تفسير الطبري تفسير الصفحة 167 من المصحف

 تفسير الطبري - صفحة القرآن رقم 167
168
166
 الآية : 138
القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {وَجَاوَزْنَا بِبَنِيَ إِسْرَآئِيلَ الْبَحْرَ فَأَتَوْاْ عَلَىَ قَوْمٍ يَعْكُفُونَ عَلَىَ أَصْنَامٍ لّهُمْ قَالُواْ يَمُوسَىَ اجْعَلْ لّنَآ إِلَـَهاً كَمَا لَهُمْ آلِهَةٌ قَالَ إِنّكُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُونَ }..
يقول تعالـى ذكره: وقطعنا ببنـي إسرائيـل البحر بعد الاَيات التـي أريناهموها والعبر التـي عاينوها علـى يدي نبـيّ الله موسى, فلـم تزجرهم تلك الاَيات ولـم تعظهم تلك العبر والبـينات حتـى قالوا مع معاينتهم من الـحجج ما يحقّ أن يذكر معها البهائم, إذ مرّوا علـى قوم يعكفون علـى أصنام لهم, يقومون علـى مثل لهم يعبدونها من دون الله, اجعل لنا يا موسى إلها, يقول: مثالاً نعبده وصنـما نتـخذه إلها, كما لهؤلاء القوم أصنام يعبدونها, ولا تنبغي العبـادة لشيء سوى الله الواحد القهار. وقال موسى صلوات الله علـيه: إنكم أيها القوم قوم تـجهلون عظمة الله وواجب حقه علـيكم, ولا تعلـمون أنه لا تـجوز العبـادة لشيء سوى الله الذي له ملك السموات والأرض.
وذكر عن ابن جريج فـي ذلك ما:
11762ـ حدثنا القاسم, قال: حدثنا الـحسين, قال: ثنـي حجاج: وَجاوَزْنا بِبَنِـي إسْرَائِيـلَ البَحْرَ فأتَوْا علـى قَوْمٍ يَعْكُفُونَ علـى أصْنامٍ لَهُمْ قال ابن جريج: علـى أصنام لهم, قال: تـماثـيـل بقر, فلـما كان عجل السامريّ شبه لهم أنه من تلك البقر, فذلك كان أوّل شأن العجل قالُوا يا مُوسَى اجْعَلْ لَنا إلَها كمَا لَهُمْ آلِهَةٌ قال إنّكُمْ قَوْمٌ تَـجْهَلُونَ.
وقـيـل: إن القوم الذين كانوا عكوفـا علـى أصنام لهم, الذين ذكرهم الله فـي هذه الاَية, قوم كانوا من لـخم. ذكر من قال ذلك.
11763ـ حدثنا مـحمد بن بشار, قال: حدثنا بشر بن عمرو, قال: حدثنا العبـاس بن الـمفضل, عن أبـي العوّام, عن قتادة: فَأتَوْا عَلـى قَوْمٍ يَعْكُفُونَ علـى أصْنامٍ لَهُمْ قال: علـى لـخم, وقـيـل إنهم كانوا من الكنعانـيـين الذين أُمر موسى علـيه السلام بقتالهم.
11764ـ وقد حدثنا مـحمد بن عبد الأعلـى, قال: حدثنا مـحمد بن ثور, عن معمر, عن الزهري أن أبـا واقد اللـيثـي, قال: خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم قِبَل حنـين, فمررنا بِسْدرَة, قلت: يا نبـيّ الله اجعل لنا هذه ذات أنواط كما للكفـار ذات أنواط وكان الكفـار ينوطون سلاحهم بسدرة يعكفون حولها. فقال النبـيّ صلى الله عليه وسلم: «اللّهُ أكْبَرُ هَذَا كمَا قالَتْ بَنُو إسْرَائِيـلَ لِـمُوسَى: اجْعَلْ لَنا إلَها كمَا لَهمْ آلهَةٌ, إنّكُمْ سَترْكَبُونَ سُنَنَ الّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ».
حدثنا الـحسن بن يحيى, قال: أخبرنا عبد الرزاق, قال: أخبرنا معمر, عن الزهريّ, عن سنان ابن أبـي سنان, عن واقد اللـيثـي, قال: خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل حنـين, فمررنا بسدرة, فقلنا: يا نبـيّ الله اجعل لنا هذه ذات أنواط, فذكر نـحوه.
حدثنـي الـمثنى, قال: حدثنا الـحجاج, قال: حدثنا حماد, عن مـحمد بن إسحاق, عن الزهري, عن سنان ابن أبـي سنان, عن أبـي واقد اللـيثـي, عن رسول الله صلى الله عليه وسلم, نـحوه.
حدثنا ابن صالـح, قال: ثنـي اللـيث, قال: ثنـي عقـيـل, عن ابن شهاب, قال: أخبرنـي سنان بن أبـي سنان الديـلـي, عن أبـي واقد اللـيثـي: أنهم خرجوا من مكة مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلـى حنـين, قال: وكان للكفـار سدرة يعكفون عندها ويعلقون بها أسلـحتهم, يقال لها ذات أنواط قال: فمررنا بسدرة خضراء عظيـمة, قال: فقلنا يا رسول الله: اجعل لنا ذات أنواط قال: «قُلْتُـمْ وَالّذِي نَفْسِي بِـيَدِهِ ما قالَ قَوْمُ مِوسَى: اجْعَلْ لَنا إلَها كمَا لَهُمْ آلِهَةٌ, قالَ إنّكُمْ قَوْمٌ تَـجْهَلُونَ أنّها السّنَنُ لَترْكَبُنّ سُننَ مَنْ كانَ قَبْلَكُمْ».
الآية : 139
القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {إِنّ هَـَؤُلآءِ مُتَبّرٌ مّا هُمْ فِيهِ وَبَاطِلٌ مّا كَانُواْ يَعْمَلُونَ }..
وهذا خبر من الله تعالـى ذكره عن قـيـل موسى لقومه من بنـي إسرائيـل, يقول تعالـى ذكره قال لهم موسى: إن هؤلاء العكوف علـى هذه الأصنام, الله مهلك ما هم فـيه من العمل ومفسده, ومخسرهم فـيه بإثابته إياهم علـيه العذاب الـمهين, وبـاطل ما كانوا يعملون من عبـادتهم إياها فمضمـحلّ لأنه غير نافع عند مـجيء أمر الله وحلوله بساحتهم, ولا مدافع عنهم بأس الله إذا نزل بهم, ولا منقذهم من عذابه إذا عذّبهم فـي القـيامة, فهو فـي معنى ما لـم يكن.
وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك.
11765ـ حدثنـي مـحمد بن الـحسين, قال: حدثنا أحمد بن الـمفضل, وحدثنـي موسى بن هارون, قال: حدثنا عمرو بن حماد, قالا جميعا: حدثنا أسبـاط, عن السديّ: إنّ هَؤُلاءِ مُتَبّرٌ ما هُمْ فِـيهِ يقول: مهلك ما هم فـيه.
11766ـ حدثنـي الـمثنى, قال: حدثنا عبد الله بن صالـح, قال: ثنـي معاوية, عن علـيّ بن أبـي طلـحة, عن ابن عبـاس, قوله: إنّ هَؤُلاءِ مُتَبّرٌ ما هُمْ فِـيهِ يقول: خسران.
11767ـ حدثنـي يونس, قال: أخبرنا ابن وهب, قال: قال ابن زيد, فـي قوله: إنّ هَؤُلاءِ مُتَبّرٌ ما هُمْ فِـيهِ وبَـاطِلٌ ما كانُوا يَعْمَلُونَ قال: هذا كله واحد, كهيئة «غفور رحيـم», «عفوّ غفور». قال: والعرب تقول: إنه البـائس الـمتبر, وإنه البـائس الـمخسر.
الآية : 140
القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {قَالَ أَغَيْرَ اللّهِ أَبْغِيكُمْ إِلَـَهاً وَهُوَ فَضّلَكُمْ عَلَى الْعَالَمِينَ }..
يقول تعالـى ذكره: قال موسى لقومه: أسوى الله ألتـمسكم إلها وأجعل لكم معبودا تعبدونه, والله الذي هو خالقكم, فضّلكم علـى عالـمي دهركم وزمانكم يقول: أفأبغيكم معبودا لا ينفعكم ولا يضرّكم تعبدونه وتتركون عبـادة من فضلكم علـى الـخـلق؟ إن هذا منكم لـجهل.
الآية : 141
القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {وَإِذْ أَنْجَيْنَاكُمْ مّنْ آلِ فِرْعَونَ يَسُومُونَكُمْ سُوَءَ الْعَذَابِ يُقَتّلُونَ أَبْنَآءَكُمْ وَيَسْتَحْيُونَ نِسَآءَكُمْ وَفِي ذَلِكُمْ بَلآءٌ مّن رّبّكُمْ عَظِيمٌ }..
يقول تعالـى ذكره للـيهود من بنـي إسرائيـل الذين كانوا بـين ظهرانـي مهاجَر رسول الله صلى الله عليه وسلم: واذكروا مع قـيـلكم هذا الذي قلتـموه لـموسى بعد رؤيتكم من الاَيات والعبر, وبعد النعم التـي سلفت منـي إلـيكم, والأيادي التـي تقدمت فعلكم ما فعلتـم. إذْ أنْـجَيْناكُمْ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ وهم الذين كانوا علـى منهاجه وطريقته فـي الكفر بـالله من قومه. يَسُومُونَكُمْ سُوءَ العَذَابِ يقول: إذ يحملونكم أقبح العذاب وسيئه. وقد بـينا فـيـما مضى من كتابنا هذا ما كان العذاب الذي كان يسومهم سيئه. يُقَتّلُونَ أبْناءَكُمْ الذكور من أولادهم, وَيَسْتَـحْيُونَ نِساءَكُمْ يقول: يستبقون إناثهم. وفِـي ذَلِكُمْ بَلاءٌ مِنْ رَبّكُمْ عَظِيـمٌ يقول: وفـي سومهم إياكم سوء العذاب, اختبـار من الله لكم وتعمد عظيـم.
الآية : 142
القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {وَوَاعَدْنَا مُوسَىَ ثَلاَثِينَ لَيْلَةً وَأَتْمَمْنَاهَا بِعَشْرٍ فَتَمّ مِيقَاتُ رَبّهِ أَرْبَعِينَ لَيْلَةً وَقَالَ مُوسَىَ لأخِيهِ هَارُونَ اخْلُفْنِي فِي قَوْمِي وَأَصْلِحْ وَلاَ تَتّبِعْ سَبِيلَ الْمُفْسِدِينَ }..
يقول تعالـى ذكره: وواعدنا موسى لـمناجاتنا ثلاثـين لـيـلة وقـيـل: إنها ثلاثون لـيـلة من ذي القعدة. وأتـمَـمْناها بِعَشْرٍ يقول: وأتـمـمنا الثلاثـين اللـيـلة بعشر لـيال تتـمة أربعين لـيـلة. وقـيـل: إن العشر التـي أتـمها به أربعين, عشر ذي الـحجة. ذكر من قال ذلك.
11768ـ حدثنا ابن وكيع, قال: حدثنا أبـي, عن سفـيان, عن لـيث, عن مـجاهد: وَوَاعَدْنا مُوسَى ثَلاثِـينَ لَـيْـلَةً وأتـمَـمْناها بِعَشْرٍ قال: ذو القعدة وعشر ذي الـحجة.
قال: ثنا جرير, عن لـيث, عن مـجاهد: وَوَاعَدْنا مُوسَى ثَلاثِـينَ لَـيْـلَةً وأتـمَـمْناها بِعَشْرٍ قال: ذو القعدة وعشر ذي الـحجة, ففـي ذلك اختلفوا.
حدثنـي الـمثنى, قال: حدثنا أبو حذيفة, قال: حدثنا شبل, عن ابن أبـي نـجيح, عن مـجاهد: وَوَاعَدْنا مُوسَى ثَلاثِـينَ لَـيْـلَةً هو ذو القعدة وعشر من ذي الـحجة, فذلك قوله: فَتَـمّ مِيقاتُ رَبّهِ أرْبَعِينَ لَـيْـلَةً.
11769ـ حدثنـي مـحمد بن عبد الأعلـى, قال: حدثنا الـمعتـمر بن سلـيـمان, عن أبـيه, قال: زعم حضرميّ أن الثلاثـين التـي كان واعد موسى ربه كانت ذا القعدة والعشر من ذي الـحجة التـي تـمـم الله بها الأربعين.
