تفسير الطبري تفسير الصفحة 261 من المصحف

 تفسير الطبري - صفحة القرآن رقم 261
262
260
 الآية : 42-43
القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {وَلاَ تَحْسَبَنّ اللّهَ غَافِلاً عَمّا يَعْمَلُ الظّالِمُونَ إِنّمَا يُؤَخّرُهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الأبْصَارُ * مُهْطِعِينَ مُقْنِعِي رُءُوسِهِمْ لاَ يَرْتَدّ إِلَيْهِمْ طَرْفُهُمْ وَأَفْئِدَتُهُمْ هَوَآءٌ }.
يقول تعالـى ذكره لنبـيه مـحمد صلى الله عليه وسلم: وَلاَ تَـحْسَبنّ اللّهَ يا مـحمد غَافِلاً ساهيا عَمّا يَعْمَلُ هؤلاء الـمشركون من قومك, بل هو عالـم بهم وبأعمالهم مـحصيها علـيهم, لـيجزيهم جزاءهم فـي الـحين الذي قد سبق فـي علـمه أنه يجزيهم فـيه.
15781ـ حدثنا القاسم, قال: حدثنا الـحسين, قال: حدثنا علـيّ بن ثابت, عن جعفر بن برَقان, عن ميـمون بن مِهران فـي قوله: وَلا تَـحْسَبنّ اللّهَ غافِلاً عَمّا يَعْمَلُ الظّالِـمُونَ قال: هي وعيد للظالـم وتعزية للـمظلوم.

القول فـي تأويـل قوله تعالـى: إنّـمَا يُؤَخّرُهُمْ لِـيَوْمٍ تَشْخصُ فِـيهِ الأبصار مُهْطِعِينَ مُقْنِعِي رُءُوسِهِمْ لا يَرْتَدّ إلَـيْهِمْ طَرْفُهُمْ وأفْئِدَتُهُمْ هَوَاءٌ.
يقول تعالـى ذكره: إنـما يؤخر ربك يا مـحمد هؤلاء الظالـمين الذين يكذّبونك ويجحَدون نبوّتك, لـيوم تشخص فـيه الأبصار. يقول: إنـما يؤخّر عقابَهم وإنزال العذاب بهم, إلـى يوم تشخَص فـيه أبصار الـخـلق وذلك يوم القـيامة, كما:
15782ـ حدثنا بشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة: لِـيَوْم تَشْخَصُ فِـيهِ الأبْصَارُ شخصت فـيه والله أبصارهم, فلا ترتدّ إلـيهم.
وأما قوله: مُهْطِعِينَ فإن أهل التأويـل اختلفوا فـي معناه فقال بعضهم: معناه: مسرعين. ذكر من قال ذلك:
15783ـ حدثنا ابن وكيع, قال: حدثنا هاشم بن القاسم, عن أبـي سعيد الـمؤدّب, عن سالـم, عن سعيد بن جبـير: مُهْطِعِينَ قال: النّسَلان, وهو الـخبب أو ما دون الـخبب, شكّ أبو سعيد يخبون وهم ينظرون.
15784ـ حدثنا مـحمد بن عبد الأعلـى, قال: حدثنا مـحمد بن ثور, عن معمر, عن قتادة: مُهْطِعِينَ قال: مسرعين.
15785ـ حدثنا بشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة: مُهْطِعِينَ يقول: منطلقـين عامدين إلـى الداعي.
وقال آخرون: معنى ذلك: مديـمي النظر. ذكر من قال ذلك:
15786ـ حدثنا مـحمد بن سعد, قال: ثنـي أبـي, قال: ثنـي عمي, قال: ثنـي أبـي, عن أبـيه, عن ابن عبـاس, قوله: مُهْطِعِينَ يعنـي بـالإهطاع: النظر من غير أن يطرف.
15787ـ حدثنا ابن وكيع, قال: ثنـي أبـي, عن أبـيه, عن سعيد بن مسروق, عن أبـي الضحى: مُهْطِعِينَ قال: الإهطاع: التـحميجالدائم الذي لا يَطْرِف.
15788ـ حدثنـي الـمثنى, قال: حدثنا عمرو بن عون, قال: أخبرنا هشيـم, عن مغيرة, عن أبـي الـخير بن تـميـم بن حَذْلَـم, عن أبـيه, فـي قوله: مُهْطِعِينَ قال: الإهطاع: التـحميج.
15789ـ حدثنا ابن وكيع, قال: حدثنا الـمـحاربـي, عن جويبر, عن الضحاك: مُهْطِعِينَ قال: شدّة النظر الذي لا يطرف.
حدثنـي الـمثنى, قال: أخبرنا عمرو, قال: أخبرنا هُشَيـم, عن جويبر, عن الضحاك, فـي قوله: مُهْطِعِينَ قال: شدة النظر فـي غير طَرْف.
حُدثت عن الـحسين بن الفرج, قال: سمعت أبـا معاذ يقول: أخبرنا عبـيد, قال: سمعت الضحاك يقول فـي قوله: مُهْطِعِينَ الإهطاع: شدة النظر فـي غير طَرْف.
15790ـ حدثنـي مـحمد بن عمرو, قال: حدثنا أبو عاصم, قال: حدثنا عيسى وحدثنا الـحسن بن مـحمد, قال: حدثنا شبـابة, قال: حدثنا ورقاء وحدثنـي الـحرث, قال: حدثنا الـحسن, قال: حدثنا ورقاء وحدثنـي الـمثنى, قال: حدثنا أبو حُذيفة, قال: حدثنا شبل, عن ابن أبـي نـجيح, عن مـجاهد: مُهْطِعِينَ قال: مُديـمي النظر.
حدثنا القاسم, قال: حدثنا الـحسين, قال: ثنـي حجاج, عن ابن جريج, عن مـجاهد, مثله.
وقال آخرون: معنى ذلك: لا يرفع رأسه. ذكر من قال ذلك:
15791ـ حدثنـي يونس, قال: أخبرنا ابن وهب, قال: قال ابن زيد, فـي قوله: مُهْطِعِينَ قال: الـمهطع الذي لا يرفع رأسه.
والإهطاع فـي كلام العرب بـمعنى الإسراع أشهر منه بـمعنى إدامة النظر, ومن الإهطاع بـمعنى الإسراع, قول الشاعر:
وبِـمُهْطِعٍ سُرُحٍ كأنّ زِمامَهُفـي رأسِ جذْعٍ مِنْ أوَالَ مُشَذّبِ
وقول الاَخر:
بـمُسْتَهْطعٍ رَسْلٍ كأنّ جَدِيـلَهُبقَـيْدُومِ رَعْنٍ مِنْ صَوَامٍ مُـمَنّعِ
وقوله: مُقْنِعِي رُءُوسِهِمْ يعنـي رافعي رءوسهم. وإقناع الرأس: رفعه ومنه قول الشماخ:
يُبـاكِرْنَ العِضَاهَ بـمُقْنَعاتٍنَوَاجِذُهُنّ كالـحَدَإِ الوَقـيعِ
يعنـي: أنهنّ يبـاكرن العضاه برءوسهن مرفوعات إلـيها لتتناول منها, ومنه أيضا قول الراجز:
أنْغَضَ نـحْوِي رأسَهْ وأقْنَعاكأنـمَا أبْصَرَ شَيْئا أطْمَعا
وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك:
15792ـ حدثنـي مـحمد بن سعد, قال: ثنـي أبـي, قال: ثنـي عمي, قال: ثنـي أبـي, عن أبـيه, عن ابن عبـاس, قوله: مُقْنِعِي رُءُوسِهِمْ قال: الإقناع: رفع رءوسهم.
15793ـ حدثنـي مـحمد بن عمرو, قال: حدثنا أبو عاصم, قال: حدثنا عيسى وحدثنـي الـحسن بن مـحمد, قال: حدثنا شبـابة, قال: حدثنا ورقاء, وقال الـحسن, قال: حدثنا ورقاء وحدثنـي الـمثنى, قال: حدثنا أبو حُذيفة, قال: حدثنا شبل, عن ابن أبـي نـجيح, عن مـجاهد, فـي قوله: مُقْنِعِي رُءُوسِهِمْ قال: رافعيها.
حدثنا القاسم, قال: حدثنا الـحسين, قال: ثنـي حجاج, عن ابن جريج, عن مـجاهد, مثله.
15794ـ حدثنا أبو كريب, قال: حدثنا أبو بكر, عن أبـي سعد, قال: قال الـحسن: وجوه الناس يوم القـيامة إلـى السماء لا ينظر أحد إلـى أحد.
15795ـ حدثنـي الـمثنى, قال: حدثنا سويد, قال: أخبرنا ابن الـمبـارك, عن عثمان بن الأسود, أنه سمع مـجاهدا يقول فـي قوله: مُهْطعينَ مُقْنِعِي رُءُوسِهمْ قال: رافع رأسه هكذا, لاَ يَرْتَدّ إلَـيهمْ طَرْفُهُمْ.
15796ـ حدثنـي الـمثنى, قال: حدثنا عمرو بن عون, قال: أخبرنا هشيـم, عن جويبر, عن الضحاك, فـي قوله: مُقْنِعِي رُءُوسِهمْ قال: رافعي رءوسهم.
15797ـ حدثنا بشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة: مُقْنِعِي رُءُوسِهمْ قال: الإقناعُ رفع رءوسهم.
حدثنا مـحمد بن عبد الأعلـى, قال: حدثنا مـحمد بن ثور, عن معمر, عن قتادة: مُقْنِعِي رُءُوسِهمْ قال: الـمقنع الذي يرفع رأسه شاخصا بصره لا يطرف.
حُدثت عن الـحسين, قال: سمعت أبـا معاذ يقول: أخبرنا عبـيد, قال: سمعت الضحاك يقول, فـي قوله: مُقْنِعِي رُءُوسِهمْ قال: رافعيها.
15798ـ حدثنـي يونس, قال: أخبرنا ابن وهب, قال: قال ابن زيد, فـي قوله: مُقْنِعِي رُءُوسِهمْ قال: الـمقنع الذي يرفع رأسه.
حدثنا ابن وكيع, قال: حدثنا الـمـحاربـي, عن جويبر, عن الضحاك: مُقْنِعِي رُءُوسِهمْ قال: رافعي رءوسهم.
15799ـ حدثنا ابن وكيع, قال: حدثنا هاشم بن القاسم, عن أبـي سعيد, عن سالـم, عن سعيد: مُقْنِعِي رُءُوسِهمْ قال: رافعي رءوسهم.
