سورة النمل | للقراءة من المصحف بخط كبير واضح
استماع mp3 | الجلالين&الميسر | تفسير الشوكاني |
إعراب الصفحة | تفسير ابن كثير | تفسير القرطبي |
التفسير المختصر | تفسير الطبري | تفسير السعدي |
تفسير الطبري تفسير الصفحة 378 من المصحف
تفسير الطبري - صفحة القرآن رقم 378
379
377
الآية : 13 - 14
القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {فَلَمّا جَآءَتْهُمْ آيَاتُنَا مُبْصِرَةً قَالُواْ هَـَذَا سِحْرٌ مّبِينٌ * وَجَحَدُواْ بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَآ أَنفُسُهُمْ ظُلْماً وَعُلُوّاً فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُفْسِدِينَ }.
يقول تعالـى ذكره: فلـما جاءت فرعون وقومه آياتنا, يعنـي أدلتنا وحججنا, علـى حقـيقة ما دعاهم إلـيه موسى وصحته, وهي الاَيات التسع التـي ذكرناها قبل. وقوله مُبْصِرَةً يقول: يبصر بها من نظر إلـيها ورآها حقـيقة ما دلت علـيه. وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك:
20445ـ حدثنا القاسم, قال: حدثنا الـحسين, قال: ثنـي حجاج, عن ابن جُرَيج فَلَـمّا جاءَتْهُمْ آياتُنَا مُبْصِرَةً قال: بـيّنة قَالُوا: هَذَا سِحْرٌ مُبِـينٌ, يقول: قال فرعون وقومه: هذا الذي جاءنا به موسى سحر مبـين, يقول: يبـين للناظرين له أنه سحر.
وقوله: وَجَحَدُوا بِها يقول: وكذّبوا بـالاَيات التسع أن تكون من عند الله, كما:
20446ـ حدثنا القاسم, قال: حدثنا الـحسين, قال: ثنـي حجاج, عن ابن جُرَيج وَجَحَدُوا بِها قال: الـجحود: التكذيب بها.
وقوله: وَاسْتَـيْقَنَتْها أنْفُسُهُمْ يقول: وأيقنتها قلوبهم, وعلـموا يقـينا أنها من عند الله, فعاندوا بعد تبـينهم الـحقّ, ومعرفتهم به, كما:
20447ـ حدثنا القاسم, قال: حدثنا الـحسين, قال: ثنـي حجاج, عن ابن جُرَيج, عن عطاء الـخراسانـي, عن ابن عبـاس وَاسْتَـيْقَنَتْها أنْفُسُهُمْ قال: يقـينهم فـي قلوبهم.
20448ـ حدثنـي يونس, قال: أخبرنا ابن وهب, قال: قال ابن زيد فـي قوله الله: وَاسْتَـيْقَنَتْها أنْفُسُهُمْ ظُلْـما وَعُلُوّا قال: استـيقنوا أن الاَيات من الله حقّ, فلـم جحدوا بها؟ قال: ظلـما وعلوّا.
وقوله: ظُلْـما وَعُلُوّا يعنـي بـالظلـم: الاعتداء, والعلوّ: الكبر, كأنه قـيـل: اعتداء وتكبرا وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك:
20449ـ حدثنا القاسم, قال: حدثنا الـحسين, قال: ثنـي حجاج, عن ابن جُرَيج, فـي قوله ظُلْـما وَعُلُوّا قال: تعظما واستكبـارا, ومعنى ذلك: وجحدوا بـالاَيات التسع ظلـما وعلوّا, واستـيقنتها أنفسهم أنها من عند الله, فعاندوا الـحقّ بعد وضوحه لهم, فهو من الـمؤخر الذي معناه التقديـم.
وقوله: فـانْظُرْ كَيْف كانَ عاقِبَةُ الـمُفْسِدِينَ. يقول تعالـى ذكره لنبـيه مـحمد صلى الله عليه وسلم: فـانظر يا مـحمد بعين قلبك كيف كان عاقبة تكذيب هؤلاء الذين جحدوا آياتنا حين جاءتهم مبصرة, وماذا حلّ بهم من إفسادهم فـي الأرض ومعصيتهم فـيها ربهم, وأعقبهم ما فعلوا, فإن ذلك أخرجهم من جنات وعيون, وزروع ومقام كريـم, إلـى هلاك فـي العاجل بـالغرق, وفـي الاَجل إلـى عذاب دائم, لا يفتر عنهم, وهم فـيه مبلسون. يقول: وكذلك يا مـحمد سنتـي فـي الذين كذّبوا بـما جئتهم به من الاَيات علـى حقـيقة ما تدعوهم إلـيه من الـحقّ من قومك.
الآية : 15
القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {وَلَقَدْ آتَيْنَا دَاوُودَ وَسُلَيْمَانَ عِلْماً وَقَالاَ الْحَمْدُ لِلّهِ الّذِي فَضّلَنَا عَلَىَ كَثِيرٍ مّنْ عِبَادِهِ الْمُؤْمِنِينَ }.
يقول تعالـى ذكره: وَلَقَدْ آتَـيْنَا دَاوُدَ وَسُلَـيـمَانُ عِلْـما وذلك علـم كلام الطير والدوابّ, وغير ذلك مـما خصهم الله بعلـمه وَقالا الـحَمْدُ لِلّهِ الّذِي فَضّلَنا عَلـى كَثِـيرٍ مِنْ عِبـادِهِ الـمُؤْمِنِـينَ يقول جلّ ثناؤه: وقال داود وسلـيـمان: الـحمد لله الذي فضلنا بـما خصنا به من العلـم الذي آتاناه دون سائر خـلقه من بنـي آدم فـي زماننا هذا علـى كثـير من عبـاده الـمؤمنـين به فـي دهرنا هذا.
الآية : 16
القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {وَوَرِثَ سُلَيْمَانُ دَاوُودَ وَقَالَ يَأَيّهَا النّاسُ عُلّمْنَا مَنطِقَ الطّيْرِ وَأُوتِينَا مِن كُلّ شَيْءٍ إِنّ هَـَذَا لَهُوَ الْفَضْلُ الْمُبِينُ }.
يقول تعالـى ذكره: وَوَرِثَ سُلَـيْـمانُ أبـاه دَاوُدَ العلـم الذي كان آتاه الله فـي حياته, والـمُلك الذي كان خصه به علـى سائر قومه, فجعله له بعد أبـيه داود سائر ولد أبـيه. وَقالَ يا أيّها النّاس عُلّـمْنا مَنْطِقَ الطّيْرِ يقول: وقال سلـيـمان لقومه: يا أيها الناس علـمنا منطق الطير, يعنـي فهمنا كلامها وجعل ذلك من الطير كمنطق الرجل من بنـي آدم إذ فهمه عنها, وقد:
20450ـ حدثنا القاسم, قال: حدثنا الـحسين, قال: ثنـي حجاج, عن أبـي معشر, عن مـحمد بن كعب وَقالَ يا أيّها النّاسُ عُلّـمْنا مَنْطِقَ الطّيْر قال: بلغنا أن سلـيـمان كان عسكره مئة فرسخ: خمسة وعشرون منها للإنس, وخمسة وعشرون للـجنّ وخمسة وعشرون للوحش وخمسة وعشرون للطير, وكان له ألف بـيت من قوارير علـى الـخشب فـيها ثلاث مئة صريحة, وسبع مئة سرية, فأمر الريح العاصف فرفعته, وأمر الرّخاء فسيرته فأوحى الله إلـيه وهو يسير بـين السماء والأرض: إنـي قد أردت أنه لا يتكلـم أحد من الـخلائق بشيء إلا جاءت الريح فأخبرته. وقوله: وأُوتـينا مِنْ كلّ شَيْءٍ يقول: وأُعطينا ووُهب لنا من كلّ شيء من الـخيرات إنّ هَذَا لَهُوَ الفَضْلُ الـمُبِـينُ يقول: إن هذا الذي أوتـينا من الـخيرات لهو الفضل علـى جميع أهل دهرنا الـمبـين, يقول: الذي يبـين لـمن تأمّله وتدبره أنه فضل أُعطيناه علـى من سوانا من الناس.
