تفسير الطبري تفسير الصفحة 103 من المصحف

 تفسير الطبري - صفحة القرآن رقم 103
104
102
 الآية : 156
القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {وَبِكُفْرِهِمْ وَقَوْلِهِمْ عَلَىَ مَرْيَمَ بُهْتَاناً عَظِيماً }..
يعنـي بذلك جلّ ثناؤه: وبكفر هؤلاء الذين وصف صفتهم وَقَوْلِهمْ عَلـى مَرْيَـمَ بُهْتانا عَظِيـما يعنـي: بفِريتهم علـيها, ورَمْيهم إياها بـالزنا, وهو البهتان العظيـم لأنهم رموها بذلك وهي مـما رموها به بغير ثبْت ولا برهان بريئة, فبهتوها بـالبـاطل من القول.
وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك:
8568ـ حدثنـي الـمثنى, قال: حدثنا عبد الله بن صالـح, قال: ثنـي معاوية بن صالـح, عن علـيّ بن أبـي طلـحة, عن ابن عبـاس: وَقَوْلِهِمْ علـى مَرْيَـمَ بُهْتانا عَظِيـما يعنـي أنهم رموها بـالزنا.
8569ـ حدثنا مـحمد بن الـحسين, قال: حدثنا أحمد بن مفضل, قال: حدثنا أسبـاط عن السديّ: قوله: وَقَوْلِهِمْ علـى مَرْيَـمَ بُهْتانا عَظِيـما حين قذفوها بـالزنا.
8570ـ حدثنـي الـمثنى, قال: حدثنا إسحاق, قال: حدثنا يعلـى بن عبـيد, عن جويبر فـي قوله: وَقَوْلِهِمْ علـى مَرْيَـمَ بُهْتانا عَظِيـما قال: قالوا زنت.
الآية : 157
القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {وَقَوْلِهِمْ إِنّا قَتَلْنَا الْمَسِيحَ عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ رَسُولَ اللّهِ وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ وَلَـَكِن شُبّهَ لَهُمْ وَإِنّ الّذِينَ اخْتَلَفُواْ فِيهِ لَفِي شَكّ مّنْهُ مَا لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِلاّ اتّبَاعَ الظّنّ وَمَا قَتَلُوهُ يَقِيناً }..
يعنـي بذلك جلّ ثناؤه: وبِقَوْلِهمْ أنّا قَتَلْنا الـمَسِيحَ عِيسَى ابْنَ مَرْيَـمَ رَسُولَ اللّهِ. ثم كذّبهم الله فـي قِـيـلهم, فقال: وَما قَتَلُوهُ وَما صَلَبُوهُ وَلَكِنْ شُبّهَ لَهُمْ يعنـي: وما قتلوا عيسى وما صلبوه, ولكن شبّه لهم.
واختلف أهل التأويـل فـي صفة التشبـيه الذي شُبّه للـيهود فـي أمر عيسى, فقال بعضهم: لـما أحاطت الـيهود به وبأصحابه, أحاطوا بهم, وهم لا يثبتون معرفة عيسى بعينه, وذلك أنهم جميعا حُوّلوا فـي صورة عيسى, فأشكل علـى الذين كانوا يريدون قتل عيسى, عيسى من غيره منهم, وخرج إلـيهم بعض من كان فـي البـيت مع عيسى, فقتلوه وهم يحسبونه عيسى. ذكر من قال ذلك:
8571ـ حدثنا ابن حميد, قال: حدثنا يعقوب القميّ, عن هارون بن عنترة, عن وهب بن منبه, قال: أتـى عيسى ومعه سبعة عشر من الـحواريـين فـي بـيت, وأحاطوا بهم, فلـما دخـلوا علـيهم صوّرهم الله كلهم علـى صورة عيسى, فقالوا لهم: سحرتـمونا لتبرزنّ لنا عيسى أو لنقتلَنّكم جميعا فقال عيسى لأصحابه: من يشتري نفسه منكم الـيوم بـالـجنة؟ فقال رجل منهم: أنا. فخرج إلـيهم فقال: أنا عيسى وقد صوّره الله علـى صورة عيسى, فأخذوه فقتلوه وصلبوه. فمن ثمّ شُبّه لهم وظنوا أنهم قد قتلوا عيسى, وظنت النصارى مثل ذلك أنه عيسى, ورفع الله عيسى من يومه ذلك.
وقد رُوي عن وهب بن منبه غير هذا القول, وهو ما:
حدثنـي به الـمثنى, قال: حدثنا إسحاق, قال: حدثنا إسماعيـل بن عبد الكريـم, قال: ثنـي عبد الصمد بن مَعْقِل, أنه سمع وهبـا يقول: إن عيسى ابن مريـم لـما أعلـمه الله أنه خارج من الدنـيا جزع من الـموت وشقّ علـيه, فدعا الـحواريـين وصنع لهم طعاما, فقال: احضُرونـي اللـيـلة, فإن لـي إلـيكم حاجة فلـما اجتـمعوا إلـيه من اللـيـل عَشّاهم, وقام يخدمهم, فلـما فرغوا من الطعام أخذ يغسل أيديهم ويوضّئُهُمْ بـيده ويـمسح أيديهم بثـيابه, فتعاظموا ذلك وتكارهوه, فقال: ألا من ردّ علـيّ شيئا اللـيـلة مـما أصنع فلـيس منـي ولا أنا منه فأقرّوه, حتـى إذا فرغ من ذلك, قال: أما ما صنعت بكم اللـيـلة مـما خدمتكم علـى الطعام وغسلت أيديكم بـيدي, فلـيكن لكم بـي أسوة, فإنكم ترون أنـي خيركم, فلا يتعظّم بعضكم علـى بعض, ولـيبذل بعضكم لبعض نفسه كما بذلت نفسي لكم. وأما حاجتـي التـي استعنتكم علـيها, فتدعون لـي الله وتـجتهدون فـي الدعاء أن يوخّر أجلـي فلـما نصبوا أنفسهم للدعاء, وأرادوا أن يجتهدوا, أخذهم النوم حتـى لـم يستطيعوا دعاء, فجعل يوقظهم ويقول: سبحان الله أما تصبرون لـي لـيـلة واحدة تعينونـي فـيها؟ قالوا: والله ما ندري ما لنا, لقد كنا نسمُر فنكثر السمر, وما نطيق اللـيـلة سمرا وما نريد دعاء إلا حِيـل بـيننا وبـينه فقال: يُذْهَب بـالراعي وتتفرّق الغنـم. وجعل يأتـي بكلام نـحو هذا ينعَي به نفسه, ثم قال: الـحقّ لـيكفرنّ بـي أحدكم قبل أن يصيح الديك ثلاث مرّات, ولَـيبـيعّنـي أحدكم بدراهم يسيرة, ولـيأكلنّ ثمنـي فخرجوا وتفرّقوا. وكانت الـيهود تطلبه, فأخذوا شمعون أحد الـحواريـين, فقالوا: هذا من أصحابه, فجحد, وقال: ما أنا بصاحبه, فتركوه. ثم أخذه آخرون, فجحد كذلك, ثم سمع صوت ديك, فبكى وأحزنه. فلـما أصبح أتـى أحد الـحواريـين إلـى الـيهود, فقال: ما تـجعلون لـي إن دللتكم علـى الـمسيح؟ فجعلوا له ثلاثـين درهما, فأخذها ودلّهم علـيه, وكان شُبّه علـيهم قبل ذلك, فأخذوه فـاستوثقوا منه وربطوه بـالـحبل, فجعلوا يقودونه ويقولون له: أنت كنت تـحيـي الـموتـى وتنتهر الشيطان وتبرىء الـمـجنون؟ أفلا تنـجى نفسك من هذا الـحبل؟ ويبصقون علـيه, ويـلقون علـيه الشوك, حتـى أتوا به الـخشبة التـي أرادوا أن يصلبوه علـيها, فرفعه الله إلـيه, وصلبوا ما شُبّه لهم, فمكث سبعا. ثم إن أمه والـمرأة التـي كان يداويها عيسى فأبرأها الله من الـجنون جاءتا تبكيان حيث كان الـمصلوب, فجاءهما عيسى, فقال: علام تبكيان؟ قالتا علـيك, فقال: إنـي قد رفعنـي الله إلـيه, ولـم يصبنـي إلا خير, وإن هذا شيء شُبّه لهم, فأْمُرا الـحواريـين أن يَـلْقَونـي إلـى مكان كذا وكذا فلقوه إلـى ذلك الـمكان أحد عشر, وفُقِد الذي كان بـاعه ودلّ علـيه الـيهود, فسأل عنه أصحابه, فقالوا: إنه ندم علـى ما صنع, فـاختنق وقتل نفسه. فقال: لو تاب لتاب الله علـيه ثم سألهم عن غلام يتبعهم يقال له: يُحَنّا, فقال: هو معكم فـانطلقوا فإنه سيصبح كل إنسان منكم يحدّث بلغة قوم, فلـينذرهم ولـيدعهم.