وقوله: لا يَرْتَدّ إلَـيْهِمْ طَرْفُهُمْ يقول: لا ترجع إلـيهم لشدّة النظر أبصارهم. كما:
15800ـ حدثنـي مـحمد بن سعد, قال: ثنـي أبـي, قال: ثنـي عمي, قال: ثنـي أبـي, عن أبـيه, عن ابن عبـاس قوله: لا يَرْتَدّ إلَـيْهمْ طَرْفُهُمْ وأفْئدَتُهُمْ هَوَاءٌ قال: شاخصة أبصارهم.
وقوله: وأفْئدَتُهُمْ هَوَاءٌ اختلف أهل التأويـل فـي تأويـله, فقال بعضهم: معناه: متـخرّقة لا تعي من الـخير شيئا. ذكر من قال ذلك:
15801ـ حدثنا مـحمد بن بشار, قال: حدثنا عبد الرحمن, قال: حدثنا سفـيان, عن أبـي إسحاق, عن مرّة, فـي قوله: وأفْئِدَتُهُمْ هَوَاءٌ قال: متـخرقة لا تعي شيئا.
حدثنا ابن بشار, قال: حدثنا عبد الرحمن, قال: حدثنا مالك بن مغول, عن أبـي إسحاق, عن مرّة, بـمثل ذلك.
حدثنا ابن بشار, قال: حدثنا عبد الرحمن, قال: حدثنا إسرائيـل, عن أبـي إسحاق, عن مرّة, مثله.
حدثنا مـحمد بن عمارة, قال: حدثنا سهل بن عامر, قال: حدثنا مالك وإسرائيـل, عن أبـي إسحاق, عن مرّة, مثله.
حدثنا ابن وكيع, قال: حدثنا أبـي, عن سفـيان, عن أبـي إسحاق, عن مرّة: وأفْئدَتُهُمْ هَوَاءٌ قال: متـخرقة لا تعي شيئا من الـخير.
حدثنا الـحسن بن مـحمد, قال: حدثنا يحيى بن عبـاد, قال: حدثنا مالك, يعنـي ابن مغول, قال: سمعت أبـا إسحاق, عن مرّة إلاّ أنه قال: لا تعي شيئا. ولـم يقل من الـخير.
حدثنا الـحسن بن مـحمد, قال: حدثنا شبـابة, قال: أخبرنا إسرائيـل, عن أبـي إسحاق, عن مرّة, مثله.
حدثنا أحمد بن إسحاق, قال: حدثنا أبو أحمد, قال: حدثنا مالك بن مغول, وإسرائيـل عن أبـي إسحاق, عن مرّة: وأفْئدَتُهُمْ هَوَاءٌ قال أحدهما: خربة, وقال الاَخر: متـخرقة لا تعي شيئا.
15802ـ حدثنـي مـحمد بن سعد قال: ثنـي أبـي, قال: ثنـي عمي, قال: ثنـي أبـي, عن أبـيه, عن ابن عبـاس: وأفْئدَتُهُمْ هَوَاءٌ قال: لـيس فـيها شيء من الـخير فهي كالـخربة.
15803ـ حدثنا القاسم, قال: حدثنا الـحسين, قال: ثنـي حجاج, عن ابن جريج, عن مـجاهد, قال: لـيس من الـخير شيء فـي أفئدتهم, كقولك للبـيت الذي لـيس فـيه شيء إنـما هو هواء.
15804ـ حدثنـي يونس, قال: أخبرنا ابن وهب, قال: ابن زيد فـي قوله: وأفْئِدَتُهُمْ هَوَاءٌ قال: الأفئدة: القلوب هواء كما قال الله, لـيس فـيها عقل ولا منفعة.
15805ـ حدثنا ابن حميد, قال: حدثنا حكام, عن عنبسة, عن أبـي بكرة, عن أبـي صالـح: وأفْئدَتُهُمْ هَوَاءٌ قال: لـيس فـيها شيء من الـخير.
وقال آخرون: إنها لا تستقرّ فـي مكان تردّد فـي أجوافهم. ذكر من قال ذلك:
15806ـ حدثنا ابن وكيع وأحمد بن إسحاق, قالا: حدثنا أبو أحمد, قال: حدثنا شريك, عن سالـم, عن سعيد: وأفْئدَتُهُمْ هَوَاءٌ قال: تـمور فـي أجوافهم, لـيس لها مكان تستقرّ فـيه.
حدثنا ابن وكيع, قال: حدثنا هاشم بن القاسم, عن أبـي سعيد, عن سالـم, عن سعيد بنـحوه.
وقال آخرون: معنى ذلك: أنها خرجت من أماكنها فنَشِبَت بـالـحلوق. ذكر من قال ذلك:
15807ـ حدثنا ابن وكيع وأحمد بن إسحاق, قالا: حدثنا أبو أحمد الزبـيري, عن إسرائيـل, عن سعيد, عن مسروق عن أبـي الضحى: وأفْئدَتُهُمْ هَوَاءٌ قال: قد بلغت حناجرهم.
15808ـ حدثنا مـحمد بن عبد الأعلـى, قال: حدثنا مـحمد بن ثور, عن معمر, عن قتادة, فـي قوله: وأفْئدَتُهُمْ هَوَاءٌ قال: هواء لـيس فـيها شيء, خرجت من صدورهم فنشبت فـي حلوقهم.
15809ـ حدثنا بشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة, قوله: وأفْئدَتُهُمْ هَوَاءٌ انتزعت حتـى صارت فـي حناجرهم لا تـخرج من أفواههم, ولا تعود إلـى أمكنتها.
وأولـى هذه الأقوال عندي بـالصواب فـي تأويـل ذلك قول من قال: معناه: أنها خالـية لـيس فـيها شيء من الـخير, ولا تعقل شيئا وذلك أن العرب تسمي كلّ أجوف خاو: هواء ومنه قول حسّان بن ثابت:
ألا أبْلِغْ أبـا سُفْـيانَ عَنّـيفأنْتَ مُـجَوّفٌ نَـخِبٌ هَوَاءُ
ومنه قول الاَخر:
وَلا تَكُ مِنْ أخْدانِ كُلّ يَراعةٍهَوَاءٍ كَسَقْبِ البـانِ جُوفٍ مَكاسِرُهْ
الآية : 44
القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {وَأَنذِرِ النّاسَ يَوْمَ يَأْتِيهِمُ الْعَذَابُ فَيَقُولُ الّذِينَ ظَلَمُوَاْ رَبّنَآ أَخّرْنَآ إِلَىَ أَجَلٍ قَرِيبٍ نّجِبْ دَعْوَتَكَ وَنَتّبِعِ الرّسُلَ أَوَلَمْ تَكُونُوَاْ أَقْسَمْتُمْ مّن قَبْلُ مَا لَكُمْ مّن زَوَالٍ }.
يقول تعالـى ذكره: وأنذر يا مـحمد الناس الذين أرسلتك إلـيهم داعيا إلـى الإسلام ما هو نازل بهم, يوم يأتـيهم عذاب الله فـي القـيامة. فَـيَقُولُ الّذِينَ ظَلَـمُوا يقول: فـيقول الذين كفروا بربهم, فظلـموا بذلك أنفسهم: رَبّنا أخّرْنا: أي أخّر عنا عذابك, وأمهلنا إلـى أجَلٍ قَرِيبٍ نُـجِبْ دَعْوَتَكَ الـحقّ, فنؤمن بك, ولا نشرك بك شيئا وَنَتّبعِ الرّسُلَ يقولون: ونصدّق رسلك فنتبعهم علـى ما دعوتنا إلـيه من طاعتك واتبـاع أمرك.
وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك:
15810ـ حدثنا القاسم, قال: حدثنا الـحسين, قال: ثنـي حجاج, عن ابن جريج, عن مـجاهد, قوله: وأنْذِرِ النّاسَ يَوْمَ يَأْتِـيهِمُ العَذَابُ قال: يوم القـيامة فَـيَقُولُ الّذِينَ ظَلَـمُوا رَبّنا أخّرْنا إلـى أجَلٍ قَرِيبٍ قال: مدّة يعملون فـيها من الدنـيا.
15811ـ حدثنا بشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة: وأنْذِرِ النّاسَ يَوْمَ يَأْتـيهِمُ العَذابُ يقول: أنذرهم فـي الدنـيا قبل أن يأتـيهم العذاب.
وقوله: فَـيَقُولُ الّذِينَ ظَلـمُوا رفع عطفـا علـى قوله: يَأَتـيهمُ فـي قوله: يأْتـيهمُ العَذَابُ ولـيس بجواب للأمر, ولو كان جوابـا لقوله: وأنْذِرِ النّاسَ جاز فـيه الرفع والنصب. أما النصب فكما قال الشاعر:
يا نَاقَ سيرِي عَنَقا فَسِيحَاإلـى سُلَـيْـمانَ فَنَسْتَرِيحا
والرفع علـى الاستئناف. وذُكر عن العلاء بن سيابة أنه كان ينكر النصب فـي جواب الأمر بـالفـاء, قال الفراء: وكان العلاء هو الذي علّـم معاذا وأصحابه.

القول فـي تأويـل قوله تعالـى: أو لَـمْ تَكُونُوا أقْسَمْتُـمْ مِنْ قَبْلُ ما لَكُمْ مِنْ زَوَالٍ. وهذا تقريع من الله تعالـى ذكره للـمشركين من قريش بعد أن دخـلوا النار بإنكارهم فـي الدنـيا البعث بعد الـموت. يقول لهم إذ سألوه رفع العذاب عنهم وتأخيرهم لـينـيبوا ويتوبوا: أو لَـمْ تَكُونُوا فـي الدنـيا أقْسَمْتُـمْ منْ قَبْلُ ما لَكُمْ منْ زَوَالٍ يقول: ما لكم من انتقال من الدنـيا إلـى الاَخرة, وأنكم إنـما تـموتون, ثم لا تبعثون؟ كما:
15812ـ حدثنا القاسم, قال: حدثنا الـحسين, قال: ثنـي حجاج, عن ابن جريج, عن مـجاهد, قال: أو لَـمْ تَكُونُوا أقْسَمْتُـمْ منْ قَبْلُ كقوله: وأقْسَمُوا بـاللّهِ جَهْدَ أيـمَانِهمْ لا يَبْعَثُ اللّهُ مَنْ يَـمُوتُ بلـي. ثم قال: ما لَكُمْ منْ زَوَالٍ قال: الانتقال من الدنـيا إلـى الاَخرة.
