سورة غافر | للقراءة من المصحف بخط كبير واضح
استماع mp3 | الجلالين&الميسر | تفسير الشوكاني |
إعراب الصفحة | تفسير ابن كثير | تفسير القرطبي |
التفسير المختصر | تفسير الطبري | تفسير السعدي |
تفسير الشوكاني تفسير الصفحة 469 من المصحف
وقوله: 17- "اليوم تجزى كل نفس بما كسبت لا ظلم اليوم إن الله سريع الحساب" من تمام الجواب على القول بأن المجيب هو الله سبحانه، وأما على القول بأن المجيب هم العباد كلهم أو بعضهم فهو مستأنف لبيان ما يقول الله سبحانه بعد جوابهم: أي اليوم تجزى كل نفس بما كسبت من خير وشر لا ظلم اليوم على أحد منهم بنقص من ثوابه أو بزيادة في عقابه "إن الله سريع الحساب" أي سريع حسابه لأنه سبحانه لا يحتاج إلى تفكر في ذلك كما يحتاجه غيره لإحاطة علمه بكل شيء فلا يعزب عنه مثقال ذرة.
ثم أمر الله سبحانه رسوله بإنذار عباده فقال 18- "وأنذرهم يوم الآزفة" أي يوم القيامة سميت بذلك لقربها، يقال أزف فلان: أي قرب يأزف أزفاً، ومنه النابغة: أزف الترحل غير أن ركابنا لما تزل بركابنا وكأن قد ومنه قوله تعالى: "أزفت الآزفة" أي قربت الساعة، وقيل إن يوم الآزفة هو يوم حضور الموت، والأول أولى. قال الزجاج: وقيل لها آزفة لأنها قريبة وإن استبعد الناس أمرها، وما هو كائن فهو قريب "إذ القلوب لدى الحناجر كاظمين" وذلك أنها تزول عن مواضعها من الخوف حتى تصير إلى الحنجرة كقوله: "وبلغت القلوب الحناجر" "كاظمين" مغمومين مكروبين ممتلئين غماً. قال الزجاج: المعنى إذ قلوب الناس لدى الحناجر في حال كظمهم. قال قتادة: وقعت قلوبهم في الحناجر من المخافة، فهي لا تخرج ولا تعود في أمكنتها. وقيل هو إخبار عن نهاية الجزع، وإنما قال كاظمين باعتبار أهل القلوب، لأن المعنى: إذ قلوب الناس لدى حناجرهم، فيكون حالاً منهم. وقيل حالاً من القلوب، وجمع الحال منها جمع العقلاء لأنه أسند إليها ما يسند إلى العقلاء، فجمعت جمعه. ثم بين سبحانه أنه لا ينفع الكافرين في ذلك اليوم أحد فقال: "ما للظالمين من حميم" أي قريب ينفعهم "ولا شفيع يطاع" في شفاعته لهم، ومحل يطاع الجر على أنه صفة لشفيع.
ثم وصف سبحانه شمول علمه لكل شيء وإن كان في غاية الخفاء فقال: 19- "يعلم خائنة الأعين" وهي مسارقة النظر إلى ما لا يحل النظر إليه، والجملة خبر آخر لقوله: "هو الذي يريكم" قال المؤرج: فيه تقديم وتأخير: أي يعلم الأعين الخائنة. وقال قتادة: خائنة الأعين: الهمز بالعين فيما لا يحب الله. وقال الضحاك: هو قول الإنسان ما رأيت وقد رأى، ورأيت وما رأى. وقال سفيان: هي النظرة بعد النظرة. والأول أولى، وبه قال مجاهد "وما تخفي الصدور" من الضمائر وتسره من معاصي الله.
