تفسير الطبري تفسير الصفحة 222 من المصحف

 تفسير الطبري - صفحة القرآن رقم 222
223
221
 الآية : 6
القول فـي تأويـل قوله تعالـى:
{وَمَا مِن دَآبّةٍ فِي الأرْضِ إِلاّ عَلَى اللّهِ رِزْقُهَا وَيَعْلَمُ مُسْتَقَرّهَا وَمُسْتَوْدَعَهَا كُلّ فِي كِتَابٍ مّبِينٍ }.
يعنـي تعالـى ذكره بقوله: وَما مِنْ دَابّةٍ فِـي الأرْضِ إلاّ علـى اللّهِ رِزْقُها وما تدبّ دابة فـي الأرض. والدابة: الفـاعلة من دبّ فهو يدبّ, وهو دابّ, وهي دابة. إلا علـى اللّهِ رِزْقُها يقول: إلا ومن الله رزقها الذي يصل إلـيها هو به متكفل, وذلك قُوُتها وغذاؤها وما به عيشها.
وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك قال بعض أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك:
13954ـ حدثنا القاسم, قال: حدثنا الـحسين, قال: ثنـي حجاج, عن ابن جريج, قال: مـجاهد, فـي قوله: وَما مِنْ دَابّةٍ فِـي الأرْضِ إلاّ علـى اللّهِ رِزْقُها قال: ما جاءها من رزق فمن الله, وربـما لـم يرزقها حتـى تـموت جوعا, ولكن ما كان من رزق فمن الله.
13955ـ حدثنـي مـحمد بن سعد, قال: ثنـي أبـي, قال: ثنـي عمي, قال: ثنـي أبـي, عن أبـيه, عن ابن عبـاس, قوله: وَما مِنْ دَابّةٍ فِـي الأرْضِ إلاّ علـى اللّهِ رِزْقُها قال: كلّ دابة.
13956ـ حُدثت عن الـحسين بن الفرج, قال: سمعت أبـا معاذ يقول: أخبرنا عبـيد بن سلـيـمان, قال: سمعت الضحاك يقول فـي قوله: وَما مِنْ دَابّةٍ فِـي الأرْضِ إلاّ علـى اللّهِ رِزْقُها يعنـي: كلّ دابة والناس منهم.
وكان بعض أهل العلـم بكلام العرب من أهل البصرة يزعم أن كل ماش فهو دابة, وأن معنى الكلام: وما دابة فـي الأرض, وأنّ «من» زائدة.
وقوله: وَيَعْلَـمُ مُسْتَقَرّها حيث تستقرّ فـيه, وذلك مأواها الذي تأوي إلـيه لـيلاً أو نهارا. وَمُسْتَوْدَعَها: الـموضع الذي يُودِعها, إما بـموتها فـيه أو دفنها.
وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك:
13957ـ حدثنا الـحسن بن يحيى, قال: أخبرنا عبد الرزاق, قال: أخبرنا ابن التـيـمي, عن لـيث, عن الـحكم, عن مِقْسم, عن ابن عبـاس, قال: مُسْتَقَرّها, حيث تأوي, وَمُسْتَوْدَعَها حيث تـموت.
حدثنـي الـمثنى, قال: حدثنا عبد الله بن صالـح, قال: ثنـي معاوية, عن علـيّ, عن ابن عبـاس, قوله: وَيَعْلَـمُ مُسْتَقَرّها يقول, حيث تأوى, وَمُسْتَوْدَعَها يقول, إذا ماتت.
حدثنا ابن وكيع, قال: حدثنا الـمـحاربـيّ, عن لـيث, عن الـحكم, عن مِقْسم, عن ابن عبـاس: وَيَعْلَـمُ مُسْتَقَرّها وَمُسْتَوْدَعُها قال, الـمستقرّ: حيث تأوي, والـمستودع, حيث تـموت.
وقال آخرون: مُسَتَقَرّها فـي الرحم, وَمُسْتَوْدَعَها: فـي الصلب. ذكر من قال ذلك:
13958ـ حدثنا الـمثنى, قال: حدثنا أبو حذيفة, قال: حدثنا شبل, عن ابن أبـي نـجيح, عن مـجاهد: وَيَعْلَـمُ مُسْتَقَرّها: فـي الرحم, وَمُسْتَوْدَعَها: فـي الصلب, مثل التـي فـي الأنعام.
