تفسير الطبري تفسير الصفحة 132 من المصحف

 تفسير الطبري - صفحة القرآن رقم 132
133
131
 الآية : 36
القول في تأويل قوله تعالى: {إِنّمَا يَسْتَجِيبُ الّذِينَ يَسْمَعُونَ وَالْمَوْتَىَ يَبْعَثُهُمُ اللّهُ ثُمّ إِلَيْهِ يُرْجَعُونَ }..
يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم: لا يكبرنّ عليك إعراض هؤلاء المعرضين عنك وعن الاستجابة لدعائك إذا دعوتهم إلى توحيد ربهم والإقرار بنبوّتك, فإنه لا يستجيب لدعائك إلى ما تدعوه إليه من ذلك إلا الذين فتح الله أسماعهم للإصغاء إلى الحقّ وسهّل لهم اتباع الرشد, دون من ختم الله على سمعه فلا يفقه من دعائك إياه إلى الله وإلى اتباع الحقّ إلا ما تفقه الأنعام من أصوات رعاتها, فهم كما وصفهم به الله تعالى: صُمّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لا يَعْقِلُونَ. والمَوْتَى يَبْعَثُهُمُ اللّهُ يقول: والكفار يبعثهم الله مع الموتى, فجعلهم تعالى ذكره في عداد الموتى الذين لا يسمعون صوتا ولا يعقلون دعاء ولا يفقهون قولاً, إذ كانوا لا يتدبرون ححج الله ولا يعتبرون آياته ولا يتذكرون فينزجرون عما هم عليه من تكذيب رسل الله وخلافهم.
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك:
10367ـ حدثني محمد بن عمرو, قال: حدثنا أبو عاصم, قال: حدثنا عيسى, عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد: إنّما يَسْتَجِيبُ الّذِينَ يَسْمَعُونَ المؤمنون للذكر. والمَوْتَى الكفار, حين يَبْعَثُهُمُ اللّهُ مع الموتى.
حدثني المثنى, قال: حدثنا أبو حذيفة, قال: حدثنا شبل, عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد, مثله.
10368ـ حدثني بشر بن معاذ, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة, قوله: إنّما يَسْتَجِيبُ الّذِينَ يَسْمَعُونَ قال: هذا مثل المؤمن سمع كتاب الله فانتفع به وأخذ به وعقله, والذين كذّبوا بآياتنا صمّ وبكم, وهذا مثل الكافر أصمّ أبكم, لا يبصر هدى ولا ينتفع به.
10369ـ حدثنا ابن وكيع, قال: حدثنا أبو أسامة, عن سفيان الثوريّ, عن محمد بن جحادة, عن الحسن: إنّما يَسْتَجِيبُ الّذِينَ يَسْمَعُونَ المؤمنون. والمَوْتَى قال: الكفار.
حدثني ابن بشار, قال: حدثنا عبد الرحمن, قال: حدثنا سفيان, عن محمد بن جحادة, قال: سمعت الحسن يقول في قوله: إنّما يَسْتَجِيبُ الّذِينَ يَسْمَعُونَ والمَوْتَى يَبْعَثُهُمْ اللّهُ قال: الكفار.
وأما قوله: ثُمّ إلَيْهِ يُرْجَعُونَ فإنه يقول تعالى: ثم إلى الله يرجعون, المؤمنون الذين استجابوا لله والرسول, والكفار الذين يحول الله بينهم وبين أن يفقهوا عنك شيئا, فيثيب هذا الؤمن على ما سلف من صالح عمله في الدنيا بما وعد أهل الإيمان به من الثواب, ويعاقب هذا الكافر بما أوعد أهل الكفر به من العقاب, لا يظلم أحدا منهم مثقال ذرّة.
الآية : 37
القول في تأويل قوله تعالى: {وَقَالُواْ لَوْلاَ نُزّلَ عَلَيْهِ آيَةٌ مّن رّبّهِ قُلْ إِنّ اللّهَ قَادِرٌ عَلَىَ أَن يُنَزّلٍ آيَةً وَلَـَكِنّ أَكْثَرَهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ }..
يقول تعالى ذكره: وقال هؤلاء العادلون بربهم المعرضون عن آياته: لَوْلا نُزّلَ عَلَيْهِ آيَةٌ مِنْ رَبّهِ يقول: قالوا: هلا نزل على محمد آية من ربه كما قال الشاعر:
تَعُدّونَ عَقْرَ النّيبِ أفْضَلَ مَجْدِكُمْبني ضَوْطَرَي لَوْلا الكَمِيّ المُقَنّعا
بمعنى: هّلا الكمّي. والاَية العلامة, وذلك أنهم قالُوا: ما لِهَذَا الرّسُولِ يأْكُلُ الطّعَامَ وَيْمشِي فِي الأسْوَاقِ لَوْلاَ أُنْزِلَ إلَيْهِ مَلَكٌ فيكونَ مَعَهُ نَذِيرا أوْ يُلْقَي إلَيهِ كَنْزٌ أوْ تَكُونُ لَهُ جَنّةٌ يأْكُلُ مِنْها. قال الله تعالى لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم: قل يا محمد لقائلي هذه المقالة لك: إن الله قادر على أن ينزل آية, يعني: حُجة على ما يريدون ويسألون وَلَكِنّ أكْثَرَهُمْ لا يَعْلَمُونَ يقول: ولكن أكثر الذين يقولون ذلك فيسألونك آية, لا يعلمون ما عليهم في الاَية إنّ نزْلها من البلاء, ولا يدرون ما وجه ترك إنزال ذلك عليك, ولو علموا السبب الذي من أجله لم أنزّلها عليك لم يقولوا ذلك ولم يسألوكه, ولكن أكثرهم لا يعلمون ذلك.
