تفسير الطبري تفسير الصفحة 408 من المصحف

 تفسير الطبري - صفحة القرآن رقم 408
409
407
 الآية : 33
القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {وَإِذَا مَسّ النّاسَ ضُرّ دَعَوْاْ رَبّهُمْ مّنِيبِينَ إِلَيْهِ ثُمّ إِذَآ أَذَاقَهُمْ مّنْهُ رَحْمَةً إِذَا فَرِيقٌ مّنْهُمْ بِرَبّهِمْ يُشْرِكُونَ }.
يقول تعالـى ذكره: وإذا مسّ هؤلاء الـمشركين الذين يجعلون مع الله إلها آخر ضُرّ, فأصابتهم شدة وجدوب وقحوط دَعَوْا رَبّهُمْ يقول: أخـلصوا لربهم التوحيد, وأفردوه بـالدعاء والتضرّع إلـيه, واستغاثوا به منـيبـين إلـيه, تائبـين إلـيه من شركهم وكفرهم ثُمّ إذَا أذاقَهُمْ مِنْهُ رَحْمَةً يقول: ثم إذا كشف ربهم تعالـى ذكره عنهم ذلك الضرّ وفرّجه عنهم وأصابهم برخاء وخصب وسعة, إذا فريق منهم يقول: إذا جماعة منهم بربهم يشركون يقول: يعبدون معه الاَلهة والأوثان.
الآية : 34
القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {لِيَكْفُرُواْ بِمَآ آتَيْنَاهُمْ فَتَمَتّعُواْ فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ }.
يقول تعالـى ذكره متوعدا لهؤلاء الـمشركين الذين أخبر عنهم أنه إذا كشف الضرّ عنهم كفروا به, لـيكفروا بـما أعطيناهم, يقول: إذا هم بربهم يشركون, كي يكفروا: أي يجحدوا النعمة التـي أنعمتها علـيهم بكشفـي عنهم الضرّ الذي كانوا فـيه, وإبدالـي ذلك لهم بـالرخاء والـخصب والعافـية, وذلك الرخاء والسعة هو الذي آتاهم تعالـى ذكره, الذي قال: بـما آتـيناهم. وقوله فَتَـمَتّعُوا يقول: فتـمتعوا أيها القوم بـالذي آتـيناكم من الرخاء والسعة فـي هذه الدنـيا فَسَوْف تَعْلَـمُونَ إذا وردتـم علـى ربكم ما تلقون من عذابه, وعظيـم عقابه علـى كفركم به فـي الدنـيا. وقد قرأ بعضهم: «فَسَوْفَ يَعْلَـمُونَ» بـالـياء, بـمعنى: لـيكفروا بـما آتـيناهم, فقد تـمتعوا علـى وجه الـخبر, فسوف يعلـمون.
الآية : 35
القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {أَمْ أَنزَلْنَا عَلَيْهِمْ سُلْطَاناً فَهُوَ يَتَكَلّمُ بِمَا كَانُواْ بِهِ يُشْرِكُونَ }.
يقول تعالـى ذكره: أم أنزلنا علـى هؤلاء الذين يشركون فـي عبـادتنا الاَلهة والأوثان, كتابـا بتصديق ما يقولون, وبحقـيقة ما يفعلون فَهُوَ يَتَكَلّـمُ بِـمَا كانُوا بِهِ يُشْرِكُونَ يقول: فذلك الكتاب ينطق بصحة شركهم وإنـما يعنـي جلّ ثناؤه بذلك: أنه لـم يُنْزل بـما يقولون ويفعلون كتابـا, ولا أرسل به رسولاً, وإنـما هو شيء افتعلوه واختلقوه, اتبـاعا منهم لأهوائهم. وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك:
21297ـ حدثنا بشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قَتادة, قوله أمْ أنْزَلْنا عَلَـيْهِمْ سُلْطانا فَهُوَ يَتَكَلّـمُ بِـمَا كانُوا بِهِ يُشْرِكُونَ يقول: أم أنزلنا علـيهم كتابـا فهو ينطق بشركهم.
الآية : 36
القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {وَإِذَآ أَذَقْنَا النّاسَ رَحْمَةً فَرِحُواْ بِهَا وَإِن تُصِبْهُمْ سَيّئَةٌ بِمَا قَدّمَتْ أَيْدِيهِمْ إِذَا هُمْ يَقْنَطُونَ }.
