تفسير الطبري تفسير الصفحة 443 من المصحف

 تفسير الطبري - صفحة القرآن رقم 443
444
442
 الآية : 41 -44
القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {وَآيَةٌ لّهُمْ أَنّا حَمَلْنَا ذُرّيّتَهُمْ فِي الْفُلْكِ الْمَشْحُونِ * وَخَلَقْنَا لَهُمْ مّن مّثْلِهِ مَا يَرْكَبُونَ * وَإِن نّشَأْ نُغْرِقْهُمْ فَلاَ صَرِيخَ لَهُمْ وَلاَ هُمْ يُنقَذُونَ * إِلاّ رَحْمَةً مّنّا وَمَتَاعاً إِلَىَ حِينٍ }.
يقول تعالـى ذكره: ودلـيـل لهم أيضا, وعلامة علـى قُدرتنا علـى كلّ ما نشاء, حملنا ذرّيتهم يعنـي من نـجا من ولد آدم فـي سفـينة نوح, وإياها عنى جلّ ثناؤه بـالفُلك الـمشحون والفلك: هي السفـينة, والـمشحون: الـمـملوء الـموقر. وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك:
22299ـ حدثنـي علـيّ, قال: حدثنا أبو صالـح, قال: ثنـي معاوية, عن علـيّ, عن ابن عبـاس قوله: أنّا حَمَلْنا ذُرّيّتَهُمْ فِـي الفُلْكِ الـمَشْحُونِ يقول: الـمـمتلـىء.
22300ـ حدثنـي مـحمد بن سعد, قال: ثنـي أبـي, قال: ثنـي عمي, قال: ثنـي أبـي, عن أبـيه, عن ابن عبـاس, قوله: فـي الفُلْكِ الـمَشْحُونِ يعنـي الـمثقل.
22301ـ حدثنـي سلـيـمان بن عبد الـجبـار, قال: حدثنا مـحمد بن الصلت, قال: حدثنا أبو كدينة, عن عطاء, عن سعيد الفُلْكِ الـمَشْحُونِ قال: الـموقَر.
22302ـ حدثنا عمران بن موسى, قال: حدثنا عبد الوارث, قال: حدثنا يونس, عن الـحسن, فـي قوله: الـمَشْحُونَ قال: الـمـحمول.
22303ـ حُدثت عن الـحسين, قال: سمعت أبـا معاذ يقول: أخبرنا عبـيد, قال: سمعت الضحاك يقول فـي قوله: أنّا حَمَلْنا ذُرّيّتَهُمْ فِـي الفُلْكِ الـمَشْحُونِ يعنـي: سفـينة نوح علـيه السلام.
22304ـ حدثنا بشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة, قوله: وَآيَةٌ لَهُمْ أنّا حَمْلنا ذُرّيّتَهُمْ فِـي الفُلْكِ الـمَشْحُونِ الـمُوقَر, يعنـي سفـينة نوح.
22305ـ حدثنـي يونس, قال: أخبرنا ابن وهب, قال: قال ابن زيد, فـي قوله: الفُلْكِ الـمَشْحُونِ قال: الفلك الـمشحون: الـمَرْكَب الذي كان فـيه نوح, والذرية التـي كانت فـي ذلك الـمركب قال: والـمشحون: الذي قد شُحن, الذي قد جعل فـيه لـيركبه أهله, جعلوا فـيه ما يريدون, فربـما امتلأ, وربـما لـم يـمتلـىء.
حدثنا الفضل بن الصبـاح, قال: حدثنا مـحمد بن فضيـل, عن عطاء, عن سعيد بن جُبَـير, عن ابن عبـاس قال: أتدرون ما الفُلك الـمشحون؟ قلنا: لا, قال: هو الـمُوقَر.
22306ـ حدثنا عمرو بن عبد الـحميد الاَمُلِـي, قال: حدثنا هارون, عن جُوَيبر, عن الضحاك, فـي قوله: الفُلكِ الـمَشحُون قال الـمُوقَر.
وقوله: وَخَـلَقْنا لَهُمْ مِنْ مِثْلِهِ ما يَرْكَبُونَ يقول تعالـى ذكره: وخـلقنا لهؤلاء الـمشركين الـمكذّبـيك يا مـحمد, تفضلاً منا علـيهم, من مثل ذلك الفلك الذي كنا حملنا من ذرّية آدم مَنْ حملنا فـيه الذي يركبونه من الـمراكب.
