تفسير الطبري تفسير الصفحة 260 من المصحف

 تفسير الطبري - صفحة القرآن رقم 260
261
259
 الآية : 34
القول فـي تأويـل قوله تعالـى:
{وَآتَاكُم مّن كُلّ مَا سَأَلْتُمُوهُ وَإِن تَعُدّواْ نِعْمَةَ اللّهِ لاَ تُحْصُوهَا إِنّ الإنْسَانَ لَظَلُومٌ كَفّارٌ }
يقول تعالـى ذكْره: وأعطاكم مع إنعامه علـيكم بـما أنعم به علـيكم من تسخير هذه الأشياء التـي سخرها لكم والرزق الذي رزقكم من نبـات الأرض وغروسها من كلّ شيء سألتـموه ورغبتـم إلـيه شيئا. وحذف الشيء الثانـي اكتفـاءً ب «ما» التـي أضيفت إلـيها «كلّ» وإنـما جاز حذفه, لأن «مِن» تُبعّض ما بعدها, فكفت بدلالتها علـى التبعيض من الـمفعول, فلذلك جاز حذفه, ومثله قوله تعالـى: وأُوتِـيَتْ مِنْ كُلّ شَيْءٍ يعنـي به: وأوتـيت من كلّ شيء فـي زمانها شيئا. وقد قـيـل: إن ذلك إنـما قـيـل علـى التكثـير, نـحو قول القائل: فلان يعلـم كلّ شيء, وأتاه كل الناس, وهو يعنـي بعضهم, وكذلك قوله: فَتَـحْنا عَلَـيْهِمْ أبْوَابَ كُلّ شَيْءٍ. وقـيـل أيضا: إنه لـيس شيء إلاّ وقد سأله بعض الناس, فقـيـل: وآتاكُمْ مِنْ كُلّ ما سألْتُـمُوهُ أي قد آتـى بعضكم منه شيئا, وآتـى آخر شيئا مـما قد سأله. وهذا قول بعض نـحويّى أهل البصرة.
وكان بعض نـحويّـي أهل الكوفة يقول: معناه: وأتاكم من كلّ ما سألتـموه لو سألتـموه, كأنه قـيـل: وآتاكم من كلّ سؤلكم وقال: ألا ترى أنك تقول للرجل لـم يسألك شيئا: والله لأعطينك سُؤْلك ما بلغت مسألتك وإن لـم يسأل؟
فأما أهل التأويـل, فإنهم اختلفوا فـي تأويـل ذلك, فقال بعضهم: معناه: وآتاكم من كلّ ما رغبتـم إلـيه فـيه. ذكر من قال ذلك: 15753ـ حدثنـي مـحمد بن عمرو, قال: حدثنا أبو عاصم, قال: حدثنا عيسى وحدثنـي الـحارث, قال: حدثنا الـحسن قال: حدثنا ورقاء وحدثنـي الـحسن بن مـحمد, قال: حدثنا شبـابة, قال: حدثنا ورقاء جميعا, عن ابن أبـي نـجيح عن مـجاهد: مِنْ كُلّ ما سألْتُـمُوهُ ورغبتـم إلـيه فـيه.
حدثنـي الـمثنى, قال: حدثنا أبو حُذيفة, قال: حدثنا شبل, عن ابن أبـي نـجيح, عن مـجاهد وحدثنـي الـمثنى, قال: حدثنا عبد الله, عن ورقاء, عن ابن أبـي نـجيح, عن مـجاهد وحدثنا القاسم, قال: حدثنا الـحسين قال: ثنـي حجاج, عن ابن جريج, عن مـجاهد, مثله.
15754ـ حدثنا مـحمد بن عبد الأعلـى, قال: حدثنا مـحمد بن ثور, عن معمر, عن الـحسن: وآتاكُمْ مِنْ كُلّ ما سألْتُـمُوهُ قال: من كلّ الذي سألتـموه.
وقال آخرون: بل معنى ذلك: وآتاكم من كل الذي سألتـموه والذي لـم تسألوه. ذكر من قال ذلك:
15755ـ حدثنا الـحسن بن مـحمد, قال: حدثنا خـلف, يعنـي ابن هشام, قال: حدثنا مـحبوب, عن داود بن أبـي هند, عن رُكانة بن هاشم: مِنْ كُلّ ما سألْتُـمُوه وقال: ما سألتـموه وما لـم تسألوه.
وقرأ ذلك آخرون: «وآتاكُمْ مِلْ كُلَ ما سألْتُـمُوهُ» بتنوين «كلّ» وترك إضافتها إلـى «ما» بـمعنى: وآتاكم من كلّ شيء لـم تسألوه ولـم تطلبوه منه. وذلك أن العبـاد لـم يسألوه الشمس والقمر واللـيـل والنهار, وخـلق ذلك لهم من غير أن يسألوه. ذكر من قال ذلك:
15756ـ حدثنـي أبو حُصَين, عبد الله بن أحمد بن يونُس, قال: حدثنا بَزِيع, عن الضحاك بن مُزاحم فـي هذه الاَية: «وآتاكُمْ مِنْ كُلَ ما سألْتُـمُوهُ» قال: ما لـم تسألوه.
15757ـ حدثنا ابن حميد, قال: حدثنا يحيى بن واضح, قال: حدثنا عبـيد, عن الضحاك أنه كان يقرأ: «مِنْ كُلَ ما سألْتُـمُوهُ» ويفسره: أعطاكم أشياء ما سألتـموها ولـم تلتـمسوها, ولكن أعطيتكُم برحمتـي وسعتـي. قال الضحاك: فكم من شيء أعطانا الله ما سألنا ولا طلبناه.
حُدثت عن الـحسين بن الفرج, قال: سمعت أبـا معاذ يقول: أخبرنا عبـيد بن سلـيـمان, قال: سمعت الضحاك يقول فـي قوله: «وآتاكُمْ مِنْ كُلَ ما سَألْتُـمُوهُ» يقول: أعطاكم أشياء ما طلبتـموها ولا سألتـموها, صدق الله كم من شيء أعطاناه الله ما سألناه إياه ولا خطر لنا علـى بـال.
