تفسير الشوكاني تفسير الصفحة 261 من المصحف



فتح القدير - صفحة القرآن رقم 261

260

43- "مهطعين" أي مسرعين من أهطع يهطع إهطاعاً: إذا أسرع، وقيل المهطع: الذي ينظر في ذل وخشوع. ومنه: بدجلة دارهم ولقد أراهم بدجلة مهطعين إلى السماء وقيل المهطع: الذي يديم النظر. قال أبو عبيدة: قد يكون الوجهان جميعاً، يعني الإسراع مع إدامة النظر، وقيل المهطع الذي لا يرفع رأسه. وقال ثعلب: المهطع الذي ينظر في ذل وخضوع، وقيل هو الساكت. قال النحاس: والمعروف في اللغة أهطع: إذا أسرع "مقنعي رؤوسهم" أي رافعي رؤوسهم، وإقناع الرأس: رفعه، وأقنع صوته: إذا رفعه، والمعنى: أنهم يومئذ رافعون رؤوسهم إلى السماء ينظرون إليها نظر فزع وذل ولا ينظر بعضهم إلى بعض. وقيل إن إقناع الرأس نكسه، وقيل يقال أقنع: إذا رفع رأسه، وأقنع: إذا طأطأ ذلة وخضوعاً، والآية محتملة للوجهين. قال المبرد: والقول الأول أعرف في اللغة. قال الشاعر: أنغض نحوي رأسه وأقنعا كأنما أبصر شيئاً أطمعا "لا يرتد إليهم طرفهم" أي لا ترجع إليهم أبصارهم، وأصل الطرف: تحريك الأجفان، وسميت العين طرفاً لأنه يكون بها، ومن إطلاق الطرف على العين قول عنترة: وأغض طرفي إن بدت لي جارتي حتى يواري جارتي مأواها "وأفئدتهم هواء" الهواء في اللغة: المجوف الخالي الذي لم تشغله الأجرام، والمعنى: أن قلوبهم خالية عن العقل والفهم لما شاهدوا من الفزع والحيرة والدهش، وجعلها نفس الهوى مبالغة، ومنه قيل للأحمق والجبان قلبه هواء: أي لا رأي فيه ولا قوة، وقيل معنى الآية أنها خرجت قلوبهم عن مواضعها فصارت في الحناجر. وقيل المعنى: إن أفئدة الكفار في الدنيا خالية عن الخير، وقيل المعنى: وأفئدتهم ذات هواء. ومما يقارب معنى هذه الآية قوله تعالى: "وأصبح فؤاد أم موسى فارغاً" أي خالياً من كل شيء إلا من هم موسى.
44- "وأنذر الناس" هذا رجوع إلى خطاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، أمره الله سبحانه بأن ينذر الناس، والمراد الناس على العموم، وقيل المراد كفار مكة، وقيل الكفار على العموم. والأول أولى لأن الإنذار كما يكون للكافر يكون أيضاً للمسلم، ومنه قوله تعالى: "إنما تنذر من اتبع الذكر" ومعنى "يوم يأتيهم العذاب" يوم القيامة: أي خوفهم هذا اليوم، وهو يوم إتيان العذاب، وإنما اقتصر على ذكر إتيان العذاب فيه مع كونه يوم إتيان الثواب، لأن المقام مقام تهديد، وقيل المراد به يوم موتهم، فإنه أول أوقات إتيان العذاب، وقيل المراد يوم هلاكهم بالعذاب العاجل، وانتصاب يوم على أنه مفعول ثان لأنذر "فيقول الذين ظلموا ربنا أخرنا إلى أجل قريب" المراد بالذين ظلموا ها هنا هم الناس: أي فيقولون، والعدول إلى الإظهار مكان الإضمار للإشعار بأن الظلم هو العلة فيما نزل بهم، هذا إذا كان المراد بالناس هم الكفار. وعلى تقدير كون المراد بهم من يعم المسلمين، فالمعنى: فيقول الذين ظلموا منهم وهم الكفار ربنا أخرنا أمهلنا إلى أجل قريب إلى أمد من الزمان معلوم غير بعيد "نجب دعوتك" أي دعوتك لعبادك على ألسن أنبيائك إلى توحيدك "ونتبع الرسل" المرسلين منك إلينا فنعمل بما بلغوه إلينا من شرائعك، ونتدارك ما فرط منا من الإهمال، وإنما جمع الرسل، لأن دعوتهم إلى التوحيد متفقة، فاتباع واحد منهم اتباع لجميعهم، وهذا منهم سؤال للرجوع إلى الدنيا لما ظهر لهم الحق في الآخرة "ولو ردوا لعادوا لما نهوا عنه" ثم حكى سبحانه ما يجاب به عنهم عند أن يقولوا هذه المقالة. فقال: " أولم تكونوا أقسمتم من قبل ما لكم من زوال " أي فيقال لهم هذا القول توبيخاً وتقريعاً: أي أو لم تكونوا أقسمتم من قبل هذا اليوم ما لكم من زوال من دار الدنيا، وقيل إنه لا قسم منهم حقيقة، وإنما كان لسان حالهم ذلك لاستغراقهم في الشهوات وإخلادهم إلى الحياة الدنيا، وقيل قسمهم هذا هو ما حكاه الله عنهم في قوله: "وأقسموا بالله جهد أيمانهم لا يبعث الله من يموت"، وجواب القسم "ما لكم من زوال" وإنما جاء بلفظ الخطاب في ما لكم من زوال لمراعاة أقسمتم ولولا ذلك لقال: مالنا من زوال.
