تفسير الطبري تفسير الصفحة 242 من المصحف

 تفسير الطبري - صفحة القرآن رقم 242
243
241
 الآية : 53
القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {وَمَآ أُبَرّىءُ نَفْسِيَ إِنّ النّفْسَ لأمّارَةٌ بِالسّوَءِ إِلاّ مَا رَحِمَ رَبّيَ إِنّ رَبّي غَفُورٌ رّحِيمٌ }.
يقول يوسف صلوات الله علـيه: وَما أُبَرّىءُ نَفْسِي من الـخطأ والزلل فأزكيَها. إنّ النّفْسَ لأمّارَةٌ بـالسّوءِ يقول: إن النفوس نفوس العبـاد تأمرهم بـما تهواه وإن كان هواها فـي غير ما فـيه رضا الله إلاّ ما رَحِمَ رَبّـي يقول: إلا أن يرحم ربـي من شاء من خـلقه, فـينـجيه من اتبـاع هواها وطاعته فـيـما تأمره به من السوء. إنّ رَبّـي غَفُورٌ رَحِيـمٌ. و«ما» فـي قوله: إلاّ ما رَحِمَ رَبّـي فـي موضع نصب, وذلك أنه استثناء منقطع عما قبله, كقوله: ولاَ هُمْ يُنْقَذُونَ إلاّ رَحْمَةً مِنّا بـمعنى: إلا أن يُرحموا, وأَنْ إذا كانت فـي معنى الـمصدر تضارع «ما».
ويعنـي بقوله: إنّ رَبّـي غَفُورٌ رَحيـمٌ: أن الله ذو صفح عن ذنوب من تاب من ذنوبه, بتركه عقوبته علـيها وفضيحته بها, رحيـم به بعد توبته أن يعذّبه علـيها. وذُكر أن يوسف قال هذا القول من أجل أن يوسف لـما قال: ذلكَ لـيَعْلَـمَ أنْـي لَـمْ أخُنْهُ بـالغَيْبِ قال مَلَك من الـملائكة: ولا يوم همـمت بها؟ فقال يوسف حينئذٍ: وَما أُبَرّىءُ نَفْسِي إنّ النّفْسَ لأَمّارَةٌ بـالسّوءِ. وقد قـيـل: إن القائل لـيوسف: ولا يومَ هَمَـمْتَ بها فحللت سراويـلك؟ هو امرأة العزيز, فأجابها يوسف بهذا الـجواب. وقـيـل: إن يوسف قال ذلك ابتداء من قِبَل نفسه. ذكر من قال ذلك:
14893ـ حدثنا أبو كريب, قال: حدثنا وكيع, عن إسرائيـل, عن سماك, عن عكرمة, عن ابن عبـاس, قال: لـما جمع الـملك النسوة, فسألهن: هل رَاوَدْتُنّ يُوسُفَ عَنْ نَفْسِهِ قُلْنَ حاشَ لِلّهِ ما عَلِـمْنا عَلَـيْهِ مِنْ سُوءٍ قالَتِ امْرأةُ العَزِيزِ الاَنَ حَصْحَصَ الـحَقّ... الآية, قال يوسف: ذلكَ لِـيَعْلَـمَ أنّـي لَـمْ أخُنْهُ بـالغَيْبِ قال فقال له جَبْرَئيـل: ولا يوم همـمت به همـمت؟ فقال: وَما أُبَرّىءُ نَفْسِي إنّ النفْسَ لأَمّارَةٌ بـالسّوءِ.
حدثنا ابن وكيع, قال: حدثنا أبـي, عن إسرائيـل, عن سمِاك, عن عكرمة, عن ابن عبـاس, قال: لـما جمع الـملك النسوة, قال لهن: أنتُن راودتنّ يوسف عن نفسه؟ ثم ذكر سائر الـحديث, مثل حديث أبـي كُريب, عن وكيع.
حدثنا الـحسن بن مـحمد, قال: حدثنا عمرو, قال: أخبرنا إسرائيـل عن سماك, عن عكرمة, عن ابن عبـاس, قال: لـما جمع الـملك النسوة, قال: أنتنّ راودتنَ يوسف عن نفسه؟ ثم ذكر نـحوه غير أنه قال: فغمزه جبرائيـل, فقال: ولا حين همـمتَ بها؟ فقال يوسف: وَما أُبَرّىءُ نَفْسِي إنّ النّفْسَ لأَمّارَةٌ بـالسّوءِ.
14894ـ حدثنا أبو كريب, قال: حدثنا وكيع وحدثنا ابن وكيع, قال: حدثنا أبـي, عن مسعر, عن أبـي حصين, عن سعيد بن جبـير, قال: لـما قال يوسف: ذلكَ لِـيَعْلَـمَ أنّـي لَـمْ أخُنْهُ بـالغَيْبِ قال جبرائيـل, أو ملك: ولا يومَ همَـمتَ بـما همـمت به؟ فقال: وَما أُبَرّىءُ نَفْسِي إنّ النّفْسَ لأَمّارَةٌ بـالسّوءِ.
