تفسير الشوكاني تفسير الصفحة 221 من المصحف



فتح القدير - صفحة القرآن رقم 221

220

وجملة 107- "وإن يمسسك الله بضر" إلى آخرها مقررة لمضمون ما قبلها. والمعنى أن الله سبحانه هو الضار النافع، فإن أنزل بعبده ضراً لم يستطع أحد أن يكشفه كائناً من كان، بل هو المختص بكشفه كما اختص بإنزاله "وإن يردك بخير" أي خير كان لم يستطع أحد أن يدفعه عنك ويحول بينك وبينه كائناً من كان، وعبر بالفضل مكان الخير للإرشاد إلى أنه يتفضل على عباده بما لا يستحقونه بأعمالهم. قال الواحدي: إن قوله: "وإن يردك بخير" هو من القلب، وأصله وإن يرد بك الخير، ولكن لما تعلق كل واحد منهما بالآخر جاز أن يكون كل واحد منهما مكان الآخر. قال النيسابوري: وفي تخصيص الإرادة بجانب الخير، والمس بجانب الشر دليل على أن الخير يصدر عنه سبحانه بالذات، والشر بالعرض. قلت: وفي هذا نظر فإن المس هو أمر وراء الإرادة فهو مستلزم لها، والضمير في يصيب به راجع إلى فضله: أي يصيب بفضله من يشاء من عباده، وجملة "وهو الغفور الرحيم" تذييلية.
ثم ختم هذه السورة بما يستدل به على قضائه وقدره، فقال: 108- "قل يا أيها الناس قد جاءكم الحق من ربكم" أي القرآن "فمن اهتدى فإنما يهتدي لنفسه ومن ضل فإنما يضل عليها" أي منفعة اهتدائه مختصة به، وضرر كفره مقصور عليه لا يتعداه، وليس لله حاجة في شيء من ذلك، ولا غرض يعود إليه "وما أنا عليكم بوكيل" أي بحفيظ يحفظ أموركم وتوكل إليه: إنما أنا بشير ونذير.
ثم أمره الله سبحانه أن يتبع ما أوحاه الله إليه من الأوامر والنواهي التي يشرعها الله له ولأمته ثم أمره بالصبر على أذى الكفار وما يلاقيه من مشاق التبليغ وما يعانيه من تلون أخلاق المشركين وتعجرفهم، وجعل ذلك الصبر ممتداً إلى غاية هي قوله: "حتى يحكم الله وهو خير الحاكمين" أي يحكم الله بينه وبينهم في الدنيا بالنصر له عليهم، وفي الآخرة بعذابهم بالنار وهم يشاهدونه صلى الله عليه وسلم هو وأمته، المتبعون له المؤمنون به، العاملون بما يأمرهم به، المنتهون عما ينهاهم عنه، يتقلبون في نعيم الجنة الذي لا ينفد، ولا يمكن وصفه، ولا يوقف على أدنى مزاياه. وقد أخرج أبو الشيخ عن السدي في قوله: "وما تغني الآيات والنذر عن قوم" يقول: عند قوم "لا يؤمنون" نسخت قوله: " حكمة بالغة فما تغن النذر ". وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن قتادة في قوله: "فهل ينتظرون إلا مثل أيام الذين خلوا من قبلهم" قال: وقائع الله في الذين خلوا من قبلهم قوم نوح وعاد وثمود. وأخرج ابن جرير وأبو الشيخ عن الربيع في الآية قال: خوفهم عذابه ونقمته وعقوبته، ثم أخبرهم أنه إذا وقع من ذلك أمر نجى الله رسله والذين آمنوا، فقال: "ثم ننجي رسلنا والذين آمنوا" الآية. وأخرج أبو الشيخ عن السدي في قوله: "وإن يردك بخير" يقول: بعافية وأخرج البيهقي في الشعب عن عامر بن قيس قال: ثلاث آيات في كتاب الله اكتفيت بهن عن جميع الخلائق: أولهن: "وإن يمسسك الله بضر فلا كاشف له إلا هو وإن يردك بخير فلا راد لفضله"، والثانية: "ما يفتح الله للناس من رحمة فلا ممسك لها وما يمسك فلا مرسل له"، والثالثة: "ما من دابة في الأرض إلا على الله رزقها". وأخرج أبو الشيخ عن الحسن نحوه. وأخرج أبو الشيخ عن مجاهد في قوله: "فلا راد لفضله" قال: هو الحق المذكور في قوله: "قد جاءكم الحق من ربكم". وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم في قوله: "واصبر حتى يحكم الله" قال: هذا منسوخ، أمره بجهادهم والغلظة عليهم. سورة الهود هي مكية في قول