الآية : 17
القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {وَحُشِرَ لِسْلَيْمَانَ جُنُودُهُ مِنَ الْجِنّ وَالإِنْس وَالطّيْرِ فَهُمْ يُوزَعُونَ }.
يقول تعالـى ذكره: وجمع لسلـيـمان جنوده من الـجنّ والإنس والطير فـي مسير لهم فهم يوزعون.
واختلف أهل التأويـل فـي معنى قوله فَهُمْ يُوزَعُونَ فقال بعضهم: معنى ذلك: فهم يُحبس أوّلهم علـى آخرهم حتـى يجتـمعوا. ذكر من قال ذلك:
20451ـ حدثنا القاسم, قال: حدثنا الـحسين, قال: ثنـي حجاج, عن ابن جُرَيج, عن عطاء الـخراسانـي, عن ابن عبـاس, قال: جعل علـى كل صنف من يردّ أولاها علـى أُخراها لئلا يتقدموا فـي الـمسير كما تصنع الـملوك.
20452ـ حدثنا القاسم, قال: حدثنا أبو سفـيان عن معمر, عن قَتادة, فـي قوله: وَحُشِرَ لِسُلَـيْـمانَ جُنودُهُ مِنَ الـجنّ والإِنْس والطّيْرِ فَهُمْ يُوزَعُونَ قال: يردّ أوّلهم علـى آخرهم.
وقال آخرون: معنى ذلك فهم يساقون. ذكر من قال ذلك:
20453ـ حدثنـي يونس, قال: أخبرنا ابن وهب, قال: قال ابن زيد, فـي قوله: وَحُشِرَ لِسُلَـيْـمانَ جُنُودُهُ مِنَ الـجِنّ والإنْسِ والطّيْرَ فَهُمْ يُوزَعُونَ قال: يوزعون: يُساقون.
وقال آخرون: بل معناه: فهم يتقدمون. ذكر من قال ذلك:
20454ـ حدثنا الـحسين, قال: حدثنا أبو سفـيان عن معمر, قال: قال الـحسن: يُوزَعُونَ يتقدمون.
قال أبو جعفر: وأولـى هذه الأقوال بـالصواب قول من قال: معناه: يردّ أوّلهم علـى آخرهم وذلك أن الوازع فـي كلام العرب هو الكافّ, يقال منه: وزع فلان فلانا عن الظلـم: إذا كفّه عنه, كما قال الشاعر:
ألَـمْ يَزَعِ الهَوَى إذْ لَـمْ يُؤَاتِ بَلـى وَسَلَوْتُ عَنْ طَلَب الفَتاةِ
وقال آخر:
عَلـى حِينَ عاتَبْتُ الـمَشيبَ عَلـى الصّبـا وقُلْتُ ألَـمّا أصْحُ والشّيْبُ وَازعُ
وإنـما قـيـل للذين يدفعون الناس عن الولاة والأمراء وزعة: لكفهم إياهم عنه.
الآية : 18
القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {حَتّىَ إِذَآ أَتَوْا عَلَىَ وَادِي النّمْلِ قَالَتْ نَمْلَةٌ يَأَيّهَا النّمْلُ ادْخُلُواْ مَسَاكِنَكُمْ لاَ يَحْطِمَنّكُمْ سُلَيْمَانُ وَجُنُودُهُ وَهُمْ لاَ يَشْعُرُونَ }.
يعنـي تعالـى ذكره بقوله: حتـى إذَا أتَوْا عَلـى وَادِي النّـمْلِ حتـى إذا أتـى سلـيـمان وجنوده علـى وادي النـمل قالَتْ نَـمْلَةٌ يا أيّها النّـمْلُ ادْخُـلُوا مَساكِنَكُمْ لا يحْطِمَنّكُمْ سلَـيْـمانُ وَجُنُودُهُ يقول: لا يكسرنكم ويقتلنكم سلـيـمان وجنوده وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ يقول: وهم لا يعلـمون أنهم يحطمونكم.
20455ـ حدثنا ابن بشار, قال: حدثنا عبد الرحمن ويحيى, قالا حدثنا سفـيان, عن الأعمش, عن رجل يقال له الـحكم, عن عوف, فـي قوله: قالَتْ نَـمْلَةٌ يا أيها النّـمْلُ قال: كان نـمل سلـيـمان بن داود مثل الذبـاب.
الآية : 19
القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {فَتَبَسّمَ ضَاحِكاً مّن قَوْلِهَا وَقَالَ رَبّ أَوْزِعْنِيَ أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الّتِيَ أَنْعَمْتَ عَلَيّ وَعَلَىَ وَالِدَيّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحاً تَرْضَاهُ وَأَدْخِلْنِي بِرَحْمَتِكَ فِي عِبَادِكَ الصّالِحِينَ }.
يقول تعالـى ذكره: فتبسّم سلـيـمان ضاحكا من قول النـملة التـي قالت ما قالت, وقال: رَبّ أوْزِعْنِـي أنْ أشْكُرَ نِعْمَتَكَ التـي أنْعَمْتَ عَلـيّ يعنـي بقوله أوْزِعْنِـي: ألهمنـي. وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك:
20456ـ حدثنـي علـيّ, قال: حدثنا أبو صالـح, قال: ثنـي معاوية, عن علـيّ, عن ابن عبـاس, فـي قوله: قالَ رَبّ أوْزِعْنِـي أنْ أشْكُرَ نِعْمَتَكَ يقول: اجعلنـي.
20457ـ حدثنـي يونس, قال: أخبرنا ابن وهب, قال: قال ابن زيد, فـي قوله الله: رَبّ أوْزِعْنِـي أنْ أشْكُرَ نِعْمَتَكَ التـي أنْعَمْتَ عَلـيّ قال: فـي كلام العرب, تقول: أوزع فلان بفلان, يقول: حرض علـيه. وقال ابن زيد: أوْزِعْنِـي ألهمنـي وحرّضنـي علـى أن أشكر نعمتك التـي أنعمت علـيّ وعلـى والديّ.
وقوله: وأنْ أعْمَلَ صَالِـحا تَرْضَاهُ يقول: وأوزعنـي أن أعمل بطاعتك وما ترضاه وأدّخِـلْنِـي بِرَحْمَتِكَ فِـي عِبـادِكَ الصّالِـحِينَ يقول: وأدخـلنـي برحمتك مع عبـادك الصالـحين, الذين اخترتهم لرسالتك وانتـخبتهم لوحيك, يقول: أدخـلنـي من الـجنة مداخـلهم. وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك:
20458ـ حدثنـي يونس, قال: أخبرنا ابن وهب, قال: قال ابن زيد, فـي قوله: وأدْخِـلْنِـي بِرَحْمَتِكَ فِـي عبـادِكَ الصّالِـحينَ قال: مع عبـادك الصالـحين الأنبـياء والـمؤمنـين.
الآية : 20 -21
القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {وَتَفَقّدَ الطّيْرَ فَقَالَ مَالِيَ لاَ أَرَى الْهُدْهُدَ أَمْ كَانَ مِنَ الْغَآئِبِينَ * لاُعَذّبَنّهُ عَذَاباً شَدِيداً أَوْ لأذْبَحَنّهُ أَوْ لَيَأْتِيَنّي بِسُلْطَانٍ مّبِينٍ }.
يقول تعالـى ذكره: وَتَفَقّدَ سلـيـمان الطيْرَ فَقالَ مالـيَ لا أرَى الهُدْهُدَ. وكان سبب تفقده الطير وسؤاله عن الهدهد خاصة من بـين الطير, ما:
20459ـ حدثنا ابن عبد الأعلـى, قال: حدثنا الـمعتـمر بن سلـيـمان, قال: سمعت عمران عن أبـي مُـجَلّز, قال: جلس ابن عبـاس إلـى عبد الله بن سلام, فسأله عن الهدهد: لـم تفقّده سلـيـمان من بـين الطير0فقال عبد الله بن سلام: إن سلـيـمان نزل منزلة فـي مسير له, فلـم يدر ما بُعْدَ الـماء, فقال: من يعلـم بُعْدَ الـماء؟ قالوا: الهدهد, فذاك حين تفقده.