13959ـ حدثنـي مـحمد بن سعد, قال: ثنـي أبـي, قال: ثنـي عمي, قال: ثنـي أبـي, عن أبـيه عن ابن عبـاس, قوله: وَيَعْلَـمُ مُسْتَقَرّها وَمُسْتَوْدَعَها فـالـمستقرّ: ما كان فـي الرحم, والـمستودع: ما كان فـي الصلب.
13960ـ حُدثت عن الـحسين بن الفرج, قال: سمعت أبـا معاذ يقول: أخبرنا عبـيد, قال: سمعت الضحاك يقول فـي قوله: وَيَعْلَـمُ مُسْتَقَرّها يقول: فـي الرحم, وَمُسْتَوْدَعَها فـي الصلب.
وقال آخرون: الـمستقرّ: فـي الرحم, والـمستودع: حيث تـموت. ذكر من قال ذلك:
13961ـ حدثنا ابن وكيع, قال: حدثنا أبـي ويعلـى بن فضيـل, عن إسماعيـل, عن إبراهيـم, عن عبد الله: وَيَعْلَـمُ مُسْتَقَرّها وَمُسْتَوْدَعَها قال: مستقرّها: الأرحام, ومستودعها: الأرض التـي تـموت فـيها.
قال: حدثنا عبـيد الله, عن إسرائيـل, عن السدي, عن مرّة, عن عبد الله: وَيَعْلَـمُ مُسْتَقَرّها وَمُسْتَوْدَعَها الـمستقرّ: الرحم, والـمستودع. الـمكان الذي تـموت فـيه.
وقال آخرون مُسْتَقَرّها: أيام حياتها وَمُسْتَوْدَعَها: حيث تـموت فـيه. ذكر من قال ذلك:
13962ـ حدثنـي الـمثنى, قال: حدثنا إسحاق, قال: حدثنا عبد الرحمن بن سعد, قال: أخبرنا أبو جعفر, عن الربـيع بن أنس, قوله: وَيَعْلَـمُ مُسْتَقَرّها وَمُسْتَوْدَعَها قال: مستقرّها: أيام حياتها, ومستودعها: حيث تـموت ومن حيث تبعث.
وإنـما اخترنا القول الذي اخترناه فـيه, لأن الله جلّ ثناؤه أخبر أن ما رزقت الدوابّ من رزق فمنه, فأولـى أن يتبع ذلك أن يعلـم مثواها ومستقرّها دون الـخبر عن علـمه بـما تضمنته الأصلاب والأرحام.
ويعنـي بقوله: كُلّ فِـي كِتابٍ مُبِـينٍ عدد كل دابة, ومبلغ أرزاقها وقدر قرارها فـي مستقرّها, ومدة لبثها فـي مستودعها, كلّ ذلك فـي كتاب عند الله مثبت مكتوب مبـين, يبـين لـمن قرأه أن ذلك مثبت مكتوب قبل أن يخـلقها ويوجدها. وهذا إخبـار من الله جلّ ثناؤه الذين كانوا يثنون صدورهم لـيستـخفوا منه أنه قد علـم الأشياء كلها, وأثبتها فـي كتاب عنده قبل أن يخـلقها ويوجدها يقول لهم تعالـى ذكره: فمن كان قد علـم ذلك منهم قبل أن يوجدهم, فكيف يخفـي علـيه ما تنطوي علـيه نفوسهم إذا ثَنَوْا به صدورهم واستغشوا علـيه ثـيابهم؟
الآية : 7
القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {وَهُوَ الّذِي خَلَق السّمَاوَاتِ وَالأرْضَ فِي سِتّةِ أَيّامٍ وَكَانَ عَرْشُهُ عَلَى الْمَآءِ لِيَبْلُوَكُمْ أَيّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً وَلَئِن قُلْتَ إِنّكُمْ مّبْعُوثُونَ مِن بَعْدِ الْمَوْتِ لَيَقُولَنّ الّذِينَ كَفَرُوَاْ إِنْ هَـَذَآ إِلاّ سِحْرٌ مّبِينٌ }.
يقول تعالـى ذكره: الله الذي إلـيه مرجعكم أيها الناس جميعا هُوَ الّذِي خَـلَقَ السّمَوَاتِ والأَرْضَ فـي سِتّةِ أيّامٍ يقول: أفـيعجز من خـلق ذلك من غير شيء أن يعيدكم أحياء بعد أن يـميتكم؟ وقـيـل: إن الله تعالـى ذكره خـلق السموات والأرض وما فـيهنّ فـي الأيام الستة, فـاجتزى فـي هذا الـموضع بذكر خـلق السموات والأرض من ذكر خـلق ما فـيهنّ.