يقول تعالـى ذكره: وإذا أصاب الناس منا خصب ورخاء, وعافـية فـي الأبدان والأموال, فرحوا بذلك, وإن تصبهم منا شدّة من جدب وقحط وبلاء فـي الأموال والأبدان بِـمَا قَدّمَتْ أيْدِيهِمْ يقول: بـما أسلفوا من سيىء الأعمال بـينهم وبـين الله, وركبوا من الـمعاصي إذَا هُمْ يَقْنَطُونَ يقول: إذا هم يـيأسون من الفرج والقنوط: هو الإياس ومنه قول حميد الأرقط.
قَدْ وَجَدُوا الـحَجّاجَ غيرَ قانِطِ
وقوله: إذَا هُمْ يَقْنَطُونَ هو جواب الـجزاء, لأن «إذا» نابت عن الفعل بدلالتها علـيه, فكأنه قـيـل: وإن تصبهم سيئة بـما قدّمت أيديهم وجدتهم يقنطون, أو تـجدهم, أو رأيتهم, أو تراهم. وقد كان بعض نـحويـي البصرة يقول: إذا كانت «إذا» جوابـا لأنها متعلقة بـالكلام الأوّل بـمنزلة الفـاء.
الآية : 37
القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {أَوَلَمْ يَرَوْاْ أَنّ اللّهَ يَبْسُطُ الرّزْقَ لِمَن يَشَآءُ وَيَقْدِرُ إِنّ فِي ذَلِكَ لاَيَاتٍ لّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ }.
يقول تعالـى ذكره: أَوَ لـم ير هؤلاء الذين يفرحون عند الرخاء يصيبهم والـخصب, ويـيأسون من الفرج عند شدّة تنالهم, بعيون قلوبهم, فـيعلـموا أن الشدّة والرخاء بـيد الله, وأن الله يبسط الرزق لـمن يشاء من عبـاده فـيوسعه علـيه, ويقدر علـى من أراد فـيضيقه علـيه إنّ فِـي ذلكَ لاَياتٍ لِقَوْم يُؤْمِنُونَ يقول: إن فـي بسطه ذلك علـى من بسطه علـيه, وقدره علـى من قدره علـيه, ومخالفته بـين من خالف بـينه من عبـاده فـي الغنى والفقر, لدلالة واضحة لـمن صدّق حجج الله وأقرّ بها إذا عاينها ورآها.
الآية : 38
القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {فَآتِ ذَا الْقُرْبَىَ حَقّهُ وَالْمِسْكِينَ وَابْنَ السّبِيلِ ذَلِكَ خَيْرٌ لّلّذِينَ يُرِيدُونَ وَجْهَ اللّهِ وَأُوْلَـَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ }.
يقول تعالـى ذكره لنبـيه مـحمد صلى الله عليه وسلم: فأعط يا مـحمد ذا القرابة منك حقه علـيك من الصلة والبرّ والـمسكين وابن السبـيـل, ما فرض الله لهما فـي ذلك, كما:
21298ـ حدثنا ابن وكيع, قال: حدثنا غندر, عن عوف, عن الـحسن فآت ذَا القُرْبَى حَقّهُ وَالـمِسكين وَابْنَ السّبِـيـلِ قال: هو أن توفـيهم حقهم إن كان عند يسر, وإن لـم يكن عندك فقل لهم قولاً ميسورا, قل لهم الـخير.
وقوله: ذلكَ خَيْرٌ للّذِينَ يُرِيدُونَ وَجْهَ اللّهِ يقول تعالـى ذكره: إيتاء هؤلاء حقوقهم التـي ألزمها الله عبـاده, خير للذين يريدون الله بإتـيانهم ذلك وأُولَئِكَ هُمُ الـمُفْلِـحُونَ يقول: ومن يفعل ذلك مبتغيا وجه الله به, فأولئك هم الـمنـجحون, الـمدركون طلبـاتهم عند الله, الفـائزون بـما ابتغوا والتـمسوا بإيتائهم إياهم ما آتوا.
