تفسير الشوكاني تفسير الصفحة 260 من المصحف



فتح القدير - صفحة القرآن رقم 260

259

34- "وآتاكم من كل ما سألتموه" قال الأخفش: أي أعطاكم من كل مسؤول سألتموه شيئاً فحذف شيئاً، وقيل المعنى: وآتاكم من كل ما سألتموه ومن كل ما لم تسألوه فحذفت الجملة الأخرى، قاله ابن الأنباري. وقيل من زائدة: أي آتاكم كل ما سألتموه، وقيل للتبعيض: أي آتاكم بعض كل ما سألتموه. وقرأ ابن عباس والضحاك والحسن وقتادة "من كل" بتنوين كل، وعلى هذه القراءة يجوز أن تكون "ما" نافية: أي آتاكم من جميع ذلك حال كونكم غير سائلين له، ويجوز أن تكون موصولة: أي آتاكم من كل شيء الذي سألتموه "وإن تعدوا نعمة الله لا تحصوها" أي وإن تتعرضوا لتعداد نعم الله التي أنعم بها عليكم إجمالاً فضلاً عن التفصيل لا تطيقوا إحصاءها بوجه من الوجوه، ولا تقوموا بحصرها على حال من الأحوال، وأصل الإحصاء أن الحاسب إذا بلغ عقداً معيناً من عقود الأعداد وضع حصاة ليحفظه بها، ومعلوم أنه لو رام فرد من أفراد العباد أن يحصي ما أنعم الله به عليه في خلق عضو من أعضائه، أو حاسة من حواسه لم يقدر على ذلك قط ولا أمكنه أصلاً، فكيف بما عدا ذلك من النعم في جميع ما خلقه الله في بدنه، فكيف بما عدا ذلك من النعم الواصلة إليه في كل وقت على تنوعها واختلاف أجناسها. اللهم إنا نشكرك على كل نعمة أنعمت بها علينا مما لا يعلمه إلا أنت، ومما علمناه شكراً لا يحيط به حصر ولا يحصره عد، وعدد ما شكرك الشاكرون بكل لسان في كل زمان "إن الإنسان لظلوم" لنفسه بإغفاله لشكر نعم الله عليه، وظاهره شمول كل إنسان. وقال الزجاج: إن الإنسان اسم جنس يقصد به الكافر خاصة كما قال: "إن الإنسان لفي خسر" أي شديد كفران نعم الله عليه جاحد لها غير شاكر -سبحانه عليها، كما ينبغي ويجب عليه. وقد أخرج عبد الرزاق وسعيد بن منصور والبخاري والنسائي وابن جرير وابن أبي حاتم وابن مردويه والبيهقي عن ابن عباس في قوله: "ألم تر إلى الذين بدلوا نعمة الله كفراً" قال: هم كفار أهل مكة. وأخرج البخاري في تاريخه وابن جرير وابن المنذر وابن مردويه عن عمر بن الخطاب في قوله: "ألم تر إلى الذين بدلوا نعمة الله كفراً" قال: هما الأفجران من قريش: بنو المغيرة، وبنو أمية، فأما بنو المغيرة فكفيتموهم يوم بدر، وأما بنو أمية فمتعوا إلى حين. وأخرج ابن مردويه عن ابن عباس عن عمر نحوه. وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والطبراني في الأوسط والحاكم وصححه وابن مردويه من طرق عن علي في الآية نحوه أيضاً. وأخرج عبد الرزاق والفريابي والنسائي وابن جرير وابن أبي حاتم وابن الأنباري والحاكم وصححه، وابن مردويه والبيهقي عن أبي الطفيل أن ابن الكواء سأل علياً عن الذين بدلوا نعمة الله كفراً قال: هم الفجار من قريش كفيتهم يوم بدر. قال: فمن الذين ضل سعيهم في الحياة الدنيا؟ قال: منهم أهل حروراء. وقد روي في تفسير هذه الآية عن علي من طرق نحو هذا. وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس في الآية قال: هم جبلة بن الأيهم والذين اتبعوه من العرب فلحقوا بالروم. وأخرج ابن جرير وابن المنذر عن ابن عباس "وأحلوا قومهم دار البوار" قال: الهلاك. وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر عن قتادة في قوله: "وجعلوا لله أنداداً" قال: أشركوا بالله. وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن مجاهد "وسخر لكم الأنهار" قال: بكل فائدة. وأخرج ابن جرير عن ابن عباس "وسخر لكم الشمس والقمر دائبين" قال: دؤوبهما في طاعة الله. وأخرج ابن أبي حاتم عن عكرمة "وآتاكم من كل ما سألتموه" قال: من كل شيء رغبتم إليه فيه. وأخرج ابن جرير وابن المنذر عن مجاهد مثله. وأخرج ابن جرير عن الحسن قال: من كل الذي سألتموه. وأخرج ابن أبي الدنيا والبيهقي في الشعب عن سليمان التيمي قال: إن الله أنعم على العباد على قدره وكلفهم الشكر على قدرهم. وأخرجا أيضاً عن بكر بن عبد الله المزني قال: يابن آدم إن أردت أن تعلم قدر ما أنعم الله عليك فغمض عينيك. وأخرج البيهقي عن أبي الدرداء قال: من لم يعرف نعمة الله عليه إلا في مطعمه ومشربه، فقد قل عمله وحضر عذابه. وأخرج ابن أبي الدنيا والبيهقي عن أبي أيوب القرشي مولى بني هاشم قال: قال داود عليه السلام رب أخبرني ما أدنى نعمتك علي، فأوحى إلي: يا داود تنفس فتنفس، فقال هذا أدنى نعمتي عليك. وأخرج ابن أبي حاتم عن عمر بن الخطاب أنه قال: اللهم اغفر لي ظلمي وكفري، فقال قائل: يا أمير المؤمنين هذا الظلم، فما بال الكفر؟ قال: إن الإنسان لظلوم كفار.
قوله: 35- "وإذ قال إبراهيم" متعلق بمحذوف: أي اذكر وقت قوله، ولعل المراد بسياق ما قاله إبراهيم عليه السلام في هذا الموضع بيان كفر قريش بالنعم الخاصة بهم، وهي إسكانهم مكة بعد ما بين كفرهم بالنعم العامة، وقيل إن ذكر قصة إبراهيم ها هنا لمثال الكلمة الطيبة، وقيل لقصد الدعاء إلى التوحيد، وإنكار عبادة الأصنام "رب اجعل هذا البلد آمناً" المراد بالبلد هنا مكة: دعا إبراهيم ربه أن يجعله آمناً: أي ذا أمن، وقدم طلب الأمن على سائر المطالب المذكورة بعده، لأنه إذا انتفى الأمن لم يفرغ الإنسان لشيء آخر من أمور الدين والدنيا، وقد تقدم تفسير مثل هذه الآية في البقرة عند قوله تعالى: "رب اجعل هذا بلداً آمناً"، والفرق بين ما هنا وما هنالك أن المطلوب هنا مجرد الأمن للبلد، والمطلوب هنالك البلدية والأمن "واجنبني وبني أن نعبد الأصنام"، يقال جنبته كذا وأجنبته وجنبته: أي باعدته عنه، والمعنى: باعدني، وباعد بني عن عبادة الأصنام، قيل أراد بنيه من صلبه وكانوا ثمانية، وقيل أراد من كان موجوداً حال دعوته من بنيه وبني بنيه، وقيل أراد جميع ذريته ما تناسلوا، ويؤيد ذلك ما قيل من أنه لم يعبد أحد من أولاد إبراهيم صنماً، والصنم هو التمثال الذي كانت تصنعه أهل الجاهلية من الأحجار ونحوها فيعبدونه. وقرأ الجحدري وعيسى بن عمر " واجنبني " بقطع الهمزة على أن أصله أجنب.
36- "رب إنهن أضللن كثيراً من الناس" أسند الإضلال إلى الأصنام مع كونها جمادات لا تعقل، لأنها سبب لضلالهم فكأنها أضلتهم، وهذه الجملة تعليل لدعائه لربه، ثم قال: "فمن تبعني" أي من تبع ديني من الناس فصار مسلماً موحداً "فإنه مني" أي من أهل ديني: جعل أهل ملته كنفسه مبالغة " ومن عصاني " فلم يتتابعني ويدخل في ملتي " فإنك غفور رحيم " قادر على أن تغفر له، قيل قال هذا قبل أن يعلم أن الله لا يغفر أن يشرك به كما وقع منه الاستغفار لأبيه وهو مشرك، كذا قال ابن الأنباري، وقيل المراد عصيانه هنا فيما دون الشرك، وقيل إن هذه المغفرة مقيدة بالتوبة من الشرك.
