تفسير الطبري تفسير الصفحة 459 من المصحف

 تفسير الطبري - صفحة القرآن رقم 459
460
458
 الآية : 6
!!!======== غير موجودة بالأصل =============!!!
الآية : 7
القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {إِن تَكْفُرُواْ فَإِنّ اللّهَ غَنِيّ عَنكُمْ وَلاَ يَرْضَىَ لِعِبَادِهِ الْكُفْرَ وَإِن تَشْكُرُواْ يَرْضَهُ لَكُمْ وَلاَ تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَىَ ثُمّ إِلَىَ رَبّكُمْ مّرْجِعُكُـمْ فَيُنَبّئُكُـمْ بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ إِنّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصّدُورِ }.
اختلف أهل التأويـل فـي تأويـل قوله: إنْ تَكْفُرُوا فإنّ اللّهَ غَنـيّ عَنْكُمْ وَلا يَرْضَى لعِبـادِهِ الكُفْرَ فقال بعضهم: ذلك لـخاص من الناس, ومعناه: إن تكفروا أيها الـمشركون بـالله, فإن الله غنـي عنكم, ولا يرضى لعبـاده الـمؤمنـين الذين أخـلصهم لعبـادته وطاعته الكفر. ذكر من قال ذلك:
23140ـ حدثنـي علـي قال: حدثنا أبو صالـح, قال: ثنـي معاوية, عن علـي, عن ابن عبـاس, قوله: إنْ تَكْفُرُوا فإنّ اللّهَ غَنِـيٌ عَنْكُمْ وَلا يَرْضَى لِعِبـادِهِ الكُفْرَ يعنـي الكفـار الذين لـم يرد الله أن يطهر قلوبهم, فـيقولوا: لا إله إلا الله, ثم قال: وَلا يَرْضَى لِعِبـادِهِ الكُفْرَ وهم عبـاده الـمخـلصون الذين قال فـيهم: إنّ عِبـادِي لَـيْسَ لَكَ عَلَـيْهمْ سُلْطانٌ فألزمهم شهادة أن لا إله إلا الله وحَبّبها إلـيهم.
23141ـ حدثنا مـحمد, قال: حدثنا أحمد, قال: حدثنا أسبـاط, عن السدي وَلا يَرْضَى لِعِبـادِهِ الكُفْرَ قال: لا يرضى لعبـاده الـمؤمنـين أن يكفروا.
وقال آخرون: بل ذلك عام لـجميع الناس, ومعناه: أيها الناس إن تكفروا, فإن الله غنـي عنكم, ولا يرضى لكم أن تكفروا به.
والصواب من القول فـي ذلك ما قال الله جلّ وعزّ: إن تكفروا بـالله أيها الكفـار به, فإن غنـيّ عن إيـمانكم وعبـادتكم إياه, ولا يرضى لعبـاده الكفر, بـمعنى: ولا يرضى لعبـاده أن يكفروا به, كما يقال: لست أحب الظلـم, وإن أحببت أن يظلـم فلان فلانا فـيعاقب.
وقوله: وَإنْ تَشْكُرُوا يَرْضَهُ لَكُمْ يقول: وإن تؤمنوا بربكم وتطيعوه يرض شكركم له, وذلك هو إيـمانهم به وطاعتهم إياه, فكنى عن الشكر ولـم يُذْكر, وإنـما ذكر الفعل الدالّ علـيه, وذلك نظير قوله: الّذِينَ قالَ لَهُمُ النّاسُ إنّ النّاسُ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فـاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُم إِيـمانا بـمعنى: فزادهم قول الناس لهم ذلك إيـمانا. وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك:
23142ـ حدثنا مـحمد, قال: حدثنا أحمد, قال: حدثنا أسبـاط, عن السديّ وَإنْ تَشْكُرُوا يَرْضَهُ لَكُمْ قال: إن تطيعوا يرضه لكم.
وقوله: وَلا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى يقول: لا تأثم آثمة إثم آثمة أخرى غيرها, ولا تؤاخذ إلا بإثم نفسها, يُعْلِـم عزّ وجلّ عبـاده أن علـى كلّ نفس ما جنت, وأنها لا تؤاخذ بذنب غيرها. ذكر من قال ذلك:
23143ـ حدثنا مـحمد, قال: حدثنا أحمد, قال: حدثنا أسبـاط, عن السديّ وَلا تَزرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى قال: لا يؤخذ أحد بذنب أحد.