11770ـ حدثنا القاسم, قال: حدثنا الـحسين, قال: ثنـي حجاج, عن ابن جريج, عن مـجاهد: وَوَاعَدْنا مُوسَى ثَلاثِـينَ لَـيْـلَةً قال: ذو القعدة. وأتـمَـمْناها بِعَشْرٍ قال: عشر ذي الـحجة. قال ابن جريج: قال ابن عبـاس, مثله.
حدثنـي الـحرث, قال: حدثنا عبد العزيز, قال: حدثنا أبو سعد, قال: سمعت مـجاهدا يقول فـي قوله: وَوَاعَدْنا مِوسَى ثَلاثِـينَ لَـيْـلَةً وأتْـمَـمْناها بِعَشْرٍ قال: ذو القعدة, والعشر الأوّل من ذي الـحجة.
11771ـ قال: ثنا عبد العزيز, قال: حدثنا إسرائيـل, عن أبـي إسحاق, عن مسروق: وأتـمَـمْناها بِعَشْرٍ قال: عشر الأضحى.
وأما قوله: فَتَـمّ مِيقاتُ رَبّهِ أرْبَعِينَ لَـيْـلَةً فإنه يعنـي: فكمل الوقت الذي واعد الله موسى أربعين لـيـلة وبلغها. كما:
11772ـ حدثنا القاسم, قال: حدثنا الـحسين, قال: ثنـي حجاج, عن ابن جريج: فَتَـمّ مِيقاتُ رَبّهِ قال: فبلغ ميقات ربه أربعين لـيـلة.
القول فـي تأويـل قوله تعالـى: وَقالَ مُوسَى لأَخِيهِ هارُونَ اخْـلُفْنِـي فـي قَوْمي وأصْلِـحْ وَلا تَتّبِعْ سَبِـيـلَ الـمُفْسِدِينَ.
يقول تعالـى ذكره: لـما مضى لـموعد ربه, قال لأخيه هارون: اخْـلُفْنِـي فِـي قَوْمي يقول: كن خـلـيفتـي فـيهم إلـى أن أرجع, يقال منه: خَـلَفه يخـلُفُه خلافة. وأَصْلِـحْ يقول: وأصلـحهم بحملك إياهم علـى طاعة الله وعبـادته. كما:
11773ـ حدثنا القاسم, قال: حدثنا الـحسين, قال: ثنـي حجاج, عن ابن جريج, قال: قال موسى لأخيه هارون: اخْـلُفْنِـي فِـي قَومي وأصْلِـحْ وكان من إصلاحه أن لا يدع العجل يُعبد.
وقوله: وَلا تَتّبِعْ سَبِـيـلَ الـمُفْسِدِينَ يقول: ولا تسلك طريق الذين يفسدون فـي الأرض بـمعصيتهم ربهم, ومعونتهم أهل الـمعاصي علـى عصيانهم ربهم, ولكن اسلك سبـيـل الـمطيعين ربهم. فكانت مواعدة الله موسى علـيه السلام بعد أن أهلك فرعون ونـجى من بنـي إسرائيـل فـيـما قال أهل العلـم, كما:
11774ـ حدثنا القاسم, قال: حدثنا الـحسين, قال: ثنـي الـحجاج, عن ابن جريج, قوله: وَوَاعَدْنا مُوسَى ثَلاثِـينَ لَـيْـلَةً... الاَية, قال: يقول: إن ذلك بعد ما فرغ من فرعون, وقبل الطور لـما نـجى الله موسى علـيه السلام من البحر وغرق آل فرعون وخـلص إلـى الأرض الطيبة, أنزل الله علـيهم فـيها الـمنّ والسلوى وأمره ربه أن يـلقاه, فلـما أراد لقاء ربه استـخـلف هارون علـى قومه, وواعدهم أن يأتـيهم إلـى ثلاثـين لـيـلة ميعادا من قِبله من غير أمر ربه ولا ميعاده فتوجّه لـيـلقـى ربه, فلـما تـمت ثلاثون لـيـلة, قال عدوّ الله السّامريّ: لـيس يأتـيكم موسى, وما يصلـحكم إلاّ إله تعبدونه فناشدهم هارون وقال: لا تفعلوا انظروا لـيـلتكم هذه ويومكم هذا, فإن جاء وإلاّ فعلتـم ما بدا لكم فقالوا: نعم. فلـما أصبحوا من غد ولـم يروا موسى عاد السامريّ لـمثل قوله بـالأمس, قال: وأحدث الله الأجل بعد الأجل الذي جعله بـينهم عشرا, فتـمّ ميقات ربه أربعين لـيـلة, فعاد هارون فناشدهم, إلا ما نظروا يومهم ذلك أيضا, فإن جاء وإلاّ فعلتـم ما بدا لكم. ثم عاد السامريّ الثالثة لـمثل قوله لهم, وعاد هارون فناشدهم أن ينتظروا. فلـما لـم يروه....
11775ـ قال القاسم: قال الـحسن: حدثنـي حجاج, قال: ثنـي أبو بكر بن عبد الله الهذلـيّ, قال: قام السامريّ إلـى هارون حين انطلق موسى, فقال: يا نبـيّ الله إنا استعرنا يوم خرجنا من القبط حلـيّا كثـيرا من زينتهم, وإن الذين معك قد أسرعوا فـي الـحلـيّ يبـيعونه وينفقونه, وإنـما كان عاريَة من آل فرعون فلـيسوا بأحياء فنردّها علـيهم, ولا ندري لعلّ أخاك نبـيّ الله موسى إذا جاء يكون له فـيها رأي, إما يقربها قربـانا فتأكلها النار, وإما يجعلها للفقراء دون الأغنـياء. فقال له هارون: نعم ما رأيت وما قلت فأمر مناديا فنادى: من كان عنده شيء من حلـيّ آل فرعون فلـيأتنا به فأتوه به, فقال هارون: يا سامريّ أنت أحقّ من كانت عنده هذه الـخزانة. فقبضها السامريّ, وكان عدوّ الله الـخبـيث صائغا, فصاغ منه عجلاً جسدا, ثم قذف فـي جوفه تربة من القبضة التـي قبض من أثر فرس جبريـل علـيه السلام إذ رآه فـي البحر, فجعل يخور, ولـم يخر إلاّ مرّة واحدة, وقال لبنـي إسرائيـل: إنـما تـخـلف موسى بعد الثلاثـين لـيـلة يـلتـمس هذا هَذَا إلهُكُم وإلهُ مُوسَى فنَسِيَ يقول: إن موسى علـيه السلام نسي ربه.