الحسن وعكرمة وعطاء وجابر. قال ابن عباس وقتادة: إلا آية وهي قوله: "وأقم الصلاة طرفي النهار". وأخرج النحاس في ناسخه وأبو الشيخ وابن مردويه من طرق عن ابن عباس قال: نزلت سورة هود بمكة. وأخرج ابن مردويه عن عبد الله بن الزبير مثله. وأخرج الدارمي وأبو داود في مراسيله وأبو الشيخ وابن مردويه وابن عساكر والبيهقي في الشعب عن كعب قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "اقرأوا هود يوم الجمعة". وأخرج ابن المنذر والطبراني وأبو الشيخ وابن مردويه وابن عساكر من طريق مسروق عن أبي بكر الصديق قال: قلت: يا رسول الله لقد أسرع إليك الشيب، فقال: "شيبتني هود، والواقعة، والمرسلات، وعم يتساءلون، وإذا الشمس كورت". وأخرجه البزار وابن مردويه من طرق أنس عنه مرفوعاً بلفظ: قلت: يا رسول الله عجل إليك الشيب، قال: "شيبتني هود وأخواتها، والواقعة، والحاقة، وعم يتساءلون، وهل أتاك حديث الغاشية". وأخرجه سعيد بن منصور وابن مردويه عن أنس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لقد عجل إليك الشيب، فقال: "شيبتني هود وأخواتها من المفصل". وأخرج الترمذي وحسنه وابن المنذر والحاكم وصححه وابن مردويه والبيهقي في البعث والنشور من طريق عكرمة عن ابن عباس قال: قال أبو بكر يا رسول الله قد شبت، قال: "شيبتني هود، والواقعة، والمرسلات، وعم يتساءلون، وإذا الشمس كورت". وأخرج ابن عساكر من طريق عطاء عنه أن الصحابة قالوا: يا رسول الله لقد أسرع إليك الشيب، قال: "أجل شيبتني هود وأخواتها". قال عطاء: وأخواتها: اقتربت الساعة، والمرسلات، وإذا الشمس كورت. وأخرج البيهقي في الدلائل عن أبي سعيد الخدري قال: قال عمر بن الخطاب: يا رسول الله أسرع إليك الشيب، قال: "شيبتني هود وأخواتها: الواقعة، وعم يتساءلون، وإذا الشمس كورت". وأخرج الطبراني وابن مردويه عن سهل بن سعد الساعدي قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "شيبتني هود وأخواتها: الواقعة، والحاقة، وإذا الشمس كورت". وأخرجا أيضاً عن ابن مسعود: أن أبا بكر قال: يا رسول الله ما شيبك؟ قال: "هود والواقعة". وفي إسناده عمرو بن ثابت وهو متروك. وأخرج الطبراني وابن مردويه بسند صحيح عن عقبة بن عامر أن رجلاً قال: يا رسول الله قد شبت، قال: "شيبتني هود، وإذا الشمس كورت وأخواتها". وأخرج الحكيم الترمذي في نوادر الأصول وعبد الله بن أحمد في زوائد الزهد وأبو يعلى والطبراني وأبو الشيخ وابن مردويه وابن عساكر عن أبي جحيفة قال: قالوا: يا رسول الله نراك قد شبت، قال: "شيبتني هود وأخواتها". وأخرج ابن مردويه وابن عساكر عن عمران بن حصين أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال له أصحابه: قد أسرع إليك الشيب، قال: "شيبتني هود وأخواتها من المفصل". وأخرج ابن عساكر عن جعفر بن محمد عن أبيه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "شيبتني هود وأخواتها وما فعل بالأمم قبل". قوله: 1- "الر" إن كان مسروداً على سبيل التعديد كما في سائر فواتح السور فلا محل له، وإن كان اسماً للسورة فهو في محل رفع على أنه مبتدأ خبره ما بعده أو خبر مبتدأ محذوف، و "كتاب" يكون على هذا الوجه خبراً لمبتدأ محذوف: أي هذا كتاب وكذا على تقدير أن "الر" لا محل له، ويجوز أن يكون "الر" في محل نصب بتقدير فعل يناسب المقام نحو: اذكر، أو اقرأ، فيكون كتاب على هذا الوجه خبر مبتدأ محذوف، والإشارة في المبتدأ المقدر إما إلى بعض القرآن أو إلى مجموع القرآن، ومعنى "أحكمت آياته" صارت محكمة متقنة لا نقص