15758ـ حدثنا مـحمد بن عبد الأعلـى, قال: حدثنا مـحمد بن ثور, عن معمر, عن قتادة: «وآتاكُمْ مِنْ كُلَ ما سألْتُـمُوهُ» قال: لـم تسألوه من كلّ الذي آتاكم.
والصواب من القول فـي ذلك عندنا, القراءة التـي علـيها قرّاء الأمصار, وذلك إضافة «كل» إلـى «ما» بـمعنى: وآتاكم من سؤلكم شيئا, علـى ما قد بـيّنا قبل, لإجماع الـحجة من القرّاء علـيها ورفضهم القراءة الأخرى.

القول فـي تأويـل قوله تعالـى: وَإنْ تَعُدّوا نِعْمَةَ اللّهِ لا تُـحْصُوها إنّ الإنْسانَ لَظَلُومٌ كَفّـارٌ.
يقول تعالـى ذكره: وإن تعدّوا أيها الناس نعمة الله التـي أنعمها علـيكم لا تطيقوا إحصاء عددها والقـيام بشكرها إلاّ بعون الله لكم علـيها. إنّ الإنْسانَ لَظَلُومٌ كَفّـارٌ يقول: إن الإنسان الذي بدّل نعمة الله كفرا لظَلُومٌ: يقول: لشاكر غير من أنعم علـيه, فهو بذلك من فعله واضع الشكر فـي غير موضعه وذلك أن الله هو الذي أنعم علـيه بـما أنعم واستـحقّ علـيه إخلاص العبـادة له, فعبد غيره وجعل له أندادا لـيضلّ عن سبـيـله, وذلك هو ظلـمه. وقوله: كَفّـارٌ يقول: هو جحود نعمة الله التـي أنعم بها علـيه لصرفه العبـادة إلـى غير من أنعم علـيه, وتركه طاعة من أنعم علـيه.
15759ـ حدثنا الـحسن بن مـحمد, قال: حدثنا يزيد بن هارون, قال: حدثنا مِسْعَر, عن سعد بن إبراهيـم, عن طلق بن حبـيب, قال: إن حقّ الله أثقل من أن تقوم به العبـاد, وإن نعم الله أكثر من أن تـحصيهَا العبـاد ولكن أصبِحوا تَوّابـين وأمسُوا توّابـين.
الآية : 35-36
القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبّ اجْعَلْ هَـَذَا الْبَلَدَ آمِناً وَاجْنُبْنِي وَبَنِيّ أَن نّعْبُدَ الأصْنَامَ * رَبّ إِنّهُنّ أَضْلَلْنَ كَثِيراً مّنَ النّاسِ فَمَن تَبِعَنِي فَإِنّهُ مِنّي وَمَنْ عَصَانِي فَإِنّكَ غَفُورٌ رّحِيمٌ }.
يقول تعالـى ذكره: و اذكر يا مـحمد إذْ قالَ إبْرَاهِيـمُ رَبّ اجْعَلْ هَذَا البَلَدَ آمِنا يعنـي الـحَرم, بلدا آمنا أهله وسكانه. وَاجْنُبْنِـي وَبَنِـيّ أنْ نَعْبُدَ الأصْنامَ يقال منه: جَنَبْته الشرّ فأنا أَجْنُبُه جَنْبـا وجَنّبته الشرّ, فأنا أُجَنّبُهُ تـجنـيبـا, وأجنبته ذلك فأنا أُجْنِبُه إجنابـا. ومِن «جَنَبْتُ» قول الشاعر:
وتَنْفُضُ مَهْدَهُ شفَقَا عَلَـيْهِوتَـجْنُبُهُ قَلائِصَنا الصّعابَـا
ومعنى ذلك: أبعدْنـي وبنـيّ من عبـادة الأصنام, والأصنام: جمع صنـم, والصنـم: هو التـمثال الـمصوّر, كما قال رُؤبة بن العجّاج فـي صفة امرأة:
وَهْنانَةٌ كالزّونِ يُجْلَـى صَنَـمُهْتَضْحَكُ عن أشْنَبَ عَذْبٍ مَلْثَمُهْ
وكذلك كان مـجاهد يقول:
15760ـ حدثنـي الـمثنى, قال: حدثنا أبو حُذيفة, قال: حدثنا شبل, عن ابن أبـي نـجيح, عن مـجاهد: وَإذْ قالَ إبْرَاهِيـمُ رَبّ اجْعَلَ هذَا البَلَدَ آمِنا وَاجْنُبْنِـي وَبَنِـيّ أنْ نَعْبُدَ الأصْنامَ قالَ: فـاستـجاب الله لإبراهيـم دعوته فـي ولده, قال: فلـم يعبد أحد من ولده صنـما بعد دعوته. والصنـم: التـمثال الـمصوّر, ما لـم يكن صنـما فهو وثَن. قال: واستـجاب الله له, وجعل هذا البلد آمنا, ورزق أهله من الثمرات, وجعله إماما, وجعل من ذرّيته من يقـيـم الصلاةَ, وتقبّل دعاءه, فأراه مناسِكَة, وتاب علـيه.
15761ـ حدثنا ابن حميد, قال: حدثنا جرير, عن مغيرة, قال: كان إبراهيـم التـيـميّ يقصّ ويقول فـي قَصَصه: من يأمن من البلاء بعد خـلـيـل الله إبراهيـم, حين يقول: ربّ اجْنُبْنِـي وَبَنِـيّ أنْ نَعْبُدَ الأصْنامَ؟ وقوله: رَبّ إنّهُنّ أضْلَلْنَ كَثِـيرًا مِنَ النّاسِ يقول: يا ربّ إن الأصنام أضللن: يقول: أزلن كثـيرا من الناس عن طريق الهُدى وسبـيـل الـحقّ حتـى عبدوهنّ, وكفروا بك.
15762ـ حدثنا بشر, قال: حدثنا يزيدُ, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة, قوله: إنّهُنّ أضْلَلْنَ كَثِـيرًا مِنَ النّاسِ يعنـي الأوثان.
