تفسير الطبري تفسير الصفحة 152 من المصحف

 تفسير الطبري - صفحة القرآن رقم 152
153
151
 الآية : 12
القول في تأويل قوله تعالى: {قَالَ مَا مَنَعَكَ أَلاّ تَسْجُدَ إِذْ أَمَرْتُكَ قَالَ أَنَاْ خَيْرٌ مّنْهُ خَلَقْتَنِي مِن نّارٍ وَخَلَقْتَهُ مِن طِينٍ }.
وهذا خبر من الله تعالى ذكره عن قيله لإبليس إذ عصاه, فلم يسجد لاَدم إذ أمره بالسجود له, يقول: قالَ الله لإبليس: ما مَنَعَكَ أيّ شيء منعك ألاّ تَسْجُدَ: أن تدع السجود لاَدم, إذْ أمَرْتُكَ أن تسجد. قالَ أنا خَيْرٌ مِنْهُ يقول: قال إبليس: أنا خير من آدم, خَلَقْتَنِي مِنْ نارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ.
فإن قال قائل: أخبرنا عن إبليس, ألحقته الملامة على السجود أم على ترك السجود؟ فإن تكن لحقته الملامة على ترك السجود, فكيف قيل له: ما مَنَعَكَ ألاّ تَسْجُدَ إذْ أمرْتُكَ؟ وإن كان النكير على السجود, فذلك خلاف ما جاء به التنزيل في سائر القرآن, وخلاف ما يعرفه المسلمون. قيل: إن الملامة لم تلحق إبليس إلا على معصيته ربه بتركه السجود لاَدم إذ أمره بالسجود له, غير أن في تأويل قوله: ما مَنَعَكَ ألاّ تَسْجُدَ إذْ أمَرْتُكَ بين أهل المعرفة بكلام العرب اختلافا أبدأ بذكر ما قالوا, ثم أذكر الذي هو أولى ذلك بالصواب فقال بعض نحويي البصرة: معنى ذلك: ما منعك أن تسجد, و«لا» ههنا زائدة, كما قال الشاعر:
أبَى جُودُه لا البُخْلَ واستَعْجَلَتْ بِهِنَعَمْ مِنْ فَتًى لا يَمْنَعُ الجُودَ قَاتِلَهْ
وقال: فسرته العرب: أبي جودة البخل, وجعلوا «لا» زائدة حشوا ههنا وصلوا بها الكلام. قال: وزعم يونس أن أبا عمرو كانَ يجرّ «البخل», ويجعل «لا» مضافة إليه, أراد: أبي جوده «لا» التي هي للبخل, ويجعل «لا» مضافة, لأن «لا» قد تكون للجود والبخل, لأنه لو قال له: امنع الحقّ ولا تعط المسكين, فقال «لا» كان هذا جودا منه.
وقال بعض نحويي الكوفة نحو القول الذي ذكرناه عن البصريين في معناه وتأويله, غير أنه زعم أن العلة في دخول «لا» في قوله: أنْ لا تَسْجُدَ أن في أوّل الكلام جحدا, يعني بذلك قوله: لَمْ يَكُنْ مِنَ السّاجِدِينَ فإن العرب ربما أعادوا في الكلام الذي فيه جحد الجحد, كالاستيثاق والتوكيد له قال: وذلك كقولهم:
ما إنْ رأيْنا مِثْلَهُنّ لِمَعْشَرٍسُودِ الرّءُوسِ فَوَالِجٌ وَفُيُولُ
فأعاد على الجحد الذي هو «ما» جحدا, وهو قوله «إن» فجمعهما للتوكيد.
وقال آخر منهم: ليست «لا» بحشو في هذا الموضع, ولا صلة, ولكن المنع ههنا بمعنى القول. إنما تأويل الكلام: من قال لك لا تسجد إذا أمرتك بالسجود؟ ولكن دخل في الكلام «أنْ» إذا كان المنع بمعنى القول لا في لفظه, كما يفعل ذلك في سائر الكلام الذي يضارع القول, وهو له في اللفظ مخالف كقولهم: ناديت أن لا تقم, وحلفت أن لا تجلس, وما أشبه ذلك من الكلام.
وقال بعض من روى: «أبي جوده لا البخل» بمعنى: كلمة البخل, لأن «لا» هي كلمة البخل, فكأنه قال: كلمة البخل.
وقال بعضهم: معنى المنع: الحول بين المرء وما يريده, قال: والممنوع مضطّر به إلى خلاف ما منع منه, كالممنوع من القيام وهو يريده, فهو مضطّر من الفعل إلى ما كان خلافا للقيام, إذ كان المختار للفعل هو الذي له السبيل إليه وإلى خلافه, فيؤثر أحدهما على الاَخر فيفعله قال: فلما كانت صفة المنع ذلك, فخوطب إبليس بالمنع, فقيل له: ما مَنَعَكَ ألاّ تَسْجُدَ كان معناه: كأنه قيل له: أيّ شيء اضطرّك إلى أن لا تسجد.
قال أبو جعفر: والصواب عندي من القول في ذلك أن يقال: إن في الكلام محذوفا قد كفى دليل الظاهر منه, وهو أن معناه: ما منعك من السجود فأحوجك أن لا تسجد؟ فترك ذكر أحوجك استغناء بمعرفة السامعين. قوله: إلاّ إبْلِيسَ لَمْ يَكُنْ مِنَ السّاجِدِينَ أن ذلك معنى الكلام من ذكره, ثم عمل قولهما مَنَعَكَ في أن ما كان عاملاً فيه قبل أحوجك لو ظهر إذ كان قد ناب عنه.
وإنما قلنا إن هذا القول أولى بالصواب لما قد مضى من دلالتنا قبل على أنه غير جائز أن يكون في كتاب الله شيء لا معنى له, وأن لكلّ كلمة معنى صحيحا, فتبين بذلك فساد قول من قال «لا» في الكلام حشو لا معنى لها. وأما قول من قال: معنى المنع ههنا: القول, فلذلك دخلت «لا» مع «أن, فإن المنع وإن كان قد يكون قولاً وفعلاً, فليس المعروف في الناس استعمال المنع في الأمر بترك الشيء, لأن المأمور بترك الفعل إذا كان قادرا على فعله وتركه ففَعَله لا يقال فعله وهو ممنوع من فعله إلا على استكراه للكلام وذلك أن المنع من الفعل حوّل بينه وبينه, فغير جائز أن يكن وهو محُول بينه وبينه فاعلاً له, لأنه إن جاز ذلك وجب أن يكون محولاً بينه وبينه لا محولاً وممنوعا لا ممنوعا وبعد, فإن إبليس لم يأتمر لأمر الله تعالى بالسجود لاَدم كِبرا, فكيف كان يأتمر لغيره في ترك أمر الله وطاعته بترك السجود لاَدم, فيجوز أن يقال له: أيّ شيء قال لك لا تسجد لاَدم إذ أمرتك بالسجود له؟ ولكن معناه إن شاء الله ما قلت: ما منعك من السجود له, فأحوجك, أو فأخرجك, أو فاضطّرك إلى أن لا تسجد له على ما بيّنت.