حدثنا عمرو بن علـيّ, قال: حدثنا وكيع, قال: حدثنا مسعر, عن أبـي حصين, عن سعيد بن جبـير بنـحوه, إلا أنه قال: قال له الـملَك: ولا حين همـمت بها؟ ولـم يقل: أو جبرئيـل, ثم ذكر سائر الـحديث مثله.
حدثنا ابن وكيع, قال: حدثنا مـحمد بن بشر وأحمد بن بشير, عن مسعر, عن أبـي حصين, عن سعيد بن جُبـير: ذَلِكَ لِـيَعْلَـمَ أنّـي لَـمْ أخُنْهُ بـالغَيْبِ قال: فقال له الـملك, أو جبريـل: ولا حين همـمت بها؟ فقال يوسف: وَما أُبَرّىءُ نَفْسِي إنّ النّفْسَ لأَمّارَةٌ بـالسّوءِ.
14895ـ حدثنا أبو كريب, قال: حدثنا وكيع, عن سفـيان, عن أبـي سِنان, عن ابن أبـي الهذيـل, قال: لـما قال يوسف: ذلكَ لِـيَعْلَـمَ أنّـي لَـمْ أخُنْهُ بـالغَيْبِ قال له جبرئيـل: ولا يوم همـمت بـما همـمت به؟ فقال: وَما أُبَرّىءُ نَفْسِي إنّ النّفْسَ لأَمّارَةٌ بـالسّوءِ.
حدثنا ابن وكيع, قال: حدثنا أبـي, عن سفـيان, عن أبـي سنان, عن ابن أبـي الهذيـل, بـمثله.
حدثنا الـحسن بن مـحمد, قال: حدثنا عمرو, قال: أخبرنا مسعر, عن أبـي حصين, عن سعيد بن جبـير, مثل حديث ابن وكيع, عن مـحمد بن بشر وأحمد بن بشير سواء.
14896ـ حدثنا ابن وكيع, قال: حدثنا العلاء بن عبد الـجبـار, وزيد بن حبـاب, عن حماد بن سلـمة, عن ثابت, عن الـحسن: ذلكَ لِـيَعْلَـمَ أنّـي لَـمْ أخُنْهُ بـالغَيْبِ قال له جبرئيـل: اذكر همك فقال: وَما أُبَرّىءُ نَفْسِي إنّ النّفْسَ لأَمّارَةٌ بـالسّوءِ.
حدثنا الـحسن, قال: حدثنا عفـان, قال: حدثنا حماد, عن ثابت, عن الـحسن: ذلكَ لِـيَعْلَـمُ أنّـي لَـمْ أخُنْهُ بـالغَيْبِ قال جبرئيـل: يا يوسف اذكر همك قال: وَما أُبَرّىءُ نَفْسِي إنّ النّفْسَ لأَمّارَةٌ بـالسّوءِ.
14897ـ حدثنـي يعقوب, قال: حدثنا هشيـم, عن إسماعيـل بن سالـم, عن أبـي صالـح, فـي قوله: ذلكَ لِـيَعْلَـمَ أنّـي لَـمْ أخنُهُ بـالغَيْب قال: هذا قول يوسف, قال: فقال له جبرئيـل: ولا حين حللت سراويـلك؟ قال: فقال يوسف وَما أُبَرّىءُ نَفْسِي إنّ النّفْسَ لأمّارةٌ بـالسوءِ... الآية.
حدثنـي الـمثنى, قال: حدثنا عمرو بن عون, قال: أخبرنا هشيـم, عن إسماعيـل بن سالـم, عن أبـي صالـح, بنـحوه.
14898ـ حدثنا بشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة, قوله: ذلكَ لِـيَعْلَـمَ أنّـي لَـمْ أخُنْهُ بـالغَيْبِ ذكر لنا أن الـملك الذي كان مع يوسف, قال له: اذكر ما همـمت به قال نبـيّ الله: وَما أُبَرّىءُ نَفْسِي إنّ النّفْسَ لأَمّارَةٌ بـالسّوءِ.
حدثنا مـحمد بن عبد الأعلـى, قال: حدثنا مـحمد بن ثور, عن معمر, عن قتادة, قال: بلغنـي أن الـمَلَك قال له حين قال ما قال: أتذكر هَمّك؟ فقال: وَما أُبَرّىءُ نَفْسِي إنّ النّفْسَ لأَمّارَةٌ بـالسّوءِ إلاّ ما رَحِمَ رَبّـي.