حدثنـي الـمثنى, قال: حدثنا إسحاق, قال: حدثنا هشام, عن عمرو, عن سعيد, عن قتادة: إنّهُنّ أضْلَلْنَ كَثِـيرًا مِنَ النّاسِ قال: الأصنام.
وقوله: فَمَنْ تَبِعَنِـي فإنّهُ مِنّـي يقول: فمن تبعنـي علـى ما أنا علـيه من الإيـمان بك وإخلاص العبـادة لك وفراق عبـادة الأوثان, فإنه منـي: يقول: فإنه مستنّ بسنّتِـي, وعامل بـمثل عملـي. وَمَنْ عَصَانِـي فإنّكَ غَفُورٌ رَحِيـمٌ يقول: ومن خالف أمري فلـم يقبل منـي ما دعوته إلـيه, وأشرك بك, فإنه غفور لذنوب الـمذنبـين الـخَطائين بفضلك, رحيـم بعبـادك تعفو عمن تشاء منهم. كما:
15763ـ حدثنا بشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة قوله: فَمَنْ تَبِعَنِـي فإنّهُ مِنـي وَمَنْ عَصَانِـي فإنّكَ غَفُورٌ رَحِيـمٌ اسمعوا إلـى قول خـلـيـل الله إبراهيـم, لا والله ما كانوا طَعّانـين ولا لَعّانـين وكان يقال: إنّ من أشرّ عبـاد الله كلّ طعان لعان, قال نبـيّ الله ابن مريـم علـيه السلام: إنْ تُعَذّبْهُمْ فَإنّهُمْ عِبـادُكَ وَإنْ تَغْفِرْ لَهُمْ فإنّكَ أنْتَ العَزِيزُ الـحَكِيـمُ.
15764ـ حدثنـي الـمثنى, قال: حدثنا أصبغ بن الفرج, قال: أخبرنـي ابن وهب, قال: حدثنا عمرو بن الـحارث أن بكر بن سَوادة, حدّثه عن عبد الرحمن بن جُبـير, عن عبد الله بن عمرو بن العاص, أن رسول الله صلى الله عليه وسلم تلا قول إبراهيـم: رَبّ إنّهُنّ أضْلَلْنَ كَثِـيرًا مِنَ النّاسِ فَمَنْ تَبِعَنِـي فإنّهُ مِنّـي وَمَنْ عَصَانِـي فإنّكَ غَفُورٌ رَحِيـمٌ, وقال عيسى: إنْ تُعَذّبْهُمْ فإنّهُمْ عِبـادُكَ وَإنْ تَغْفِرْ لَهُمْ فإنّكَ أنْتَ العَزِيزُ الـحَكِيـمُ فرفع يديه ثم قال: اللّهُمّ أُمّتِـي, اللّهُمّ أُمّتِـي وبكى. فقال الله تعالـى: يا جبرئيـل اذهب إلـى مـحمد وربك أعلـم فـاسأله ما يُبكيه؟ فأتاه جبرئيـل فسأله, فأخبره رسول الله صلى الله عليه وسلم ما قال. قال: فقال الله: يا جبرئيـل اذهب إلـى مـحمد وقل له: إنا سنرضيك فـي أمتك ولا نسوءُك.
الآية : 37
القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {رّبّنَآ إِنّيَ أَسْكَنتُ مِن ذُرّيّتِي بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِندَ بَيْتِكَ الْمُحَرّمِ رَبّنَا لِيُقِيمُواْ الصّلاَةَ فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مّنَ النّاسِ تَهْوِيَ إِلَيْهِمْ وَارْزُقْهُمْ مّنَ الثّمَرَاتِ لَعَلّهُمْ يَشْكُرُونَ }.
وقال إبراهيـم خـلـيـل الرحمن هذا القول حين أسكن إسماعيـل وأمه هاجَرَ فـيـما ذُكِر مكة. كما:
15765ـ حدثنـي يعقوب بن إبراهيـم والـحسن بن مـحمد قالا: حدثنا إسماعيـل بن إبراهيـم, عن أيوب, كما قال: نبئت عن سعيد بن جبـير, أنه حدث عن ابن عبـاس, قال: إنّ أوّل من سَعى بـين الصّفـا والـمروة لأمّ إسماعيـل وإن أوّل ما أحدث نساء العرب جرّ الذيول لـمن أمّ إسماعيـل. قال: لـما فرّت من سارة, أَرْخَتْ من ذيـلها لتعفـي أثرها, فجاء بها إبراهيـم ومعها إسماعيـل حتـى انتهى بهما إلـى موضع البـيت, فوضعهما ثم رجع, فـاتبعته, فقالت: إلـى أيّ شيء تكلنا؟ إلـى طعام تكلنا؟ إلـى شراب تكلنا؟ فجعل لا يردّ علـيها شيئا, فقالت: آلله أمرك بهدا؟ قال نعم, قالت: إذن لا يضيعنا. قال: فرجعت ومضى حتـى إذا استوى علـى ثنـية كَدَاء, أقبل علـى الوادي فدعا, فقال: رَبّ إنّـي أسْكَنْتُ منْ ذُريّتِـي بَوادٍ غيرِ ذِي زَرْعٍ عِنْدَ بَـيْتِكَ الـمُـحَرّمِ رَبّنا لِـيُقِـيـمُوا الصّلاةَ فـاجْعَلْ أفْئِدَةً منَ النّاسِ تَهْوِي إلَـيْهمْ وَارْزُقْهُمْ منَ الثّمَرَاتِ لَعَلّهُمْ يَشْكُرُونَ قال: ومع الإنسانة شَنّة فـيها ماء, فنفِد الـماء فعطشت وانقطع لبنها, فعطش الصبـيّ, فنظرت أيّ الـجبـال أدنى من الأرض, فصعِدَت بـالصفـا, فتسمعت هل تسمع صوتا أو ترى أنـيسا فلـم تسمع, فـانـحدرت, فلـما أتت علـى الوادي سعت وما تريد السعي, كالإنسان الـمـجهود الذي يسعى وما يريد السعي, فنظرت أيّ الـجبـال أدنى من الأرض, فصَعِدت الـمروة فتسمعت هل تسمع صوتا, أو ترى أنـيسا فسمعت صوتا, فقالت كالإنسان الذي يكذّب سمعه: صه حتـى استـيقنت, فقالت: قد أسمعتنـي صوتك فأغثنـي, فقد هلكتُ وهلك من معي فجاء الـمَلك فجاء بها حتـى انتهى بها إلـى موضع زمزم, فضرب بقدمه ففـارت عينا, فعجلت الإنسانة فجعلت فـي شَنّتها, فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «رَحِمَ اللّهُ أُمّ إسْماعيـلَ لَوْلا أنّها عَجِلَتْ لَكانَتْ زَمْزَمُ عَيْنا مَعِينا». وقال لها الـملك: لا تـخافـي الظمأ علـى أهل هذا البلد, فإنـما هي عين لشرب ضِيفـان الله. وقال: إن أبـا هذا الغلام سيجيء, فـيبنـيان لله بـيتا هذا موضعه. قال: ومرّت رفقة من جُرهم تريد الشام, فرأوا الطير علـى الـجبل, فقالوا: إن هذا الطير لعائف علـى ماء, فهل علـمتـم بهذا الوادي من ماء؟ فقالوا: لا. فأشرفوا فإذا هم بـالإنسانة, فأتوها فطلبوا إلـيها أن ينزلوا معها, فأذنت لهم. قال: وأتـى علـيها ما يأتـي علـى هؤلاء الناس من الـموت, فماتت, وتزوّج إسماعيـل امرأة منهم, فجاء إبراهيـم فسأل عن منزل إسماعيـل حتـى دُلّ علـيه, فلـم يجده, ووجد امرأة له فظة غلـيظة, فقال لها: إذا جاء زوجك فقولـي له: جاء ههنا شيخ من صفته كذا وكذا, وإنه يقول لك: إنـي لا أرضى لك عتَبَة بـابك فحوّلها وانطلق فلـما جاء إسماعيـل أخبرته, فقال: ذاك أبـي وأنت عتبة بـابـي, فطلقَها وتزوّج امرأة أخرى منهم. وجاء إبراهيـم حتـى انتهى إلـى منزل إسماعيـل, فلـم يجده, ووجد امرأة له سهلة طلـيقة, فقال لها: أين انطلق زوجك؟ فقالت: انطلق إلـى الصيد, قال: فما طعامكم؟ قالت: اللـحم والـماء, قال: اللهمّ بـارك لهم فـي لـحمهم ومائهم اللهمّ بـارك لهم فـي لـحمهم ومائهم ثلاثا. وقال لها: إذا جاء زوجك فأخبريه, قولـي: جاء ههنا شيخ من صفته كذا وكذا, وإنه يقول لك: قد رضيت لك عتبة بـابك, فأثْبِتْها فلـما جاء إسماعيـل أخبرته. قال: ثم جاء الثالثة, فرفعا القواعد من البـيت.
حدثنا الـحسن بن مـحمد, قال: ثنـي يحيى بن عبـاد, قال: حدثنا حماد بن سلـمة, عن عطاء بن السائب, عن سعيد بن جبـير, عن ابن عبـاس, قال: جاء نبـيّ الله إبراهيـم بإسماعيـل وهاجر, فوضعهما بـمكة فـي موضع زمزم فلـما مضى نادته هاجر: يا إبراهيـم إنـما أسألك ثلاث مرات: من أمرك أن تضعنـي بأرض لـيس فـيها ضَرْع ولا زرع ولا أنـيس ولا زاد ولا ماء؟ قال: ربـي أمرنـي, قالت: فإنه لن يضيّعنا. قال: فلـما قـفـا إبراهيـم قال: رَبّنا إنّكَ تَعْلَـمُ ما نُـخْفِـي وَما نُعْلِنُ يعنـي من الـحزن وَما يَخْفَـى علـى اللّهِ مِنْ شَيْءٍ فِـي الأرْضِ وَلا فِـي السّماءِ. فلـما ظمىء إسماعيـل جعل يَدْحَض الأرض بعقبه, فذهبت هاجر حتـى علت الصفـا, والوادي يومئذٍ لاخ يعنـي عميق فصعدت الصفـا, فأشرفت لتنظر هل ترى شيئا فلـم تر شيئا, فـانـحدرت فبلغت الوادي, فسعت فـيه حتـى خرجت منه, فأتت الـمروة, فصعدت فـاستشرفت هل تر شيئا, فلـم تر شيئا. ففعلت ذلك سبع مرّات, ثم جاءت من الـمروة إلـى إسماعيـل, وهو يَدْحَض الأرض بقَعْبه, وقد نبعت العين وهي زمزم. فجعلت تفحص الأرض بـيدها عن الـماء, فكلـما اجتـمع ماء أخذته