15813ـ حدثنـي مـحمد بن عمرو, قال: حدثنا أبو عاصم, قال: حدثنا عيسى وحدثنـي الـحرث, قال: حدثنا الـحسن قال: حدثنا ورقاء وحدثنا الـحسن بن مـحمد, قال: حدثنا شبـابة, قال: حدثنا ورقاء وحدثنـي الـمثنى, قال: حدثنا أبو حذيفة, قال: حدثنا سلـمة وحدثنـي الـمثنى, قال: أخبرنا إسحاق, قال: حدثنا عبد الله, قال: حدثنا ورقاء جميعا, عن ابن أبـي نـجيح, عن مـجاهد, قوله: ما لَكُمْ مِنْ زَوَالٍ قال: لا تـموتون لقريش.
15814ـ حدثنـي القاسم, قال: حدثنا سويد, قال: أخبرنا ابن الـمبـارك, عن الـحكم, عن عمرو بن أبـي لـيـلـى أحد بنـي عامر, قال: سمعت مـحمد بن كعب القرظي يقول: بلغنـي, أو ذُكر لـي, أن أهل النار ينادون: رَبّنا أخّرْنا إلـى أجَلٍ قَرِيبٍ نُـجِبْ دَعْوَتَكَ وَنَتّبِعِ الرّسُلَ فردّ علـيهم: أو لَـمْ تَكُونُوا أقْسَمْتُـمْ مِنْ قَبْلُ ما لَكُمْ مِنْ زَوَالٍ وَسَكَنْتُـمْ فِـي مَساكِنِ الّذِينَ ظَلَـمُوا أنْفُسَهُمْ... إلـى قوله: لِتَزُولَ مِنْهُ الـجِبـالُ.
الآية : 45
القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {وَسَكَنتُمْ فِي مَسَـَكِنِ الّذِينَ ظَلَمُوَاْ أَنفُسَهُمْ وَتَبَيّنَ لَكُمْ كَيْفَ فَعَلْنَا بِهِمْ وَضَرَبْنَا لَكُمُ الأمْثَالَ }.
يقول تعالـى ذكره: وسكنتـم فـي الدنـيا فـي مساكن الذين كفروا بـالله, فظلـموا بذلك أنفسهم من الأمـم التـي كانت قبلكم. وتَبَـيّنَ لَكُمْ كَيْفَ فَعَلْنَا بِهِمْ يقول: وعلـمتـم كيف أهلكناهم حين عتوا علـى ربهم وتـمادوا فـي طغيانهم وكفرهم. وَضَرَبْنا لَكُمُ الأمْثالَ يقول: ومثّلنا لكم فـيـما كنتـم علـيه من الشرك بـالله مقـيـمين الأشبـاه, فلـم تنـيبوا ولـم تتوبوا من كفركم, فـالاَن تسألون التأخير للتوبة حين نزل بكم ما قد نزل بكم من العذاب, إن ذلك لغير كائن.
وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك:
15815ـ حدثنا بشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة, قوله: وَسَكَنْتُـمْ فِـي مَساكنِ الّذِينَ ظَلَـمُوا أنْفُسَهُمْ يقول: سكن الناس فـي مساكن قوم نوح وعاد وثمود, وقرون بـين ذلك كثـيرة مـمن هلك من الأمـم. وتَبَـيّنَ لَكُمْ كَيْفَ فَعَلْنا بِهمْ وَضَرَبْنا لَكُمُ الأمْثالَ قد والله بعث رسله, وأنزل كتبه, ضرب لكم الأمثال, فلا يصم فـيها إلاّ أصمّ, ولا يخيب فـيها إلاّ الـخائب, فـاعقلوا عن الله أمره.
15816ـ حدثنـي يونس, قال: أخبرنا ابن وهب, قال: قال ابن زيد, فـي قوله: وَسَكَنْتُـمْ فِـي مَساكنِ الّذِينَ ظَلَـمُوا أنْفُسَهُمْ وَتَبَـيّنَ لَكُمْ كَيْفَ فَعَلْنا بِهِمْ قال: سكنوا فـي قراهم مدين والـحجر والقرى التـي عذّب الله أهلها, وتبـين لكم كيف فعل الله بهم, وضرب لهم الأمثال.
15817ـ حدثنا الـحسن بن مـحمد, قال: حدثنا شبـابة, قال: حدثنا ورقاء, عن ابن أبـي نـجيح, عن مـجاهد, قوله: الأمْثالَ قال: الأشبـاه.
حدثنا القاسم, قال: حدثنا الـحسين, قال: ثنـي حجاج, عن ابن جريج, عن مـجاهد, مثله.
الآية : 46
القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {وَقَدْ مَكَرُواْ مَكْرَهُمْ وَعِندَ اللّهِ مَكْرُهُمْ وَإِن كَانَ مَكْرُهُمْ لِتَزُولَ مِنْهُ الْجِبَالُ }.
يقول تعالـى ذكره: قد مكر هؤلاء الذين ظلـموا أنفسهم, فسكنتـم من بعدهم فـي مساكنهم, مَكْرَهم. وكان مكرهم الذي مكروا ما:
15818ـ حدثنا مـحمد بن بشار, قال: حدثنا يحيى, قال: حدثنا سفـيان, قال: حدثنا أبو إسحاق, عن عبد الرحمن بن أبـان قال: سمعت علـيّا يقرأ: «وَإنْ كانَ مَكْرُهُمْ لتَزُولُ مِنْهُ الـجِبـالُ» قال: كان ملك فَرِه أخذ فروخ النسور, فعلفها اللـحم حتـى شبّت واستعلـجت واستغلظت, فقعد هو وصاحبه فـي التابوت وربطوا التابوت بأرجل النسور, وعلقوا اللـحم فوق التابوت, فكانت كلـما نظرت إلـى اللـحم صعدت وصعدت, فقال لصاحبه: ما ترى؟ قال: أرى الـجبـال مثل الدخان, قال: ما ترى؟ قال: ما أرى شيئا, قال: ويحك صوّب صوّب قال: فذلك قوله: «وَإنْ كانَ مَكْرُهُمْ لَتَزُولُ مِنْهُ الـجِبـالُ».
15819ـ حدثنا مـحمد بن بشار, قال: حدثنا مـحمد بن جعفر, قال: حدثنا شعبة, عن أبـي إسحاق, عن عبد الرحمن بن واصل, عن علـيّ بن أبـي طالب, مثل حديث يحيى بن سعيد, وزاد فـيه: وكان عبد الله بن مسعود يقرؤها: «وَإنْ كانَ مَكْرُهُمْ لَتَزُولُ مِنْهُ الـجِبـالُ».
حدثنا الـحسن بن مـحمد, قال: حدثنا مـحمد بن أبـي عديّ, عن شعبة, عن أبـي إسحاق, قال: حدثنا عبد الرحمن بن واصل أن علـيّا قال فـي هذه الاَية: «وَإنْ كانَ مَكْرُهُمْ لَتَزُولُ مِنْهُ الـجِبـالُ» قال: أخذ ذلك الذي حاجّ إبراهيـم فـي ربه نسرين صغيرين فرّبـاهما, ثم استغلظا واستعلـجا وشبّـا قال: فأوثق رجل كلّ واحد منهما بوتد إلـى تابوت, وجوّعهما, وقعد هو ورجل آخر فـي التابوت, قال: ورفع فـي التابوت عصا علـى رأسه اللـحم, قال: فطارا, وجعل يقول لصاحبه: انظر ماذا ترى؟ قال: أرى كذا وكذا, حتـى قال: أرى الدنـيا كأنها ذبـاب, فقال: صوّب العصا فصوّبها فهبطا. قال: فهو قول الله تعالـى: «وَإنْ كانَ مَكْرُهُمْ لتَزُولُ مِنْهُ الـجِبـالُ» قال أبو إسحاق: وكذلك فـي قراءة عبد الله: «وَإنْ كانَ مَكْرُهُمْ لَتَزُولُ مِنْهُ الـجبـالُ».
15820ـ حدثنـي الـمثنى, قال: حدثنا أبو حذيفة, قال: حدثنا شبل, عن ابن أبـي نـجيح, عن مـجاهد: «وَإنْ كانَ مَكْرُهُمْ لَتَزُولُ مِنْهُ الـجِبـالُ» مكر فـارس. وزعم أن بختنصر خرج بنسور, وجعل له تابوتا يدخـله, وجعل رماحا فـي أطرافها واللـحم فوقها أراه قال: فعلت تذهب نـحو اللـحم حتـى انقطع بصره من الأرض وأهلها, فنودي: أيها الطاغية أين تريد؟ ففرِق, ثم سمع الصوت فوقه, فصوّب الرماح, فتصوّبت النسور, ففزعت الـجبـال من هدّتها, وكادت الـجبـال أن تزول منه من حسّ ذلك, فذلك قوله: وَإنْ كانَ مَكْرُهُمْ لَتَزُولُ مِنْهُ الـجِبـالُ.
حدثنا القاسم, قال: حدثنا الـحسين, قال: ثنـي حجاج, قال: قال ابن جريج, قال مـجاهد: «وَقَدْ مَكَرُوا مَكْرَهُمْ وَعنْدَ اللّهِ مَكْرُهُمْ وَإنْ كادَ مَكْرُهُمْ» كذا قرأها مـجاهد: «كادَ مَكْرُهُمْ لِتَزُولَ مِنْهُ الـجِبـالُ» وقال: إن بعض من مضى جوّع نسورا, ثم جعل علـيها تابوتا فدخـله, ثم جعل رماحا فـي أطرافها لـحم, فجعلت ترى اللـحم فتذهب, حتـى انتهى بصره, فنودي: أيها الطاغية أين تريد؟ فصوّب الرّماح, فتصوّبت النسور, ففزعت الـجبـال, وظنّت أن الساعة قد قامت, فكادت أن تزول, فذلك قوله تعالـى: «وَإنْ كانَ مَكْرُهُمْ لَتَزُولُ مِنْهُ الـجِبـالُ».
قال ابن جريج: أخبرنـي عمرو بن دينار, عن عكرمة, عن عمر بن الـخطاب, أنه كان يقرأ: وَإنْ كادَ مَكْرُهُمْ لَتَزُولُ مِنْه الـجِبـالُ.
15821ـ حدثنـي هذا الـحديث أحمد بن يوسف, قال: حدثنا القاسم بن سلام, قال: حدثنا حجاج, عن ابن جريج, عن مـجاهد, أنه كان يقرأ علـى نـحو: «لَتَزُولُ» بفتـح اللام الأولـى ورفع الثانـية.
