سورة الحج | للقراءة من المصحف بخط كبير واضح
استماع mp3 | الجلالين&الميسر | تفسير الشوكاني |
إعراب الصفحة | تفسير ابن كثير | تفسير القرطبي |
التفسير المختصر | تفسير الطبري | تفسير السعدي |
تفسير الشوكاني تفسير الصفحة 338 من المصحف
ثم حكى سبحانه عن هؤلاء ما كانوا عليه من التكذيب والاستهزاء فقال: 47- "ويستعجلونك بالعذاب" لأنهم كانوا منكرين لمجيئه أشد إنكار، فاستعجالهم له هو على طريقة الاستهزاء والسخرية، وكأنهم كانوا يقولون ذلك عند سماعهم لما تقوله الأنبياء عن الله سبحانه من الوعد منه عز وجل بوقوعه عليهم وحلوله بهم، ولهذا قال: "ولن يخلف الله وعده" قال الفراء: في هذه الآية وعيد لهم بالعذاب في الدنيا والآخرة. وذكر الزجاج وجهاً آخر فقال: أعلم أن الله لا يفوته شيء، وإن يوماً عنده وألف سنة في قدرته واحد، ولا فرق بين وقوع ما يستعجلونه به من العذاب وتأخره في القدرة، إلا أن الله تفضل بالإمهال انتهى، ومحل جملة: ولن يخلف الله وعده النصب على الحال: أي والحال أنه لا يخلف وعده أبداً، وقد سبق الوعد فلا بد من مجيئه حتماً، أو هي اعتراضية مبينة لما قبلها، وعلى الأول تكون جملة "وإن يوماً عند ربك كألف سنة مما تعدون" مستأنفة، وعلى الثاني تكون معطوفة على الجملة التي قبلها مسوقة لبيان حالهم في الاستعجال، وخطابهم في ذلك ببيان كما حلمه لكون المدة القصيرة عنده كالمدة الطويلة عندهم كما في قوله: " إنهم يرونه بعيدا * ونراه قريبا " قال الفراء: هذا وعيد لهم بامتداد عذابهم في الآخرة: أي يوم من أيام عذابهم في الآخرة كألف سنة. وقيل المعنى: وإن يوماً من الخوف والشدة في الآخرة كألف سنة من سني الدنيا فيها خوف وشدة، وكذلك يوم النعيم قياساً. قرأ ابن كثير وحمزة والكسائي " ما يعبدون " بالتحتية، واختار هذه القراءة أبو عبيد لقوله: "ويستعجلونك" وقرأ الباقون بالفوقية على الخطاب، واختارها أبو حاتم.
48- "وكأين من قرية أمليت لها وهي ظالمة ثم أخذتها وإلي المصير" هذا إعلام منه سبحانه أنه أخذ قوماً بعد الإملاء والتأخير. قيل وتكرير هذا مع ذكره قبله للتأكيد، وليس بتكرار في الحقيقة، لأن الأول سيق لبيان الإهلاك مناسباً لقوله: فكيف كان نكير، ولهذا عطف بالفاء بدلاً عن ذلك، والثاني سيق لبيان الإملاء مناسباً لقوله: "ولن يخلف الله وعده وإن يوماً عند ربك كألف سنة" فكأنه قيل: وكم من أهل قرية كانوا مثلكم ظالمين قد أمهلتهم حيناً، ثم أخذتهم بالعذاب ومرجع الكل إلى حكمي. فجملة: وإلي المصير تذييل لتقرير ما قبلها.
49- " قل يا أيها الناس إنما أنا لكم نذير مبين " ثم أمره الله سبحانه أن يخبر الناس بأنه نذير لهم بين يدي الساعة مبين لهم ما نزل إليهم.
50- " فالذين آمنوا وعملوا الصالحات لهم مغفرة ورزق كريم " فمن آمن وعمل صالحاً فاز بالمغفرة والرزق الكريم وهو الجنة.