وقال آخرون: بل سأل عيسى من كان معه فـي البـيت أن يُـلْقَـى علـى بعضهم شبهه, فـانتدب لذلك رجل, فأُلقـي علـيه شبه, فَقُتل ذلك الرجل ورُفع عيسى ابن مريـم علـيه السلام. ذكر من قال ذلك:
8572ـ حدثنا بشر بن معاذ, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة, قوله: إنّا قَتَلْنا الـمَسِيحَ عِيسَى ابْنَ مَرْيَـمَ رَسُولَ اللّهِ وَما قَتَلُوهُ وَما صَلَبُوهُ... إلـى قوله: وكانَ اللّهُ عَزِيزا حَكِيـما أولئك أعداء الله الـيهود اشتهروا بقتل عيسى بن مريـم رسول الله, وزعموا أنهم قتلوه وصلبوه. وذُكر لنا أن نبـيّ الله عيسى ابن مريـم قال لأصحابه: أيكم يُقذف علـيه شبهي فإنه مقتول؟ فقال رجل من أصحابه: أنا يا نبـيّ الله. فقُتل ذلك الرجل, ومنع الله نبـيه ورفعه إلـيه.
حدثنا الـحسن بن يحيى, قال: أخبرنا عبد الرزاق, قال: أخبرنا معمر, عن قتادة فـي قوله: وَما قَتَلُوهُ وَما صَلَبُوهُ وَلَكِنْ شُبّهَ لَهُمْ قال: أُلِقـي شبهه علـى رجل من الـحواريـين فقُتل, وكان عيسى ابن مريـم عَرَض ذلك علـيهم, فقال: أيكم ألِقـي شبهِي علـيه وله الـجنة؟ فقال رجل: علـيّ.
8573ـ حدثنا مـحمد بن الـحسين, قال: حدثنا أحمد بن الـمفضل, قال: حدثنا أسبـاط, عن السديّ: أن بنـي إسرائيـل حَصَروا عيسى وتسعة عشر رجلاً من الـحواريـين فـي بـيت, فقال عيسى لأصحابه: من يأخذ صورتـي فـيُقتل وله الـجنة؟ فأخذها رجل منهم. وصُعِد بعيسى إلـى السماء, فلـما خرج الـحواريون أبصروهم تسعة عشر, فأخبروهم أن عيسى علـيه السلام قد صُعد به إلـى السماء, فجعلوا يعدّون القوم فـيجدونهم ينقصون رجلاً من العِدّة, ويرون صورة عيسى فـيهم, فشكّوا فـيه. وعلـى ذلك قتلوا الرجل وهم يرون أنه عيسى وصلبوه, فذلك قول الله تبـارك وتعالـى: وَما قَتَلُوهُ وَما صَلَبُوهُ وَلَكِنْ شُبّهَ لَهُمْ... إلـى قوله: وكانَ اللّهُ عَزِيزا حَكِيـما.
8574ـ حدثنـي الـمثنى, قال: حدثنا أبو حذيفة, قال: حدثنا شبل, عن ابن أبـي نـجيح, عن القاسم بن أبـي بزّة: أن عيسى ابن مريـم قال: أيكم يُـلقـي علـيه شبهِي فـيُقتل مكانـي؟ فقال رجل من أصحابه: أنا يا رسول الله. فأُلقـي علـيه شبهه, فقتلوه, فذلك قوله: وَما قَتَلُوهُ وَما صَلَبُوهُ وَلَكِنْ شُبّهَ لَهُمْ.
8575ـ حدثنا ابن حميد, قال: حدثنا سلـمة, عن ابن إسحاق, قال: كان اسم ملك بنـي إسرائيـل الذي بعث إلـى عيسى لـيقتله, رجلاً منهم يقال له: داود, فلـما أجمعوا لذلك منه لـم يَفْظَع عبدٌ من عبـاد الله بـالـموت فـيـما ذكر لـي فَظَعُه, ولـم يجزع منه جزعه, ولـم يدع الله فـي صرفه عنه دعاءه حتـى إنه لـيقول فـيـما يزعمون: اللهمّ إن كنت صارفـا هذه الكأس عن أحد من خـلقك, فـاصرفها عنـي وحتـى إن جلده من كرب ذلك لـيتفصد دَما. فدخـل الـمدخـل الذي أجمعوا أن يدخـل علـيه فـيه لـيقتلوه هو وأصحابه, وهم ثلاثة عشر بعيسى, فلـما أيقن أنهم داخـلون علـيه, قال لأصحابه من الـحواريـين وكانوا اثنى عشر رجلاً: بُطْرُس, ويَعْقُوب بن زَبْدِي, ويُحَنّس أخو يعقوب, وَأنْدَرَاوُس, وفِـيـلِبّس, وأَبْرَثَلْـمَا, وَمّتـى, وتُوماس, ويعقوب بن حَلْقـيا, وتُدّاوس, وفتاتـيا, ويُودُسُ زَكَرِيا يُوطا. قال ابن حميد: قال سلـمة: قال ابن إسحاق: وكان فـيهم فـيـما ذكر لـي رجل اسمه سرجس, فكانوا ثلاثة عشر رجلاً سوى عيسى جحدته النصارى, وذلك أنه هو الذي شبه للـيهود مكان عيسى. قال: فلا أدري ما هو من هؤلاء الاثنـي عشر, أم كان ثالث عشر, فجحدوه حين أقرّوا للـيهود بصلب عيسى وكفروا بـما جاء به مـحمد صلى الله عليه وسلم من الـخبر عنه. فإن كانوا ثلاثة عشر فإنهم دخـلوا الـمدخـل حين دخـلوا وهم بعيسى أربعة عشر, وإن كان اثنـي عشر فإنهم دخـلوا الـمدخـل حين دخـلوا وهم بعيسى ثلاثة عشر. حدثنا ابن حميد, قال: حدثنا سلـمة, عن ابن إسحاق, قال: ثنـي رجل كان نصرانـيا فأسلـم أن عيسى حين جاءه من الله إنّى رَافِعُكَ إلـيّ قال: يا معشر الـحواريـين: أيكم يحبّ أن يكون رفـيقـي فـي الـجنة حتـي يشبه للقوم فـي صورتـي فـيقتلوه مكانـي؟ فقال سرجس: أنا يا روح الله قال: فـاجلس فـي مـجلسي. فجلس فـيه, ورُفع عيسى صلوات الله علـيه, فدخـلوا علـيه فأخذوه, فصلبوه, فكان هو الذي صلبوه وشُبّه لهم به. وكانت عدتهم حين دخـلوا مع عيسى معلومة, قد رأوهم فأحصوا عدتهم, فلـما دخـلوا علـيه لـيأخذوه وجدوا عيسى فـيـما يرون وأصحابه وفقدوا رجلاً من العدّة, فهو الذي اختلفوا فـيه. وكانوا لا يعرفون عيسى, حتـى جعلوا لـيودس ركريايوطا ثلاثـين درهما علـى أن يدلهم علـيه ويعرّفهم إياه, فقال لهم: إذا دخـلتـم علـيه فإنـي سأُقَبّله, وهو الذي أُقَبّل فخذوه فلـما دخـلوا علـيه, وقد رُفع عيسى, رأى سَرْجِس فـي صورة عيسى, فلـم يشكّ أنه هو عيسى, فأكبّ علـيه فقبله, فأخذوه فصلبوه. ثم إن يُودُس ركَرِيايوطا ندم علـى ما صنع, فـاختنق بحبل حتـى قتل نفسه, وهو ملعون فـي النصارى, وقد كان أحد الـمعدودين من أصحابه. وبعض النصارى يزعم أن يُودُوس زكريايوطا هو الذي شُبّه لهم فصلبوه, وهو يقول: إنـي لست بصاحبكم أنا الذي دللتكم علـيه والله أعلـم أيّ ذلك كان.
8576ـ حدثنا القاسم, قال: حدثنا الـحسين, قال: ثنـي حجاج, قال: قال ابن جريج: بلغنا أن عيسى ابن مريـم قال لأصحابه: أيكم يَنتدب فـيـلقـى علـيه شبهي فـيقتل؟ فقال رجل من أصحابه: أنا يا نبـيّ لله. فألقـي علـيه شبه فقُتل, ورفع الله نبـيه إلـيه.
8577ـ حدثنا مـحمد بن عمرو, قال: حدثنا أبو عاصم, قال: حدثنا عيسى, عن ابن أبـي نـجيح, عن مـجاهد فـي قوله: شُبّهَ لَهُمْ قال: صلبوا رجلاً غير عيسى يحسبونه إياه.