فيها ولا نقض لها كالبناء المحكم، وقيل معناه: إنها لم تنسخ بخلاف التوراة والإنجيل، وعلى هذا فيكون هذا الوصف للكتاب باعتبار الغالب، وهو المحكم الذي لم ينسخ، وقيل معناه: أحكمت آياته بالأمر والنهي، ثم فصلت بالوعد والوعيد والثواب والعقاب، وقيل: أحكمها الله من الباطل ثم فصلها بالحلال والحرام، وقيل: أحكمت جملته، ثم فصلت آياته، وقيل: جمعت في اللوح المحفوظ ثم فصلت بالوحي، وقيل: أيدت بالحجج القاطعة الدالة على كونها من عند الله، وقيل: معنى إحكامها أن لا فساد فيها، أخذاً من قولهم أحكمت الدابة: إذا وضعت عليها الحكمة لتمنعها من الجماح، و "ثم فصلت" معطوف على أحكمت، ومعناه ما تقدم، والتراخي المستفاد من ثم إما زماني إن فسر التفصيل بالتنجيم على حسب المصالح، وإما رتبي إن فسر بغير مما تقدم، والجمل في محل رفع على أنها صفة لكتاب أو خبر آخر للمبتدأ أو خبر لمبتدأ محذوف، وفي قوله: "من لدن حكيم خبير" لف ونشر، لأن المعنى: أحكمها حكيم وفصلها خبير عالم بمواقع الأمور.
قوله: 2- " أن لا تعبدوا إلا الله " مفعول له حذف منه اللام: كذا في الكشاف، وفيه أنه ليس بفعل لفاعل الفعل المعلل، وقيل: أن هي المفسرة لما في التفصيل من معنى القول، وقيل: هو كلام مبتدأ منقطع عما قبله محكياً على لسان النبي صلى الله عليه وسلم. قال الكسائي والفراء: التقدير أحكمت بأن لا تعبدوا إلا الله. وقال الزجاج: أحكمت ثم فصلت لئلا تعبدوا إلا الله، ثم أخبرهم رسول الله صلى الله عليه وسلم بأنه نذير وبشير فقال: "إنني لكم منه نذير وبشير" أي ينذرهم ويخوفهم من عذابه لمن عصاه ويبشرهم بالجنة والرضوان لمن أطاعه، والضمير في منه راجع إلى الله سبحانه: أي إنني لكم نذير وبشير من جهة الله سبحانه، وقيل: هو من كلام الله سبحانه كقوله: "ويحذركم الله نفسه".
قوله: 3- "وأن استغفروا ربكم" معطوف على أن لا تعبدوا، والكلام في أن هذه كالكلام في التي قبلها. وقوله: "ثم توبوا إليه" معطوف على استغفروا، وقدم الإرشاد إلى الاستغفار على التوبة لكونه وسيلة إليها، وقيل: إن التوبة من متممات الاستغفار، وقيل: معنى استغفروا توبوا، ومعنى توبوا: أخلصوا التوبة واستقيموا عليها، وقيل: استغفروا من سالف الذنوب ثم توبوا من لاحقها، وقيل: استغفروا من الشرك ثم ارجعوا إليه بالطاعة. قال الفراء: ثم هاهنا بمعنى الواو: أي وتوبوا إليه لأن الاستغفار هو التوبة والتوبة هي الاستغفار، وقيل: إنما قدم ذكر الاستغفار لأن المغفرة هي الغرض المطلوب، والتوبة هي السبب إليها، وما كان آخراً في الحصول كان أولاً في الطلب، وقيل: استغفروا في الصغائر وتوبوا إليه في الكبائر، ثم رتب على ما تقدم أمرين، الأول: "يمتعكم متاعاً حسناً" أصل الإمتاع الإطالة ومنه أمتع الله بك، فمعنى الآية: يطول نفعكم في الدنيا بمنافع حسنة مرضية من سعة الرزق ورغد العيش "إلى أجل مسمى" إلى وقت مقدر عند الله وهو الموت، وقيل القيامة، وقيل دخول الجنة، والأول أولى. والأمر الثاني قول: "ويؤت كل ذي فضل فضله" أي يعط كل ذي فضل في الطاعة والعمل فضله: أي جزاء فضله إما في الدنيا أو في الآخرة أو فيهما جميعاً، والضمير في فضله راجع إلى كل ذي فضل، وقيل: راجع إلى الله سبحانه على معنى أن الله يعطي كل من فضلت حسناته فضله الذي يتفضل به على عباده. ثم توعدهم على مخالفة الأمر فقال: "وإن تولوا" أي تتولوا وتعرضوا عن الإخلاص في العبادة والاستغفار والتوبة "فإني أخاف عليكم عذاب يوم كبير" وهو يوم القيامة، ووصفه بالكبر لما فيه من الأهوال، وقيل: اليوم الكبير يوم بدر.