14899ـ حدثنا القاسم, قال: حدثنا الـحسين, قال: ثنـي حجاج, عن ابن جريج, عن عكرمة, قوله: ذلكَ لِـيَعْلَـمَ أَنّى لَـمْ أخُنْهُ بـالغَيْبِ قال الـملك, وطعن فـي جنبه: يا يوسف, ولا حين همـمت؟ قال: فقال: وَما أُبَرّىءُ نَفْسِي. ذكر من قال قائل ذلك له الـمرأة:
14900ـ حدثنا ابن وكيع, قال: حدثنا عمرو, عن أسبـاط, عن السديّ: ذلكَ لِـيَعْلَـمَ أنّـي لَـمْ أخُنْهُ بـالغَيْبِ قال: قاله يوسف حين جيء به لـيُعْلِـم العزيز أنه لـم يخنه بـالغيب فـي أهله وأنّ اللّهَ لا يَهْدِي كَيْدَ الـخائِنِـينَ فقالت امرأة العزيز: يا يوسف, ولا يوم حللت سراويـلك؟ فقال يوسف: وَما أُبَرّىءُ نَفْسِي إنّ النّفْسَ لأَمّارَةٌ بـالسّوءِ. ذكر من قال قائل ذلك يوسف لنفسه, من غير تذكير مذكّر ذكّره ولكنه تذكر ما كان سَلَف منه فـي ذلك.
14901ـ حدثنـي مـحمد بن سعد, قال: ثنـي أبـي, قال: ثنـي عَمّي, قال: ثنـي أبـي, عن أبـيه, عن ابن عبـاس, قوله: ذلكَ لِـيَعْلَـمَ أنّـي لَـمْ أخُنْهُ بـالغَيْبِ وأنّ اللّهَ لاَ يَهْدِي كَيْدَ الـخائِنِـينَ هو قول يوسف لـملـيكهِ حين أراه الله عذره, فذكّره أنه قد همّ بها وهمّت به, فقال يوسف: وَما أُبَرّىءُ نَفْسي إنّ النّفْسَ لأَمّارَةٌ بـالسّوءِ... الآية.
الآية : 54
القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {وَقَالَ الْمَلِكُ ائْتُونِي بِهِ أَسْتَخْلِصْهُ لِنَفْسِي فَلَمّا كَلّمَهُ قَالَ إِنّكَ الْيَوْمَ لَدَيْنَا مِكِينٌ أَمِينٌ }.
يقول تعالـى ذكره: وقال الـملك, يعنـي ملك مصر الأكبر, وهو فـيـما ذكر ابن سحاق: الولـيد بن الريان.
14902ـ حدثنا بذلك ابن حميد, قال: حدثنا سلـمة عنه: حين تبـين عذر يوسف, وعرف أمانته وعلـمه, قال لأصحابه: ائْتُونِـي بِهِ أسْتَـخْـلِصْهُ لِنَفْسِي يقول: أجعله من خـلصائي دون غيري.
وقوله: فَلَـمّا كَلّـمَهُ يقول: فلـما كلـم الـملك يوسف, وعَرَف براءته وعِظَم أمانته, قال له: إنك يا يوسف لدينا مكين أمين أي متـمكن مـما أردت, وعرضَ لك من حاجةٍ قِبلَنا, لرفعة مكانك ومنزلتك لدينا, أمين علـى ما اؤتـمنت علـيه من شيء.
14903ـ حدثنا ابن وكيع, قال: حدثنا عمرو, عن أسبـاط, عن السديّ, قال: لـما وَجَدَ الـملك له عُذرا, قال: ائْتُونِـي بِهِ أسْتَـخْـلِصْهُ لِنَفْسِي.
14904ـ حدثنا بشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة, قوله: أسْتَـخْـلِصْهُ لِنَفْسِي يقول: أتـخذه لنفسي.
14905ـ حدثنا أبو كريب, قال: حدثنا وكيع, عن سفـيان, عن أبـي سنان, عن ابن أبـي الهذيـل: قالَ الـمَلِكُ ائْتُونِـي بِهِ أسْتَـخْـلِصْهُ لِنَفْسِي قال: قال له الـملك: إنـي أريد أن أُخـلّصك لنفسي, غير أنـي آنف أن تأكل معي فقال يوسف: أنا أحقّ أن آنَف, أنا ابن إسحاق أو أنا ابن إسماعيـل, أبو جعفر شكّ, وفـي كتابـي: ابن إسحاق ذبـيح الله ابن إبراهيـم خـلـيـل الله.
حدثنا ابن وكيع, قال: ثنـي أبـي, عن سفـيان, عن أبـي سنان, عن ابن أبـي الهذيـل بنـحوه, غير أنه قال: أنا ابن إبراهيـم خـلـيـل الله ابن إسماعيـل ذبـيح الله.
حدثنا أحمد بن إسحاق, قال: حدثنا أبو أحمد, قال: حدثنا سفـيان, عن أبـي سنان, عن عبد الله بن أبـي الهذيـل قال: قال العزيز لـيوسف: ما من شيء إلا وأنا أحبّ أن تشركنـي فـيه, إلا أنـي أحبّ أن لا تشركنـي فـي أهلـي, وأن لا يأكل معي عبدي قال: أتأنف أن آكل معك؟ فأنا أحقّ أن آنَف منك, أنا ابن إبراهيـم خـلـيـل الله, وابن إسحاق الذبـيح, وابن يعقوب الذي ابـيضت عيناه من الـحزن.