حدثنا مـحمد, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا عمران بن حدير, عن أبـي مـجلّز, عن ابن عبـاس وعبد الله ابن سلام بنـحوه.
20460ـ حدثنـي أبو السائب, قال: حدثنا أبو معاوية, عن الأعمش, عن الـمنهال, عن سعيد بن جبـير, عن ابن عبـاس, قال: كان سلـيـمان بن داود يوضع له ستّ مئة كرسي, ثم يجيء أشراف الإنس فـيجلسون مـما يـلـيه, ثم تـجيء أشراف الـجنّ فـيجلسون مـما يـلـي الإنس, قال: ثم يدعو الطير فتظلهم, ثم يدعو الريح فتـحملهم, قال: فـيسير فـي الغداة الواحدة مسيرة شهر, قال: فبـينا هو فـي مسيره إذا احتاج إلـى الـماء وهو فـي فلاة من الأرض, قال: فدعا الهدهد, فجاءه فنقر الأرض, فـيصيب موضع الـماء, قال: ثم تـجيء الشياطين فـيسلـخونه كما يسلـخ الإهاب, قال: ثم يستـخرجون الـماء. فقال له نافع بن الأزرق: قـف يا وقاف أرأيت قولك الهدهد يجيء فـينقر الأرض, فـيصيب الـماء, كيف يبصر هذا, ولا يبصر الفخّ يجيء حتـى يقع فـي عنقه؟ قال: فقال له ابن عبـاس: ويحك إن القدر إذا جاء حال دون البصر.
20461ـ حدثنا ابن حميد, قال: حدثنا سلـمة, عن مـحمد بن إسحاق, عن بعض أهل العلـم, عن وهب بن منبه, قال: كان سلـيـمان بن داود إذا خرج من بـيته إلـى مـجلسه عكفت علـيه الطير, وقام له الـجنّ والإنس حتـى يجلس علـى سريره, حتـى إذا كان ذات غداة فـي بعض زمانه غدا إلـى مـجلسه الذي كان يجلس فـيه, فتفقد الطير. وكان فـيـما يزعمون يأتـيه نوبـا من كل صنف من الطير طائر, فنظر فرأى من أصناف الطير كلها قد حضره إلا الهدهد, فقال: مالـي لا أرى الهدهد
20462ـ حدثنـي يونس, قال: أخبرنا ابن وهب, قال: قال ابن زيد: أوّل ما فقد سلـيـمان الهدهد نزل بواد فسأل الإنس عن مائه, فقالوا: ما نعلـم له ماء, فإن يكن أحد من جنودك يعلـم له ماء فـالـجنّ, فدعا الـجنّ فسألهم, فقالوا: ما نعلـم له ماء وإن يكن أحد من جنودك يعلـم له ماء فـالطير, فدعا الطير فسألهم, فقالو: ما نعلـم له ماء, وإن يكن أحد من جنودك يعلـمه فـالهدهد, فلـم يجده, قال: فلذاك أوّل ما فقد الهدهد.
حدثنـي مـحمد بن سعد, قال: ثنـي أبـي, قال: ثنـي عمي, قال: ثنـي أبـي, عن أبـيه, عن ابن عبـاس, قوله: وَتَفَقّدَ الطّيْرَ فَقالَ مالـيَ لا أرَى الهُدْهُدَ أمْ كانَ مِنَ الغائِبِـينَ قال: تفقد الهدهد من أجل أنه كان يدله علـى الـماء إذا ركب, وإن سلـيـمان ركب ذات يوم فقال: أين الهدهد لـيدلنا علـى الـماء؟ فلـم يجده, فمن أجل ذلك تفقده. فقال ابن عبـاس: إن الهدهد كان ينفعه الـحذر ما لـم يبلغه الأجل فلـما بلغ الأجل لـم ينفعه الـحذر, وحال القدر دون البصر.
فقد اختلف عبد الله بن سلام والقائلون بقوله ووهب بن منبه, فقال عبد الله: كان سبب تفقده الهدهد وسؤاله عنه لـيستـخبره عن بُعد الـماء فـي الوادي الذي نزل به فـي مسيره. وقال وهب بن منبه: كان تفقده إياه وسؤاله عنه لإخلاله بـالنوبة التـي كان ينوبها والله أعلـم بأيّ ذلك كان إذ لـم يأتنا بأيّ ذلك كان تنزيـل, ولا خبر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم صحيح.
فـالصواب من القول فـي ذلك أن يقال: إن الله أخبر عن سلـيـمان أنه تفقد الطير, إما للنوبة التـي كانت علـيها وأخـلت بها, وإما لـحاجة كانت إلـيها عن بُعد الـماء.
وقوله: فَقالَ مالِـيَ لا أرَى الهُدْهُدَ أمْ كانَ مِنَ الغائِبِـينَ يعنـي بقوله مالـيَ لا أرَى الهُدْهُدَ أخطأه بصرى فلا أراه وقد حضر أم هو غائب فـيـما غاب من سائر أجناس الـخـلق فلـم يحضر. وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك:
20463ـ حدثنا ابن حميد, قال: حدثنا سلـمة, عن ابن إسحاق, عن بعض أهل العلـم, عن وهب بن منبه مالِـيَ لا أرَى الهُدْهُدَ أمْ كانَ مِنَ الغَائِبِـينَ أخطأه بصري فـي الطير, أم غاب فلـم يحضر؟
وقوله: لأُعَذّبَنّهُ عَذَابـا شَدِيدا يقول: فلـما أخبر سلـيـمان عن الهدهد أنه لـم يحضر وأنه غائب غير شاهد, أقسم لأُعَذّبَنّه عَذَابـا شَدِيدا وكان تعذيبه الطير فـيـما ذُكر عنه إذا عذّبها أن ينتف ريشها. وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك:
20464ـ حدثنا أبو كُرَيب, قال: حدثنا الـحمانـي, عن الأعمش, عن الـمنهال, عن سعيد بن جُبَـير, عن ابن عبـاس, فـي قوله لأُعَذّبَنّهُ عَذَابـا شَدِيدا قال: نتف ريشه.
20465ـ حدثنا أبو كُرَيب, قال: حدثنا ابن عطية, عن شريك, عن عطاء, عن مـجاهد, عن ابن عبـاس, فـي لأُعَذّبَنّهُ عَذَابـا شَدِيدا عذابه: نتفه وتشميسه.
حدثنـي مـحمد بن سعد, قال: ثنـي أبـي, قال: ثنـي عمي, قال: ثنـي أبـي, عن أبـيه, عن ابن عبـاس, قوله لأُعَذّبَنّهُ عَذَابـا شَدِيدا قال: نتف ريشه وتشميسه.
20466ـ حدثنـي مـحمد بن عمرو, قال: حدثنا أبو عاصم, قال: حدثنا عيسى وحدثنـي الـحارث, قال: حدثنا الـحسن, قال: حدثنا ورقاء جميعا, عن ابن أبـي نـجيح, عن مـجاهد لأُعَذّبَنّهُ عَذَابـا شَدِيدا قال: نتف ريشه كله.
حدثنا القاسم, قال: حدثنا الـحسين, قال: ثنـي حجاج, عن ابن جُرَيج, عن مـجاهد, قوله لأُعَذّبَنّهُ عَذَابـا شدِيدا قال: نتف ريش الهدهد كله, فلا يغفو سنة.
20467ـ قال: ثنا الـحسين, قال: حدثنا أبو سفـيان, عن معمر, عن قَتادة, قال: نتف ريشه.
20468ـ حُدثت عن الـحسين, قال: سمعت أبـا معاذ يقول: أخبرنا عبـيد, قال: سمعت الضحاك يقول فـي قوله لأُعَذّبَنّهُ عَذَابـا شَدِيدا يقول: نتف ريشه.
20469ـ حدثنا ابن حميد, قال: حدثنا سلـمة, قال: ثنـي ابن إسحاق, عن يزيد بن رومان أنه حدّث أن عذابه الذي كان يعذّب به الطير نتف جناحه.
20470ـ حدثنـي يونس, قال: أخبرنا ابن وهب, قال: قال ابن زيد: قـيـل لبعض أهل العلـم: هذا الذبح, فما العذاب الشديد؟ قال: نتف ريشه بتركه بَضعة تنزو.