الآية : 38
القول في تأويل قوله تعالى: {وَمَا مِن دَآبّةٍ فِي الأرْضِ وَلاَ طَائِرٍ يَطِيرُ بِجَنَاحَيْهِ إِلاّ أُمَمٌ أَمْثَالُكُمْ مّا فَرّطْنَا فِي الكِتَابِ مِن شَيْءٍ ثُمّ إِلَىَ رَبّهِمْ يُحْشَرُونَ }..
يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم: قل لهؤلاء المعرضين عنك المكذّبين بآيات الله: أيها القوم, لا تحسبنّ الله غافلاً عما تعملون, أو أنه غير مجازيكم على ما تكسبون, وكيف يغفل عن أعمالكم أو يترك مجازاتكم عليها وهو غير غافل عن عمل شيء دبّ على الأرض صغير أو كبير ولا عمل طائر طار بجناحيه في الهواء؟ بل جعل ذلك كله أجناسا مجنسة وأصنافا مصنفة, تعرف كما تعرفون وتتصرّف فيما سخُرتْ له كما كما تتصرّفون, ومحفوظ عليها ما عملت من عمل لها وعليها, ومثبت كلّ ذلك من أعمالها في أمّ الكتاب, ثم أنه تعالى ذكره مميتها ثم منشرها ومجازيها يوم القيامة جزاء أعمالها. يقول: فالربّ الذي لم يضيع حفظ أعمال البهائم والدوابّ في الأرض والطير في الهواء حتى حفظ عليها حركاتها وأفعالها وأثبت ذلك منها في أمّ الكتاب وحشرها ثم جازاها على ما سلف منها في دار البلاء, أحرى أن لا يضيع أعمالكم ولا يفرط في حفظ أفعالكم التي تجترحونها أيها الناس حتى يحشركم فيجازيكم على جميعها, إن خيرا فخيرا وإن شرّا فشرّا, إذ كان قد خصكم من نعمه وبسط عليكم من فضله ما لم يعمّ به غيركم في الدنيا, وكنتم بشكره أحقّ وبمعرفة واجبه عليكم أولى لما أعطاكم من العقل الذي به بين الأشياء تميزون والفهم الذي لم يعطه البهائم والطير الذي به بين مصالحكم ومضارّكم تفرّقون.
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك:
10370ـ حدثني محمد بن عمرو, قال: حدثنا أبو عاصم, قال: حدثنا عيسى, عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد, في قوله: أُمَمٌ أمْثالُكُمْ أصناف مصنفة تعرف بأسمائها.
حدثني المثنى, قال: حدثنا أبو حذيفة, قال: حدثنا شبل, عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد, مثله.
10371ـ حدثنا الحسن بن يحيى, قال: أخبرنا عبد الرزاق, قال: أخبرنا معمر, عن قتادة, في قوله: وَمَا مِنْ دَابّةٍ فِي الأرْضِ وَلا طائِرٍ يَطِيرُ بِجَناحَيْهِ إلاّ أُمَمٌ أمْثالُكُمْ يقول: الطير أمة, والإنس أمة, والجنّ أمة.
10372ـ حدثني محمد بن الحسين, قال: حدثنا أحمد بن مفضل, قال: حدثنا أسباط, عن السديّ, قوله: إلاّ أُمَمٌ أمْثالُكُمْ يقول: إلاّ خلقٌ أمثالُكم.
10373ـ حدثنا القاسم, قال: حدثنا الحسين, قال: ثني حجاج, عن ابن جريج, في قوله: وَمَا مِنْ دَابّةٍ فِي الأرْضِ وَلا طائِرٍ يَطِيرُ بِجَناحَيْهِ إلاّ أُمَمٌ أمْثالُكُمْ قال: الذرّة فوقها من ألوان ما خلق الله من الدوابّ.
وأما قوله: ما فَرّطْنا فِي الكِتابِ مِنْ شَيْءٍ فإن معناه: ما ضيعنا إثبات شيء منه. كالذي:
10374ـ حدثني المثنى, قال: حدثنا عبد الله بن صالح, قال: ثني معاوية بن صالح, عن عليّ بن أبي طلحة, عن ابن عباس: ما فَرّطْنا فِي الكِتابٍ مِنْ شَيْءٍ ما تركنا شيئا إلاّ قد كتبناه في أمّ الكتاب.