حدثنـي الـمثنى, قال: حدثنا أبو حذيفة, قال: حدثنا شبل, عن ابن أبـي نـجيح, عن مـجاهد: وَلَكِنْ شُبّهَ لَهُمْ فذكر مثله.
حدثنا القاسم, قال: حدثنا الـحسين, قال: ثنـي حجاج, عن ابن جريج, عن مـجاهد, قال: صلبوا رجلاً شبهوه بعيسى يحسبونه إياه, ورفع الله إلـيه عيسى علـيه السلام حيا.
قال أبو جعفر: وأولـى هذه الأقوال بـالصواب أحد القولـين اللذين ذكرناهما عن وهب بن منبه, من أن شبه عيسى ألقـى علـى جميع من كان فـي البـيت مع عيسى حين أحيط به وبهم, من غير مسألة عيسى إياهم ذلك, ولكن لـيخزي الله بذلك الـيهود وينقذ به نبـيه علـيه السلام من مكروه ما أرادوا به من القتل, ويبتلـى به من أراد ابتلاءه من عبـاده فـي قـيـله فـي عيسى وصدق الـخبر عن أمره. أو القول الذي رواه عبد العزيز عنه.
وإنـما قلنا: ذلك أولـى القولـين بـالصواب, لأن الذين شهدوا عيسى من الـحواريـين لو كانوا فـي حال ما رفع عيسى, وألقـى شبهه علـى من ألقـى علـيه شبهه, كانوا قد عاينوا عيسى هو يرفع من بـينهم, وأثبتوا الذي ألقـى علـيه شبهه, وعاينوه متـحوّلاً فـي صورته بعد الذي كان به من صورة نفسه بـمـحضر منهم, لـم يخف ذلك من أمر عيسى, وأمر من ألقـي علـيه شبهه علـيهم مع معاينتهم ذلك كله, ولـم يـلتبس ولـم يشكل علـيهم وإن أشكل علـى غيرهم من أعدائهم من الـيهود أن الـمقتول والـمصلوب كان غير عيسى, وأن عيسى رفع من بـينهم حيا. وكيف يجوز أن يكون كان أشكل ذلك علـيهم, وقد سمعوا من عيسى مقالته: من يُـلْقَـى علـيه شبهي ويكون رفـيقـي فـي الـجنة؟ إن كان قال لهم ذلك, وسمعوا جواب مـجيبه منهم: أنا, وعاينوا تـحوّل الـمـجيب فـي صورة عيسى بعقب جوابه. ولكن ذلك كان إن شاء الله علـى نـحو ما وصف وهب بن منبه, إما أن يكون القوم الذين كانوا مع عيسى فـي البـيت الذي رفع منه من حواريه حوّلهم الله جميعا فـي صورة عيسى حين أراد الله رفعه, فلـم يثبتوا عيسى معرفة بعينه من غيره لتشابه صُوَر جميعهم, فقتلت الـيهود منهم من قتلت وهم يرونه بصورة عيسى ويحسبونه إياه, لأنهم كانوا به عارفـين قبل ذلك, وظنّ الذين كانوا فـي البـيت مع عيسى مثل الذي ظنت الـيهود, لأنهم لـم يـميزوا شخص عيسى من شخص غيره لتشابه شخصه وشخص غيره مـمن كان معه فـي البـيت, فـاتفقوا جميعهم أعنـي الـيهود والنصارى من أجل ذلك علـى أن الـمقتول كان عيسى, ولـم يكن به, ولكنه شبه لهم, كما قال الله جلّ ثناؤه: وَما قَتَلُوهُ وَما صَلَبُوهُ وَلَكِنْ شُبّهَ لَهُمْ. أو يكون الأمر فـي ذلك كان علـى نـحو ما روى عبد الصمد بن معقل, عن وهب بن منبه, أن القوم الذين كانوا مع عيسى فـي البـيت تفرّقوا عنه قبل أن يدخـل علـيه الـيهود, وبقـي عيسى, وألقـي شبهه علـى بعض أصحابه الذين كانوا معه فـي البـيت بعد ما تفرّق القوم غير عيسى وغير الذي ألقـى علـيه شبهه, ورُفع عيسى. فقُتل الذي تـحوّل فـي صورة عيسى من أصحابه, وظنّ أصحابه والـيهود أن الذي قُتل وصلب هو عيسى لـما رأوا من شبهه به وخفـاء أمر عيسى علـيهم لأن رفعه وتـحوّل الـمقتول فـي صورته كان بعد تفرّق أصحابه عنه, وقد كانوا سمعوا عيسى من اللـيـل ينعي نفسه ويحزن لـما قد ظنّ أنه نازل به من الـموت, فحكوا ما كان عندهم حقا, والأمر عند الله فـي الـحقـيقة بخلاف ما حكوا, فلـم يستـحقّ الذين حكوا ذلك من حواريـيه أن يكونوا كذبة, أو حكوا ما كان حقا عندهم فـي الظاهر وإن كان الأمر عند الله فـي الـحقـيقة بخلاف الذي حكوا.
القول فـي تأويـل قوله تعالـى: وَإنّ الّذِينَ اخْتَلَفُوا فِـيهِ لَفِـي شَكَ مِنْهُ ما لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْـمٍ إلاّ اتّبـاعَ الظّنّ وَما قَتَلُوهُ يَقِـينا.
يعنـي جلّ ثناؤه بقوله: وَإنّ الّذِينَ اخْتَلَفُوا فِـيهِ الـيهود الذين أحاطوا بعيسى وأصحابه حين أرادوا قتله. وذلك أنهم كانوا قد عرفوا عدّة من فـي البـيت قبل دخولهم فـيـما ذكر فلـما دخـلوا علـيهم, فقدوا واحدا منهم, فـالتبس أمر عيسى علـيهم بفقدهم واحدا من العدّة التـي كانوا قد أحصوها, وقتلوا من قتلوا علـى شكّ منهم فـي أمر عيسى. وهذا التأويـل علـى قول من قال: لـم يفـارق الـحواريون عيسى حتـى رُفع ودخـل علـيهم الـيهود.
وأما تأويـله علـى قول من قال: تفرّقوا عنه من اللـيـل, فإنه: وإن الذين اختلفوا فـي عيسى, هل هو الذي بقـي فـي البـيت منهم بعد خروج من خرج منهم من العدّة التـي كانت فـيه أم لا؟ لفـي شكّ منه, يعنـي: من قتله, لأنهم كانوا أحصوا من العدّة حين دخـلوا البـيت أكثر مـمن خرج منه ومن وجد فـيه, فشكوا فـي الذي قتلوه هل هو عيسى أم لا من أجل فقدهم من فقدوا من العدد الذي كانوا أحصوه, ولكنهم قالوا: قتلنا عيسى, لـمشابهة الـمقتول عيسى فـي الصورة. يقول الله جلّ ثناؤه: ما لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْـمٍ يعنـي: أنهم قتلوا من قتلوه علـى شكّ منهم فـيه واختلاف, هل هو عيسى أم غيره؟ من غير أن يكون لهم بـمن قتلوه علـم من هو, هو عيسى أم هو غيره؟ إلاّ اتّبـاعَ الظّنّ يعنـي جلّ ثناؤه: ما كان لهم بـمن قتلوه من علـم, ولكنهم اتبعوا ظنهم, فقتلوه ظنا منهم أنه عيسى وأنه الذي يريدون قتله, ولـم يكن به. وَما قَتَلُوهُ يَقِـينا يقول: وما قتلوا هذا الذي اتبعوه فـي الـمقتول الذي قتلوه وهم يحسبونه عيسى يقـينا أنه عيسى, ولا أنه غيره, ولكنهم كانوا منه علـى ظنّ وشبهة وهذا كقول الرجل للرجل: ما قتلت هذا الأمر علـما وما قتلته يقـينا, إذا تكلـم فـيه بـالظنّ علـى غير يقـين علـم فـالهاء فـي قوله: وَما قَتَلُوهُ عائدة علـى الظنّ.
وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك:
8578ـ حدثنـي الـمثنى, قال: حدثنا عبد الله بن صالـح, قال: ثنـي معاوية بن صالـح, عن علـيّ بن أبـي طلـحة, عن ابن عبـاس, قوله: وَما قَتَلُوهُ يَقِـينا قال: يعنـي: لـم يقتلوا ظنهم يقـينا.
8579ـ حدثنـي الـمثنى, قال: حدثنا إسحاق, قال: حدثنا يعلـى بن عبـيد, عن جويبر فـي قوله: وَما قَتَلُوهُ يَقِـينا قال: ما قتلوا ظنّهم يقـينا.
وقال السديّ فـي ذلك, ما:
8580ـ حدثنا مـحمد بن الـحسين, قال: حدثنا أحمد بن مفضل, قال: حدثنا أسبـاط, عن السديّ: وَما قَتَلُوهُ يَقِـينا: وما قتلوا أمره يقـينا أن الرجل هو عيسى, بل رفعه الله إلـيه.