وقوله: ثُمّ إلـى رَبّكُمْ مَرْجِعُكُمْ فَـيُنَبّئُكُمْ بِـمَا كُنْتُـمْ تَعْمَلُونَ يقول تعالـى ذكره: ثم بعد اجتراحكم فـي الدنـيا ما اجترحتـم من صالـح وسيىء, وإيـمان وكفر أيها الناس, إلـى ربكم مصيركم من بعد وفـاتكم, فـينبئكم يقول: فـيخبركم بـما كنتـم فـي الدنـيا تعملونه من خير وشرّ, فـيجازيكم علـى كلّ ذلك جزاءكم, الـمـحسن منكم بإحسانه, والـمسيء بـما يستـحقه يقول عزّ وجلّ لعبـاده: فـاتقوا أن تلقوا ربكم وقد عملتـم فـي الدنـيا بـما لا يرضاه منكم تهلكوا, فإنه لا يخفـى علـيه عمل عامل منكم.
وقوله: إنّهُ عَلِـيـمٌ بذاتِ الصّدُورِ يقول تعالـى ذكره: إن الله لا يخفـى علـيه ما أضمرته صدوركم أيها الناس مـما لا تُدركه أعينكم, فكيف بـما أدركته العيون ورأته الأبصار. وإنـما يعنـي جلّ وعزّ بذلك الـخبر عن أنه لا يخفـى علـيه شيء, وأنه مُـحصٍ علـى عبـاده أعمالهم, لـيجازيهم بها كي يتقوه فـي سرّ أمورهم وعلانـيتها.
الآية : 8
القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {وَإِذَا مَسّ الإِنسَانَ ضُرّ دَعَا رَبّهُ مُنِيباً إِلَيْهِ ثُمّ إِذَا خَوّلَهُ نِعْمَةً مّنْهُ نَسِيَ مَا كَانَ يَدْعُوَ إِلَيْهِ مِن قَبْلُ وَجَعَلَ لِلّهِ أَندَاداً لّيُضِلّ عَن سَبِيلِهِ قُلْ تَمَتّعْ بِكُفْرِكَ قَلِيلاً إِنّكَ مِنْ أَصْحَابِ النّارِ }.
يقول تعالـى ذكره: وإذا مسّ الإنسان بلاء فـي جسده من مرض, أو عاهة, أو شدّة فـي معيشته, وجهد وضيق دَعا رَبّهُ يقول: استغاث بربه الذي خـلقه من شدّة ذلك, ورغب إلـيه فـي كشف ما نزل به من شدّة ذلك. وقوله: مُنِـيبـا إلَـيْهِ يقول: تائبـا إلـيه مـما كان من قبل ذلك علـيه من الكفر به, وإشراك الاَلهة والأوثان به فـي عبـادته, راجعا إلـى طاعته. وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك: 23144ـ حدثنا بشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة, قوله: وَإذَا مَسّ الإنْسانَ ضُرّ قال: الوجع والبلاء والشدّة دَعا رَبّهُ مُنِـيبـا إلَـيْهِ قال: مستغيثا به.
وقوله: ثُمّ إذَا خَوّلَهُ نَعْمَةً مِنْهُ يقول تعالـى ذكره: ثم إذا منـحه ربه نعمة منه, يعنـي عافـية, فكشف عنه ضرّه, وأبدله بـالسقم صحة, وبـالشدة رخاء. والعرب تقول لكلّ من أعطى غيره من مال أو غيره: قد خوّله ومنه قول أبـي النـجْم العِجْلِـيّ:
أعْطَى فَلْـم يَبْخَـلْ ولَـمْ يُبَخّـلِكُومَ الذّرَا مِنْ خَوَلِ الـمُخَوّلِ
وحدثت عن أبـي عُبـيدة معمر بن الـمثنى أنه قال: سمعت أبـا عمرو يقول فـي بـيت زُهَيْر:
هُنالِكَ إنْ يُسْتَـخْوَلُوا الـمَالَ يُخْوِلواوإنْ يُسْأَلُوا يُعْطوا وَإنْ يَـيْسِرُوا يُغْلوا
قال معمر: قال يونس: إنـما سمعناه:
هُنالكَ إنْ يُسْتَـخْبَلُوا الـمَالَ يُخْبِلوا
قال: وهي بـمعناها. وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك:
23145ـ حدثنا مـحمد, قال: حدثنا أحمد, قال: حدثنا أسبـاط, عن السديّ ثُمّ إذَا خَوّلَهُ نِعْمَةً مِنْهُ: إذا أصابته عافـية أو خير.