الآية : 39
القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {وَمَآ آتَيْتُمْ مّن رّباً لّيَرْبُوَ فِي أَمْوَالِ النّاسِ فَلاَ يَرْبُو عِندَ اللّهِ وَمَآ آتَيْتُمْ مّن زَكَاةٍ تُرِيدُونَ وَجْهَ اللّهِ فَأُوْلَـَئِكَ هُمُ الْمُضْعِفُونَ }.
يقول تعالـى ذكره: وما أعطيتـم أيها الناس بعضكم بعضا من عطية لتزداد فـي أموال الناس برجوع ثوابها إلـيه, مـمن أعطاه ذلك, فلا يربو عند الله يقول: فلا يزداد ذلك عند الله, لأن صاحبه لـم يعطه من أعطاه مبتغيا به وجهه. وَما آتَـيْتُـمْ مِنْ زَكاةٍ يقول: وما أعطيتـم من صدقة تريدون بها وجه الله, فأولئك يعنـي الذين يتصدّقون بأموالهم ملتـمسين بذلك وجه الله هم الـمضعفون يقول: هم الذين لهم الضعف من الأجر والثواب, من قول العرب: أصبح القوم مسمِنـين معطِشين, إذا سمنت إبلهم وعطشت. وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك:
21299ـ حدثنـي مـحمد بن سعد, قال: ثنـي أبـي, قال: ثنـي عمي, قال: ثنـي أبـي, عن أبـيه, عن ابن عبـاس, قوله: وَما آتَـيْتُـمْ مِنْ رِبـا لِـيَرْبُوَ فِـي أمْوَالِ النّاسِ فَلا يَرْبُو عِنْدَ اللّهِ قال: هو ما يعطي الناس بـينهم بعضهم بعضا, يعطي الرجل الرجل العطية, يريد أن يُعطى أكثر منها.
21300ـ حدثنا ابن بشار, قال: حدثنا عبد الرحمن, قال: حدثنا سفـيان, عن منصور بن صفـية, عن سعيد بن جُبَـير وَما آتَـيْتُـمْ مِنْ رِبـا لِـيَرْبُوَ فِـي أمْوَالِ النّاسِ قال: هو الرجل يعطي الرجل العطية لـيثـيبه.
قال: ثنا يحيى, قال: حدثنا سفـيان, عن منصور بن صفـية, عن سعيد بن جُبَـير, مثله.
حدثنا ابن وكيع, قال: ثنـي أبـي, عن سفـيان, عن منصور بن صفـية, عن سعيد بن جُبَـير وَما آتَـيْتُـمْ مِنْ رِبـا لِـيَرْبُوَ فـي أمْوَالِ النّاسِ فَلا يَرْبُو عِنْدَ اللّهِ قال: الرجل يعطى لـيثاب علـيه.
21301ـ حدثنا ابن بشار, قال: حدثنا يحيى بن سعيد, قال: حدثنا سفـيان, عن ابن أبـي نـجيح, عن مـجاهد وَما آتَـيْتُـمْ مِنْ رِبـا لِـيَرْبُو فِـي أمْوَالِ النّاسِ قال: الهدايا.
حدثنا ابن وكيع, قال: ثنـي أبـي, قال: حدثنا سفـيان, عن ابن أبـي نـجيح, عن مـجاهد, قال: هي الهدايا.
21302ـ حدثنـي مـحمد بن عمرو, قال: حدثنا أبو عاصم, قال: حدثنا عيسى وحدثنـي الـحارث, قال: حدثنا الـحسن, قال: حدثنا ورقاء جميعا, عن ابن أبـي نـجيح, عن مـجاهد وَما آتَـيْتُـمْ مِنْ رِبـا لِـيَرْبُو فِـي أمْوَالِ النّاسِ قال: يعطي ماله يبتغي أفضل منه.
21303ـ حدثنا ابن وكيع, قال: حدثنا ابن فضيـل, عن ابن أبـي خالد, عن إبراهيـم, قال: هو الرجل يهدي إلـى الرجل الهدية, لـيثـيبه أفضل منها.
21304ـ قال: ثنا مـحمد بن حميد الـمعمري, عن معمر, عن ابن طاوس, عن أبـيه: هو الرجل يعطي العطية ويهدي الهدية, لـيثاب أفضل من ذلك, لـيس فـيه أجر ولا وزر.