الآية : 158
القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {بَل رّفَعَهُ اللّهُ إِلَيْهِ وَكَانَ اللّهُ عَزِيزاً حَكِيماً }..
أما قوله جلّ ثناؤه: بَلْ رَفَعَهُ اللّهُ إلَـيْهِ فإنه يعنـي: بل رفع الله الـمسيح إلـيه, يقول: لـم يقتلوه ولـم يصلبوه, ولكن الله رفعه إلـيه, فطهره من الذين كفروا. وقد بـينا كيف كان رفع الله إياه فـيـما مضى, وذكرنا اختلاف الـمختلفـين فـي ذلك والصحيح من القول فـيه بـالأدلة الشاهدة علـى صحته بـما أغنى عن إعادته.
وأما قوله: وكانَ اللّهُ عَزِيزا حَكِيـما فإنه يعنـي: ولـم يزل الله منتقما من أعدائه, كانتقامه من الذين أخذتهم الصاعقة بظلـمهم, وكلعنه الذين قصّ قصتهم بقوله: فَبِـما نَقْضِهِمْ مِيثاقَهُمْ وكُفْرِهِمْ بآياتِ اللّهِ حكيـما, يقول: ذا حكمة فـي تدبـيره وتصريفه خـلقه فـي قضائه, يقول: فـاحذروا أيها السائلون مـحمدا أن ينزل علـيكم كتابـا من السماء من حلول عقوبتـي بكم, كما حلّ بـاوائلكم الذين فعلوا فعلكم فـي تكذيبهم رسلـي, وافترائهم علـى أولـيائي. وقد:
8581ـ حدثنا أبو كريب, قال: حدثنا مـحمد بن إسحاق بن أبـي سارة الرّؤَاسيّ, عن الأعمش, عن الـمنهال, عن سعيد بن جبـير, عن ابن عبـاس فـي قوله: وكانَ اللّهُ عَزِيزا حَكِيـما قال: معنى ذلك: أنه كذلك.
الآية : 159
القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {وَإِن مّنْ أَهْلِ الْكِتَابِ إِلاّ لَيُؤْمِنَنّ بِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكُونُ عَلَيْهِمْ شَهِيداً }..
اختلف أهل التأويـل فـي معنى ذلك, فقال بعضهم: معنى ذلك: وَإنْ مِنْ أهْلِ الكِتابِ إلاّ لَـيُؤْمِنَنّ بِهِ يعنـي بعيسى قَبْلَ مَوْتِهِ يعنـي: قبل موت عيسى, يوجه ذلك إلـى أن جميعهم يصدّقون به إذا نزل لقتل الدجال, فتصير الـملل كلها واحدة, وهي ملة الإسلام الـحنـيفـية, دين إبراهيـم صلى الله عليه وسلم. ذكر من قال ذلك:
8582ـ حدثنا ابن بشار, قال: حدثنا عبد الرحمن, قال: حدثنا سفـيان, عن أبـي حصين, عن سعيد بن جبـير, عن ابن عبـاس: وَإنْ مِنْ أهْلِ الكِتابِ إلاّ لَـيُؤْمِنَنّ بِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ قال: قبل موت عيسى ابن مريـم.
حدثنا ابن وكيع, قال: حدثنا أبـي, عن سفـيان, عن أبـي حصين, عن سعيد بن جبـير, عن ابن عبـاس: وَإنْ مِنْ أهْلِ الكِتابِ إلاّ لَـيُؤْمِنَنّ بِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ قال: قبل موت عيسى.
8583ـ حدثنـي يعقوب بن إبراهيـم, قال: حدثنا هشيـم, قال: أخبرنا حصين, عن أبـي مالك فـي قوله: إلاّ لَـيُؤْمِنَنّ بِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ قال: ذلك عند نزول عيسى ابن مريـم لا يبقـى أحد من أهل الكتاب إلا لـيومننّ به.
8584ـ حدثنـي الـمثنى, قال: حدثنا الـحجاج بن الـمنهال, قال: حدثنا حماد بن سلـمة, عن حميد, عن الـحسن, قال: قَبْلَ مَوْتِهِ قال: قبل أن يـموت عيسى ابن مريـم.
8585ـ حدثنـي يعقوب, قال: حدثنا ابن علـية, عن أبـي رجاء, عن الـحسن فـي قوله: وَإنْ مِنْ أهْلِ الكِتابِ إلاّ لَـيُؤْمِنَنّ بِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ قال: قبل موت عيسى, والله إنه الاَن لـحيّ عند الله, ولكن إذا نزل آمنوا به أجمعون.
8586ـ حدثنا بشر بن معاذ, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة فـي قوله: وَإنْ مِنْ أهْلِ الكِتابِ إلاّ لَـيُؤْمِنَنّ بِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ يقول: قبل موت عيسى.
حدثنا الـحسن بن يحيى, قال: أخبرنا عبد الرزاق, قال: أخبرنا معمر, عن قتادة: وَإنْ مِنْ أهْلِ الكِتابِ إلاّ لَـيُؤْمِنَنّ بِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ قال: قبل موت عيسى.
حدثنا الـحسن بن يحيى, قال: أخبرنا عبد الرزاق, قال: أخبرنا معمر, عن قتادة: وَإنْ مِنْ أهْلِ الكِتابِ إلاّ لَـيُؤْمِنَنّ بِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ قال: قبل موت عيسى إذا نزل آمنت به الأديان كلها.
حدثنا ابو وكيع قال: حدثنا أبـي, عن أبـي جعفر الرازيّ, عن الربـيع بن أنس, عن الـحسن, قال: قبل موت عيسى.
حدثنا ابن وكيع, قال: حدثنا أبو أسامة, عن عوف, عن الـحسن: إلاّ لَـيُؤْمِنَنّ بِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ قال: عيسى ولـم يـمت بعد.
حدثنا ابن وكيع, قال: حدثنا عمران بن عيـينة, عن حصين, عن أبـي مالك, قال: لا يبقـى أحد منهم عند نزول عيسى إلا آمن به.
حدثنا ابن وكيع, قال: حدثنا أبـي, عن سفـيان, عن حصين, عن أبـي مالك, قال: قبل موت عيسى.
8587ـ حدثنا يونس, قال: أخبرنا ابن وهب, قال: قال ابن زيد فـي قوله: وَإنْ مِنْ أهْلِ الكِتابِ إلاّ لَـيُؤْمِنَنّ بِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ قال: إذا نزل عيسى ابن مريـم فقتل الدجال لـم يبق يهوديّ فـي الأرض إلا آمن به, قال: وذلك حين لا ينفعهم الإيـمان.
8588ـ حدثنـي مـحمد بن سعد, قال: ثنـي أبـي, قال: ثنـي عمي, قال: ثنـي أبـي, عن أبـيه عن ابن عبـاس, قوله: وَإنْ مِنْ أهْلِ الكِتابِ إلاّ لَـيُؤْمِنَنّ بِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ يعنـي: أنه سيدرك أناس من أهل الكتاب حين يبعث عيسى, فـيؤمنون به, ويوم القـيامة يكون علـيهم شهيدا.
8589ـ حدثنا مـحمد بن الـمثنى, قال: حدثنا مـحمد بن جعفر, قال: حدثنا شعبة, عن منصور بن زاذان, عن الـحسن أنه قال فـي هذه الاَية: وَإنْ مِنْ أهْلِ الكِتابِ إلاّ لَـيُؤْمِنَنّ بِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ. قال أبو جعفر: أظنه إنـما قال: إذا خرج عيسى آمنت به الـيهود.
وقال آخرون: يعنـي بذلك: وإن من أهل الكتاب إلا لـيؤمننّ بعيسى قبل موت الكتابـي.
ذكر من كان يوجه ذلك, إلـى أنه إذا عاين علـم الـحقّ من البـاطل, لأن كلّ من نزل به الـموت لـم تـخرج نفسه حتـى يتبـين له الـحقّ من البـاطل فـي دينه:
8590ـ حدثنـي الـمثنى, قال: حدثنا عبد الله بن صالـح, قال: ثنـي معاوية, عن علـيّ بن أبـي طلـحة, عن ابن عبـاس, قوله: وَإنْ مِنْ أهْلِ الكِتابِ إلاّ لَـيُؤْمِنَنّ بِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ قال: لا يـموت يهوديّ حتـى يؤمن بعيسى.
8591ـ حدثنا ابن وكيع وابن حميد, قالا: حدثنا جرير, عن منصور, عن مـجاهد: وَإنْ مِنْ أهْلِ الكِتابِ إلاّ لَـيُؤْمِنَنّ بِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ قال: لا تـخرج نفسه, حتـى يؤمن بعيسى, وإن غرق, أو تردّى من حائط, أو أيّ ميتة كانت.