13963ـ حدثنا القاسم, قال: حدثنا الـحسين, قال: ثنـي حجاج, عن ابن جريج, قال: أخبرنـي إسماعيـل بن أميّة, عن أيوب بن خالد, عن عبد الله بن رافع, مولـى أمّ سلـمة, عن أبـي هريرة, قال: أخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم بـيدي, فقال «خَـلَقَ اللّهُ التّرْبَةَ يَوْمَ السّبْتِ, وَخَـلَقَ الـجِبَـالَ فِـيها يَوْمَ الأحَدِ, وَخَـلَقَ الشّجَرَ فِـيها يَوْمَ الاثْنَـيْنِ, وَخَـلَقَ الـمَكْرُوهَ يَوْمَ الثّلاثاءِ, وَخَـلَقَ النّورَ يَوْمَ الأرْبِعاءِ, وَبَثّ فِـيها مِنْ كُلّ دَابّةٍ يَوْمَ الـخَمِيسِ, وَخَـلَقَ آدَمَ بَعْدَ العَصْرِ مِنْ يَوْمِ الـجُمُعَةِ فِـي آخِرِ الـخَـلْقِ فِـي آخِرِ ساعاتِ الـجُمُعَةِ فِـيـما بـينَ العَصْرِ إلـى اللّـيْـلِ».
13964ـ حدثنا القاسم, قال: حدثنا الـحسين, قال: ثنـي حجاج, عن ابن جريج, قوله: فِـي سِتّةِ أيّامٍ قال: بدأ خـلق الأرض فـي يومين, وقدر فـيها أقواتها فـي يومين.
13965ـ حدثنا ابن حميد, قال: حدثنا جرير, عن الأعمش, عن أبـي صالـحّ, عن كعب, قال: بدأ الله خـلق السموات والأرض يوم الأحد والاثنـين والثلاثاء والأربعاء والـخميس, وفرغ منها يوم الـجمعة, فخـلق آدم فـي آخر ساعة من يوم الـجمعة قال: فجعل مكان كلّ يوم ألف سنة.
13966ـ وحُدثت عن الـمسيب بن شريك, عن أبـي رَوْق, عن الضحاك: وَهُوَ الّذِي خَـلَقَ السّموَاتِ والأرْضَ فِـي سِتّةِ أيّامٍ قال: من أيام الاَخرة, كلّ يوم مقداره ألف سنة ابتدأ فـي الـخـلق يوم الأحد, وختـم الـخـلق يوم الـجمعة فسميت الـجمعة, وسَبَتَ يومَ السبت فلـم يخـلق شيئا.
وقوله: وكانَ عَرْشُهُ علـى الـمَاءِ يقول: وكان عرشه علـى الـماء قبل أن يخـلق السموات والأرض وما فـيهن. كما:
13967ـ حدثنـي مـحمد بن عمرو, قال: حدثنا أبو عاصم, قال: حدثنا عيسى, عن ابن أبـي نـجيح, عن مـجاهد, فـي قول الله: وكانَ عَرْشُهُ علـى الـمَاءِ قبل أن يخـلق شيئا.
حدثنـي الـمثنى, قال: حدثنا أبو حذيفة, قال: حدثنا شبل, عن ابن أبـي نـجيح, عن مـجاهد, نـحوه.
حدثنـي الـمثنى, قال: حدثنا إسحاق, قال: حدثنا عبد الله, عن ورقاء, عن ابن أبـي نـجيح, عن مـجاهد مثله.
13968ـ حدثنا بشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة: وكانَ عَرْشُهُ علـى الـمَاءِ ينبئكم ربكم تبـارك وتعالـى كيف كان بدء خـلقه قبل أن يخـلق السموات والأرض.
حدثنا مـحمد بن عبد الأعلـى, قال: حدثنا مـحمد بن ثور, عن معمر, عن قتادة: وكانَ عَرْشُهُ علـى الـمَاءِ قال: هذا بدء خـلقه قبل أن يخـلق السماء والأرض.