ثم بين سبحانه عذاب اليوم الكبير بقوله: 4- "إلى الله مرجعكم" أي رجوعكم إليه بالموت، ثم البعث، ثم الجزاء، لا إلى غيره "وهو على كل شيء قدير" ومن جملة ذلك عذابكم على عدم الامتثال، وهذه الجملة مقررة لما قبلها.
ثم أخبر الله سبحانه بأن هذا الإنذار والتحذير والتوعد لم ينجع فيهم، ولا لانت له قلوبهم، بل هم مصرون على العناد مصممون على الكفر، فقال مصدراً لهذا الإخبار بكلمة التنبيه الدالة على التعجب من حالهم، وأنه أمر ينبغي أن يتنبه له العقلاء ويفهموه 5- "ألا إنهم يثنون صدورهم" يقال: ثنى صدره عن الشيء: إذا ازور عنه وانحرف منه، فيكون في الكلام كناية عن الإعراض، لأن من أعرض عن الشيء ثني عنه صدره وطوى عنه كشحه، وقيل معناه: يعطفون صدورهم على ما فيها من الكفر والإعراض عن الحق، فيكون في الكلام كناية عن الإخفاء لما يعتقدونه من الكفر كما كان دأب المنافقين. والوجه الثاني أولى، ويؤيده قوله: "ليستخفوا منه" أي ليستخفوا من الله فلا يطلع عليه رسوله والمؤمنين، أو ليستخفوا من رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم كرر كلمة التنبيه مبيناً للوقت الذي يثنون فيه صدورهم فقال: "ألا حين يستغشون ثيابهم" أي يستخفون في وقت استغشاء الثياب، وهو التغطي بها، وقد كانوا يقولون إذا أغلقنا أبوابنا واستغشينا ثيابنا وثنينا صدورنا على عداوة محمد فمن يعلم بنا؟ وقيل: معنى حين يستغشون: حين يأوون إلى فراشهم ويتدثرون بثيابهم، وقيل: إنه حقيقة وذلك أن بعض الكفار كان إذا مر به رسول الله صلى الله عليه وسلم ثنى صدره وولى ظهره واستغشى ثيابه لئلا يسمع كلام رسول الله صلى الله عليه وسلم، وجملة "يعلم ما يسرون وما يعلنون" مستأنفة لبيان أنه لا فائدة لهم في الاستخفاء، لأن الله سبحانه يعلم ما يسرونه في أنفسهم أو في ذات بينهم وما يظهرونه، فالظاهر والباطن عنده سواء، والسر والجهر سيان، وجملة "إنه عليم بذات الصدور" تعليل لما قبلها وتقرير له، وذات الصدور هي الضمائر التي تشتمل عليها الصدور، وقيل هي القلوب، والمعنى: إنه عليم بجميع الضمائر، أو عليم بالقلوب وأحوالها في الإسرار والإظهار، فلا يخفى عليه شيء من ذلك.