حدثنـي مـحمد بن عمرو قال: حدثنا أبو عاصم, قال: حدثنا عيسى, عن ابن أبـي نـجيح, عن مـجاهد فـي قوله: إلاّ لَـيُؤْمِنَنّ بِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ كلّ صاحب كتاب لـيؤمننّ به بعيسى قبل موته, موت صاحب الكتاب.
8592ـ حدثنـي الـمثنى, قال: حدثنا أبو حذيفة, قال: حدثنا شبل, عن ابن أبـي نـجيح, عن مـجاهد: لَـيُؤْمِنَنّ بِهِ كلّ صاحب كتاب يؤمن بعيسى قبل موته, قبل موت صاحب الكتاب قال ابن عبـاس: لو ضُربت عنقه, لـم تـخرج نفسه حتـى يؤمن بعيسى.
حدثنا ابن حميد, قال: حدثنا أبو تـميـلة يحيى بن واضح, قال: حدثنا الـحسين بن واقد, عن يزيد النـحويّ, عن عكرمة, عن ابن عبـاس, قال: لا يـموت الـيهوديّ, حتـى يشهد أن عيسى عبد الله ورسوله, ولو عجل علـيه بـالسلاح.
8593ـ حدثنـي إسحاق بن إبراهيـم بن حبـيب بن الشهيد, قال: حدثنا عتاب بن بشير, عن خصيف, عن سعيد بن جبـير, عن ابن عبـاس: وَإنْ مِنْ أهْلِ الكِتابِ إلاّ لَـيُؤْمِنَنّ بِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ قال: هي فـي قراءة أبـيّ: «قبل موتهم». لـيس يهوديّ يـموت أبدا حتـى يؤمن بعيسى قـيـل لابن عبـاس: أرأيت إن خرّ من فوق بـيت؟ قال: يتكلـم به فـي الهُويّ. فقـيـل: أرأيت إن ضُربت عنق أحد منهم؟ قال: يتلـجلـج بها لسانه.
حدثنـي الـمثنى, قال: ثنـي أبو نعيـم الفضل بن دكين, قال: حدثنا سفـيان, عن خصيف, عن عكرمة, عن ابن عبـاس: وَإنْ مِنْ أهْلِ الكِتابِ إلاّ لَـيُؤْمِنَنّ بِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ قال: لا يـموت يهوديّ حتـى يؤمن بعيسى ابن مريـم, قـيـل: وإن ضرب بـالسيف؟ قال: يتكلـم به, قـيـل: وإن هَوَى؟ قال: يتكلـم به وهو يَهْوي.
حدثنا ابن الـمثنى, قال: ثنـي مـحمد بن جعفر, قال: حدثنا شعبة, عن أبـي هارون الغنوي, عن عكرمة عن ابن عبـاس, أنه قال فـي هذه الاَية: وَإنْ مِنْ أهْلِ الكِتابِ إلاّ لَـيُؤْمِنَنّ بِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ قال: لو أنّ يهوديا وقع من فوق هذا البـيت لـم يـمت حتـى يؤمن به يعنـي: بعيسى.
8594ـ حدثنا ابن الـمثنى, قال: ثنـي عبد الصمد, قال: حدثنا شعبة, عن مولـى لقريش, قال: سمعت عكرمة يقول: لو وقع يهوديّ من فوق القصر, لـم يبلغ إلـى الأرض, حتـى يؤمن بعيسى.
حدثنا ابن بشار, قال: حدثنا عبد الرحمن, قال: حدثنا سفـيان, عن أبـي هاشم الرّمانـي, عن مـجاهد: لَـيُؤْمِنَنّ بِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ قال: وإن وقع من فوق البـيت لا يـموت حتـى يؤمن به.
حدثنا ابن حميد, قال: حدثنا حكام, عن عمرو بن أبـي قـيس, عن منصور, عن مـجاهد: وَإنْ مِنْ أهْلِ الكِتابِ إلاّ لَـيُؤْمِنَنّ بِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ قال: لا يـموت رجل من أهل الكتاب حتـى يؤمن به, وإن غرق, أو تردّى, أو مات بشيء.
حدثنـي يعقوب بن إبراهيـم, قال: حدثنا ابن علـية, عن لـيث, عن مـجاهد فـي قوله: وَإنْ مِنْ أهْلِ الكِتابِ إلاّ لَـيُؤْمِنَنّ بِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ قال: لا تـخرج نفسه حتـى يؤمن به.
حدثنا ابن وكيع, قال: حدثنا أبـي, عن سفـيان, عن خصيف, عن عكرمة: وَإنْ مِنْ أهْلِ الكِتابِ إلاّ لَـيُؤْمِنَنّ بِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ قال: لا يـموت أحدهم حتـى يؤمن به, يعنـي: بعيسى, وإن خرّ من فوق بـيت يؤمن به وهو يهوي.
8595ـ حدثنا ابن وكيع, قال: حدثنا أبو خالد الأحمر, عن جويبر, عن الضحاك, قال: لـيس أحد من الـيهود يخرج من الدنـيا حتـى يؤمن بعيسى.
8596ـ حدثنا ابن وكيع, قال: حدثنا أبـي, عن إسرائيـل, عن فرات القزاز, عن الـحسن فـي قوله: وَإنْ مِنْ أهْلِ الكِتابِ إلاّ لَـيُؤْمِنَنّ بِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ قال: لا يـموت أحد منهم, حتـى يؤمن بعيسى, يعنـي: الـيهود والنصارى.
حدثنا الـحسن بن يحيى, قال: أخبرنا عبد الرزاق, قال: أخبرنا إسرائيـل, عن فرات, عن الـحسن فـي قوله: وَإنْ مِنْ أهْلِ الكِتابِ إلاّ لَـيُؤْمِنَنّ بِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ قال: لا يـموت أحد منهم, حتـى يؤمن بعيسى قبل أن يـموت.
8597ـ حدثنا ابن بشار, قال: حدثنا عبد الرحمن, قال: حدثنا الـحكم بن عطية, عن مـحمد بن سيرين: وَإنْ مِنْ أهْلِ الكِتابِ إلاّ لَـيُؤْمِنَنّ بِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ قال: موت الرجل من أهل الكتاب.
حدثنا مـحمد بن الـحسين, قال: حدثنا أحمد بن مفضل, قال: حدثنا أسبـاط, عن السديّ: وَإنْ مِنْ أهْلِ الكِتابِ إلاّ لَـيُؤْمِنَنّ بِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ قال: قال ابن عبـاس: لـيس من يهوديّ ولا نصرانـيّ يـموت حتـى يؤمن بعيسى ابن مريـم. فقال له رجل من أصحابه: كيف والرجل يغرق, أو يحترق, أو يسقط علـيه الـجدار, أو يأكله السبع؟ فقال: لا تـخرج روحه من جسده حتـى يقذف فـيه الإيـمان بعيسى.
حُدثت عن الـحسين بن الفرج, قال: سمعت أبـا معاذ يقول: أخبرنا عبـيد بن سلـيـمان, قال: سمعت الضحاك يقول فـي قوله: وَإنْ مِنْ أهْلِ الكِتابِ إلاّ لَـيُؤْمِنَنّ بِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ قال: لا يـموت أحد من الـيهود حتـى يشهد أن عيسى رسول الله صلى الله عليه وسلم.
8598ـ حدثنـي الـمثنى, قال: حدثنا إسحاق, قال: حدثنا يعلـى, عن جويبر فـي قوله: لَـيُؤْمِنَنّ بِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ قال: فـي قراءة أبـيّ: «قبل موتهم».
وقال آخرون: معنى ذلك: وإن من أهل الكتاب إلا لـيؤمننّ بـمـحمد صلى الله عليه وسلم قبل موت الكتابـي. ذكر من قال ذلك:
8599ـ حدثنـي الـمثنى, قال: حدثنا الـحجاج بن الـمنهال, قال: حدثنا حماد, عن حميد, قال: قال عكرمة: لا يـموت النصرانـيّ والـيهوديّ حتـى يؤمن بـمـحمد صلى الله عليه وسلم يعنـي فـي قوله: وَإنْ مِنْ أهْلِ الكِتابِ إلاّ لَـيُؤْمِنَنّ بِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ.
قال أبو جعفر: وأولـى الأقوال بـالصحة والصواب قول من قال: تأويـل ذلك: وإن من أهل الكتاب إلا لـيؤمننّ بعيسى قبل موت عيسى.