13969ـ حدثنـي الـمثنى, قال: حدثنا الـحجاج, قال: حدثنا حماد, عن يعلـى بن عطاء, عن وكيع بن حدس, عن عمه أبـي رزين العقـيـلـي, قال: قلت: يا رسول الله, أين كان ربنا قبل أن يخـلق السموات والأرض؟ قال: «فِـي عَماءٍ ما فَوْقَهُ هَوَاءٌ وما تَـحْتَهُ هَوَاءٌ, ثُمّ خَـلَقَ عَرْشَهُ علـى الـمَاءِ».
حدثنا ابن وكيع ومـحمد بن هارون القطان الرازقـي قالا: حدثنا يزيد بن هارون, عن حماد بن سلـمة, عن يعلـى بن عطاء, عن وكيع بن حدس, عن عمه أبـي رزين. قال: قلت: يا رسول الله أين كان ربنا قبل أن يخـلق خـلقه؟ قال: «كانَ فِـي عَماءٍ ما فَوْقَهُ هَوَاءٌ, وَما تَـحْتَهُ هَوَاءٌ, ثُمّ خَـلَقَ عَرْشَهُ علـى الـمَاءِ».
13970ـ حدثنا خلاد بن أسلـم, قال: أخبرنا النضر بن شميـل, قال: أخبرنا الـمسعودي, قال: أخبرنا جامع بن شدّاد, عن صفوان بن مـحرز, عن ابن حصين وكان من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: أتـى قوم رسول الله صلى الله عليه وسلم, فدخـلوا علـيه, فجعل يبشرهم ويقولون: أعطنا حتـى ساء ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم. ثم خرجوا من عنده, وجاء قوم آخرون فدخـلوا علـيه, فقالوا: جئنا نسلـم علـى رسول الله صلى الله عليه وسلم ونتفقّه فـي الدين, ونسأله عن بدء هذا الأمر, قال: «فـاقْبَلُوا البُشْرَى إذْ لَـمْ يَقْبَلْها أُولَئِكَ الّذِينَ خَرَجُوا» قالوا: قبلنا فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «كانَ اللّهُ وَلا شَيْءَ غيرُهُ, وكانَ عَرْشُهُ علـى الـمَاءِ, وكَتَبَ فِـي الذّكْرِ قَبْلَ كُلّ شَيْءٍ, ثُمّ خَـلَقَ سَبْعَ سَمَوَاتٍ». ثُمّ أتانـي آت, فقال: تلْكَ ناقَتُكَ قَدْ ذَهَبَتْ, فَخَرَجْتُ يَنْقَطِطِعُ دُوَنها السّرابُ وَلَوَدِدْتُ أنّـي تَرَكْتُها.
13971ـ حدثنا مـحمد بن منصور, قال: حدثنا إسحاق بن سلـيـمان, قال: حدثنا عمرو بن أبـي قـيس, عن ابن أبـي لـيـلـى, عن الـمنهال بن عمرو, عن سعيد بن جبـير, عن ابن عبـاس, فـي قوله: وكانَ عَرْشُهُ علـى الـمَاءِ قال: كان عرش الله علـى الـماءُ ثم اتـخذ لنفسه جنة, ثم اتـخذ دونها أخرى, ثم أطبقهما بلؤلؤة واحدة, قال: ومِنْ دُونِهِمَا جَنّتَانِ قال: وهي التـي لا تَعْلَـمُ نَفْسٌ أو قال: وهما التـي لا تعلـم نفس ما أُخْفِـيَ لَهُمْ مِنْ قُرّةِ أَعْيُنٍ جَزَاءً بـما كَانُوا يَعْمَلُونَ. قال: وهي التـي لا تعلـم الـخلائق ما فـيها أو ما فـيهما يأتـيهم كلّ يوم منها أو منهما تـحفة.
13972ـ حدثنا ابن وكيع, قال: حدثنا أبـي, عن سفـيان, عن الأعمش, عن الـمنهال, عن سعيد بن جبـير, قال سئل ابن عبـاس عن قول الله: وكانَ عَرْشُهُ علـى الـمَاءِ قال: علـى أيّ شيء كان الـماء؟ قال: علـى متن الريح.
حدثنا مـحمد بن عبد الأعلـى, قال: حدثنا مـحمد بن ثور, عن معمر, عن الأعمش, عن سعيد بن جبـير قال: سئل ابن عبـاس عن قوله تعالـى: وكانَ عَرْشُهُ علـى الـمَاءِ علـى أيّ شيء كان الـماء؟ قال: علـى متن الريح.
حدثنا القاسم, قال: حدثنا الـحسين, قال: ثنـي حجاج, عن ابن جريج, عن سعيد, عن ابن عبـاس, مثله.