45- "وسكنتم في مساكن الذين ظلموا أنفسهم" أي استقررتم، يقال سكن الدار وسكن فيها، وهي بلاد ثمود ونحوهم من الكفار الذين ظلموا أنفسهم بالكفر بالله والعصيان له "وتبين لكم كيف فعلنا بهم" قرأ عبد الرحمن السلمي نبين بالنون والفعل المضارع. وقرأ من عداه بالتاء الفوقية والفعل الماضي: أي تبين لكم بمشاهدة الآثار كيف فعلنا بهم من العقوبة والعذاب الشديد بما فعلوه من الذنوب، وفاعل تبين ما دلت عليه الجملة المذكورة بعده: أي تبين لكم فعلنا العجيب بهم "وضربنا لكم الأمثال" في كتب الله وعلى ألسن رسله إيضاحاً لكم وتقريراً وتكميلاً للحجة عليكم.
46- "وقد مكروا مكرهم" الجملة في محل نصب على الحال: أي فعلنا بهم ما فعلنا، والحال أنهم قد مكروا في رد الحق وإثبات الباطل مكرهم العظيم، الذي استفرغوا فيه وسعهم "وعند الله مكرهم" أي وعند الله جزاء مكرهم، أو وعند الله مكتوب مكرهم فهو مجازيهم، أو عند الله مكرهم الذي يمكرهم به على أن يكون المكر مضافاً إلى المفعول، قيل والمراد بهم بهم قوم محمد صلى الله عليه وسلم مكروا بالنبي صلى الله عليه وسلم حين هموا بقتله أو نفيه، وقيل المراد ما وقع من النمروذ حيث حاول الصعود إلى السماء، فاتخذ لنفسه تابوتاً وربط قوائمه بأربعة نسور "وإن كان مكرهم لتزول منه الجبال" قرأ عمر وعلي وابن مسعود وأبي وإن كاد مكرهم بالدال المهملة مكان النون. وقرأ غيرهم من القراء "وإن كان" بالنون. وقرأ ابن محيصن وابن جريج والكسائي "لتزول" بفتح اللام على أنها لام الابتداء. وقرأ الجمهور بكسرها على أنها لام الجحود. قال ابن جرير: الاختيار هذه القراءة، يعني قراءة الجمهور لأنها لو كانت زالت لم تكن ثابتة، فعلى قراءة الكسائي ومن معه تكون إن هي المخففة من الثقيلة، واللام هي الفارقة، وزوال الجبال مثل لعظم مكرهم وشدته: أي وإن الشأن كان مكرهم معداً لذلك. قال الزجاج: وإن كان مكرهم يبلغ في الكيد إلى إزالة الجبال، فإن الله ينصر دينه، وعلى قراءة الجمهور يحتمل وجهين: أحدهما أن تكون إن هي المخففة من الثقيلة، والمعنى كما مر. والثاني أن تكون نافية واللام المكسورة لتأكيد النفي كقوله: "وما كان الله ليضيع إيمانكم" والمعنى: ومحال أن تزول الجبال بمكرهم، على أن الجبال مثل لآيات الله وشرائعه الثابتة على حالها مدى الدهر، فالجملة على هذا حال من الضمير في مكروا لا من قوله: "وعند الله مكرهم" أي والحال أن مكرهم لم يكن لتزول منه الجبال. وقد أخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والخرائطي في مساوي الأخلاق عن ميمون بن مهران في قوله: "ولا تحسبن الله غافلاً عما يعمل الظالمون" قال: هي تعزية للمظلوم ووعيد للظالم. وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن أبي حاتم عن قتادة في قوله: "ليوم تشخص فيه الأبصار" قال: شخصت فيه والله أبصارهم فلا ترتد إليهم. وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله: "مهطعين" قال: يعني بالإهطاع النظر من غير أن يطرف "مقنعي رؤوسهم" قال: الإقناع رفع رؤوسهم " لا يرتد إليهم طرفهم " قال: شاخصة أبصارهم "وأفئدتهم هواء" ليس فيها شيء من الخير، فهي كالخربة. وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن مجاهد مهطعين قال: مديمي النظر. وأخرج عبد