10375ـ حدثني يونس, قال: أخبرنا ابن وهب, قال: قال ابن زيد في قوله: ما فَرّطْنا فِي الكِتابِ مِنْ شَيْءٍ قال: لم نغفل الكتاب, ما من شيء إلاّ وهو في الكتاب.
وحدثني به يونس مرّة أخرى, قال في قوله: ما فَرّطْنا فِي الكِتابِ مِنْ شَيْءٍ قال: كلهم مكتوب في أمّ الكتاب.
وأما قوله: ثُمّ إلى رَبّهِمْ يُحْشَرُونَ فإن أهل التأويل اختلفوا في معنى حشرهم الذي عناه الله تعالى في هذا الموضع. فقال بعضهم: حَشْرُها مَوْتها. ذكر من قال ذلك:
10376ـ حدثني محمد بن عمارة الأسديّ, قال: حدثنا عبيد الله بن موسى, عن إسرائيل, عن سعيد, عن مسروق, عن عكرمة, عن ابن عباس: وَمَا مِنْ دَابّةٍ فِي الأرْضِ وَلا طائِرٍ يَطِيرُ بِجَناحَيْهِ إلاّ أُمَمٌ أمْثالُكُمْ قال ابن عباس: موت البهائم حَشْرُها.
حدثني محمد بن سعد, قال: ثني أبي, قال: ثني عمي, قال: ثني أبي, عن أبيه, عن ابن عباس: ثُمّ إلى رَبّهِمْ يُحْشَرُونَ قال: يعني بالحشر: الموت.
10377ـ حُدثت عن الحسين بن الفرج, قال: سمعت أبا معاذ الفضل بن خالد, قال: حدثنا عبيد بن سليم, قال: سمعت الضحاك يقول في قوله: ثُمّ إلى رَبّهِمْ يُحْشَرُونَ يعني بالحشر: الموت.
وقال آخرون: الحشر في هذا الموضع يعني به الجمع لبعث الساعة وقيام القيامة. ذكر من قال ذلك:
10378ـ حدثنا محمد بن عبد الأعلى, قال: حدثنا محمد بن ثور, عن معمر, وحدثنا الحسن بن يحيى, قال: أخبرنا عبد الرزاق, قال: أخبرنا معمر, عن جعفر بن برقان, عن يزيد بن الأصمّ, عن أبي هريرة, في قوله: إلاّ أُمَمٌ أمْثالُكُمْ ما فَرّطْنا فِي الكِتابِ مِنْ شَيْءٍ ثُمّ إلى رَبّهِمْ يُحْشَرُونَ قال: يحشر الله الخلق كلهم يوم القيامة, البهائم, والدوابّ, والطير, وكلّ شيء, فيبلغ من عدل الله يومئذٍ أن يأخذ للجماء من القرناء, ثم يقول: كوني ترابا, فذلك يقول الكافر: يا لَيْتَني كُنْتُ تُرابا.
10379ـ حدثنا محمد بن عبد الأعلى, قال: حدثنا محمد بن ثور, عن معمر, وحدثنا الحسن بن يحيى, قال: أخبرنا عبد الرزاق, قال: أخبرنا معمر عن الأعمش, ذكره عن أبي ذرّ, قال: بينا أنا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم, إذ انتطحت عنزان, فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أتَدْرُونَ فِيما انْتَطَحتَا»؟ قالوا: لا ندري, قال: «لَكِنِ اللّهُ يَدْرِي, وَسَيَقْضِي بَيْنَهُما».
حدثني المثنى, قال: حدثنا إسحاق بن سليم, قال: حدثنا مطر بن خليفة, عن منذر الثوري, عن أبي ذرّ قال: انتطحت شاتان عند النبيّ صلى الله عليه وسلم, فقال لي: «يا أبا ذَرّ أتَدْرِي فِيمَ انْتَطَحتَا»؟ قلت: لا, قال: «لَكِنِ اللّهُ يَدْرِي وَسَيَقْضِي بَيْنَهُما». قال أبو ذرّ: لقد تركنا رسول الله صلى الله عليه وسلم, وما يقلب طائر جناحيه في السماء إلاّ ذكرنا منه علما.
والصواب من القول في ذلك عندي أن يقال: إن الله تعالى أخبر أن كلّ دابة وطائر محشور إليه, وجائز أن يكون معنيا بذلك حشر القيامة, وجائز أن يكون معنيا به حشر الموت, وجائز أن يكون معنيا به الحشران جميعا. ولا دلالة في ظاهر التنزيل ولا في خبر عن النبيّ صلى الله عليه وسلم أيّ ذلك المراد بقوله: ثُمّ إلى رَبّهِمْ يُحْشَرُونَ إذ كان الحشر في كلام العرب: الجمع, ومن ذلك قول الله تعالى: والطّيْرَ مَحْشُورَةً كُلّ لَهُ أوّابٌ يعني مجموعة: فإذ كان الجمع هو الحشر وكان الله تعالى جامعا خلقه إليه يوم القيامة وجامعهم بالموت, كان أصوب القول في ذلك أن يُعمّ بمعنى الاَية ما عمه الله بظاهرها, وأن يقال: كلّ دابة وكلّ طائر محشور إلى الله بعد الفناء وبعد بعث القيامة, إذ كان الله تعالى قد عمّ بقوله: ثُمّ إلى رَبّهِمْ يُحْشَرُونَ ولم يخصص به حشرا دون حشر.