الآية : 143
القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {وَلَمّا جَآءَ مُوسَىَ لِمِيقَاتِنَا وَكَلّمَهُ رَبّهُ قَالَ رَبّ أَرِنِيَ أَنظُرْ إِلَيْكَ قَالَ لَن تَرَانِي وَلَـَكِنِ انْظُرْ إِلَى الْجَبَلِ فَإِنِ اسْتَقَرّ مَكَانَهُ فَسَوْفَ تَرَانِي فَلَمّا تَجَلّىَ رَبّهُ لِلْجَبَلِ جَعَلَهُ دَكّاً وَخَرّ موسَىَ صَعِقاً فَلَمّآ أَفَاقَ قَالَ سُبْحَانَكَ تُبْتُ إِلَيْكَ وَأَنَاْ أَوّلُ الْمُؤْمِنِينَ }..
يقول تعالـى ذكره: ولـما جاء موسى للوقت الذي وعدنا أن يـلقانا فـيه, وكلّـمه ربه وناجاه, قال موسى لربه: أرِنـي أنْظُرْ إلَـيْكَ قال الله له مـجيبـا: لَنْ تَرَانِـي وَلَكِنِ انْظُرْ إلـى الـجَبَلِ.
وكان سبب مسألة موسى ربه النظر إلـيه, ما:
11776ـ حدثنـي به موسى بن هارون, قال: حدثنا عمرو, قال: حدثنا أسبـاط, عن السديّ, قال: إن موسى علـيه السلام لـما كلّـمه ربه أحبّ أن ينظر إلـيه, قالَ رَبّ أرِنـي أنْظُرْ إلَـيْكَ قالَ لَنْ تَرَانِـي وَلَكِنِ انْظُرْ إلـى الـجَبَلِ فإنِ اسْتَقَرّ مَكانَهُ فَسَوْفَ تَرَانِـي. فحفّ حول الـجبل, وحفّ حول الـملائكة بنار, وحفّ حول النار بـملائكة, وحفّ حول الـملائكة بنار, ثم تـجلـى ربه للـجبل.
11777ـ حدثنـي الـمثنى, قال: حدثنا إسحاق, قال: حدثنا عبد الله بن أبـي جعفر, عن أبـيه, عن الربـيع, فـي قوله: وَقَرّبْناهُ نَـجِيّا قال: ثنـي من لقـي أصحاب النبـيّ صلى الله عليه وسلم أنه قرّبه الربّ حتـى سمع صريف القلـم, فقال عند ذلك من الشوق إلـيه: رَبّ أرِنِـي أنْظُرْ إلَـيْكَ قالَ لَنْ تَرَنِـي وَلَكِنِ انْظُرْ إلـى الـجَبَلِ.
11778ـ حدثنا القاسم, قال: ثنـي الـحسين, قال: ثنـي حجاج, عن أبـي بكر الهذلـيّ, قال: لـما تـخـلف موسى علـيه السلام بعد الثلاثـين, حتـى سمع كلام الله اشتاق إلـى النظر إلـيه, فقال: رَبّ أرِنـي أنْظُرْ إلَـيْكَ قالَ لَنْ تَرَانِـي ولـيس لبشر أن يطيق أن ينظر إلـيّ فـي الدنـيا, من نظر إلـيّ مات. قال: إلهي سمعت منطقك واشتقت إلـى النظر إلـيك, ولأن أنظر إلـيك ثم أموت أحبّ إلـيّ من أن أعيش ولا أراك قال: فـانظر إلـى الـجبل, فإن استقرّ مكانه فسوف ترانـي.
11779ـ حدثنـي الـمثنى, قال: حدثنا عبد الله, قال: ثنـي معاوية, عن علـيّ, عن ابن عبـاس, قوله: أرِنـي أنْظُرْ إلَـيْكَ قال: أعطنـي.
11780ـ حدثنا ابن حميد, قال: حدثنا سلـمة, عن ابن إسحاق, قال: استـخـلف موسى هارون علـى بنـي إسرائيـل, وقال: إنـي متعجل إلـى ربـي, فـاخـلفنـي فـي قومي, ولا تتبع سبـيـل الـمفسدين فخرج موسى إلـى ربه متعجلاً للقـيّه شوقا إلـيه, وأقام هارون فـي بنـي إسرائيـل, ومعه السامريّ يسير بهم علـى أثر موسى لـيـلـحقهم به. فلـما كلـم الله موسى, طمع فـي رؤيته, فسأل ربه أن ينظر إلـيه, فقال الله لـموسى: إنّكَ لَنْ تَرَانِـي ولكن انْظر إلـى الـجَبَلِ فإنِ اسْتَقَرّ مَكانَهُ فَسَوفَ تَرانِـي... الاَية: قال ابن إسحاق: فهذا ما وصل إلـينا فـي كتاب الله عن خبر موسى لـما طلب النظر إلـى ربه. وأهل الكتاب يزعمون وأهل التوراة, أن قد كان لذلك تفسير وقصة وأمور كثـيرة ومراجعة لـم تأتنا فـي كتاب الله, والله أعلـم. قال ابن إسحاق عن بعض أهل العلـم الأوّل بأحاديث أهل الكتاب: إنهم يجدون فـي تفسير ما عندهم من خبر موسى حين طلب ذلك إلـى ربه أنه كان من كلامه إياه حين طمع فـي رؤيته, وطلب ذلك منه, وردّ علـيه ربه منه ما ردّ, أن موسى كان تطهّر وطهّر ثـيابه وصام للقاء ربه فلـما أتـى طور سينا, ودنا الله له فـي الغمام فكلـمه, سبحه وحمده وكبره وقدّسه, مع تضرّع وبكاء حزين, ثم أخذ فـي مدحته, فقال: ربّ ما أعظمك وأعظم شأنك كله, من عظمتك أنه لـم يكن شيء من قبلك, فأنت الواحد القهار, كان عرشك تـحت عظمتك نار توقد لك, وجعلت سرادق من دونه سرادق من نور, فما أعظمك ربّ, وأعظم ملكك, جعلت بـينك وبـين ملائكتك مسيرة خمسمائة عام, فما أعظمك ربّ وأعظم ملكك فـي سلطانك, فإذا أردت شيئا تقضيه فـي جنودك الذين فـي السماء, أو الذين فـي الأرض, وجنودك الذين فـي البحر, بعثت الريح من عندك لا يراها شيء من خـلقك إلاّ أنت إن شئت, فدخـلت فـي جوف من شئت من أنبـيائك, فبلغوا لـما أردت من عبـادك, ولـيس