15822ـ حدثنا ابن وكيع, قال: حدثنا أبـي, عن سفـيان, عن أبـي إسحاق, عن عبد الرحمن بن دانـيـل قال: سمعت علـيّا يقول: «وَإنْ كانَ مَكْرُهُمْ لَتَزُولُ مِنْهُ الـجِبـالُ».
حدثنا ابن وكيع, قال: حدثنا أبـي, عن إسرائيـل, عن أبـي إسحاق, عن عبد الرحمن بن دانـيـل, قال: سمعت علـيّا يقول: «وإنْ كانَ مَكْرُهُمْ لَتَزُولَ مِنْهُ الـحِبـالُ» قال: ثم أنشأ علـيّ يحدّث فقال: نزلت فـي جبّـار من الـجبـابرة قال: لا أنتهي حتـى أعلـم ما فـي السماء, ثم اتـخذ نسورا فجعل يطعمها اللـحم حتـى غلظت واستعلـجت واشتدّت, وذكر مثل حديث شعبة.
15823ـ حدثنا ابن وكيع, قال: حدثنا أبو داود الـحضرمي, عن يعقوب, عن حفص بن حميد أو جعفر, عن سعيد بن جبـير: «وَإنْ كانَ مَكْرُهُمْ لَتَزُولُ مِنْهُ الـحِبـالُ» قال: نـمرود صاحب النسور, أمر بتابوت فجعل وجعل معه رجلاً, ثم أمر بـالنسور فـاحتـمل, فلـما صعد قال لصاحبه: أيّ شيء ترى؟ قال: أرى الـماء وجزيرة يعنـي الدنـيا ثم صعد فقال لصاحبه: أيّ شيء ترى؟ قال: ما نزداد من السماء إلاّ بُعدا, قال: اهبط وقال غيره: نودي أيها الطاغية أين تريد؟ قال: فسمعت الـجبـال حفـيف النسور, فكانت ترى أنها أمر من السماء, فكادت تزول, فهو قوله: «وَإنْ كانَ مَكْرُهُمْ لَتَزُولُ مِنْهُ الـجِبـالُ».
15824ـ حدثنا ابن وكيع, قال: حدثنا أبـي, عن أبـي جعفر, عن الربـيع بن أنس, أن أنسا كان يقرأ: «وَإنْ كادَ مَكْرُهُمْ لَتَزُولُ مِنْهُ الـجِبـالُ».
وقال آخرون: كان مكرهم شركهم بـالله وافتراءهم علـيه. ذكر من قال ذلك:
15825ـ حدثنـي الـمثنى, قال: حدثنا أبو صالـح, قال: ثنـي معاوية, عن علـيّ, عن ابن عبـاس: وَإنْ كانَ مَكْرُهُمْ لِتَزُولَ مِنْهُ الـجِبـالُ يقول: شركهم, كقوله: تَكادُ السّمَوَاتُ يَتَفَطّرْنَ مِنْهُ.
15826ـ حدثنا ابن وكيع, قال: حدثنا الـمـحاربـي, عن جويبر, عن الضحاك: «وَإنْ كانَ مَكْرُهُمْ لَتَزُولُ مِنْهُ الـجِبـالُ» قال: هو كقوله: وَقالُوا اتّـخَذَ الرّحْمَنُ وَلَدًا لَقَدْ جِئْتُـمْ شَيْئا إدّا تَكاد السّمَوَاتُ يَتَفَطّرْنَ مِنْهُ وَتَنْشَقّ الأرْضُ وتَـخِرّ الـجبـالُ هَدّا.
حدثنـي الـمثنى, قال: حدثنا عمرو بن عون, قال: أخبرنا هشيـم, عن جويبر, عن الضحاك, فـي قوله: وَإنْ كانَ مَكْرُهُمْ ثم ذكر مثله.
15827ـ حدثنا بشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة, أن الـحسن كان يقول: كان أهون علـى الله وأصغر من أن تزول منه الـجبـال, يصفهم بذلك. قال قتادة: وفـي مصحف عبد الله بن مسعود: «وإنْ كادَ مَكْرُهُمْ لَتَزُولُ مِنْهُ الـجِبـالُ», وكان قتادة يقول عند ذلك: تَكادُ السّمَوَاتُ يَتَفَطّرْنَ مِنْهُ وتَنْشَقّ الأرْضُ وتَـخِرّ الـجِبـالُ هَدّا: أي لكلامهم ذلك.
15828ـ حدثنا مـحمد بن عبد الأعلـى, قال: حدثنا مـحمد بن ثور, عن معمر, عن قتادة, فـي قوله: «وَإنْ كانَ مَكْرُهُمْ لَتَزُولُ مِنْهُ الـجبـالُ» قال ذلك حين دعوا لله ولدا. وقال فـي آية أخرى: تَكادُ السّمَوَاتُ يَتَفَطّرْنَ مِنْهُ وَتَنْشَقّ الأرْضُ وتَـخِرّ الـجِبـالُ هَدّا أنْ دَعَوْا للرّحْمَنِ وَلَدًا.
حُدثت عن الـحسين, قال: سمعت أبـا معاذ يقول: أخبرنا عبـيد بن سلـيـمان, قال: سمعت الضحاك يقول فـي قوله: وَإنْ كانَ مَكْرُهُمْ لِتَزُولَ مِنْهُ الـجِبـالُ فـي حرف ابن مسعود: «وإنْ كادَ مَكْرُهُمْ لَتَزُولُ مِنْهُ الـجِبـالُ» هو مثل قوله: تَكادُ السّمَوَاتُ يَتَفَطّرْنَ مِنْهُ وتَنْشَقّ الأرْضُ وتَـخِرّ الـجِبـالُ هَدّا.
واختلفت القرّاء فـي قراءة قوله: لِتَزُولَ مِنْهُ الـجِبـالُ فقرأ ذلك عامّة قرّاء الـحجاز والـمدينة والعراق ما خلا الكسائي: وَإنْ كانَ مَكْرُهُمْ لِتَزُولَ مِنْهُ الـجِبـالُ بكسر اللام الأولـى وفتـح الثانـية, بـمعنى: وما كان مكرهم لتزول منه الـجبـال. وقرأه الكسائي: «وَإنْ كانَ مَكْرُهُمْ لتَزُولُ مِنْهُ الـجِبـالُ» بفتـح اللام الأولـى ورفع الثانـية علـى تأويـل قراءة من قرأ ذلك: «وَإنْ كادَ مَكْرُهُمْ لتَزُولُ مِنْهُ الـجِبـالُ» من الـمتقدمين الذين ذكرت أقوالهم, بـمعنى: اشتدّ مكرهم حتـى زالت منه الـجبـال, أو كادت تزول منه. وكان الكسائيّ يحدّث عن حمزة, عن شبل عن مـجاهد, أنه كان يقرأ ذلك علـى مثل قراءته: «وَإنْ كانَ مَكْرُهُمْ لتَزُولُ مِنْهُ الـجبـالُ» برفع تزول.
15829ـ حدثنـي بذلك الـحرث عن القاسم عنه.
والصواب من القراءة عندنا, قراءة من قرأه: وَإنْ كانَ مَكْرُهُمْ لِتَزُولَ مِنْهُ الـجِبـالُ بكسر اللام الأولـى وفتـح الثانـية, بـمعنى: وما كان مكرههم لتزول منه الـجبـال.
وإنـما قلنا ذلك هو الصواب, لأن اللام الأولـى إذا فُتـحت, فمعنى الكلام: وقد كان مكرهم تزول منه الـجبـال, ولو كانت زالت لـم تكن ثابتة, وفـي ثبوتها علـى حالتها ما يبـين عن أنها لـم تزُل. وأخرى إجماع الـحجة من القرّاء علـى ذلك, وفـي ذلك كفـاية عن الاستشهاد علـى صحتها وفساد غيرها بغيره.
فإن ظنّ ظانّ أن ذلك لـيس بإجماع من الـحجة إذ كان من الصحابة والتابعين من قرأ ذلك كذلك, فإن الأمر بخلاف ما ظنّ فـي ذلك, وذلك أن الذين قرءوا ذلك بفتـح اللام الأولـى ورفع الثانـية قرءوا: «وَإنْ كادَ مَكْرُهُمْ» بـالدال, وهي إذا قرئت كذلك, فـالصحيح من القراءة مع: وَإنْ كادَ فتـح اللام الأولـى ورفع الثانـية علـى ما قرءوا, وغير جائز عندنا القراءة كذلك, لأن مصاحفنا بخلاف ذلك, وإنـما خطّ مصاحفنا وإن كان بـالنون لا بـالدال. وإذا كانت كذلك, فغير جائز لأحد تغيـير رسم مصاحف الـمسلـمين, وإذا لـم يجز ذلك لـم يكن الصحاح من القراءة إلاّ ما علـيه قرّاء الأمصار دون من شذّ بقراءته عنهم.
وبنـحو الذي قلنا فـي معنى: وَإنْ كانَ مَكْرُهُمْ قال جماعة من أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك:
15830ـ حدثنـي مـحمد بن سعد, قال: ثنـي أبـي, قال: ثنـي عمي, قال: ثنـي أبـي, عن أبـيه, عن ابن عبـاس, قوله: وَقَدْ مَكَرُوا مَكرهُم وَعِنْدَ اللّهِ مَكْرُهُمْ وَإنْ كانَ مَكْرُهُمْ لِتَزُولَ مِنْهُ الـجِبـالُ يقول: ما كان مكرهم لتزول منه الـجبـال.
15831ـ حدثنا مـحمد بن عبد الأعلـى, قال: حدثنا مـحمد بن ثور, عن معمر, قال: قال الـحسن, فـي قوله: وَإنْ كانَ مَكْرُهُمْ لتَزُولَ مِنْهُ الـجِبـالُ ما كان مكرهم لتزول منه الـجبـال.
حدثنـي الـمثنى, قال: حدثنا عمرو بن عون, قال: أخبرنا هشيـم, عن عوف, عن الـحسن, قال: ما كان مكرهم لتزول منه الـجبـال.
حدثنـي الـحرث, قال: حدثنا القاسم, قال: حدثنا حجاج, عن هارون, عن يونس وعمرو, عن الـحسن: وَإنْ كانَ مَكْرُهُمْ لِتَزُولَ منْهُ الـجِبـالُ قالا: وكان الـحسن يقول: وإن كان مكرهم لأوهن وأضعف من أن تزول منه الـجبـال.
