تفسير الشوكاني تفسير الصفحة 380 من المصحف



فتح القدير - صفحة القرآن رقم 380

379

36- "فلما جاء سليمان" أي فلما جاء رسولها المرسل بالهدية سليمان، والمراد بهذا المضمر الجنس فلا ينافي كونهم جماعة كما يدل عليه قولها: بم يرجع المرسلون وقرأ عبد الله " فلما جاء سليمان " أي الرسل، وجملة "قال أتمدونن بمال" مستأنفة جواب سؤال مقدر والاستفهام للاستنكار: أي قال منكراً لإمدادهم له بالمال مع علو سلطانه وكثرة ماله. وقرأ حمزة بإدغام نون الإعراب في نون الوقاية، والباقون بنونين من غير إدغام، وأما الياء فإن نافعاً وأبا عمرو وحمزة يثبتونها وصلاً ويحذفونها وقفاً، وابن كثير يثبتها في الحالين، والباقون يحذفونها في الحالين. وروي عن نافع أنه يقرأ بنون واحدة "فما آتاني الله خير مما آتاكم" أي ما آتاني من النبوة والملك العظيم والأموال الكثيرة خير مما آتاكم من المال الذي هذه الهدية من جملته. وقرأ أبو عمرو ونافع وحفص "آتاني الله" بياء مفتوحة وقرأ يعقوب بإثباتها في الوقف وحذفها في الوصل، وقرأ الباقون بغير ياء في الوصل والوقف. ثم إنه أضرب عن الإنكار المتقدم فقال: "بل أنتم بهديتكم تفرحون" توبيخاً لهم بفرحهم بهذه الهدية فرح فخر وخيلاء، وأما أنا فلا أفرح بها وليست الدنيا من حاجتي، لأن الله سبحانه قد أعطاني منها ما لم يعطه أحداً من العالمين، ومع ذلك أكرمني بالنبوة. والمراد بهذا الإضراب من سليمان بيان السبب الحامل لهم على الهدية مع الإزراء بهم والحط عليهم.
37- "ارجع إليهم فلنأتينهم بجنود لا قبل لهم بها" أي قال سليمان للرسول: ارجع إليهم: أي إلى بلقيس وقومها، وخاطب المفرد ها هنا بعد خطابه للجماعة فيما قبل، إما لأن الذي سيرجع هو الرسول فقط، أو خص أمير الرسل بالخطاب هنا وخاطبهم معه فيما سبق افتناناً في الكلام. وقرأ عبد الله بن عباس ارجعوا وقيل إن الضمير يرجع إلى الهدهد، واللام في لنأتينهم جواب قسم محذوف. قال النحاس: وسمعت ابن كيسان يقول: هي لام توكيد ولام أمر ولام خفض، وهذا قول الحذاق من النحويين لأنه يردون الشيء إلى أصله، وهذا لا يتهيأ إلا لمن درب في العربية، ومعنى "لا قبل لهم": أي لا طاقة لهم بها ، والجملة في محل جر صفة لجنود " ولنخرجنهم " معطوف على جواب القسم أي : لنخرجنهم من أرضهم التي هم فيها "أذلة" أي حال كونهم أذلة بعد ما كانوا أعزة، وجملة "وهم صاغرون" في محل نصب على الحال، قيل وهي حال مؤكدة لأن الصغار هو الذلة، وقيل إن المراد بالصغار هنا الأسر والاستبعاد، وقيل إن الصغار الإهانة التي تسبب عنها الذلة. ولما رجع الرسول إلى بلقيس تجهزت للمسير إلى سليمان، وأخبر جبريل سليمان بذلك.
فـ 38- "قال" سليمان "يا أيها الملأ أيكم يأتيني بعرشها" أي عرش بلقيس الذي تقدم وصفه بالعظم "قبل أن يأتوني مسلمين" أي قبل أن تأتيني هي وقومها مسلمين. قيل إنما أراد سليمان أخذ عرشها قبل ان يصلوا إليه ويسلموا، لأنها إذا أسلمت وأسلم قومها لم يحل أخذ أموالهم بغير رضاهم. قال ابن عطية: وظاهر الروايات أن هذه المقالة من سليمان هي بعد مجيء هديتها ورده إياها وبعثه الهدهد بالكتاب، وعلى هذا جمهور المتأولين. وقيل استدعاء العرش قبل وصولها ليريها القدرة التي هي من عند الله ويجعله دليلاً على نبوته، وقيل أراد أن يختبر عقلها ولهذا "قال نكروا لها عرشها" إلخ، وقيل أراد أن يختبر صدق الهدهد في وصفه للعرش بالعظم، والقول الأول هو الذي عليه الأكثر.