أحد من ملائكتك يستطيع شيئا من عظمتك, ولا من عرشك, ولا يسمع صوتك, فقد أنعمت علـيّ, وأعظمت علـيّ فـي الفضل, وأحسنت إلـيّ كلّ الإحسان, عظمتنـي فـي أمـم الأرض, وعظمتنـي عند ملائكتك, وأسمعتنـي صوتك, وبذلت لـي كلامك, وآتـيتنـي حكمتك, فإن أعدّ نعماك لا أحصيها, وإن أردت شكرك لا أستطيعها. دعوتك ربّ علـى فرعون بـالاَيات العظام, والعقوبة الشديدة, فضربت بعصاي التـي فـي يدي البحر, فـانفلق لـي ولـمن معي, ودعوتك حين جزت البحر, فأغرقت عدوّك وعدوّي, وسألتك الـماء لـي ولأمتـي, فضربت بعصاي التـي فـي يدي الـحجر, فمنه أرويتنـي وأمتـي, وسألتك لأمتـي طعاما لـم يأكله أحد كان قبلهم, فأمرتنـي أن أدعوك من قِبَل الـمشرق, ومن قِبَل الـمغرب. فناديتك من شرقـي أمتـي, فأعطيتهم الـمنّ من مشرقـي لنفسي, وآتـيتهم السلوى من غربـيهم من قِبَل البحر, واشتكيت الـحرّ فناديتك, فظللت علـيهم بـالغمام, فما أطيق نعماك علـيّ أن أعدّها ولا أحصيها, وإن أردت شكرها لا أستطيعها. فجئتك الـيوم راغبـا طالبـا سائلاً متضرّعا, لتعطينـي ما منعت غيري, أطلب إلـيك وأسألك يا ذا العظمة والعزّة والسلطان أن ترينـي أنظر إلـيك, فإنـي قد أحببت أن أرى وجهك الذي لـم يره شيء من خـلقك. قال له ربّ العزّة: فلا ترى يا ابن عمر أن ما تقول؟ تكلـمت بكلام هو أعظم من سائر الـخـلق, لا يرانـي أحد فـيحيا, ألـيس فـي السموات معمري, فإنهن قد ضعفن أن يحملن عظمتـي, ولـيس فـي الأرض معمري, فإنها قد ضعفت أن تسع بجندي, فلست فـي مكان واحد فأتـجلـى لعين تنظر إلـيّ. قال موسى: يا ربّ أن أراك وأموت, أحبّ إلـيّ من أن لا أراك ولا أحيا, قال له ربّ العزّة: يا ابن عمران تكلّـمت بكلام هو أعظم من سائر الـخـلق, لا يرانـي أحد فـيحيا. قال: ربّ تـمـم علـيّ نعماك, وتـمـم علـيّ فضلك, وتـمـم علـيّ إحسانك هذا الذي سألتك لـيس لـي أن أراك فأقبض, ولكن أحبّ أن أراك فـيطمئن قلبـي. قال له: يا ابن عمران لن يرانـي أحد فـيحيا. قال: موسى ربّ تـمـم علـيّ نعماك وفضلك, وتـمـم علـيّ إحسانك هذا الذي سألتك لـيس لـي أن أراك فأموت علـى أثر ذلك أحبّ إلـيّ من الـحياة, فقال الرحمن الـمترحم علـى خـلقه: قد طلبت يا موسى, وأعطيتك سؤلك إن استطعت أن تنظر إلـيّ, فـاذهب فـاتـخذ لوحين, ثم انظر إلـى الـحجر الأكبر فـي رأس الـجبل, فإن ما وراءه وما دونه مضيق لا يسع إلاّ مـجلسك يا ابن عمران, ثم انظر فإنـي أهبط إلـيك وجنودي من قلـيـل وكثـير. ففعل موسى كما أمره ربه, نـحت لوحين ثم صعد بهما إلـى الـجبل, فجلس علـى الـحجر: فلـما استوى علـيه, أمر الله جنوده الذين فـي السماء الدنـيا, فقال: ضعي أكنافك حول الـجبل, فسمعت ما قال الربّ ففعلت أمره, ثم أرسل الله الصواعق والظلـمة والضبـاب علـى ما كان يـلـي الـجبل الذي يـلـي موسى أربعة فراسخ من كل ناحية, ثم أمر الله ملائكة الدنـيا أن يـمرّوا بـموسى, فـاعترضوا علـيه, فمروا به طيران النعَر تنبع أفواههم بـالتقديس والتسبـيح بأصوات عظيـمة كصوت الرعد الشديد, فقال موسى بن عمران علـيه السلام: ربّ إنـي كنت عن هذا غنـيا, ما ترى عيناي شيئا قد ذهب بصرهما من شعاع النور الـمتصفف علـى ملائكة ربـي. ثم أمر الله ملائكة السماء الثانـية أن اهبطوا علـى موسى, فـاعترضوا علـيه, فهبطوا أمثال الأسْد, لهم لَـجَبٌ بـالتسبـيح والتقديس, ففزع العبد الضعيف ابن عمران مـما رأى ومـما سمع, فـاقشعرّت كلّ شعرة فـي رأسه وجلده, ثم قال: ندمت علـى مسئلتـي إياك, فهل ينـجينـي من مكانـي الذي أنا فـيه شيء؟ فقال له خير الـملائكة ورأسهم: يا موسى اصبر لـما سألت, فقلـيـل من كثـير ما رأيت ثم أمر الله ملائكة السماء الثالثة أن اهبطوا علـى موسى, فـاعترضوا علـيه, فأقبلوا أمثال النسور لهم قصْف ورجف ولـجب شديد, وأفواههم تنبع بـالتسبـيح والتقديس كلـجب الـجيش العظيـم أو كلهب النار, ففزع موسى, وأيست نفسه, وأساء ظنه, وأيس من الـحياة, فقال له خير الـملائكة ورأسهم: مكانك يا ابن عمران, حتـى ترى ما لا تصير علـيه؟ ثم أمر الله ملائكة السماء الرابعة أن اهبطوا فـاعترِضوا علـى موسى بن عمران. فأقبلوا وهبطوا علـيه لا يشبههم شيء من الذين مرّوا به قبلهم, ألوانهم كلهب النار, وسائر خـلقهم كالثلـج الأبـيض, أصواتهم عالـية بـالتسبـيح والتقديس, لا يقاربهم شيء من أصوات الذين مرّوا به قبلهم. فـاصطكت ركبتاه, وأرعد قلبه, واشتدّ بكاؤه, فقال خير الـملائكة ورأسهم: يا ابن عمران اصبر لـما سألت, فقلـيـل من كثـير ما رأيت ثم أمر الله ملائكة السماء الـخامسة أن اهبطوا فـاعترِضوا علـى موسى, فهبطوا علـيه سبعة ألوان, فلـم يستطع موسى أن يتبعهم طرفه, ولـم ير مثلهم ولـم يسمع مثل أصواتهم, وامتلأ جوفه خوفـا, واشتدّ حزنه, وكثر بكاؤه, فقال له خير الـملائكة ورأسهم: يا ابن عمران مكانك حتـى ترى ما لا تصبر علـيه ثم أمر الله ملائكة السماء السادسة أن اهبطوا علـى عبدي الذي طلب أن يرانـي موسى بن عمران واعترِضوا علـيه. فهبطوا علـيه فـي يد كلّ ملك مثل النـخـلة الطويـلة نارا أشدّ ضوءا من الشمس, ولبـاسهم كلهب النار, إذا سبحوا وقدّسوا جاوبهم من كان قبلهم من ملائكة السموات كلهم, يقولون بشدة أصواتهم: سبوح قدّوس ربّ العزّة أبدا لا يـموت, فـي رأس كلّ ملك منهم أربعة أوجه. فلـما رآهم موسى رفع صوته يسبّح معهم حين سبحوا, وهو يبكي ويقول: ربّ اذكرنـي, ولا تنس عبدك لا أدري أنقلب مـما أنا فـيه أم لا؟ إن خرجت أحرقت, وإن مكثت متّ. فقال له كبـير الـملائكة ورئيسهم: قد أوشكت يا ابن عمران أن يـمتلـىء جوفك, وينـخـلع قلبك, ويشتدّ بكاؤك فـاصبر للذي جلست لتنظر إلـيه يا ابن عمران وكان جبل موسى جبلاً عظيـما, فأمر الله أن يحمل عرشه, ثم قال: مرّوا بـي علـى عبدي لـيرانـي, فقلـيـل من كثـير ما رأى فـانفرج الـجبل من عظمة الربّ, وغشي ضوء عرش الرحمن جبل موسى, ورفعت ملائكة السموات أصواتها جميعا, فـارتـجّ الـجبل فـاندكّ, وكلّ شجرة كانت فـيه, وخرّ العبد الضعيف موسى بن عمران صعقا علـى وجهه لـيس معه روحه, فأرسل الله الـحياة برحمته, فتغشاه برحمته وقلب الـحجر الذي كان علـيه وجعله كالـمعدة, كهيئة القبة لئلا يحترق موسى, فأقامه الروح مثل الأم أقامت جنـينها حين يصرع, قال: فقام موسى يسبح الله ويقول: آمنت أنك ربـي, وصدّقت أنه لا يراك أحد فـيحيا, ومن نظر إلـى ملائكتك انـخـلع قلبه, فما أعظمك ربّ وأعظم ملائكتك, أنت ربّ الأربـاب وإله الاَلهة وملك الـملوك, تأمر الـجنود الذين عندك فـيطيعونك, وتأمر السماء وما فـيها فتطيعك, لا تستنكف من ذلك, ولا يعدلك شيء ولا يقوم لك شيء, ربّ تبت إلـيك, الـحمد لله الذي لا شريك له, ما أعظمك وأجلك ربّ العالـمين
القول فـي تأويـل قوله تعالـى: فَلَـمّا تَـجَلّـى رَبّهُ للْـجَبَلِ جَعَلَهُ دَكّا وَخَرّ مِوسَى صَعِقا.
يقول تعالـى ذكره: فما اطلع الربّ للـجبل جعل الله الـجبل دكّا: أي مستويا بـالأرض. وخَرّ مُوسَى صَعِقا أي مغشيّا علـيه.
وبنـحو ما قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك.
11781ـ حدثنـي الـحسين بن مـحمد بن عمرو العنقزي, قال: ثنـي أبـي, قال: حدثنا أسبـاط, عن السديّ, عن عكرمة, عن ابن عبـاس, فـي قول الله: فَلَـمّا تَـجَلّـى رَبّهُ للْـجَبَلِ جَعَلَهُ دَكّا قال: ما تـجلـى منه إلا قدر الـخنصر. جَعَلَهُ دَكّا قال: ترابـا. وَخَرّ مُوسَى صَعِقا قال: مغشيّا علـيه.
11782ـ حدثنا موسى, قال: حدثنا عمرو, قال: حدثنا أسبـاط, قال: زعم السديّ, عن عكرمة, عن ابن عبـاس أنه قال: تـجلـى منه مثل الـخنصر, فجعل الـجبل دكّا, وخرّ موسى صعقا, فلـم يزل صعقا ما شاء الله.
11783ـ حدثنـي يونس, قال: أخبرنا ابن وهب, قال: قال ابن زيد فـي قوله: وَخَرّ مُوسَى صَعِقا قال: مغشيّا علـيه.
11784ـ حدثنا بشر بن معاذ, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة, قوله: فَلَـمّا تَـجَلّـى رَبّهُ للْـجَبَلِ جَعَلَهُ دَكّا قال: انقعر بعضه علـى بعض. وَخَرّ مُوسَى صَعِقا: أي ميتا.
11785ـ حدثنا القاسم, قال: حدثنا الـحسين, قال: ثنـي حجاج, عن ابن جريج: وَخَرّ مُوسَى صَعِقا: أي ميتا.
11786ـ حدثنا مـحمد بن عبد الأعلـى, قال: حدثنا مـحمد بن ثور, عن معمر, عن قتادة, فـي قوله: دَكّا قال: دكّ بَعْضُه بعضا.
11787ـ حدثنـي الـمثنى, قال: حدثنا سويد, قال: أخبرنا ابن الـمبـارك, قال: سمعت سفـيان يقول فـي قوله: فَلَـمّا تَـجَلّـى رَبّهُ للْـجَبَلِ جَعَلَهُ دَكّا قال: ساخ الـجبل فـي الأرض حتـى وقع فـي البحر, فهو يذهب معه.
