سورة النساء | للقراءة من المصحف بخط كبير واضح
استماع mp3 | الجلالين&الميسر | تفسير الشوكاني |
إعراب الصفحة | تفسير ابن كثير | تفسير القرطبي |
التفسير المختصر | تفسير الطبري | تفسير السعدي |
تفسير الشوكاني تفسير الصفحة 90 من المصحف
قوله 75- "وما لكم لا تقاتلون في سبيل الله" خطاب للمؤمنين المأمورين بالقتال على طريق الالتفات. قوله "والمستضعفين" مجرور عطفاً على الاسم الشريف أي: ما لكم لا تقاتلون في سبيل الله وسبيل المستضعفين حتى تخلصوهم من الأسر وتريحوهم مما هم فيه من الجهد. ويجوز أن يكون منصوباً على الاختصاص: أي وأخص المستضعفين فإنهم من أعظم ما يصدق عليه سبيل الله، واختار الأول الزجاج والأزهري. وقال محمد بن يزيد: أختار أن يكون المعنى وفي المستضعفين فيكون عطفاً على السبيل، والمراد بالمستضعفين هنا من كان بمكة من المؤمنين تحت إذلال الكفار، وهم الذين كان يدعو لهم النبي صلى الله عليه وسلم فيقول: "اللهم أنج الوليد بن الوليد وسلمة بن هشام وعياش بن أبي ربيعة والمستضعفين من المؤمنين" كما في الصحيح. ولا يبعد أن يقال: إن لفظ الآية أوسع، والاعتبار بعموم اللفظ لولا تقييده بقوله: "الذين يقولون ربنا أخرجنا من هذه القرية الظالم أهلها" فإنه يشعر باختصاص ذلك بالمستضعفين الكائنين في مكة لأنه قد أجمع المفسرون على أن المراد بالقرية الظالم أهلها مكة. وقوله "من الرجال والنساء والولدان" بيان للمستضعفين.
قوله 76- "الذين آمنوا يقاتلون في سبيل الله" هذا ترغيب للمؤمنين وتنشيط لهم بأن قتالهم لهذا المقصد لا لغيره "والذين كفروا يقاتلون في سبيل الطاغوت" أي: سبيل الشيطان أو الكهان أو الأصنام، وتفسير الطاغوت هنا بالشيطان أولى لقوله "فقاتلوا أولياء الشيطان إن كيد الشيطان كان ضعيفاً" أي: مكره ومكر من اتبعه من الكفار. وقد أخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله "فانفروا ثبات" قال: عصباً، يعني سرايا متفرقين "أو انفروا جميعاً" يعني: كلكم. وأخرج أبو داود في ناسخه وابن المنذر وابن أبي حاتم والبيهقي عنه قال في سورة النساء. "خذوا حذركم فانفروا ثبات أو انفروا جميعاً" نسختها "وما كان المؤمنون لينفروا كافة". وأخرج عبد بن حميد وابن جرير عن مجاهد في قوله "ثبات" أي: فرقاً قليلاً. وأخرج عن قتادة في قوله "أو انفروا جميعاً" أي: إذا نفر نبي الله صلى الله عليه وسلم فليس لأحد أن يتخلف عنه. وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن السدي نحوه. وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن مجاهد في قوله "وإن منكم لمن ليبطئن" إلى قوله "فسوف نؤتيه أجراً عظيماً" ما بين ذلك في المنافقين. وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم عن مقاتل بن حبان في الآية قال: هو فيما بلغنا عبد الله بن أبي بن سلول رأس المنافقين. وأخرج ابن أبي حاتم عن سعيد بن جبير "فليقاتل" يعني يقاتل المشركين "في سبيل الله" في طاعة الله "ومن يقاتل في سبيل الله فيقتل" يعني: يقتله العدو "أو يغلب" يعني: يغلب العدو من المشركين "فسوف نؤتيه أجراً عظيماً" يعني: جزاءً وافراً في الجنة، فجعل القاتل والمقتول من المسلمين في جهاد المشركين شريكين في الأجر. وأخرج ابن جرير عن ابن عباس في قوله "في سبيل الله والمستضعفين" قال: وفي المستضعفين. وأخرج ابن جرير عن الزهري قال: وسبيل المستضعفين. وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عنه من طريق العوفي قال: المستضعفون أناس مسلمون كانوا بمكة لا يستطيعون أن يخرجوا منها. وأخرج البخاري عنه قال: "أنا وأمي من المستضعفين". وأخرج ابن جرير عنه قال: القرية الظالم أهلها مكة. وأخرج ابن أبي حاتم عن عائشة مثله. وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس قال: إذا رأيتم الشيطان فلا تخافوه واحملوا عليه "إن كيد الشيطان كان ضعيفاً". قال مجاهد: كان الشيطان يتراءى لي في الصلاة فكنت أذكر قول ابن عباس فأحمل عليه فيذهب عني.