وقوله: نَسِيَ ما كانَ يَدْعُو إلَـيْهِ مِنْ قَبْلُ يقول: ترك دعاءه الذي كان يدعو إلـى الله من قبل أن يكشف ما كان به من ضرّ وَجَعَلِ لِلّهِ أنْدَادا يعنـي: شركاء. وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك:
23146ـ حدثنا مـحمد, قال: حدثنا أحمد, قال: حدثنا أسبـاط, عن السديّ نَسِيَ يقول: ترك, هذا فـي الكافر خاصة.
ول«ما» التـي فـي قوله: نَسِيَ ما كانَ وجهان: أحدهما: أن يكون بـمعنى الذي, ويكون معنى الكلام حينئذٍ: ترك الذي كان يدعوه فـي حال الضرّ الذي كان به, يعنـي به الله تعالـى ذكره, فتكون «ما» موضوعة عند ذلك موضع «مَنْ» كما قـيـل: وَلا أنْتُـمْ عابِدُونَ ما أعْبُدُ يعنـي به الله, وكما قـيـل: فـانْكِحُوا ما طابَ لَكُمْ مِنَ النّساءِ. والثانـي: أن يكون بـمعنى الـمصدر علـى ما ذكرت. وإذا كانت بـمعنى الـمصدر, كان فـي الهاء التـي فـي قوله: إلَـيْهِ وجهان: أحدهما: أن يكون من ذكر ما. والاَخر: من ذكر الربّ.
وقوله: وَجَعَلَ لِلّهِ أنْدَادا يقول: وجعل لله أمثالاً وأشبـاها.
ثم اختلف أهل التأويـل فـي الـمعنى الذي جعلوها فـيه له أندادا, قال بعضهم: جعلوها له أندادا فـي طاعتهم إياه فـي معاصي الله. ذكر من قال ذلك:
23147ـ حدثنا مـحمد, قال: حدثنا أحمد, قال: حدثنا أسبـاط, عن السديّ وَجَعَلَ لِلّهِ أنْدَادا قال: الأنداد من الرجال: يطيعونهم فـي معاصي الله.
وقال آخرون: عنى بذلك أنه عبد الأوثان, فجعلها لله أندادا فـي عبـادتهم إياها.
وأولـى القولـين فـي ذلك بـالصواب قول من قال: عَنَى به أنه أطاع الشيطان فـي عبـادة الأوثان, فجعل له الأوثان أندادا, لأن ذلك فـي سياق عتاب الله إياهم له علـى عبـادتها.
وقوله: لِـيُضِلّ عَنْ سَبِـيـلِهِ يقول: لـيزيـل من أراد أن يوحد الله ويؤمن به عن توحيده, والإقرار به, والدخول فـي الإسلام. وقوله: قُلْ تَـمَتّعْ بكُفْرِكَ قَلِـيلاً يقول تعالـى ذكره لنبـيه مـحمد صلى الله عليه وسلم: قل يا مـحمد لفـاعل ذلك: تـمتع بكفرك بـالله قلـيلاً إلـى أن تستوفَـي أجلك, فتأتـيك منـيتك إنّكَ مِنْ أصحَابِ النّارِ: أي إنك من أهل النار الـماكثـين فـيها.
وقوله: تَـمَتّعْ بِكُفْرِكَ: وعيد من الله وتهدّدٌ.
الآية : 9
القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {أَمّنْ هُوَ قَانِتٌ آنَآءَ اللّيْلِ سَاجِداً وَقَآئِماً يَحْذَرُ الاَخِرَةَ وَيَرْجُواْ رَحْمَةَ رَبّهِ قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالّذِينَ لاَ يَعْلَمُونَ إِنّمَا يَتَذَكّرُ أُوْلُو الألْبَابِ }.