39- "قال عفريت من الجن أنا آتيك به قبل أن تقوم من مقامك" قرأ الجمهور بكسر العين وسكون الفاء وكسر الراء وسكون المثناة التحتية وبالتاء، وقرأ أبو رجاء وعيسى الثقفي وابن السميفع وأبو السمال عفريه بفتح التحتية بعدها تاء تأنيث منقلبة هاء رويت هذه القراءة عن أبي بكر الصديق. وقرأ أبو حيان بفتح العين. والعفريت المارد الغليظ الشديد. قال النحاس: يقال للشديد إذا كان معه خبث ودهاء عفر وعفريه وعفريت، وقال قتادة: هو الداهية، وقيل هو رئيس الجن. قال ابن عطية: وقرأت فرقة عفر بكسر العين جمعه على عفار، ومما ورد من أشعار العرب مطابقاً لقراءة الجمهور ما أنشده الكسائي: فقال شيطان لهم عفريت ما لكم مكث ولا تبييت ومما ورد على القراءة الثانية قول ذي الرمة: كأنه كوكب في إثر عفرية مصوب في سواد الليل منقضب ومعنى قول العفريت أنه سيأتي بالعرش إلى سليمان قبل أن يقوم من مجلسه الذي يجلس فيه للحكومة بين الناس "وإني عليه لقوي أمين" إني لقوي على حمله أمين على ما فيه. قيل اسم هذا العفريت كودن ذكره النحاس عن وهب بن منبه وقال السهيلي ذكوان، وقيل اسمه دعوان، وقيل صخر. وقوله: "آتيك" فعل مضارع، وأصله أأتيك بهمزتين، فأبدلت الثانية ألفاً، وقيل هو اسم فاعل.
40- "قال الذي عنده علم من الكتاب أنا آتيك به قبل أن يرتد إليك طرفك" قال أكثر المفسرين: اسم هذا الذي عنده علم من الكتاب آصف بن برخيا، وهو من بني إسرائيل، وكان وزيراً لسليمان، وكان يعلم اسم الله الأعظم الذي إذا دعي به أجاب، وإذا سئل به أعطى. قال ابن عطية: وقالت فرقة هو سليمان نفسه، ويكون الخطاب على هذا للعفريت: كأن سليمان استبطأ ما قاله العفريت فقال له تحقيراً له "أنا آتيك به قبل أن يرتد إليك طرفك" وقيل هو جبريل، وقيل الخضر والأول أولى. وقد قيل غير ذلك بما لا أصل له. والمراد بالطرف تحريك الأجفان وفتحها للنظر وارتداده انضمامها. وقيل هو معنى المطروف: أي الشيء الذي ينظرهن وقيل هو نفس الجفن عبر به عن سرعة الأمر كما تقول لصاحبك: افعل ذلك في لحظة. قاله مجاهد. وقال سعيد بن جبير: إنه قال لسليمان: انظر إلى السماء فما طرف حتى جاء به، فوضعه بين يديه. والمعنى: حتى يعود إليك طرفك بعد مده إلى السماء، والأول أولى هذه الأقوال. ثم الثالث "فلما رآه مستقراً عنده" قيل في الآية حذف، والتقدير: فأذن له سليمان فدعا الله فأتى به، فلما رآه سليمان مستقراً عنده: أي رأى العرش حاضراً لديه "قال هذا من فضل ربي ليبلوني أأشكر أم أكفر" الإشارة بقوله هذا إلى حضور العرش، ليبلوني: أي ليختبرني أشكره بذلك وأعترف أنه من فضله من غير حول مني ولا قوة أم أكفر بترك الشكر وعدم القيام به. قال الأخفش: المعنى لينظر أأشكر أم أكفر، وقال غيره: معنى ليبلوني ليتعبدني، وهو مجاز، والأصل في الابتلاء الاختبار "ومن شكر فإنما يشكر لنفسه" لأنه استحق بالشكر تمام النعمة ودوامها، والمعنى: أنه لا يرجع نفع ذلك إلا إلى الشاكر "ومن كفر" بترك الشكر "فإن ربي غني" عن شكره "كريم" في ترك المعاجلة بالعقوبة بنزع نعمه عنه وسلبه ما أعطاه منها، وأم في أم أكفر هي المتصلة. وقد أخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله: "اذهب بكتابي هذا فألقه إليهم ثم تول عنهم" يقول: كن قريباً منهم "فانظر ماذا يرجعون" فانطلق بالكتاب حتى إذا توسط عرشها ألقى الكتاب أليها فقرئ عليها فإذا فيه إنه من سليمان وإنه بسم الله الرحمن الرحيم. وأخرج