وأما قوله: أنا خَيْرٌ مِنْهُ خَلَقْتَنِي مِنْ نارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ فإنه خبر من الله جلّ ثناؤه عن جواب إبليس إياه إذ سأله: ما الذي منعه من السجود لاَدم, فأحوجه إلى أن لا يسجد له, واضطرّه إلى خلافه أمره به وتركه طاعته أن المانع كان له من السجود والداعي له إلى خلافه أمر ربه في ذلك أنه أشدّ منه أيدا وأقوى منه قوّة وأفضل منه فضلاً, لفضل الجنس الذي منه خلق وهو النار, من الذي خلق منه آدم وهو الطين فجهل عدوّ الله وجه الحقّ, وأخطأ سبيل الصواب, إذ كان معلوما أن من جوهر النار: الخفة والطيش والاضطراب والارتفاع علوّا, والذي في جوهرها من ذلك هو الذي حمل الخبيثَ بعد الشقاء الذي سبق له من الله في الكتاب السابق على الاستكبار عن السجود لاَدم والاستخفاف بأمر ربه, فأورثه العطب والهلاك, وكان معلوما أن من جوهر الطين: الرزانة والأناة والحلم والحياء والتثبت, وذلك الذي في جوهره من ذلك كان الداعي لاَدم بعد السعادة التي كانت سبقت له من ربه في الكتاب السابق إلى التوبة من خطيئته, ومسئلته ربه العفو عنه والمغفرة ولذلك كان الحسن وابن سيرين يقولان: «أوّل من قاس إبليس», يعنيان بذلك: القياس الخطأ, وهو هذا الذي ذكرنا من خطأ قوله وبُعده من إصابة الحقّ في الفضل الذي خصّ الله به آدم على سائر خلقه من خلقه إياه بيده, ونفخه فيه من روحه, وإسجاده له الملائكة, وتعليمه أسماء كلّ شيء مع سائر ما خصه به من كرامته فضرب عن ذلك كله الجاهل صفحا, وقصد إلى الاحتجاج بأنه خلقه من نار وخلق آدم من طين, وهو في ذلك أيضا له غير كفء, لو لم يكن لاَدم من الله جلّ ذكره تكرمة شيء غيره, فكيف والذي خصّ به من كرامته يكثر تعداده ويُمِلّ إحصاؤه؟.
11232ـ حدثني عمرو بن مالك, قال: حدثنا يحيى بن سليم الطائفي, عن هشام, عن ابن سيرين, قال: أوّل من قاس إبليس, وما عُبِدَتِ الشمس والقمر إلا بالمقاييس.
11233ـ حدثنا القاسم, قال: حدثنا الحسين, قال: حدثنا محمد بن كثير, عن ابن شوذب, عن مطر الورّاق, عن الحسن, قوله: خَلَقْتَنِي مِنْ نارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ قال: قاس إبليس وهو أوّل من قاس.
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك:
11234ـ حدثنا أبو كريب, قال: حدثنا عثمان بن سعيد, قال: حدثنا بشر بن عمارة, عن أبي روق, عن الضحاك عن ابن عباس, قال: لما خلق الله آدم قال للملائكة الذين كانوا مع إبليس خاصة دون الملائكة الذين في السموات: اسجدوا لاَدم فسجدوا كلهم أجمعون إلا إبليس استكبر, لما كان حدّث نفسه من كبره واغتراره, فقال: لا أسجد له, وأنا خير منه, وأكبر سنّا, وأقوى خلقا, خلقتني من نار وخلقته من طين. يقول: إن النار أقوى من الطين.
11235ـ حدثنا القاسم, قال: حدثنا الحسين, قال: ثني حجاج, عن ابن جريج, عن مجاهد, قوله: خَلقْتَني منْ نارٍ قال: ثم جعل ذرّيته من ماء.
قال أبو جعفر: وهذ الذي قاله عدوّ الله ليس لما سأله عنه بجواب, وذلك أن الله تعالى ذكره قال له: ما منعك من السجود؟ فلم يجب بأن الذي منعه من السجود: أنه خلقه من نار, وخلق آدم من طين, ولكنه ابتدأ خبرا عن نفسه, فيه دليل على موضع الجواب, فقال: أنا خَيْرٌ مِنْهُ خَلَقْتَنِي منْ نارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ.
الآية : 13
القول في تأويل قوله تعالى: {قَالَ فَاهْبِطْ مِنْهَا فَمَا يَكُونُ لَكَ أَن تَتَكَبّرَ فِيهَا فَاخْرُجْ إِنّكَ مِنَ الصّاغِرِينَ }.
يعني بذلك جلّ ثناؤه: قال الله لإبليس عند ذلك: فاهْبِطْ مِنْها وقد بيّنا معنى الهبوط فيما مضى قبل بما أغنى عن إعادته. فَمَا يَكُونُ لَكَ أنْ تَتَكَبّرَ فِيها يقول تعالى ذكره: فقال الله له: اهبط منها يعني: من الجنة فما يكون لك, يقول: فليس لك أن تستكبر في الجنة عن طاعتي وأمري.
فإن قال قائل: هل لأحد أن يتكبر في الجنة؟ قيل: إن معنى ذلك بخلاف ما إليه ذهبتَ, وإنما معنى ذلك: فاهبط من الجنة, فإنه لا يسكن الجنة متكبر عن أمر الله, فأما غيرها فإنه قد يسكنها المستكبر عن أمر الله والمستكين لطاعته.
وقوله: فاخْرُجْ إنّكَ مِنَ الصّاغِرِينَ يقول: فاخرج من الجنة إنك من الذين قد نالهم من الله الصغار والذلّ والمهانة, يقال منه: صَغِرَ يَصْغَرا وصَغْرانا وقد قيل: صَغُر يَصْغُر صَغَارا وصَغَارَةً. وبنحو الذي قلنا قال السديّ.
11236ـ حدثنا موسى, قال: حدثنا عمرو, قال: حدثنا أسباط, عن السديّ: فاخْرُجْ إنّكَ مِنَ الصّاغِرِينَ والصغار: هو الذلّ.
الآية : 14-15
القول في تأويل قوله تعالى: {قَالَ أَنظِرْنِي إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ * قَالَ إِنّكَ مِنَ المُنظَرِينَ }.
وهذه أيضا جهلة أخرى من جهلاته الخبيثة, سأل ربه ما قد علم أنه لا سبيل لأحد من خلق الله إليه وذلك أنه سأل النظِرَة إلى قيام الساعة, وذلك هو يوم يبعث فيه الخلق, ولو أعطي ما سأل من النظرة كان قد أعطي الخلود وبقاءً لا فناءَ معه, وذلك أنه لا موت بعد البعث. فقال جلّ ثناؤه له: إنّكَ مِنَ المُنْظَرِينَ إلى يَوْمِ الوَقْتِ المَعْلُومِ وذلك إلى اليوم الذي قد كتب الله عليه فيه الهلاك والموت والفناء لأنه لا شيء يبقى فلا يفني غير ربنا الحيّ الذي لا يموت, يقول الله تعالى ذكره: كُلّ نَفْس ذَائِقَةُ المَوْتِ. والإنظار في كلام العرب: التأخير, يقال منه: أنْظَرتُه بحقي عليه, أُنْظِرُه به إنْظارا.