15832ـ قال: قال هارون: وأخبرنـي يونس, عن الـحسن قال: أربع فـي القرآن: وَإنْ كانَ مَكْرُهُمْ لِتَزُولَ مِنْهُ الـجِبـالُ: ما كان مكرهم لتزول منه الـجبـال. وقوله: لاتّـخَذْناهُ مِنْ لَدُنّا إنْ كُنّا فـاعِلِـينَ: ما كنا فـاعلـين. وقوله: إنْ كانَ للرّحْمَنِ وَلَدٌ فأنا أوّلُ العابِدِينَ: ما كان للرحمن ولد. وقوله: وَلَقَدْ مَكَنّاهُمْ فِـيـما إنْ مَكّنّاكُمْ: ما مكناكم فـيه.
15833ـ قال: هارون: وحدثنـي بهنّ عمرو بن أسبـاط, عن الـحسن, وزاد فـيهنّ واحدة: فإنْ كُنْتَ فِـي شَكّ: ما كنت فـي شكّ مِـمّا أنْزَلْنا إلَـيْكَ.
فـالأولـى من القول بـالصواب فـي تأويـل الاَية, إذ كانت القراءة التـي ذكرت هي الصواب لـما بـيّنا من الدلالة فـي قوله: وَقَدْ مَكَرُوا مَكْرَهُمْ وَعِنْدَ الله مَكْرُهُمْ وَإنْ كانَ مَكْرُهُمْ لِتَزُولَ مِنْهُ الـجِبـالُ وقد أشرك الذين ظلـموا أنفسهم بربهم وافتروا علـيه فريتهم علـيه, وعند الله علـم شركهم به وافترائهم علـيه, وهو معاقبهم علـى ذلك عقوبتهم التـي هم أهلها, وما كان شركهم وفريتهم علـى الله لتزول منه الـجبـال, بل ما ضرّوا بذلك إلاّ أنفسهم, ولا عادت بغية مكروهة إلاّ علـيهم.
15834ـ حدثنا الـحسن بن مـحمد, قال: حدثنا وكيع بن الـجرّاح, قال: حدثنا الأعمش, عن شِمر, عن علـيّ, قال: الغدر مكر, والـمكر كفر.
الآية : 47
القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {فَلاَ تَحْسَبَنّ اللّهَ مُخْلِفَ وَعْدِهِ رُسُلَهُ إِنّ اللّهَ عَزِيزٌ ذُو انْتِقَامٍ }.
يقول تعالـى ذكره لنبـيه مـحمد صلى الله عليه وسلم: فَلا تَـحْسَبنّ اللّهَ مُخْـلِفَ وَعْدِهِ الذي وعدهم من كذّبهم, وجحد ما أتَوْهم به من عنده. وإنـما قاله تعالـى ذكره لنبـيه تثبـيتا وتشديدا لعزيـمته, ومعرّفه أنه منزل من سخطه بـمن كذّبه وجحد نبوّته, وردّ علـيه ما أتاه به من عند الله, مثال ما أنزل بـمن سلكوا سبـيـلهم من الأمـم الذين كانوا قبلهم علـى مثل منهاجهم من تكذيب رسلهم وجحود نبوّتهم وردّ ما جاءوهم به من عند الله علـيهم.
وقوله: إنّ اللّهَ عَزِيزٌ ذُو انْتِقامٍ يعنـي بقوله: إنّ اللّهَ عَزِيزٌ: لا يـمانع منه شيء أراد عقوبته, قادر علـى كل من طلبه, لا يفوتُه بـالهَرَب منه. ذُو انْتِقامٍ مـمن كفر برسله وكذّبهم, وجحد نبوتهم, وأشرك به واتـخذ معه إلها غيره. وأضيف قوله: مُخْـلِفَ إلـى الوعد, وهو مصدر لأنه وقع موقع الاسم, ونصب قوله: رُسُلَهُ بـالـمعنى وذلك أن الـمعنى: فلا تـحسبنّ الله مخـلف رسله وعده. فـالوعد وإن كان مخفوضا بإضافة «مخـلف» إلـيه, ففـي معنى النصب, وذلك أن الإخلاف يقع علـى منصوبـين مختلفـين, كقول القائل: كسوت عبدَ الله ثوبـا, وأدخـلته دارا. وإذا كان الفعل كذلك يقع علـى منصوبـين مختلفـين, جاز تقديـم أيّهما قْدّم, وخفصُ ما وَلِـيَ الفعل الذي هو فـي صورة الأسماء ونصب الثانـي, فـيقال: أنا مدخـلُ عبدِ الله الدار, وأنا مدخـلُ الدّارِ عبدَ الله, إن قدّمت الداء إلـى الـمُدْخـل وأخرت عبدَ الله خفضت الدار, إذ أضيف مُدْخـل إلـيها, ونُصِب عبد الله وإن قُدّم عبدُ الله إلـيه, وأخّرت الدار, خفض عبد الله بإضافة مُدْخـلٍ إلـيه, ونصب الدار وإنـما فعل ذلك كذلك, لأن الفعل أعنـي مدخـل يعمل فـي كلّ واحد منهما نصبـا نـحو عمله فـي الاَخر ومنه قول الشاعر:
تَرَى الثّوْرَ فـيها مُدْخِـلَ الظّلّ رأسَهُوسائرُهُ بـادٍ إلـى الشّمْسِ أجْمَعُ
أضاف مُدْخـل إلـى الظلّ, ونصب الرأس وإنـما معنى الكلام: مدخـل رأسَه الظلّ. ومنه قول الاَخر:
فَرِشْنـي بِخَيْرٍ لا أكُونَ وَمِدْحَتِـيكناحِتِ يَوْمٍ صَخْرَةً بعَسِيـلِ
والعسيـل: الريشة جُمع بها الطيب, وإنـما معنى الكلام: كناحِتِ صخرةٍ يوما بعسيـل, وكذلك قول الاَخر:
رُبّ ابْنِ عَمَ لِسُلَـيْـمَى مُشْمَعِلْطَبّـاخِ ساعاتِ الكَرَى زَادَ الكَسِلْ
وإنـما معنى الكلام: طبـاخ زادِ الكَسل ساعاتِ الكَرَى.
فأما من قرأ ذلك: فَلا تَـحْسَبنّ اللّهَ مُخْـلِفَ وَعْدِهِ رُسلهُ فقد بـيّنا وجه بُعْدِه من الصحة فـي كلام العرب فـي سورة الأنعام, عند قوله: وكَذَلِكَ زَيّنَ لِكَثِـيرٍ مِنَ الـمُشْرِكِينَ قَتْلَ أوْلادِهِمْ شركاؤهم, بـما أغنى عن إعادته فـي هذا الـموضع. الآية : 48
القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {يَوْمَ تُبَدّلُ الأرْضُ غَيْرَ الأرْضِ وَالسّمَاوَاتُ وَبَرَزُواْ للّهِ الْوَاحِدِ الْقَهّارِ }.
يقول تعالـى ذكره: إن الله ذو انتقام يَوْمَ تُبَدّلُ الأرْضِ والسّمَوَاتُ من مشركي قومك يا مـحمد من قريش, وسائر من كفر بـالله وجحده نبوّتك ونبوّة رسله من قبلك. ف «يوم» من صلة «الانتقام».
واختلف فـي معنى قوله: يَوْمَ تُبَدّلُ الأرْضُ غيرَ الأرْضِ فقال بعضهم: معنى ذلك: يوم تبدّل الأرض التـي علـيها الناس الـيوم فـي دار الدنـيا غير هذه الأرض, فتصير أرضا بـيضاء كالفضة. ذكر من قال ذلك:
15835ـ حدثنا مـحمد بن الـمثنى, قال: حدثنا مـحمد بن جعفر, قال: حدثنا شعبة, عن أبـي إسحاق, قال: سمعت عمرو بن ميـمون يحدّث, عن عبد الله أنه قال فـي هذه الاَية: يَوْمَ تُبَدّلُ الأرْضُ غيرَ الأرْضِ والسّمَوَاتُ قال: أرض كالفضة نقـية لـم يَسِل فـيها دم, ولـم يُعْمَل فـيها خطيئة, يسمعهم الداعي, وينفُذُهم البصر, حُفـاة عُراة قـياما أحسب قال: كما خُـلِقوا, حتـى يـلـجمهم العرق قـياما وَحْدَه.
15836ـ قال: شعبة: ثم سمعته يقول: سمعت عمرو بن ميـمون, ولـم يذكر عبد الله ثم عاودته فـيه, قال: حدثنـيه هبـيرة, عن عبد الله.
حدثنا الـحسن بن مـحمد, قال: حدثنا يحيى بن عبـاد, قال: أخبرنا شعبة, قال: أخبرنا أبو إسحاق, قال: سمعت عمرو بن ميـمون وربـما قال: قال عبد الله: وربـما لـم يقل, فقلت له: عن عبد الله؟ قال: سمعت عمرو بن ميـمون يقول: يَوْمَ تُبَدّلُ الأرْضُ غيرَ الأرْضِ قال: أرض كالفضة بـيضاء نقـية, لـم يسل فـيها دم, ولـم يعمل فـيها خطيئة, فـينفُذُهم البصر, ويسمعهم الداعي, حفـاة عُراة كما خُـلِقوا. قال: أراه قال: قـياما حتـى يُـلـجمهم العرق.
15837ـ حدثنا الـحسن, قال: حدثنا شبـابة, قال: حدثنا إسرائيـل, عن أبـي إسحاق, عن عمرو بن ميـمون, عن ابن مسعود, قوله: يَوْمَ تُبَدّلُ الأرْضُ غيرَ الأرْضِ والسّمَوَاتُ قال: تبدّل أرضا بـيضاء نقـية كأنها فضة, لـم يسفك فـيها دم حرام, ولـم يُعمَل فـيها خطيئة.
حدثنـي الـمثنى, قال: حدثنا مسلـم بن إبراهيـم, قال: أخبرنا شعبة, عن أبـي إسحاق, عن عمرو بن ميـمون عن عبد الله, فـي قوله: يَوْمَ تُبَدّلُ الأرْضُ غيرَ الأرْضِ قال: أرض الـجنة بـيضاء نقـية, لـم يُعمل فـيها خطيئة, يسمعهم الداعي, وينفذهم البصر, حفـاة عراة قـياما يـلـجمهم العرق.
15838ـ حدثنا مـحمد بن بشار, قال: حدثنا عبد الرحمن, قال: حدثنا سفـيان, عن أبـي إسحاق, عن عمرو بن ميـمون: يَوْمَ تُبَدّلُ الأرْضُ غيرَ الأرْضِ قال: أرض بـيضاء كالفضة لـم يسفك فـيها دم حرام, ولـم يُعمل فـيها خطيئة.