بقدحها, وأفرغته فـي سقائها. قال: فقال النبـيّ صلى الله عليه وسلم: «يَرْحَمُها اللّهُ لَوْ تَرَكَتْها لَكانَتْ عَيْنا سائِحَةً تَـجْرِي إلـى يَوْمِ القـيامَةِ». قال: وكانت جُرهُمُ يومئذٍ بواد قريب من مكة قال: ولزمت الطير الوادي حين رأت الـماء فلـما رأت جرهم الطير لزمت الوادي, قالوا: ما لزِمته إلاّ وفـيه ماء, فجاءوا إلـى هاجَر, فقالوا: إن شئت كنا معك وآنسناك والـماء ماؤك, قالت: نعم. فكانوا معها حتـى شبّ إسماعيـل, وماتت هاجر فتزوّج إسماعيـل امرأة منهم قال: فـاستأذن إبراهيـم سارة أن يأتـي, هاجر, فأذنت له وشرطت علـيه أن لا ينزل, فقدم إبراهيـم وقد ماتت هاجر, فذهب إلـى بـيت إسماعيـل, فقال لامرأته: أين صاحبك؟ قالت: لـيس ههنا ذهب يتصيد, وكان إسماعيـل يخرج من الـحرم فـيتصيد ثم يرجع, فقال إبراهيـم: هل عندك ضيافة, هل عندك طعام أو شراب؟ قالت: لـيس عندي, وما عندي أحد. فقال إبراهيـم: إذا جاء زوجك فأقرئيه السلام وقولـي له: فلـيغير عتبة بـابه وذهب إبراهيـم, وجاء إسماعيـل, فوجد ريح أبـيه, فقال لامرأته: هل جاءك أحد؟ فقالت: جاءنـي شيخٌ كذا وكذا, كالـمستـخفة بشأنه, قال: فما قال لكِ؟ قالت: قال لـي: أقرئي زوجك السلام وقولـي له: فلـيغير عتبة بـابه, فطلقها وتزوّج أخرى. فلبث إبراهيـم ما شاء الله أن يـلبث, ثم استأذن سارة أن يزور إسماعيـل, فأذنت له, وشرطت علـيه أن لا ينزل, فجاء إبراهيـم حتـى انتهى إلـى بـاب إسماعيـل, فقال لامرأته: أين صاحبك؟ قالت: ذهب يصيد, وهو يجيء الاَن إن شاء الله, فـانزل يرحمك الله قال لها: هل عندك ضيافة؟ قالت: نعم, قال: هل عندك خبز أو برّ أو تـمر أو شعير؟ قالت: لا. فجاءت بـاللبن واللـحم, فدعا لهما بـالبركة, فلو جاءت يومئذٍ بخبز أو برّ أو شعير أو تـمر لكانت أكثر أرض الله برّا وشعيرا وتـمرا, فقالت له: انزل حتـى أغسل رأسك فلـم ينزل, فجاءته بـالـمقام فوضعته عن شقه الأيـمن, فوضع قدمه علـيه, فبقـي أثر قدمه علـيه, فغسلت شقّ رأسه الأيـمن, ثم حوّلت الـمقام إلـى شقه الأيسر فغسلت شقه الأيسر, فقال لها: إذا جاء زوجك فأقرئيه السلام, وقولـي له: قد استقامت عتبة بـابك فلـما جاء إسماعيـل وجد ريح أبـيه, فقال لامرأته: هل جاءك أحد؟ فقالت: نعم, شيخ أحسن الناس وجها وأطيبه ريحا, فقال لـي كذا وكذا, وقلت له كذا وكذا, وغسلتُ رأسه, وهذا موضع قدمه علـى الـمقام. قال: وما قال لك؟ قالت: قال لـي: إذا جاء زوجك فأقرئيه السلام وقولـي له: قد استقامت عتبة بـابك, قال: ذاك إبراهيـم, فلبث ما شاء الله أن يـلبث, وأمره الله ببناء البـيت, فبناه هو وإسماعيـل فلـما بنـياه قـيـل: أذّن فـي الناس بـالـحجّ فجعل لا يـمرّ بقوم إلاّ قال: أيها الناس إنه قد بنـي لكم بـيت فحجوه, فجعل لا يسمعه أحد, صخرة ولا شجرة ولا شيء, إلاّ قال: لبـيك اللهمّ لبـيك. قال: وكان بـين قوله: رَبّنَا إنّـي أسْكَنْتُ مِنْ ذُرّيّتِـي بِوَادٍ غيرِ ذِي زَرْعٍ عِنْد بَـيْتِكَ الـمُـحَرّمِ وبـين قوله: الـحَمْدُ لِلّهِ الّذِي وَهَبَ لـي علـى الكِبَرِ إسْماعِيـلَ وإسْحاقَ كذا وكذا عاما, لـم يحفظ عطاء.
15766ـ حدثنا بشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة, قوله: رَبّنا إنّـي أسْكَنْتُ مِنْ ذُرّيّتِـي بوَادٍ غيرِ ذِي زَرْعٍ عِنْدَ بَـيْتِكَ الـمُـحَرّمِ وإنه بـيت طهّره الله من السّوء, وجعله قبلة, وجعله حَرَمه, اختاره نبـيّ الله إبراهيـم لولده.
15767ـ حدثنا مـحمد بن عبد الأعلـى, قال: حدثنا مـحمد بن ثور, عن معمر, عن قتادة: غيرِ ذِي زَرْعٍ قال: مكة لـم يكن بها زرع يومئذٍ.