حدثنا سعيد بن الربـيع الرازيّ, قال: حدثنا سفـيان, عن عمرو بن بشار, عن ابن عبـاس, فـي قوله لأُعَذّبَنّهُ عَذَابـا شَدِيدا قال: نتفه.
20471ـ حدثنـي سعيد بن الربـيع, قال: حدثنا سفـيان, عن حسين بن أبـي شدّاد, قال: نتفه وتشميسه.
أو لأذبحنه, يقول: أو لأقتلنه. كما:
20472ـ حُدثت عن الـحسين, قال: سمعت أبـا معاذ يقول: أخبرنا عبـيد, قال: سمعت الضحاك يقول, فـي قوله: أوْ لأَذْبَحَنّه يقول: أو لأقتلنه.
20473ـ حدثنا القاسم, قال: حدثنا الـحسين, قال: حدثنا عبـاد بن العوّام, عن حُصَين, عن عبد الله بن شدّاد: لأُعَذّبَنّهُ عَذَابـا شَدِيدا أَوْ لأَذْبحَنّهُ... الاَية, قال: فتلقاه الطير, فأخبره, فقال: ألـم يستثن؟
وقوله: أوْ لَـيَأْتِـيَنّـي بسُلْطانٍ مُبِـينٍ يقول: أو لـيأتـينـي بحجة تبـين لسامعها صحتها وحقـيقتها. وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك:
20474ـ حدثنا علـيّ بن الـحسين الأزديّ, قال: حدثنا الـمعافـىَ بن عمران, عن سفـيان, عن عمار الدّهْنـي, عن سعيد بن جُبَـير, عن ابن عبـاس, قال: كل سلطان فـي القرآن فهو حجة.
حدثنـي مـحمد بن سعد, قال: ثنـي أبـي, قال: ثنـي عمي, قال: ثنـي أبـي, عن أبـيه, عن ابن عبـاس, قوله أوْلَـيَأْتِـيَنّـي بِسُلْطانٍ مَبِـينٍ يقول: ببـينة أعذره بها, وهو مثل قوله: الّذِينَ يُجادِلُونَ فـي آياتِ اللّهِ بغَيْرِ سُلْطانٍ يقول: بغير بـيّنة.
20475ـ حدثنا ابن بشار, قال: حدثنا أبو عاصم, قال: حدثنا سفـيان, عن رجل, عن عكرِمة, قال: كل شيء فـي القرآن سلطان, فهو حجة.
حدثنا القاسم, قال: حدثنا الـحسين, قال: حدثنا عبد الله, بن يزيد, عن قَبـاث بن رَزِين, أنه سمع عكرِمة يقول: سمعت ابن عبـاس يقول: كلّ سلطان فـي القرآن فهو حجة, كان لهدهد سلطان.
20476ـ حدثنا الـحسين, قال: حدثنا أبو سفـيان, عن معمر, عن قَتادة أوْلَـيَأْتِـيَنّـي بِسُلْطانٍ مُبِـينٍ قال: بعذر بـين.
20477ـ حدثنا ابن حميد, قال: حدثنا سلـمة, عن ابن إسحاق, عن بعض أهل العلـم, عن وهب بن منبه أوْلَـيأْتِـيَنّـي بِسُلْطانٍ مُبِـينِ: أي بحجة عذر له فـي غيبته.
20478ـ حُدثت عن الـحسين, قال: سمعت أبـا معاذ يقول: أخبرنا عبـيد, قال: سمعت الضحاك يقول, فـي قوله: أوْلـيَأْتِـيَنّـي بِسُلْطانٍ مُبِـينِ يقول: ببـينة, وهو قول الله الّذِينَ يُجادِلُونَ فِـي آياتِ اللّهِ بغَيْرِ سُلْطانٍ بغير بـينة.
20479ـ حدثنـي يونس, قال: أخبرنا ابن وهب, قال: قال ابن زيد, فـي قوله أوْلَـيَأْتِـيَنّـي بِسُلْطانٍ مُبِـينٍ قال: بعذر أعذره فـيه.
الآية : 22
القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {فَمَكَثَ غَيْرَ بَعِيدٍ فَقَالَ أَحَطتُ بِمَا لَمْ تُحِطْ بِهِ وَجِئْتُكَ مِن سَبَإٍ بِنَبَإٍ يَقِينٍ }.
يعنـي تعالـى ذكره بقوله: فَمَكَثَ غيرَ بَعِيدٍ فمكث سلـيـمان غير طويـل من حين سأل عن الهدهد, حتـى جاء الهدهد.
واختلف القرّاء فـي قراءة قوله: فَمَكَثَ فقرأت ذلك عامة قرّاء الأمصار سوى عاصم: «فَمَكُثَ» بضمّ الكاف, وقرأه عاصم بفتـحها, وكلتا القراءتـين عندنا صواب, لأنهما لغتان مشهورتان, وإن كان الضمّ فـيها أعجب إلـيّ, لأنها أشهر اللغتـين وأفصحهما.
وقوله: فَقالَ أحَطْتُ بِـمَا لَـمْ تُـحِطْ بِهِ يقول: فقال الهدهد حين سأله سلـيـمان عن تـخـلفه وغيبته: أحطب بعلـم ما لـم تـحط به أنت يا سلـيـمان. كما:
20480ـ حدثنـي يونس, قال: أخبرنا ابن وهب, قال: قال ابن زيد, فـي قوله: أحَطْتُ بِـمَا لَـمْ تـحِطْ بِهِ قال: ما لـم تعلـم.
20481ـ حدثنا ابن حميد, قال: حدثنا سلـمة, عن ابن إسحاق, عن بعض أهل العلـم, عن وهب بن منبه فمَكَثَ غيرَ بَعيدٍ ثم جاء الهدهد, فقال له سلـيـمان: ما خـلّفك عن نوبتك؟ قال: أحطت بـما لـم تـحط به.
وقوله: وَجِئْتُكَ مِنْ سَبإ بِنَبإ يَقِـينٍ يقول: وجئتك من سبإ بخبر يقـين. وهو ما:
20482ـ حدثنا ابن حميد, قال: حدثنا سلـمة, عن ابن إسحاق, عن بعض أهل العلـم, عن وهب بن منبه وَجِئْتُكَ مِنْ سَبإٍ بِنَبإٍ يَقِـينٍ: أي أدركت ملكا لـم يبلغه ملكك.
واختلفت القرّاء فـي قراءة قوله: مِنْ سَبإٍ فقرأ ذلك عامة قرّاء الـمدينة والكوفة مِنْ سَبإٍ بـالإجراء. الـمعنـي أنه رجل اسمه سبأ. وقرأه بعض قرّاء أهل مكة والبصرة مِنْ سَبإٍ بترك الإجراء, علـى أنه اسم قبـيـلة أو لامرأة.
والصواب من القول فـي ذلك أن يُقال: إنهما قراءتان مشهورتان, وقد قرأ بكل واحدة منهما علـماء من القرّاء, فبأيتهما قرأ القارىء فمصيب فـالإجراء فـي سبأ, وغير الإجراء صواب, لأن سبأ إن كان رجلاً كما جاء به الأثر, فإنه إذا أريد به اسم الرجل أُجري, وإن أريد به اسم القبـيـلة لـم يُجْرَ, كما قال الشاعر فـي إجرائه:
الْوَارِدُونَ وَتَـيْـمٌ فـي ذَرَا سَبإٍقَدْ عَضّ أعْناقَهُمْ جِلدُ الـجَوَاميسِ
يروى: ذرا, وذرى, وقد حُدثت عن الفرّاء عن الرؤاسي أنه سأل أبـا عمرو بن العلاء كيف لـم يجر سبأ؟ قال: لست أدري ما هو فكأن أبـا عمرو ترك إجراءه, إذ لـم يدرِ ما هو, كما تفعل العرب بـالأسماء الـمـجهولة التـي لا تعرفها من ترك الإجراء. حكي عن بعضهم: هذا أبو معرورَ قد جاء, فترك إجراءه إذ لـم يعرفه فـي أسمائهم. وإن كان سبأ جبلاً, أجري لأنه يُراد به الـجبل بعينه, وإن لـم يجر فلأنه يجعل اسما للـجبل وما حوله من البقعة
379
377
الآية : 13 - 14
القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {فَلَمّا جَآءَتْهُمْ آيَاتُنَا مُبْصِرَةً قَالُواْ هَـَذَا سِحْرٌ مّبِينٌ * وَجَحَدُواْ بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَآ أَنفُسُهُمْ ظُلْماً وَعُلُوّاً فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُفْسِدِينَ }.