قوله 77- "ألم تر إلى الذين قيل لهم كفوا أيديكم" الآية، قيل: هم جماعة من الصحابة أمروا بترك القتال في مكة بعد أن تسرعوا إليه. فلما كتب عليهم بالمدينة تثبطوا عن القتال من غير شك في الدين بل خوفاً من الموت وفرقاً من هول القتل، وقيل: إنها نزلت في اليهود، وقيل في المنافقين أسلموا قبل فرض القتال، فلما فرض كرهوه، وهذا أشبه بالسياق لقوله: "وقالوا ربنا لم كتبت علينا القتال لولا أخرتنا إلى أجل قريب" وقوله "وإن تصبهم حسنة" الآية. ويبعد صدور مثل هذا من الصحابة. قوله "كخشية الله" صفة مصدر محذوف: أي خشية كخشية الله، أو حال: أي: تخشونهم مشبهين أهل خشية الله، والمصدر مضاف إلى المفعول: أي كخشيتهم الله. وقوله "أو أشد خشية" معطوف على "كخشية الله" في محل جر، أو معطوف على الجار والمجرور جميعاً فيكون في محل الحال كالمعطوف عليه أو للتنويع على معنى أن خشية بعضهم كخشية الله وخشية بعضهم أشد منها. قوله "وقالوا" عطف على ما يدل عليه قوله "إذا فريق منهم" أي: فلما كتب عليهم القتال فاجأ فريق منهم خشية الناس "وقالوا: ربنا لم كتبت علينا القتال لولا أخرتنا" أي: هلا أخرتنا، يريدون المهلة إلى وقت آخر قريب من الوقت الذي فرض عليهم فيه القتال، فأمره الله سبحانه بأن يجيب عليهم فقال "قل متاع الدنيا قليل" سريع الفناء لا يدوم لصاحبه، وثواب الآخرة خير لكم من المتاع القليل "لمن اتقى" منكم ورغب في الثواب الدائم "ولا تظلمون فتيلاً" أي: شيئاً حقيراً يسيراً، وقد تقدم تفسير الفتيل قريباً، وإذا كنتم توفرون أجوركم ولا تنقصون شيئاً منها، فكيف ترغبون عن ذلك وتشتغلون بمتاع الدنيا مع قلته وانقطاعه.
وقوله 78- "أينما تكونوا يدرككم الموت" كلام مبتدأ، وفيه حث لمن قعد عن القتال خشية الموت، وبيان لفساد ما خالطه من الجن وخامره من الخشية، فإن الموت إذا كان كائناً لا محالة. فمن لم يمت بالسيف مات بغيره والبروج جمع برج: وهو البناء المرتفع، والمشيدة: المرفعة من شاد القصر: إذا رفعه وطلاه بالشيد وهو الجص، وجواب لولا محذوف لدلالة ما قبله عليه. وقد اختلف في هذه البروج ما هي؟ فقيل: الحصون التي في الأرض، وقيل: هي القصور. قال الزجاج والقتيبي: ومعنى مشيدة مطولة، وقيل: معناه مطلية بالشيد وهو الجص، وقيل: المراد بالبروج بروج في سماء الدنيا مبنية حكاه مكي عن مالك، وقال: ألا ترى إلى قوله "والسماء ذات البروج"، "جعل في السماء بروجاً"، "ولقد جعلنا في السماء بروجاً" وقيل: إن المراد بالبروج المشيدة هنا قصور من حديد. وقرأ طلحة بن سليمان "يدرككم الموت" بالرفع على تقدير الفاء كما في قوله: وقال رائدهم أرسوا نزاولها