21305ـ حدثنا بشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قَتادة وَما آتَـيْتُـمْ مِنْ رِبـا لِـيَرْبُوَ فِـي أمْوَالِ النّاس فَلا يَرْبُو عِنْدَ اللّهِ قال: ما أعطيت من شيء تريد مثابة الدنـيا, ومـجازاة الناس ذاك الربـا الذي لا يقبله الله, ولا يجزي به.
21306ـ حُدثت عن الـحسين, قال: سمعت أبـا معاذ يقول: أخبرنا عبـيد, قال: سمعت الضحاك يقول, فـي قوله وَما آتَـيْتُـمْ مِنْ رِبـا لِـيَرْبُوَ فِـي أمْوَالِ النّاسِ فهو ما يتعاطى الناس بـينهم ويتهادون, يعطى الرجل العطية لـيصيب منه أفضل منها, وهذا للناس عامة.
وأما قوله: وَلا تَـمْنُنْ تَسْتَكْثرْ فهذا للنبـيّ خاصة, لـم يكن له أن يعطي إلاّ لله, ولـم يكن يعطي لـيعطى أكثر منه.
وقال آخرون: إنـما عنى بهذا: الرجلَ يعطي ماله الرجلَ لـيعينه بنفسه, ويخدمه ويعود علـيه نفعه, لا لطلب أجر من الله. ذكر من قال ذلك:
21307ـ حدثنا ابن وكيع, قال: حدثنا أبـي ومـحمد بن فضيـل, عن زكريا عن عامر وَما آتَـيْتُـمْ مِنْ رِبـا لِـيَرْبُوَ فـي أمْوَالِ النّاسِ قال: هو الرجل يـلزق بـالرجل, فـيخفّ له ويخدمه, ويسافر معه, فـيجعل له ربح بعض ماله لـيجزيه, وإنـما أعطاه التـماس عونه, ولـم يرد وجه الله.
وقال آخرون: هو إعطاء الرجل ماله لـيكثر به مال من أعطاه ذلك, لا طلب ثواب الله. ذكر من قال ذلك:
21308ـ حدثنا ابن حميد, قال: حدثنا جرير, عن مغيرة, عن أبـي حصين, عن ابن عبـاس وَما آتَـيْتُـمْ منْ رِبـا لِـيَرْبُو فـي أمْوَالِ النّاسِ قال: ألـم تر إلـى الرجل يقول للرجل: لأموّلنك, فـيعطيه, فهذا لا يربو عند الله, لأنه يعطيه لغير الله لـيثري ماله.
21309ـ قال: ثنا عمرو بن عبد الـحميد الاَملـي, قال: حدثنا مروان بن معاوية, عن إسماعيـل بن أبـي خالد, قال: سمعت إبراهيـم النـخعي يقول فـي قوله: وَما آتَـيْتُـمْ مِنْ رِبـا لِـيَرْبُوَ فـي أمْوَالِ النّاسِ, فَلا يَرْبُو عِنْدَ اللّهِ قال: كان هذا فـي الـجاهلـية يعطي أحدهم ذا القرابة الـمال يكثر به ماله.
وقال آخرون: ذلك للنبـيّ صلى الله عليه وسلم خاصة, وأما لغيره فحلال. ذكر من قال ذلك:
21310ـ حدثنا ابن وكيع, قال: حدثنا أبـي, عن أبـي روّاد, عن الضحاك وَما آتَـيْتُـمْ مِنْ رِبـا لِـيَرْبُوَ فِـي أمْوَالِ النّاسِ فَلا يَرْبُو عِنْدَ اللّهِ هذا للنبـيّ صلى الله عليه وسلم, هذا الربـا الـحلال.
وإنـما اخترنا القول الذي اخترناه فـي ذلك لأنه أظهر معانـيه.
واختلفت القرّاء فـي قراءة ذلك, فقرأته عامة قرّاء الكوفة والبصرة وبعض أهل مكة: لِـيَرْبُوَ بفتـح الـياء من يربو, بـمعنى: وما آتـيتـم من ربـا لـيربوَ ذلك الربـا فـي أموال الناس. وقرأ ذلك عامة قرّاء أهل الـمدينة: «لِتَرْبُوا» بـالتاء من تُربوا وضمها, بـمعنى: وما آتـيتـم من ربـا لتُربوا أنتـم فـي أموال الناس.