يقول تعالـى ذكره: فلـما جاءت فرعون وقومه آياتنا, يعنـي أدلتنا وحججنا, علـى حقـيقة ما دعاهم إلـيه موسى وصحته, وهي الاَيات التسع التـي ذكرناها قبل. وقوله مُبْصِرَةً يقول: يبصر بها من نظر إلـيها ورآها حقـيقة ما دلت علـيه. وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك:
20445ـ حدثنا القاسم, قال: حدثنا الـحسين, قال: ثنـي حجاج, عن ابن جُرَيج فَلَـمّا جاءَتْهُمْ آياتُنَا مُبْصِرَةً قال: بـيّنة قَالُوا: هَذَا سِحْرٌ مُبِـينٌ, يقول: قال فرعون وقومه: هذا الذي جاءنا به موسى سحر مبـين, يقول: يبـين للناظرين له أنه سحر.
وقوله: وَجَحَدُوا بِها يقول: وكذّبوا بـالاَيات التسع أن تكون من عند الله, كما:
20446ـ حدثنا القاسم, قال: حدثنا الـحسين, قال: ثنـي حجاج, عن ابن جُرَيج وَجَحَدُوا بِها قال: الـجحود: التكذيب بها.
وقوله: وَاسْتَـيْقَنَتْها أنْفُسُهُمْ يقول: وأيقنتها قلوبهم, وعلـموا يقـينا أنها من عند الله, فعاندوا بعد تبـينهم الـحقّ, ومعرفتهم به, كما:
20447ـ حدثنا القاسم, قال: حدثنا الـحسين, قال: ثنـي حجاج, عن ابن جُرَيج, عن عطاء الـخراسانـي, عن ابن عبـاس وَاسْتَـيْقَنَتْها أنْفُسُهُمْ قال: يقـينهم فـي قلوبهم.
20448ـ حدثنـي يونس, قال: أخبرنا ابن وهب, قال: قال ابن زيد فـي قوله الله: وَاسْتَـيْقَنَتْها أنْفُسُهُمْ ظُلْـما وَعُلُوّا قال: استـيقنوا أن الاَيات من الله حقّ, فلـم جحدوا بها؟ قال: ظلـما وعلوّا.
وقوله: ظُلْـما وَعُلُوّا يعنـي بـالظلـم: الاعتداء, والعلوّ: الكبر, كأنه قـيـل: اعتداء وتكبرا وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك:
20449ـ حدثنا القاسم, قال: حدثنا الـحسين, قال: ثنـي حجاج, عن ابن جُرَيج, فـي قوله ظُلْـما وَعُلُوّا قال: تعظما واستكبـارا, ومعنى ذلك: وجحدوا بـالاَيات التسع ظلـما وعلوّا, واستـيقنتها أنفسهم أنها من عند الله, فعاندوا الـحقّ بعد وضوحه لهم, فهو من الـمؤخر الذي معناه التقديـم.
وقوله: فـانْظُرْ كَيْف كانَ عاقِبَةُ الـمُفْسِدِينَ. يقول تعالـى ذكره لنبـيه مـحمد صلى الله عليه وسلم: فـانظر يا مـحمد بعين قلبك كيف كان عاقبة تكذيب هؤلاء الذين جحدوا آياتنا حين جاءتهم مبصرة, وماذا حلّ بهم من إفسادهم فـي الأرض ومعصيتهم فـيها ربهم, وأعقبهم ما فعلوا, فإن ذلك أخرجهم من جنات وعيون, وزروع ومقام كريـم, إلـى هلاك فـي العاجل بـالغرق, وفـي الاَجل إلـى عذاب دائم, لا يفتر عنهم, وهم فـيه مبلسون. يقول: وكذلك يا مـحمد سنتـي فـي الذين كذّبوا بـما جئتهم به من الاَيات علـى حقـيقة ما تدعوهم إلـيه من الـحقّ من قومك.
الآية : 15
القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {وَلَقَدْ آتَيْنَا دَاوُودَ وَسُلَيْمَانَ عِلْماً وَقَالاَ الْحَمْدُ لِلّهِ الّذِي فَضّلَنَا عَلَىَ كَثِيرٍ مّنْ عِبَادِهِ الْمُؤْمِنِينَ }.
يقول تعالـى ذكره: وَلَقَدْ آتَـيْنَا دَاوُدَ وَسُلَـيـمَانُ عِلْـما وذلك علـم كلام الطير والدوابّ, وغير ذلك مـما خصهم الله بعلـمه وَقالا الـحَمْدُ لِلّهِ الّذِي فَضّلَنا عَلـى كَثِـيرٍ مِنْ عِبـادِهِ الـمُؤْمِنِـينَ يقول جلّ ثناؤه: وقال داود وسلـيـمان: الـحمد لله الذي فضلنا بـما خصنا به من العلـم الذي آتاناه دون سائر خـلقه من بنـي آدم فـي زماننا هذا علـى كثـير من عبـاده الـمؤمنـين به فـي دهرنا هذا.
الآية : 16
القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {وَوَرِثَ سُلَيْمَانُ دَاوُودَ وَقَالَ يَأَيّهَا النّاسُ عُلّمْنَا مَنطِقَ الطّيْرِ وَأُوتِينَا مِن كُلّ شَيْءٍ إِنّ هَـَذَا لَهُوَ الْفَضْلُ الْمُبِينُ }.
يقول تعالـى ذكره: وَوَرِثَ سُلَـيْـمانُ أبـاه دَاوُدَ العلـم الذي كان آتاه الله فـي حياته, والـمُلك الذي كان خصه به علـى سائر قومه, فجعله له بعد أبـيه داود سائر ولد أبـيه. وَقالَ يا أيّها النّاس عُلّـمْنا مَنْطِقَ الطّيْرِ يقول: وقال سلـيـمان لقومه: يا أيها الناس علـمنا منطق الطير, يعنـي فهمنا كلامها وجعل ذلك من الطير كمنطق الرجل من بنـي آدم إذ فهمه عنها, وقد:
20450ـ حدثنا القاسم, قال: حدثنا الـحسين, قال: ثنـي حجاج, عن أبـي معشر, عن مـحمد بن كعب وَقالَ يا أيّها النّاسُ عُلّـمْنا مَنْطِقَ الطّيْر قال: بلغنا أن سلـيـمان كان عسكره مئة فرسخ: خمسة وعشرون منها للإنس, وخمسة وعشرون للـجنّ وخمسة وعشرون للوحش وخمسة وعشرون للطير, وكان له ألف بـيت من قوارير علـى الـخشب فـيها ثلاث مئة صريحة, وسبع مئة سرية, فأمر الريح العاصف فرفعته, وأمر الرّخاء فسيرته فأوحى الله إلـيه وهو يسير بـين السماء والأرض: إنـي قد أردت أنه لا يتكلـم أحد من الـخلائق بشيء إلا جاءت الريح فأخبرته. وقوله: وأُوتـينا مِنْ كلّ شَيْءٍ يقول: وأُعطينا ووُهب لنا من كلّ شيء من الـخيرات إنّ هَذَا لَهُوَ الفَضْلُ الـمُبِـينُ يقول: إن هذا الذي أوتـينا من الـخيرات لهو الفضل علـى جميع أهل دهرنا الـمبـين, يقول: الذي يبـين لـمن تأمّله وتدبره أنه فضل أُعطيناه علـى من سوانا من الناس.
الآية : 17
القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {وَحُشِرَ لِسْلَيْمَانَ جُنُودُهُ مِنَ الْجِنّ وَالإِنْس وَالطّيْرِ فَهُمْ يُوزَعُونَ }.