13973ـ قال: حدثنا الـحسين, قال: حدثنا مبشر الـحلبـي, عن أرطاة بن الـمنذر, قال: سمعت ضمرة يقول: إن الله كان عرشه علـى الـماء, وخـلق السموات والأرض بـالـحقّ, وخـلق القلـم فكتب به ما هو خالق وما هو كائن من خـلقه, ثم إن ذلك الكتاب سبح الله ومـجده ألف عام قبل أن يخـلق شيئا من الـخـلق.
13974ـ حدثنـي الـمثنى, قال: حدثنا إسحاق, قال: حدثنا إسماعيـل بن عبد الكريـم, قال: ثنـي عبد الصمد بن معقل, قال: سمعت وهب بن منبه يقول: إن العرش كان قبل أن يخـلق الله السموات والأرض, ثم قبض قبضة من صفـاء الـماء, ثم فتـح القبضة فـارتفع دخان, ثم قضاهنّ سبع سموات فـي يومين, ثم أخذ طينة من الـماء فوضعها مكان البـيت, ثم دحا الأرض منها, ثم خـلق الأقوات فـي يومين والسموات فـي يومين وخـلق الأرض فـي يومين, ثم فرغ من آخر الـخـلق يوم السابع.
وقوله: لَـيَبْلُوَكُمْ ايّكمْ أحْسَنُ عَمَلا يقول تعالـى ذكره: وهو الذي خـلق السموات والأرض أيها الناس, وخـلقكم فـي ستة أيام, لـيبلوكُمْ يقول: لـيختبركم, أيّكم أحسنُ عملاً يقول: أيكم أحسن له طاعة. كما:
13975ـ حدثنا عن داود بن الـمـحبر, قال: حدثنا عبد الواحد بن زيد, عن كلـيب بن وائل, عن عبد الله بن عمرو, عن النبـيّ صلى الله عليه وسلم: أنه تلا هذه الآية: لـيَبْلُوَكُمْ أيّكُمْ أحْسَنُ عَمَلاً قال: «أيّكُمْ أحْسَنُ عَقْلاً, وأوْرَعُ عَنْ مَـحَارِمِ اللّهِ وأسْرَعُ فِـي طاعَةِ اللّهِ».
حدثنا القاسم, قال: حدثنا الـحسين, قال: ثنـي حجاج, عن ابن جريج, قوله: لـيَبْلُوَكُمْ أيّكُمْ أحْسَنُ عَمَلاً يعنـي الثقلـين.)
وقوله: وَلَئِنْ قُلْتَ إنّكُمْ مَبْعُوثُونَ مِنْ بَعْدِ الـمَوْتِ لَـيَقُولَنّ الّذِينَ كَفَرُوا إنْ هَذَا إلاّ سِحْرٌ مُبِـينٌ. يقول تعالـى ذكره لنبـيه مـحمد صلى الله عليه وسلم: ولئن قلت لهؤلاء الـمشركين من قومك إنكم مبعوثون أحياء من بعد مـماتكم فتلوت علـيهم بذلك تنزيـلـي ووحيـي, لـيقولن إن هذا إلا سحر مبـين أي ما هذا الذي تتلوه علـينا مـما تقول إلا سحر لسامعه, مبـين حقـيقته أنه سحر. وهذا علـى تأويـل من قرأ ذلك: إنْ هَذَا إلاّ سِحْرٌ مُبِـينٌ وأما من قرأ: «إنْ هَذَا إلاّ ساحِرٌ مُبِـينٌ» فإنه يوجه الـخبر بذلك عنهم إلـى أنهم وصفوا رسول الله صلى الله عليه وسلم بأنه فـيـما أتاهم به من ذلك ساحر مبـين. وقد بـيّنا الصواب من القراءة فـي ذلك فـي نظائره فـيـما مضى قبل بـما أغنى عن إعادته ههنا.
الآية : 8
القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {وَلَئِنْ أَخّرْنَا عَنْهُمُ الْعَذَابَ إِلَىَ أُمّةٍ مّعْدُودَةٍ لّيَقُولُنّ مَا يَحْبِسُهُ أَلاَ يَوْمَ يَأْتِيهِمْ لَيْسَ مَصْرُوفاً عَنْهُمْ وَحَاقَ بِهِم مّا كَانُواْ بِهِ يَسْتَهْزِءُونَ }.
