حتى لا يتفكروا فيها ولا يعتبروا بها. واختلف في تفسير الآيات فقيل هي المعجزات، وقيل الكتب المنزلة، وقيل هي خلق السموات والأرض وصرفهم عنها أن لا يعتبروا بها، ولا مانع من حمل الآيات على جميع ذلك حمل الصرف على جميع المعاني المذكورة و "بغير الحق" إما متعلق بقوله: "يتكبرون" أي يتكبرون بما ليس بحق، أو بمحذوف وقع حالاً: أي يتكبرون متلبسين بغير الحق. قوله: "وإن يروا كل آية لا يؤمنوا بها" معطوف على "يتكبرون" منتظم معه في حكم الصلة. والمعنى سأصرف عن آياتي المتكبرين التاركين للإيمان بما يرونه من الآيات، ويدخل تحت كل آية الآيات المنزلة، والآيات التكوينية، والمعجزات: أي لا يؤمنون بآية من الآيات كائنة ما كانت. وقرأ مالك بن دينار يروا بضم الياء في الموضعين، وجملة "وإن يروا سبيل الرشد لا يتخذوه سبيلاً" معطوفة على ما قبلها داخلة في حكمها، وكذلك جملة "وإن يروا سبيل الغي يتخذوه سبيلاً" والمعنى: أنهم إذا وجدوا سبيلاً من سبل الرشد تركوه وتجنبوه، وإن رأوا سبيلاً من سبل الغي سلكوه واختاروه لأنفسهم. قرأ أهل المدينة وأهل البصرة "الرشد" بضم الراء وإسكان الشين. وقرأ أهل الكوفة إلا عاصماً بفتح الراء والشين. قال أبو عبيدة: فرق أبو عمرو بين الرشد والرشد فقال: الرشد الصلاح والرشد في الدين. قال النحاس: سيبويه يذهب إلى أن الرشد والرشد كالسخط والسخط. قال الكسائي: والصحيح عن أبي عمرو وغيره ما قال أبو عبيدة. وأصل الرشد في اللغة: أن يظفر الإنسان بما يريد، وهو ضد الخيبة، والإشارة بقوله: "ذلك" إلى الصرف: أي ذلك الصرف بسبب تكذيبهم أو الإشارة إلى التكبر وعدم الإيمان بالآيات، وتجنب سبيل الرشد، وسلوك سبيل الغي، واسم الإشارة مبتدأ، وخبره جملة "بأنهم كذبوا بآياتنا وكانوا عنها غافلين" أي بسبب تكذيبهم بالآيات وغفلتهم عنها.
والموصول في 147- "والذين كذبوا بآياتنا ولقاء الآخرة" مبتدأ، وخبره "حبطت أعمالهم"، والمراد بلقاء الآخرة: لقاء الدار الآخرة: أي لقائهم لها أو لقائهم ما وعدوا به فيها على أن الإضافة إلى الظرف. وحباط الأعمال بطلانها: أي بطلان ما عملوه مما صورته صورة الطاعة كالصدقة والصلة وإن كانوا في حال كفرهم لا طاعات لهم، ويحتمل أن يراد أن تبطل بعدما كانت مرجوة النفع على تقدير إسلامهم لما في الحديث الصحيح: "لما أسلمت على ما أسلفت من خير". "هل يجزون إلا ما كانوا يعملون" من الكفر بالله، والتكذيب بآياته، وتنكب سبيل الحق، وسلوك سبيل الغي. وقد أخرج الحكيم الترمذي في نوادر الأصول عن كعب قال: لما كلم الله موسى قال: يا رب أهكذا كلامك؟ قال: يا موسى إنما أكلمك بقوة عشرة آلاف لسان ولي قوة الألسن كلها، ولو كلمتك بكنه كلامي لم تك شيئاً. وأخرج البزار وابن أبي حاتم وأبو نعيم في الحلية والبيهقي في الأسماء والصفات من حديث جابر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لما كلم الله موسى يوم الطور كلمه بغير الكلام الذي كلمه به يوم ناداه فقال له موسى: يا رب أهذا كلامك الذي كلمتني به؟ قال: يا موسى إنما كلمتك بقوة عشرة آلاف لسان ولي قوة الألسن كلها وأقوى من ذلك، فلما رجع موسى إلى بني إسرائيل قالوا: يا موسى صف لنا كلام الرحمن، فقال: لا تستطيعونه، ألم تروا إلى أصوات الصواعق التي تقتل، في أحلى حلاوة سمعتموه فذاك قريب منه وليس به". وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم والحاكم وصححه عن أبي الحويرث عبد الرحمن بن معاوية قال: إنما كلم الله موسى بقدر ما يطيق من كلامه ولو تكلم بكلامه كله لم يطقه شيء، فمكث موسى أربعين ليلة لا يراه أحد إلا مات من نور رب العالمين. وأخرج ابن جرير وأبو الشيخ عن ابن عباس في قوله: "قال رب أرني أنظر إليك" يقول: أعطني أنظر إليك. وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر عن قتادة في الآية قال: لما سمع الكلام طمع في الرؤية. وأخرج أبو الشيخ عن ابن عباس قال: حين قال موسى لربه تبارك وتعالى: "رب أرني أنظر إليك" قال الله: يا موسى إنك لن تراني، قال: يقول: ليس تراني ولا يكون ذلك أبداً، يا موسى إنه لن يراني أحد فيحيا، قال موسى: رب إني أراك ثم أموت أحب إلي من أن لا أراك ثم أحيا، فقال الله لموسى: يا موسى انظر إلى الجبل العظيم الطويل الشديد "فإن استقر مكانه" يقول: فإن ثبت مكانه لم يتضعضع ولم ينهد لبعض ما يرى من عظمتي "فسوف تراني" أنت لضعفك وذلتك، وإن الجبل انهد بقوته وشدته وعظمته فأنت أضعف وأذل. وأخرج أحمد وعبد بن حميد والترمذي وصححه وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وابن عدي في الكامل وأبو الشيخ والحاكم وصححه وابن مردويه والبيهقي في كتاب الرؤية من طرق عن أنس بن مالك: "أن النبي صلى الله عليه وسلم قرأ هذه الآية "فلما تجلى ربه للجبل جعله دكاً" قال:هكذا، وأشار بأصبعيه ووضع إبهاميه على أنملة الخنصر، وفي لفظ على المفصل الأعلى من الخنصر، فساخ الجبل "وخر موسى صعقاً"". وفي لفظ: "فساخ الجبل في الأرض فهو يهوي فيها إلى يوم القيامة". وهذا الحديث حديث صحيح على شرط مسلم. وأخرج أبو الشيخ عن ابن عباس قال: الجبل الذي أمره الله أن ينظر إليه الطور. وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم وأبو الشيخ والبيهقي في كتاب الرؤية عن ابن عباس: "فلما تجلى ربه للجبل" قال: ما تجلى منه إلا قدر الخنصر "جعله دكاً" قال: تراباً "وخر موسى صعقاً" قال: مغشياً عليه. وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ وابن مردويه وأبو نعيم في الحلية والديلمي عن أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "لما تجلى الله للجبل طارت لعظمته ستة أجبل، فوقعت ثلاثة بالمدينة وثلاثة بمكة، بالمدينة: أحد وورقان ورضوى، وبمكة: حراء وثبير وثور". وأخرج الطبراني في الأوسط عن أنس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "لما تجلى الله لموسى تطايرت سبعة أجبل، ففي الحجاز خمسة منها، وفي اليمن اثنان،في الحجاز: أحد وثبير وحراء وثور وورقان، وفي اليمن: حضور وصبر". وأخرج ابن جرير والحاكم وصححه وابن مردويه عن ابن عباس أن موسى لما كلمه ربه أحب أن ينظر إليه فسأله فقال: "لن تراني ولكن