ثم اختلف أهل التأويـل فـي الذي عُنـي بقوله: ما يَرْكَبُونَ فقال بعضهم: هي السفن. ذكر من قال ذلك:
22307ـ حدثنا الفضل بن الصبـاح, قال: حدثنا مـحمد بن فضيـل, عن عطاء, عن سعيد بن جُبَـير, عن ابن عبـاس قال: تدرون ما وَخَـلَقْنا لَهُمْ مِنْ مِثْلِهِ ما يَرْكَبُونَ؟ قلنا: لا. قال: هي السفن جُعلت من بعد سفـينة نوح علـى مِثْلها.
22308ـ حدثنا ابن بشار, قال: حدثنا عبد الرحمن, قال: حدثنا يحيى, قال: حدثنا سفـيان, عن السديّ, عن أبـي مالك فـي قوله: وَخَـلَقْنا لَهُمْ مِنْ مِثْلِهِ ما يَرْكَبُونَ قال: السفن الصغار.
قال: ثنا ابن بشار, قال: حدثنا يحيى, قال: حدثنا سفـيان, عن السديّ, عن أبـي مالك, فـي قوله: وَخَـلَقْنا لَهُمْ مِنْ مِثْلِهِ ما يَرْكَبُونَ قال: السفن الصغار, ألا ترى أنه قال: وَإنْ نَشأْ نُغْرِقْهُمْ فَلا صَرِيخَ لَهُمْ؟.
22309ـ حدثنا ابن الـمثنى, قال: حدثنا مـحمد بن جعفر, قال: حدثنا شعبة, عن منصور بن زاذان, عن الـحسن فـي هذه الاَية: وَخَـلَقْنا لَهُمْ مِنْ مِثْلِهِ ما يَرْكَبُونَ قال: السفن الصغار.
22310ـ حدثنا حاتـم بن الضبّـي, قال: حدثنا عثمان بن عمر, عن شعبة, عن إسماعيـل, عن أبـي صالـح: وَخَـلَقْنا لَهُمْ مِنْ مِثْلِهِ ما يَرْكَبُونَ قال: السفن الصغار.
22311ـ حُدثت عن الـحسين, قال: سمعت أبـا معاذ, يقول: حدثنا عبـيد, قال: سمعت الضحاك يقول فـي قوله: وَخَـلَقْنا لَهُمْ مِنْ مِثْلِهِ ما يَرْكَبُونَ يعنـي: السفن التـي اتـخذت بعدها, يعنـي بعد سفـينة نوح.
22312ـ حدثنا بشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة وَخَـلَقْنا لَهُمْ مِنْ مِثْلِهِ ما يَرْكَبُونَ قال: هي السفن التـي ينتفع بها.
22313ـ حدثنـي يونس, قال: أخبرنا ابن وهب, قال: قال ابن زيد, فـي قوله: وَخَـلَقْنا لَهُمْ مِنْ مِثْلِهِ ما يَرْكَبُونَ قال: وهي هذه الفلك.
حدثنـي يونس, قال: حدثنا مـحمد بن عبـيد, عن إسماعيـل بن أبـي خالد, عن أبـي صالـح, فـي قوله: وَخَـلَقْنا لَهُمْ مِنْ مِثْلِهِ ما يَرْكَبُونَ قال: نعم من مثل سفـينة.
وقال آخرون: بل عُنـي بذلك الإبل. ذكر من قال ذلك:
22314ـ حدثنـي مـحمد بن سعد, قال: حدثنا أبـي, قال: ثنـي عمي, قال: ثنـي أبـي, عن أبـيه, عن ابن عبـاس, قوله: وَخَـلَقْنا لَهُمْ مِنْ مِثْلِهِ ما يَرْكَبُونَ يعنـي: الإبل, خَـلَقها الله كما رأيت, فهي سفن البرّ, يُحْمَلون علـيها ويركبونها.
22315ـ حدثنا نصر بن علـيّ, قال: حدثنا غندر, عن عثمان بن غياث, عن عكرمة وَخَـلَقْنا لَهُمْ مِنْ مِثْلِهِ ما يَرْكَبُونَ قال: الإبل.
22316ـ حدثنا ابن بشار, قال: حدثنا عبد الرحمن, قال: حدثنا سفـيان, عن السديّ, قال: قال عبد الله بن شدّاد: وَخَـلَقْنا لَهُمْ مِنْ مِثْلِهِ ما يَرْكَبُونَ هي الإبل.