قوله 79- "وإن تصبهم حسنة" هذا وما بعده مختص بالمنافقين: أي إن تصبهم نعمة نسبوها إلى الله تعالى، وإن تصبهم بلية ونقمة نسبوها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فرد الله ذلك عليهم بقوله "قل كل من عند الله" ليس كما تزعمون، ثم نسبهم إلى الجهل وعدم الفهم فقال "فمال هؤلاء القوم لا يكادون يفقهون حديثاً" أي: ما بالهم هكذا. قوله "ما أصابك من حسنة فمن الله" هذا الخطاب إما لكل من يصلح له من الناس، أو لرسول الله صلى الله عليه وسلم تعريضاً لأمته: أي: ما أصابك من خصب ورخاء وصحة وسلامة فمن الله بفضله ورحمته، وما أصابك من جهد وبلاء وشدة فمن نفسك بذنب أتيته فعوقبت عليه، وقيل: إن هذا من كلام الذين لا يفقهون حديثاً: أي فيقولون: ما أصابك من حسنة فمن الله، وقيل: إن ألف الاستفهام مضمرة: أي أفمن نفسك، ومثله قوله تعالى "وتلك نعمة تمنها علي" والمعنى: أو تلك نعمة ومثله قوله "فلما رأى القمر بازغاً قال: هذا ربي" أي: أهذا ربي ومنه قول أبي خراش الهذلي: رموني وقالوا يا خويلد لم ترع فقلت وأنكرت الوجوه هم هم أي: أهم أهم، وهذا خلاف الظاهر، وقد ورد في الكتاب العزيز ما يفيد مفاد هذه الآية كقوله تعالى "وما أصابكم من مصيبة فبما كسبت أيديكم ويعفو عن كثير"، وقوله "أو لما أصابتكم مصيبة قد أصبتم مثليها قلتم أنى هذا قل هو من عند أنفسكم". وقد يظن أن قوله "وما أصابك من سيئة فمن نفسك" مناف لقوله "قل كل من عند الله" ولقوله "وما أصابكم يوم التقى الجمعان فبإذن الله"، وقوله "ونبلوكم بالشر والخير فتنة" وقوله "وإذا أراد الله بقوم سوءاً فلا مرد له وما لهم من دونه من وال" وليس الأمر كذلك. فالجمع ممكن كما هو مقرر في مواطنه. قوله "وأرسلناك للناس رسولاً" فيه البيان لعموم رسالته صلى الله عليه وسلم إلى الجميع كما يفيده التأكيد بالمصدر والعموم في الناس، ومثله قوله "وما أرسلناك إلا كافة للناس"، وقوله "يا أيها الناس إني رسول الله إليكم جميعاً" "وكفى بالله شهيداً" على ذلك.
فتح القدير - صفحة القرآن رقم 90
089قوله 75- "وما لكم لا تقاتلون في سبيل الله" خطاب للمؤمنين المأمورين بالقتال على طريق الالتفات. قوله "والمستضعفين" مجرور عطفاً على الاسم الشريف أي: ما لكم لا تقاتلون في سبيل الله وسبيل المستضعفين حتى تخلصوهم من الأسر وتريحوهم مما هم فيه من الجهد. ويجوز أن يكون منصوباً على الاختصاص: أي وأخص المستضعفين فإنهم من أعظم ما يصدق عليه سبيل الله، واختار الأول الزجاج والأزهري. وقال محمد بن يزيد: أختار أن يكون المعنى وفي المستضعفين فيكون عطفاً على السبيل، والمراد بالمستضعفين هنا من كان بمكة من المؤمنين تحت إذلال الكفار، وهم الذين كان يدعو لهم النبي صلى الله عليه وسلم فيقول: "اللهم أنج الوليد بن الوليد وسلمة بن هشام وعياش بن أبي ربيعة والمستضعفين من المؤمنين" كما في الصحيح. ولا يبعد أن يقال: إن لفظ الآية أوسع، والاعتبار بعموم اللفظ لولا تقييده بقوله: "الذين يقولون ربنا أخرجنا من هذه القرية الظالم أهلها" فإنه يشعر باختصاص ذلك بالمستضعفين الكائنين في مكة لأنه قد أجمع المفسرون على أن المراد بالقرية الظالم أهلها مكة. وقوله "من الرجال والنساء والولدان" بيان للمستضعفين.