فإن قال قائل: فإن الله قد قال له إذ سأله الإنظار إلى يوم يُبعثون: إنّكَ مِنَ المُنْظَرِينَ في هذا الموضع, فقد أجابه إلى ما سأل؟ قيل له: ليس الأمر كذلك, وإنما كان مجيبا له إلى ما سأل لو كان قال له: إنك من المنظرين إلى الوقت الذي سألت, أو إلى يوم البعث, أو إلى يوم يبعثون, أو ما أشبه ذلك مما يدلّ على إجابته إلى ما سأل من النظرة. وأما قوله: إنّكَ مِنَ المُنْظرِينَ فلا دليل فيه لولا الاَية الأخرى التي قد بين فيها مدة إنظاره إياه إليها, وذلك قوله: فإنّكَ مِنَ المُنْظَرِينَ إلى يَوْمِ الوَقْتِ المَعْلُومِ على المدة التي أنظره إليها, لأنه إذا أنظره يوما واحدا أو أقلّ منه أو أكثر, فقد دخل في عداد المنظرين وتمّ فيه وعد الله الصادق, ولكنه قد بين قدر مدّة ذلك بالذي ذكرناه, فعلم بذلك الوقت الذي أنظر إليه. وبنحو ذلك كان السديّ يقول.
11237ـ حدثني موسى بن هارون, قال: حدثنا عمرو, قال: حدثنا أسباط, عن السديّ: قالَ رَبّ فأنْظِرْنِي إلى يَوْمِ يُبْعَثُونَ قالَ فإنّكَ مِنَ المُنْظَرِينَ إلى يَوْمِ الوَقْتِ المَعْلُومِ فلم يُنْظِره إلى يوم البعث, ولكن أنظَرَه إلى يوم الوقت المعلوم, وهو يوم ينفخ في الصور النفخة الأولى, فصَعِق من في السموات ومن في الأرض, فمات.
فتأويل الكلام: قال إبليس لربه: أنظرني أي أخرني وأجّلْني, وأنسىءْ في أجلي, ولا تُمِتْني إلى يوم يُبعثون, يقول: إلى يوم يُبعث الخلق. فقال تعالى ذكره: إنّكَ مِنَ المُنْظَرِينَ إلى يوم ينفخ في الصور فيصعق من في السموات ومن في الأرض إلا من شاء الله.
فإن قال قائل: فهل أحد منظر إلى ذلك اليوم سوى إبليس فيقال له إنك منهم؟ قيل: نعم, من لم يقبض الله روحه من خلقه إلى ذلك اليوم ممن تقوم عليه الساعة, فهم من المنظرين بآجالهم إليه ولذلك قيل لإبليس: إنَكَ مِنَ المُنْظَرِينَ بمعنى: الساعة, فهم من المنظرين بآجالهم إليه ولذلك قيل لإبليس: إنَكَ مِنَ المُنْظَرِينَ إنك ممن لا يميته الله إلا ذلك اليوم.
الآية : 16
القول في تأويل قوله تعالى: {قَالَ فَبِمَآ أَغْوَيْتَنِي لأقْعُدَنّ لَهُمْ صِرَاطَكَ الْمُسْتَقِيمَ }.
يقول جلّ ثناؤه: قال إبليس لربه: فَبِما أغْوَيْتَنِي يقول: فبما أضللتني. كما:
11238ـ حدثني المثنى, قال: حدثنا عبد الله بن صالح, قال: ثني معاوية, عن عليّ بن أبي طلحة, عن ابن عباس, قوله: فَبِما أغْوَيْتَنِي يقول: أضللتني.
11239ـ حدثني يونس, قال: أخبرنا ابن وهب, قال: قال ابن زيد, في قوله: فَبِما أغْوَيْتَنِي قال: فبما أضللتني.
وكان بعضهم يتأوّل قوله: فَبِما أغْوَيْتَنِي: بما أهلكتني, من قولهم: غَوِيَ الفصيل يَغْوَى غَوًى, وذلك إذا فقد اللبن فمات, من قول الشاعر:
مُعَطّفَةُ الأثْناءِ ليسَ فَصِيلُهابرازِئها دَرّا ولا مَيّتٍ غَوًى
وأصل الإغواء في كلام العرب: تزيين الرجل للرجل الشيء حتى يحسنه عنده غارّا له. وقد حُكي عن بعض قبائل طيّ أنها تقول: أصبح فلان غاويا: أي أصبح مريضا. وكان بعضهم يتأوّل ذلك أنه بمعنى القسم, كأن معناه عنده: فبإغوائك إياي لأقعدنّ لهم صراطك المستقيم, كما يقال: بالله لأفعلن كذا. وكان بعضهم يتأوّل ذلك بمعنى المجازاة, كأن معناه عنده: فلأنك أغويتني, أو فبأنك أغويتني لأقعدنّ لهم صراطك المستقيم. وفي هذا بيان واضح على فساد ما يقول القدرية من أن كلّ من كفر أو آمن فبتفويض الله أسباب ذلك إليه, وأن السبب الذي به يصل المؤمن إلى الإيمان هو السبب الذي به يصل الكافر إلى الكفر وذلك أن ذلك لو كان كما قالوا لكان الخبيث قد قال بقوله: فَبِما أغْوَيْتَنِي: فبما أصلحتني, إذ كان سبب الإغواء, هو سبب الإصلاح, وكان في إخباره عن الإغواء إخبار عن الإصلاح, ولكن لما كان سبباهما مختلفين وكان السبب الذي به غوى وهلك من عند الله أضاف ذلك إليه فقال: فَبما أغْوَيْتَنِي. وكذلك قال محمد بن كعب القُرَظي, فيما:
11240ـ حدثني موسى بن عبد الرحمن المسروقي, قال: حدثنا زيد بن الحباب, قال: حدثنا أبو مودود, سمعت محمد بن كعب القرظي يقول: قاتل الله القدرية, لإبليسُ أعلم بالله منهم.
وأما قوله: لأَقْعُدَنّ لَهُمْ صرَاطَكَ المُسْتَقِيمَ فإنه يقول: لأجلسنّ لبني آدم صراطك المستقيم, يعني: طريقك القويم, وذلك دين الله الحقّ, وهو الإسلام وشرائعه.
وإنما معنى الكلام: لأصدنّ بني آدم عن عبادتك وطاعتك, ولأغوينهم كما أغويتني, ولأُضِلّنهم كما أضَللْتَني. وذلك كما رُوي عن سَبْرة بن الفاكه أنه سمع النبيّ صلى الله عليه وسلم يقول: «إن الشّيْطانَ قَعَد لاِبْنِ آدَمَ بأطْرَقَةٍ, فَقَعَدَ لَهُ بِطَرِيقِ الإسْلام, فَقالَ: أتُسْلَمُ وَتَذَرُ دِينَكَ وَدينَ آبائِك؟ فَعَصَاهُ فَأسْلَم. ثُمّ قَعَدَ لَهُ بِطَرِيق الهجْرَةِ, فَقالَ: أتهاجِرُ وَتَذَرُ أرْضَكَ وَسَماءَكَ, وإنمَا مَثَلُ المُهاجرِ كالفَرَسِ فِي الطّوَلِ؟ فَعَصَاه وَهاجَرَ. ثُمّ قَعَدَ لَهُ بِطَرِيقِ الجِهادِ, وَهُوَ جَهْدُ النّفْسِ والمَالِ, فقالَ: أتُقاتلُ فتُقْتَلَ فَتُنْكَحُ المَرأةُ ويُقَسّمُ المَالُ؟ قالَ: فَعَصَاهُ فَجاهَدَ». ورُوي عن عون بن عبد الله في ذلك, ما:
11241ـ حدثنا ابن وكيع, قال: حدثنا حيوة أبو يزيد, عن عبد الله بن بكير, عن محمد بن سوقة, عن عون بن عبد الله: لأَقْعُدَنّ لهُمْ صرَاطَكَ المُسْتَقِيمَ قال: طريق مكة.