ثم أكد كونه عالماً بكل المعلومات بما فيه غاية الامتنان ونهاية الإحسان فقال: 6- "وما من دابة في الأرض إلا على الله رزقها" أي الرزق الذي تحتاج إليه من الغذاء اللائق بالحيوان على اختلاف أنواعه تفضلاً منه وإحساناً، وإنما جيء به على طريق الوجوب كما تشعر به كلمة على اعتباراً بسبق الوعد به منه، ومن زائدة للتأكيد، ووجه اتصال هذا الكلام بما قبله أن الله سبحانه لما كان لا يغفل عن كل حيوان باعتبار ما قسمه له من الرزق، فكيف يغفل عن أحواله وأقواله وأفعاله، والدابة كل حيوان يدب "ويعلم مستقرها" أي محل استقرارها في الأرض أو محل قرارها في الأصلاب "ومستودعها" موضعها في الأرحام، وما يجري مجراها كالبيضة ونحوها. وقال الفراء: مستقرها حيث تأوي إليه ليلاً ونهاراً، ومستودعها موضعها الذي تموت فيه، وقد مر تمام الأقوال في سورة الأنعام، ووجه تقدم المستقر على المستودع على قول الفراء ظاهر. وأما على القول الأول فلعله وجه ذلك أن المستقر أنسب باعتبار ما هي عليه حال كونها دابة. والمعنى: وما من دابة في الأرض إلا يرزقها الله حيث كانت من أماكنها بعد كونها دابة وقبل كونها دابة، وذلك حيث تكون في الرحم ونحو، ثم ختم الآية بقوله: "كل في كتاب مبين" أي كل من ما تقدم ذكره من الدواب ومستقرها ومستودعها ورزقها في كتاب مبين، وهو اللوح المحفوظ: أي مثبت فيه.
ثم أكد دلائل قدرته بالتعرض لذكر خلق السموات والأرض، وكيف كان الحال قبل خلقها فقال: 7- "وهو الذي خلق السموات والأرض في ستة أيام" قد تقدم بيان هذا في الأعراف، قيل: والمراد بالأيام الأوقات: أي في ستة أوقات كما في قوله: "ومن يولهم يومئذ دبره" وقيل: مقدار ستة أيام، ولا يستقيم أن يكون المراد بالأيام هنا الأيام المعروفة، وهي المقابلة لليالي، لأنه لم يكن حينئذ لا أرض ولا سماء وليس اليوم إلا عبارة عن مدة كون الشمس فوق الأرض، وكان خلق السموات في يومين والأرضين في يومين وما عليهما من أنواع الحيوان والنبات والجماد في يومين كما سيأتي في حم السجدة. قوله: "وكان عرشه على الماء" أي كان قبل خلقهما عرشه على الماء، وفيه بيان تقدم خلق العرش والماء على السموات والأرضين. قوله: "ليبلوكم أيكم أحسن عملاً" اللام متعلقة بخلق: أي خلق هذه المخلوقات ليبتلي عباده بالاعتبار والتفكر والاستدلال على كمال قدرته وعلى البعث والجزاء أيهم أحسن عملاً من غيره، ويدخل في العمل الاعتقاد، لأنه من أعمال القلب، وقيل: المراد بالأحسن عملاً الأتم عقلاً، وقيل: الأزهد في الدنيا، وقيل: الأكثر شكراً، وقيل: الأتقى لله. قوله: "ولئن قلت إنكم مبعوثون من بعد الموت ليقولن الذين كفروا إن هذا إلا سحر مبين" ثم لما كان الابتلاء يتضمن حديث البعث أتبع ذلك بذكره، والمعنى: لئن قلت لهم يا محمد على ما توجبه قضية الابتلاء إنكم مبعوثون من بعد الموت فيجازي المحسن بإحسانه والمسيء بإساءته، ليقولن الذين كفروا من الناس إن هذا الذي تقوله يا محمد إلا باطل كبطلان السحر وخدع كخدعه. ويجوز أن تكون الإشارة بهذا إلى القرآن، لأنه المشتمل على الإخبار بالبعث. وقرأ حمزة والكسائي " إن هذا إلا سحر " يعنون النبي صلى الله عليه وسلم وكسرت إن من قوله: "إنكم" لأنها بعد القول. وحكى سيبويه الفتح على تضمين قلت معنى ذكرت، أو على أن بمعنى عل: أي ولئن قلت لعلكم مبعوثون، على أن الرجاء باعتبار حال المخاطبين: أي توقعوا ذلك ولا تبتوا القول بإنكاره.