فإن قال قائل: فما وجه قوله: وَلا طائِرٍ يَطِيرُ بِجَناحَيْهِ وهل يطير الطائر إلاّ بجناحيه؟ فما في الخبر عن طيرانه بالجناحين من الفائدة؟ قيل: قد قدمنا القول فيما مضى أن الله تعالى أنزل هذا الكتاب بلسان قوم وبلغاتهم وما يتعارفونه بينهم ويستعملونه في منطقهم خاطبهم, فإذ كان من كلامهم إذا أرادوا المبالغة في الكلام أن يقولوا: كلمت فلانا بفمي, ومشيت إليه برجلي, وضربته بيدي خاطبهم تعالى بنظير ما يتعارفونه في كلامهم ويستعملونه في خطابهم, ومن ذلك قوله تعالى: إنّ هَذَا أخي لَهُ تسْعٌ وَتِسْعُونَ نَعْجَةً ولي نَعْجَةٌ وَاحِدَةٌ.
الآية : 39
القول في تأويل قوله تعالى: {وَالّذِينَ كَذّبُواْ بِآيَاتِنَا صُمّ وَبُكْمٌ فِي الظّلُمَاتِ مَن يَشَإِ اللّهُ يُضْلِلْهُ وَمَن يَشَأْ يَجْعَلْهُ عَلَىَ صِرَاطٍ مّسْتَقِيمٍ }..
يقول تعالى ذكره: والذين كذبوا بحجج الله وأعلامه وأدلته, صمّ عن سماع الحق بكمٌ عن القيل به في الظّلُمَاتِ يعني: في ظلمة الكفر حائر فيها, يقول: هو مرتطم في ظلمات الكفر, لا يبصر آيات الله فيعتبر بها, ويعلم أن الذي خلقه وأنشأه فدبره وأحكم تدبيره وقدّره أحسن تقدير وأعطاه القوّة وصحح له آلة جسمه, لم يخلقه عبثا ولم يركه سدى, ولم يعطه ما أعطاه من الاَلات إلاّ لاستعمالها في طاعته وما يرضيه دون معصيته وما يسخطه, فهو لحيرته في ظلمات الكفر وتردّده في غمراتها, غافل عما الله قد أثبت له في أمّ الكتاب وما هو به فاعل يوم يحشر إليه مع سائر الأمم. ثم أخبر تعالى أنه المضلّ من يشاء إضلاله من خلقه عن الإيمان إلى الكفر والهادي إلى الصراط المستقيم منهم من أحبّ هدايته فموفقه بفضله وطوله للإيمان به وترك الكفر به وبرسله وما جاءت به أنبياؤه, وأنه لا يهتدي من خلقه أحد إلاّ من سبق له في أمّ الكتاب السعادة, ولا يضلّ منهم أحد إلاّ من سبق له فيها الشقاء, وأن بيده الخير كله, وإليه الفضل كله, له الخلق والأمر.
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال قتادة.
10380ـ حدثنا بشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة: صُمّ وبُكْم هذا مثل الكافر أصمّ أبكم, لا يبصر هدى ولا ينتفع به, صمّ عن الحقّ في الظلمات لا يستطيع منها خروجا له متسكع فيها.
الآية : 40
القول في تأويل قوله تعالى: {قُلْ أَرَأَيْتُكُم إِنْ أَتَاكُمْ عَذَابُ اللّهِ أَوْ أَتَتْكُمْ السّاعَةُ أَغَيْرَ اللّهِ تَدْعُونَ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ }..
اختلف أهل العربية في معنى قوله: أرأيْتَكُمْ فقال بعض نحويّي البصرة: الكاف التي بعد التاء من قوله: أرأيْتَكُمْ إنما جاءت للمخاطبة, وتركت التاء مفتوحة كما كانت للواحد, قال: وهي مثل كاف رُوَيدك زيدا, إذا قلت: أرود زيدا, هذه الكاف ليس لها موضع مسمى بحرف لا رفع نصب, وإنما هي في المخاطبة مثل كاف ذاك, ومثل ذلك قول العرب: أبصرك زيدا, يدخلون الكاف للمخاطبة.