والذي قاله عون وإن كان من صراط الله المستقيم فليس هو الصراط كله, وإنما أخبر عدوّ الله أنه يقعد لهم صراط الله المستقيم ولم يخصص منه شيئا دون شيء, فالذي رُوي في ذلك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أشبه بظاهر التنزيل وأولى بالتأويل, لأن الخبيث لا يألو عباد الله الصدّ عن كلّ ما كان لهم قربة إلى الله.
وبنحو ما قلنا في ذلك قال أهل التأويل في معنى المستقيم في هذا الموضع. ذكر من قال ذلك:
11242ـ حدثني محمد بن عمرو, قال: حدثنا أبو عاصم, قال: حدثنا عيسى, عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد: صِرَاطَكَ المُسْتَقِيمَ قال: الحقّ.
حدثني المثنى, قال: حدثنا أبو حذيفة, قال: حدثنا شبل, عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد, مثله.
11243ـ حدثني الحرث, قال: حدثنا عبد العزيز, قال: حدثنا أبو سعد المدنيّ, قال: سمعت مجاهدا يقول: لأَقْعُدَنّ لَهُمْ صَرَاطَكَ المُسْتَقِيمَ قال: سبيل الحقّ, فلأضلنهم إلا قليلاً.
واختلف أهل العربية في ذلك, فقال بعض نحويي البصرة: معناه: لأقعدنّ لهم على صراطك المستقيم, كما يقال: توجه مكة: أي إلى مكة, وكما قال الشاعر:
كأني إذْ أسْعَى لاِءَظْفَرَ طائِرامَعَ النّجْمِ مِنْ جَوّ السّماءِ يَصُوبُ
بمعنى: لأظفر بطائر, فألقى الباء وكما قال: أعَجِلْتُم أَمْرَ رَبّكُمْ بمعنى: أعجلتم عن أمر ربكم. وقال بعض نحويي الكوفة: المعنى والله أعلم: لأقعدنّ لهم على طريقهم, وفي طريقهم قال: وإلقاء الصفة من هذا جائز, كما تقول: قعدت لك وجه الطريق, وعلى وجه الطريق لأن الطريق صفة في المعنى يحتمل ما يحتمله اليوم والليلة والعام, إذ قيل: آتيك غدا, وآتيك في غد.
وهذا القول هو أولى القولين في ذلك عندي بالصواب, لأن القعود مقتض مكانا يقعد فيه, فكما يقال: قعدت في مكانك, يقال: قعدت على صراطك, وفي صراطك, كما قال الشاعر:
لَدْنٍ بَهِزّ الكَفّ يَعْسِلُ مَتْنُهُفِيهِ كمَا عَسَلَ الطّرِيقَ الثّعْلَبُ
فلا تكاد العرب تقول ذلك في أسماء البلدان, ولا يكادون يقولون: جلست مكة وقمت بغداد.
الآية : 17
القول في تأويل قوله تعالى: {ثُمّ لاَتِيَنّهُمْ مّن بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ وَعَنْ أَيْمَانِهِمْ وَعَن شَمَآئِلِهِمْ وَلاَ تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شَاكِرِينَ }.
اختلف أهل التأويل في تأويل ذلك, فقال بعضهم: معنى قوله: لاََتِيَنّهُمْ مِنْ بينِ أيْدِيهِمْ من قِبَل الاَخرة, وَمِنْ خَلْفِهِمْ من قِبَل الدنيا, وَعَنْ أيمَانِهِمْ من قِبَل الحق, وَعَنْ شَمائِلهمْ من قِبَل الباطل. ذكر من قال ذلك:
11244ـ حدثني المثنى, قال: حدثنا عبد الله بن صالح, قال: ثني معاوية, عن عليّ, عن ابن عباس, قوله: ثُمّ لاََتِيّنّهُمْ مِنْ بينِ أيْدِيهِمْ يقول: أشككهم في آخرتهم, وَمِنْ خَلْفِهِمْ أرغبهم في دنياهم وَعَنْ أيمانِهِمْ أشبه عليهم أمر دينهم, وَعنْ شَمائِلِهِمْ أشهّي لهم المعاصي.
وقد رُوي عن ابن عباس بهذا الإسناد في تأويل ذلك خلاف هذا التأويل, وذلك ما:
11245ـ حدثني المثنى, قال: حدثنا عبد الله بن صالح, قال: ثني معاوية, عن عليّ بن أبي طلحة, عن ابن عباس, قوله: ثُمّ لاََتِيَنّهُمْ مِنْ بينِ أيْدِيهِمْ يعني من الدنيا, وَمِنْ خَلْفِهِمْ من الاَخرة, وَعَنْ أيمَانِهِمْ من قِبَل حسناتهم, وَعَنْ شَمائِلِهِمْ من قِبَل سيئاتهم. وتحقق هذه الرواية الأخرى التي:
11246ـ حدثني بها محمد بن سعد, قال: ثني أبي, قال: ثني عمي, قال: ثني أبي, عن أبيه, عن ابن عباس, قوله: ثُمّ لاََتِيَنّهُمْ مِنْ بينِ أيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفهِم وعن أيمانهم وَعَنْ شَمائِلِهمْ قال: ما بين أيديهم فمن قبلهم أما ومن خلفهم فأمر آخرتهم وأما عن أيمانهم: فمن قِبَل حسناتهم وأما عن شمائلهم: فمن قِبَل سيئاتهم.
حدثنا بشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة, قوله: ثُمّ لاََتِيَنّهُمْ مِنْ بينِ أيْدِيهِم... الاَية, أتاهم من بين أيديهم, فأخبرهم أنه لا بعث ولا جنة ولا نار, ومن خلفهم من أمر الدنيا, فزينها لهم ودعاهم إليها وعن أيمانهم: من قِبَل حسناتهم بطّأهم عنها وعن شمائلهم: زيّن لهم السيئات والمعاصي ودعاهم إليها وأمرهم بها, أتاك يا ابن آدم من كلّ وجه, غير أنه لم يأتك من فوقك, لم يستطع أن يحول بينك وبين رحمة الله.
وقال آخرون: بل معنى قوله: مِنْ بينِ أيْدِيهِمْ من قِبَل دنياهم, وَمِنْ خَلْفِهِمْ من قبَل آخرتهم. ذكر من قال ذلك:
11247ـ حدثنا محمد بن بشار, قال: حدثنا مؤمل, قال: حدثنا سفيان, عن منصور, عن إبراهيم, في قوله: ثُمّ لاََتِيَنّهُمْ مِنْ بينِ أيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ قال: من بين أيديهم من قِبَل دنياهم ومن خلفهم من قِبَل آخرتهم. وَعَنْ أيمانِهِمْ من قِبَل حسناتهم, وَعَنْ شَمائِلِهِمْ: من قبل سيئاتهم.