ابن مردويه عنه " كتاب كريم " قال: مختوم. وأخرج ابن أبي حاتم عن ميمون بن مهران أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يكتب باسمك اللهم حتى نزلت "إنه من سليمان وإنه بسم الله الرحمن الرحيم". وأخرج أبو داود في مراسيله عن أبي مالك مرفوعاً مثله. وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله: "أفتوني في أمري" قال: جمعت رؤوس مملكتها فشاورتهم في رأيها، فأجمع رأيهم ورأيها على أن يغزوه، فسارت حتى إذا كانت قريبة قالت: أرسل إليه بهدية فإن قبلها فهو ملك أقاتله، وأن ردها تابعته فهو نبي، فلما دنت رسلها من سليمان علم خبرهم، فأمر الشياطين فموهوا ألف قصر من ذهب وفضة، فلما رأت رسلها قصور الذهب قالوا: ما يصنع هذا بهديتنا وقصوره ذهب وفضة، فلما دخلوا عليه بهديتها "قال أتمدونن بمال" ثم قال سليمان "أيكم يأتيني بعرشها قبل أن يأتوني مسلمين" فقال كاتب سليمان: ارفع بصرك فرفع بصره، فلما رجع إليه طرفه فإذا هو بسرير "قال نكروا لها عرشها" فنزع منه فصوصه ومرافقه وما كان عليه من شيء فـ "قيل" لها "أهكذا عرشك؟ قالت كأنه هو" وأمر الشياطين فجعلوا لها صرحاً ممدداً من قوارير وجعل فيها تماثيل السمك، فـ "قيل لها ادخلي الصرح" فكشفت عن ساقيها فإذا فيها شعر، فعند ذلك أمر بصنعة النورة فصنعت، فقيل لها: "إنه صرح ممرد من قوارير قالت رب إني ظلمت نفسي وأسلمت مع سليمان لله رب العالمين". وأخرج ابن أبي شيبة وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عنه في قوله: "إن الملوك إذا دخلوا قرية أفسدوها" قال: إذا أخذوها عنوة أخربوها. وأخرج ابن أبي حاتم عنه أيضاً قال: يقول الرب تبارك وتعالى: "وكذلك يفعلون". وأخرج ابن أبي شيبة في المصنف وابن المنذر وابن أبي حاتم عنه أيضاً في قوله: "وإني مرسلة إليهم بهدية" قال: أرسلت بلبنة من ذهب، فلما قدموا إذا حيطان المدينة من ذهب فذلك قوله: "أتمدونن بمال" الآية. وقال ثابت البناني أهدت له صفائح الذهب في أوعية الديباج. وقال مجاهد: جواري لباسهن لباس الغلمان وغلمان لباسهم لباس الجواري. وقال عكرمة: أهدت مائتي فرس على كل فرس غلام وجارية، وعلى كل فرس لون ليس على الآخر. وقال سعيد بن جبير: كانت الهدية جواهر، وقيل غير ذلك مما لا فائدة في التطويل بذكره. وأخرج ابن المنذر من طريق علي بن أبي طلحة عن ابن عباس في قوله: "قبل أن يأتوني مسلمين" قال: طائعين. وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عنه قال: اسم العفريت صخر. وأخرج ابن أبي شيبة وابن المنذر وابن أبي حاتم عنه أيضاً: "قبل أن تقوم من مقامك" قال: من مجلسك. وأخرج ابن أبي حاتم عنه أيضاً "قال الذي عنده علم من الكتاب" قال: هو آصف بن برخيا، وكان صديقاً يعلم الاسم الأعظم. وأخرج أبو عبيد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن مجاهد قال في قراءة ابن مسعود قال الذي عنده علم من الكتاب أنا أنظر في كتاب ربي، ثم آتيك به قبل ان يرتد إليك طرفك قال: فتكلم ذلك العالم بكلام دخل العرش في نفق تحت الأرض حتى خرج إليهم. وأخرج عبد بن حميد عن ابن عباس في قوله "قبل أن يرتد إليك طرفك" قال: قال لسليمان انظر إلى السماء، قال: فما اطرف حتى جاءه به فوضعه بين يديه. وأخرج ابن أبي شيبة وابن المنذر وابن عساكر عن ابن عباس قال: لم يجر عرش صاحبة سبأ بين الأرض والسماء، ولكن انشقت به الأرض، فجرى تحت الأرض حتى ظهر بين يدي سليمان.
