تفسير الطبري تفسير الصفحة 433 من المصحف

 تفسير الطبري - صفحة القرآن رقم 433
434
432
 الآية : 39 -41
القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {قُلْ إِنّ رَبّي يَبْسُطُ الرّزْقَ لِمَن يَشَآءُ مِنْ عِبَادِهِ وَيَقْدِرُ لَهُ وَمَآ أَنفَقْتُمْ مّن شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ وَهُوَ خَيْرُ الرّازِقِينَ * وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ جَمِيعاً ثُمّ يَقُولُ لِلْمَلاَئِكَةِ أَهَـَؤُلاَءِ إِيّاكُمْ كَانُواْ يَعْبُدُونَ * قَالُواْ سُبْحَانَكَ أَنتَ وَلِيّنَا مِن دُونِهِمْ بَلْ كَانُواْ يَعْبُدُونَ الْجِنّ أَكْـثَرُهُم بِهِم مّؤْمِنُونَ }.
يقول تعالـى ذكره: ويوم نـحشر هؤلاء الكفـار بـالله جميعا, ثم نقول للـملائكة: أهؤلاء كانوا يعبدونكم من دوننا؟ فتتبرأ منهم الـملائكة قَالُوا سُبْحَانَكَ ربنا, تنزيها لك وتبرئة مـما أضاف إلـيك هؤلاء من الشركاء والأنداد أَنْتَ وَلِـيّنَا مِنْ دونِهِمْ لا نتـخذ ولـيا دونك بَلْ كَانُوا يَعْبُدُونَ الْـجِنّ. وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك:
22056ـ حدثنا بشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة, قوله: وَيَوْمَ نَـحْشُرُهُمْ جَمِيعا ثُمّ نَقُولُ للْـمَلاَئِكة أهَؤُلاءِ إيّاكُمْ كانُوا يَعْبُدُونَ استفهام, كقوله لعيسى: أءَنْتَ قُلْتَ للنّاسِ اتّـخِذُونِـي وأُمّيَ إلَهَيْنِ مِنْ دُونِ اللّهِ؟
وقوله: أكْثَرُهُمْ بِهِمْ مُؤْمِنُونَ يقول: أكثرهم بـالـجنّ مصدّقون, يزعمون أنهم بنات الله, تعالـى الله عما يقولون عُلُوّا كبـيرا.

الآية : 42
القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {فَالْيَوْمَ لاَ يَمْلِكُ بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ نّفْعاً وَلاَ ضَرّاً وَنَقُولُ لِلّذِينَ ظَلَمُواْ ذُوقُواْ عَذَابَ النّارِ الّتِي كُنتُم بِهَا تُكَذّبُونَ }.
يقول تعالـى ذكره: فـالـيوم لا يـملك بعضكم أيها الـملائكة للذين كانوا فـي الدنـيا يعبدونكم نفعا ينفعونكم به ولا ضرّا ينالونكم به, أو تنالونهم به وَنَقُولُ للّذِينَ ظَلَـمُوا يقول: ونقول للذين عبدوا غير الله فوضعوا العبـادة فـي غير موضعها, وجعلوها لغير من تنبغي أن تكون له: ذُوقُوا عَذَابَ النّارِ التـي كُنْتُـم بها فـي الدنـيا تُكَذّبونَ فقد وردتـموها.

الآية : 43
القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {وَإِذَا تُتْلَىَ عَلَيْهِمْ آيَاتُنَا بَيّنَاتٍ قَالُواْ مَا هَـَذَا إِلاّ رَجُلٌ يُرِيدُ أَن يَصُدّكُمْ عَمّا كَانَ يَعْبُدُ آبَآؤُكُمْ وَقَالُواْ مَا هَـَذَآ إِلاّ إِفْكٌ مّفْتَرًى وَقَالَ الّذِينَ كَفَرُواْ لِلْحَقّ لَمّا جَآءَهُمْ إِنْ هَـَذَآ إِلاّ سِحْرٌ مّبِينٌ }.
يقول تعالـى ذكره: وإذا تُتلـى علـى هؤلاء الـمشركين آيات كتابنا بـيّنات يقول: واضحات أنهنّ حقّ من عندنا قالُوا ما هَذَا إلاّ رَجُلُ يُرِيدُ أنْ يَصُدّكُمْ عَمّا كانَ يَعْبُدُ آبـاؤُكُمْ يقول: قالوا عند ذلك: لا تتبعوا مـحمدا, فما هو إلاّ رجل يريد إن يصدّكم عما كان يعبد آبـاؤكم من الأوثان, ويغير دينكم ودين آبـائكم وَقالُوا ما هَذَا إلاّ إفْكٌ مُفْتَرًى يقول تعالـى ذكره: وقال هؤلاء الـمشركون: ما هذا الذي تتلو علـينا يا مـحمد, يعنون القرآن, إلاّ إفك. يقول: إلاّ كَذِبٌ مُفْترى يقول: مختلَق. متـخرّص وَقالَ الّذِينَ كَفَرُوا للْـحَقّ لـما جَاءهمْ إنْ هَذَا إلاّ سِحْرٌ مُبِـينٌ يقول جلّ ثناؤه: وقال الكفـار للـحقّ, يعنـي مـحمدا صلى الله عليه وسلم لـما جاءهم, يعنـي: لـما بعثه الله نبـيا: هذا سحر مبـين يقول: ما هذا إلاّ سحر مبـين, يبـين لـمن رآه وتأمله أنه سحر.