11248ـ حدثنا ابن وكيع, قال: حدثنا أبي, عن سفيان, عن منصور, عن الحكم: ثُمّ لاََتِيَنّهُمْ مِنْ بينِ أيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ وَعَنْ أيمَانِهِمْ وَعَنْ شَمائِلِهِمْ قال: من بين أيديهم: من دنياهم ومن خلفهم: من آخرتهم وعن أيمانهم: من حسناتهم وعن شمائلهم:: من قِبَل سيئاتهم.
حدثنا سفيان, قال: حدثنا جرير, عن منصور, عن الحكم: ثُمّ لاََتِيَنّهُمْ مِنْ بينِ أيْدِيهِمْ قال: من قِبل الدنيا يزينها لهم ومن خلفهم من قِبَل الاَخرة يبطّئهم عنها وعن أيمانهم: من قِبَل الحقّ يصدّهم عنه وعن شمائلهم من قِبَل الباطل يرغبهم فيه, ويزينه لهم.
11249ـ حدثني محمد بن الحسين, قال: حدثنا أحمد بن المفضل, قال: حدثنا أسباط, عن السديّ: ثُمّ لاََتِيَنّهُم مِنْ بينِ أيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ وَعَنْ أيمانِهِمْ وَعَنْ شَمائِلِهِمْ أما من بين أيديهم: فالدنيا أدعوهم إليها وأرغبهم فيها ومن خلفهم: فمن الاَخرة أشككهم فيها وأبعّدها عليهم وعن أيمانهم يعني الحقّ فأشككهم فيه وعن شمائلهم: يعني الباطل أخففه عليهم, وأرغبهم فيه.
11250ـ حدثنا القاسم, قال: حدثنا الحسين, قال: ثني حجاج, قال: قال ابن جريج: قوله: مِنْ بينِ أيْدِيهِمْ من دنياهم أرغبهم فيها, وَمِنْ خَلْفِهِمْ آخرتهم أكفرهم بها وأزهدهم فيها, وَعَنْ أيمَانِهِمْ حسناتهم أزهدهم فيها, وَعَنْ شَمائِلِهِمْ مساوىء أعمالهم أحسّنها إليهم.
وقال آخرون: معنى ذلك: من حيث يبصرون ومن حيث لا يبصرون. ذكر من قال ذلك:
11251ـ حدثني محمد بن عمرو, قال: حدثنا أبو عاصم, قال: حدثنا عيسى, عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد, قول الله: مِنْ بينِ أيْدِيهِمْ وَعَنْ أيمَانِهِمْ قال: حيث يبصرون, وَمِنْ خَلْفِهِمْ وَعَنْ شَمائِلِهِمْ حيث لا يبصرون.
حدثني المثنى, قال: حدثنا أبو حذيفة, قال: حدثنا شبل, عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد, مثله.
11252ـ حدثنا ابن وكيع وابن حميد, قالا: حدثنا جرير, عن منصور, قال: تذاكرنا عند مجاهد قوله: ثُمّ لاََتِيَنّهُمْ مِنْ بَيْنِ أيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ وَعَنْ أيْمَانِهِمْ وَعَنْ شَمَائِلِهِمْ فقال مجاهد: هو كما قال: يأتيهم من بين أيديهم ومن خلفهم وعن أيمانهم وعن شمائلهم. زاد ابن حميد, قال: يأتيهم من ثَمّ.
حدثني الحرث, قال: حدثنا عبد العزيز, قال: حدثنا أبو سعد المدني, قال: قال مجاهد: فذكر نحو حديث محمد بن عمرو, عن أبي عاصم.
قال أبو جعفر: وأولى هذه الأقوال عندي بالصواب قول من قال: معناه: ثم لاَتينهم من جميع وجوه الحقّ والباطل, فأصدّهم عن الحقّ وأحسّن لهم الباطل وذلك أن ذلك عقيب قوله: لأَقْعُدَنّ لَهُمْ صِرَاطَكَ المُسْتَقِيمَ فأخبر أنه يقعد لبني آدم على الطريق الذي أمرهم الله أن يسلكوه, وهو ما وصفنا من دين الله الحقّ, فيأتيهم في ذلك من كلّ وجوهه من الوجه الذي أمرهم الله به, فيصدّهم عنه, وذلك من بين أيديهم وعن أيمانهم, ومن الوجه الذي نهاهم الله عنه, فيزينه لهم ويدعوهم إليه, وذلك من خلفهم وعن شمائلهم. وقيل: ولم يقل: «من فوقهم» لأن رحمة الله تنزل على عباده من فوقهم. ذكر من قال ذلك:
11253ـ حدثنا سعد بن عبد الله بن عبد الحكم المصريّ, قال: حدثنا حفص بن عمر, قال: حدثنا الحكم بن أبان, عن عكرمة, عن ابن عباس, في قوله: ثُمّ لاََتِيَنّهُمْ مِنْ بينِ أيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ وَعَنْ أيمانِهِمْ وَعَنْ شَمائِلِهِمْ ولم يقل: «من فوقهم», لأن الرحمة تنزل من فوقهم.
وأما قوله: ولاَ تَجد أكْثَرَهُمْ شاكِرِينَ فإنه يقول: ولا تجد رب أكثر بني آدم شاكرين لك نعمتك التي أنعمت عليهم كتكرمتك أباهم آدم بما أكرمته به, من إسجادك له ملائكتك, وتفضيلك إياه عليّ, وشكرهم إياه طاعتهم له بالإقرار بتوحيده, واتباع أمره ونهيه. وكان ابن عباس يقول في ذلك بما:
11254ـ حدثني به المثنى, قال: حدثنا عبد الله بن صالح, قال: ثني معاوية, عن عليّ بن أبي طلحة, عن ابن عباس, قوله: وَلا تَجِدُ أكْثَرَهُمْ شاكِرِينَ يقول: موحدين.
الآية : 18
القول في تأويل قوله تعالى: {قَالَ اخْرُجْ مِنْهَا مَذْءُوماً مّدْحُوراً لّمَن تَبِعَكَ مِنْهُمْ لأمْلأنّ جَهَنّمَ مِنكُمْ أَجْمَعِينَ }.
وهذا خبر من الله تعالى ذكره, عن إحلاله بالخبيث عدوّ الله ما أحلّ به من نقمته ولعنته, وطرده إياه عن جنته, إذ عصاه وخالف أمره, وراجعه من الجواب بما لم يكن له مراجعته به يقول: قال الله له عند ذلك: اخْرُجْ مِنْها أي من الجنة مَذْءُوما مَدْحُورا يقول: معيبا. والذأم: العيب, يقال منه: ذأمه يذأمه ذأما فهو مذءوم, ويتركون الهمز فيقولون: ذِمْتُه أذيمه ذيْما وذاما, والذأم والذّيم أبلغ في العيب من الذمّ وقد أنشد بعضهم هذا البيت:
صَحِبْتُكَ إذْ عَيْنِي عَلَيْها غِشاوَةٌفَلَمّا انْجَلَتْ قَطّعْتُ نَفْسِي أذِيمُها
وأكثر الرواة على إنشاهد «ألومها». وأما المدحور: فهو المُقْصَى, يقال: دحره يَدْحَره دَحْرا ودُحُورا: إذا أقصاه وأخرجه ومنه قولهم: ادحر عنك الشيطان.