22317ـ حدثنـي مـحمد بن عمرو, قال: حدثنا أبو عاصم, قال: حدثنا عيسى وحدثنـي الـحارث, قال: حدثنا الـحسن, قال: حدثنا ورقاء, جميعا عن ابن أبـي نـجيح, عن مـجاهد, فـي قوله: وَخَـلَقْنا لَهُمْ مِنْ مِثْلِهِ ما يَرْكَبُونَ قال: من الأنعام.
22318ـ حدثنا بشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة, قال: قال الـحسن: هي الإبل.
وأشبه القولـين بتأويـل ذلك قول مَن قال: عُنِـي بذلك السفن, وذلك لدلالة قوله: وَإنْ نَشأْ نُغْرِقْهُمْ فَلا صَرِيخَ لَهُمْ علـى أن ذلك كذلك, وذلك أن الغرق معلوم أن لا يكون إلا فـي الـماء, ولا غرق فـي البرّ.
وقوله: وَإنْ نَشأْ نُغْرِقْهُمْ فَلا صَرِيخَ لَهمْ يقول تعالـى ذكره: وإن نشأ نغرق هؤلاء الـمشركين إذا ركبوا الفُلك فـي البحر فَلا صَريخَ لَهُمْ يقول: فلا مُغِيثَ لهم إذا نـحن غرْقناهم يُغِيثهم, فـينـجيهم من الغرق, كما:
22319ـ حدثنا بشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة وَإنْ نَشأْ نُغْرِقْهُمْ فَلا صَرِيخَ لَهمْ: أي لا مُغِيث.
وقوله: وَلاَ هُمْ يُنْقَذُونَ يقول: ولا هو ينقذهم من الغرق شيء إن نـحن أغرقناهم فـي البحر, إلا أن ننقذهم نـحن رحمة منا لهم, فننـجيهم منه.
وقوله: وَمَتاعا إلـى حِينٍ يقول: ولنـمتعهم إلـى أجل هم بـالغوه, فكأنه قال: ولاهم يُنْقذُونَ, إلا أن نرحمهم فنـمتعهم إلـى أجل. وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك:
22320ـ حدثنا بشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة وَمَتاعا إلـى حِينٍ: أي إلـى الـموت.
الآية : 45 -46
القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اتّقُواْ مَا بَيْنَ أَيْدِيكُمْ وَمَا خَلْفَكُمْ لَعَلّكُمْ تُرْحَمُونَ * وَمَا تَأْتِيهِم مّنْ آيَةٍ مّنْ آيَاتِ رَبّهِمْ إِلاّ كَانُواْ عَنْهَا مُعْرِضِينَ }.
يقول تعالـى ذكره: وإذا قـيـل لهؤلاء الـمشركين بـالله, الـمكذّبـين رسوله مـحمدا صلى الله عليه وسلم: احذروا ما مضى بـين أيديكم من نقم الله وَمثُلاته بـمن حلّ ذلك به من الأمـم قبلكم أن يحلّ مثله بكم بشرككم وتكذيبكم رسوله. وَما خَـلْفَكُمْ يقول: وما بعد هلاككم مـما أنتـم لاقوه إن هلكتـم علـى كفركم الذي أنت علـيه لَعَلّكُمْ تُرْحَمُونَ يقول: لـيرحمكم ربكم إن أنتـم حذرتـم ذلك, واتقـيتـموه بـالتوبة من شرككم والإيـمان به, ولزوم طاعته فـيـما أوجب علـيكم من فرائضه. وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك:
22321ـ حدثنا بشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة, قوله: وَإذَا قِـيـلَ لَهُمُ اتّقُوا ما بـينَ أيْدِيكُمْ: وقائع الله فـيـمن خلا قبلهم من الأمـم وما خـلفهم من أمر الساعة. وكان مـجاهد يقول فـي ذلك ما:
22322ـ حدثنـي مـحمد بن عمرو, قال: حدثنا أبو عاصم قال: حدثنا عيسى وحدثنـي الـحارث قال: حدثنا الـحسن, قال: حدثنا ورقاء, جميعا عن ابن أبـي نـجيح, عن مـجاهد, قوله: ما بـينَ أيْدِيكُمْ قال: ما مضى من ذنوبهم.