يقول تعالـى ذكره: ولئن أخرنا عن هؤلاء الـمشركين من قومك يا مـحمد العذاب فلـم نعجله لهم, وأنسأنا فـي آجالهم إلـى أمة معدودة ووقت مـحدود وسنـين معلومة. وأصل الأمة ما قد بـيّنا فـيـما مضى من كتابنا هذا أنها الـجماعة من الناس تـجتـمع علـى مذهب ودين, ثم تستعمل فـي معان كثـيرة ترجع إلـى معنى الأصل الذي ذكرت. وإنـما قـيـل للسنـين الـمعدودة والـحين فـي هذا الـموضع ونـحوه أمة, لأن فـيها تكون الأمة. وإنـما معنى الكلام: ولئن أخرنا عنهم العذاب إلـى مـجيء أمة وانقراض أخرى قبلها.
وبنـحو الذي قلنا من أن معنى الأمة فـي هذا الـموضع الأجل والـحين قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك:
13976ـ حدثنا مـحمد بن بشار, قال: حدثنا عبد الرحمن, وحدثنـي الـمثنى, قال: حدثنا أبو نعيـم, قال: حدثنا سفـيان الثوري, عن عاصم, عن أبـي رزين, عن ابن عبـاس. وحدثنا الـحسن بن يحيى, قال أخبرنا عبد الرزاق قال: أخبرنا الثوري, عن عاصم, عن أبـي رزين, عن ابن عبـاس: وَلَئِنْ أخّرْنا عَنْهُمُ العَذَابَ إلـى أُمّةٍ مَعْدُودَةٍ قال: إلـى أجل مـحدود.
حدثنا ابن وكيع, قال: حدثنا أبـي, عن سفـيان, عن عاصم, عن أبـي رزين, عن ابن عبـاس, بـمثله.
13977ـ حدثنا مـحمد بن عبد الأعلـى, قال: حدثنا مـحمد بن ثور, عن معمر, عن قتادة: إلـى أُمّةٍ مَعْدُودَةٍ قال: أجل معدود.
13978ـ حدثنا ابن وكيع, قال: حدثنا الـمـحاربـي, عن جويبر, عن الضحاك, قال: إلـى أجل معدود.
13979ـ حدثنـي مـحمد بن عمرو, قال: حدثنا أبو عاصم, قال: حدثنا عيسى, عن ابن أبـي نـجيح, عن مـجاهد: إلـى أُمّةٍ مَعْدُودَةٍ قال: إلـى حين.
حدثنـي الـمثنى, قال: حدثنا أبو حذيفة, قال: حدثنا شبل, عن ابن أبـي نـجيح, عن مـجاهد, مثله.
قال: حدثنا إسحاق, قال: حدثنا عبد الله, عن ورقاء, عن ابن أبـي نـجيح, عن مـجاهد, مثله.
13980ـ حدثنا القاسم, قال: حدثنا الـحسين, قال: ثنـي حجاج, عن ابن جريج: وَلَئِنْ أخّرْنا عَنْهُمُ العَذَابَ إلـى أُمّةٍ مَعْدُودَةٍ يقول: أمسكنا عنهم العذاب إلـى أمة معدودة. قال ابن جريج: قال مـجاهد: إلـى حين.
حدثنـي مـحمد بن سعد, قال: ثنـي أبـي, قال: ثنـي عمي, قال: ثنـي أبـي, عن أبـيه, عن ابن عبـاس, قوله: وَلَئِنْ أخّرْنا عَنْهُمُ العَذَابَ إلـى أُمّةٍ مَعْدُودَةٍ يقول: إلـى أجل معلوم.
وقوله: لَـيَقُولُنّ ما يَحْبِسُهُ يقول: لـيقولنّ هؤلاء الـمشركون ما يحبسه؟ أيّ شيء يـمنعه من تعجيـل العذاب الذي يتوعدنا به؟ تكذيبـا منهم به, وظنّا منهم أن ذلك إنـما أخر عنهم لكذب الـمتوعد. كما:
13981ـ حدثنا القاسم, قال: حدثنا الـحسين, قال: ثنـي حجاج, عن ابن جريج, قال: قوله: لَـيَقُولُنّ ما يَحْبِسُهُ قال: للتكذيب به, أو أنه لـيس بشيء.