وإنـما قلنا ذلك أولـى بـالصواب من غيره من الأقوال, لأن الله جلّ ثناؤه حكم لكل مؤمن بـمـحمد صلى الله عليه وسلم بحكم أهل الإيـمان فـي الـموارثة والصلاة علـيه وإلـحاق صغار أولاده بحكمه فـي الـملة, فلو كان كلّ كتابـيّ يؤمن بعيسى قبل موته, لوجب أن لا يرث الكتابـيّ إذا مات علـى ملته إلا أولاده الصغار أو البـالغون منهم من أهل الإسلام, إن كان له ولد صغير أو بـالغ مسلـم, وإن لـم يكن له ولد صغير ولا بـالغ مسلـم, كان ميراثه مصروفـا حيث يصرف مال الـمسلـم, يـموت ولا وارث له, وأن يكون حكمه حكم الـمسلـمين فـي الصلاة علـيه وغسله وتقبـيره, لأن من مات مؤمنا بعيسى فقد مات مؤمنا بـمـحمد وبجميع الرسل وذلك أن عيسى صلوات الله علـيه جاء بتصديق مـحمد وجميع الـمرسلـين, فـالـمصدّق بعيسى والـمؤمن به مصدّق بـمـحمد وبجميع أنبـياء الله ورسله, كما أن الـمؤمن بـمـحمد مؤمن بعيسى وبجميع أنبـياء الله ورسله, فغير جائز أن يكون مؤمنا بعيسى من كان بـمـحمد مكذّبـا.
فإن ظنّ ظانّ أن معنى إيـمان الـيهوديّ بعيسى, الذي ذكره الله فـي قوله: وَإنْ مِنْ أهْلِ الكِتابِ إلاّ لَـيُؤْمِنَنّ بِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ إنـما هو إقراره بأنه لله نبـيّ مبعوث دون تصديقه بجميع ما أتـى به من عند الله, فقد ظنّ خطأ. وذلك أنه غير جائز أن يكون منسوبـا إلـى الإقرار بنبوّة نبـيّ من كان له مكذّبـا فـي بعض ما جاء به من وحي الله وتنزيـله, بل غير جائز أن يكون منسوبـا إلا الإقرار بنبوةّ أحد من أنبـياء الله لأن الأنبـياء جاءت الأمـمـم بتصديق جميع أنبـياء الله ورسله فـالـمكذب بعض أنبـياء الله فـيـما أتـى به أمته من عند الله مكذب جميع أنبـياء الله فـيـما دعوا إلـيه من دين عبـاد الله. وإذ كان ذلك كذلك, كان فـي إجماع الـجميع من أهل الإسلام علـى أن كل كتابـي مات قبل إقراره بـمـحمد صلوات الله علـيه وما جاء به من عند الله, مـحكوم له بحكم الـمسألة التـي كان علـيها أيام حياته, غير منقول شيء من أحكامه فـي نفسه وماله وولده صغارهم وكبـارهم بـموته عما كان علـيه فـي حياته, أدلّ الدلـيـل علـى أن معنى قول الله: وَإنْ مِنْ أهْلِ الكِتابِ إلاّ لَـيُؤْمِنَنّ بِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ إنـما معناه: إلا لـيؤمننّ بعيسى قبل موت عيسى, وأن ذلك فـي خاصّ من أهل الكتاب, ومعنىّ به أهل زمان منهم دون أهل كل الأزمنة التـي كانت بعد عيسى, وأن ذلك كائن عند نزوله. كالذي:
8600ـ حدثنـي بشر بن معاذ, قال: ثنـي يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة, عن عبد الرحمن بن آدم, عن أبـي هريرة, أن نبـيّ الله صلى الله عليه وسلم قال: «الأنْبِـياءُ إخْوَةٌ لِعَلاّتٍ أُمّهاتُهُمْ شَتّـى وَديِنُهُمْ وَاحِدٌ, وإنّى أوْلـى النّاسِ بعِيسَى ابْنِ مَرْيَـمَ لأنّهُ لَـمْ يَكُنْ بَـيْنِـي وَبَـيْنَهُ نَبِـيّ. وَإنّهُ نازِلٌ, فإذَا رأيْتُـمُوهُ فـاعْرِفُوهُ, فإنّهُ رَجُلٌ مَرْبُوعُ الـخَـلْقِ إلـى الـحُمْرَةِ وَالبَـياضِ, سَبْطُ الشّعْرِ كأنّ رأسَهُ يَقْطُرُ وَإنْ لَـمْ يُصِبْهُ بَلَلٌ, بـينَ مُـمَصّرَتَـيْنِ, فَـيَدُقّ الصّلِـيبَ, وَيَقْتُلُ الـخِنْزِيرَ, وَيَضَعُ الـجزْيَةَ, وَيُفِـيضُ الـمَالُ, وَيُقاتِلِ النّاسَ علـى الإسْلامِ حتـى يَهْلِكَ اللّهُ فِـي زَمانِهِ الـمِلَلَ كُلّها غيرَ الإسْلامِ, ويُهْلِكُ اللّهُ فِـي زَمانِهِ مَسِيحَ الضّلالَةِ الكَذّابَ الدّجّالَ, وَتَقَعُ الأمَنَةُ فِـي الأرْضِ فِـي زَمانِهِ حتـى تَرْتَعَ الأُسُودُ معَ الإبِلِ والنّـمُورُ مَعَ البَقَرِ وَالذّئابُ مَعَ الغَنـمِ, وَتَلْعَبُ الغِلْـمانُ وَالصبْـيانُ بـالـحَيّاتِ لا يَضُرّ بَعْضُهُمْ بَعْضا, ثُمّ يَـلْبَثُ فِـي الأرْضِ ما شاء الله» وربـما قال: «أربعين سنة, ثم يُتوفـى ويصلـي علـيه الـمسلـمون ويُدفنونه».
وأما الذي قال: عنـي بقوله: لَـيُؤْمِنَنّ بِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ لـيؤمننّ بـمـحمد صلى الله عليه وسلم قبل موت الكتابـي, فمـما لا وجه له مفهوم لأنه مع فساده من الوجه الذي دللّنا علـى فساد قول من قال: عنى به: لـيؤمننّ بعيسى قبل موت الكتابـيّ, يزيده فسادا أنه لـم يجر لـمـحمد علـيه الصلاة والسلام فـي الاَيات التـي قبل ذلك ذكر, فـيجوز صرف الهاء التـي فـي قوله: لَـيُؤْمِنَنّ بِهِ إلـى أنها من ذكره, وإنـما قوله: لَـيُؤْمِنَنّ بِهِ فـي سياق ذكر عيسى وأمه والـيهود, فغير جائز صرف الكلام عما هو فـي سياقه إلـى غيره إلا بحجة يجب التسلـيـم لها من دلالة ظاهر التنزيـل أو خبر عن الرسول تقوم به حجة فأما الدعاوي فلا تتعذّر علـى أحد. فتأويـل الاَية إذ كان الأمر علـى ما وصفت: وما من أهل الكتاب إلا من لـيؤمننّ بعيسى قبل موت عيسى, وحذف «مَنْ» بعد «إلا» لدلالة الكلام علـيه, فـاستغنـي بدلالته عن إظهاره كسائر ما قد تقدمّ من أمثاله التـي قد أتـينا علـى البـيان عنها.
القول فـي تأويـل قوله تعالـى: وَيَوْمَ القِـيامَةِ يَكُونُ عَلَـيْهِمْ شَهِيدا.
يعنـي بذلك جلّ ثناؤه: وَيَوْمَ القِـيامَةِ يَكُونُ عيسى علـى أهل الكتاب شَهِيدا يعنـي: شاهدا علـيهم بتكذيب من كذّبه منهم, وتصديق من صدّقه منهم فـيـما أتاهم به من عند الله وبإبلاغه رسالة ربه. كالذي:
8601ـ حدثنا القاسم, قال: حدثنا الـحسين, قال: ثنـي حجاج, قال: قال ابن جريج: وَيَوْمَ القِـيامَةِ يَكُونُ عَلَـيْهِمْ شَهِيدا أنه قد أبلغهم ما أرسله به إلـيهم.
8602ـ حدثنا بشر بن معاذ, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة: وَيَوْمَ القِـيامَةِ يَكُونُ عَلَـيْهِمْ شَهِيدا يقول: يكون علـيهم شهيدا يوم القـيامة, علـى أنه قد بلّغ رسالة ربه وأقرّ بـالعبودية علـى نفسه.
الآية : 160-161
القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {فَبِظُلْمٍ مّنَ الّذِينَ هَادُواْ حَرّمْنَا عَلَيْهِمْ طَيّبَاتٍ أُحِلّتْ لَهُمْ وَبِصَدّهِمْ عَن سَبِيلِ اللّهِ كَثِيراً * وَأَخْذِهِمُ الرّبَا وَقَدْ نُهُواْ عَنْهُ وَأَكْلِهِمْ أَمْوَالَ النّاسِ بِالْبَاطِلِ وَأَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ مِنْهُمْ عَذَاباً أَلِيماً }..