وهذا القول قريب الـمعنى من القول الذي قلنا, لأن معناه: اتقوا عقوبة ما بـين أيديكم من ذنوبكم, وما خـلفكم مـما تعملون من الذنوب ولـم تعملوه بعد, فذلك بعد تـخويف لهم العقاب علـى كفرهم.
وقوله: وَما تَأْتِـيهِمْ مِنْ آيَةٍ مِنْ آياتِ رَبّهمْ إلاّ كَانُوا عَنْها مُعْرِضِينَ يقول تعالـى ذكره: وما تـجيء هؤلاء الـمشركين من قريش آية, يعنـي حجة من حُجَج الله, وعلامة من علاماته علـى حقـيقة توحيده, وتصديق رَسُوله, إلا كانوا عنها معرضين, لا يتفكرون فـيها, ولا يتدبرونها, فـيعلـموا بها ما احتـجّ الله علـيهم بها.
فإن قال قائل: وأين جواب قوله: وَإذا قِـيـلَ لَهُمُ اتّقُوا ما بَـيَنَ أيْدِيكُمْ وَما خَـلْفَكُمْ؟ قـيـل: جوابه وجواب قوله وَما تَأْتِـيهِمْ مِنْ آيَةٍ مِنْ آياتِ رَبّهمْ... قوله: إلاّ كانُوا عَنْها مُعْرِضِينَ لأن الإعراض منهم كان عن كلّ آية لله, فـاكتفـى بـالـجواب عن قوله: اتّقُوا ما بَـينَ أيْدِيكُمْ وعن قوله: وَما تَأْتِـيهِمْ مِنْ آيَةٍ بـالـخبر عن إعراضهم عنها لذلك, لأن معنى الكلام: وإذا قـيـل لهم اتقوا ما بـين أيديكم وما خـلفكم أعرضوا, وإذا أتتهم آية أعرضوا.
الآية : 47

القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ أَنفِقُواْ مِمّا رِزَقَكُمُ الله قَالَ الّذِينَ كَفَرُواْ لِلّذِينَ آمَنُوَاْ أَنُطْعِمُ مَن لّوْ يَشَآءُ اللّهُ أَطْعَمَهُ إِنْ أَنتُمْ إِلاّ فِي ضَلاَلٍ مّبِينٍ }.
يقول تعالـى ذكره: وإذا قـيـل لهؤلاء الـمشركين بـالله: أنفقوا من رزق الله الذي رزقكم, فأدّوا منه ما فرض الله علـيكم فـيه لأهل حاجتكم ومسكنتكم, قال الذين أنكروا وحدانـية الله, وعبدوا مَنْ دونه للذين آمنوا بـالله ورسوله: أنطعم أموالنا وطعامنا مَنْ لو يشاء الله أطعمه؟.
وفـي قوله: إنْ أنْتُـمْ إلاّ فِـي ضَلالٍ مُبِـين وجهان: أحدهما أن يكون من قـيـل الكفـار للـمؤمنـين, فـيكون تأويـل الكلام حينئذٍ: ما أنتـم أيها القومُ فـي قـيـلكم لنا: أنفقوا مـما رزقكم الله علـى مساكينكم, إلا فـي ذهاب عن الـحقّ, وجور عن الرشد مُبِـين لـمن تأمله وتدبره, أنه فـي ضلال وهذا أَوْلـى وجهيه بتأويـله. والوجه الاَخر: أن يكون ذلك من قـيـل الله للـمشركين, فـيكون تأويـله حينئذٍ: ما أنتـم أيها الكافرون فـي قـيـلكم للـمؤمنـين: أنطعم من لو يشاء الله أطعمه, إلا فـي ضلال مبـين, عن أن قـيـلكم ذلك لهم ضلال.
الآية : 48
القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {وَيَقُولُونَ مَتَىَ هَذَا الْوَعْدُ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ }.
يقول تعالـى ذكره: ويقول هؤلاء الـمشركون الـمكذّبون وعيدَ الله, والبعثَ بعد الـمـمات, يستعجلون ربهم بـالعذاب مَتـى هَذَا الوَعْدُ: أي الوعد بقـيام الساعة إنْ كُنْتُـمْ صَادِقِـينَ أيها القوم, وهذا قولهم لأهل الإيـمان بـالله ورسوله.
الآية : 49 -50
القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {مَا يَنظُرُونَ إِلاّ صَيْحَةً وَاحِدَةً تَأُخُذُهُمْ وَهُمْ يَخِصّمُونَ * فَلاَ يَسْتَطِيعُونَ تَوْصِيَةً وَلاَ إِلَىَ أَهْلِهِمْ يَرْجِعُونَ }.