الآية : 44 -45
القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {وَمَآ آتَيْنَاهُمْ مّنْ كُتُبٍ يَدْرُسُونَهَا وَمَآ أَرْسَلْنَا إِلَيْهِمْ قَبْلَكَ مّن نّذِيرٍ * وَكَذّبَ الّذِينَ مِن قَبلِهِمْ وَمَا بَلَغُواْ مِعْشَارَ مَآ آتَيْنَاهُمْ فَكَذّبُواْ رُسُلِي فَكَيْفَ كَانَ نَكِيرِ }.
يقول تعالـى ذكره: وما أنزلنا علـى الـمشركين القائلـين لـمـحمد صلى الله عليه وسلم لـما جاءهم بآياتنا: هذا سحر مبـين بـما يقولون من ذلك كتبـا يدرسونها: يقول: يقرؤونها, كما:
22057ـ حدثنا بشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة, قوله: وَما ءاتَـيْناهُمْ مِنْ كُتُبٍ يَدْرُسُونَها: أي يقرؤونها.
وَما أرْسَلْنا إلَـيْهِمْ قَبْلَكَ مِنْ نَذِيرٍ يقول: وما أرسلنا إلـى هؤلاء الـمشركين من قومك يا مـحمد فـيـما يقولون ويعملون قبلك من نبـيّ ينذرهم بأسنا علـيه. وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك:
22058ـ حدثنا بشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة وَما أرْسَلْنا إلَـيْهِمْ قَبْلَكَ مِنْ نَذِيرٍ ما أنزل الله علـى العرب كتابـا قبل القرآن, ولا بعث إلـيهم نبـيا قبل مـحمد صلى الله عليه وسلم.
وقوله: وكَذّبَ الّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ يقول: وكذّب الذين من قبلهم من الأمـم رسلنا وتنزيـلنا وَما بَلَغُوا مِعْشارَ ما آتَـيْناهُمْ يقول: ولـم يبلغ قومك يا مـحمد عُشْر ما أعطينا الذين من قبلهم من الأمـم من القوّة والأيدي والبطْش, وغير ذلك من النعم. وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك:
22059ـ حدثنـي علـيّ, قال: حدثنا أبو صالـح, قال: ثنـي معاوية, عن علـيّ, عن ابن عبـاس, قوله: وَما بَلَغُوا مِعْشارَ ما ءاتَـيْناهُمْ من القوّة فـي الدنـيا.
22060ـ حدثنـي مـحمد بن سعد, قال: ثنـي أبـي, قال: ثنـي عمي, قال: ثنـي أبـي, عن أبـيه, عن ابن عبـاس, قوله وَما بَلَغُوا مِعْشارَ ما ءاتَـيْناهُمْ يقول: ما جاوزوا معشار ما أنعمنا علـيهم.
22061ـ حدثنا بشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة, قوله: وكَذّبَ الّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَما بَلَغُوا مِعْشارَ ما ءاتَـيْناهُمْ يخبركم أنه أَعْطَى القوم ما لـم يُعْطكم من القوّة وغير ذلك.
22062ـ حدثنـي يونس, قال: أخبرنا ابن وهب, قال: قال ابن زيد, فـي قوله: وَما بَلَغُوا مِعْشارَ ما ءاتَـيْنَاهُمْ قال: ما بلغ هؤلاء أمة مـحمد صلى الله عليه وسلم معشار ما آتـينا الذين من قبلهم, وما أعطيناهم من الدنـيا, وبسطنا علـيهم فَكَذّبوا رسلـي فكَيْفَ كانَ نَكِيرِ يقول: فكذّبوا رسلـي فـيـما أتوهم به من رسالتـي, فعاقبناهم بتغيـيرنا بهم ما كنا آتـيناهم من النعم, فـانظر يا مـحمد كيف كان نكير. يقول: كيف كان تغيـيري بهم وعقوبتـي.