15768ـ حدثنا القاسم, قال: حدثنا الـحسين, قال: ثنـي حجاج, عن ابن جريج, قال: أخبرنـي ابن كثـير, قال القاسم فـي حديثه: قال: أخبرنـي عمرو بن كثـير «قال أبو جعفر»: فغيرته أنا فجعلته: قال أخبرنـي ابن كثـير, وأسقطت عمرا, لأنـي لا أعرف إنسانا يقال له عمرو بن كثـير حدّث عنه ابن جريج, وقد حدّث به معمر عن كثـير بن كثـير بن الـمطلب بن أبـي وداعة, وأخشى أن يكون حديث ابن جريج أيضا عن كثـير بن كثـير, قال: كنت أنا وعثمان بن أبـي سلـيـمان فـي أناس مع سعيد بن جبـير لـيلاً, فقال سعيد بن جبـير للقوم: سلونـي قبل ألاّ تسألونـي فسأله القوم فأكثروا, وكان فـيـما سُئل عنه أن قـيـل له: أحقّ ما سمعنا فـي الـمقام؟ فقال سعيد: ماذا سمعتـم؟ قالوا: سمعنا أن إبراهيـم رسول الله حين جاء من الشام, كان حلف لامرأته أن لا ينزل مكة حتـى يرجع, فقرب له الـمقام, فنزل علـيه. فقال سعيد: لـيس كذاك: حدثنا ابن عبـاس, ولكنه حدثنا حين كان بـين أمّ إسماعيـل وسارة ما كان أقبل بإسماعيـل, ثم ذكر مثل حديث أيوب غير أنه زاد فـي حديثه, قال: قال أبو القاسم صلى الله عليه وسلم: «وَلذلكَ طافَ النّاسُ بـينَ الصّفـا والـمَرْوَةِ». ثم حدث وقال: قال أبو القاسم صلى الله عليه وسلم: «طَلَبُوا النّزُولَ مَعَها وَقَدْ أحَبّتْ أُمّ إسْماعيـلَ الأنْسَ, فنَزَلُوا وَبَعَثُوا إلـى أهْلِهمْ فَقَدِمُوا, وَطَعامُهُمُ الصّيْدُ, يَخْرُجُونَ منَ الـحَرَمِ ويَخْرُجُ إِسْماعيـلُ مَعَهُمْ يَتَصَيّدُ فَلَـمّا بَلَغَ أنْكَحُوهُ, وَقَدْ تُوُفّـيَتْ أُمّهُ قَبْلَ ذلكَ». قالَ: وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لَـمّا دَعا لَهُما أنْ يُبـارِكَ لَهُمْ فِـي اللّـحْمِ والـماءِ, قال لَهَا: هَلْ منْ حَبّ أوْ غيرِهِ منَ الطّعامِ؟ قالَتْ: لا, وَلَوْ وَجَدَ يَوْمَئذٍ لَهَا حَبّـا لَدَعا لَهَا بـالبَرَكَةِ فـيهِ». قال ابن عبـاس: ثم لبث ما شاء الله أن يـلبث, ثم جاء فوجد إسماعيـل قاعدا تـحت دَوْحة إلـى ناحية البئر يبرى نبلاً له, فسلـم علـيه ونزل إلـيه, فقعد معه وقال: يا إسماعيـل, إن الله قد أمرنـي بأمر. قال إسماعيـل: فأطع ربك فـيـما أمرك قال إبراهيـم: أمرنـي أن أبنـي له بـيتا. قال إسماعيـل: ابنِ قال ابن عبـاس: فأشار له إبراهيـم إلـى أكمة بـين يديه مرتفعة علـى ما حولها يأتـيها السيـل من نواحيها, ولا يركبها. قال: فقاما يحفران عن القواعد يرفعانها ويقولان: رَبّنا تَقَبّلْ مِنّا إنّكَ أنْتَ السّمِيعُ العَلِـيـمُ ربنا تقبل منا إنك سميع الدعاء. وإسماعيـل يحمل الـحجارة علـى رقبته, والشيخ إبراهيـم يبنـي. فلـما ارتفع البنـيان وشقّ علـى الشيخ تناوله, قرّب إلـيه إسماعيـل هذا الـحجَر, فجعل يقوم علـيه ويبنـي, ويحوله فـي نواحي البـيت حتـى انتهى. يقول ابن عبـاس: فذلك مقام إبراهيـم وقـيامه علـيه.
15769ـ حدثنا ابن وكيع, قال: حدثنا أبـي, عن شريك, عن عطاء بن السائب, عن سعيد بن جبـير, عن ابن عبـاس: رَبّنا إنّـي أسْكَنْتُ مِنْ ذُرّيّتِـي بِوَادٍ غيرِ ذِي زَرْعٍ قال: أسكن إسماعيـل وأمه مكة.
15770ـ حدثنا أحمد بن إسحاق, قال: حدثنا أبو أحمد, قال: حدثنا شريك, عن عطاء بن السائب, عن سعيد بن جبـير: إنّـي أسْكَنْتُ مِنْ ذُريّتِـي بِوَادٍ غيرِ ذِي زَرْعٍ قال: حين وضع إسماعيـل.
قال أبو جعفر: فتأويـل الكلام إذن: ربنا إنـي أسكنت بعض ولدي بواد غير ذي زرع. وفـي قوله صلى الله عليه وسلم دلـيـل علـى أنه لـم يكن هنالك يومئذٍ ماء, لأنه لو كان هنالك ماء لـم يصفه بأنه غير ذي زرع عند بـيتك الذي حرّمته علـى جميع خـلقك أن يستـحلوه.
وكان تـحريـمه إياه فـيـما ذُكر كما:
15771ـ حدثنا بشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة, قال: ذُكر لنا أن عمر بن الـخطاب قال فـي خطبته: إن هذا البـيت أوّل من ولـيه أناس مِن طسْم, فعصوا ربهم واستـحلوا حرمته, واستـخفوا بحقه, فأهلكهم الله. ثم ولـيهم أناس من جُرهمَ فعصوا ربهم واستـحلوا حرمته واستـخفوا بحقه, فأهلكهم الله. ثم ولـيتـموه معاشر قريش, فلا تعصوا ربه, ولا تستـحلوا حرمته, ولا تستـخفوا بحقه فوالله لصلاة فـيه أحبّ إلـيّ من مئة صلاة بغيره, واعلـموا أن الـمعاصي فـيه علـى نـحو من ذلك.
وقال: إنّـي أسْكَنْتُ مِنْ ذُرّيّتِـي بوَادٍ غيرِ ذِي زَرْعٍ ولـم يأت بـما وقع علـيه الفعل, وذلك أن حظّ الكلام أن يقال: إنـي أسكنت من ذريتـي جماعة, أو رجلاً, أو قوما, وذلك غير جائز مع «من» لدلالتها علـى الـمراد من الكلام, والعرب تفعل ذلك معها كثـيرا, فتقول: قتلنا من بنـي فلان, وطعمنا من الكلإ, وشربنا من الـماء ومنه قول الله تعالـى: أنْ أفِـيضُوا عَلَـيْنا منَ الـماءِ أوْ مِـما رَزَقَكُمُ اللّهُ.