يعنـي بذلك جلّ ثناؤه: فحرمنا علـى الـيهود الذين نقضوا ميثاقهم الذي واثقوا ربهم, وكفروا بآيات الله, وقتلوا أنبـياءهم, وقالوا البهتان علـى مريـم, وفعلوا ما وصفهم الله فـي كتابه طيبـات من الـمآكل وغيرها كانت لهم حلالاً, عقوبة لهم بظلـمهم الذي أخبر الله عنهم فـي كتابه. كما:
8603ـ حدثنا بشر بن معاذ, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة: فَبِظُلْـمٍ مِنَ الّذِينَ هادُوا حَرّمْنا عَلَـيْهِمْ طَيّبـاتٍ أُحِلّتْ لَهُمْ... الاَية, عوقب القوم بظلـم ظَلَـموه وبَغْيٍ بَغَوه حرّمت علـيهم أشياء ببغيهم وبظلـمهم.
وقوله: وَبِصَدّهِمْ عَنْ سَبِـيـلِ اللّهِ كَثِـيرا يعنـي: وبصدّهم عبـاد الله عن دينه وسبله التـي شرعها لعبـاده صدّا كثـيراٍ, وكان صدّهم عن سبـيـل الله بقولهم علـى الله البـاطل, وادّعائهم أن ذلك عن الله, وتبديـلهم كتاب الله وتـحريف معانـيه عن وجوهه, وكان من عظيـم ذلك جحودهم نبوّة نبـينا مـحمد صلى الله عليه وسلم وتركهم بـيان ما قد علـموا من أمره لـمن جهل أمره من الناس. وبنـحو ذلك كان مـجاهد يقول.
8604ـ حدثنا مـحمد بن عمرو, قال: ثنـي أبو عاصم, قال: ثنـي عيسى, عن ابن أبـي نـجيح, عن مـجاهد فـي قول الله: وَبِصَدّهِمْ عَنْ سَبِـيـلِ اللّهِ كَثِـيرا قال: أنفسهم وغيرهم عن الـحقّ.
حدثنـي الـمثنى, قال: حدثنا أبو حذيفة, قال: حدثنا شبل, عن ابن أبـي نـجيح, عن مـجاهد مثله.
وقوله: وأخْذِهِمُ الرّبـا وهو أخذهم ما أفضلوا علـى رءوس أموالهم لفضل تأخير فـي الأجل بعد مَـحِلها. وقد بـينت معنى الربـا فـيـما مضى قبل بـما أغنى عن إعادته. وقَدْ نُهُوا عَنْهُ: يعنـي عن أخذ الربـا.
وقوله: وأكْلِهِمْ أمْوَالَ النّاسِ بـالبـاطِلِ يعنـي: ما كانوا يأخذون من الرشا علـى الـحكم, كما وصفهم الله به فـي قوله: وَتَرَى كَثِـيرا مِنْهُمْ يُسارِعُونَ فِـي الإثْمِ والعُدْوَانِ وأكْلِهِمُ السّحْتَ لَبِئْسَ ما كانُوا يَعْمَلُونَ وكان من أكلهم أموال الناس بـالبـاطل ما كانوا يأخذون من أثمان الكتب التـي كانوا يكتبونها بأيديهم, ثم يقولون: هذا من عند الله, وما أشبه ذلك من الـمآكل الـخسيسة الـخبـيثة. فعاقبهم الله علـى جميع ذلك بتـحريـمه ما حرّم علـيهم من الطيبـات التـي كانت لهم حلالاً قبل ذلك. وإنـما وصفهم الله بأنهم أكلوا ما أكلوا من أموال الناس كذلك بـالبـاطل بأنهم أكلوه بغير استـحقاق وأخذوا أموالهم منهم بغير استـيجاب, فقوله: وأعْتَدْنا للكافِرِينَ مِنْهُمْ عَذَابـا ألِـيـما يعنـي: وجعلنا للكافرين بـالله وبرسوله مـحمد من هؤلاء الـيهود العذاب الألـيـم, وهو الـموجع من عذاب جهنـم, عدة يصلونها فـي الاَخرة, إذا وردوا علـى ربهم فـيعاقبهم بها.
الآية : 162
القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {لّـَكِنِ الرّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ مِنْهُمْ وَالْمُؤْمِنُونَ يُؤْمِنُونَ بِمَآ أُنزِلَ إِلَيكَ وَمَآ أُنزِلَ مِن قَبْلِكَ وَالْمُقِيمِينَ الصّلاَةَ وَالْمُؤْتُونَ الزّكَاةَ وَالْمُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الاَخِرِ أُوْلَـَئِكَ سَنُؤْتِيهِمْ أَجْراً عَظِيماً }..
هذا من الله جلّ ثناؤه استثناء, استثنى من أهل الكتاب من الـيهود الذين وصف صفتهم فـي هذه الاَيات التـي مضت من قوله: يَسْئَلُكَ أهْلُ الكِتابِ أنْ تُنَزّلَ عَلَـيْهِمْ كِتابـا مِنَ السّماءِ ثم قال جلّ ثناؤه لعبـاده, مبـينا لهم حكم من قد هداه لدينه منهم ووفقه لرشده: ما كُلّ أهل الكتاب صفتهم الصفة التـي وصفت لكم, لَكِنِ الرّاسِخُونَ فِـي العِلْـمِ مِنْهُمْ وهم الذين قد رسخوا فـي العلـم بأحكام الله التـي جاءت بها أنبـياؤه, وأتقنوا ذلك, وعرفوا حقـيقته. وقد بـينا معنى الرسوخ فـي العلـم بـما أغنى عن إعادته فـي هذا الـموضع. وَالـمُؤْمِنُونَ يعنـي: والـمؤمنون بـالله ورسله, وهم يؤمنون بـالقرآن الذي أنزل الله إلـيك يا مـحمد, وبـالكتب التـي أنزلها علـى من قبلك من الأنبـياء والرسل, ولا يسألونك كما سأل هؤلاء الـجهلة منهم أن تنزل علـيهم كتابـا من السماء, لأنهم قد علـموا بـما قرءوا من كتب الله وأتتهم به أنبـياؤهم, أنك لله رسول واجب علـيهم اتبـاعك, لا يسعهم غير ذلك, فلا حاجة بهم إلـى أن يسألوك آية معجزة, ولا دلالة غير الذي قد علـموا من أمرك بـالعلـم الراسخ فـي قلوبهم من أخبـار أنبـيائهم إياهم بذلك وبـما أعطيتك من الأدلة علـى نبوّتك, فهم لذلك من علـمهم ورسوخهم فـيه يُؤْمِنُونَ بِـما أُنْزِلَ إلَـيْكَ من الكتاب و ب بـما أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ من سائر الكتب. كما:
8605ـ حدثنا بشر بن معاذ, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة, قوله: لَكِنِ الرّاسِخُونَ فِـي العِلْـمِ مِنْهُمْ وَالـمُؤْمِنُونَ يُؤْمِنُونَ بِـما أنْزِلَ إلَـيْكَ وَما أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ استثنى الله ثَنِـيّةً من أهل الكتاب, وكان منهم من يؤمن بـالله, وما أنزل علـيهم, وما أنزل علـى نبـيّ الله, يؤمنون به ويصدّقون به, ويعلـمون أنه الـحقّ من ربهم.
ثم اختلف فـي الـمقـيـمين الصلاة, أهم الراسخون فـي العلـم, أم هم غيرهم؟ فقال بعضهم: هم هم. ثم اختلف قائلو ذلك فـي سبب مخالفة إعرابهم إعراب الراسخون فـي العلـم, وهما من صفة نوع من الناس, فقال بعضهم: ذلك غلط من الكاتب, وإنـما هو: لكن الراسخون فـي العلـم منهم, والـمقـيـمون الصلاة. ذكر من قال ذلك:
8606ـ حدثنـي الـمثنى, قال: حدثنا الـحجاج بن الـمنهال, قال: حدثنا حماد بن سلـمة, عن الزبـير, قال: قلت لأبـان بن عثمان بن عفـان: ما شأنها كتبت لَكِنِ الرّاسِخُونَ فِـي العِلْـمِ مِنْهُمْ وَالـمُؤْمِنُونَ يُؤْمِنونَ بِـمَا أُنْزِلَ إلَـيكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ والـمُقِـيـمِينَ الصّلاةَ؟ قال: إن الكاتب لـما كتب لَكِنِ الرّاسِخُونَ فِـي العِلْـمِ مِنْهُمْ حتـى إذا بلغ قال: ما أكتب؟ قـيـل له اكتب والـمُقِـيـمِينَ الصّلاةَ فكتب ما قـيـل له.