الآية : 46
القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {قُلْ إِنّمَآ أَعِظُكُمْ بِوَاحِدَةٍ أَن تَقُومُواْ لِلّهِ مَثْنَىَ وَفُرَادَىَ ثُمّ تَتَفَكّرُواْ مَا بِصَاحِبِكُمْ مّن جِنّةٍ إِنْ هُوَ إِلاّ نَذِيرٌ لّكُمْ بَيْنَ يَدَيْ عَذَابٍ شَدِيدٍ }.
يقول تعالـى ذكره: قل يا مـحمد لهؤلاء الـمشركين من قومك: إنـما أعظكم أيّها القوم بواحدة وهي طاعة الله, كما:
22063ـ حدثنـي مـحمد بن عمرو, قال: حدثنا أبو عاصم, قال: حدثنا عيسى وحدثنـي الـحارث, قال: حدثنا الـحسن, قال: حدثنا ورقاء, جميعا عن ابن أبـي نـجيح, عن مـجاهد, قوله: إنّـما أعِظُكُمْ بِوَاحِدَةٍ قال: بطاعة الله.
وقوله: أنْ تَقُومُوا لِلّهِ مَثْنَى وَفُرَادَى يقول: وتلك الواحدة التـي أعظكم بها هي أن تقوموا لله اثنـين اثنـين, وفُرادَى فُرادَى, فإن فـي موضع خفض ترجمة عن الواحدة. وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك:
22064ـ حدثنـي مـحمد بن عمرو, قال: ثنـي أبو عاصم, قال: حدثنا عيسى وحدثنـي الـحارث, قال: حدثنا الـحسن, قال: حدثنا ورقاء, جميعا عن ابن أبـي نـجيح, عن مـجاهد أنْ تَقُومُوا لِلّهِ مَثْنَى وَفُرَادَى قال: واحدا واثنـين.
22065ـ حدثنا بشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة, قوله: قُلْ إنّـمَا أعِظُكُمْ بِوَاحِدَةٍ أنْ تَقُومُوا لِلّهِ مَثْنَى وَفُرَادَى رجلاً ورجلـين. وقـيـل: إنـما قـيـل: إنـما أعظكم بواحدة, وتلك الواحدة أن تقوموا لله بـالنصيحة وترك الهوى. مَثْنَى يقول: يقوم الرجل منكم مع آخر فـيتصادقان علـى الـمناظرة, هل علـمتـم بـمـحمد صلى الله عليه وسلم جنونا قطّ؟ ثم ينفرد كل واحد منكم, فـيتفكر ويعتبر فردا هل كان ذلك به؟ فتعلـموا حينئذٍ أنه نذير لكم.
وقوله: ثُمّ تَتَفَكّرُوا ما بِصَاحِبِكُمْ مِنْ جِنّةٍ يقول: لأنه لـيس بـمـجنون. وقوله إنْ هُوَ إلاّ نَذِيرٌ لَكُمْ بَـينَ يَدَيْ عَذَابٍ شَدِيدٍ يقول: ما مـحمد إلاّ نذير لكم ينذركم علـى كفركم بـالله عقابه أمام عذاب جهنـم قبل أن تَصْلَوْها, وقوله: «هو» كناية اسم مـحمد صلى الله عليه وسلم.

الآية : 47
القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {قُلْ مَا سَأَلْتُكُم مّن أَجْرٍ فَهُوَ لَكُمْ إِنْ أَجْرِيَ إِلاّ عَلَى اللّهِ وَهُوَ عَلَىَ كُلّ شَيْءٍ شَهِيدٍ }.
يقول تعالـى ذكره: قل يا مـحمد لقومك الـمكذّبـيك, الرّادّين علـيك ما أتـيتهم به من عند ربك: ما أسألكم من جُعْلٍ علـى إنذاريكم عذاب الله, وتـخويفكم به بأسه, ونصيحتـي لكم فـي أمري إياكم بـالإيـمان بـالله, والعمل بطاعته, فهو لكم لا حاجة لـي به. وإنـما معنى الكلام: قل لهم: إنـي لـم أسألكم علـى ذلك جُعْلاً فتتهمونـي, وتظنوا أنـي إنـما دعوتكم إلـى اتبـاعي لـمال آخذه منكم. وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك:
22066ـ حدثنا بشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة, قوله: قُلْ ما سألْتُكُمْ مِنْ أجْر: أي جُعل فَهُوَ لَكُمْ يقول: لـم أسألكم علـى الإسلام جُعْلاً.
وقوله: إنْ أجْرِيَ إلاّ عَلـى اللّهِ يقول: ما ثوابـي علـى دعائكم إلـى الإيـمان بـالله, والعمل بطاعته, وتبلـيغكم رسالته, إلاّ علـى الله وَهُوَ عَلـى كُلّ شَيْءٍ شَهِيدٌ يقول: والله علـى حقـيقة ما أقول لكم شهيد يشهد لـي به, وعلـى غير ذلك من الأشياء كلها