قوله 76- "الذين آمنوا يقاتلون في سبيل الله" هذا ترغيب للمؤمنين وتنشيط لهم بأن قتالهم لهذا المقصد لا لغيره "والذين كفروا يقاتلون في سبيل الطاغوت" أي: سبيل الشيطان أو الكهان أو الأصنام، وتفسير الطاغوت هنا بالشيطان أولى لقوله "فقاتلوا أولياء الشيطان إن كيد الشيطان كان ضعيفاً" أي: مكره ومكر من اتبعه من الكفار. وقد أخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله "فانفروا ثبات" قال: عصباً، يعني سرايا متفرقين "أو انفروا جميعاً" يعني: كلكم. وأخرج أبو داود في ناسخه وابن المنذر وابن أبي حاتم والبيهقي عنه قال في سورة النساء. "خذوا حذركم فانفروا ثبات أو انفروا جميعاً" نسختها "وما كان المؤمنون لينفروا كافة". وأخرج عبد بن حميد وابن جرير عن مجاهد في قوله "ثبات" أي: فرقاً قليلاً. وأخرج عن قتادة في قوله "أو انفروا جميعاً" أي: إذا نفر نبي الله صلى الله عليه وسلم فليس لأحد أن يتخلف عنه. وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن السدي نحوه. وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن مجاهد في قوله "وإن منكم لمن ليبطئن" إلى قوله "فسوف نؤتيه أجراً عظيماً" ما بين ذلك في المنافقين. وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم عن مقاتل بن حبان في الآية قال: هو فيما بلغنا عبد الله بن أبي بن سلول رأس المنافقين. وأخرج ابن أبي حاتم عن سعيد بن جبير "فليقاتل" يعني يقاتل المشركين "في سبيل الله" في طاعة الله "ومن يقاتل في سبيل الله فيقتل" يعني: يقتله العدو "أو يغلب" يعني: يغلب العدو من المشركين "فسوف نؤتيه أجراً عظيماً" يعني: جزاءً وافراً في الجنة، فجعل القاتل والمقتول من المسلمين في جهاد المشركين شريكين في الأجر. وأخرج ابن جرير عن ابن عباس في قوله "في سبيل الله والمستضعفين" قال: وفي المستضعفين. وأخرج ابن جرير عن الزهري قال: وسبيل المستضعفين. وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عنه من طريق العوفي قال: المستضعفون أناس مسلمون كانوا بمكة لا يستطيعون أن يخرجوا منها. وأخرج البخاري عنه قال: "أنا وأمي من المستضعفين". وأخرج ابن جرير عنه قال: القرية الظالم أهلها مكة. وأخرج ابن أبي حاتم عن عائشة مثله. وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس قال: إذا رأيتم الشيطان فلا تخافوه واحملوا عليه "إن كيد الشيطان كان ضعيفاً". قال مجاهد: كان الشيطان يتراءى لي في الصلاة فكنت أذكر قول ابن عباس فأحمل عليه فيذهب عني.
قوله 77- "ألم تر إلى الذين قيل لهم كفوا أيديكم" الآية، قيل: هم جماعة من الصحابة أمروا بترك القتال في مكة بعد أن تسرعوا إليه. فلما كتب عليهم بالمدينة تثبطوا عن القتال من غير شك في الدين بل خوفاً من الموت وفرقاً من هول القتل، وقيل: إنها نزلت في اليهود، وقيل في المنافقين أسلموا قبل فرض القتال، فلما فرض كرهوه، وهذا أشبه بالسياق لقوله: "وقالوا ربنا لم كتبت علينا القتال لولا أخرتنا إلى أجل قريب" وقوله "وإن تصبهم حسنة" الآية. ويبعد صدور مثل هذا من الصحابة. قوله "كخشية الله" صفة مصدر محذوف: أي خشية كخشية الله، أو حال: أي: تخشونهم مشبهين أهل خشية الله، والمصدر مضاف إلى المفعول: أي كخشيتهم الله. وقوله "أو أشد خشية" معطوف على "كخشية الله" في محل جر، أو معطوف على الجار والمجرور جميعاً فيكون في محل الحال كالمعطوف عليه أو للتنويع على معنى أن خشية بعضهم كخشية الله وخشية بعضهم أشد منها. قوله "وقالوا" عطف على ما يدل عليه قوله "إذا فريق منهم" أي: فلما كتب عليهم القتال فاجأ فريق منهم خشية الناس "وقالوا: ربنا لم كتبت علينا القتال لولا أخرتنا" أي: هلا أخرتنا، يريدون المهلة إلى وقت آخر قريب من الوقت الذي فرض عليهم فيه القتال، فأمره الله سبحانه بأن يجيب عليهم فقال "قل متاع الدنيا قليل" سريع الفناء لا يدوم لصاحبه، وثواب الآخرة خير لكم من المتاع القليل "لمن اتقى" منكم ورغب في الثواب الدائم "ولا تظلمون فتيلاً" أي: شيئاً حقيراً يسيراً، وقد تقدم تفسير الفتيل قريباً، وإذا كنتم توفرون أجوركم ولا تنقصون شيئاً منها، فكيف ترغبون عن ذلك وتشتغلون بمتاع الدنيا مع قلته وانقطاعه.