الرزاق وابن جرير وابن المنذر عن قتادة مهطعين قال: مسرعين. وأخرج هؤلاء عن قتادة في قوله: "وأفئدتهم هواء" قال: ليس فيها شيء، خرجت من صدورهم فنشبت في حلوقهم. وأخرج ابن أبي شيبة وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن مرة وأفئدتهم هواء قال: منخرقة لا تعي شيئاً. وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن قتادة في قوله: "وأنذر الناس يوم يأتيهم العذاب" يقول: أنذرهم في الدنيا من قبل أن يأتيهم العذاب. وأخرج ابن جرير عن مجاهد قال: "يوم يأتيهم العذاب" هو يوم القيامة. وأخرج ابن المنذر عن ابن عباس "ما لكم من زوال" قال: عما أنتم فيه إلى ما تقولون. وأخرج ابن أبي حاتم عن السدي في قوله "ما لكم من زوال" قال: بعث بعد الموت. وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر عن الحسن في قوله: "وسكنتم في مساكن الذين ظلموا أنفسهم" قال: عملتم بمثل أعمالهم. وأخرج ابن جرير عن ابن عباس في قوله: "وإن كان مكرهم" يقول: ما كان مكرهم "لتزول منه الجبال". وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس "وإن كان مكرهم" يقول شركهم كقوله: "تكاد السموات يتفطرن منه وتنشق الأرض وتخر الجبال هداً". وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وابن الأنباري عن علي بن أبي طالب أنه قرأ هذه الآية "وإن كان مكرهم لتزول منه الجبال" ثم فسرها فقال: إن جباراً من الجبابرة قال: لا أنتهي حتى أنظر إلى ما في السماء، فأمر بفراخ النسور تعلف اللحم حتى شبت وغلظت، وأمر بتابوت فنجر يسع رجلين، ثم جعل في وسطه خشبة، ثم ربط أرجلهن بأوتاد، ثم جوعهن، ثم جعل على رأس الخشبة لحماً، ثم دخل هو وصاحبه في التابوت، ثم ربطهن إلى قوائم التابوت، ثم خلى عنهن يردن اللحم، فذهبن به ما شاء الله، ثم قال لصاحبه افتح فانظر ماذا ترى، ففتح فقال: انظر إلى الجبال كأنها الذباب، قال أغلق فأغلق، فطرن به ما شاء الله، ثم قال افتح ففتح، فقال انظر ماذا ترى، فقال: ما أرى إلا السماء وما أراها تزداد إلا بعداً، قال صوت الخشبة فصوبها فانقضت تريد اللحم، فسمع الجبال هدتها فكادت تزول عن مراتبها، وقد روي نحوه هذه القصة لبختنصر وللنمروذ من طرق ذكرها في الدر المنثور.
47- "مخلف" منتصب على أنه مفعول تحسبن، وانتصاب رسله على أنه مفعول وعده، قيل وذلك على الاتساع، والمعنى: مخلف رسله وعده. قال القتيبي: هو من المقدم الذي يوضحه التأخير، والمؤخر الذي يوضحه التقديم وسواء في ذلك مخلف وعده رسله ومخلف رسله وعده، ومثل ما في الآية قول الشاعر: ترى الثور فيها مدخل الظل رأسه وسائره باد إلى الشمس أجمع وقال الزمخشري: قدم الوعد ليعلم أنه لا يخلف الوعد أصلاً كقوله: "إن الله لا يخلف الميعاد" ثم قال رسله ليؤذن أنه إذا لم يخلف وعده أحداً، وليس من شأنه إخلاف المواعيد، فكيف يخلفه رسله الذين هم خيرته وصفوته والمراد بالوعد هنا هو ما وعدهم سبحانه بقوله: "إنا لننصر رسلنا" و "كتب الله لأغلبن أنا ورسلي" وقرئ "مخلف وعده رسله" بجر رسله ونصب وعده. قال الزمخشري: وهذه القراءة في الضعف كمن قرأ: قتل أولادهم شركائهم "إن الله عزيز" غالب لا يغالبه أحد "ذو انتقام" ينتقم من أعدائه لأوليائه والجملة تعليل للنهي، وقد مر تفسيره في أول آل عمران.