51- " والذين سعوا في آياتنا معاجزين أولئك أصحاب الجحيم " ومن كان على خلاف ذلك فهو في النار وهم الذين سعوا في آيات الله معاجزين، يقال عاجزه سابقه، لأن كل واحد منهما في طلب إعجاز الآخر، فإذا سبقه قيل أعجزه وعجزه، قاله الأخفش. وقيل معنى معاجزين: ظانين ومقدرين أن يعجزوا الله سبحانه ويفوتوه فلا يعذبهم، قاله الزجاج. وقيل معاندين، قاله الفراء. وقد أخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد وابن المنذر عن قتادة في قوله: "فهي خاوية على عروشها" قال: خربة ليس فيها أحد "وبئر معطلة" عطلها أهلها وتركوها "وقصر مشيد" قال: شيدوه وحصنوه فهلكوا وتركوه. وأخرج ابن جرير وابن المنذر عن ابن عباس "وبئر معطلة" قال: التي تركت لا أهل لها. وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم عنه "وقصر مشيد" قال: هو المجصص. وأخرج عبد بن حميد عن مجاهد نحوه. وأخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد عن عطاء نحوه أيضاً. وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله: "وإن يوماً عند ربك كألف سنة مما تعدون" قال: من الأيام الستة التي خلق الله فيها السموات والأرض. وأخرج ابن المنذر عن عكرمة، قال في الآية: هو يوم القيامة. وأخرج ابن أبي حاتم عنه قال: الدنيا جمعة من جمع الآخرة سبعة آلاف سنة، فقد مضى منها ستة آلاف. وأخرج ابن عدي والديلمي عن أنس مرفوعاً نحوه. وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس "معاجزين" قال: مراغمين. وأخرج ابن جرير عنه أنه قال: مشاقين.
قوله: 52- "من رسول ولا نبي" قيل الرسول الذي أرسل إلى الخلق بإرسال جبريل إليه عياناً ومحاورته شفاها، والنبي الذي يكون إلهاماً أو مناماً. وقيل الرسول من بعث بشرع وأمر بتبليغه، والنبي من أمر أن يدعو إلى شريعة من قبله، ولم ينزل عليه كتاب، ولا بد لهما جميعاً من المعجزة الظاهرة "إلا إذا تمنى ألقى الشيطان في أمنيته" معنى تمنى: تشهى وهيأ في نفسه ما يهواه. قال الواحدي: وقال المفسرون: معنى تمنى تلا. قال جماعة المفسرين في سبب نزول هذه الآية: أنه صلى الله عليه وسلم لما شق عليه إعراض قومه عنه تمنى في نفسه أن لا ينزل عليه شيء ينفرهم عنه لحرصه على إيمانهم، فكان ذات يوم جالساً في ناد من أنديتهم وقد نزل عليه سورة "والنجم إذا هوى" فأخذ يقرأها عليهم حتى بلغ قوله: " أفرأيتم اللات والعزى * ومناة الثالثة الأخرى " وكان ذلك التمني في نفسه، فجرى على لسانه مما ألقاه الشيطان عليه: تلك الغرانيق العلى، وإن شفاعتها لترتجى فلما سمعت قريش ذلك فرحوا ومضى رسول الله صلى الله عليه وسلم في قراءته حتى ختم السورة، فلما سجد في آخرها سجد معه جميع من في النادي من المسلمين والمشركين، فتفرقت قريش مسرورين بذلك قالوا: قد ذكر محمد آلهتنا بأحسن الذكر، فأتاه جبريل فقال: ما صنعت؟ تلوت على الناس ما لم آتك به عن الله، فحزن رسول الله صلى الله عليه وسلم وخاف خوفاً شديداً، فأنزل الله هذه الآية، هكذا قالوا. ولم يصح شيء من هذا، ولا ثبت بوجه من الوجوه، ومع عدم صحته بل بطلانه فقد دفعه المحققون بكتاب الله سبحانه، قال الله: " ولو تقول علينا بعض الأقاويل * لأخذنا منه باليمين * ثم لقطعنا منه الوتين " وقوله: "وما ينطق عن الهوى" وقوله: "ولولا أن ثبتناك لقد كدت تركن إليهم" فنفى المقاربة للركون فضلاً عن الركون. قال البزار: هذا حديث لا نعلمه يروى عن النبي صلى الله عليه وسلم بإسناد متصل. وقال البيهقي: هذه القصة غير ثابتة من جهة النقل، ثم أخذ يتكلم أن رواة هذه القصة مطعون فيهم. وقال إمام الأئمة ابن خزيمة: إن هذه القصة من وضع الزنادقة. قال القاضي عياض في الشفاء: إن الأمة أجمعت فيما طريقه البلاغ أنه معصوم فيه من الإخبار عن شيء بخلاف ما هو عليه، لا قصداً ولا عمداً ولا سهواً ولا غلطاً. قال ابن كثير: قد ذكر كثير من المفسرين ها هنا قصة الغرانيق، وما كان من رجوع كثير من المهاجرين إلى أرض الحبشة ظناً منهم أن مشركي قريش قد أسلموا، ولكنها من طرق كلها مرسلة، ولم أرها مسندة من وجه صحيح. وإذا تقرر لك بطلان ذلك عرفت أن معنى "تمنى" قرأ وتلا كما قدمنا من حكاية الواحدي لذلك عن المفسرين. وكذا قال البغوي: إن أكثر المفسرين قالوا معنى "تمنى" تلا وقرأ كتاب الله، ومعنى " ألقى الشيطان في أمنيته " أي في تلاوته وقراءته. قال ابن جرير: هذا القول أشبه بتأويل الكلام، ويؤيد هذا ما تقدم في تفسير قوله: "لا يعلمون الكتاب إلا أماني" وقيل معنى "تمنى" حدث، ومعنى "ألقى الشيطان في أمنيته" في حديثه، روى هذا عن ابن عباس. وقيل معنى "تمنى" قال. فحاصل معنى الآية: أن الشيطان أوقع في مسامع المشركين ذلك من دون أن يتكلم به رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا جرى على لسانه، فتكون هذه الآية تسلية لرسول الله صلى الله عليه وسلم أي لا يهولنك ذلك ولا يحزنك، فقد أصاب مثل هذا من قبلك من المرسلين والأنبياء، وعلى تقدير أن معنى تمنى حدث نفسه كما حكاه الفراء والكسائي فإنهما قالا: تمنى إذا حدث نفسه، فالمعنى: أنه إذا حدث نفسه بشيء تكلم به الشيطان وألقاه في مسامع الناس من دون أن يتكلم به رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا جرى على لسانه. قال ابن عطية: لا خلاف أن إلقاء الشيطان إنما هو لألفاظ مسموعة وقعت بها الفتنة. وقد قيل في تأويل الآية: إن المراد بالغرانيق الملائكة، ويرد بقوله: "فينسخ الله ما يلقي الشيطان" أي يبطله، وشفاعة الملائكة غير باطلة. وقيل إن ذلك جرى على لسانه صلى الله عليه وسلم سهواً ونسياناً وهما مجوزان على الأنبياء، ويرد بأن السهو والنسيان فيما طريقه البلاغ غير جائز كما هو مقرر في مواطنه، ثم لما سلاه الله سبحانه بهذه التسلية وأنها قد وقعت لمن قبله من الرسل والأنبياء بين سبحانه أنه يبطل ذلك ولا يثبته ولا يستمر تغرير الشيطان به فقال: "فينسخ الله ما يلقي الشيطان" أي يبطله ويجعله ذاهباً غير ثابت "ثم يحكم الله آياته" أي يثبتها "والله عليم حكيم" أي كثير العلم والحكمة في كل أقواله وأفعاله.
وجملة 53- "ليجعل ما يلقي الشيطان فتنة" للتعليل: أي ذلك الإلقاء الذي يلقيه الشيطان فتنة: أي ضلالة "للذين في قلوبهم مرض" أي شك ونفاق "والقاسية قلوبهم" هم المشركون، فإن قلوبهم لا تلين للحق أبداً ولا ترجع إلى الصواب بحال، ثم سجل سبحانه على هاتين الطائفتين: وهما من في قلبه مرض، ومن في قلبه قسوة بأنهم ظالمون فقال: "وإن الظالمين لفي شقاق بعيد" أي عداوة شديدة، ووصف الشقاق بالبعد مبالغة، والموصوف به في الحقيقة من قام به.