والصواب من القول فـي ذلك عندنا, أنهما قراءتان مشهورتان فـي قرّاء الأمصار مع تقارب معنـيـيهما, لأن أربـاب الـمال إذا أربوا ربـا الـمال, وإذا ربـا الـمالُ فبإربـاء أياه ربـا. فإذا كان ذلك كذلك, فبأيّ القراءتـين قرأ القارىء فمصيب.
وأما قوله: وَما آتَـيْتُـمْ مِنْ زَكاةٍ تُرِيدُونَ وَجْهَ اللّهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الـمُضعِفُونَ فإن أهل التأويـل قالوا فـي تأويـله نـحو الذي قلنا. ذكر من قال ذلك:
21311ـ حدثنا بشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قَتادة, قوله: وَما آتَـيْتُـمْ مِنْ زَكاةٍ تُرِيدون وَجْهَ اللّهِ, فَأُولَئِكَ هُمُ الـمُضْعِفُونَ قال: هذا الذي يقبله الله ويضعفه لهم عشر أمثالها, وأكثر من ذلك.
21312ـ حُدثت عن عبد الرزاق, قال: أخبرنا معمر, عن قَتادة, قال: قال ابن عبـاس, قوله وَما آتَـيْتُـمْ مِنْ رِبـا لِـيَرْبُوَ فِـي أمْوَالِ النّاسِ فَلا يَرْبُو عِنْدَ اللّهِ قال: هي الهبة, يهب الشيء يريد أن يُثاب علـيه أفضل منه, فذلك الذي لا يربو عند الله, لا يؤجر فـيه صاحبه, ولا إثم علـيه وَما آتَـيْتُـمْ مِنْ زَكاةٍ قال: هي الصدقة تريدون وجه الله فَأُولَئِكَ هُمُ الـمُضْعِفونَ.
21313ـ قال معمر, قال ابن أبـي نـجيح, عن مـجاهد, مثل ذلك.
الآية : 40
القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {اللّهُ الّذِي خَلَقَكُمْ ثُمّ رَزَقَكُمْ ثُمّ يُمِيتُكُمْ ثُمّ يُحْيِيكُمْ هَلْ مِن شُرَكَآئِكُمْ مّن يَفْعَلُ مِن ذَلِكُمْ مّن شَيْءٍ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَىَ عَمّا يُشْرِكُونَ }.
يقول تعالـى ذكره للـمشركين به, معرّفهم قبح فعلهم, وخبث صنـيعهم: الله أيها القوم الذي لا تصلـح العبـادة إلاّ له, ولا ينبغي أن تكون لغيره, هو الذي خـلقكم ولـم تكونوا شيئا, ثم رزقكم وخوّلكم, ولـم تكونوا تـملكون قبل ذلك, ثم هو يـميتكم من بعد أن خـلقكم أحياء, ثم يحيـيكم من بعد مـماتكم لبعث القـيامة, كما:
21314ـ حدثنا بشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة, قوله: اللّهُ الّذِي خَـلَقَكُمْ ثُمّ رَزَقَكُمْ ثُمّ يُـمِيتُكُمْ ثُمّ يُحْيِـيكُمْ للبعث بعد الـموت.
وقوله: هَلْ مِنْ شُرَكائِكُمْ مَنْ يَفْعَلُ مِنْ ذَلِكُمْ مِنْ شَيْءٍ يقول تعالـى ذكره: هل من آلهتكم وأوثانكم التـي تـجعلونهم لله فـي عبـادتكم إياه شركاء من يفعل من ذلكم من شيء, فـيخـلق أو يرزق, أو يـميت, أو ينشر وهذا من الله تقريع لهؤلاء الـمشركين. وإنـما معنى الكلام أن شركاءهم لا تفعل شيئا من ذلك, فكيف يُعبد من دون الله من لا يفعل شيئا من ذلك؟ ثم برأ نفسه تعالـى ذكره عن الفرية التـي افتراها هؤلاء الـمشركون علـيه بزعمهم أن آلهتهم له شركاء, فقال جلّ ثناؤه سبحانه أي تنزيها لله وتبرئة وَتَعالـى يقول: وعلوّا له عَمّا يُشْرِكُونَ يقول: عن شرك هؤلاء الـمشركين به. وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك:
21315ـ حدثنا بشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة, قوله: هَلْ مِنْ شُرَكائِكُمْ مَنْ يَفْعَلُ مِنْ ذَلِكُمْ مِنْ شَيْءٍ لا والله سُبْحانَهُ وَتَعالـى عَمّا يُشْرِكُونَ يسبح نفسه إذ قـيـل علـيه البهتان.