فإن قال قائل: وكيف قال إبراهيـم حين أسكن ابنه مكة إنّـي أسْكَنْتُ مِنْ ذُرّيّتِـي بِوَادٍ غيرِ ذِي زَرْعٍ عِنْدَ بَـيْتِك الـمُـحَرّمِ وقد رويتَ فـي الأخبـار التـي ذكرتها أن إبراهيـم بنى البـيت بعد ذلك بـمدة؟ قـيـل: قد قـيـل فـي ذلك أقوال قد ذكرتها فـي سورة البقرة, منها أن معناه: عند بـيتك الـمـحرّم الذي كان قبل أن ترفعه من الأرض حين رفعته أيام الطوفـان, ومنها: عند بـيتك الـمـحرّم الذي قد مضى فـي سابق علـمك أنه يحدث فـي هذا البلد. وقوله الـمُـحَرّمِ علـى ما قاله قتادة معناه: الـمـحرّم من استـحلال حرمات الله فـيه, والاستـخفـاف بحقه. وقوله: رَبّنا لِـيُقِـيـمُوا الصلاةَ يقول: فعلت ذلك يا ربنا كي تؤدّي فرائضك من الصلاة التـي أوجبتها علـيهم فـي بـيتك الـمـحرّم. وقوله: فـاجْعَلْ أفْئِدَةً مِنَ النّاسِ تَهْوِي إلَـيْهِمْ يخبر بذلك تعالـى ذكره عن خـلـيـله إبراهيـم أنه سأله فـي دعائه أن يجعل قلوب بعض خـلقه تنزع إلـى مساكن ذريته الذين أسكنهم بواد غير ذي زرع عند بـيته الـمـحرّم. وذلك منه دعاء لهم بأن يرزقهم حجّ بـيته الـحرام كما:
15772ـ حدثنا ابن حميد, قال: حدثنا حكام بن سلـم, عن عمرو بن أبـي قـيس, عن عطاء, عن سعيد بن جبـير: أفْئِدَةً مِنَ النّاسِ تَهْوِي إلَـيْهِمْ ولو قال: «أفئدة الناس تهوي إلـيهم» لـحجت الـيهود والنصارى والـمـجوس, ولكنه قال: أفْئِدَةً مِنَ النّاسِ تَهْوِي إلَـيْهِمْ فهم الـمسلـمون.
15773ـ حدثنا مـحمد بن بشار, قال: حدثنا عبد الرحمن, قال: حدثنا سفـيان, عن منصور, عن مـجاهد: فـاجْعَلْ أفْئِدَةً مِنَ النّاسِ تَهْوِي إلَـيْهِمْ قال: لو كانت «أفئدة الناس» لازدحمت علـيه فـارس والروم, ولكنه «أفئدة من الناس».
حدثنا ابن حميد وابن وكيع, قالا: حدثنا جرير, عن منصور, عن مـجاهد: فـاجْعَلْ أفْئِدَةً مِنَ النّاسِ تَهْوِي إلَـيْهِمْ قال: لو قال: «أفئدة الناس تهوي إلـيهم», لازدحمت علـيهم فـارس والروم.
حدثنا الـحسن بن مـحمد, قال: حدثنا علـيّ, يعنـي بن الـجعد, قال: أخبرنا جرير, عن منصور, عن مـجاهد, مثله.
15774ـ حدثنا مـحمد بن الـمثنى, قال: حدثنا مـحمد بن جعفر, قال: حدثنا شعبة, عن الـحكم, قال: سألت عكرمة عن هذه الاَية: فـاجْعَلْ أفْئِدَةً مِنَ النّاسِ تَهْوِي إلَـيْهِمْ فقال: قلوبهم تهوي إلـى البـيت.
15775ـ حدثنا ابن وكيع, قال: حدثنا أبـي, عن شعبة, عن الـحكم, عن عكرمة وعطاء وطاوس: فـاجْعَلْ أفْئِدَةً مِنَ النّاسِ تَهْوِي إلَـيْهِمْ البـيت تهوي إلـيه قلوبهم يأتونه.
حدثنا الـحسن بن مـحمد, قال: حدثنا يحيى بن عبـاد, قال: حدثنا سعيد, عن الـحكم, قال: سألت عطاء وطاوسا وعكرمة, عن قوله: فـاجْعَلْ أفْئِدَةً مِنَ النّاسِ تَهْوِي إلَـيْهِمْ قالوا: الـحجّ.
حدثنا الـحسن, قال: حدثنا شبـابة وعلـيّ بن الـجعد, قالا: أخبرنا سعيد, عن الـحكم, عن عطاء وطاوس وعكرمة فـي قوله: فـاجْعَلْ أفْئِدَةً مِنَ النّاسِ تَهْوِي إلَـيْهِمْ قال: هواهم إلـى مكة أن يحجوا.
حدثنـي الـمثنى, قال: حدثنا آدم, قال: حدثنا شعبة, عن الـحكم, قال: سألت طاوسا وعكرمة وعطاء ابن أبـي ربـاح, عن قوله: فـاجْعَلْ أفْئِدَةً مِنَ النّاسِ تَهْوِي إلَـيْهِمْ فقالوا: اجعل هواهم الـحجّ.
15776ـ حدثنا الـحسن, قال: حدثنا يحيى بن عبـاد, قال: حدثنا حماد بن سلـمة, عن عطاء بن السائب, عن سعيد بن جبـير, عن ابن عبـاس, قال: لو كان إبراهيـم قال: «فـاجعل أفئدة الناس تهوي إلـيهم» لـحجه الـيهود والنصارى والناس كلهم, ولكنه قال: أفْئِدَةً مِنَ النّاسِ تَهْوِي إلَـيْهِمْ.
15777ـ حدثنا بشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة, قوله: فـاجْعَلْ أفْئِدَةً مِنَ النّاسِ تَهْوِي إلَـيْهِمْ قال: تنزع إلـيهم.
حدثنا الـحسن, قال: حدثنا عبد الوهاب بن عطاء, عن سعيد, عن قتادة, مثله.
حدثنا الـحسن بن يحيى, قال: أخبرنا عبد الرزاق, قال: أخبرنا معمر, عن قتادة, مثله.