48- "يوم تبدل الأرض غير الأرض" قال الزجاج: انتصاب يوم على البدل من يوم يأتيهم، أو على الظرف للانتقام انتهى، ويجوز أن ينتصب بمقدر يدل عليه الكلام: أي واذكر أو وارتقب، والتبديل قد يكون في الذات كما في بدلت الدراهم دنانير، وقد يكون في الصفات كما في بدلت الحلقة خاتماً، والآية تحتمل الأمرين، وقد قيل المراد تغير صفاتها، وبه قال الأكثر، وقيل تغير ذاتها، ومعنى "والسموات" أي وتبدل السموات غير السموات على الاختلاف الذي مر "وبرزوا لله الواحد القهار" أي برز العباد لله أو الظالمون كما يفيده السياق: أي ظهروا من قبورهم، أو ظهر من أعمالهم ما كانوا يكتمونه، والتعبير على المستقبل بلفظ الماضي للتنبيه على تحقق وقوعه كما في قوله: "ونفخ في الصور" والواحد القهار المتفرد بالألوهية الكثير القهر لمن عانده.
49- "وترى المجرمين يومئذ مقرنين في الأصفاد" معطوف على برزوا أو على تبدل، والمجيء بالمضارع لاستحضار الصورة، والمجرمون هم المشركون، ويومئذ يعني يوم القيامة، و "مقرنين" أي مشدودين إما بجعل بعضهم مقروناً مع بعض، أو قرنوا مع الشياطين كما في قوله: "نقيض له شيطاناً فهو له قرين" أو جعلت أيديهم مقرونة إلى أرجلهم، والأصفاد: الأغلال، والقيود، والجار والمجرور متعلق بمقرنين أو حال من ضميره، يقال صفدته صفداً: أي قيدته، والاسم الصفد، فإذا أردت التكثير قلت صفدته. قال عمرو بن كلثوم: فآبوا بالنهاب وبالسبايا وأبنا بالملوك مصفدينا وقال حسان بن ثابت: من بين مأسور يشد صفاده صقر إذا لاقى الكريهة حامي ويقال صفدته وأصفدته: إذا أعطيته، ومنه قول النابغة: ولم أعرض أبيت اللعن بالصفد
50- "سرابيلهم من قطران" السرابيل: القمص، واحدها سربال، ومنه قول كعب بن مالك: تلقاكم عصب حول النبي لهم من نسج داود في الهيجا سرابيل والقطران: هو قطران الإبل الذي تهنأ به: أي قمصانهم من قطران تطلى به جلودهم حتى يعود ذلك الطلاء كالسرابيل، وخص القطران لسرعة اشتعال النار فيه مع نتن رائحته. وقال جماعة هو النحاس: أي قمصانهم من نحاس. وقرأ عيسى بن عمر "من قطران" بفتح القاف وتسكين الطاء. وقرئ بكسر القاف وسكون الطاء، وقرئ بفتح القاف والطاء، رويت هذه القراءة عن ابن عباس وأبي هريرة وعكرمة وسعيد بن جبير ويعقوب، وهذه الجملة في محل نصب على الحال "وتغشى وجوههم النار" أي تعلو وجوههم وتضربها، وخص الوجوه لأنها أشرف ما في البدن، وفيها الحواس المدركة، والجملة في محل نصب على الحال أيضاً.
و 51- "ليجزي الله" متعلق بمحذوف: أي يفعل ذلك بهم ليجزي "كل نفس ما كسبت" من المعاصي: أي جزاءً موافقاً لما كسبت من خير أو شر "إن الله سريع الحساب" لا يشغله عنه شيء. وقد تقدم تفسيره.