وقال آخرون منهم: معنى: أرأيْتَكُمْ إنْ أتاكُمْ أرأيتم, قال: وهذه الكاف تدخل للمخاطبة مع التوكيد, والتاء وحدها هي الاسم, كما أدخلت الكاف التي تفرّق بين الواحد والاثنين والجميع في المخاطبة كقولهم: هذا, وذاك, وتلك, وأولئك, فتدخل الكاف للمخاطبة وليست باسم, والتاء هو الاسم للواحد والجميع, تُرِكَتْ على حال واحدة, ومثل ذلك قولهم: ليسك ثم إلاّ زيد, يراد: ليس ولا سِيّك زيد, فيراد: ولا سيما زيد, وبلاك, فيراد بلى, في معنى: ولبئسك رجلاً ولنعمك رجلاً وقالوا: انظرك زيدا ما أصنع به, وأبصرك ما أصنع به, بمعنى أبصرُه. وحكى بعضهم: أبصركم ما أصنع به, يراد: أبصروا, وانظركم زيدا: أي انظروا. وحكي عن بعض بني كلاب: أتعلمك كان أحد أشعر من ذي الرمة؟ فأدخل الكاف. وقال بعض نحوّيي الكوفة: أرأيتك عمرا أكثرُ الكلام, فيه ترك الهمز. قال: والكاف من أرأيتك في موضع نصب, كأن الأصل: أرأيت نفسك على غير هذه الحال؟ قال: فهذا يثنى ويجمع ويؤنث, فيقال: أرأيتما كما وأرأيتموكم وأرَيْتُنّكُنّ أوقع فعله على نفسه, وسأله عنها, ثم كثر به الكلام حتى تركوا التاء موحدة للتذكير والتأنيث والتثنية والجمع, فقالوا: أرأيتكم زيدا ما صنع, وأرأيتكن زيدا ما صنع, فوحدوا التاء وثّنُوا الكاف وجمعوها فجعلوها بدلاً من التاء, كما قال: هاؤُمُ اقْرَءُوا كِتابِيَهْ وهاءَ يا رجل, وهاؤُما, ثم قالوا: هاكم, اكتفى بالكاف والميم مما كان يثنى ويجمع, فكأن الكاف في موضع رفع إذ كانت بدلاً من التاء, وربما وحدت للتثنية والجمع والتذكير والتأنيث, وهي كقول القائل: عليك زيدا, الكاف في موضع خفض, والتأويل رفع. فأما ما يجلب فأكثر ما يقع على الأسماء, ثم تأتي بالاستفهام, فيقال: أرأيتك زيدا هل قام, لأنها صارت بمعنى: أخبرني عن زيد, ثم بين عما يستخبر, فهذا أكثر الكلام, ولم يأت الاستفهام ثنيها, لم يقل: أرأيتك هل قمت, لأنهم أرادوا أن يبينوا عمن يسأل, ثم تبين الحالة التي يسأل عنها, وربما جاء بالخير ولم يأت بالاسم, فقالوا: أرأيت زيدا هل يأتينا, وأرأيتك أيضا, وأرأيت زيدا إن أتيته هل يأتينا إذا كانت بمعنى أخبرني, فيقال باللغات الثلاث.
وتأويل الكلام: قل يا محمد لهؤلاء العادلين بالله الأوثان والأصنام, أخبروني إن جاءكم أيها القوم عذاب الله, كالذي جاء من قبلكم من الأمم الذين هلك بعضهم بالرجفة, وبعضهم بالصاعقة, أو جاءتكم الساعة التي تنشرون فيها من قبوركم وتبعثون لموفق القيامة, أغير الله هناك تدعون لكشف ما نزل بكم من البلاء أو إلى غيره من آلهتكم تفزعون لينجيكم مما نزل بكم من عظيم البلاء إنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ يقول: إن كنتم محقّين في دعواكم وزعمكم أن آلهتكم تدعونها من دون الله تنفع أو تضرّ.
الآية : 41
القول في تأويل قوله تعالى: {بَلْ إِيّاهُ تَدْعُونَ فَيَكْشِفُ مَا تَدْعُونَ إِلَيْهِ إِنْ شَآءَ وَتَنسَوْنَ مَا تُشْرِكُونَ }..
يقول تعالى ذكره مكذّبا لهؤلاء العادلين به الأوثان: ما أنتم أيها المشركون بالله الاَلهة والأنداد إن أتاكم عذاب الله أو أتتكم الساعة بمستجيرين بشيء غير الله في حال شدّة الهول النازل بكم من آلهة ووثن وصنم, بل تدعون هناك ربكم الذي خلقكم وبه تستغيثون وإليه تفزعون دون كل شيء غيره. فَيَكْشِفُ ما تَدْعُونَ إلَيْهِ يقول: فيفرّج عنكم عند استغاثتكم به وتضرّعكم إليه عظيم البلاء النازل بكم إن شاء أن يفرّج ذلك عنكم, لأنه القادر على كلّ شيء ومالك كلّ شيء دون ما تدعونه إلها من الأوثان والأصنام. وتَنْسَوْنَ ما تُشْرِكُونَ يقول: وتنسون حين يأتيكم عذاب الله أو تأتيكم الساعة بأهوالها ما تشركونه مع الله في عبادتكم إياه, فتجعلونه له ندّا من وثَن وَصَنم, وغير ذلك مما تعبدونه من دونه وتدعونه إلها.
الآية : 42
القول في تأويل قوله تعالى: {وَلَقَدْ أَرْسَلنَآ إِلَىَ أُمَمٍ مّن قَبْلِكَ فَأَخَذْنَاهُمْ بِالْبَأْسَآءِ وَالضّرّآءِ لَعَلّهُمْ يَتَضَرّعُونَ }..