ولما بين سبحانه أن ذلك الإلقاء كان فتنة في حق أهل النفاق والشك والشرك، بين أنه في حق المؤمنين العالمين بالله العارفين به سبب لحصول العلم لهم بأن القرآن حق وصدق فقال: 54- "وليعلم الذين أوتوا العلم أنه الحق من ربك" أي الحق النازل من عنده، وقيل إن الضمير في أنه راجع إلى تمكين الشيطان من الإلقاء، لأنه مما جرت به عادته من أنبيائه، ولكنه يرد هذا قوله: "فيؤمنوا به" فإن المراد بالإيمان بالقرآن: أي يثبتوا على الإيمان به "فتخبت له قلوبهم" أي تخشع وتسكن وتنقاد، فإن الإيمان به وإخبات القلوب له لا يمكن أن يكونا تمكين من الشيطان بل للقرآن "وإن الله لهاد الذين آمنوا" في أمور دينهم "إلى صراط مستقيم" أي طريق صحيح لا عوج به. وقرأ أبو حيوة وأن الله لهاد الذين آمنوا بالتنوين.
55- "ولا يزال الذين كفروا في مرية منه" أي في شك من القرآن، وقيل في الدين الذي يدل عليه ذكر الصراط المستقيم، وقيل في إلقاء الشيطان، فيقولون: ما باله ذكر الأصنام بخير ثم رجع عن ذلك؟ وقرأ أبو عبد الرحمن السلمي في مرية بضم الميم "حتى تأتيهم الساعة" أي القيامة "بغتة" أي فجأة "أو يأتيهم عذاب يوم عقيم" وهو يوم القيامة لأنه لا يوم بعده، فكان بهذا الاعتبار عقيماً، والعقيم في اللغة من لا يكون له ولد، ولما كانت الأيام تتوالى جعل ذلك كهيئة الولادة، ولما لم يكن بعد ذلك اليوم يوم وصف بالعقم، وقيل يوم حرب يقتلون في كيوم بدر، وقيل إن اليوم وصف بالعقم، لأنه لا رأفة فيه ولا رحمة، فكأنه عقيم من الخير، ومنه قوله تعالى: "إذ أرسلنا عليهم الريح العقيم" أي التي لا خير فيها ولا تأتي بمطر.
فتح القدير - صفحة القرآن رقم 338
337ثم حكى سبحانه عن هؤلاء ما كانوا عليه من التكذيب والاستهزاء فقال: 47- "ويستعجلونك بالعذاب" لأنهم كانوا منكرين لمجيئه أشد إنكار، فاستعجالهم له هو على طريقة الاستهزاء والسخرية، وكأنهم كانوا يقولون ذلك عند سماعهم لما تقوله الأنبياء عن الله سبحانه من الوعد منه عز وجل بوقوعه عليهم وحلوله بهم، ولهذا قال: "ولن يخلف الله وعده" قال الفراء: في هذه الآية وعيد لهم بالعذاب في الدنيا والآخرة. وذكر الزجاج وجهاً آخر فقال: أعلم أن الله لا يفوته شيء، وإن يوماً عنده وألف سنة في قدرته واحد، ولا فرق بين وقوع ما يستعجلونه به من العذاب وتأخره في القدرة، إلا أن الله تفضل بالإمهال انتهى، ومحل جملة: ولن يخلف الله وعده النصب على الحال: أي والحال أنه لا يخلف وعده أبداً، وقد سبق الوعد فلا بد من مجيئه حتماً، أو هي اعتراضية مبينة لما قبلها، وعلى الأول تكون جملة "وإن يوماً عند ربك كألف سنة مما تعدون" مستأنفة، وعلى الثاني تكون معطوفة على الجملة التي قبلها مسوقة لبيان حالهم في الاستعجال، وخطابهم في ذلك ببيان كما حلمه لكون المدة القصيرة عنده كالمدة الطويلة عندهم كما في قوله: " إنهم يرونه بعيدا * ونراه قريبا " قال الفراء: هذا وعيد لهم بامتداد عذابهم في الآخرة: أي يوم من أيام عذابهم في الآخرة كألف سنة. وقيل المعنى: وإن يوماً من الخوف والشدة في الآخرة كألف سنة من سني الدنيا فيها خوف وشدة، وكذلك يوم النعيم قياساً. قرأ ابن كثير وحمزة والكسائي " ما يعبدون " بالتحتية، واختار هذه القراءة أبو عبيد لقوله: "ويستعجلونك" وقرأ الباقون بالفوقية على الخطاب، واختارها أبو حاتم.