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك:
11255ـ حدثنا بشر بن معاذ, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة, قوله: اخْرُجْ مِنْها مَذْءُوما مَدْحُورا يقول: اخرج منها لعينا منفيّا.
11256ـ حدثنا المثنى, قال: حدثنا أبو صالح, قال: ثني معاوية, عن عليّ, عن ابن عباس: مذءوما: ممقوتا.
11257ـ حدثني محمد بن سعد, قال: ثني أبي, قال: ثني عمي, قال: ثني أبي, عن أبيه, عن ابن عباس, قوله: قالَ اخْرُجْ مِنْها مَذْءُوما يقول: صغيرا منفيّا.
11258ـ حدثني محمد بن الحسين, قال: حدثنا أحمد بن المفضل, قال: حدثنا أسباط, عن السديّ, قوله: اخْرُجْ مِنْها مَذْءُوما مَدْحُورا: أما مذءوما: فمنفيّا, وأما مدحورا: فمطرودا.
11259ـ حدثني محمد بن عمرو, قال: حدثنا أبو عاصم, قال: حدثنا عيسى, عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد: مَذْءُوما قال: منفيّا مَدْحُورا قال: مطرودا.
11260ـ حدثني المثنى, قال: حدثنا إسحاق, قال: حدثنا عبد الله بن أبي جعفر, عن أبيه, عن الربيع, قوله: اخْرُجْ مِنْها مَذْءُوما قال: منفيّا, والمدحور, قال: المُصغّر.
حدثني المثنى, قال: حدثنا إسحاق, قال: حدثنا عبد الله بن الزبير, عن ابن عيينة, عن يونس وإسرائيل, عن أبي إسحاق, عن التميمي, عن ابن عباس: اخْرُجْ مِنْها مَذْءُوما قال: منفيّا.
11261ـ حدثني أبو عمرو القرقساني عثمان بن يحيى, قال: حدثنا سفيان, عن أبي إسحاق, عن التميمي, سأل ابن عباس: ما اخْرُجْ مِنْها مَذْءُوما مَدْحُورا قال: مقيتا.
11262ـ حدثني يونس, قال: أخبرنا ابن وهب, قال: قال ابن زيد, في قوله: اخْرُجْ مِنْها مَذْءوما مَدْحُورا فقال: ما نعرف المذءوم والمذموم إلا واحدا, ولكن يكون... منتقصة, وقال العرب لعامر: يا عام, ولحارث: يا حار, وإنما أنزل القرآن على كلام العرب.
القول في تأويل قوله تعالى: لَمَن تَبِعَكَ مِنْهُمْ لأَمْلأَنّ جَهَنّمَ مِنْكُمْ أجْمَعِينَ.
وهذا قسم من الله جلّ ثناؤه: أقسم أن من اتبع من بني آدم عدوّ الله إبليس وأطاعه وصدق ظنه عليه أن يملأ من جميعهم, يعني من كفرة بني آدم تبّاع إبليس ومن إبليس وذرّيته جهنم, فرحم الله امرءا كذّب ظنّ عدوّ الله في نفسه, وخيّب فيها أمله وأمنيته, ولم يكن ممن أطمع فيها عدوّه, واستغشّه ولم يستنصحه. وإن الله تعالى ذكره إنما نبه بهذه الاَيات عباده على قِدم عداوة عدوّه وعدوّهم إبليس لهم, وسالف ما سلف من حسده لأبيهم, وبغيه عليه وعليهم, وعرّفهم مواقع نعمه عليهم قديما في أنفسهم ووالدهم ليدّبروا آياته, وليتذكر أولو الألباب, فينزجروا عن طاعة عدوّه وعدوّهم إلى طاعته وينيبوا إليها.
الآية : 19
القول في تأويل قوله تعالى: {وَيَا آدَمُ اسْكُنْ أَنتَ وَزَوْجُكَ الْجَنّةَ فَكُلاَ مِنْ حَيْثُ شِئْتُمَا وَلاَ تَقْرَبَا هَـَذِهِ الشّجَرَةَ فَتَكُونَا مِنَ الظّالِمِينَ }.
يقول الله تعالى ذكره: وقال الله لاَدم: يا آدَمُ اسْكُنْ أنْتَ وَزَوْجُكَ الجَنّةَ فَكُلا مِنْ حَيْثُ شِئْتُما فأسكن جلّ ثناؤه آدم وزوجته الجنة بعد أن أهبط منها إبليس وأخرجه منها, وأباح لهما أن يأكلا من ثمارها من أيّ مكان شاءا منها, ونهاهما أن يقربا ثمر شجرة بعينها. وقد ذكرنا اختلاف أهل التأويل في ذلك وما نرى من القول فيه صوابا في غير هذا الموضع, فكرهنا إعادته. فَتَكُونا مِنَ الظّالِمِينَ يقول: فتكونا ممن خالف أمر ربه. وفعل ما ليس له فعله.
الآية : 20
القول في تأويل قوله تعالى: {فَوَسْوَسَ لَهُمَا الشّيْطَانُ لِيُبْدِيَ لَهُمَا مَا وُورِيَ عَنْهُمَا مِن سَوْءَاتِهِمَا وَقَالَ مَا نَهَاكُمَا رَبّكُمَا عَنْ هَـَذِهِ الشّجَرَةِ إِلاّ أَن تَكُونَا مَلَكَيْنِ أَوْ تَكُونَا مِنَ الْخَالِدِينَ }.
يعني جلّ ثناؤه بقوله: فَوَسْوَسَ لَهُما فوسوس إليهما, وتلك الوسوسة كانت قوله لهما: ما نَهاكُما رَبّكُما عَنْ هَذِهِ الشّجَرَة إلاّ أنْ تَكُونا مَلَكَيْنِ أو تَكُونا مِنَ الخالِدِينَ وإقسامه لهما على ذلك. وقيل: «وسوس لهما», والمعنى ما ذكرت, كما قيل: غَرِضْتُ له, بمعنى: اشتقت إليه, وإنما يعني: غَرضت من هؤلاء إليه, فكذلك معنى ذلك: فوسوس من نفسه إليهما الشيطان بالكذب من من القيل لِيُبْدِيَ لَهُما ما وُورِيَ عَنْهُما مِنْ سَوآتِهِما كما قال رؤبة:
(وَسْوَسَ يَدْعُو مُخْلِصا رَبّ الفَلَقْ )
ومعنى الكلام: فجذب إبليس إلى آدم حوّاء, وألقى إليهما: ما نهاكما ربكما عن أكل ثمر هذه الشجرة إلا أن تكونا ملَكين, أو تكونا من الخالدين ليبدي لهما ما واراه الله عنهما من عوراتهما. فغطاه بستره الذي ستره عليهما. وكان وهب بن منبه يقول في الستر الذي كان الله سترهما به ما:
11263ـ حدثني به حوثرة بن محمد المنقري, قال حدثنا سفيان بن عيينة, عن عمرو, عن ابن منبه, في قوله: فَبَدَتْ لَهُما سَوآتُهُما قال: كان عليهما نور لا ترى سوآتهما.