20- "والله يقضي بالحق" فيجازي كل أحد بما يستحقه من خير وشر "والذين تدعون من دونه" أي تعبدونهم من دون الله "لا يقضون بشيء" لأنهم لا يعلمون شيئاً ولا يقدرون على شيء: قرأ الجمهور "يدعون" بالتحتية يعني الظالمين، واختار هذه القراءة أبو عبيد وأبو حاتم، وقرأ نافع وشيبة وهشام بالفوقية على الخطاب لهم "إن الله هو السميع البصير" فلا يخفى عليه من المسموعات والمبصرات خافية. وقد أخرج الفريابي وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والحاكم وصححه عن ابن مسعود في قوله: "أمتنا اثنتين وأحييتنا اثنتين" قال: هي مثل التي في البقرة "كنتم أمواتاً فأحياكم ثم يميتكم ثم يحييكم" كانوا أمواتاً في صلب آبائهم ثم أخرجهم فأحياهم ثم أماتهم ثم يحييهم بعد الموت. وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم وابن مردويه عن ابن عباس في الآية قال: كنتم تراباً قبل أن يخلقكم، فهذه ميتة، ثم أحياكم فخلقكم فهذه حياة، ثم يميتكم فترجعون إلى القبور فهذه ميتة أخرى، ثم يبعثكم يوم القيامة فهذه حياة، فهما موتتان وحياتان كقوله: "كيف تكفرون بالله وكنتم أمواتاً فأحياكم" الآية. وأخرج ابن المنذر عن ابن عباس في قوله: "يوم التلاق" قال: يوم القيامة يلتقي فيه آدم وآخر ولده. وأخرج عنه أيضاً قال: "يوم التلاق" يوم الآزفة، ونحو هذا من أسماء يوم القيامة عظمه الله وحذره عباده. وأخرج عبد الله بن أحمد في زوائد الزهد وابن أبي حاتم والحاكم وصححه وأبو نعيم في الحلية عنه أيضاً قال: ينادي مناد بين يدي الساعة: يا أيها الناس أتتكم الساعة، فيسمعها الأحياء والأموات، وينزل الله إلى السماء الدنيا فيقول: "لمن الملك اليوم لله الواحد القهار". وأخرج ابن أبي الدنيا في البعث والديلمي عن أبي سعد عن النبي صلى الله عليه وسلم مثله. وأخرج عبد بن حميد عن ابن مسعود قال "يجمع الله الخلق يوم القيامة بصعيد واحد بأرض بيضاء كأنها سبيكة فضة لم يعص الله فيها قط، فأول ما يتكلم أن ينادي مناد "لمن الملك اليوم لله الواحد القهار". "اليوم تجزى كل نفس بما كسبت لا ظلم اليوم إن الله سريع الحساب" فأول ما يبديه من الخصومات الدماء". وأخرج سعيد بن منصور وابن أبي شيبة وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله: "يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور" قال: الرجل يكون في القوم فتمر بهم المرأة فيريهم أنه يغض بصره عنها، وإذا غفلوا لحظ إليها، وإذا نظروا غض بصره عنها، وقد اطلع الله من قلبه أنه ود أن ينظر إلى عورتها. وأخرج ابن أبي حاتم والطبراني في الأوسط وأبو نعيم في الحلية والبيهقي في الشعب عنه في الآية قال: إذا نظر إليها يريد الخيانة أم لا "وما تخفي الصدور" قال: إذا قدر عليها أيزني بها أم لا؟ ألا أخبركم بالتي تليها "والله يقضي بالحق" قادر على أن يجزي بالحسنة الحسنة وبالسيئة السيئة. وأخرج أبو داود والنسائي وابن مردويه عن سعد قال: "لما كان يوم فتح مكة أمن النبي صلى الله عليه وسلم الناس إلا أربعة نفر وامرأتين، وقال: اقتلوهم وإن وجتموهم متعلقين بأستار الكعبة، منهم عبد الله بن سعد بن أبي سرح، فاختبأ عند عثمان بن عفان، فلما دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم الناس إلى البيعة جاء به، فقال: يا رسول الله بايع عبد الله، فرفع رأسه فنظر إليه ثلاثاً كل ذلك يأبى بيعته، ثم أقبل على أصحابه فقال: أما كان فيكم رجل رشيد يقول إلى هذا حين رآني كففت يدي عن بيعته فيقتله؟ فقالوا: ما يدرينا يا رسول الله ما في نفسك هلا أومأت إلينا بعينك؟ فقال: إنه لا ينبغي لنبي أن يكون له خائنة الأعين".