قوله: 41- "نكروا لها عرشها" التنكير التغيير، يقول غيروا سريرها إلى حال تنكره إذا رأته. قيل جعل أعلاه أسفله وأسفله أعلاه، وقيل غير بزيادة ونقصان. قال الفراء وغيره: إنما أمر بتنكيره لأن الشياطين قالوا له إن في عقلها شيئاً، فأراد أن يمتحنها، وقيل خافت الجن أن يتزوج بها سليمان، فيولد له منها ولد فيبقون مسخرين لآل سليمان أبداً، فقالوا لسليمان إنها ضعيفة العقل ورجلها كرجل الحمار، وقوله: "ننظر" بالجزم على أنه جواب الأم، وبالجزم قرأ الجمهور، وقرأ أبو حيان بالرفع على الاستئناف "أتهتدي" إلى معرفته، أو إلى الإيمان بالله "أم تكون من الذين لا يهتدون" إلى ذلك.
42- "فلما جاءت" أي بلقيس إلى سليمان "قيل" لها، والقائل هو سليمان، أو غير بأمره "أهكذا عرشك" لم يقل هذا عرشك لئلا يكون ذلك تلقيناً لها فلا يتم الاختبار لعقلها "قالت كأنه هو" قال مجاهد: جعلت تعرف وتنكر وتعجب من حضوره عند سليمان، فقالت: كأنه هو. وقال مقاتل: عرفته ولكنها شبهت عليهم كما شبهوا عليها، ولو قيل لها: أهذا عرشك لقالت نعم. وقال عكرمة: كانت حكيمة، قالت: إن قلت هو هو خشيت أن أكذب، وإن قلت لا خشيت أن أكذب، فقالت: كأنه هو وقيل أراد سليمان أن يظهر لها أن الجن مسخرون له "وأوتينا العلم من قبلها وكنا مسلمين" قيل هو من كلام بلقيس: أي أوتينا العلم بصحة نبوة سليمان من قبل هذه الآية في العرش وكنا مسلمين مناقدين لأمره. وقيل هو من قول سليمان: أي أوتينا العلم بقدرة الله من قبل بلقيس، وقيل أوتينا العلم بإسلامها ومجيئها طائعة من قبلها: أي من قبل مجيئها، وقيل هو من كلام قوم سليمان. والقول الثاني أرجح من سائر الأقوال.
43- "وصدها ما كانت تعبد من دون الله" هذا من كلام الله سبحانه بيان لما كان يمنعها من إظهار ما ادعته من الإسلام، ففاعل صد هو ما كانت تعبد: أي منعها من إظهار الإيمان ما كانت تعبده، وهي الشمس. قال النحاس: أي صدها عبادتها من دون الله، وقيل فاعل صد هو الله: أي منعها الله ما كانت تعبد من دونه فتكون ما في محل نصب، وقيل الفاعل سليمان: أي ومنعها سليمان ما كانت تعبد، والأول أولى، والجملة مستأنفة للبيان كما ذكرنا، وجملة "إنها كانت من قوم كافرين" تعليل للجملة الأولى: أي سبب تأخرها عن عبادة الله، ومنع ما كانت تعبده عن ذلك أنها كانت من قوم متصفين بالكفر. قرأ الجمهور إنها بالكسر. وقرأ أبو حيان بالفتح. وفي هذه القراءة وجهان: أحدهما أن الجملة بدل مما كانت تعبد. والثاني أن التقدير: لأنها كانت تعبد، فسقط حرف التعليل.