14906ـ حدثنا أبو كريب, قال: حدثنا سفـيان بن عقبة, عن حمزة الزيات, عن ابن إسحاق, عن أبـي ميسرة, قال: لـما رأى العزيز لَبَق يوسف وكَيْسَه وظُرْفه, دعاه فكان يتغدى ويتعشى معه دون غلـمانه فلـما كان بـينه وبـين الـمرأة ما كان, قالت له: تدنـي هذا؟ مره فلـيتغدّ مع الغلـمان قال له: اذهب فتغدّ مع الغلـمان فقال له يوسف فـي وجهه: ترغب أن تأكل معي, أو تَنْكَف؟ أنا والله يوسف بن يعقوب نبـيّ الله, ابن إسحاق ذبـيح الله, ابن إبراهيـم خـلـيـل الله.
الآية : 55
القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {قَالَ اجْعَلْنِي عَلَىَ خَزَآئِنِ الأرْضِ إِنّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ }.
يقول جلّ ثناؤه: قال يوسف للـملك: اجعلنـي علـى خزائن أرضك, وهي جمع خِزانة, والألف واللام دخـلتا فـي الأرض خـلفـا من الإضافة, كما قال الشاعر.
والأحْلامُ غيرُ عَوَازِبِ
وهذا من يوسف صلوات الله علـيه مسألة منه للـملك أن يولـيه أمر طعام بلده وخراجها, والقـيام بأسبـاب بلده, ففعل ذلك الـملك به فـيـما بلغنـي. كما:
14907ـ حدثنـي يونس, قال: أخبرنا ابن وهب, قال: قال ابن زيد, فـي قوله: اجْعَلْنِـي علـى خَزَائِنِ الأرْضِ قال: كان لفرعون خزائن غير الطعام, قال: فأسلـم سلطانه كله إلـيه, وجعل القضاء إلـيه, أمره وقضاؤه نافذ.
14908ـ حدثنا ابن حميد, قال: حدثنا إبراهيـم بن الـمختار, عن شيبة الضبـي, فـي قوله: اجْعَلْنِـي علـى خَزَائِنِ الأَرْضِ قال: علـى حفظ الطعام.
وقوله: إنّـي حَفـيظٌ عَلِـيـمٌ اختلف أهل التأويـل فـي تأويـل قوله, فقال بعضهم: معنى ذلك: إنـي حفـيظ لـما استودعتنـي علـيـم بـما ولـيتنـي. ذكر من قال ذلك:
14909ـ حدثنا ابن حميد, قال: حدثنا سلـمة, عن ابن إسحاق: إنّـي حَفِـيظٌ عَلِـيـمٌ إنـي حافظ لـما استودعتنـي, عالـم بـما ولّـيتنـي. قال:: قد فعلت.
14910ـ حدثنا بشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة, قوله: إنّـي حَفِـيظٌ عَلِـيـمٌ يقول: حفـيظ لـما ولـيتُ, علـيـم بأمره.
14911ـ حدثنا ابن حميد, قال: حدثنا إبراهيـم بن الـمختار, عن شيبة الضبـي فـي قوله: إنّـي حَفِـيظٌ عَلِـيـمٌ يقول: إنـي حفـيظ لـما استودعتنـي, علـيـم بسنـي الـمـجاعة.
وقال آخرون: إنـي حافظ للـحساب, علـيـم بـالألسن. ذكر من قال ذلك:
14912ـ حدثنا ابن وكيع, قال: حدثنا عمرو, عن الأشجعي: إنّـي حَفِـيظٌ عَلِـيـمٌ: حافظ للـحساب, علـيـم بـالألسن.
وأولـى القولـين عندنا بـالصواب, قول من قال: معنى ذلك: إنـي حافظ لـما استودعتنـي, عالـم بـما أولـيتنـي, لأن ذلك عقـيب قوله: اجْعَلْنِـي علـى خَزَائِنِ الأرْضِ ومسألته الـملك استكفـاءة خزائن الأرض, فكان إعلامه بأن عنده خبرة فـي ذلك, وكفـايته إياه, أشبه من إعلامه حفظه الـحساب ومعرفته بـالألسن.
الآية : 56
القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {وَكَذَلِكَ مَكّنّا لِيُوسُفَ فِي الأرْضِ يَتَبَوّأُ مِنْهَا حَيْثُ يَشَآءُ نُصِيبُ بِرَحْمَتِنَا مَن نَشَآءُ وَلاَ نُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ }.