يقول تعالى ذكره متوعدا لهؤلاء العادلين به الأصنام, ومحذّرهم أن يسلك بهم إن هم تمادوا في ضلالهم سبيل من سلك سبيلهم من الأمم قبلهم في تعجيل الله عقوبته لهم في الدنيا, ومخبرا نبيه عن سنته في الذين خلوا قبلهم من الأمم على منهاجهم في تكذيب الرسل: وَلَقَدْ أرْسَلْنا يا محمد إلى أُمَمٍ يعني: إلى جماعات وقرون, مِنْ قَبْلِكَ فأخَذْناهُمْ بالبَأْساءِ يقول: فأمرناهم ونهيناهم, فكذّبوا رسلنا وخالفوا أمرنا ونهينا, فامتحناهم بالابتلاء بالبأساء, وهي شدّة الفقر والضيق في المعيشة والضّرّاء وهي الأسقام والعلل العارضة في الأجسام. وقد بينا ذلك بشواهده ووجوه إعرابه في سورة البقرة بما أغني عن إعادته في هذا الموضع. وقوله: لَعَلّهُمْ يَتَضَرّعُونَ يقول: فعلنا ذلك بهم ليتضرّعوا إليّ, ويخلصوا لي العبادة, ويفردوا رغبتهم إليّ دون غيري بالتذلل منهم لي بالطاعة والاستكانة منهم إليّ بالإنابة. وفي الكلام محذوف قد استغني بما دلّ عليه الظاهر عن إظهاره من قوله: وَلَقَدْ أرْسَلْنا إلى أُمَمٍ مِنْ قَبْلِكَ فَأخَذْناهُمْ. وإنما كان سبب أخذه إياهم تكذيبهم الرسل وخلافهم أمره, لا إرسال الرسل إليهم. وإذ كان ذلك كذلك, فمعلوم أن معنى الكلام: ولقد أرسلنا إلى أمم من قبلك رسلاً فكذّبوهم, فأخذناهم بالبأساء. والتضرّع: هو التفعل من الضراعة, وهي الذلة والاستكانة.
الآية : 43
القول في تأويل قوله تعالى: {فَلَوْلآ إِذْ جَآءَهُمْ بَأْسُنَا تَضَرّعُواْ وَلَـَكِن قَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَزَيّنَ لَهُمُ الشّيْطَانُ مَا كَانُواّ يَعْمَلُونَ }..
وهذا أيضا من الكلام الذي فيه متروك استغني بدلالة الظاهر عن ذكر ما ترك, وذلك أنه تعالى ذكره أخبر عن الأمم التي كذّبت رسلها أنه أخذهم بالبأساء والضرّاء ليتضرعوا, ثم قال: فلولا إذ جاءهم بأسنا تضرّعوا, ولم يخبر عما كان منهم من الفعل عند أخذه إياهم بالبأسأء والضرّاء.
ومعنى الكلام: ولقد أرسلنا إلى أمم من قبلك فأخذناهم بالبأساء والضرّاء لعلهم يتضرّعون فلم يتضرّعوا, فلولا إذا جاءهم بأسنا تضرّعوا. ومعنى: فَلَوْلاَ في هذا الموضع: فهلاّ, والعرب إذ أوْلت «لولا» اسما مرفوعا جعلت ما بعدها خبرا وتلقتها بالأمر, فقالت, فلولا أخوك لزرتك, ولولا أبوك لضربتك, وإذا أوْلتها فعلاً, أو لم تولها اسما, جعلوها استفهاما, فقالوا: لولا جئنا فنكرمك, ولولا زرت أخاك فنزورك, بمعنى هلاّ. كما قال تعالى: لَوْلا أخّرْتَنِي إلى أجَلٍ قَرِيبٍ فأصّدّق وكذلك تفعل ب «لوما» مثل فعلها ب «لولا».
فتأويل الكلام إذن: فهلا إذ جاء بأسنا هؤلاء الأمم المكذّبة رسلها الذين لم يتضرّعوا عند أخذناهم بالبأساء والضرّاء, تضرّعوا فاستكانوا لربهم وخضعوا لطاعته, فيصرف ربهم عنهم بأسه وهو عذابه وقد بينا معنى البأس في غير هذا الموضوع بما أغنى عن إعادته في هذا الموضع. وَلَكِنْ قَسَتْ قُلُوبُهُمْ يقول: ولكن أقاموا على تكذيبهم رسلهم, وأصروا على ذلك واستكبروا عن أمر ربهم, استهانة بعقاب الله واستخفافا بعذابه وقساوة قلب منهم. وَزَيّنَ لَهُمُ الشّيْطَانُ ما كَانُوا يَعْمَلُونَ يقول: وحسن لهم الشيطان ما كانوا يعملون من الأعمال التي يكرهها الله ويسخطها منهم
الآية : 44
القول في تأويل قوله تعالى: {فَلَمّا نَسُواْ مَا ذُكّرُواْ بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلّ شَيْءٍ حَتّىَ إِذَا فَرِحُواْ بِمَآ أُوتُوَاْ أَخَذْنَاهُمْ بَغْتَةً فَإِذَا هُمْ مّبْلِسُونَ }..