يقول تعالـى ذكره: ما ينتظر هؤلاء الـمشركون الذين يستعجلون بوعيد الله إياهم, إلا صيحة واحدة تأخذهم, وذلك نفخة الفَزَع عند قـيام الساعة. وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل, وجاءت الاَثار. ذكر من قال ذلك, وما فـيه من الأثر:
22323ـ حدثنا ابن بشار, قال: حدثنا ابن أبـي عديّ ومـحمد بن جعفر, قالا: حدثنا عوف بن أبـي جميـلة عن أبـي الـمغيرة القوّاس, عن عبد الله بن عمرو, قال: لُـيْنفَخَنّ فـي الصور, والناس فـي طرقهم وأسواقهم ومـجالسهم, حتـى إن الثوب لـيكون بـين الرجلـين يتساومان, فما يُرسله أحدهما من يده حتـى يُنفَخ فـي الصور, وحتـى إن الرجل لـيغدو من بـيته فلا يرجع حتـى ينفخ فـي الصّور, وهي التـي قال الله: ما يَنْظُرُونَ إلاّ صَيْحَةً وَاحِدَةً تَأْخُذُهُمْ وَهُمْ يَخِصّمُونَ فَلا يَسْتَطِيعُونَ تَوْصِيَةً... الاَية.
22324ـ حدثنا بشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة ما يَنْظُرُونَ إلاّ صَيْحَةً وَاحِدَةً تَأخُذُهُمْ وَهُمْ يَخِصّمُونَ ذُكر لنا أن النبـيّ صلى الله عليه وسلم كان يقول: «تَهِيجُ السّاعَةُ بـالنّاسِ وَالرّجُلُ يَسْقِـي ماشِيَتَهُ, وَالرّجُلُ يُصْلِـحُ حَوْضَهُ, وَالرّجُلُ يُقِـيـمُ سِلْعَتَهُ فِـي سُوقِهِ والرّجُلُ يَخْفِضُ مِيزَانَهُ وَيَرْفَعُهُ, وَتهِيجُ بِهِمْ وَهُمْ كَذلكَ, فَلا يَسْتَطِيعُونَ تَوْصِيَةً ولا إلـى أهْلِهِمْ يَرْجِعُونَ».
22325ـ حدثنـي يونس, قال: أخبرنا ابن وهب, قال: قال ابن زيد فـي قوله: ما ينظُرُونَ إلاّ صَيْحَةً وَاحِدَةً قال: النفخة نفخة واحدة.
22326ـ حدثنا أبو كُرَيب, قال: حدثنا عبد الرحمن بن مـحمد الـمـحاربـيّ, عن إسماعيـل بن رافع, عمن ذكره, عن مـحمد بن كعب القرظيّ, عن أبـي هريرة, قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إنّ اللّهَ لـمّا فَرَغَ مِنْ خَـلْقِ السّمَوَاتِ والأرْضِ خَـلَقَ الصّورَ, فأعْطاهُ إسْرَافِـيـلَ, فَهُوَ وَاضِعُهُ عَلـى فِـيهِ شاخِصٌ بِبَصَرِهِ إلـى العَرْشِ يَنْتَظِرُ مَتـى يُؤْمَرُ» قالَ أبو هريرة: يا رسول الله: وما الصور؟ قال: «قَرْنٌ» قال: وكَيْفَ هُوَ؟ قال: «قَرْنٌ عَظِيـمٌ يُنْفَخُ فِـيهِ ثَلاثُ نَفَخاتٍ, الأُولـى نَفْخَةُ الفَزَعِ, والثّانِـيَةُ نَفْخَةُ الصّعْقِ, والثّالِثَةُ نَفْخَةُ القِـيام لِرَبّ العالَـمِينَ, يَأْمُرُ اللّهُ إسْرَافِـيـلَ بـالنّفْخَةِ الأُولـى فَـيَقُولُ: انْفُخْ نَفْخَةَ الفَزَعِ, فَـيَفْزَعُ أهْلُ السّمَوَاتِ وأهْلُ الأرْضِ إلاّ مَنْ شاءَ اللّهُ, وَيأْمُرُهُ اللّهُ فَـيُدِيـمُها وَيُطَوّلُها, فَلا يَفْتُرُ, وَهِيَ التـي يَقُولُ اللّهُ: ما يَنْظُرُ هَؤُلاءِ إلاّ صَيْحَةً وَاحِدَةً ما لَهَا مِنْ فَوَاقٍ, ثُمّ يَأْمُرُ اللّهُ إسْرَافِـيـلَ بنَفْخَةِ الصّعْقِ, فَـيَقُولُ: انْفُخْ نَفْخَةَ الصّعْقِ, فَـيَصْعَقُ أهْلُ السّمَوَاتِ والأرْضِ إلاّ مَنْ شاءَ اللّهُ, فإذَا هُمْ خامِدُونَ, ثُمّ يُـمِيتُ مَنْ بَقِـيَ, فإذَا لَـمْ يَبْقَ إلاّ اللّهُ الوَاحِدُ الصّمَدُ, بَدّلَ الأرْضَ غيرَ الأرْضِ والسّمَوَاتِ, فَـيَبْسُطُها وَيَسْطَحُها, وَيَـمُدّها مَدّ الأدِيـمِ العِكاظِيّ, لا تَرَى فِـيها عِوَجا وَلا أمْتا, ثُمّ يَزْجُرُ اللّهُ الـخَـلْقَ زَجْرَةً, فإذَا هُمُ فِـي هَذِهِ الـمُبَدّلَةِ فِـي مِثْلِ مَوَاضِعِهِمْ مِنَ الأُولـى ما كانَ فـي بَطْنها كان فـي بَطْنِها, وَما كانَ علـى ظَهْرِها كانَ عَلـى ظَهْرِها».
واختلفت القرّاء فـي قراءة قوله: وَهُمْ يَخِصّمُونَ فقرأ ذلك بعض قرّاء الـمدينة: «وَهُمْ يَخْصّمُونَ» بسكون الـخاء وتشديد الصاد, فجمع بـين الساكنـين, بـمعنى: يختصمون, ثم أدغم التاء فـي الصاد فجعلها صادا مشدّدة, وترك الـخاء علـى سكونها فـي الأصل. وقرأ ذلك بعض الـمكيـين والبصريـين: «وَهُمْ يُخَصّمُونَ» بفتـح الـخاء وتشديد الصاد بـمعنى: يختصمون, غير أنهم نقلوا حركة التاء وهي الفتـحة التـي فـي يفتعلون إلـى الـخاء منها, فحرّكوها بتـحريكها, وأدغموا التاء فـي الصاد وشدّدوها. وقرأ ذلك بعض قرّاء الكوفة: يَخِصّمُونَ بكسر الـخاء وتشديد الصاد, فكسروا الـخاء بكسر الصاد وأدغموا التاء فـي الصاد وشدّدوها. وقرأ ذلك آخرون منهم: «يَخْصِمُونَ» بسكون الـخاء وتـخفـيف الصاد, بـمعنى «يَفْعَلُونَ» من الـخصومة, وكأن معنى قارىء ذلك كذلك: كأنهم يتكلـمون, أو يكون معناه عنده: كان وهم عند أنفسهم يَخْصمُون مَن وعدهم مـجيء الساعة, وقـيام القـيامة, ويغلبونه بـالـجدل فـي ذلك.
والصواب من القول فـي ذلك عندنا أن هذه قراءات مشهورات معروفـات فـي قرّاء الأمصار, متقاربـات الـمعانـي, فبأيتهنّ قرأ القارىء فمصيب.
وقوله: فَلا يَسْتَطِيعُونَ تَوْصِيَةً يقول تعالـى ذكره: فلا يستطيع هؤلاء الـمشركون عند النفخ فـي الصّور أن يوصوا فـي أموالهم أحدا وَلا إلـى أهْلِهِمْ يَرْجِعُونَ يقول: ولا يستطيع من كان منهم خارجا عن أهله أن يرجع إلـيهم, لأنهم لا يُـمْهَلون بذلك. ولكن يُعَجّلون بـالهلاك. وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك:
22327ـ حدثنا بشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة فَلا يَسْتَطِيعُونَ تَوْصِيَةً: أي فـيـما فـي أيديهم وَلا إلـى أهْلِهِمْ يَرْجِعُونَ قال: أُعْجِلوا عن ذلك.