القول في تأويل قوله تعالى: وَقالَ ما نَهاكُما رَبّكُما عَنْ هَذِهِ الشّجَرَةِ إلاّ أنْ تَكُونا مَلَكَيْنِ أوْ تَكُونا مِنَ الخالِدِينَ.
يقول جلّ ثناؤه: وقال الشيطان لاَدم وزوجته حوّاء: ما نهاكما ربكما عن هذه الشجرة أن تأكلا ثمرها إلا لئلا تكونا ملكين. وأسقطت «لا» من الكلام لدلالة ما ظهر عليها, كما أسقطت من قوله: يُبَيّنُ اللّهُ لَكُمْ أنْ تَضِلّوا والمعنى: يبين اللهلكم أن لا تضلوا. وكان بعض أهل العربية من أهل البصرة يزعم أن معنى الكلام: ما نهاكما ربكما عن هذه الشجرة إلا كراهة أن تكونا ملكين, كما يقال: إياك أن تفعل كراهية أن تفعل, أو تكونا من الخالدين في الجنة الماكثين فيها أبدا فلا تموتا. والقراءة على فتح اللام بمعنى ملَكين من الملائكة. ورُوي عن ابن عباس ما:
11264ـ حدثني المثنى, قال: حدثنا إسحاق, قال: حدثنا ابن أبي حماد, قال: حدثنا عيسى الأعمى, عن السديّ, قال: كان ابن عباس يقرأ: «إلاّ أنْ تَكُونا مَلِكَيْنِ» بكسر اللام. وعن يحيى بن أبي كثير ما:
11265ـ حدثني أحمد بن يوسف, قال: ثني القاسم بن سلام, قال: حدثنا حجاج, عن هارون, قال: حدثنا يعلى بن حكيم, عن يحيى بن أبي كثير أنه قرأها: «ملكين» بكسر اللام.
وكأن ابن عباس ويحيى وجها تأويل الكلام إلى أن الشيطان قال لهما: «ما نَهاكُما رَبّكُما عَنْ هَذِهِ الشّجَرَةِ إلاّ أنْ تَكُونا مَلِكَيْنِ» من الملوك, وأنهما تأوّلا في ذلك قول الله في موضع آخر: قالَ يا آدَمُ هَلْ أدُلّكَ على شَجَرَةِ الخُلْدِ وَمُلْكٍ لا يَبْلَى.
قال أبو جعفر: والقراءة التي لا أستجيز القراءة في ذلك بغيرها, القراءة التي عليها قرّاء الأمصار, وهي فتح اللام من «مَلَكين», بمعنى: ملَكين من الملائكة لما قد تقدم من بياننا في أن كلّ ما كان مستفيضا في قرأة الإسلام من القراءة, فهو الصواب الذي لا يجوز خلافه.
الآية : 21
القول في تأويل قوله تعالى: {وَقَاسَمَهُمَآ إِنّي لَكُمَا لَمِنَ النّاصِحِينَ }.
يعني جلّ ثناؤه بقوله: وَقاسَمَهُما: وحلف لهما, كما قال في موضع آخر: تَقاسَمُوا باللّهِ لَنُبَيّتَنّهُ بمعنى: تحالفوا بالله وكما قال خالد بن زهير عمّ أبي ذؤيب:
وقاسَمَها باللّهِ جَهْدا لاَءَنْتُمُألَذّ منَ السّلْوَى إذَا ما نَشُورُها
بمعنى: وحالفها بالله وكما قال أعشى بني ثعلبة:
رَضِيعَيْ لِبانِ ثَدْيِ أُمّ تَقَاسَمَابأسْحَمَ داجٍ عَوْضُ لا نَتَفَرّقُ
بمعنى تحالفا. وقوله: إنّي لَكُما لِمنَ النّاصحِينَ: أي لممن ينصح لكما في مشورته لكما, وأمره إياكما بأكل ثمر الشجرة التي نهيتما عن أكل ثمرها, وفي خبري إياكما بما أخبركما به من أنكما إن أكلتماه كنتما ملَكين, أو كنتما من الخالدين. كما:
11266ـ حدثنا بشر بن معاذ, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة, قوله: وَقاسَمَهُما إنّي لَكُما لَمِنَ النّاصحِينَ فحلف لهما بالله حتى خدعهما, وقد يُخدع المؤمن بالله, فقال: إني خُلقت قبلكما وأنا أعلم منكما, فاتبعاني أرشدكما. وكان بعض أهل العلم يقول: من خَادَعنا بالله خَدَعنا.
الآية : 22
القول في تأويل قوله تعالى: {فَدَلاّهُمَا بِغُرُورٍ فَلَمّا ذَاقَا الشّجَرَةَ بَدَتْ لَهُمَا سَوْءَاتُهُمَا وَطَفِقَا يَخْصِفَانِ عَلَيْهِمَا مِن وَرَقِ الْجَنّةِ وَنَادَاهُمَا رَبّهُمَآ أَلَمْ أَنْهَكُمَا عَن تِلْكُمَا الشّجَرَةِ وَأَقُل لّكُمَآ إِنّ الشّيْطَآنَ لَكُمَا عَدُوٌ مّبِينٌ }.
يعني جلّ ثناؤه بقوله: فَدَلاّهُما بِغُرُورٍ فخدعهما بغرور, يقال منه: ما زال فلان يدلّي فلانا بغرور, بمعنى: ما زال يخدعه بغرور ويكلمه بزخرف من القول باطل. فَلَمّا ذَاقَا الشّجَرَةَ يقول: فلما ذاق آدم وحوّاء ثمر الشجرة, يقول: طعماه. بَدَتْ لَهُما سَوْآتُهُما يقول: انكشفت لهما سوآتهما, لأن الله أعراهما من الكسوة التي كان كساهما قبل الذنب والخطيئة, فسلبهما ذلك بالخطيئة التي أخطئا, أو المعصية التي ركبا. وَطَفِقَا يَخْصَفانِ عَلَيْهما مِنْ وَرَقِ الجَنّةِ يقول: أقبلا وجعلا يشدّان عليهما من ورق الجنة ليواريا سوآتهما. كما:
11267ـ حدثنا أبو كريب, قال: حدثنا وكيع, عن إسرائيل, عن سماك, عن عكرمة, عن ابن عباس: وَطَفِقا يَخْصِفانِ عَلَيْهِما مِنْ وَرَقِ الجَنّةِ قال: جعلا يأخذان من ورق الجنة فيجعلان على سوءاتهما.
11268ـ حدثنا القاسم, قال: حدثنا الحسين, قال: ثني حجاج, عن أبي بكر, عن الحسن, عن أبيّ بن كعب, قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «كانَ آدَمُ كأنّهُ نَخْلَةٌ سَحُوقٌ كَثِيرَ شَعْرِ الرأْسِ, فَلَمّا وَقَعَ بالخَطِيئَةِ بَدَتْ لَهُ عَوْرتُهُ وكانَ لا يَرَاها, فانْطَلَقَ فارّا, فَتَعَرّضَتْ لَهُ شَجَرَةٌ فَحَبَسَتْهُ بِشَعْرِهِ, فَقالَ لَهَا: أرْسِلِيني, فَقالَتْ: لَسْتُ بمُرْسِلَتِكَ, فَنادَاهُ رَبّهُ: يا آدَمُ, أمِنّي تَفِرّ؟ قالَ: لا, وَلَكِنّي اسْتَحَيْتُكَ».