15839ـ حدثنا الـحسن بن مـحمد, قال: حدثنا يحيى بن عبـاد, قال: حدثنا حماد بن زيد, قال: أخبرنا عاصم بن بَهْدلة, عن زِرّ بن حُبـيش, عن عبد الله بن مسعود, أنه تلا هذه الاَية: يَوْمَ تُبَدّلُ الأرْضُ غيرَ الأرْضِ والسّمَوَاتُ وَبَرَزُوا لِلّهِ الوَاحِدِ القَهّارِ قال: يجاء بأرض بـيضاء كأنها سبـيكة فضة لـم يُسْفك فـيها دم, ولـم يُعمل علـيها خطيئة, قال: فأوّل ما يحكم بـين الناس فـيه فـي الدماء.
15840ـ حدثنا أبو كريب, قال: حدثنا معاوية بن هشام, عن سنان, عن جابر الـجُعفـيّ, عن أبـي جبـيرة, عن زيد, قال: أرسل رسول الله صلى الله عليه وسلم إلـى الـيهود, فقال: «هَلْ تَدْرُونَ لِـمَ أرْسَلْتُ إلَـيْهِمْ؟» قالوا: الله ورسوله أعمل. قال: «فإنّـي أرْسَلْتُ إلَـيْهِمْ أسألُهُمْ عَنْ قَوْلِ اللّهِ يَوْمَ تُبَدّلُ الأرْضُ غيرَ الأرْضِ إنّها تَكُونُ يَوْمَئذٍ بَـيْضَاءَ مثْلَ الفضّةِ». فلـما جاءوا سألهم, فقالوا: تكون بـيضاء مثل النقـيّ.
15841ـ حدثنا أبو إسماعيـل الترمذي, قال: حدثنا أبو صالـح, قال: ثنـي ابن لهيعة, عن يزيد بن أبـي حبـيب, عن سنان بن سعد, عن أنس بن مالك, أنه تلا هذه الاَية: يَوْمَ تُبَدّلُ الأرْضُ غيرَ الأرْضِ قال: يبدّلها الله يوم القـيامة بأرض من فضة لـم يُعمل علـيها الـخطايا, ينزلها الـجبّـار تبـارك تعالـى.
15842ـ حدثنـي مـحمد بن عمرو, قال: حدثنا أبو عاصم, قال: حدثنا عيسى وحدثنـي الـحارث, قال: حدثنا الـحسن, قال: حدثنا ورقاء وحدثنا الـحسن بن مـحمد, قال: حدثنا شبـابة, قال: حدثنا ورقاء جميعا, عن ابن أبـي نـجيح, عن مـجاهد, قوله: يَوْمَ تُبَدّلُ الأرْضُ غيرَ الأرْضِ قال: أرض كأنه الفضة. زاد الـحسن فـي حديثه عن شبـابة: والسموات كذلك أيضا كأنها الفضة.
حدثنا القاسم, قال: حدثنا الـحسين, قال: ثنـي حجاج, عن ابن جريج, عن مـجاهد: يَوْمَ تُبَدّلُ الأرْضُ غيرَ الأرْضِ قال: أرض كأنها الفضة, والسموات كذلك أيضا.
15843ـ حدثنا ابن البرقـي, قال: حدثنا ابن أبـي مريـم, قال: أخبرنا مـحمد بن جعفر, قال: ثنـي أبو حازم, قال: سمعت سهل بن سعد يقول: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «يُحْشَرُ النّاسُ يَوْمَ القـيامَةِ علـى أرْضٍ بَـيْضَاءَ عَفْرَاءَ كَقُرْصَةِ النّقِـيّ». قال سهل أو غيره: «لَـيْسَ فـيها مَعْلَـمٌ لغَيْرِهِ».
وقال آخرون: تبدّل نارا. ذكر من قال ذلك:
15844ـ حدثنا أبو كريب, قال: حدثنا ابن فضيـل, عن الأعمش, عن الـمنهال بن عمرو, عن قـيس بن السّكْن, قال: قال عبد الله: الأرض كلها نار يوم القـيامة, والـجنة من ورائها ترى أكوابها وكواعبها والذي نفس عبد الله بـيده, إن الرجل لـيفـيض عرقا حتـى يرشح فـي الأرض قدمه, ثم يرتفع حتـى يبلغ أنفه وما مسه الـحساب فقالوا: مـم ذاك يا أبـا عبد الرحمن؟ قال: مـما يرى الناس ويـلقون.
حدثنا ابن بشار, قال: ثنَا عبد الرحمن, قال: حدثنا أبو سفـيان, عن الأعمش, عن خيثمة, قال: قال عبد الله: الأرض كلها يوم القـيامة نار, والـجنة من ورائها ترى كواعبها وأكوابها, ويـلـجم الناس العرق, أو يبلغ منهم العرق, ولـم يبلغوا الـحساب.
وقال آخرون: بل تبدّل الأرض أرضا من فضة. ذكر من قال ذلك:
15845ـ حدثنا ابن الـمثنى, قال: حدثنا مـحمد بن جعفر, قال: حدثنا شعبة, قال: سمعت الـمغيرة بن مالك يحدّث عن الـمـجاشع أو الـمـجاشعي, شكّ أبو موسى عمن سمع علـيّا يقول فـي هذه الاَية: يَوْمَ تُبَدّلُ الأرْضُ غيرَ الأرْضِ قال: الأرض من فضة, والـجنة من ذهب.
حدثنا القاسم, قال: حدثنا الـحسين, قال: ثنـي حجاج, عن شعبة, عن الـمغيرة بن مالك, قال: ثنـي رجل من بنـي مـجاشع, يقال له عبد الكريـم أو ابن عبد الكريـم قال: ثنـي هذا الرجل أراه بسمرقند, أنه سمع علـيّ بن أبـي طالب قرأ هذه الاَية: يَوْمَ تُبَدّلُ الأرْضُ غيرَ الأرْضِ قال: الأرض من فضة, والـجنة من ذهب.
حدثنا ابن وكيع, قال: حدثنا أبـي, عن شعبة, عن مغيرة بن مالك, عن رجل من بنـي مـجاشع, يقال له عبد الكريـم أو يكنى أبـا عبد الكريـم قال: أقامنـي علـى رجل بخراسان, فقال: حدثنـي هذا أنه سمع علـيّ بن أبـي طالب, فذكر نـحوه.
15846ـ حدثنـي مـحمد بن سعد, قال: ثنـي أبـي, قال: ثنـي عمي, قال: ثنـي أبـي, عن أبـيه, عن ابن عبـاس, قوله: يَوْمَ تُبَدّلُ الأرْضُ غيرَ الأرْضِ... الاَية, فزعم أنها تكون فضة.
15847ـ حدثنا مـحمد بن إسماعيـل, قال: حدثنا أبو صالـح, قال: ثنـي ابن لهيعة, عن يزيد بن أبـي حبـيب, عن سنان بن سعد, عن أنس بن مالك قال: يبدّلها الله يوم القـيامة بأرض من فضة.
وقال آخرون: يبدّلها خبزة.ذكر من قال ذلك:
15848ـ حدثنـي الـمثنى, قال: حدثنا أبو سعيد بن دلّ من صغانـيان, قال: حدثنا الـجارود بن معاذ الترمِذِيّ, قال: حدثنا وكيع بن الـجرّاح, عن عمر بن بشر الهمدانـي, عن سعيد بن جبـير, فـي قوله: يَوْمَ تُبَدّلُ الأرْضُ غيرَ الأرْضِ قال: تبدّل خبزة بـيضاء يأكل الـمؤمن من تـحت قدميه.
15849ـ حدثنـي الـمثنى, قال: حدثنا إسحاق, قال: حدثنا وكيع, عن أبـي معشر, عن مـحمد بن كعب القرظي, أو عن مـحمد بن قـيس: يَوْمَ تُبَدّلُ الأرْضُ غيرَ الأرْضِ قال: خبزة يأكل منها الـمؤمنون من تـحت أقدامهم.
وقال آخرون: تبدّل الأرض غير الأرض. ذكر من قال ذلك:
15850ـ حدثنا علـيّ بن سهل, قال: حدثنا حجاج بن مـحمد, قال: حدثنا أبو جعفر, عن الربـيع بن أنس, عن كعب فـي قوله: يَوْمَ تُبَدّلُ الأرْضُ غيرَ الأرْضِ والسّمَوَاتُ قال: تصير السموات جنانا ويصير مكان البحر النار. قال: وتبدّل الأرض غيرها.
15851ـ حدثنا أبو كريب, قال: حدثنا عبد الرحمن بن مـحمد الـمـحاربـيّ, عن إسماعيـل بن رافع الـمدنـيّ, عن يزيد, عن رجل من الأنصار, عن مـحمد بن كعب القرظي, عن رجل من الأنصار, عن أبـي هريرة, أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «يُبَدّلُ اللّهُ الأرْضَ غيرَ الأرْضِ والسّمَوَاتِ, فَـيَبْسُطُها ويَسْطَحُها ويَـمُدّها مَدّ الأدِيـمِ العُكاظِيّ, لا تَرَى فـيها عِوَجا وَلا أمْتا, ثُمّ يَزْجُرُ اللّهُ الـخَـلْقَ زَجْرَةً, فإذَا هُمْ فِـي هذِهِ الـمُبَدّلَةِ فِـي مِثْلِ مَوَاضِعِهِمْ مِنَ الأُولـى, ما كانَ فِـي بَطْنها فَفـي بَطْنِها وَما كانَ علـى ظَهْرِها كانَ علـى ظَهْرِها, وَذلكَ حينَ يَطْوِي السموَاتِ كَطَيّ السّجلّ للْكِتابِ, ثُمّ يَدْحُو بهما, ثُمّ تُبَدّلُ الأرْضُ غيرَ الأرْضِ والسّمَوَاتُ».
15852ـ حدثنا ابن حميد, قال: حدثنا الـحكم بن بشير, قال: حدثنا عمرو بن قـيس, عن أبـي إسحاق, عن عمرو بن ميـمون الأودي, قال: يجمع الناس يوم القـيامة فـي أرض بـيضاء, لـم يُعمل فـيها خطيئة مقدار أربعين سنة يـلـجمهم العرق.