يقول تعالـى ذكره: وجمع لسلـيـمان جنوده من الـجنّ والإنس والطير فـي مسير لهم فهم يوزعون.
واختلف أهل التأويـل فـي معنى قوله فَهُمْ يُوزَعُونَ فقال بعضهم: معنى ذلك: فهم يُحبس أوّلهم علـى آخرهم حتـى يجتـمعوا. ذكر من قال ذلك:
20451ـ حدثنا القاسم, قال: حدثنا الـحسين, قال: ثنـي حجاج, عن ابن جُرَيج, عن عطاء الـخراسانـي, عن ابن عبـاس, قال: جعل علـى كل صنف من يردّ أولاها علـى أُخراها لئلا يتقدموا فـي الـمسير كما تصنع الـملوك.
20452ـ حدثنا القاسم, قال: حدثنا أبو سفـيان عن معمر, عن قَتادة, فـي قوله: وَحُشِرَ لِسُلَـيْـمانَ جُنودُهُ مِنَ الـجنّ والإِنْس والطّيْرِ فَهُمْ يُوزَعُونَ قال: يردّ أوّلهم علـى آخرهم.
وقال آخرون: معنى ذلك فهم يساقون. ذكر من قال ذلك:
20453ـ حدثنـي يونس, قال: أخبرنا ابن وهب, قال: قال ابن زيد, فـي قوله: وَحُشِرَ لِسُلَـيْـمانَ جُنُودُهُ مِنَ الـجِنّ والإنْسِ والطّيْرَ فَهُمْ يُوزَعُونَ قال: يوزعون: يُساقون.
وقال آخرون: بل معناه: فهم يتقدمون. ذكر من قال ذلك:
20454ـ حدثنا الـحسين, قال: حدثنا أبو سفـيان عن معمر, قال: قال الـحسن: يُوزَعُونَ يتقدمون.
قال أبو جعفر: وأولـى هذه الأقوال بـالصواب قول من قال: معناه: يردّ أوّلهم علـى آخرهم وذلك أن الوازع فـي كلام العرب هو الكافّ, يقال منه: وزع فلان فلانا عن الظلـم: إذا كفّه عنه, كما قال الشاعر:
ألَـمْ يَزَعِ الهَوَى إذْ لَـمْ يُؤَاتِ بَلـى وَسَلَوْتُ عَنْ طَلَب الفَتاةِ
وقال آخر:
عَلـى حِينَ عاتَبْتُ الـمَشيبَ عَلـى الصّبـا وقُلْتُ ألَـمّا أصْحُ والشّيْبُ وَازعُ
وإنـما قـيـل للذين يدفعون الناس عن الولاة والأمراء وزعة: لكفهم إياهم عنه.
الآية : 18
القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {حَتّىَ إِذَآ أَتَوْا عَلَىَ وَادِي النّمْلِ قَالَتْ نَمْلَةٌ يَأَيّهَا النّمْلُ ادْخُلُواْ مَسَاكِنَكُمْ لاَ يَحْطِمَنّكُمْ سُلَيْمَانُ وَجُنُودُهُ وَهُمْ لاَ يَشْعُرُونَ }.
يعنـي تعالـى ذكره بقوله: حتـى إذَا أتَوْا عَلـى وَادِي النّـمْلِ حتـى إذا أتـى سلـيـمان وجنوده علـى وادي النـمل قالَتْ نَـمْلَةٌ يا أيّها النّـمْلُ ادْخُـلُوا مَساكِنَكُمْ لا يحْطِمَنّكُمْ سلَـيْـمانُ وَجُنُودُهُ يقول: لا يكسرنكم ويقتلنكم سلـيـمان وجنوده وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ يقول: وهم لا يعلـمون أنهم يحطمونكم.
20455ـ حدثنا ابن بشار, قال: حدثنا عبد الرحمن ويحيى, قالا حدثنا سفـيان, عن الأعمش, عن رجل يقال له الـحكم, عن عوف, فـي قوله: قالَتْ نَـمْلَةٌ يا أيها النّـمْلُ قال: كان نـمل سلـيـمان بن داود مثل الذبـاب.
الآية : 19
القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {فَتَبَسّمَ ضَاحِكاً مّن قَوْلِهَا وَقَالَ رَبّ أَوْزِعْنِيَ أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الّتِيَ أَنْعَمْتَ عَلَيّ وَعَلَىَ وَالِدَيّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحاً تَرْضَاهُ وَأَدْخِلْنِي بِرَحْمَتِكَ فِي عِبَادِكَ الصّالِحِينَ }.
يقول تعالـى ذكره: فتبسّم سلـيـمان ضاحكا من قول النـملة التـي قالت ما قالت, وقال: رَبّ أوْزِعْنِـي أنْ أشْكُرَ نِعْمَتَكَ التـي أنْعَمْتَ عَلـيّ يعنـي بقوله أوْزِعْنِـي: ألهمنـي. وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك:
20456ـ حدثنـي علـيّ, قال: حدثنا أبو صالـح, قال: ثنـي معاوية, عن علـيّ, عن ابن عبـاس, فـي قوله: قالَ رَبّ أوْزِعْنِـي أنْ أشْكُرَ نِعْمَتَكَ يقول: اجعلنـي.
20457ـ حدثنـي يونس, قال: أخبرنا ابن وهب, قال: قال ابن زيد, فـي قوله الله: رَبّ أوْزِعْنِـي أنْ أشْكُرَ نِعْمَتَكَ التـي أنْعَمْتَ عَلـيّ قال: فـي كلام العرب, تقول: أوزع فلان بفلان, يقول: حرض علـيه. وقال ابن زيد: أوْزِعْنِـي ألهمنـي وحرّضنـي علـى أن أشكر نعمتك التـي أنعمت علـيّ وعلـى والديّ.
وقوله: وأنْ أعْمَلَ صَالِـحا تَرْضَاهُ يقول: وأوزعنـي أن أعمل بطاعتك وما ترضاه وأدّخِـلْنِـي بِرَحْمَتِكَ فِـي عِبـادِكَ الصّالِـحِينَ يقول: وأدخـلنـي برحمتك مع عبـادك الصالـحين, الذين اخترتهم لرسالتك وانتـخبتهم لوحيك, يقول: أدخـلنـي من الـجنة مداخـلهم. وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك:
20458ـ حدثنـي يونس, قال: أخبرنا ابن وهب, قال: قال ابن زيد, فـي قوله: وأدْخِـلْنِـي بِرَحْمَتِكَ فِـي عبـادِكَ الصّالِـحينَ قال: مع عبـادك الصالـحين الأنبـياء والـمؤمنـين.
الآية : 20 -21
القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {وَتَفَقّدَ الطّيْرَ فَقَالَ مَالِيَ لاَ أَرَى الْهُدْهُدَ أَمْ كَانَ مِنَ الْغَآئِبِينَ * لاُعَذّبَنّهُ عَذَاباً شَدِيداً أَوْ لأذْبَحَنّهُ أَوْ لَيَأْتِيَنّي بِسُلْطَانٍ مّبِينٍ }.
يقول تعالـى ذكره: وَتَفَقّدَ سلـيـمان الطيْرَ فَقالَ مالـيَ لا أرَى الهُدْهُدَ. وكان سبب تفقده الطير وسؤاله عن الهدهد خاصة من بـين الطير, ما:
20459ـ حدثنا ابن عبد الأعلـى, قال: حدثنا الـمعتـمر بن سلـيـمان, قال: سمعت عمران عن أبـي مُـجَلّز, قال: جلس ابن عبـاس إلـى عبد الله بن سلام, فسأله عن الهدهد: لـم تفقّده سلـيـمان من بـين الطير0فقال عبد الله بن سلام: إن سلـيـمان نزل منزلة فـي مسير له, فلـم يدر ما بُعْدَ الـماء, فقال: من يعلـم بُعْدَ الـماء؟ قالوا: الهدهد, فذاك حين تفقده.
حدثنا مـحمد, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا عمران بن حدير, عن أبـي مـجلّز, عن ابن عبـاس وعبد الله ابن سلام بنـحوه.