48- "وكأين من قرية أمليت لها وهي ظالمة ثم أخذتها وإلي المصير" هذا إعلام منه سبحانه أنه أخذ قوماً بعد الإملاء والتأخير. قيل وتكرير هذا مع ذكره قبله للتأكيد، وليس بتكرار في الحقيقة، لأن الأول سيق لبيان الإهلاك مناسباً لقوله: فكيف كان نكير، ولهذا عطف بالفاء بدلاً عن ذلك، والثاني سيق لبيان الإملاء مناسباً لقوله: "ولن يخلف الله وعده وإن يوماً عند ربك كألف سنة" فكأنه قيل: وكم من أهل قرية كانوا مثلكم ظالمين قد أمهلتهم حيناً، ثم أخذتهم بالعذاب ومرجع الكل إلى حكمي. فجملة: وإلي المصير تذييل لتقرير ما قبلها.
49- " قل يا أيها الناس إنما أنا لكم نذير مبين " ثم أمره الله سبحانه أن يخبر الناس بأنه نذير لهم بين يدي الساعة مبين لهم ما نزل إليهم.
50- " فالذين آمنوا وعملوا الصالحات لهم مغفرة ورزق كريم " فمن آمن وعمل صالحاً فاز بالمغفرة والرزق الكريم وهو الجنة.
51- " والذين سعوا في آياتنا معاجزين أولئك أصحاب الجحيم " ومن كان على خلاف ذلك فهو في النار وهم الذين سعوا في آيات الله معاجزين، يقال عاجزه سابقه، لأن كل واحد منهما في طلب إعجاز الآخر، فإذا سبقه قيل أعجزه وعجزه، قاله الأخفش. وقيل معنى معاجزين: ظانين ومقدرين أن يعجزوا الله سبحانه ويفوتوه فلا يعذبهم، قاله الزجاج. وقيل معاندين، قاله الفراء. وقد أخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد وابن المنذر عن قتادة في قوله: "فهي خاوية على عروشها" قال: خربة ليس فيها أحد "وبئر معطلة" عطلها أهلها وتركوها "وقصر مشيد" قال: شيدوه وحصنوه فهلكوا وتركوه. وأخرج ابن جرير وابن المنذر عن ابن عباس "وبئر معطلة" قال: التي تركت لا أهل لها. وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم عنه "وقصر مشيد" قال: هو المجصص. وأخرج عبد بن حميد عن مجاهد نحوه. وأخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد عن عطاء نحوه أيضاً. وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله: "وإن يوماً عند ربك كألف سنة مما تعدون" قال: من الأيام الستة التي خلق الله فيها السموات والأرض. وأخرج ابن المنذر عن عكرمة، قال في الآية: هو يوم القيامة. وأخرج ابن أبي حاتم عنه قال: الدنيا جمعة من جمع الآخرة سبعة آلاف سنة، فقد مضى منها ستة آلاف. وأخرج ابن عدي والديلمي عن أنس مرفوعاً نحوه. وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس "معاجزين" قال: مراغمين. وأخرج ابن جرير عنه أنه قال: مشاقين.