11269ـ حدثني المثنى, قال: حدثنا إسحاق, قال: أخبرنا عبد الرزاق, قال: أخبرنا سفيان بن عيينة وابن مبارك, عن الحسن, عن عمارة, عن المنهال بن عمرو, عن سعيد بن جبير, عن ابن عباس, قال: كانت الشجرة التي نهى الله عنها آدم وزوجته: السنبلة فلما أكلا منها بدت لهما سوءاتهما, وكان الذي وارى عنهما من سوآتهما أظفارهما وَطَفِقا يَخْصِفانِ عَلَيْهِما مِنْ وَرَقِ الجَنّةِ ورق التين يلصقان بعضها إلى بعض, فانطلق آدم مولّيا في الجنة, فأخذت برأسه شجرة من الجنة, فناداه: أي آدم أمني تفرّ؟ قال: لا, ولكني استحيتك يا ربّ قال: أما كان لك فيما منحتك من الجنة وأبحتك منها مندوحة عما حرّمت عليك؟ قال: بلى يا ربّ, ولكن وعزّتك ما حسبت أن أحدا يحلف بك كاذبا. قال: وهو قول الله: وَقاسمَهُما إنّي لَكُما لَمِنَ النّاصِحينَ قال: فبعزّتي لأهبطنك إلى الأرض, ثم لا تنال العيش إلا كدّا قال: فأهبط من الجنة, وكانا يأكلان فيها رغدا, فأهبطا في غير رغد من طعام وشراب, فعلّم صنعة الحديد, وأمر بالحرث, فحرث وزرع ثم سقى. حتى إذا بلغ حصده ثم داسه, ثم ذراه, ثم طحنه, ثم عجنه, ثم خبزه, ثم أكله, فلم يبلغه حتى بلغ منه ما شاء الله أن يبلغ.
11270ـ حدثني محمد بن عمرو, قال: حدثنا أبو عاصم, قال: حدثنا عيسى, عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد, في قول الله: يَخْصِفانِ قال: يرقعان كهيئة الثوب.
حدثني المثنى, قال: حدثنا أبو حذيفة, قال: حدثنا شبل, عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد: يخصفان عليهما من الورق كهيئة الثوب.
11271ـ حدثنا بشر بن معاذ, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة, قوله: فَلَمّا ذَاقا الشّجَرَةَ بَدَتْ لَهُما سَوْآتُهُما وكانا قبل ذلك لا يريانها وطَفِقا يَخْصِفانِ... الاَية.
11272ـ وقال: حدثنا سعيد, عن قتادة, قال: حدثنا الحسن, عن أبيّ بن كعب: أن آدم عليه السلام كان رجلاً طوالاً, كأنه نخلة سحوق, كثير شعر الرأس فلما وقع بما وقع به من الخطيئة, بدت له عورته عند ذلك, وكان لا يراها. فانطلق هاربا في الجنة, فعلقت برأسه شجرة من شجر الجنة, فقال لها: أرسليني قالت: إني غير مرسلتك. فناداه ربه: يا آدم, أمني تفرّ؟ قال: ربّ إني استحيتك.
11273ـ حدثنا ابن وكيع, قال: حدثنا جعفر بن عون, عن سفيان الثوريّ, عن ابن أبي ليلى, عن المنهال بن عمرو, عن سعيد بن جبير, عن ابن عباس: وَطَفِقا يَخْصِفانِ عَلَيْهِما مِنْ وَرَقِ الجَنّةِ قال: ورق التين.
حدثنا ابن وكيع, قال: حدثنا يحيى بن آدم, عن شريك, عن ابن أبي ليلى, عن المنهال, عن سعيد بن جبير, عن ابن عباس: وَطَفقا يَخْصِفان عَلَيْهِما مِنْ وَرَق الجَنّة قال: ورق التين.
11274ـ حدثنا القاسم, قال: حدثنا الحسين, قال: ثني حجاج, عن حسام بن معبد, عن قتادة وأبي بكر عن غير قتادة قال: كان لباس آدم في الجنة ظُفُرا كله, فلما وقع بالذنب كشط عنه وبدت سوأته. قال أبو بكر: قال غير قتادة: فَطَفِقا يَخْصِفان عَلَيْهِما مِنْ وَرَق الجَنّةِ قال: ورق التين.
حدثنا الحسن بن يحيى, قال: أخبرنا عبد الرزاق, قال: أخبرنا معمر, عن قتادة, في قوله: بَدَتْ لَهُما سَوآتُهُما قال: كانا لا يريان سوآتهما.
11275ـ حدثني المثنى, قال: حدثنا إسحاق, قال: حدثنا عبد الله بن الزبير, عن ابن عيينة, قال: حدثنا عمرو, قال: سمعت وهب بن منبه يقول: يَنْزِعُ عَنْهُما لِباسَهُما قال: كان لباس آدم وحوّاء عليهما السلام نورا على فروجهما, لا يرى هذا عورة هذه ولا هذه عورة هذا. فلما أصابا الخطيئة بدت لهما سوآتهما.
القول في تأويل قوله تعالى: وَنادَاهُمَا رَبّهُما ألَمْ أنْهَكُما عَنْ تِلْكُما الشّجَرَةِ وأقُلْ لَكُما إنّ الشّيْطانَ لَكُما عَدُوّ مُبِينٌ.
يقول تعالى ذكره: ونادى آدم وحوّاء ربهما: ألم أنهكما عن أكل ثمرة الشجرة التي أكلتما ثمرها, وأعلمكما أن إبليس لكما عدوّ مبين؟ يقول: قد أبان عداوته لكما بترك السجود لاَدم حسدا وبغيا. كما:
11276ـ حدثنا القاسم, قال: حدثنا الحسين, قال: ثني حجاج, عن أبي معشر, عن محمد بن قيس, قوله: وَنادَاهُما رَبّهُما ألَمْ أنْهَكُما عَنْ تِلْكُما الشّجَرَةِ وأقُلْ لَكُما إنّ الشّيْطانَ لَكُما عَدُوٌ مُبِينٌ لِمَ أكلتها وقد نهيتك عنها؟ قال: يا ربّ أطعمتني حوّاء قال لحوّاء: لم أطعمته؟ قالت: أمرتني الحية. قال للحية: لم أمرتها؟ قالت: أمرني إبليس. قال: ملعون مدحور أما أنتِ يا حوّاء فكما دَمِيت الشجرة تدْمين كلّ شهر, وأما أنت يا حية فأقطع قوائمك فتمشين على وجهك, وسيشدخ رأسك من لقيك اهْبِطُوا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوّ.
11277ـ حدثنا القاسم, قال: حدثنا الحسين, قال: حدثنا عباد بن العوّام, عن سفيان بن حسين, عن يعلى بن مسلم, عن سعيد بن جبير, عن ابن عباس, قال: لما أكل آدم من الشجرة قيل له: لم أكلتَ من الشجرة التي نهيتك عنها؟ قال: حوّاء أمرتني, قال: فإني قد أعقبتها أن لا تحمل إلا كرها ولا تضع إلا كرها. قال: فرنّت حوّاء عند ذلك, فقيل لها: الرنة عليك وعلى ولدك