الآية : 41
القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النّاسِ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الّذِي عَمِلُواْ لَعَلّهُمْ يَرْجِعُونَ }.
يقول تعالـى ذكره: ظهرت الـمعاصي فـي برّ الأرض وبحرها بكسب أيدي الناس ما نهاهم الله عنه.
واختلف أهل التأويـل فـي الـمراد من قوله: ظَهَرَ الفَسادُ فِـي البَرّ والبَحْرِ فقال بعضهم: عنى بـالبَرّ: الفلوات, وبـالبحر: الأمصار والقُرى التـي علـى الـمياه والأنهار. ذكر من قال ذلك: 21316ـ حدثنا أبو كُرَيب, قال: حدثنا عَثّام, قال: حدثنا النضْر بن عربـيّ, عن مـجاهد وَإذَا تَوَلّـى سَعَى فِـي الأرْض لِـيُفْسِدَ فِـيها... الاَية, قال: إذا ولـي سعى بـالتعدّي والظلـم, فـيحبس الله القطر, ف يُهْلِكَ الـحَرْثَ والنّسْلَ, وَاللّهُ لا يُحِبّ الفَسادَ قال: ثم قرأ مـجاهد: ظَهَرَ الفَسادُ فِـي البَرّ والبَحْرِ... الاَية قال: ثم قال: أما والله ما هو بحرُكم هذا, ولكن كل قرية علـى ماء جار فهو بحر.
21317ـ حدثنا ابن وكيع, قال: حدثنا أبـي, عن النضْر بن عربـيّ, عن عكرمة ظَهَرَ الفَسادُ فِـي البَرّ والبَحْرِ قال: أَمَا إنـي لا أقول بحرُكم هذا, ولكن كلّ قرية علـى ماء جار.
21318ـ قال: ثنا يزيد بن هارون, عن عمرو بن فَرّوخ, عن حبـيب بن الزبـير, عن عكرمة ظَهَرَ الفَسادُ فِـي البَرّ والبَحْرِ قال: إن العرب تسمي الأمصار بحرا.
21319ـ حدثنا بشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قَتادة, قوله ظَهَرَ الفَسادُ فِـي البَرّ والبَحْرِ بِـمَا كَسَبَتْ أيْدِي النّاسِ قال: هذا قبل أن يَبعث الله نبـيه مـحمدا صلى الله عليه وسلم, امتلأت ضلالة وظلـما, فلـما بعث الله نبـيه, رجع راجعون من الناس.
قوله: ظَهَرَ الفَسادُ فِـي البَرّ والبَحْرِ أما البرّ فأهل العمود, وأما البحر فأهل القُرَى والريف.
21320ـ حدثنـي يونس, قال: أخبرنا ابن وهب, قال: قال ابن زيد, فـي قوله ظَهَرَ الفَسادُ فِـي البَرّ والبَحْرِ قال: الذنوب, وقرأ لِـيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الّذِي عَمِلُوا لَعلّهُمْ يَرْجِعُونَ.
21321ـ حدثنا ابن بشار, قال: حدثنا أبو عامر, قال: حدثنا قرة, عن الـحسن, فـي قوله ظَهَرَ الفَسادُ فِـي البَرّ والبَحْرِ بِـمَا كَسَبَتْ أيْدِي النّاسِ قال: أفسدهم الله بذنوبهم, فـي بحر الأرض وبرها, بأعمالهم الـخبـيثة.
وقال آخرون: بل عُنِـي بـالبرّ: ظهر الأرض, الأمصار وغيرها, وبـالبحر البحر الـمعروف. ذكر من قال ذلك:
21322ـ حدثنا ابن وكيع, قال: حدثنا أبـي, عن سفـيان, عن لـيث, عن مـجاهد ظَهَر الفَسادُ فِـي البَرّ والبَحْرِ: قال: فـي البرّ: ابن آدم الذي قتل أخاه, وفـي البحر: الذي كان يأخذ كلّ سفـينة غصبـا.