وقوله: ألا يَوْمَ يَأْتِـيهِمْ لَـيْسَ مَصْرُوفـا عَنْهُمْ يقول تعالـى ذكره تـحقـيقا لوعيده وتصحيحا لـخبره: ألا يوم يأتـيهم العذاب الذي يكذّبون به لـيس مصروفـا عنهم, يقول: لـيس يصرفه عنهم صارف, ولا يدفعه عنهم دافع, ولكنه يحلّ بهم فـيهلكهم. وَحاقَ بِهِمْ ما كانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ يقول: ونزل بهم وأصابهم الذي كانوا به يسخرون من عذاب الله. وكان استهزاؤهم به الذي ذكره الله قـيـلهم قبل نزوله ما يحبسه نقلاً بأنبـيائه.
وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك كان بعض أهل التأويـل. يقول ذكر من قال ذلك:
13982ـ حدثنـي الـمثنى, قال: حدثنا أبو حذيفة, قال: حدثنا شبل, عن ابن أبـي نـجيح, عن مـجاهد: وَحاقَ بِهِمْ ما كانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ قال: ما جاءت به أنبـياؤهم من الـحقّ.
الآية : 9
القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {وَلَئِنْ أَذَقْنَا الإِنْسَانَ مِنّا رَحْمَةً ثُمّ نَزَعْنَاهَا مِنْهُ إِنّهُ لَيَئُوسٌ كَفُورٌ }.
يقول تعالـى ذكره: ولئن أذقنا الإنسان منا رخاء وسعة فـي الرزق والعيش, فبسطنا علـيه من الدنـيا, وهي الرحمة التـي ذكرها تعالـى ذكره فـي هذا الـموضع, ثُمّ نَزَعْناها مِنْهُ يقول: ثم سلبناه ذلك, فأصابته مصائب أجاحته فذهبت به إنّهُ لَـيَئُوسٌ كَفُورٌ يقول: يظلّ قناطا من رحمة الله آيسا من الـخير. وقوله: «يئوس»: فعول, من قول القائل: يئس فلان من كذا فهو يئوس, إذا كان ذلك صفة له. وقوله: «كفور», يقول: هو كفور لـمن أنعم علـيه, قلـيـل الشكر لربه الـمتفضل علـيه بـما كان وهب له من نعمته.
وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك:
13983ـ حدثنا القاسم, قال: حدثنا الـحسين, قال: ثنـي حجاج, عن ابن جريج: وَلَئِنْ أذَقْنا الإنْسانَ مِنّا رَحْمَةً ثُمّ نَزَعْناها مِنْهُ إنّهُ لَـيَئُوسٌ كَفُورٌ قال: يا ابن آدم إذا كانت بك نعمة من الله من السعة والأمن والعافـية فكفور لـمِا بك منها, وإذا نزعت منك يبتغ لك فراغك فـيئوس من رَوْحِ الله, قنوط من رحمته, كذلك الـمرء الـمنافق والكافر.
الآية : 10-11
القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {وَلَئِنْ أَذَقْنَاهُ نَعْمَآءَ بَعْدَ ضَرّآءَ مَسّتْهُ لَيَقُولَنّ ذَهَبَ السّيّئَاتُ عَنّيَ إِنّهُ لَفَرِحٌ فَخُورٌ * إِلاّ الّذِينَ صَبَرُواْ وَعَمِلُواْ الصّالِحَاتِ أُوْلَـَئِكَ لَهُمْ مّغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ كَبِيرٌ }.
يقول تعالـى ذكره: ولئن نـحن بسطنا للإنسان فـي دنـياه, ورزقناه رخاء فـي عيشه, ووسعنا علـيه فـي رزقه وذلك هي النعم التـي قال الله جلّ ثناؤه: وَلَئِنْ أذَقْناهُ نَعْماءَ. وقوله: بَعْدَ ضَرّاءَ يقول: بعد ضيق من العيش كان فـيه وعسرة كان يعالـجها. لَـيَقُولَنّ ذَهَبَ السّيّئاتُ عَنّـي يقول تعالـى ذكره: لـيقولنّ عند ذلك: ذهب الضيق والعسرة عنـي, وزالت الشدائد والـمكاره. إنّهُ لَفَرِحٌ فَخُورٌ يقول تعالـى ذكره: إن الإنسان لفرح بـالنعم التـي يُعطاها مسرور بها فخور, يقول: ذو فخر بـما نال من السعة فـي الدنـيا وما بسط له فـيها من العيش, وينسي صروفها ونكد العوارض فـيها, ويدع طلب النعيـم الذي يبقـي والسرور الذي يدوم فلا يزول.