11788ـ حدثنا القاسم, قال: حدثنا الـحسين, عن الـحجاج, عن أبـي بكر الهذلـيّ: فَلَـمّا تَـجَلّـى رَبّهُ للْـجَبَلِ جَعَلَهُ دَكّا: انقعر فدخـل تـحت الأرض فلا يظهر إلـى يوم القـيامة.
11789ـ حدثنا أحمد بن سهيـل الواسطي, قال: حدثنا قرة بن عيسى, قال: حدثنا الأعمش, عن رجل, عن أنس عن النبـيّ صلى الله عليه وسلم, قال: «لَـمّا تَـجَلّـى رَبّهُ للْـجَبَلِ أشارَ بأُصْبُعَيْهِ فَجَعَلَهُ دَكّا». وأرانا أبو إسماعيـل بأصبعه السبّـابة.
11790ـ حدثنـي الـمثنى, قال: ثنـي الـحجاج بن الـمنهال, قال: حدثنا حماد, عن ثابت, عن أنس: أن النبـيّ صلى الله عليه وسلم قرأ هذه الاَية: فَلَـمّا تَـجَلّـى رَبّهُ للْـجَبَلِ جَعَلَهُ دَكّا قال: «هكذا» بأصبعه ووضع النبـيّ صلى الله عليه وسلم الإبهام علـى الـمفصل الأعلـى من الـخنصر, «فسَاخَ الـجَبَلُ».
11791ـ حدثنـي الـمثنى, قال: حدثنا هدبة بن خالد, قال: حدثنا حماد بن سلـمة, عن ثابت, عن أنس بن مالك, قال: قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم: فَلَـمّا تَـجَلّـى رَبّهُ للْـجَبَلِ جَعَلَهُ دَكّا قال: وضع الإبهام قريبـا من طرف خنصره, قال: «فَساخَ الـجَبَلُ» فقال حميد لثابت: تقول هذا؟ قال: فرفع ثابت يده فضرب صدر حميد, وقال: يقوله رسول الله صلى الله عليه وسلم ويقوله أنس وأنا أكتـمه
11792ـ حدثنـي الـمثنى, قال: حدثنا إسحاق, قال: حدثنا عبد الله بن أبـي جعفر, عن أبـيه, عن الربـيع فَلَـمّا تَـجَلّـى رَبّهُ للْـجَبَلِ جَعَلَهُ دَكّا وَخَرّ مُوسَى صَعِقا وذلك أن الـجبل حين كشف الغطاء ورأى النور صار مثل دك من الدكات.
11793ـ حدثنا الـحرث, قال: حدثنا عبد العزيز, قال: حدثنا أبو سعد, عن مـجاهد: وَلـمّا جاءَ مُوسَى لِـميقاتِنا وكَلّـمَهُ رَبّهُ قالَ رَبّ أرِنـي أنْظُرْ إلَـيْكَ قالَ لَنْ تَرَانِـي وَلَكِنِ انْظُرْ إلـى الـجَبَلِ فإن اسْتَقَرّ مَكانَهُ فإنه أكبر منك وأشد خـلقا. فَلَـمّا تَـجَلّـى رَبّهُ للْـجَبَلِ فنظر إلـى الـجبل لا يتـمالك, وأقبل الـجبل يندّك علـى أوّله فلـما رأى موسى ما يصنع الـجبل خرّ صعقا.
واختلفت القرّاء فـي قراءة قوله: دَكّا. فقرأته عامّة قرّاء أهل الـمدينة والبصرة: دَكّا مقصورا بـالتنوين, بـمعنى: دك الله الـجبل دكّا أي فَتّتَه, واعتبـارا بقول الله: كَلاّ إذَا دُكّتِ الأرْضِ دَكّا دَكّا, وقوله: وحُمِلَتِ الأرْضُ والـجِبـالُ فَدُكّتا دَكّةً وَاحِدَةً. واستشهد بعضهم علـى ذلك بقول حميد:
يَدُكّ أرْكانَ الـجِبـالِ هَزَمُهْتَـخْطِرُ بـالبِـيضِ الرّقاقُ بُهَمُهْ
وقرأته عامّة قرّاء الكوفـيـين: «جَعَلَهُ دَكّاءَ» بـالـمدّ وترك الـجرّ والتنوين, مثل حمراء وسوداء. وكان مـمن يقرؤه كذلك عكرمة, ويقول فـيه ما:
11794ـ حدثنـي به أحمد بن يوسف, قال: حدثنا القاسم بن سلام, قال: حدثنا عبـاد بن عبـاد, عن يزيد بن حازم, عن عكرمة, قال: دكّاء من الدكّاوات. وقال: لـما نظر الله تبـارك وتعالـى إلـى الـجبل صار صخره ترابـا.
واختلف أهل العربـية فـي معناه إذا قرىء كذلك. فقال بعض نـحويـي البصرة: العرب تقول: ناقة دكاء: لـيس لها سنام, وقال: الـجبل مذكر, فلا يشبه أن يكون منه إلا أن يكون جعله مثل دكاء حذف مثل وأجراه مـجرى: واسألِ القَرْيَةِ. وكان بعض نـحويـي الكوفة يقول: معنى ذلك: جعل الـجبل أرضا دكّاء, ثم حذفت الأرض وأقـيـمت الدكاء مقامها إذ أدّت عنها.
وأولـى القراءتـين فـي ذلك بـالصواب عندي قراءة من قرأ: «جعله دكاء» بـالـمدّ, وترك الـجرّ لدلالة الـخبر الذي رويناه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم علـى صحته وذلك أنه رُوي عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: «فَساخَ الـجَبَلُ» ولـم يقل: فتفتّت, ولا تـحوّل ترابـا. ولا شكّ أنه إذا ساخ فذهب ظهر وجه الأرض, فصار بـمنزلة الناقة التـي قد ذهب سنامها, وصارت دكاء بلا سنام. وأما إذا دكّ بعضه فإنـما يكسر بعضه بعضا ويتفتّت ولا يسوخ. وأما الدكاء فإنها خَـلَفٌ من الأرض, فلذلك أُنثت علـى ما قد بـينت. فمعنى الكلام إذن: فلـما تـجلـى ربه للـجبل ساخ, فجعل مكانه أرضا دكاء.
وقد بـيّنا معنى الصعِق بشواهده فـيـما مضى بـما أغنى عن إعادته فـي هذا الـموضع.
القول فـي تأويـل قوله تعالـى: فَلَـمّا أفـاقَ قالَ سُبْحانَكَ تُبْتُ إلَـيْكَ وأنا أوّلُ الـمُؤْمِنِـينَ.