لما خوفهم سبحانه بأحوال الآخرة أردفه ببيان تخويفهم بأحوال الدنيا فقال: 21- " أولم يسيروا في الأرض فينظروا كيف كان عاقبة الذين كانوا من قبلهم " أرشدهم سبحانه إلى الاعتبار بغيرهم، فإن الذين كفروا مضوا من الكفار "كانوا هم أشد منهم قوة" من هؤلاء الحاضرين من الكفار وأقوى "وآثاراً في الأرض" بما عمروا فيها من الحصون والقصور وبما لهم من العدد والعدة، فلما كذبوا رسلهم أهلكهم الله، وقوله: "فينظروا" إما مجزوم بالعطف على يسيروا، أو منصوب بجواب الاستفهام، وقوله: "كانوا أشد منهم قوة" بيان للتفاوت بين حال هؤلاء وأولئك، وقوله: "وآثاراً" عطف على قوة. قرأ الجمهور "أشد منهم" وقرأ ابن عامر "أشد منكم" على الالتفات "فأخذهم الله بذنوبهم" أي بسبب ذنوبهم "وما كان لهم من الله من واق" أي من دافع يدفع عنهم العذاب، وقد مر تفسير هذه الآية في مواضع.
والإشارة بقوله: 22- "ذلك" إلى ما تقدم من الأخذ "بأنهم كانت تأتيهم رسلهم بالبينات" أي بالحجج الواضحة "فكفروا" بما جاءوهم به "فأخذهم الله إنه قوي" يفعل كل ما يريده لا يعجزه شيء "شديد العقاب" لمن عصاه ولم يرجع إليه.
ثم ذكر سبحانه قصة موسى وفرعون ليعتبروا فقال: 23- "ولقد أرسلنا موسى بآياتنا" هي التسع الآيات التي قد تقدم ذكرها في غير موضع "وسلطان مبين" أي حجة بينة واضحة، وهي التوراة.
24- "إلى فرعون وهامان وقارون فقالوا" إنه "ساحر كذاب" أي فيما جاء به، وخصهم بالذكر لأنهم رؤساء المكذبين بموسى، ففرعون الملك، وهامان الوزير، وقارون صاحب الأموال والكنوز.
25- "فلما جاءهم بالحق من عندنا" وهي معجزاته الظاهرة الواضحة "قالوا اقتلوا أبناء الذين آمنوا معه واستحيوا نساءهم" قال قتادة: هذا قتل غير القتل الأول، لأن فرعون قد كان أمسك عن قتل الولدان وقت ولادة موسى، فلما بعث الله موسى أعاد القتل على بني إسرائيل، فكان يأمر بقتل الذكور وترك النساء، ومثل هذا قول فرعون "سنقتل أبناءهم ونستحيي نساءهم" "وما كيد الكافرين إلا في ضلال" أي في خسران ووبال، لأنه يذهب باطلاً ويحيق بهم ما يريده الله عز وجل.
فتح القدير - صفحة القرآن رقم 469
468وقوله: 17- "اليوم تجزى كل نفس بما كسبت لا ظلم اليوم إن الله سريع الحساب" من تمام الجواب على القول بأن المجيب هو الله سبحانه، وأما على القول بأن المجيب هم العباد كلهم أو بعضهم فهو مستأنف لبيان ما يقول الله سبحانه بعد جوابهم: أي اليوم تجزى كل نفس بما كسبت من خير وشر لا ظلم اليوم على أحد منهم بنقص من ثوابه أو بزيادة في عقابه "إن الله سريع الحساب" أي سريع حسابه لأنه سبحانه لا يحتاج إلى تفكر في ذلك كما يحتاجه غيره لإحاطة علمه بكل شيء فلا يعزب عنه مثقال ذرة.
ثم أمر الله سبحانه رسوله بإنذار عباده فقال 18- "وأنذرهم يوم الآزفة" أي يوم القيامة سميت بذلك لقربها، يقال أزف فلان: أي قرب يأزف أزفاً، ومنه النابغة: أزف الترحل غير أن ركابنا لما تزل بركابنا وكأن قد ومنه قوله تعالى: "أزفت الآزفة" أي قربت الساعة، وقيل إن يوم الآزفة هو يوم حضور الموت، والأول أولى. قال الزجاج: وقيل لها آزفة لأنها قريبة وإن استبعد الناس أمرها، وما هو كائن فهو قريب "إذ القلوب لدى الحناجر كاظمين" وذلك أنها تزول عن مواضعها من الخوف حتى تصير إلى الحنجرة كقوله: "وبلغت القلوب الحناجر" "كاظمين" مغمومين مكروبين ممتلئين غماً. قال الزجاج: المعنى إذ قلوب الناس لدى الحناجر في حال كظمهم. قال قتادة: وقعت قلوبهم في الحناجر من المخافة، فهي لا تخرج ولا تعود في أمكنتها. وقيل هو إخبار عن نهاية الجزع، وإنما قال كاظمين باعتبار أهل القلوب، لأن المعنى: إذ قلوب الناس لدى حناجرهم، فيكون حالاً منهم. وقيل حالاً من القلوب، وجمع الحال منها جمع العقلاء لأنه أسند إليها ما يسند إلى العقلاء، فجمعت جمعه. ثم بين سبحانه أنه لا ينفع الكافرين في ذلك اليوم أحد فقال: "ما للظالمين من حميم" أي قريب ينفعهم "ولا شفيع يطاع" في شفاعته لهم، ومحل يطاع الجر على أنه صفة لشفيع.