21323ـ حدثنـي يعقوب, قال: قال أبو بشر: يعنـي ابن عُلَـيّة, قال: سمعت ابن أبـي نـجيح, يقول فـي قوله ظَهَرَ الفَسادُ فِـي البَرّ والبَحْرِ بِـمَا كَسَبَتْ أيْدِي النّاسِ قال: بقتل ابن آدم, والذي كان يأخذ كل سفـينة غصبـا.
21324ـ حدثنا ابن وكيع, قال: حدثنا يزيد بن هارون, عن فضيـل بن مرْزوق, عن عطية ظَهَرَ الفَسادُ فِـي البَرّ والبَحْرِ قال: قلت: هذا البرّ والبحر أيّ فساد فـيه؟ قال: فقال: إذا قلّ الـمطر, قل الغَوْص.
حدثنـي مـحمد بن عمرو, قال: حدثنا أبو عاصم, قال: حدثنا عيسى وحدثنـي الـحارث, قال: حدثنا الـحسن, قال: حدثنا ورقاء جميعا, عن ابن أبـي نـجيح, عن مـجاهد, فـي قوله ظَهَرَ الفَسادُ فِـي البَرّ قال: قتل ابن آدم أخاه, والبحر: قال: أخذ الـملك السفن غَصْبـا.
وأولـى الأقوال فـي ذلك بـالصواب: أن الله تعالـى ذكره, أخبر أن الفساد قد ظهر فـي البرّ والبحر عند العرب فـي الأرض القـفـار, والبحر بحران: بحر ملـح, وبحر عذب, فهما جميعا عندهم بحر, ولـم يخصص جلّ ثناؤه الـخبر عن ظهور ذلك فـي بحر دون بحر, فذلك علـى ما وقع علـيه اسم بحر, عذبـا كان أو ملـحا. وإذا كان ذلك كذلك, دخـل القرى التـي علـى الأنهار والبحار.
فتأويـل الكلام إذن إذ كان الأمر كما وصفت, ظهرت معاصي الله فـي كل مكان, من برّ وبحر بِـمَا كَسَبَتْ أيْدِي النّاسِ: أي بذنوب الناس, وانتشر الظلـم فـيهما.
وقوله: ولِـيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الّذِي عَمِلُوا يقول جلّ ثناؤه: لـيصيبهم بعقوبة بعض أعمالهم التـي عملوا, ومعصيتهم التـي عَصَوا لَعَلّهُمْ يَرْجِعُونَ يقول: كي ينـيبوا إلـى الـحقّ, ويرجعوا إلـى التوبة, ويتركوا معاصيَ الله. وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك:
21325ـ حدثنا ابن وكيع, قال: حدثنا ابن فضيـل, عن أشعث, عن الـحسن لَعلّهُم يَرْجِعُونَ قال: يتوبون.
21326ـ قال: ثنا ابن مهديّ, عن سفـيان, عن السديّ, عن أبـي الضحى, عن مسروق, عن عبد الله لَعلّهُمْ يَرْجِعُونَ يوم بدر, لعلهم يتوبون.
21327ـ قال: ثنا أبو أُسامة, عن زائدة, عن منصور عن إبراهيـم لَعَلّهُمْ يَرْجِعُونَ قال: إلـى الـحقّ.
21328ـ حدثنا بشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قَتادة, قوله لِـيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الّذِي عَمِلُوا لَعَلّهُمْ يَرْجِعُونَ: لعلّ راجعا أن يرجع, لعل تائبـا أن يتوب, لعلّ مستعتبـا أن يستعتب.
21329ـ حدثنا ابن بشار, قال: حدثنا أبو عامر, قال: حدثنا قرة, عن الـحسن, لَعَلّهُمْ يَرْجِعُونَ قال: يرجع مَنْ بعدَهم.
واختلفت القرّاء فـي قراءة قوله: لِـيُذِيقَهمْ فقرأ ذلك عامة قرّاء الأمصار لِـيُذِيقَهُمْ بـالـياء, بـمعنى: لـيذيقهم الله بعض الذي عملوا, وذُكر أن أبـا عبد الرحمن السّلَـمي قرأ ذلك بـالنون علـى وجه الـخبر من الله عن نفسه بذلك