يقول تعالـى ذكره: وهكذا وطأنا لـيوسف فـي الأرض, يعنـي أرض مصر. يَتَبَوّأُ مِنْها حَيْثُ يَشاءُيقول: يتـخذ من أرض مصر منزلاً حيث يشاء بعد الـحبس والضيق. نُصِيبُ بِرَحْمَتِنا مَنْ نَشاءُ من خـلقنا, كما أصبنا يوسف بها, فمكنّا له فـي الأرض بعد العبودة والإسار وبعد الإلقاء فـي الـجبّ. وَلا نُضِيعُ أجْرَ الـمُـحْسِنِـينَ يقول: ولا نُبطل جزاء عمل من أحسن فأطاع ربه وعمل بـما أمره وانتهى عما نهاه عنه, كما لـم نبطل جزاء عمل يوسف إذ أحسن فأطاع الله. وكان تـميكن الله لـيوسف فـي الأرض, كما:
14913ـ حدثنا ابن حميد, حدثنا سلـمة, عن ابن إسحاق, قال: لـما قال يوسف للـملك: اجْعَلْنِـي علـى خَزَائِنِ الأرْضِ إنّـي حَفِـيظٌ عَلِـيـمٌ قال الـملك: قد فعلت فولاه فـيـما يذكرون عمل إطفـير وعزل إطفـير عما كان علـيه, يقول الله: وكذلكَ مَكّنا لِـيُوسُفَ فِـي الأرْضِ يَتَبَوّأُ مِنْها حَيْثُ يَشاءُ... الآية. قال: فذكر لـي والله أعلـم أن إطفـير هلك فـي تلك اللـيالـي, وأن الـملك الرّيان بن الولـيد زوّج يوسف امرأة إطفـير راعيـل, وأنها حين دخـلت علـيه قال: ألـيس هذا خير مـما كنت تريدين؟ قال: فـيزعمون أنها قالت: أيها الصدّيق لا تلُـمنـي, فإنـي كنتُ امرأة كما ترى حُسنا وجمالاً, ناعمة فـي مُلك ودنـيا, وكان صاحبـي لا يأتـي النساء, وكنتَ كما جعَلك الله فـي حُسنك وهيئتك, فغلبتنـي نفسي علـى ما رأيت. فـيزعمون أنه وجدها عذراء, فأصابها, فولدت له رجلـين: إفراثـيـم بن يوسف, وميشا بن يوسف.
14914ـ حدثنا ابن وكيع, قال: حدثنا عمرو, عن أسبـاط, عن السديّ: وكذلكَ مَكّنا لـيُوسُفَ فِـي الأرْضِ يَتَبَوّأُ مِنْها حَيْثُ يَشاءُ قال: استعمله الـملك علـى مصر, وكان صاحب أمرها, وكان يـلـي البـيع والتـجارة وأمرها كله, فذلك قوله:وكذلكَ مَكنّا لِـيُوسُفَ فِـي الأرْضِ يَتَبَوّأُ مِنْها حَيْثُ يشاءُ.
14915ـ حدثنـي يونس, قال: أخبرنا ابن وهب, قال: قال ابن زيد, فـي قوله: يَتَبَوّأُ مِنْها حَيْثُ يَشاءُ قال: ملكناه فـيـما يكون فـيها حيث يشاء من تلك الدنـيا, يصنع فـيها ما يشاء, فُوّضَتْ إلـيه. قال: ولو شاء أن يجعل فرعون من تـحت يديه, ويجعله فوقه لفعل.
14916ـ حدثنـي الـمثنى, قال: حدثنا عمرو, قال: أخبرنا هشيـم, عن أبـي إسحاق الكوفـي, عن مـجاهد, قال: أسلـم الـملك الذي كان معه يوسف.
الآية : 57
القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {وَلأجْرُ الاَخِرَةِ خَيْرٌ لّلّذِينَ آمَنُواْ وَكَانُواْ يَتّقُونَ }.
يقول تعالـى ذكره: ولثواب الله فـي الاَخرة خير للذين آمنوا يقول: للذين صدّقوا الله ورسوله مـما أعطى يوسف فـي الدنـيا من تـمكينه له فـي أرض مصر. وكانُوا يَتّقُونَ يقول: وكانوا يتقون الله فـيخافون عقابه فـي خلاف أمره واستـحلال مـحارمه, فـيطيعونه فـي أمره ونهيه.
الآية : 58
القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {وَجَآءَ إِخْوَةُ يُوسُفَ فَدَخَلُواْ عَلَيْهِ فَعَرَفَهُمْ وَهُمْ لَهُ مُنكِرُونَ }.