وقالت عائشة فـي ذلك, ما:
15853ـ حدثنا ابن أبـي الشوارب وحميد بن مسعدة وابن بزيع, قالوا: حدثنا يزيد بن زريع, عن داود, عن عامر, عن عائشة, قالت: قلت: يا رسول الله, إذا بدّلَت الأرض غير الأرض, وبرزوا الله الواحد القهّار, أين الناس يومئذٍ؟ قال: «عَلـى الصّرَاطِ».
حدثنا حميد بن مسعدة وابن بزيع, قال: حدثنا بشر بن الـمفضل, قال: حدثنا داود, عن عامر, عن عائشة عن النبـيّ صلى الله عليه وسلم نـحوه.
15854ـ حدثنـي إسحاق بن شاهين, قال: حدثنا خالد, عن داود, عن عامر, عن مسروق, قال: قلت لعائشة: يا أمّ الـمؤمنـين أرأيتِ قول الله: يَوْمَ تُبَدّلُ الأرْضُ غيرَ الأرْضِ والسّمَوَاتُ وَبَرَزُوا لِلّهِ الوَاحِد القَهّارِ أين الناس يومئذٍ؟ فقالت: سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ذلك, فقال: «عَلـى الصّرَاطِ».
حدثنا ابن الـمثنى, قال: حدثنا الـحسن بن عنبسة الورّاق, قال: حدثنا عبد الرحيـم, يعنـي ابن سلـيـمان الرازي عن داود بن أبـي هند, عن عامر, عن مسروق, عن عائشة, قالت: سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم, عن قول الله: يَوْمَ تُبَدّلُ الأرْضُ غيرَ الأرْضِ قلت: يا رسول الله, إذا بُدّلت الأرض غير الأرض, أين يكون الناس؟ قال: «عَلـى الصّرَاطِ».
حدثنا الـحسن بن مـحمد, قال: حدثنا عاصم بن علـيّ, قال: حدثنا إسماعيـل بن زكريا, عن داود, عن عامر, عن مسروق, عن عائشة بنـحوه.
حدثنا ابن الـمثنى, قال: حدثنا عبد الأعلـى, قال: حدثنا داود, عن عامر, عن عائشة أمّ الـمؤمنـين قالت: أنا أوّل الناس سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن هذه الاَية» ثم ذكر نـحوه.
حدثنا الـحسن بن مـحمد, قال: حدثنا ربعيّ بن إبراهيـم الأسدي أخو إسماعيـل بن إبراهيـم, عن داود بن أبـي هند, عن عامر, قال: قالت عائشة: يا رسول الله, أرأيت إذا بُدّلت الأرض غير الأرض, أين الناس يومئذٍ؟ قال: «عَلـى الصّراط».
15855ـ حدثنا الـحسن, قال: حدثنا علـيّ بن الـجَعْد, قال: أخبرنـي القاسم, قال: سمعت الـحسن, قال: قالت عائشة: يا رسول الله يَوْمَ تُبَدّلُ الأرْضُ غيرَ الأرْضِ فأين الناس يومئذٍ؟ قال: «إنّ هذَا الشّيْءَ ما سألَنِـي عَنْهُ أحَدٌ», قال: «عَلـى الصّرَاطِ يا عائِشَةُ».
حدثنا الـحسن, قال: حدثنا عبد الرحمن بن إبراهيـم, قال: ثنـي الولـيد, عن سعيد, عن قتادة, عن حسان بن بلال الـمزنـيّ, عن عائشة: أنها سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم, عن قول الله: يَوْمَ تُبَدّلُ الأرْضُ غيرَ الأرْضِ والسّمَوَاتُ قال: قالت: يا رسول الله, فأين الناس يومئذٍ؟ قال: «لَقَدْ سألْتِنـي عَنْ شَيْءٍ ما سألَنِـي عَنْهُ أحَدٌ مِنْ أُمّتِـي, ذَاكَ إذَا النّاسُ علـى جَسْرِ جَهَنّـمَ».
حدثنا بشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة: يَوْمَ تُبَدّلُ الأرْضُ غيرَ الأرْضِ والسّمَوَاتُ ذُكر لنا أن عائشة قالت: يا رسول الله: فأين الناس يومئذٍ؟ فقال: «لَقَدْ سألْتِ عَنْ شَيْءٍ ما سألَنِـي عَنْه أحَدٌ مِنْ أُمّتِـي قَبْلَكِ». قال: «هُمْ يَوْمَئِذٍ علـى جِسْرِ جَهَنّـمَ».
حدثنا مـحمد بن عبد الأعلـى, قال: حدثنا مـحمد بن ثور, عن معمر, عن قتادة, أن عائشة سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم, فذكر نـحوه, إلاّ أنه قال: «عَلـى الصّرَاطِ».
15856ـ حدثنا ابن عبد الأعلـى, قال: حدثنا ابن ثور, عن معمر, عن يحيى بن أبـي كثـير, عن أسماء, عن ثوبـان, قال: سأل حبر من الـيهود رسول الله صلى الله عليه وسلم, فقال: أين الناس يوم تبدّل الأرض غير الأرض؟ قال: «هُمْ فِـي الظّلْـمَةِ دُون الـجَسْرِ».
حدثنـي مـحمد بن عون, قال: حدثنا أبو الـمغيرة, قال: حدثنا ابن أبـي مريـم, قال: حدثنا سعيد بن ثوبـان الكلاعي, عن أبـي أيوب الأنصاريّ, قال: أتـى النبـيّ صلى الله عليه وسلم حبرٌ من الـيهود, وقال: أرأيت إذ يقول الله فـي كتابه: يَوْمَ تُبَدّلُ الأرْضُ غيرَ الأرْضِ والسّمَوَاتُ فأين الـخـلق عند ذلك؟ قال: «أضْيافُ اللّهِ فَلَنْ يُعْجِزَهُمْ ما لَدَيْهِ».
وأولـى الأقوال فـي ذلك بـالصواب, قول من قال: معناه: يوم تبدّل الأرض التـي نـحن علـيها الـيوم يوم القـيامة غيرَها, وكذلك السموات الـيوم تبدّل غيرها, كما قال جلّ ثناؤه. وجائز أن تكون الـمبدلة أرضا أخرى من فضة, وجائز أن تكون نارا وجائز أن تكون خبزا, وجائز أن تكون غير ذلك, ولا خبر فـي ذلك عندنا من الوجه الذي يجب التسلـيـم له أيّ ذلك يكون, فلا قول فـي ذلك يصحّ إلاّ ما دلّ علـيه ظاهر التنزيـل.
وبنـحو ما قلنا فـي معنى قوله: والسّمَوَاتُ قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك:
15857ـ حدثنا القاسم, قال: حدثنا الـحسين, قال: ثنـي حجاج, عن ابن جريج, عن مـجاهد: يَوْمَ تُبَدّلُ الأرْضُ غيرَ الأرْضِ قال: أرضا كأنها الفضة والسّمَوَاتُ كذلك أيضا.
وقوله: وَبَرَزُوا لِلّهِ الوَاحِدِ القَهّارِ يقول: وظهروا لله الـمنفرد بـالربوبـية, الذي يقهر كلّ شيء فـيغلبه ويصرفه لـما يشاء كيف يشاء, فـيحيـي خـلقه إذا شاء, ويـميتهم إذا شاء, لا يغلبه شيء, ولا يقهره من قبورهم أحياء لـموقـف القـيامة.
الآية : 49-51
القول فـي تأويـل قوله تعالـى:
{وَتَرَى الْمُجْرِمِينَ يَوْمَئِذٍ مّقَرّنِينَ فِي الأصْفَادِ * سَرَابِيلُهُم مّن قَطِرَانٍ وَتَغْشَىَ وُجُوهَهُمْ النّارُ * لِيَجْزِيَ اللّهُ كُلّ نَفْسٍ مّا كَسَبَتْ إِنّ اللّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ }.
يقول تعالـى ذكره: وتعاين الذين كفروا بـالله, فـاجترموا فـي الدنـيا الشرك يومئذٍ, يعنـي: يوم تُبدّل الأرض غير الأرض والسموات. مُقَرّنِـينَ فِـي الأصْفـادِ يقول: مقرنة أيديهم وأرجلهم إلـى رقابهم بـالأصفـاد, وهي الوثاق من غلّ وسلسلة, واحدها: صَفَد, يقال منه: صفدته فـي الصّفَد صَفْدا وصِفـادا, والصفـاد: القـيد, ومنه قول عمرو بن كلثوم.
فَآبُوا بـالنّهابِ وبـالسّبـاياوأُبْنا بـالـمُلُوكِ مُصَفّدِينا
ومن جعل الواحد من ذلك صِفـادا جمعه: صُفُدا لا أصفـادا. وأما من العطاء, فإنه يقال منه: أصفدتُهُ إصفـادا, كما قال الأعشى:
تَضَيّفْتُهُ يَوْما فأكْرَمَ مَـجْلِسِيوأصْفَدَنِـي عِنْدَ الزّمانَةِ قائِدَا
وقد قـيـل فـي العطاء أيضا: صَفَدَنـي صَفْدا, كما قال النابغة الذبـيانـيّ:
هَذَا الثّناءُ فإنْ تَسْمَعْ لِقائِلِهِفَمَا عَرَضْتُ أبَـيْتَ اللّعْنَ بـالصّفَدِ
وبنـحو الذي قلنا فـي معنى قوله: مُقَرّنِـينَ فِـي الأصْفـادِ قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك:
15858ـ حدثنـي الـمثنى, قال: ثنـي عبد الله بن صالـح, قال: ثنـي معاوية, عن علـيّ, عن ابن عبـاس, قوله: مُقَرّنِـينَ فِـي الأصْفـادِ يقول: فـي وثاق.
15859ـ حدثنـي مـحمد بن عيسى الدامغانـي, قال: حدثنا ابن الـمبـارك, عن جويبر, عن الضحاك, قال: الأصفـاد: السلاسل.
15860ـ حدثنا مـحمد بن عبد الأعلـى, قال: حدثنا مـحمد بن ثور, عن معمر, عن قتادة: مُقَرّنِـينَ فِـي الأصْفـادِ قال: مقرّنـين فـي القـيود والأغلال.
15861ـ حدثنا القاسم, قال: حدثنا الـحسين, قال: حدثنا علـيّ بن هاشم بن البريد, قال: سمعت الأعمش, يقول: الصفد: القـيد.
15862ـ حدثنـي يونس, قال: أخبرنا ابن وهب, قال: قال ابن زيد, فـي قوله: مُقَرّنِـينَ فِـي الأصْفـادِ قال: صفدت فـيها أيديهم وأرجلهم ورقابهم, والأصفـاد: الأغلال.