يقول تعالـى ذكره: فلـما ثاب إلـى موسى علـيه السلام فهمه من غشيته, وذلك هو الإفـاقة من الصعقة التـي خرّ لها موسى صلى الله عليه وسلم, قال: سُبْحانَكَ تنزيها لك يا ربّ وتبرئة أن يراك أحد فـي الدنـيا ثم يعيش. تُبْتُ إلَـيْكَ من مسألتـي إياك ما سألتك من الرؤية. وأنا أوّلُ الـمُؤْمِنِـينَ بك من قومي أن لا يراك فـي الدنـيا أحد إلا هلك.
وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك قال جماعة من أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك:
11795ـ حدثنا ابن وكيع, قال: حدثنا عبد الله بن موسى, عن أبـي جعفر الرازي, عن الربـيع بن أنس, عن أبـي العالـية, فـي قوله: تُبْتُ إلَـيْكَ وأنا أوّلُ الـمُؤْمِنِـينَ قال: كان قبله مؤمنون, ولكن يقول: أنا أوّل من آمن بأنه لا يراك أحد من خـلقك إلـى يوم القـيامة.
11796ـ حدثنـي الـمثنى, قال: حدثنا إسحاق, قال: حدثنا عبد الله بن أبـي جعفر, عن أبـيه, عن الربـيع, قال: لـما رأى موسى ذلك وأفـاق, عرف أنه قد سأل أمرا لا ينبغي له, فقال: سُبْحانَكَ تُبْتُ إلَـيْكَ وأنا أوّلُ الـمُؤْمِنِـينَ قال أبو العالـية: عنى أنى أوّل من آمن بك أنه لن يراك أحد قبل يوم القـيامة.
11797ـ حدثنـي عبد الكريـم بن الهيثم, قال: حدثنا إبراهيـم بن بشار, قال: قال سفـيان: قال أبو سعد, عن عكرمة عن ابن عبـاس: وَخَرّ مُوسَى صَعِقا فمرّت به الـملائكة وقد صعق, فقالت: يا ابن النساء الـحيض لقد سألت ربك أمرا عظيـما. فلـما أفـاق قال: سبحانك لا إله إلا أنت, تبت إلـيك, وأنا أوّل الـمؤمنـين قال: أنا أوّل من آمن أنه لا يراك أحد من خـلقك, يعنـي فـي الدنـيا.
11798ـ حدثنـي الـمثنى, قال: حدثنا عبد الله بن صالـح, قال: ثنـي معاوية, عن علـيّ, عن ابن عبـاس, قوله: قالَ سُبْحانَكَ تُبْتُ إلَـيْكَ وأنا أوّلُ الـمُؤْمِنِـينَ يقول: أنا أوّل من يؤمن أنه لا يراك شيء من خـلقك.
11799ـ حدثنا ابن وكيع, قال: حدثنا أبـي, عن سفـيان, عن رجل, عن مـجاهد: سُبْحانَكَ تُبْتُ إلَـيْكَ قال: من مسألتـي الرؤية.
حدثنـي الـحرث, قال: حدثنا عبد العزيز, قال: حدثنا أبو سعد, عن مـجاهد: قالَ سُبْحانَكَ تُبْتُ إلَـيْكَ أن أسألك الرؤية.
حدثنا ابن وكيع, قال: حدثنا أبو نعيـم, عن سفـيان, عن عيسى بن ميـمون, عن رجل, عن مـجاهد: سُبْحانَكَ تُبْتُ إلَـيْكَ أن أسألك الرؤية.
حدثنا الـحسن بن يحيى, قال: أخبرنا عبد الرزاق, قال: أخبرنا ابن عيـينة, عن عيسى بن ميـمون, عن مـجاهد, فـي قوله: سُبْحانَكَ تُبْتُ إلَـيْكَ قال: تبت إلـيك من أن أسألك الرؤية.
وقال آخرون: معناه قوله: وأنا أوّلُ الـمُؤْمِنِـينَ بك من بنـي إسرائيـل. ذكر من قال ذلك:
11800ـ حدثنـي الـحسين بن عمرو بن مـحمد العنقزي, قال: حدثنا أبـي, قال: حدثنا أسبـاط, عن السديّ, عن عكرمة, عن ابن عبـاس: وأنا أوّلُ الـمُؤْمِنِـينَ قال: أوّل من آمن بك من بنـي إسرائيـل.
حدثنـي موسى بن هارون, قال: حدثنا عمرو بن حماد, قال: حدثنا أسبـاط, عن السديّ, عن عكرمة, عن ابن عبـاس: وأنا أوّلُ الـمُؤْمِنِـينَ يعنـي: أوّل الـمؤمنـين من بنـي إسرائيـل.
11801ـ حدثنـي مـحمد بن عمرو, قال: حدثنا أبو عاصم, قال: حدثنا عيسى, عن ابن أبـي نـجيح, عن مـجاهد, فـي قول الله: وأنا أوّلُ الـمُؤْمِنِـينَ أنا أوّل قومي إيـمانا.
حدثنا ابن وكيع والـمثنى, قالا: حدثنا أبو نعيـم, عن سفـيان, عن عيسى بن ميـمون, عن رجل, عن مـجاهد: وأنا أوّلُ الـمُؤْمِنِـينَ يقول: أوّل قومي إيـمانا.
حدثنـي الـمثنى, قال: حدثنا أبو حذيفة, قال: حدثنا شبل, عن ابن أبـي نـجيح, عن مـجاهد: وأنا أوّلُ الـمُؤْمِنِـينَ قال: أنا أوّل قومي إيـمانا.
حدثنـي الـحرث, قال: حدثنا عبد العزيز, قال: حدثنا أبو سعد, قال: سمعت مـجاهدا يقول فـي قوله: وأنا أوّلُ الـمُؤْمِنِـينَ قال: أوّل قومي آمن.
وإنـما اخترنا القول الذي اخترناه فـي قوله: وأنا أوّلُ الـمُؤْمِنِـينَ علـى قول من قال: معناه: أنا أوّل الـمؤمنـين من بنـي إسرائيـل لأنه قد كان قبله فـي بنـي إسرائيـل مؤمنون وأنبـياء, منهم ولد إسرائيـل لصلبه, وكانوا مؤمنـين وأنبـياء, فلذلك اخترنا القول الذي قلناه قبل