22328ـ حدثنـي يونس, قال: أخبرنا ابن وهب, قال: قال ابن زيد, فـي قوله: ما يَنْظُرُ هَؤُلاء إلاّ صَيْحَةً وَاحِدَةً... الاَية, قال هذا مبتدأ يوم القـيامة, وقرأ: فَلا يَسْتَطِيعُونَ تَوْصِيَةً حتـى بلغ إلـى رَبّهِمْ يَنْسِلُونَ.
الآية : 51 -53
القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {وَنُفِخَ فِي الصّورِ فَإِذَا هُم مّنَ الأجْدَاثِ إِلَىَ رَبّهِمْ يَنسِلُونَ * قَالُواْ يَوَيْلَنَا مَن بَعَثَنَا مِن مّرْقَدِنَا هَذَا مَا وَعَدَ الرّحْمـَنُ وَصَدَقَ الْمُرْسَلُونَ * إِن كَانَتْ إِلاّ صَيْحَةً وَاحِدَةً فَإِذَا هُمْ جَمِيعٌ لّدَيْنَا مُحْضَرُونَ }.
يقول تعالـى ذكره: ونُفِخَ فِـي الصّورِ, وقد ذكرنا اختلاف الـمختلفـين والصواب من القول فـيه بشواهده فـيـما مضى قبل بـما أغنى عن إعادته فـي هذا الـموضع, ويُعْنَى بهذه النفخة, نفخة البعث.
وقوله: فإذَا هُمْ مِنَ الأجْدَاثِ يعنـي من أجداثهم, وهي قبورهم, واحدها جَدَث, وفـيها لغتان, فأما أهل العالـية, فتقوله بـالثاء: جَدَث, وأما أهل السافلة فتقوله بـالفـاء جَدَف. وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك:
22329ـ حدثنـي علـيّ, قال: حدثنا أبو صالـح, قال: ثنـي معاوية, عن علـيّ, عن ابن عبـاس, قوله: مِنَ الأَجْدَاثِ إلـى رَبّهِمْ يَنْسِلُونَ يقول: من القبور.
22330ـ حدثنا بشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة فإذَا هُمْ مِنَ الأجْداث: أي من القبور.
وقوله: إلـى رَبّهِمْ يَنْسِلُونَ يقول: إلـى ربهم يخرجون سراعا, والنّسَلان: الإسراع فـي الـمشي. وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك:
22331ـ حدثنـي علـيّ, قال: حدثنا أبو صالـح, قال: ثنـي معاوية, عن علـيّ, عن ابن عبـاس, قوله: يَنْسِلونَ يقول: يخرجون.
22332ـ حدثنا بشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة إلـى رَبّهِمْ يَنْسِلُونَ: أي يخرجون.
وقوله: قالُوا يا وَيْـلَنا مَنْ بَعَثَنا مِنْ مَرْقَدِنا هَذَا ما وَعَدَ الرّحْمَنُ وَصَدَقَ الـمُرْسَلُونَ يقول تعالـى ذكره: قال هؤلاء الـمشركون لـما نُفخ فـي الصور نفخة البعث لـموقـف القـيامة فردّت أرواحهم إلـى أجسامهم, وذلك بعد نومة ناموها: يا وَيْـلَنا مَنْ بَعَثَنا مِنْ مَرْقَدِنا وقد قـيـل: إن ذلك نومة بـين النفختـين. وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك:
22333ـ حدثنا مـحمد بن بشار, قال: حدثنا أبو أحمد, قال: حدثنا سفـيان, عن منصور, عن خيثمة, عن الـحسن, عن أُبـيّ بن كعب, فـي قوله: يا وَيْـلَنا مَنْ بَعَثَنا مِنْ مَرْقَدِنا قال: ناموا نومة قبل البعث.
22334ـ حدثنا ابن بشار, قال: حدثنا مؤمل, قال: حدثنا سفـيان, عن منصور, عن رجل يقال له خيثمة فـي قوله: يا وَيْـلَنا مَنْ بَعَثَنا مِنْ مَرْقَدِنا قال: ينامون نومة قبل البعث.
22335ـ حدثنا بشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة قالُوا يا وَيْـلَنا مَنْ بَعَثَنا مِنْ مَرْقَدِنا هذا قول أهل الضلالة. والرّقدة: ما بـين النفختـين.
22336ـ حدثنـي مـحمد بن عمرو, قال: حدثنا أبو عاصم, قال: حدثنا عيسى وحدثنـي الـحارث, قال: حدثنا الـحسن, قال: حدثنا ورقاء, جميعا عن ابن أبـي نـجيح, عن مـجاهد, قوله: يا وَيْـلَنا مَنْ بَعَثَنا مِنْ مَرْقَدِنا هَذَا قال: الكافرون يقولونه.