44- "قيل لها ادخلي الصرح". قال أبو عبيدة: الصرح القصر. وقال الزجاج: الصرح الحصن. يقال هذه صرحة الار وقاعتها. قال ابن قتيبة: الصرح بلاط اتخذ لها من قوارير وجعل تحته ماء وسمك. وحكى أبو عبيد في الغريب أن الصرج كل بناء عال مرتفع، وأن الممرد الطويل "فلما رأته حسبته لجة وكشفت عن ساقيها" أي فلما رأت الصرح بين يديها حسبت أنه لجة، واللجة معظم الماء، فلذلك كشفت عن ساقيها لتخوض الماء، فلما فعلت ذلك "قال" سليمان " إنه صرح ممرد من قوارير " الممرد المحكوك المملس، ومنه الأمرد، وتمرد الرجل إذا لم تخرج لحيته، قاله الفراء. ومنه الشجرة المرداء التي لا ورق لها. والممرد أيضاً المطول، ومنه قيل للحصن مارد، ومنه قول الشاعر: غدوت صباحاً باكراً فوجدتهم قبيل الضحى في السابري الممرد أي الدروع الواسعة الواسعة الطويلة، فلما سمعت بلقيس ذلك أذعنت واستسلمت، و "قالت رب إني ظلمت نفسي" أي بما كنت عليه من عبادة غيرك، وقيل بالظن الذي توهمته في سليمان، لأنها توهمت أنه أراد تغريقها في اللجة، والأول أولى "وأسلمت مع سليمان" متابعة له داخلة في دينه "لله رب العالمين" التفتت من الخطاب إلى الغيبة، قيل لإظهار معرفتها بالله، والأولى أنها التفتت لما في هذا الاسم الشريف من الدلالة على جميع الأسماء ولكونه علماً للذات. وقد أخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله: "نكروا لها عرشها" قال: زيد فيه ونقص لـ "ننظر أتهتدي" قال: لننظر إلى عقلها فوجدت ثابتة العقل. وأخرج الفريابي وابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن مجاهد في قوله: "وأوتينا العلم من قبلها" قال: من قول سليمان. وأخرج ابن أبي حاتم عن زهير بن محمد نحوه. وأخرج ابن المنذر عن ابن عباس في قوله: "فلما رأته حسبته لجة" قال: بحراً. وأخرج ابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم عنه في أثر طويل أن سليمان تزوجها بعد ذلك. قال أبو بكر بن أبي شيبة: ما أحسنه من حديث. قال ابن كثير في تفسيره بعد حكايته لقول أبي بكر بن أبي شيبة: بل هو منكر جداً، ولعله من أوهام عطاء بن السائب على ابن عباس، والله أعلم. والأقرب في مثل هذه السياقات أنها متلقاة عن أهل الكتاب بما يوجد في صحفهم كروايات كعب ووهب سامحهما الله فيما نقلا إلى هذه الأمة من بني إسرائيل من الأوابد والغرائب والعجائب مما كان ومما لم يكن ومما حرف وبدل ونسخ انتهى، وكلامه هذا هو شعبة مما قد كررناه في هذا التفسير ونبهنا عليه في عدة مواضع، وكنت أظن أنه لم ينبه على ذلك غيري. فالحمد لله على الموافقة لمثل هذا الحافظ المنصف. وأخرج البخاري في تاريخه والعقيلي عن أبي موسى الأشعري قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "أول من صنعت له الحمامات سليمان" وروي عنه مرفوعاً من طريق أخرى رواها الطبراني وابن عدي في الكامل والبيهقي في الشعب بلفظ "أول من دخل الحمام سليمان فلما وجد حره قال أوه من عذاب الله".