ثم وصف سبحانه شمول علمه لكل شيء وإن كان في غاية الخفاء فقال: 19- "يعلم خائنة الأعين" وهي مسارقة النظر إلى ما لا يحل النظر إليه، والجملة خبر آخر لقوله: "هو الذي يريكم" قال المؤرج: فيه تقديم وتأخير: أي يعلم الأعين الخائنة. وقال قتادة: خائنة الأعين: الهمز بالعين فيما لا يحب الله. وقال الضحاك: هو قول الإنسان ما رأيت وقد رأى، ورأيت وما رأى. وقال سفيان: هي النظرة بعد النظرة. والأول أولى، وبه قال مجاهد "وما تخفي الصدور" من الضمائر وتسره من معاصي الله.
20- "والله يقضي بالحق" فيجازي كل أحد بما يستحقه من خير وشر "والذين تدعون من دونه" أي تعبدونهم من دون الله "لا يقضون بشيء" لأنهم لا يعلمون شيئاً ولا يقدرون على شيء: قرأ الجمهور "يدعون" بالتحتية يعني الظالمين، واختار هذه القراءة أبو عبيد وأبو حاتم، وقرأ نافع وشيبة وهشام بالفوقية على الخطاب لهم "إن الله هو السميع البصير" فلا يخفى عليه من المسموعات والمبصرات خافية. وقد أخرج الفريابي وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والحاكم وصححه عن ابن مسعود في قوله: "أمتنا اثنتين وأحييتنا اثنتين" قال: هي مثل التي في البقرة "كنتم أمواتاً فأحياكم ثم يميتكم ثم يحييكم" كانوا أمواتاً في صلب آبائهم ثم أخرجهم فأحياهم ثم أماتهم ثم يحييهم بعد الموت. وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم وابن مردويه عن ابن عباس في الآية قال: كنتم تراباً قبل أن يخلقكم، فهذه ميتة، ثم أحياكم فخلقكم فهذه حياة، ثم يميتكم فترجعون إلى القبور فهذه ميتة أخرى، ثم يبعثكم يوم القيامة فهذه حياة، فهما موتتان وحياتان كقوله: "كيف تكفرون بالله وكنتم أمواتاً فأحياكم" الآية. وأخرج ابن المنذر عن ابن عباس في قوله: "يوم التلاق" قال: يوم القيامة يلتقي فيه آدم وآخر ولده. وأخرج عنه أيضاً قال: "يوم التلاق" يوم الآزفة، ونحو هذا من أسماء يوم القيامة عظمه الله وحذره عباده. وأخرج عبد الله بن أحمد في زوائد الزهد وابن أبي حاتم والحاكم وصححه وأبو نعيم في الحلية عنه أيضاً قال: ينادي مناد بين يدي الساعة: يا أيها الناس أتتكم الساعة، فيسمعها الأحياء والأموات، وينزل الله إلى السماء الدنيا فيقول: "لمن الملك اليوم لله الواحد القهار". وأخرج ابن أبي الدنيا في البعث والديلمي عن أبي سعد عن النبي صلى الله عليه وسلم مثله. وأخرج عبد بن حميد عن ابن مسعود قال "يجمع الله الخلق يوم القيامة بصعيد واحد بأرض بيضاء كأنها سبيكة فضة لم يعص الله فيها قط، فأول ما يتكلم أن ينادي مناد "لمن الملك اليوم لله الواحد القهار". "اليوم تجزى كل نفس بما كسبت لا ظلم اليوم إن الله سريع الحساب" فأول ما يبديه من الخصومات الدماء". وأخرج سعيد بن منصور وابن أبي شيبة وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله: "يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور" قال: الرجل يكون في القوم فتمر بهم المرأة فيريهم أنه يغض بصره عنها، وإذا غفلوا لحظ إليها، وإذا نظروا غض بصره عنها، وقد اطلع الله من قلبه أنه ود أن ينظر إلى عورتها. وأخرج ابن أبي حاتم والطبراني في الأوسط وأبو نعيم في الحلية والبيهقي في الشعب عنه في الآية قال: إذا نظر إليها يريد الخيانة أم لا "وما تخفي الصدور" قال: إذا قدر عليها أيزني بها أم لا؟ ألا أخبركم بالتي تليها "والله يقضي بالحق" قادر على أن يجزي بالحسنة الحسنة وبالسيئة السيئة. وأخرج أبو داود والنسائي وابن مردويه عن سعد قال: "لما كان يوم فتح مكة أمن النبي صلى الله عليه وسلم الناس إلا أربعة نفر وامرأتين، وقال: اقتلوهم وإن وجتموهم متعلقين بأستار الكعبة، منهم عبد الله بن سعد بن أبي سرح، فاختبأ عند عثمان بن عفان، فلما دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم الناس إلى البيعة جاء به، فقال: يا رسول الله بايع عبد الله، فرفع رأسه فنظر إليه ثلاثاً كل ذلك يأبى بيعته، ثم أقبل على أصحابه فقال: أما كان فيكم رجل رشيد يقول إلى هذا حين رآني كففت يدي عن بيعته فيقتله؟ فقالوا: ما يدرينا يا رسول الله ما في نفسك هلا أومأت إلينا بعينك؟ فقال: إنه لا ينبغي لنبي أن يكون له خائنة الأعين".
لما خوفهم سبحانه بأحوال الآخرة أردفه ببيان تخويفهم بأحوال الدنيا فقال: 21- " أولم يسيروا في الأرض فينظروا كيف كان عاقبة الذين كانوا من قبلهم " أرشدهم سبحانه إلى الاعتبار بغيرهم، فإن الذين كفروا مضوا من الكفار "كانوا هم أشد منهم قوة" من هؤلاء الحاضرين من الكفار وأقوى "وآثاراً في الأرض" بما عمروا فيها من الحصون والقصور وبما لهم من العدد والعدة، فلما كذبوا رسلهم أهلكهم الله، وقوله: "فينظروا" إما مجزوم بالعطف على يسيروا، أو منصوب بجواب الاستفهام، وقوله: "كانوا أشد منهم قوة" بيان للتفاوت بين حال هؤلاء وأولئك، وقوله: "وآثاراً" عطف على قوة. قرأ الجمهور "أشد منهم" وقرأ ابن عامر "أشد منكم" على الالتفات "فأخذهم الله بذنوبهم" أي بسبب ذنوبهم "وما كان لهم من الله من واق" أي من دافع يدفع عنهم العذاب، وقد مر تفسير هذه الآية في مواضع.
والإشارة بقوله: 22- "ذلك" إلى ما تقدم من الأخذ "بأنهم كانت تأتيهم رسلهم بالبينات" أي بالحجج الواضحة "فكفروا" بما جاءوهم به "فأخذهم الله إنه قوي" يفعل كل ما يريده لا يعجزه شيء "شديد العقاب" لمن عصاه ولم يرجع إليه.
ثم ذكر سبحانه قصة موسى وفرعون ليعتبروا فقال: 23- "ولقد أرسلنا موسى بآياتنا" هي التسع الآيات التي قد تقدم ذكرها في غير موضع "وسلطان مبين" أي حجة بينة واضحة، وهي التوراة.
24- "إلى فرعون وهامان وقارون فقالوا" إنه "ساحر كذاب" أي فيما جاء به، وخصهم بالذكر لأنهم رؤساء المكذبين بموسى، ففرعون الملك، وهامان الوزير، وقارون صاحب الأموال والكنوز.
25- "فلما جاءهم بالحق من عندنا" وهي معجزاته الظاهرة الواضحة "قالوا اقتلوا أبناء الذين آمنوا معه واستحيوا نساءهم" قال قتادة: هذا قتل غير القتل الأول، لأن فرعون قد كان أمسك عن قتل الولدان وقت ولادة موسى، فلما بعث الله موسى أعاد القتل على بني إسرائيل، فكان يأمر بقتل الذكور وترك النساء، ومثل هذا قول فرعون "سنقتل أبناءهم ونستحيي نساءهم" "وما كيد الكافرين إلا في ضلال" أي في خسران ووبال، لأنه يذهب باطلاً ويحيق بهم ما يريده الله عز وجل.
الصفحة رقم 469 من المصحف تحميل و استماع mp3