ويعنـي بقوله: مِنْ مَرْقَدِنا هَذَا من أيقظنا من منامنا, وهو من قولهم: بعث فلان ناقته فـانبعثت, إذا أثارها فثارت. وقد ذُكر أن ذلك فـي قراءة ابن مسعود: «مَنْ أهَبّنا مِنْ مَرْقَدِنا هَذَا». وفـي قوله: هَذَا وجهان: أحدهما: أن تكون إشارة إلـى «ما», ويكون ذلك كلاما مبتدأ بعد تناهي الـخبر الأوّل بقوله: مَنْ بَعَثَنا مِنْ مَرْقَدِنا فتكون «ما» حينئذٍ مرفوعة بهذا, ويكون معنى الكلام: هذا وعد الرحمن وصدق الـمرسلون. والوجه الاَخر: أن تكون من صفة الـمرقد, وتكون خفضا وردّا علـى الـمرقد, وعند تـمام الـخبر عن الأوّل, فـيكون معنى الكلام: من بعثنا من مرقدنا هذا, ثم يبتدىء الكلام فـيقال: ما وعدَ الرحمن, بـمعنى: بعثكم وعد الرحمن, فتكون «ما» حينئذٍ رفعا علـى هذا الـمعنى.
وقد اختلف أهل التأويـل فـي الذي يقول حينئذٍ: هذا ما وعد الرحمن, فقال بعضهم: يقول ذلك أهل الإيـمان بـالله. ذكر من قال ذلك:
22337ـ حدثنـي الـحارث, قال: حدثنا الـحسن, قال: حدثنا ورقاء, عن ابن أبـي نـجيح, عن مـجاهد: هَذَا ما وَعَدَ الرّحمَنُ مـما سرّ الـمؤمنون يقولون هذا حين البعث.
22338ـ حدثنا بشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة, فـي قوله: هَذَا ما وَعَدَ الرّحمَنُ وَصَدَقَ الـمُرْسَلُونَ قال: قال أهل الهدى: هذا ما وعد الرحمن وصدق الـمرسلون.
وقال آخرون: بل كلا القولـين, أعنـي يا وَيْـلَنا مَنْ بَعثَنا مِنْ مَرْقَدِنا هَذَا ما وَعَدَ الرّحْمَنُ وَصَدَق الـمُرْسَلُونَ من قول الكفـار. ذكر من قال ذلك:
22339ـ حدثنـي يونس, قال: أخبرنا ابن وهب, قال: قال ابن زيد, فـي قوله: يا وَيْـلَنَا مَنْ بَعَثَنَا مِنْ مَرْقَدِنا ثم قال بعضهم لبعض: هَذَا ما وَعَدَ الرّحْمَنُ وَصَدَقَ الـمُرْسَلُونَ كانوا أخبرونا أنا نبعث بعد الـموت, ونُـحاسب ونُـجازَى.
والقول الأوّل أشبه بظاهر التنزيـل, وهو أن يكون من كلام الـمؤمنـين, لأن الكفـار فـي قـيـلهم: مَنْ بَعَثَنا مِنْ مَرْقَدِنا دلـيـل علـى أنهم كانوا بـمن بعثهم من مَرْقَدهم جُهّالاً, ولذلك من جهلهم استثبتوا, ومـحال أن يكونوا استثبتوا ذلك إلاّ من غيرهم, مـمن خالفت صفته صفتهم فـي ذلك.
وقوله: إنْ كانَتْ إلاّ صَيْحَةً وَاحِدَةً فإذَا هُمْ جَمِيعٌ لَدَيْنا مُـحْضَرُونَ يقول تعالـى ذكره: إن كانت إعادتهم أحياء بعد مـماتهم إلا صيحة واحدة, وهي النفخة الثالثة فـي الصور فإذَا هُمْ جَمِيعٌ لَدَيْنا مُـحْضَرُونَ يقول: فإذا هم مـجتـمعون لدينا قد أُحضروا, فأُشهدوا مَوْقـفَ العرض والـحساب, لـم يتـخـلف عنه منهم أحد. وقد بـينا اختلاف الـمختلفـين فـي قراءتهم إلاّ صَيْحَةً بـالنصب والرفع فـيـما مضى, بـما أغنى عن إعادته فـي هذا الـموضع