يعني تعالى ذكره بقوله: فَلَمّا نَسُوا ما ذُكّرُوا بِهِ فلما تركوا العمل بما أمرناهم به على ألسن رسلنا. كالذي:
10381ـ حدثنا المثنى, قال: حدثنا عبد الله بن صالح, قال: ثني معاوية بن صالح, عن علي بن أبي طلحة, عن ابن عباس, قوله: فَلَمّا نَسُوا ما ذُكّرُوا بِهِ يعني: تركوا ما ذَكّروا به.
10382ـ حدثنا القاسم, قال: حدثنا قال: الحسين, قال: ثني حجاج, عن ابن جريج, قوله: نَسُوا ما ذُكّرُوا بِهِ قال: ما دعاهم الله إليه ورسلِهِ, أبوه وردّوه عليهم.
فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أبْوَابَ كُلّ شَيُءٍ يقول: بدلنا مكان البأساء الرخاء والسعة في العيش ومكان الضراء الصحة والسلامة في الأبدان والأجسام استدراجا منّا لهم. كالذي:
10383ـ حدثني محمد بن عمرو, قال: حدثنا أبو عاصم, قال: ثني عيسى, وحدثني المثنى, قال: حدثنا أبو حذيفة, قال: حدثنا شبل, عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد في قوله الله: فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أبْوَابَ كُلّ شَيُءٍ قال: رخاء الدنيا ويسرها على القرون الأولى.
10384ـ حدثنا الحسن بن يحيى, قال: أخبرنا عبد الرزاق, قال: أخبرنا معمر, عن قتادة, في قوله: فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أبْوَابَ كُلّ شَيُءٍ قال: يعني الرخاء وسعة الرزق.
10385ـ حدثني محمد بن الحسين, قال: حدثنا أحمد بن مفضل, قال: حدثنا أسباط. عن السدّي, قوله: فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أبْوَابَ كُلّ شَيُءٍ يقول: من الرزق.
فإن قال لنا قائل: وكيف قيل: فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أبْوَابَ كُلّ شَيُءٍ وقد علمت أن باب الرحمة وباب التوبة لم يفتح لهم, وأبواب أخر غيره كثيرة؟ قيل: إن معنى ذلك على غير الوجه الذي ظننت من معناه, وإنما معنى ذلك: فتحنا عليهم استدراجا منا لهم أبواب كلّ ما كنا سددنا عليهم بابه عند أخذنا إياهم بالبأساء والضرّاء, ليتضرّعوا, إذ لم يتضرّعوا وتركوا أمر الله. لأن آخر هذا الكلام مردود على أوله, وذلك كما قال تعالى في موضع آخر من كتابه: ومَا أرْسَلْنا فِي قَرْيَةٍ مِنْ نَبِيّ إلاّ أخَذْنا أهْلَها بالبأْساءِ والضرّاءِ لَعَلّهُمْ يَتَضرّعُونَ ثُمّ بَدّلْنَا مَكَان السّيّئَةِ الحَسَنَةَ حتى عَفَوْا وقالُوا قَدْ مَسّ آباءَنَا الضّرّاءُ والسّرّاءُ فَأخَذْنَاهُمْ بَغْتَةً وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ ففتح الله على القوم الذين ذكر في هذه الاَية (أنهم نسوا ما) ذكرهم بقوله: فَلَمّا نَسُوا ما ذُكّرُوا بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أبْوَابَ كُلّ شَيُءٍ هو تبديله لهم مكان السيئة التي كانوا فيها في حال امتحانه إياهم من ضيق العيش إلى الرخاء والسعة, ومن الضرّ في الأجسام إلى الصحة والعافية, وهو فتح أبواب كلّ شيء كان أغلق بابه عليهم مما جرى ذكره قبل قوله: فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أبْوَابَ كُلّ شَيُءٍ فرد قوله: فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أبْوَابَ كُلّ شَيُءٍ عليه. ويعني تعالى بقوله: حتى إذَا فَرِحُوا بِمَا أُتُوا يقول: حتى إذا فرح هؤلاء المكذّبون رسلهم بفتحنا عليهم أبواب السعة في المعيشة والصحة في الأجسام. كالذي:
10386ـ حدثني محمد بن الحسين, قال: حدثنا أحمد بن المفضل, قال: حدثنا أسباط, عن السدي: حتى إذَا فَرِحُوا بِمَا أُوتُوا من الرزق.
10387ـ حدثنا الحرث, قال: حدثنا القاسم بن سلام, قال: سمعت عبد الرحمن بن مهدي, يحدث عن حماد بن زيد, قال: كان رجل يقول: رحم الله رجلاً تلا هذه الاَية ثم فكر فيها ماذا أريد بها: حتى إذَا فَرِحُوا بِمَا أُوتُوا أخَذْناهُمْ بَغْتَةً.
10388ـ حدثني الحرث, قال: حدثنا القاسم, قال: حدثنا ابن أبي رجاء من أهل الثغر, عن عبد الله بن المبارك, عن محمد بن النضر الحارثي, في قوله: أخَذْناهُمْ بَغْتَةً قال: أمهلوا عشرين سنة.