13984ـ حدثنا القاسم, قال: حدثنا الـحسين, قال: حدثنا حجاج, عن ابن جريج, قوله: ذَهَبَ السّيّئاتُ عَنّـي غرّة بـالله وجراءة علـيه. إنّهُ لَفَرِحٌ والله لا يحبّ الفرحين, فَخُورٌ بعد ما أعطي الله, وهو لا يشكر الله.
ثم استثنـي جلّ ثناؤه من الإنسان الذي وصفه بهاتـين الصفتـين الذين صبروا وعملوا الصالـحات. وإنـما جاز استثناؤهم منه لأن الإنسان بـمعنى الـجنس ومعنى الـجمع, وهو كقوله: وَالعَصْرِ إنّ الإنْسانَ لَفِـي خُسْرٍ إلاّ الّذِينَ آمَنُوا وعَمِلُوا الصّالِـحاتِ فقال تعالـى ذكره: إلا الذين صبروا وعملوا الصالـحات, فإنهم إن تأتهم شدّة من الدنـيا وعسرة فـيها لـم يثنهم ذلك عن طاعة الله, ولكنهم صبروا لأمره وقضائه, فإن نالوا فـيها رخاء وسعة شكروه وأدّوا حقوقه بـما أتاهم منها. يقول الله: أُولَئِكَ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ يغفرها لهم, ولا يفضحهم بها فـي معادهم. وأجْرٌ كَبِـيرٌ يقول: ولهم من الله مع مغفرة ذنوبهم ثواب علـى أعمالهم الصالـحة التـي عملوها فـي دار الدنـيا جزيـل, وجزاء عظيـم.
13985ـ حدثنا القاسم, قال: حدثنا الـحسين, قال: ثنـي حجاج, عن ابن جريج: إلا الذين صبروا عند البلاء وعملوا الصالـحات عند النعمة, لهم مغفرة لذنوبهم, وأجر كبـير. قال: الـجنة.
الآية : 12
القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {فَلَعَلّكَ تَارِكٌ بَعْضَ مَا يُوحَىَ إِلَيْكَ وَضَآئِقٌ بِهِ صَدْرُكَ أَن يَقُولُواْ لَوْلاَ أُنزِلَ عَلَيْهِ كَنزٌ أَوْ جَآءَ مَعَهُ مَلَكٌ إِنّمَآ أَنتَ نَذِيرٌ وَاللّهُ عَلَىَ كُلّ شَيْءٍ وَكِيلٌ }.
يقول تعالـى ذكره لنبـيه مـحمد صلى الله عليه وسلم: فلعلك يا مـحمد تارك بعض ما يوحي إلـيك ربك أن تبلغه من أمرك بتبلـيغه ذلك, وضائق بـما يوحي إلـيك صدرك فلا تبلغه إياهم مخافة أنْ يَقُولُوا لَوْلا أُنْزِلَ عَلَـيْهِ كَنْزٌ أوْ جاءَ مَعَهُ مَلَكٌ له مصدّق بأنه لله رسول. يقول تعالـى ذكره: فبلغهم ما أوحيته إلـيك, فإنك إنّـمَا أنْتَ نَذِيرٌ تنذرهم عقابـي وتـحذّرهم بأسي علـى كفرهم بـي, وإنـما الاَيات التـي يسألونكها عندي وفـي سلطانـي أنزلها إذا شئت, ولـيس علـيك إلا البلاغ والإنذار. وَاللّهُ علـى كُلّ شَيْءٍ وَكِيـلٌ يقول: والله القـيـم بكلّ شيء وبـيده تدبـيره, فـانفذ لـما أمرتك به, ولا يـمنعك مسألتهم إياك الاَيات من تبلـيغهم وحيـي والنفوذ لأمري.
وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك قال بعض أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك:
13986ـ حدثنا القاسم, قال: حدثنا الـحسين, قال: ثنـي حجاج, عن ابن جريج, عن مـجاهد, قال: قال الله لنبـيه: فَلَعَلّكَ تَارِكٌ بَعضَ ما يُوحَى إِلِـيْكَ أن تفعل فـيه ما أمرت وتدعو إلـيه كما أرسلت, قالوا: لَوْلا أُنْزِلَ عَلَـيْهِ كَنْزٌ لا نرى معه مالاً, أين الـمال؟ أوْ جاءَ مَعَهُ مَلَكٌ ينذر معه, إنّـمَا أنْتَ نَذِيرٌ فبلغ ما أمرت