قوله: 52- "من رسول ولا نبي" قيل الرسول الذي أرسل إلى الخلق بإرسال جبريل إليه عياناً ومحاورته شفاها، والنبي الذي يكون إلهاماً أو مناماً. وقيل الرسول من بعث بشرع وأمر بتبليغه، والنبي من أمر أن يدعو إلى شريعة من قبله، ولم ينزل عليه كتاب، ولا بد لهما جميعاً من المعجزة الظاهرة "إلا إذا تمنى ألقى الشيطان في أمنيته" معنى تمنى: تشهى وهيأ في نفسه ما يهواه. قال الواحدي: وقال المفسرون: معنى تمنى تلا. قال جماعة المفسرين في سبب نزول هذه الآية: أنه صلى الله عليه وسلم لما شق عليه إعراض قومه عنه تمنى في نفسه أن لا ينزل عليه شيء ينفرهم عنه لحرصه على إيمانهم، فكان ذات يوم جالساً في ناد من أنديتهم وقد نزل عليه سورة "والنجم إذا هوى" فأخذ يقرأها عليهم حتى بلغ قوله: " أفرأيتم اللات والعزى * ومناة الثالثة الأخرى " وكان ذلك التمني في نفسه، فجرى على لسانه مما ألقاه الشيطان عليه: تلك الغرانيق العلى، وإن شفاعتها لترتجى فلما سمعت قريش ذلك فرحوا ومضى رسول الله صلى الله عليه وسلم في قراءته حتى ختم السورة، فلما سجد في آخرها سجد معه جميع من في النادي من المسلمين والمشركين، فتفرقت قريش مسرورين بذلك قالوا: قد ذكر محمد آلهتنا بأحسن الذكر، فأتاه جبريل فقال: ما صنعت؟ تلوت على الناس ما لم آتك به عن الله، فحزن رسول الله صلى الله عليه وسلم وخاف خوفاً شديداً، فأنزل الله هذه الآية، هكذا قالوا. ولم يصح شيء من هذا، ولا ثبت بوجه من الوجوه، ومع عدم صحته بل بطلانه فقد دفعه المحققون بكتاب الله سبحانه، قال الله: " ولو تقول علينا بعض الأقاويل * لأخذنا منه باليمين * ثم لقطعنا منه الوتين " وقوله: "وما ينطق عن الهوى" وقوله: "ولولا أن ثبتناك لقد كدت تركن إليهم" فنفى المقاربة للركون فضلاً عن الركون. قال البزار: هذا حديث لا نعلمه يروى عن النبي صلى الله عليه وسلم بإسناد متصل. وقال البيهقي: هذه القصة غير ثابتة من جهة النقل، ثم أخذ يتكلم أن رواة هذه القصة مطعون فيهم. وقال إمام الأئمة ابن خزيمة: إن هذه القصة من وضع الزنادقة. قال القاضي عياض في الشفاء: إن الأمة أجمعت فيما طريقه البلاغ أنه معصوم فيه من الإخبار عن شيء بخلاف ما هو عليه، لا قصداً ولا عمداً ولا سهواً ولا غلطاً. قال ابن كثير: قد ذكر كثير من المفسرين ها هنا قصة الغرانيق، وما كان من رجوع كثير من المهاجرين إلى أرض الحبشة ظناً منهم أن مشركي قريش قد أسلموا، ولكنها من طرق كلها مرسلة، ولم أرها مسندة من وجه صحيح. وإذا تقرر لك بطلان ذلك عرفت أن معنى "تمنى" قرأ وتلا كما قدمنا من حكاية الواحدي لذلك عن المفسرين. وكذا قال البغوي: إن أكثر المفسرين قالوا معنى "تمنى" تلا وقرأ كتاب الله، ومعنى " ألقى الشيطان في أمنيته " أي في تلاوته وقراءته. قال ابن جرير: هذا القول أشبه بتأويل الكلام، ويؤيد هذا ما تقدم في تفسير قوله: "لا يعلمون الكتاب إلا أماني" وقيل معنى "تمنى" حدث، ومعنى "ألقى الشيطان في أمنيته" في حديثه، روى هذا عن ابن عباس. وقيل معنى "تمنى" قال. فحاصل معنى الآية: أن الشيطان أوقع في مسامع المشركين ذلك من دون أن يتكلم به رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا جرى على لسانه، فتكون هذه الآية تسلية لرسول الله صلى الله عليه وسلم أي لا يهولنك ذلك ولا يحزنك، فقد أصاب مثل هذا من قبلك من المرسلين والأنبياء، وعلى تقدير أن معنى تمنى حدث نفسه كما حكاه الفراء والكسائي فإنهما قالا: تمنى إذا حدث نفسه، فالمعنى: أنه إذا حدث نفسه بشيء تكلم به الشيطان وألقاه في مسامع الناس من دون أن يتكلم به رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا جرى على لسانه. قال ابن عطية: لا خلاف أن إلقاء الشيطان إنما هو لألفاظ مسموعة وقعت بها الفتنة. وقد قيل في تأويل الآية: إن المراد بالغرانيق الملائكة، ويرد بقوله: "فينسخ الله ما يلقي الشيطان" أي يبطله، وشفاعة الملائكة غير باطلة. وقيل إن ذلك جرى على لسانه صلى الله عليه وسلم سهواً ونسياناً وهما مجوزان على الأنبياء، ويرد بأن السهو والنسيان فيما طريقه البلاغ غير جائز كما هو مقرر في مواطنه، ثم لما سلاه الله سبحانه بهذه التسلية وأنها قد وقعت لمن قبله من الرسل والأنبياء بين سبحانه أنه يبطل ذلك ولا يثبته ولا يستمر تغرير الشيطان به فقال: "فينسخ الله ما يلقي الشيطان" أي يبطله ويجعله ذاهباً غير ثابت "ثم يحكم الله آياته" أي يثبتها "والله عليم حكيم" أي كثير العلم والحكمة في كل أقواله وأفعاله.