وقوله: سَرَابِـيـلُهُمْ مِنْ قَطرَانٍ يقول: قمصهم التـي يـلبسونها, واحدها: سربـال, كما قال امرؤ القـيس:
لَعُوبٌ تُنَسّينِـي إذَا قُمْتُ سرْبـالـي
15863ـ حدثنـي يونس, قال: أخبرنا ابن وهب, قال: قال ابن زيد, فـي قوله: سَرَابِـيـلُهُمْ مِنْ قَطِرَانٍ قال: السرابـيـل: القُمُص.
وقوله: مِنْ قَطِرَانٍ: يقول: من القطران الذي يهنأ به الإبل, وفـيه لغات ثلاث: يقال: قِطْران وقَطْران بفتـح القاف وتسكين الطاء منه. وقـيـل: إن عيسى بن عمر كان يقرأ: مِنْ قِطْرَانٍ بكسر القاف وتسكين الطاء ومنه قول أبـي النـجم:
جَوْنٌ كأنّ العَرَقَ الـمَنْتُوحالَبّسَهُ القِطْرَانَ والـمُسُوحا
بكسر القاف, وقال أيضا:
كأنّ قِطْرَانا إذَا تَلاهَاتَرْمي بِهِ الرّيحُ إلـى مَـجْرَاها
بـالكسر.
وبنـحو ما قلناه فـي ذلك يقول من قرأ ذلك كذلك. ذكر من قال ذلك:
15864ـ حدثنا الـحسن بن مـحمد, قال: حدثنا عبد الوهاب, عن سعيد, عن قتادة, عن الـحسن: مِنْ قَطِرانٍ يعنـي: الـخَضْخَاض هِناء الإبل.
حدثنا مـحمد بن عبد الأعلـى, قال: حدثنا مـحمد بن ثور, عن معمر, عن الـحسن: مِنْ قَطِرَانٍ قال: قطران الإبل.
وقال بعضهم: القطران: النـحاس. ذكر من قال ذلك:
15865ـ حدثنا القاسم, قال: حدثنا الـحسين, قال: ثنـي حجاج, عن ابن جريج, عن مـجاهد, قال: قَطران: نـحاس, قال ابن جريج: قال ابن عبـاس: مِنْ قَطِرَانٍ: نـحاس.
15866ـ حدثنا القاسم, قال: حدثنا الـحسين, قال: حدثنا أبو سفـيان, عن معمر, عن قتادة: مِن قَطِران قال: هي نـحاس.
وبهذه القراءة: أعنـي بفتـح القاف وكسر الطاء وتصيـير ذلك كله كلـمة واحدة, قرأ ذلك جميع قرّاء الأمصار, وبها نقرأ لإجماع الـحجة من القرّاء علـيه.
وقد رُوي عن بعض الـمتقدمين أنه كان يقرأ ذلك: «مِنْ قَطْرٍ آنٍ» بفتـح القاف وتسكين الطاء وتنوين الراء وتصيـير «آن» من نعِته, وتوجيه معنى «القَطر» إلـى أنه النـحاس ومعنى «الاَن» إلـى أنه الذي قد انتهى حرّه فـي الشدّة.
ومـمن كان يقرأ ذلك كذلك فـيـما ذُكر لنا عكرمة مولـى ابن عبـاس.
15867ـ حدثنـي بذلك أحمد بن يوسف, قال: حدثنا القاسم, قال: حدثنا هشيـم, قال: أخبرنا حُصَين عنه. ذكر من تأوّل ذلك علـى هذه القراءة التأويـل الذي ذكرت فـيه:
15868ـ حدثنا ابن حميد, قال: حدثنا يعقوب, عن جعفر, عن سعيد, فـي قوله: «سَرَابِـيـلُهُمْ مِنْ قَطْرٍ آنٍ» قال: قطر, والاَن: الذي قد انتهى حرّه.
حدثنا الـحسن بن مـحمد, قال: حدثنا داود بن مِهران, عن يعقوب, عن جعفر, عن سعيد بن جبـير نـحوه.
حدثنـي الـمثنى, قال: حدثنا إسحاق, قال: حدثنا هشام, قال: حدثنا يعقوب القمي, عن جعفر, عن سعيد, بنـحوه.
15869ـ حدثنـي الـمثنى, قال: حدثنا إسحاق, قال: حدثنا عبد الرحمن بن أبـي حماد, قال: حدثنا يعقوب القمي, عن جعفر, عن سعيد بن جبـير أنه كان يقرأ: «سَرَابِـيـلُهُمْ مِنْ قَطْرٍ آنٍ».
15870ـ حدثنا الـحسن بن مـحمد, قال: حدثنا عفـان, قال: حدثنا الـمبـارك بن فضالة, قال: سمعت الـحسن يقول: كانت العرب تقول للشيء إذا انتهى حرّه: قد أنى حرّ هذا, قد أوقدت علـيه جهنـم منذ خـلقت فأنى حرّها.
15871ـ حدثنـي الـمثنى, قال: حدثنا إسحاق, قال: حدثنا عبد الرحمن بن سعيد, قال: حدثنا أبو جعفر, عن الربـيع بن أنس فـي قوله: «سَرَابِـيـلُهُمْ مِنْ قَطْرٍ آنٍ» قال: القطر: النـحاس, والاَن: يقول: قد أنى حرّه, وذلك أنه يقول: حميـمٌ آن.
15872ـ حدثنا الـحسن بن مـحمد, قال: حدثنا عفـان بن مسلـم, قال: حدثنا ثابت بن يزيد, قال: حدثنا هلال بن خبـاب, عن عكرمة, عن ابن عبـاس, فـي هذه الاَية: «سَرَابِـيـلُهُمْ مِنْ قَطْرٍ آنٍ» قال: من نـحاس, قال: آنٍ أنى لهم أن يعذّبوا به.
15873ـ حدثنـي الـمثنى, قال: حدثنا عمرو بن عون, قال: أخبرنا هشيـم, عن حصين, عن عكرمة, فـي قوله: «مِنْ قَطْرٍ آنٍ» قال: الاَنـي: الذي قد انتهى حرّه.
15874ـ حدثنـي الـمثنى, قال: حدثنا عبد الله بن صالـح, قال: ثنـي معاوية, عن علـيّ, عن ابن عبـاس, قوله: «مِنْ قَطْرٍ آنٍ» قال: هو النـحاس الـمذاب.
15875ـ حدثنا الـحسن بن مـحمد, قال: حدثنا عبد الوهاب بن عطاء, عن سعيد, عن قتادة: «مِنْ قَطُرٍ آنٍ» يعنـي: الصّفر الـمذاب.
15876ـ حدثنا مـحمد بن عبد الأعلـى, قال: حدثنا مـحمد بن ثور, عن قتادة: «سَرَابِـيـلُهُمْ مِنْ قَطْرٍ آنٍ» قال: من نـحاس.
حدثنـي الـمثنى, قال: حدثنا إسحاق, قال: حدثنا هشام, قال: حدثنا أبو حفص, عن هارون, عن قتادة أنه كان يقرأ: «مِنْ قَطْرٍ آنٍ» قال: من صفر قد انتهى حرّه.
وكان الـحسن يقرؤها: «مِنْ قَطْرٍ آنٍ».
وقوله: وتَغْشَى وُجُوهَهُمُ النّارُ يقول: وتلفَحُ وجوههم النار فتـحرقها لِـيَجْزِيَ اللّهُ كُلّ نَفْسٍ ما كَسَبَتْ يقول: فعل الله ذلك بهم جزاء لهم بـما كسبوا من الاَثام فـي الدنـيا, كيـما يثـيب كلّ نفس بـما كسبت من خير وشرّ, فـيَجْزِي الـمـحسن بإحسانه, والـمسيء بإساءته. إنّ اللّهَ سَرِيعُ الـحِسابِ يقول: إن الله عالـم بعمل كلّ عامل, فلا يحتاج فـي إحصاء أعمالهم إلـى عقد كفّ ولا معاناة, وهو سريع حسابه لأعمالهم, قد أحاط بها علـما, لا يعزب عنه منها شيء, وهو مـجازيهم علـى جميع ذلك صغيره وكبـيره.
الآية : 52
القول فـي تأويـل قوله تعالى: {هَـَذَا بَلاَغٌ لّلنّاسِ وَلِيُنذَرُواْ بِهِ وَلِيَعْلَمُوَاْ أَنّمَا هُوَ إِلَـَهٌ وَاحِدٌ وَلِيَذّكّرَ أُوْلُواْ الألْبَابِ }.
يقول تعالـى ذكره: هذا القرآن بلاغ للناس, أبلغ الله به إلـيهم فـي الـحجة علـيهم, وأعذر إلـيهم بـما أنزل فـيه من مواعظه وعبره. وَلِـيُنْذَرُوا بِهِ يقول: ولـينذروا عقاب الله, ويحذروا به نقماته, أنزله إلـى نبـيه صلى الله عليه وسلم. وَلِـيَعْلَـمُوا أنّـمَا هُوَ إلهٌ وَاحِدٌ يقول: ولـيعلـموا بـما احتـجّ به علـيهم من الـحجج فـيه أنـما هو إله واحد, لا آلهة شتـى, كما يقوله الـمشركون بـالله, وأن لا إله إلاّ هو الذي له ما فـي السموات وما فـي الأرض, الذي سخر لهم الشمس والقمر واللـيـل والنهار وأنزل من السماء ماء فأخرج به من الثمرات رزقا لهم, وسخر لهم الفُلك لتـجري فـي البحر بأمره وسخر لهم الأنهار. وَلِـيَذّكّرَ أُولُوا الألْبـابِ يقول: ولـيتذكر فـيتعظ بـما احتـجّ الله به علـيه من حججه التـي فـي هذا القرآن, فـينزجر عن أن يجعل معه إلها غيره, ويُشْرِك فـي عبـادته شيئا سواه أهلُ الـحجى والعقول, فإنهم أهل الاعتبـار والادّكار, دون الذين لا عقول لهم ولا أفهام, فإنهم كالأنعام بل هم أضلّ سبـيلاً.
وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك:
15877ـ حدثنـي يونس, قال: أخبرنا ابن وهب, قال: قال ابن زيد, فـي قوله: هَذَا بَلاغٌ للنّاسِ قال: القرآن. وَلِـيُنْذَرُوا بِهِ: قال: بـالقرآن. وَلِـيَعْلَـمُوا أنّـمَا هُوَ إلهٌ واحدٌ وَلِـيَذَكّرَ أُولُوا الألْبـابِ.

نهاية تفسير الإمام الطبرى لسورة إبراهيم