20460ـ حدثنـي أبو السائب, قال: حدثنا أبو معاوية, عن الأعمش, عن الـمنهال, عن سعيد بن جبـير, عن ابن عبـاس, قال: كان سلـيـمان بن داود يوضع له ستّ مئة كرسي, ثم يجيء أشراف الإنس فـيجلسون مـما يـلـيه, ثم تـجيء أشراف الـجنّ فـيجلسون مـما يـلـي الإنس, قال: ثم يدعو الطير فتظلهم, ثم يدعو الريح فتـحملهم, قال: فـيسير فـي الغداة الواحدة مسيرة شهر, قال: فبـينا هو فـي مسيره إذا احتاج إلـى الـماء وهو فـي فلاة من الأرض, قال: فدعا الهدهد, فجاءه فنقر الأرض, فـيصيب موضع الـماء, قال: ثم تـجيء الشياطين فـيسلـخونه كما يسلـخ الإهاب, قال: ثم يستـخرجون الـماء. فقال له نافع بن الأزرق: قـف يا وقاف أرأيت قولك الهدهد يجيء فـينقر الأرض, فـيصيب الـماء, كيف يبصر هذا, ولا يبصر الفخّ يجيء حتـى يقع فـي عنقه؟ قال: فقال له ابن عبـاس: ويحك إن القدر إذا جاء حال دون البصر.
20461ـ حدثنا ابن حميد, قال: حدثنا سلـمة, عن مـحمد بن إسحاق, عن بعض أهل العلـم, عن وهب بن منبه, قال: كان سلـيـمان بن داود إذا خرج من بـيته إلـى مـجلسه عكفت علـيه الطير, وقام له الـجنّ والإنس حتـى يجلس علـى سريره, حتـى إذا كان ذات غداة فـي بعض زمانه غدا إلـى مـجلسه الذي كان يجلس فـيه, فتفقد الطير. وكان فـيـما يزعمون يأتـيه نوبـا من كل صنف من الطير طائر, فنظر فرأى من أصناف الطير كلها قد حضره إلا الهدهد, فقال: مالـي لا أرى الهدهد
20462ـ حدثنـي يونس, قال: أخبرنا ابن وهب, قال: قال ابن زيد: أوّل ما فقد سلـيـمان الهدهد نزل بواد فسأل الإنس عن مائه, فقالوا: ما نعلـم له ماء, فإن يكن أحد من جنودك يعلـم له ماء فـالـجنّ, فدعا الـجنّ فسألهم, فقالوا: ما نعلـم له ماء وإن يكن أحد من جنودك يعلـم له ماء فـالطير, فدعا الطير فسألهم, فقالو: ما نعلـم له ماء, وإن يكن أحد من جنودك يعلـمه فـالهدهد, فلـم يجده, قال: فلذاك أوّل ما فقد الهدهد.
حدثنـي مـحمد بن سعد, قال: ثنـي أبـي, قال: ثنـي عمي, قال: ثنـي أبـي, عن أبـيه, عن ابن عبـاس, قوله: وَتَفَقّدَ الطّيْرَ فَقالَ مالـيَ لا أرَى الهُدْهُدَ أمْ كانَ مِنَ الغائِبِـينَ قال: تفقد الهدهد من أجل أنه كان يدله علـى الـماء إذا ركب, وإن سلـيـمان ركب ذات يوم فقال: أين الهدهد لـيدلنا علـى الـماء؟ فلـم يجده, فمن أجل ذلك تفقده. فقال ابن عبـاس: إن الهدهد كان ينفعه الـحذر ما لـم يبلغه الأجل فلـما بلغ الأجل لـم ينفعه الـحذر, وحال القدر دون البصر.
فقد اختلف عبد الله بن سلام والقائلون بقوله ووهب بن منبه, فقال عبد الله: كان سبب تفقده الهدهد وسؤاله عنه لـيستـخبره عن بُعد الـماء فـي الوادي الذي نزل به فـي مسيره. وقال وهب بن منبه: كان تفقده إياه وسؤاله عنه لإخلاله بـالنوبة التـي كان ينوبها والله أعلـم بأيّ ذلك كان إذ لـم يأتنا بأيّ ذلك كان تنزيـل, ولا خبر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم صحيح.
فـالصواب من القول فـي ذلك أن يقال: إن الله أخبر عن سلـيـمان أنه تفقد الطير, إما للنوبة التـي كانت علـيها وأخـلت بها, وإما لـحاجة كانت إلـيها عن بُعد الـماء.
وقوله: فَقالَ مالِـيَ لا أرَى الهُدْهُدَ أمْ كانَ مِنَ الغائِبِـينَ يعنـي بقوله مالـيَ لا أرَى الهُدْهُدَ أخطأه بصرى فلا أراه وقد حضر أم هو غائب فـيـما غاب من سائر أجناس الـخـلق فلـم يحضر. وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك:
20463ـ حدثنا ابن حميد, قال: حدثنا سلـمة, عن ابن إسحاق, عن بعض أهل العلـم, عن وهب بن منبه مالِـيَ لا أرَى الهُدْهُدَ أمْ كانَ مِنَ الغَائِبِـينَ أخطأه بصري فـي الطير, أم غاب فلـم يحضر؟
وقوله: لأُعَذّبَنّهُ عَذَابـا شَدِيدا يقول: فلـما أخبر سلـيـمان عن الهدهد أنه لـم يحضر وأنه غائب غير شاهد, أقسم لأُعَذّبَنّه عَذَابـا شَدِيدا وكان تعذيبه الطير فـيـما ذُكر عنه إذا عذّبها أن ينتف ريشها. وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك:
20464ـ حدثنا أبو كُرَيب, قال: حدثنا الـحمانـي, عن الأعمش, عن الـمنهال, عن سعيد بن جُبَـير, عن ابن عبـاس, فـي قوله لأُعَذّبَنّهُ عَذَابـا شَدِيدا قال: نتف ريشه.
20465ـ حدثنا أبو كُرَيب, قال: حدثنا ابن عطية, عن شريك, عن عطاء, عن مـجاهد, عن ابن عبـاس, فـي لأُعَذّبَنّهُ عَذَابـا شَدِيدا عذابه: نتفه وتشميسه.
حدثنـي مـحمد بن سعد, قال: ثنـي أبـي, قال: ثنـي عمي, قال: ثنـي أبـي, عن أبـيه, عن ابن عبـاس, قوله لأُعَذّبَنّهُ عَذَابـا شَدِيدا قال: نتف ريشه وتشميسه.
20466ـ حدثنـي مـحمد بن عمرو, قال: حدثنا أبو عاصم, قال: حدثنا عيسى وحدثنـي الـحارث, قال: حدثنا الـحسن, قال: حدثنا ورقاء جميعا, عن ابن أبـي نـجيح, عن مـجاهد لأُعَذّبَنّهُ عَذَابـا شَدِيدا قال: نتف ريشه كله.
حدثنا القاسم, قال: حدثنا الـحسين, قال: ثنـي حجاج, عن ابن جُرَيج, عن مـجاهد, قوله لأُعَذّبَنّهُ عَذَابـا شدِيدا قال: نتف ريش الهدهد كله, فلا يغفو سنة.
20467ـ قال: ثنا الـحسين, قال: حدثنا أبو سفـيان, عن معمر, عن قَتادة, قال: نتف ريشه.
20468ـ حُدثت عن الـحسين, قال: سمعت أبـا معاذ يقول: أخبرنا عبـيد, قال: سمعت الضحاك يقول فـي قوله لأُعَذّبَنّهُ عَذَابـا شَدِيدا يقول: نتف ريشه.
20469ـ حدثنا ابن حميد, قال: حدثنا سلـمة, قال: ثنـي ابن إسحاق, عن يزيد بن رومان أنه حدّث أن عذابه الذي كان يعذّب به الطير نتف جناحه.
20470ـ حدثنـي يونس, قال: أخبرنا ابن وهب, قال: قال ابن زيد: قـيـل لبعض أهل العلـم: هذا الذبح, فما العذاب الشديد؟ قال: نتف ريشه بتركه بَضعة تنزو.
حدثنا سعيد بن الربـيع الرازيّ, قال: حدثنا سفـيان, عن عمرو بن بشار, عن ابن عبـاس, فـي قوله لأُعَذّبَنّهُ عَذَابـا شَدِيدا قال: نتفه.