52- "هذا بلاغ" أي هذا الذي أنزل إليك بلاغ: أي تبليغ وكفاية في الموعظة والتذكير. قيل إن الإشارة إلى ما ذكره سبحانه هنا من قوله: "ولا تحسبن الله غافلاً" إلى "سريع الحساب" أي هذا فيه كفاية من غير ما انطوت عليه السورة، وقيل الإشارة إلى جميع السورة، وقيل إلى القرآن، ومعنى "للناس" للكفار، أو لجميع الناس على ما قيل في قوله: "وأنذر الناس"، "ولينذروا به" معطوف على محذوف: أي لينصحوا ولينذروا به، والمعنى: وليخوفوا به، وقرئ "ولينذروا" بفتح الياء التحتية والذال المعجمة، يقال نذرت بالشيء أنذر: إذا علمت به فاستعددت له "وليعلموا أنما هو إله واحد" أي ليعلموا بالأدلة التكوينية المذكورة سابقاً وحدانية الله سبحانه، وأنه لا شريك له " وليذكر أولو الألباب " أي وليتعظ أصحاب العقول، وهذه اللامات متعلقة بمحذوف، والتقدير: وكذلك أنزلنا، أو متعلقة بالبلاغ المذكور: أي كفاية لهم في أن ينصحوا وينذروا ويعلموا بما أقام الله من الحجج والبراهين وحدانيته سبحانه وأنه لا شريك له، وليتعظ بذلك أصحاب العقول التي تعقل وتدرك. وقد أخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم عن قتادة في قوله: "إن الله عزيز ذو انتقام" قال: عزيز والله في أمره، يملي وكيده متين، ثم إذا انتقم انتقم بقدرة. وأخرج مسلم وغيره من حديث ثوبان قال "جاء رجل من اليهود إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: أين يكون الناس يوم تبدل الأرض غير الأرض؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: في الظلمة دون الجسر". وأخرج مسلم أيضاً وغيره من حديث عائشة. قالت "أنا أول من سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن هذه الآية "يوم تبدل الأرض غير الأرض" قلت: أين الناس يومئذ؟ قال: على الصراط". وأخرج البزار وابن المنذر والطبراني في الأوسط وابن مردويه والبيهقي في البعث وابن عساكر عن ابن مسعود قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: في قول الله "يوم تبدل الأرض غير الأرض" قال: "أرض بيضاء، كأنها فضة لم يسفك فيها دم حرام، ولم يعمل بها خطيئة". وأخرجه عبد الرزاق وابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والطبراني وأبو الشيخ في العظمة والحاكم وصححه والبيهقي في البعث عنه موقوفاً نحوه، قال البيهقي: الموقوف أصح. وأخرج ابن جرير وابن مردويه عن زيد بن ثابت قال "أتى اليهود النبي صلى الله عليه وسلم فقال: جاءوني يسألونني وسأخبرهم قبل أن يسألوني "يوم تبدل الأرض غير الأرض" قال: أرض بيضاء كالفضة، فسألهم فقالوا: أرض بيضاء كالنقي". وأخرج ابن مردويه مرفوعاً عن علي نحو ما تقدم عن ابن مسعود. وأخرج ابن جرير وابن مردويه عن أنس موقوفاً نحوه، وقد روي نحو ذلك عن جماعة من الصحابة، وثبت في الصحيحين من حديث سهل بن سعد قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "يحشر الناس يوم القيامة على أرض بيضاء عفراء كقرصة نقي". وفيهما أيضاً من حديث أبي سعيد قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "تكون الأرض يوم القيامة خبزة واحدة يتكفؤها الجبار بيده" الحديث. وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله: "مقرنين في الأصفاد" قال: الكبول. وأخرج عبد الرزاق وابن جرير عن قتادة "في الأصفاد" قال: القيود والأغلال. وأخرج ابن أبي حاتم عن سعيد بن جبير قال: في السلاسل. وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس "في الأصفاد" يقول: في وثاق. وأخرج ابن أبي حاتم عن السدي "سرابيلهم" قال: قمصهم. وأخرج ابن جرير عن ابن زيد مثله. وأخرج عبد الرزاق وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن الحسن في قوله: "من قطران" قال: قطران الإبل. وأخرج ابن أبي حاتم عن عكرمة في الآية قال: هذا القطران يطلى به حتى يشتعل ناراً. وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس قال: هو النحاس المذاب. وأخرج ابن أبي حاتم عن سعيد بن جبير أنه قرأ "من قطران" فقال القطر: الصفر، والآن: الحار. وأخرج أبو عبيد وسعيد بن منصور وابن جرير وابن المنذر عن عكرمة نحوه. وأخرج مسلم وغيره عن أبي مالك الأشعري قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "النائحة إذا لم تتب قبل موتها تقام يوم القيامة وعليها سربال من قطران، ودرع من جرب" وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن زيد في قوله: "هذا بلاغ للناس" قال: القرآن "ولينذروا به" قال القرآن.