انظر إلى الجبل" قال: فحف حول الجبل الملائكة وحف حول الملائكة بنار وحف حول النار بملائكة وحف حولهم بنار، ثم تجلى ربه للجبل تجلى منه مثل الخنصر، فجعل الجبل دكاً وخر موسى صعقاً، فلم يزل صعقاً ما شاء الله، ثم أفاق فقال: سبحانك تبت إليك وأنا أول المؤمنين من بني إسرائيل. وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وأبو الشيخ عن علي بن أبي طالب قال: كتب الله الألواح لموسى وهو يسمع صريف الأقلام في لوح. وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ وابن مردويه عن جعفر بن محمد عن أبيه عن جده عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "الألواح التي أنزلت على موسى كانت من سدر الجنة كان طول اللوح إثني عشر ذراعاً". وأخرج ابن أبي حاتم عن سعيد بن جبير قال: كانوا يقولون كانت الألواح من ياقوتة. وأنا أقول: إنما كانت من زمرد وكتابها الذهب، كتبها الله بيده، فسمع أهل السموات صريف الأقلام. أقول: رحم الله سعيداً ما كان أغناه عن هذا الذي قاله من جهة نفسه، فمثله لا يقال بالرأي ولا بالحدس، والذي يغلب به الظن أن كثيراً من السلف رحمهم الله كانوا يسألون اليهود عن هذه الأمور، فلهذا اختلفت واضطربت فهذا يقول من خشب، وهذا يقول من ياقوت، وهذا يقول من زمرد، وهذا يقول من زبرجد، وهذا يقول من برد، وهذا يقول من حجر. وأخرج أبو الشيخ عن السدي "وكتبنا له في الألواح من كل شيء" كل شيء أمروا به ونهوا عنه. وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم عن مجاهد مثله. وقد اختلف السلف في المكتوب في الألواح اختلافاً كثيراً، ولا مانع من حمل المكتوب على جميع ذلك لعدم التنافي. وأخرج وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن ابن عباس "فخذها بقوة" قال: بجد وحزم " سأريكم دار الفاسقين " قال: دار الكفار. وأخرج ابن جرير عنه "وأمر قومك يأخذوا بأحسنها" قال: أمر موسى أن يأخذها بأشد مما أمر به قومه. وأخرج عبد بن حميد وابن أبي حاتم عن الربيع بن أنس "فخذها بقوة" قال: بطاعة. وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن السدي في قوله: "فخذها بقوة" يعني بجد واجتهاد "وأمر قومك يأخذوا بأحسنها" قال: بأحسن ما يجدون منها. وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن مجاهد " سأريكم دار الفاسقين " قال: مصيرهم في الآخرة. وأخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد وابن أبي حاتم عن قتادة قال: منازلهم في الدنيا. وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن الحسن قال: جهنم. وأخرج أبو الشيخ عن قتادة قال: مصر. وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن السدي في قوله: "سأصرف عن آياتي" قال: عن أن يتفكروا في آياتي. وأخرج ابن المنذر وأبو الشيخ عن ابن جريج "عن آياتي" قال: عن خلق السموات والأرض والآيات التي فيها سأصرفهم عن أن يتفكروا فيها أو يعتبروا. وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن سفيان بن عيينة في الآية قال: أنزع عنهم فهم القرآن.