وقوله 78- "أينما تكونوا يدرككم الموت" كلام مبتدأ، وفيه حث لمن قعد عن القتال خشية الموت، وبيان لفساد ما خالطه من الجن وخامره من الخشية، فإن الموت إذا كان كائناً لا محالة. فمن لم يمت بالسيف مات بغيره والبروج جمع برج: وهو البناء المرتفع، والمشيدة: المرفعة من شاد القصر: إذا رفعه وطلاه بالشيد وهو الجص، وجواب لولا محذوف لدلالة ما قبله عليه. وقد اختلف في هذه البروج ما هي؟ فقيل: الحصون التي في الأرض، وقيل: هي القصور. قال الزجاج والقتيبي: ومعنى مشيدة مطولة، وقيل: معناه مطلية بالشيد وهو الجص، وقيل: المراد بالبروج بروج في سماء الدنيا مبنية حكاه مكي عن مالك، وقال: ألا ترى إلى قوله "والسماء ذات البروج"، "جعل في السماء بروجاً"، "ولقد جعلنا في السماء بروجاً" وقيل: إن المراد بالبروج المشيدة هنا قصور من حديد. وقرأ طلحة بن سليمان "يدرككم الموت" بالرفع على تقدير الفاء كما في قوله: وقال رائدهم أرسوا نزاولها
قوله 79- "وإن تصبهم حسنة" هذا وما بعده مختص بالمنافقين: أي إن تصبهم نعمة نسبوها إلى الله تعالى، وإن تصبهم بلية ونقمة نسبوها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فرد الله ذلك عليهم بقوله "قل كل من عند الله" ليس كما تزعمون، ثم نسبهم إلى الجهل وعدم الفهم فقال "فمال هؤلاء القوم لا يكادون يفقهون حديثاً" أي: ما بالهم هكذا. قوله "ما أصابك من حسنة فمن الله" هذا الخطاب إما لكل من يصلح له من الناس، أو لرسول الله صلى الله عليه وسلم تعريضاً لأمته: أي: ما أصابك من خصب ورخاء وصحة وسلامة فمن الله بفضله ورحمته، وما أصابك من جهد وبلاء وشدة فمن نفسك بذنب أتيته فعوقبت عليه، وقيل: إن هذا من كلام الذين لا يفقهون حديثاً: أي فيقولون: ما أصابك من حسنة فمن الله، وقيل: إن ألف الاستفهام مضمرة: أي أفمن نفسك، ومثله قوله تعالى "وتلك نعمة تمنها علي" والمعنى: أو تلك نعمة ومثله قوله "فلما رأى القمر بازغاً قال: هذا ربي" أي: أهذا ربي ومنه قول أبي خراش الهذلي: رموني وقالوا يا خويلد لم ترع فقلت وأنكرت الوجوه هم هم أي: أهم أهم، وهذا خلاف الظاهر، وقد ورد في الكتاب العزيز ما يفيد مفاد هذه الآية كقوله تعالى "وما أصابكم من مصيبة فبما كسبت أيديكم ويعفو عن كثير"، وقوله "أو لما أصابتكم مصيبة قد أصبتم مثليها قلتم أنى هذا قل هو من عند أنفسكم". وقد يظن أن قوله "وما أصابك من سيئة فمن نفسك" مناف لقوله "قل كل من عند الله" ولقوله "وما أصابكم يوم التقى الجمعان فبإذن الله"، وقوله "ونبلوكم بالشر والخير فتنة" وقوله "وإذا أراد الله بقوم سوءاً فلا مرد له وما لهم من دونه من وال" وليس الأمر كذلك. فالجمع ممكن كما هو مقرر في مواطنه. قوله "وأرسلناك للناس رسولاً" فيه البيان لعموم رسالته صلى الله عليه وسلم إلى الجميع كما يفيده التأكيد بالمصدر والعموم في الناس، ومثله قوله "وما أرسلناك إلا كافة للناس"، وقوله "يا أيها الناس إني رسول الله إليكم جميعاً" "وكفى بالله شهيداً" على ذلك.
الصفحة رقم 90 من المصحف تحميل و استماع mp3