ويعني تعالى ذكره بقوله أخَذْناهُمْ بَغْتَةً أتيناهم بالعذاب فجأة وهم غارّون لا يشعرون أن ذلك كائن ولا هو بهم حال. كما:
10389ـ حدثنا القاسم, قال: حدثنا الحسين, قال: ثني حجاج, عن ابن جريج: حتى إذَا فَرِحُوا بِمَا أُوتُوا أخَذْناهُمْ بَغْتَةً قال: أعجب ما كانت إليهم وأغرّها لهم.
10390ـ حدثنا محمد بن الحسين, قال: حدثنا أحمد بن المفضل, قال: حدثنا أسباط, عن السديّ أخَذْناهُمْ بَغْتَةً يقول: أخذهم العذاب بغتة.
10391ـ حدثني محمد بن عمرو, قال: حدثنا أبو عاصم, قال: حدثنا عيسى, عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد: أخَذْناهُمْ بَغْتَةً وقال: فجأة آمنين.
وأما قوله: فإذَا هُمْ مُبْلِسُونَ فإنهم هالكون, منقطعة حججهم, نادمون على ما سلف منهم من تكذيبهم رسلهم. كالذي:
10392ـ حدثني محمد بن الحسين, قال: حدثنا أحمد بن المفضل, قال: حدثنا أسباط, عن السديّ: فإذَا هُمْ مُبْلِسُونَ قال: فإذا هم مهلكون متغير حالهم.
10393ـ حدثني الحرث, قال: حدثنا عبد العزيز, قال: حدثنا شيخ, عن مجاهد: فإذَا هُمْ مُبْلِسُونَ قال: فإذا هم مهلكون.
10394ـ حدثني يونس, قال: أخبرنا ابن وهب, قال: قال ابن زيد, في قوله: فإذَا هُمْ مُبْلِسُونَ قال: المبلسّ: الذي قد نزل به الشرّ الذي لا يدفعه, والمبلس أشدّ من المستكين, وقرأ: فَمَا اسْتَكانُوا لِرَبّهِمْ وَما يَتَضَرّعُونَ وكان أوّل مرّة فيه معاتبة وتقيّة, وقرأ قول الله: أخَذْناهُمْ بالبأْساء والضّرّاءِ لَعَلّهُمْ يَتَضَرّعُونَ فَلَوْلا إذْ جاءَهُمْ بأسُنا تَضَرّعُوا حتى بلغ: وَزَيّنَ لَهُمُ الشّيْطانُ ما كانُوا يَعْمَلُونَ ثم جاء أمر ليس فيه تقية, وقرأ: حتى إذَا فَرِحُوا بِما أُوتُوا أخَذْناهُمْ بَغْتَةً فإذَا هُمْ مُبْلِسُونَ فجاء أمر ليس فيه تقية, وكان الأوّل لو أنهم تضرّعوا كشف عنهم.
10395ـ حدثني سعيد بن عمرو السكوني, قال: حدثنا بقية بن الوليد, عن أبي شريح ضبارة بن مالك, عن أبي الصلت, عن حرملة أبي عبد الرحمن, عن عقبة بن مسلم, عن عقبة بن عامر, قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إذَا رأَيْتَ اللّهَ يُعْطِي عَبْدَهُ فِي دُنْياه, إنّمَا هُوَ اسْتِدْرَاجٌ» ثم تلا هذه الاَية: فَلَمّا نَسُوا ما ذُكّرُوا بِهِ إلى قوله: والحَمْدُ لِلّهِ رَبّ العالَمِينَ.
وحّدث بهذا الحديث عن محمد بن حرب, عن ابن لهيعة, عن عقبة بن مسلم, عن عقبة بن عامر, أن النبيّ صلى الله عليه وسلم, قال: «إذَا رَأَيْتَ اللّهَ تَعالى يُعْطِي العِبادَ ما يَسْأَلُونَ على معَاصِيهِم إيّاهُ, فإنّمَا ذلكَ اسْتِدْرَاجٌ مِنْهُ لَهُمْ» ثم تلا: فَلَمّا نَسُوا ما ذُكّرُوا بِهِ فَتَحْنا عَلَيْهِمْ أبْوَابَ كُلّ شَيْءٍ... الاَية.
وأصل الإبلاس في كلام العرب عند بعضهم: الحزن على الشيء والندم عليه. وعند بعضهم: انقطاع الحُجة والسكوت عند انقطاع الحجة. وعند بعضهم: الخشوع, وقالوا: هو المخذول المتروك, ومنه قول العجاج:
يا صَاحِ هَلْ تَعْرِفُ رَسْما مُكْرَسَاقالَ نَعَمْ أعْرِفُهُ وأبْلَسَا
فتأويل قوله: «وأبلسا» عند الذين زعموا أن الإبلاس: انقطاع الحجة والسكوت عنده, بمعنى: أنه لم يحر جوابا. وتأوّله الاَخرون بمعنى الخشوع, وترك أهله إياه مقيما بمكانه. والاَخرون: بمعنى الحزن والندم, يقال منه: أبلس الرجل إبلاسا, ومنه قيل لإبليس: إبليس