يقول تعالـى ذكره: وَجاءَ إخْوةُ يُوسُفَ فَدَخَـلُوا عَلَـيْهِ فَعَرَفَهُمْ يوسف, وَهُمْ لـيوسف مُنْكِرونَ لا يعرفونه. وكان سبب مـجيئهم يوسف فـيـما ذكر لـي, كما:
14917ـ حدثنا ابن حميد, قال: حدثنا سلـمة, عن ابن إسحاق, قال: لـما اطمأنّ يوسف فـي ملكه, وخرج من البلاء الذي كان فـيه, وخـلت السنون الـمخصبة التـي كان أمرهم بـالإعداد فـيها للسنـين التـي أخبرهم بها أنها كائنة, جهد الناس فـي كلّ وجه, وضربوا إلـى مصر يـلتـمسون بها الـميرة من كلّ بلدة. وكان يوسف حين رأى ما أصاب الناس من الـجهد, قد أسا بـينهم, وكان لا يحمل للرجل إلا بعيرا واحدا, ولا يحمل للرجل الواحد بعيرين, تقسيطا بـين الناس, وتوسيعا علـيهم, فقدم إخوته فـيـمن قدم علـيه من الناس يـلتـمسون الـميرة من مصر, فعرفهم وهم له منكرون, لـما أراد الله أن يبلّغ لـيوسف علـيه السلام ما أراد.
14918ـ حدثنا ابن وكيع, قال: حدثنا عمرو, عن أسبـاط, عن السديّ, قال: أصاب الناس الـجوع, حتـى أصاب بلاد يعقوب التـي هو بها, فبعث بنـيه إلـى مصر, وأمسك أخا يوسف بنـيامين فلـما دخـلوا علـى يوسف عرفهم وهم له منكرون فلـما نظر إلـيهم, قال: أخبرونـي ما أمركم, فإنـي أُنكِر شأنكم قالوا: نـحن قوم من أرض الشأم. قال: فما جاء بكم؟ جئنا نـمتار طعاما. قال: كذبتـم, أنتـم عيون كم أنتـم؟ قالوا: عشرة. قال: أنتـم عشرة آلاف, كل رجل منكم أمير ألف, فأخبرونـي خبرَكم قالوا: إنا إخوة بنو رجل صِدّيق, وإنا كنا اثنـي عشر, وكان أبونا يحبّ أخا لنا, وإنه ذهب معنا البرية فهلك منا فـيها, وكان أحبنا إلـى أبـينا. قال: فإلـى من سكن أبوكم بعده؟ قالوا: إلـى أخ لنا أصغر منه. قال: فكيف تـخبرونـي أن أبـاكم صدّيق وهو يحبّ الصغير منكم دون الكبـير؟ ائتونـي بأخيكم هذا حتـى أنظر إلـيه فإنْ لَـمْ تَأَتُونِـي بِهِ فَلا كَيْـلَ لَكُمْ عِنْدِي وَلا تَقْرَبُونِ قالُوا سَنُرَاوِدُ عَنْهُ أبـاهُ وإنّا لَفـاعِلُونَ قال: فضعوا بعضكم رهينة حتـى ترجعوا فوضعوا شمعون.
14919ـ حدثنا مـحمد بن عبد الأعلـى, قال: حدثنا مـحمد بن ثور, عن معمر, عن قتادة: وَهُمْ لَهُ مُنْكِرُونَ قال: لا يعرفونه.
الآية : 59
القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {وَلَمّا جَهّزَهُم بِجَهَازِهِمْ قَالَ ائْتُونِي بِأَخٍ لّكُمْ مّنْ أَبِيكُمْ أَلاَ تَرَوْنَ أَنّيَ أُوفِي الْكَيْلَ وَأَنَاْ خَيْرُ الْمُنْزِلِينَ }.
يقول: ولـما حمل يوسف لإخوته أبـا عرهم من الطعام, فأوقر لكل رجل منهم بعيره, قال لهم: ائْتُونِـي بأخٍ لَكُمْ مِنْ أبِـيكُمْ كيـما أحمل لكم بعيرا آخر فتزدادوا به حمل بعير آخر. ألا تَرَوْنَ أنّـي أوفِـي الكَيْـلِ فلا أبخسه أحدا وأنا خَيْرُ الـمُنْزِلِـينَ, وأنا خير من أنزل ضيفـا علـى نفسه من الناس بهذه البلدة, فأنا أضيفكم. كما:
14920ـ حدثنـي الـمثنى, قال: حدثنا أبو حذيفة, قال: حدثنا شبل, عن ابن أبـي نـجيح, عن مـجاهد: وأنا خَيْرُ الـمُنْزِلِـينَ يوسف يقول: أنا خير من يضيف بـمصر.
14921ـ حدثنـي ابن حميد, قال: حدثنا سلـمة, عن ابن إسحاق, قال: لـما جهز يوسف فـيـمن جهز من الناس, حمل لكلّ رجل منهم بعيرا بعدتهم, ثم قال لهم: ائْتُونِـي بأخٍ لَكُمْ مِنْ أبِـيكُمْ أجعل لكم بعيرا آخر, أو كما قال. ألا تَرَوْنَ أنّـي أُوفِـي الكَيْـلَ: أي لا أبخس الناس شيئا, وأنا خَيْرُ الـمُنْزِلِـينَ: أي خير لكم من غيري, فإنكم إن أتـيتـم به أكرمت منزلتكم وأحسنت إلـيكم, وازددتـم به بعيرا مع عدتكم, فإنـي لا أعطي لكم كل رجل منكم إلا بعيرا. فإنْ لَـمْ تَأْتُونِـي بِهِ فَلا كَيْـلَ لَكُمْ عِنْدِي وَلا تَقْرَبُونِ لا تقربوا بلدي.