ثم قال 37- "ربنا إني أسكنت من ذريتي" قال الفراء: من للتبعيض: أي بعض ذريتي. وقال ابن الأنباري: إنها زائدة: أي أسكنت ذريتي، والأول أولى، لأنه إنما أسكن إسماعيل وهو بعض ولده "بواد غير ذي زرع" أي لا زرع فيه، وهو وادي مكة "عند بيتك المحرم" أي الذي يحرم فيه ما يستباح في غيره، وقيل إنه محرم على الجبابرة، وقيل محرم من أن تنتهك حرمته، أو يستخف به. وقد تقدم في سورة المائدة ما يغني عن الإعادة، ثم قال: "ربنا ليقيموا الصلاة" اللام متعلقة بأسكنت: أي أسكنتهم ليقيموا الصلاة فيه، متوجهين إليه، متبركين به، وخصها دون سائر العبادات لمزيد فضلها، ولعل تكرير النداء لإظهار العناية الكاملة بهذه العبادة "فاجعل أفئدة من الناس تهوي إليهم" الأفئدة جمع فؤاد، وهو القلب، عبر به عن جميع البدن، لأنه أشرف عضو فيه. وقيل هو جمع وفد والأصل أوفدة فقدمت الفاء، وقلبت الواو ياء، فكأنه قال: وجعل وفوداً من الناس تهوي إليهم، و "من" في "من الناس" للتبعيض، وقيل زائدة ولا يلزم منه أن يحج اليهود والنصارى بدخولهم تحت لفظ الناس، لأن المطلوب توجيه قلوب الناس إليهم للسكون معهم والجلب إليهم لا توجيهها إلى الحج، ولو كان هذا مراداً لقال تهوي إليه، وقيل "من" للابتداء كقولك: القلب مني سقيم، يريد قلبي، ومعنى تهوي إليهم: تنزع إليهم، يقال هوى نحوه: إذا مال، وهوت الناقة تهوي هوياً فهي هاوية: إذا عدت عدواً شديداً كأنها تهوي في بئر، ويحتمل أن يكون المعنى: تجيء إليهم أو تسرع إليهم، والمعنى متقارب " وارزقهم من الثمرات " أي أرزق ذريتي الذين أسكنتهم هنالك أو هم ومن يساكنهم من الناس من أنواع الثمرات التي تنبت فيه، أو تجلب إليه "لعلهم يشكرون" نعمك التي أنعمت بها عليهم.
38- "ربنا إنك تعلم ما نخفي وما نعلن" أي ما نكتمه وما نظهره، لأن الظاهر والمضمر بالنسبة إليه سبحانه سيان. قيل والمراد هنا بما نخفي ما يقابل ما نعلن، فالمعنى ما نظهره وما لا نظهره، وقدم ما نخفي على ما نعلن للدلالة على أنهما مستويان في علم الله سبحانه. وظاهر النظم القرآني عموم كل ما لا يظهر وما يظهر من غير تقييد بشيء معين من ذلك، وقيل المراد ما يخفيه إبراهيم من وجده بإسماعيل وأمه حيث أسكنهما بواد غير ذي زرع، وما يعلنه من ذلك، وقيل ما يخفيه إبراهيم من الوجد ويعلنه من البكاء والدعاء، والمجيء بضمير المجاعة يشعر بأن إبراهيم لم يرد نفسه فقط، بل أراد جيمع العباد، فكأن المعنى: أن الله سبحانه يعلم بكل ما يظهره العباد وبكل ما لا يظهرونه. وأما قوله: "وما يخفى على الله من شيء في الأرض ولا في السماء" فقال جمهور المفسرين: هو من كلام الله سبحانه تصديقاً لما قاله إبراهيم من أنه سبحانه يعلم بما يخفيه العباد وما يعلنونه، فقال سبحانه: وما يخفى على الله شيء من الأشياء الموجودة كائناً ما كان، وإنما ذكر السموات والأرض لأنها المشاهدة للعباد، وإلا فعلمه سبحانه محيط بكل ما هو داخل في العالم، وكل ما هو خارج عنه لا تخفى عليه منه خافية. قيل ويحتمل أن يكون هذا من قول إبراهيم تحقيقاً لقوله الأول، وتعميماً بعد التخصيص.
ثم حمد الله سبحانه على بعض نعمه الواصلة إليه فقال: 39- "الحمد لله الذي وهب لي على الكبر إسماعيل وإسحاق" أي وهب لي على كبر سني وسن امرأتي، قيل ولد له إسماعيل وهو ابن تسع وتسعين سنة، وولد له إسحاق وهو ابن مائة واثنتي عشرة سنة، وقيل و "على" هنا بمعنى مع: أي وهو لي مع كبري ويأسي عن الولد "إن ربي لسميع الدعاء" أي لمجيب الدعاء من قولهم سمع كلامه: إذا أجابه واعتد به وعمل بمقتضاه، وهو من إضافة الصفة المتضمنة للمبالغة إلى المفعول، والمعنى: إنك لكثير إجابة الدعاء لمن يدعوك.
ثم سأل الله سبحانه بأن يجعله مقيم الصلاة محافظاً عليها غير مهمل لشيء منها، ثم قال: 40- "ومن ذريتي" أي بعض ذريتي: أي اجعلني واجعل بعض ذريتي مقيمين للصلاة، وإنما خص البعض من ذريته، لأنه علم أن منهم من لا يقيمها كما ينبغي. قال الزجاج: أي اجعل من ذريتي من يقيم الصلاة، ثم سأل الله سبحانه أن يتقبل دعاءه على العموم، ويدخل في ذلك دعاؤه في هذا المقام دخولاً أولياً. قيل والمراد بالدعاء هنا العبادة، فيكون المعنى: وتقبل عبادتي التي أعبدك بها.
ثم طلب من الله سبحانه أن يغفر له ما وقع منه مما يستحق أن يغفره الله وإن لم يكن كبيراً لما هو معلوم من عصمة الأنبياء عن الكبائر. ثم طلب من الله سبحانه أن يغفر لوالديه. وقد قيل إنه دعا لهما بالمغفرة قبل أن يعلم أنهما عدوان لله سبحانه كما في قوله سبحانه: "وما كان استغفار إبراهيم لأبيه إلا عن موعدة وعدها إياه فلما تبين له أنه عدو لله تبرأ منه". وقيل كانت أمه مسلمة، وقيل أراد بوالديه آدم وحواء. وقرأ سعيد بن جبير "ولوالدي" بالتوحيد على إرادة الأب وحده. وقرأ إبراهيم النخعي ولولدي يعني إسماعيل وإسحاق، وكذا قرأ يحيى بن يعمر، ثم استغفر للمؤمنين. وظاهره شمول كل مؤمن سواء كان من ذريته أو لم يكن منهم، وقيل أراد المؤمنين من ذريته فقط 41- "يوم يقوم الحساب" أي يوم يثبت حساب المكلفين في المحشر، استعير له لفظ يقوم الذي هو حقيقته في قيام الرجل للدلالة على أنه في غاية الاستقامة، وقيل إن المعنى يوم يقوم الناس للحساب، والأول أولى. وقد أخرج ابن جرير عن مجاهد في قوله: "وإذ قال إبراهيم" الآية قال: فاستجاب الله لإبراهيم دعوته في ولده فلم يعبد أحد من ولده صنماً بعد دعوته، واستجاب الله له، وجعل هذا البلد آمناً، ورزق أهله من الثمرات، وجعله إماماً، وجعل من ذريته من يقيم الصلاة، وتقبل دعاءه فأراه مناسكه وتاب عليه. وأخرج أبو نعيم في الدلائل عن عقيل بن أبي طالب أن النبي صلى الله عليه وسلم لما أتاه الستة النفر من الأنصار جلس إليهم عند جمرة العقبة، فدعاهم إلى الله وإلى عبادته والمؤازرة على دينه، فسألوه أن يعرض عليهم ما أوحي إليه، فقرأ من سورة إبراهيم "وإذ قال إبراهيم رب اجعل هذا البلد آمناً واجنبني وبني أن نعبد الأصنام" إلى آخر السورة، فرق القوم واخبتوا حين سمعوا منه ما سمعوا وأجابوه. وأخرج الواقدي وابن عساكر من طريق عامر بن سعد عن أبيه قال: كانت سارة تحت إبراهيم، فمكثت تحته دهراً لا ترزق منه ولداً، فلما رأت ذلك وهبت له هاجر أمة لها قبطية، فولدت له إسماعيل، فغارت من ذلك سارة ووجدت في نفسها وعتبت على هاجر، فحلفت أن تقطع منها ثلاثة أطراف، فقال لها إبراهيم: هل لك أن تبري يمينك؟ قالت: كيف أصنع؟ قال: اثقبي أذنيها واخفضيها، والخفض: هو الختان، ففعلت ذلك بها فوضعت هاجر في أذنيها قرطين فازدادت بهما حسناً. فقالت سارة: أراني إنما زدتها جمالاً فلم تقاره على كونه معها ووجد بها إبراهيم وجداً شديداً، فنقلها إلى مكة فكان يزورها في كل يوم من الشام على البراق من شغفه بها وقلة صبره عنها. وأخرج ابن جرير عن ابن عباس في قوله: "إني أسكنت من ذريتي" قال: أسكن إسماعيل وأمه مكة. وأخرج ابن المنذر عنه قال: إن إبراهيم حين قال "فاجعل أفئدة من الناس تهوي إليهم" لو قال أفئدة الناس تهوي إليهم لازدحمت عليه فارس والروم. وأخرج ابن أبي شيبة وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن الحكم قال: سألت عكرمة وطاوساً وعطاء بن أبي رباح عن هذه الآية "فاجعل أفئدة من الناس تهوي إليهم" فقالوا البيت تهوي إليه قلوبهم يأتونه، وفي لفظ قالوا هواهم إلى مكة أن يحجوا. وأخرج عبد الرزاق وابن جرير وابن المنذر عن قتادة في قوله: "تهوي إليهم" قال: تنزع إليهم. وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن محمد بن مسلم الطائفي أن إبراهيم لما دعا للحرم "وارزق أهله من الثمرات" نقل الله الطائف من فلسطين. وأخرج ابن أبي حاتم عن الزهري قال: إن الله نقل قرية من قرى الشام فوضعها بالطائف لدعوة إبراهيم، وأخرج ابن جرير وابن المنذر والبيهقي في شعب الإيمان قال السيوطي بسند حسن عن ابن عباس قالوا: لو كان إبراهيم عليه السلام قال فاجعل أفئدة الناس تهوي إليهم لحج اليهود والنصارى والناس كلهم، ولكنه قال أفئدة من الناس فخص به المؤمنين. وأخرج ابن أبي حاتم عنه في قوله: "ما نخفي وما نعلن" قال: من الحزن. وأخرج ابن أبي حاتم عن إبراهيم النخعي في قوله: "ربنا إنك تعلم ما نخفي" قال: من حب إسماعيل وأمه "وما نعلن" قال: ما نظهر لسارة من الجفاء لهما. وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله: "الحمد لله الذي وهب لي على الكبر إسماعيل وإسحاق" قال: هذا بعد ذلك بحين. وأخرج ابن جرير عن سعيد بن جبير قال: بشر إبراهيم بعد سبع عشرة سنة ومائة سنة.
قوله: 42- "ولا تحسبن" خطاب للنبي صلى الله عليه وسلم، وهو تعريض لأمته، فكأنه قال: ولا تحسب أمتك يا محمد، ويجوز أن يكون خطاباً لكل من يصلح له من المكلفين، وإن كان الخطاب للنبي صلى الله عليه وسلم من غير تعريض لأمته فمعناه التثبيت على ما كان عليه من عدم الحسبان كقوله: "ولا تكونن من المشركين" ونحوه، وقيل المراد: ولا تحسبنه يعاملهم معاملة الغافل عما يعملون، ولكن معاملة الرقيب عليهم، أو يكون المراد بالنهي عن الحسبان الإيذان بأنه عالم بذلك لا تخفى عليه منه خافية. وفي هذا تسلية لرسول الله صلى الله عليه وسلم وإعلام للمشركين بأن تأخير العذاب عنهم ليس للرضا بأفعالهم، بل سنة الله سبحانه في إمهال العصاة "إنما يؤخرهم ليوم تشخص فيه الأبصار" أي يؤخر جزاءهم ولا يؤاخذهم بظلمهم. وهذه الجملة تعليل للنهي السابق. وقرأ الحسن والسلمي وهو رواية عن أبي عمرو بالنون في نؤخرهم. وقرأ الباقون بالتحتية. واختارها أبو عبيد وأبو حاتم لقوله "ولا تحسبن الله" ومعنى "ليوم تشخص فيه الأبصار" أي ترفع فيه أبصار أهل الموقف، ولا تغمض من هول ما تراه في ذلك اليوم، هكذا قال الفراء. يقال: شخص الرجل بصره وشخص البصر نفسه إلى السماء من هول ما يرى، والمراد أن الأبصار بقيت مفتوحة لا تتحرك من شدة الحيرة والدهشة.