قوله: 148- "واتخذ قوم موسى من بعده" أي من بعد خروجه إلى الطور "من حليهم" متعلق باتخذ أو بمحذوف وقع حالاً، ومن للتبعيض، أو للابتداء، أو للبيان، والحلي جمع حلى. وقرأ أهل المدينة وأهل البصرة من حليهم بضم الحاء وتشديد الياء. وقرأ أهل الكوفة إلا عاصماً بكسر الحاء. وقرأ يعقوب بفتح الحاء وتخفيف الياء. قال النحاس: جمع حلي وحلي وحلى مثل ثدي وثدي وثدي، والأصل حلوى أدغمت الواو في الياء فانكسرت اللام لمجاورتها الياء وتكسر الحاء لكسرة اللام وضمها على الأصل، وأضيفت الحلي إليهم وإن كانت لغيرهم لأن الإضافة تجوز لأدنى ملابسة، و "عجلاً" مفعول اتخذ، وقيل: هو بمعنى التصيير فيتعدى إلى مفعولين ثانيهما محذوف: أي اتخذوا عجلاً إلهاً، و "جسداً" بدل من عجلاً، وقيل: وصف له، والخوار الصياح: يقال: خار يخور خوراً إذا صاح، وكذلك خار يخار خواراً. ونسب اتخاذ العجل إلى القوم جميعاً مع أنه اتخذه السامري وحده لكونه واحداً منهم وهم راضون بفعله. روي أنه لما وعد موسى قومه ثلاثين ليلة فأبطأ عليهم في العشر المزيدة، قال السامري لبني إسرائيل وكان مطاعاً فيهم: إن معكم حلياً من حلي آل فرعون الذي استعرتموه منهم لتتزينوا به في العيد وخرجتم وهو معكم، وقد أغرق الله أهله من القبط فهاتوها، فدفعوها إليه فاتخذ منها العجل المذكور. قوله: "ألم يروا أنه لا يكلمهم" الاستفهام للتقريع والتوبيخ: أي ألم يعتبروا بأن هذا الذي اتخذوه إلهاً لا يقدر على تكليمهم فضلاً عن أن يقدر على جلب نفع لهم أو دفع ضر منهم "ولا يهديهم سبيلاً" أي طريقاً واضحة يسلكونها "اتخذوه وكانوا ظالمين" أي اتخذوه إلهاً "وكانوا ظالمين" لأنفسهم في اتخاذه أو في كل شيء، ومن جملة ذلك هذا الاتخاذ.
قوله: 149- "ولما سقط في أيديهم" أي ندموا وتحيروا بعد عود موسى من الميقات، يقال للنادم المتحير: قد سقط في يده. قال الأخفش: يقال: سقط في يده وأسقط، ومن قال: سقط في أيديهم على البناء للفاعل، غماً فالمعنى عنده: سقط الندم وأصله أن من شأن من اشتد ندمه وحسرته أن يعض يده غماً فتصير يده مسقوطاً فيها، لأن فاه قد وقع فيها. وقال الأزهري والزجاج والنحاس وغيرهم: معنى سقط في أيديهم: أي في قلوبهم وأنفسهم كما يقال: حصل في يده مكروه، وإن كان محالاً أن يكون في اليد تشبيهاً لما يحصل في القلب والنفس بما يحصل في اليد، لأن مباشرة الأشياء في الغالب باليد، قال الله تعالى: "ذلك بما قدمت يداك" وأيضاً الندم وإن حل القلب فأثره يظهر في البدن، لأن النادم يعض يده ويضرب إحدى يديه على الأخرى، قال الله تعالى: "فأصبح يقلب كفيه على ما أنفق فيها" ومنه "يوم يعض الظالم على يديه" أي من الندم وأيضاً النادم يضع ذقنه في يده، "ورأوا أنهم قد ضلوا" سقط: أي تبينوا أنهم قد ضلوا باتخاذهم العجل وأنهم قد ابتلوا بمعصية الله سبحانه "قالوا لئن لم يرحمنا ربنا ويغفر لنا" قرأ حمزة والكسائي بالفوقية في الفعلين جميعاً، وقرأ الباقون بالتحتية واللام للقسم. وجوابه "لنكونن من الخاسرين". وفي هذا الكلام منهم ما يفيد الاستغاثة بالله والتضرع والابتهال في السؤال، وسيأتي في سورة طه إن شاء الله ما يدل على أن هذا الكلام المحكي عنهم هنا وقع بعد رجوع موسى، وإنما قدم هنا على رجوعه لقصد حكاية ما صدر عنهم من القول والفعل في موضع واحد.