14922ـ حدثنا بشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة, قوله: ائْتُونِـي بأخٍ لَكُمْ مِنْ أبِـيكُمْ يعنـي بنـيامين, وهو أخو يوسف لأبـيه وأمه.
الآية : 60
القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {فَإِن لّمْ تَأْتُونِي بِهِ فَلاَ كَيْلَ لَكُمْ عِندِي وَلاَ تَقْرَبُونِ }.
يقول تعالـى ذكره مخبرا عن قـيـل يوسف لإخوته: فإنْ لَـمْ تَأَتُونِـي بِهِ بأخيكم من أبـيكم, فَلاَ كَيْـلَ لَكُمْ عِنْدِي يقول: فلـيس لكم عندي طعام أكيـله لكم, وَلا تَقْرَبُونِ يقول: ولا تقربوا بلادي.
وقوله: وَلا تَقْرَبُونِ فـي موضع جزم بـالنهي, والنون فـي موضع نصب, وكسرت لـما حُذفت ياؤها, والكلام: ولا تقربونـي.
الآية : 61-62
القول فـي تأويـل قوله تعالـى:
{قَالُواْ سَنُرَاوِدُ عَنْهُ أَبَاهُ وَإِنّا لَفَاعِلُونَ * وَقَالَ لِفِتْيَانِهِ اجْعَلُواْ بِضَاعَتَهُمْ فِي رِحَالِهِمْ لَعَلّهُمْ يَعْرِفُونَهَآ إِذَا انْقَلَبُوَاْ إِلَىَ أَهْلِهِمْ لَعَلّهُمْ يَرْجِعُونَ }.
يقول تعالـى ذكره: قال إخوة يوسف لـيوسف إذ قال لهم: ائْتُونِـي بأخٍ لَكُمْ مِنْ أبِـيكُمْ, قالُوا سَنُرَاوِدُ عَنْهُ أبـاهُ ونسأله أن يخـلـيه معنا حتـى نَـجِيء به إلـيك, وَإنّا لَفـاعِلُونَ يعنون بذلك: وإنا لفـاعلون ما قلنا لك أنا نفعله من مراودة أبـينا عن أخينا منه ولنـجتهدن. كما:
14923ـ حدثنا ابن حميد, قال: حدثنا سلـمة, عن ابن إسحاق: وَإنّا لَفـاعِلُونَ لنـجتهدنّ.
وقوله: وَقال لِفِتْـيانِهِ اجْعَلُوا بِضَاعَتَهُمْ فِـي رِحالِهِمْ يقول تعالـى ذكره: وقال يوسف لِفتـيانه, وهم غلـمانه. كما:
14924ـ حدثنا بشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة, قوله: وَقالَ لِفِتـيْانِهِ أي لغلـمانه: اجْعَلُوا بِضَاعَتَهُمْ فِـي رِحَالَهُمْ يقول: اجعلوا أثمان الطعام الذي أخذتـموها منهم فـي رحالهم.
والرحال: جمع رحل, وذلك جمع الكثـير, فأما القلـيـل من الـجمع منه فهو أرحُل, وذلك جمع ما بـين الثلاثة إلـى العشرة.
وبنـحو الذي قلنا فـي معنى البضاعة قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك:
14925ـ حدثنا بشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة: اجْعَلُوا بِضَاعَتَهُمْ فِـي رِحالِهِمْ: أي أوراقهم.
14926ـ حدثنا ابن حميد, قال: حدثنا سلـمة, عن ابن إسحاق, قال: ثم أمر ببضاعتهم التـي أعطاهم بها ما أعطاهم من الطعام, فجعلت فـي رحالهم وهم لا يعلـمون.
14927ـ حدثنا ابن وكيع, قال: حدثنا عمرو, عن أسبـاط, عن السديّ, قال: وقال لفتـيته وهو يكيـل لهم: اجعلوا بضاعتهم فـي رحالهم لعلهم يعرفونها إذا انقلبوا إلـى أهلهم لعلهم يرجعون إلـيّ.
فإن قال قائل: ولأية علة أمر يوسف فتـيانه أن يجعلوا بضاعة إخوته فـي رحالهم؟ قـيـل: يحتـمل ذلك أوجها: أحدها: أن يكون خشي أن لا يكون عند أبـيه دراهم, إذ كانت السّنة سنَة جدب وقحط, فـيضرّ أخذ ذلك منهم به, وأحبّ أن يرجع إلـيه. أو أراد أن يتسع بها أبوه وإخوته مع حاجتهم إلـيه, فردّه علـيهم من حيث لا يعلـمون سبب ردّه تكرّما وتفضلاً, والثالث: وهو أن يكون أراد بذلك أن لا يخـلفوه الوعد فـي الرجوع, إذا وجدوا فـي رحالهم ثمن طعام قد قبضوه وملكه علـيهم غيرهم عِوَضا من طعامهم, ويتـحرّجوا من إمساكهم ثمن طعام قد قبضوه حتـى يؤدّوه علـى صاحبه, فـيكون ذلك أدعى لهم إلـى العود إلـيه.