وجملة 53- "ليجعل ما يلقي الشيطان فتنة" للتعليل: أي ذلك الإلقاء الذي يلقيه الشيطان فتنة: أي ضلالة "للذين في قلوبهم مرض" أي شك ونفاق "والقاسية قلوبهم" هم المشركون، فإن قلوبهم لا تلين للحق أبداً ولا ترجع إلى الصواب بحال، ثم سجل سبحانه على هاتين الطائفتين: وهما من في قلبه مرض، ومن في قلبه قسوة بأنهم ظالمون فقال: "وإن الظالمين لفي شقاق بعيد" أي عداوة شديدة، ووصف الشقاق بالبعد مبالغة، والموصوف به في الحقيقة من قام به.
ولما بين سبحانه أن ذلك الإلقاء كان فتنة في حق أهل النفاق والشك والشرك، بين أنه في حق المؤمنين العالمين بالله العارفين به سبب لحصول العلم لهم بأن القرآن حق وصدق فقال: 54- "وليعلم الذين أوتوا العلم أنه الحق من ربك" أي الحق النازل من عنده، وقيل إن الضمير في أنه راجع إلى تمكين الشيطان من الإلقاء، لأنه مما جرت به عادته من أنبيائه، ولكنه يرد هذا قوله: "فيؤمنوا به" فإن المراد بالإيمان بالقرآن: أي يثبتوا على الإيمان به "فتخبت له قلوبهم" أي تخشع وتسكن وتنقاد، فإن الإيمان به وإخبات القلوب له لا يمكن أن يكونا تمكين من الشيطان بل للقرآن "وإن الله لهاد الذين آمنوا" في أمور دينهم "إلى صراط مستقيم" أي طريق صحيح لا عوج به. وقرأ أبو حيوة وأن الله لهاد الذين آمنوا بالتنوين.
55- "ولا يزال الذين كفروا في مرية منه" أي في شك من القرآن، وقيل في الدين الذي يدل عليه ذكر الصراط المستقيم، وقيل في إلقاء الشيطان، فيقولون: ما باله ذكر الأصنام بخير ثم رجع عن ذلك؟ وقرأ أبو عبد الرحمن السلمي في مرية بضم الميم "حتى تأتيهم الساعة" أي القيامة "بغتة" أي فجأة "أو يأتيهم عذاب يوم عقيم" وهو يوم القيامة لأنه لا يوم بعده، فكان بهذا الاعتبار عقيماً، والعقيم في اللغة من لا يكون له ولد، ولما كانت الأيام تتوالى جعل ذلك كهيئة الولادة، ولما لم يكن بعد ذلك اليوم يوم وصف بالعقم، وقيل يوم حرب يقتلون في كيوم بدر، وقيل إن اليوم وصف بالعقم، لأنه لا رأفة فيه ولا رحمة، فكأنه عقيم من الخير، ومنه قوله تعالى: "إذ أرسلنا عليهم الريح العقيم" أي التي لا خير فيها ولا تأتي بمطر.
الصفحة رقم 338 من المصحف تحميل و استماع mp3