8607ـ حدثنا ابن حميد, قال: حدثنا أبو معاوية, عن هشام بن عروة, عن أبـيه, أنه سأل عائشة عن قوله: وَالـمُقِـيـمِينَ الصّلاةَ, وعن قوله: إنّ الّذِينَ آمَنُوا وَالّذِينَ هادُوا وَالصّابِئُونَ, وعن قوله: إنّ هَذَانِ لَساحِرَانِ فقالت: يا ابن أختـي هذا عمل الكتاب أخطئوا فـي الكتاب.
وذكر أن ذلك فـي قراءة ابن مسعود: «والـمُقِـيـمُونَ الصّلاةَ».
وقال آخرون, وهو قول بعض نـحويـي الكوفة والبصرة: والـمقـيـمون الصلاة من صفة الراسخون فـي العلـم, ولكن الكلام لـما تطاول واعترض بـين الراسخين فـي العلـم والـمقـيـمن الصلاة ما اعترض من الكلام فطال نصب الـمقـيـمين علـى وجه الـمدح, قالوا: والعرب تفعل ذلك فـي صفة الشيء الواحد ونعته إذا تطاولت بـمدح أو ذمّ خالفوا بـين إعراب أوّله وأوسطه أحيانا ثم رجعوا بآخره إلـى إعراب أوّله, وربـما أجروا إعراب آخره علـى إعراب أوسطه, وربـما أجروا ذلك علـى نوع واحد من الإعراب. واستشهدوا لقولهم ذلك بـالاَيات التـي ذكرناهاا فـي قوله: والـمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إذَا عاهَدُوا وَالصّابِرِينَ فِـي البَأْساءِ والضّرّاءِ.
وقال آخرون: بل الـمقـيـمون الصلاة من صفة غير الراسخين فـي العلـم فـي هذا الـموضع وإن كان الراسخون فـي العلـم من الـمقـيـمين الصلاة. وقال قائلو هذه الـمقالة جميعا: موضع الـمقـيـمين فـي الإعراب خفض, فقال بعضهم: موضعه خفض علـى العطف علـى «ما» التـي فـي قوله: يُؤْمِنُونَ بِـمَا أُنْزِلَ إلَـيْكَ وَما أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ ويؤمنون بـالـمقـيـمين الصلاة.
ثم اختلف متأوّلو ذلك فـي هذا التأويـل فـي معنى الكلام, فقال بعضهم: معنى ذلك: والـمؤمنون يؤمنون بـما أنزل إلـيك وما أنزل من قبلك, وبإقام الصلاة. قالوا: ثم ارتفع قوله: «والـمؤتون الزكاة», عطفـا علـى ما فـي «يؤمنون» من ذكر الـمؤمنـين, كأنه قـيـل: والـمؤمنون يؤمنون بـما أنزل إلـيك هم والـمؤتون الزكاة.
وقال آخرون: بل الـمقـيـمون الصلاة: الـملائكة. قالوا: وإقامتهم الصلاة: تسبـيحهم ربهم واستغفـارهم لـمن فـي الأرض. قالوا: ومعنى الكلام: والـمؤمنون يؤمنون بـما أنزل إلـيك وما أنزل من قبلك وبـالـملائكة.
وقال آخرون منهم: بل معنى ذلك: والـمؤمنون يؤمنون بـما أنزل إلـيك وما أنزل من قبلك, ويؤمنون بـالـمقـيـمين الصلاة, هم والـمؤتون الزكاة, كما قال جلّ ثناؤه: يُؤْمِنُ بـاللّهِ وَيُؤْمِنُ للِـمُؤْمِنِـينَ. وأنكر قائلو هذه الـمقالة أن يكون الـمقـيـمين منصوبـا علـى الـمدح وقالوا: إنـما تنصب العرب علـى الـمدح من نعت من ذكرته بعد تـمام خبره قالوا: وخبر الراسخين فـي العلـم قوله: أُولَئِكَ سَنُؤْتِـيهِمْ أجْرا عَظِيـما. قال: فغير جائز نصب الـمقـيـمين علـى الـمدح وهو فـي وسط الكلام ولـما يتـمّ خبر الابتداء.
وقال آخرون: معنى ذلك: لكن الراسخون فـي العلـم منهم, ومن الـمقـيـمين الصلاة. وقالوا: موضع الـمقـيـمين خفض.
وقال آخرون: معناه: والـمؤمنون يؤمنون بـما أنزل إلـيك وإلـى الـمقـيـمين الصلاة.
وقال أبو جعفر: وهذا الوجه والذي قبله منكر عند العرب, ولا تكاد العرب تعطف لظاهر علـى مكنـيّ فـي حال الـخفض وإن كان ذلك قد جاء فـي بعض أشعارها.
وأولـى الأقوال عندي بـالصواب, أن يكون الـمقـيـمين فـي موضع خفض نسقا علـى «ما» التـي فـي قوله: بِـمَا أُنْزِلَ إلَـيْكَ وَما أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ وأن يوجه معنى الـمقـيـمين الصلاة إلـى الـملائكة, فـيكون تأويـل الكلام: والـمؤمنون منهم يؤمنون بـما أنزل إلـيك يا مـحمد من الكتاب وبـما أنزل من قبلك من كتبـي وبـالـملائكة الذين يقـيـمون الصلاة ثم يرجع إلـى صفة الراسخين فـي العلـم فـيقول: لكن الراسخون فـي العلـم منهم, والـمؤمنون بـالكتب, والـمؤتون الزكاة, والـمؤمنون بـالله والـيوم الاَخر. وإنـما اخترنا هذا علـى غيره, لأنه قد ذكر أن ذلك فـي قراءة أبـيّ بن كعب: «والـمقـيـمين», وكذلك هو فـي مصحفه فـيـما ذكروا, فلو كان ذلك خطأ من الكاتب لكان الواجب أن يكون فـي كل الـمصاحف غير مصحفنا الذي كتبه لنا الكاتب الذي أخطأ فـي كتابه بخلاف ما هو فـي مصحفنا. وفـي اتفـاق مصحفنا ومصحف أبـيّ فـي ذلك, ما يدلّ علـى أن الذي فـي مـحصفنا من ذلك صواب غير خطأ, مع أن ذلك لو كان خطأ من جهة الـخط, لـم يكن الذين أخذ عنهم القرآن من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يعلـمون من علـموا ذلك من الـمسلـمين علـى وجه اللـحن, ولأصلـحوه بألسنتهم, ولقنوه للأمة تعلـيـما علـى وجه الصواب. وفـي نقل الـمسلـمين جميعا ذلك قراءة علـى ما هو به فـي الـخطّ مرسوما أدلّ الدلـيـل علـى صحة ذلك وصوابه, وأن لا صنع فـي ذلك للكاتب.
وأما من وجه ذلك إلـى النصب علـى وجه الـمدح للراسخين فـي العلـم وإن كان ذلك قد يحتـمل علـى بعد من كلام العرب لـما قد ذكرنا قبل من العلة, وهو أن العرب لا تعدل عن إعراب الاسم الـمنعوت بنعت فـي نعته إلا بعد تـمام خبره, وكلام الله جلّ ثناؤه أفصح الكلام, فغير جائز توجيهه إلا إلـى الذي هو به من الفصاحة.
وأما توجيه من وجه ذلك إلـى العطف به علـى الهاء والـميـم فـي قوله: لَكِنِ الرّاسِخُونَ فِـي العِلْـمِ مِنْهُمْ أو إلـى العطف به علـى الكاف من قوله: بِـمَا أُنْزِلَ إلَـيْكَ أو إلـى الكاف من قوله: وَما أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ فإنه أبعد من الفصاحة من نصبه علـى الـمدح لـما قد ذكرت قبل من قبح ردّ الظاهر علـى الـمكنـي فـي الـخفض.
وأما توجيه من وجه الـمقـيـمين إلـى الإقامة, فإنه دعوى لا برهان علـيها من دلالة ظاهر التنزيـل ولا خبر تثبت حجته, وغير جائز نقل ظاهر التنزيـل إلـى بـاطن بغير برهان.
وأما قوله: وَالـمُؤْتُونَ الزّكاةَ فإنه معطوف به علـى قوله: وَالـمُؤْمِنُونَ يُؤْمِنُونَ وهو من صفتهم. وتأويـله: والذين يعطون زكاة أموالهم من جعلها الله له وصرفها إلـيه والُـمؤْمِنُونَ بـاللّهِ وَالـيَوْمِ الاَخِرِ يعنـي: والـمصدّقون بوحدانـية الله وألوهيته, والبعث بعد الـمـمات, والثواب والعقاب أولئك سَنُؤْتِـيهمْ أجْرا عَظِيـما يقول: هؤلاء الذين هذه صفتهم سنؤتـيهم, يقول: سنعطيهم أجرا عظيـما, يعنـي: جزاء علـى ما كان منهم من طاعة الله, واتبـاع أمره, وثوابً عظيـما, وذلك الـجنة