الآية :63
القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {فَلَمّا رَجِعُوا إِلَىَ أَبِيهِمْ قَالُواْ يَأَبَانَا مُنِعَ مِنّا الْكَيْلُ فَأَرْسِلْ مَعَنَآ أَخَانَا نَكْتَلْ وَإِنّا لَهُ لَحَافِظُونَ }.
يقول تعالـى ذكره: فلـما رجع إخوة يوسف إلـى أبـيهم, قالوا: يا أبـانا مُنِعَ مِنّا الكَيْـلُ فَأَرْسِلْ مَعَنا أخانا نَكْتَلْ يقول: مُنع منا الكيـل فوق الكيـل الذي كيـل لنا, ولـم يُكَل لكل رجل منا إلا كيـل بعير, فأرسل معنا أخانا بنـيامين يكتل لنفسه كيـل بعير آخر زيادة علـى كيـل أبـاعرنا. وَإنّا لُـحَافِظُونَ من أن يناله مكروه فـي سفره.
وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك: 14928ـ حدثنا ابن وكيع, قال: حدثنا عمرو, عن أسبـاط, عن السديّ: فلـما رجعوا إلـى أبـيهم قالوا: يا أبـانا إن ملك مصر أكرمنا كرامة مّا لو كان رجل من ولد يعقوب ما أكرمنا كرامته, وإنه ارتهن شمعون, وقال: ائتونـي بأخيكم هذا الذي عكف علـيه أبوكم بعد أخيكم الذي هلك, فإن لـم تأتونـي به فلا تقربوا بلادي. قال يعقوب: هَلْ آمَنُكُمْ عَلَـيْهِ إلاّ كَمَا أمِنْتُكُمْ علـى أخِيهِ مِنْ قَبْلُ فـاللّهُ خَيْرٌ حافِظا وَهُوَ أرْحَمُ الرّاحِمِينَ قال: فقال لهم يعقوب: إذا أتـيتـم ملك مصر فـاقرئوه منـي السلام, وقولوا: إن أبـانا يصلّـي علـيك, ويدعو لك بـما أولـيتنا.
14929ـ حدثنا ابن حميد, قال: حدثنا سلـمة, عن ابن إسحاق, قال: خرجوا حتـى قدموا علـى أبـيهم, وكان منزلهم فـيـما ذكر لـي بعض أهل العلـم بـالعَرَبـات من أرض فلسطين بغَوْر الشام. وبعض يقول: بـالأولاج من ناحية الشّعب أسفل من حِسْمَى, وكان صاحب بـادية له شاءٌ وإبل, فقالوا: يا أبـانا قدمنا علـى خير رجل أنزلنا فأكرم منزلنا وكال لنا فأوفـانا ولـم يبخسنا, وقد أمرنا أن نأتـيه بأخ لنا من أبـينا, وقال: إن أنتـم لـم تفعلوا فلا تقربُنـيّ ولا تدخـلُنّ بلدي فقال لهم يعقوب: هَلْ آمَنُكُمْ عَلَـيْهِ إلاّ كمَا أمِنْتُكُمْ علـى أخِيهِ مِنْ قَبْلُ فـاللّهُ خَيْرٌ حافِظا وَهُوَ أرْحَمُ الرّاحِمِينَ.
واختلفت القراء فـي قراءة قوله: نَكْتَلْ, فقرأ ذلك عامة قرّاء أهل الـمدينة وبعض أهل مكة والكوفة نَكْتَلْ بـالنون, بـمعنى: نكتل نـحن وهو. وقرأ ذلك عامة قرّاء أهل الكوفة: «يَكْتَلْ» بـالـياء, بـمعنى يكتل هو لنفسه كما نكتال لأنفسنا.
والصواب من القول فـي ذلك أنهما قراءتان معروفتان متفقتا الـمعنى, فبأيتهما قرأ القارىء فمصيب الصواب. وذلك أنهم إنـما أخبروا أبـاهم أنه مَنَع منهم زيادة الكيـل علـى عدد رءوسهم, فقالوا: يا أبـانَا مُنِعَ مِنّا الكَيْـلُ ثم سألوه أن يرسل معهم أخاهم لـيكتال لنفسه, فهو إذن اكتال لنفسه واكتالوا هم لأنفسهم, فقد دخـل الأخ فـي عَدَدهم. فسواء كان الـخبر بذلك عن خاصة نفسه, أو عن جميعهم بلفظ الـجميع, إذ كان مفهوما معنى الكلام وما أريد به