وقال آخرون: إنـما دعا لهم أن يهووا السكنى بـمكة. ذكر من قال ذلك:
15778ـ حدثنـي مـحمد بن سعد, قال: ثنـي أبـي, قال: ثنـي عمي, قال: ثنـي أبـي, عن أبـيه, عن ابن عبـاس, قوله: فـاجْعَلْ أفْئِدَةً مِنَ النّاسِ تَهْوِي إلَـيْهِمْ قال: إن إبراهيـم خـلـيـل الرحمن سأل الله أن يجعل أناسا من الناس يهوَوْن سكنى أو سَكْن مكة.
وقوله: وَارْزُقْهُمْ مِنَ الثّمَرَاتِ يقول تعالـى ذكره: وارزقهم من ثمرات النبـات والأشجار ما رزقت سكان الأرياف والقرى التـي هي ذوات الـمياه والأنهار, وإن كنت أسكنتهم واديا غير ذي زرع ولا ماء. فرزقهم جلّ ثناؤه ذلك, كما:
15779ـ حدثنا الـمثنى, قال: حدثنا إسحاق, قال: حدثنا هشام, قال: قرأت علـى مـحمد بن مسلـم الطائفـي أن إبراهيـم لـما دعا للـحرم: وَارْزُقْ أهْلَهُ مِنَ الثمرات نقل الله الطائف من فَلِسطين.
وقوله: لَعَلّهُمْ يَشْكُرُونَ يقول: لـيشكروك علـى ما رزقتهم وتنعم به علـيهم.
الآية : 38
القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {رَبّنَآ إِنّكَ تَعْلَمُ مَا نُخْفِي وَمَا نُعْلِنُ وَمَا يَخْفَىَ عَلَى اللّهِ مِن شَيْءٍ فَي الأرْضِ وَلاَ فِي السّمَآءِ }.
وهذا خبر من الله تعالـى ذكره عن استشهاد خـلـيـله إبراهيـم إياه علـى ما نوى وقصد بدعائه وقـيـله رَبّ اجْعَلْ هَذَا البَلَدَ آمِنا وَاجْنُبْنـي وَبَنـيّ أنْ نَعْبُدَ الأصْنامُ... الاَية, وأنه إنـما قصد بذلك رضا الله عنه فـي مـحبته أن يكون ولده من أهل الطاعة لله, وإخلاص العبـادة له علـى مثل الذي هو له, فقال: ربنا إنك تعلـم ما تـخفـي قلوبنا عند مسألتنا ما نسألك, وفـي غير ذلك من أحوالنا, وما نعلن من دعائنا, فنـجهر به وغير ذلك من أعمالنا, وما يخفـى علـيك يا ربنا من شيء يكون فـي الأرض ولا فـي السماء لأن ذلك كله ظاهر لك متـجلّ بـاد, لأنك مدبره وخالقه, فكيف يخفـى علـيك.
الآية : 39
القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {الْحَمْدُ للّهِ الّذِي وَهَبَ لِي عَلَى الْكِبَرِ إِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ إِنّ رَبّي لَسَمِيعُ الدّعَآءِ }.
يقول: الـحمد لله الذي رزقنـي علـى كبر من السنّ ولدا إسماعيـل وإسحاق. إنّ رَبّـي لَسَمِيعُ الدّعاءِ يقول: إن ربـي لسميع دعائي الذي أدعوه به, وقولـي: اجْعَلْ هَذَا البَلَدَ آمِنا وَاجْنُبْنِـي وَبَنِـيّ أنْ نَعْبُدَ الأصْنامَ وغير ذلك من دعائي ودعاء غيري, وجميع ما نطق به ناطق لا يخفـى علـيه منه شيء.
15780ـ حدثنا ابن وكيع, قال: حدثنا ابن فضيـل, عن ضرار بن مرّة, قال: سمعت شيخا يحدّث سعيد بن جبـير, قال: بُشر إبراهيـم بعد سبع عشرة ومئة سنة.
الآية : 40
القول فـي تأويـل قوله تعالـى:{رَبّ اجْعَلْنِي مُقِيمَ الصّلاَةِ وَمِن ذُرّيَتِي رَبّنَا وَتَقَبّلْ دُعَآءِ }.
يقول: ربّ اجعلنـي مؤدّيا ما ألزمتنـي من فريضتك التـي فرضتها علـيّ من الصلاة. وَمِنْ ذُرّيّتِـي يقول: واجعل أيضا من ذريتـي مقـيـمي الصلاة لك. رَبّنا وتَقَبّلْ دُعاءِ يقول: ربنا وتقبل عملـي الذي أعمله لك وعبـادتـي إياك. وهذا نظير الـخبر الذي رُوي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: «إنّ الدّعاءَ هُوَ العبـادَةُ» ثم قرأ: وَقالَ رَبّكُمُ ادْعُونِـي أسْتَـجِبْ لَكُمْ إنّ الّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبـادَتِـي سَيَدْخُـلُونَ جَهَنّـمَ دَاخِرِينَ.
الآية : 41
القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {رَبّنَا اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيّ وَلِلْمُؤْمِنِينَ يَوْمَ يَقُومُ الْحِسَابُ }.
وهذا دعاء من إبراهيـم صلوات الله علـيه لوالديه بـالـمغفرة, واستغفـار منه لهما. وقد أخبر الله عزّ ذكره أنه لـم يكن اسْتِغْفـارُ إبْرَاهِيـمَ لأَبِـيهِ إلاّ عَنْ مَوْعِدَةٍ وَعَدَها إيّاهُ فَلَـمّا تَبَـيّنَ لَهُ أنّهُ عَدُوّ اللّهِ تَبَرّأَ مِنْهُ إنّ إبْرَاهِيـمَ لأَوّاهٌ حَلِـيـمٌ.
وقد بـيّنا وقت تبرّئه منه فـيـما مضى, بـما أغنى عن إعادته.
وقوله: وللْـمُؤْمِنِـينَ يقول: وللـمؤمنـين بك مـمن تبعنـي علـى الدين الذي أنا علـيه, فأطاعك فـي أمرك ونهيك. وقوله: يَوْمَ يَقُومُ الـحِسابُ يعنـي: يقوم الناس للـحساب فـاكتفـى بذكر الـحساب من ذكر الناس, إذ كان مفهوما معناه