20471ـ حدثنـي سعيد بن الربـيع, قال: حدثنا سفـيان, عن حسين بن أبـي شدّاد, قال: نتفه وتشميسه.
أو لأذبحنه, يقول: أو لأقتلنه. كما:
20472ـ حُدثت عن الـحسين, قال: سمعت أبـا معاذ يقول: أخبرنا عبـيد, قال: سمعت الضحاك يقول, فـي قوله: أوْ لأَذْبَحَنّه يقول: أو لأقتلنه.
20473ـ حدثنا القاسم, قال: حدثنا الـحسين, قال: حدثنا عبـاد بن العوّام, عن حُصَين, عن عبد الله بن شدّاد: لأُعَذّبَنّهُ عَذَابـا شَدِيدا أَوْ لأَذْبحَنّهُ... الاَية, قال: فتلقاه الطير, فأخبره, فقال: ألـم يستثن؟
وقوله: أوْ لَـيَأْتِـيَنّـي بسُلْطانٍ مُبِـينٍ يقول: أو لـيأتـينـي بحجة تبـين لسامعها صحتها وحقـيقتها. وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك:
20474ـ حدثنا علـيّ بن الـحسين الأزديّ, قال: حدثنا الـمعافـىَ بن عمران, عن سفـيان, عن عمار الدّهْنـي, عن سعيد بن جُبَـير, عن ابن عبـاس, قال: كل سلطان فـي القرآن فهو حجة.
حدثنـي مـحمد بن سعد, قال: ثنـي أبـي, قال: ثنـي عمي, قال: ثنـي أبـي, عن أبـيه, عن ابن عبـاس, قوله أوْلَـيَأْتِـيَنّـي بِسُلْطانٍ مَبِـينٍ يقول: ببـينة أعذره بها, وهو مثل قوله: الّذِينَ يُجادِلُونَ فـي آياتِ اللّهِ بغَيْرِ سُلْطانٍ يقول: بغير بـيّنة.
20475ـ حدثنا ابن بشار, قال: حدثنا أبو عاصم, قال: حدثنا سفـيان, عن رجل, عن عكرِمة, قال: كل شيء فـي القرآن سلطان, فهو حجة.
حدثنا القاسم, قال: حدثنا الـحسين, قال: حدثنا عبد الله, بن يزيد, عن قَبـاث بن رَزِين, أنه سمع عكرِمة يقول: سمعت ابن عبـاس يقول: كلّ سلطان فـي القرآن فهو حجة, كان لهدهد سلطان.
20476ـ حدثنا الـحسين, قال: حدثنا أبو سفـيان, عن معمر, عن قَتادة أوْلَـيَأْتِـيَنّـي بِسُلْطانٍ مُبِـينٍ قال: بعذر بـين.
20477ـ حدثنا ابن حميد, قال: حدثنا سلـمة, عن ابن إسحاق, عن بعض أهل العلـم, عن وهب بن منبه أوْلَـيأْتِـيَنّـي بِسُلْطانٍ مُبِـينِ: أي بحجة عذر له فـي غيبته.
20478ـ حُدثت عن الـحسين, قال: سمعت أبـا معاذ يقول: أخبرنا عبـيد, قال: سمعت الضحاك يقول, فـي قوله: أوْلـيَأْتِـيَنّـي بِسُلْطانٍ مُبِـينِ يقول: ببـينة, وهو قول الله الّذِينَ يُجادِلُونَ فِـي آياتِ اللّهِ بغَيْرِ سُلْطانٍ بغير بـينة.
20479ـ حدثنـي يونس, قال: أخبرنا ابن وهب, قال: قال ابن زيد, فـي قوله أوْلَـيَأْتِـيَنّـي بِسُلْطانٍ مُبِـينٍ قال: بعذر أعذره فـيه.
الآية : 22
القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {فَمَكَثَ غَيْرَ بَعِيدٍ فَقَالَ أَحَطتُ بِمَا لَمْ تُحِطْ بِهِ وَجِئْتُكَ مِن سَبَإٍ بِنَبَإٍ يَقِينٍ }.
يعنـي تعالـى ذكره بقوله: فَمَكَثَ غيرَ بَعِيدٍ فمكث سلـيـمان غير طويـل من حين سأل عن الهدهد, حتـى جاء الهدهد.
واختلف القرّاء فـي قراءة قوله: فَمَكَثَ فقرأت ذلك عامة قرّاء الأمصار سوى عاصم: «فَمَكُثَ» بضمّ الكاف, وقرأه عاصم بفتـحها, وكلتا القراءتـين عندنا صواب, لأنهما لغتان مشهورتان, وإن كان الضمّ فـيها أعجب إلـيّ, لأنها أشهر اللغتـين وأفصحهما.
وقوله: فَقالَ أحَطْتُ بِـمَا لَـمْ تُـحِطْ بِهِ يقول: فقال الهدهد حين سأله سلـيـمان عن تـخـلفه وغيبته: أحطب بعلـم ما لـم تـحط به أنت يا سلـيـمان. كما:
20480ـ حدثنـي يونس, قال: أخبرنا ابن وهب, قال: قال ابن زيد, فـي قوله: أحَطْتُ بِـمَا لَـمْ تـحِطْ بِهِ قال: ما لـم تعلـم.
20481ـ حدثنا ابن حميد, قال: حدثنا سلـمة, عن ابن إسحاق, عن بعض أهل العلـم, عن وهب بن منبه فمَكَثَ غيرَ بَعيدٍ ثم جاء الهدهد, فقال له سلـيـمان: ما خـلّفك عن نوبتك؟ قال: أحطت بـما لـم تـحط به.
وقوله: وَجِئْتُكَ مِنْ سَبإ بِنَبإ يَقِـينٍ يقول: وجئتك من سبإ بخبر يقـين. وهو ما:
20482ـ حدثنا ابن حميد, قال: حدثنا سلـمة, عن ابن إسحاق, عن بعض أهل العلـم, عن وهب بن منبه وَجِئْتُكَ مِنْ سَبإٍ بِنَبإٍ يَقِـينٍ: أي أدركت ملكا لـم يبلغه ملكك.
واختلفت القرّاء فـي قراءة قوله: مِنْ سَبإٍ فقرأ ذلك عامة قرّاء الـمدينة والكوفة مِنْ سَبإٍ بـالإجراء. الـمعنـي أنه رجل اسمه سبأ. وقرأه بعض قرّاء أهل مكة والبصرة مِنْ سَبإٍ بترك الإجراء, علـى أنه اسم قبـيـلة أو لامرأة.
والصواب من القول فـي ذلك أن يُقال: إنهما قراءتان مشهورتان, وقد قرأ بكل واحدة منهما علـماء من القرّاء, فبأيتهما قرأ القارىء فمصيب فـالإجراء فـي سبأ, وغير الإجراء صواب, لأن سبأ إن كان رجلاً كما جاء به الأثر, فإنه إذا أريد به اسم الرجل أُجري, وإن أريد به اسم القبـيـلة لـم يُجْرَ, كما قال الشاعر فـي إجرائه:
الْوَارِدُونَ وَتَـيْـمٌ فـي ذَرَا سَبإٍقَدْ عَضّ أعْناقَهُمْ جِلدُ الـجَوَاميسِ
يروى: ذرا, وذرى, وقد حُدثت عن الفرّاء عن الرؤاسي أنه سأل أبـا عمرو بن العلاء كيف لـم يجر سبأ؟ قال: لست أدري ما هو فكأن أبـا عمرو ترك إجراءه, إذ لـم يدرِ ما هو, كما تفعل العرب بـالأسماء الـمـجهولة التـي لا تعرفها من ترك الإجراء. حكي عن بعضهم: هذا أبو معرورَ قد جاء, فترك إجراءه إذ لـم يعرفه فـي أسمائهم. وإن كان سبأ جبلاً, أجري لأنه يُراد به الـجبل بعينه, وإن لـم يجر فلأنه يجعل اسما للـجبل وما حوله من البقعة
الصفحة رقم 378 من المصحف تحميل و استماع mp3