تفسير الشوكاني تفسير الصفحة 61 من المصحف



فتح القدير - صفحة القرآن رقم 61

060

قوله 84- "آمنا" إخبار منه صلى الله عليه وسلم عن نفسه وعن أمته "لا نفرق بين أحد منهم" كما فرقت اليهود والنصارى وآمنوا ببعض وكفروا ببعض. وقد تقدم تفسير هذه الآية "ونحن له مسلمون" أي: منقادون مخلصون.
قوله 85- "ديناً" مفعول للفعل: أي يبتغ ديناً حال كونه غير الإسلام، ويجوز أن ينتصب غير الإسلام على أنه مفعول الفعل، وديناً إما تمييز أو حال إذا أول بالمشتق، أو بدل من غير. قوله "وهو في الآخرة من الخاسرين" إما في محل نصب على الحال أو جملة مستأنفة: أي من الواقعين في الخسران يوم القيامة. وقد أخرج الطبراني بسند ضعيف عن النبي صلى الله عليه وسلم في قوله "وله أسلم من في السموات والأرض" قال: أما من في السموات فالملائكة، وأما من في الأرض فمن ولد على الإسلام، وأما كرهاً فمن أتي به من سبايا الأمم في السلاسل والأغلال يقادون إلى الجنة وهم كارهون. وأخرج الديلمي عن أنس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في الآية: "الملائكة أطاعوه في السماء، والأنصار، وعبد القيس أطاعوه في الأرض". وأخرج ابن جرير عن ابن عباس قال في الآية "أسلم من في السموات والأرض" حين أخذ عليهم الميثاق. وأخرج ابن أبي حاتم عنه في قوله "وله أسلم" قال: المعرفة. وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن أبي حاتم عن قتادة في الآية قال: أما المؤمن فأسلم طائعاً فنفعه ذلك وقبل منه، وأما الكافر فأسلم حين رأى بأس الله فلم ينفعه ذلك ولم يقبل منه "فلم يك ينفعهم إيمانهم لما رأوا بأسنا". وأخرج الطبراني في الأوسط عن أنس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من ساء خلقه من الرقيق والدواب والصبيان فاقرأوا في أذنه " أفغير دين الله يبغون "". وأخرج ابن السني في عمل اليوم والليلة عن يونس بن عبيد قال: ليس رجل يكون على دابة صعبة فيقرا في أذنها " أفغير دين الله يبغون " الآية إلا ذلت بإذن الله عز وجل. وأخرج أحمد والطبراني في الأوسط عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "تجيء الأعمال يوم القيامة فتجيء الصلاة فتقول: يا رب أنا الصلاة، فيقول: إنك على خير، وتجيء الصدقة فتقول: يا رب أنا الصدقة، فيقول إنك على خير، ويجيء الصيام فيقول: أنا الصيام، فيقول إنك على خير، ثم تجيء الأعمال كل ذلك يقول الله إنك على خير، ثم يجيء الإسلام فيقول: يا رب أنت السلام وأنا الإسلام، فيقول: إنك على خير بك اليوم آخذ وبك أعطي، قال الله تعالى في كتابه " ومن يبتغ غير الإسلام دينا فلن يقبل منه وهو في الآخرة من الخاسرين "".
قوله 86- "كيف يهدي الله قوماً" هذا الاستفهام معناه الجحد: أي لا يهدي الله، ونظيره قوله تعالى "كيف يكون للمشركين عهد عند الله" أي: لا عهد لهم، ومثله قول الشاعر: كيف نومي على الفراش ولما تشمل الشام غارة شعواء أي: لا نوم لي. ومعنى الآية: لا يهدي الله قوماً إلى الحق كفروا بعد إيمانهم، وبعد ما شهدوا أن الرسول حق، وبعد ما جاءتهم البينات من كتاب الله سبحانه ومعجزات رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقوله "والله لا يهدي القوم الظالمين" جملة حالية: أي كيف يهدي المرتدين، والحال أنه لا يهدي من حصل منهم مجرد الظلم لأنفسهم، ومنهم الباقون على الكفر، ولا ريب ان ذنب المرتد أشد من ذنب من هو باق على الكفر، لأن المرتد قد عرف الحق ثم أعرض عناداً وتمرداً.
قوله 87- "أولئك" إشارة إلى القوم المتصفين بتلك الصفات السابقة، وهو مبتدأ خبره الجملة التي بعده. وقد تقدم تفسير اللعن.
قوله 88- "ولا هم ينظرون" معناه: يؤخرون ويمهلون.
ثم استثنى التائبين. فقال 89- "إلا الذين تابوا من بعد ذلك": أي من بعد الارتداد "وأصلحوا" بالإسلام ما كان قد أفسدوه من دينهم بالردة. وفيه دليل على قبول توبة المرتد إذا رجع إلى الإسلام مخلصاً، ولا خلاف في ذلك فيما أحفظ.