اختلفت القرّاء فـي قراءة قوله: أمّنْ فقرأ ذلك بعض الـمكيـين وبعض الـمدنـيـين وعامة الكوفـيـين: «أمَنْ» بتـخفـيف الـميـم ولقراءتهم ذلك كذلك وجهان: أحدهما أن يكون الألف فـي «أمّن» بـمعنى الدعاء, يراد بها: يا من هو قانت آناء اللـيـل, والعرب تنادي بـالألف كما تنادي بـيا, فتقول: أزيد أقبِلْ, ويا زيد أَقبِلْ ومنه قول أوس بن حجر:
أَبَنِـي لُبَـيْنَى لَسْتُـمُ بِـيَدٍإلاّ يَدٌ لَـيْسَتْ لَهَا عَضُدُ
وإذا وجهت الألف إلـى النداء كان معنى الكلام: قل تـمتع أيها الكافر بكفرك قلـيلاً, إنك من أصحاب النار, ويا من هو قانت آناء اللـيـل ساجدا وقائما إنك من أهل الـجنة, ويكون فـي النار عمى للفريق الكافر عند الله من الـجزاء فـي الاَخرة, الكفـاية عن بـيان ما للفريق الـمؤمن, إذ كان معلوما اختلاف أحوالهما فـي الدنـيا, ومعقولاً أن أحدهما إذا كان من أصحاب النار لكفره بربه أن الاَخر من أصحاب الـجنة, فحذف الـخبر عما له, اكتفـاء بفهم السامع الـمراد منه من ذكره, إذ كان قد دلّ علـى الـمـحذوف بـالـمذكور. والثانـي: أن تكون الألف التـي فـي قوله: «أمَنْ» ألف استفهام, فـيكون معنى الكلام: أهذا كالذي جعل لله أندادا لـيضلّ عن سبـيـله, ثم اكتفـى بـما قد سبق من خبر الله عن فريق الكفر به من أعدائه, إذ كان مفهوما الـمراد بـالكلام, كما قال الشاعر:
فَأُقْسِمُ لَوْ شَيْءٌ أتانا رَسُولُهُسِوَاكَ وَلَكِنْ لَـمْ نَـجِدْ لَكَ مَدْفَعا
فحذف لدفعناه وهو مراد فـي الكلام إذ كان مفهوما عند السامع مراده. وقرأ ذلك بعض قرّاء الـمدينة والبصرة وبعض أهل الكوفة: أمّنْ بتشديد الـميـم, بـمعنى: أم من هو؟ ويقولون: إنـما هي أمّنْ استفهام اعترض فـي الكلام بعد كلام قد مضى, فجاء بأم فعلـى هذا التأويـل يجب أن يكون جواب الاستفهام متروكا من أجل أنه قد جرى الـخير عن فريق الكفر, وما أعدّ له فـي الاَخرة, ثم أتبع الـخبر عن فريق الإيـمان, فعلـم بذلك الـمراد, فـاستغنـي بـمعرفة السامع بـمعناه من ذكره, إذ كان معقولاً أن معناه: هذا أفضل أم هذا؟.
والقول فـي ذلك عندنا أنهما قراءتان قرأ بكل واحدة علـماء من القرّاء مع صحة كلّ واحدة منهما فـي التأويـل والإعراب, فبأيتهما قرأ القارىء فمصيب.
وقد ذكرنا اختلاف الـمختلفـين, والصواب من القول عندنا فـيـما مضى قبل فـي معنى القانت, بـما أغنى عن إعادته فـي هذا الـموضع غير أنا نذكر بعض أقوال أهل التأويـل فـي ذلك فـي هذا الـموضع, لـيعلـم الناظر فـي الكتاب اتفـاق معنى ذلك فـي هذا الـموضع وغيره, فكان بعضهم يقول: هو فـي هذا الـموضع قراءة القارىء قائما فـي الصلاة. ذكر من قال ذلك:
23148ـ حدثنا ابن الـمثنى, قال: حدثنا يحيى, عن عبـيد الله, أنه قال: أخبرنـي نافع, عن ابن عمر, أنه كان إذا سُئل عن القنوت, قال: لا أعلـم القنوت إلا قراءة القرآن وطول القـيام, وقرأ: أمّنْ هُوَ قانِتٌ آناءَ اللّـيْـلِ ساجِدا وقائما.
وقال آخرون: هو الطاعة. ذكر من قال ذلك:
23149ـ حدثنـي مـحمد بن سعد, قال: ثنـي أبـي, قال: ثنـي عمي, قال: ثنـي أبـي, عن أبـيه, عن ابن عبـاس, قوله: أَمّنْ هُوْ قانِتٌ يعنـي بـالقنوت: الطاعة, وذلك أنه قال: ثُمّ إذَا دَعاكُمْ دَعْوَةً مِنَ الأرْضِ إذَا أنْتُـمْ تَـخْرُجُونَ... إلـى كُلّ لَهُ قانِتُونَ قال: مطيعون.
23150ـ حدثنا مـحمد, قال: حدثنا أحمد, قال: حدثنا أسبـاط, عن السديّ, فـي قوله: أَمّنْ هُو قانِتٌ آناءَ اللّـيْـلِ ساجِدا وَقائما قال: القانت: الـمطيع.
وقوله: آناءَ اللّـيْـلِ يعنـي: ساعات اللـيـل, كما:
23151ـ حدثنا بشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة, قوله: أَمّنْ هُوَ قانتٌ آناءَ اللّـيْـلِ أوّله, وأوسطه, وآخره.
23152ـ حدثنا مـحمد بن الـحسين, قال: حدثنا أحمد, قال: حدثنا أسبـاط, عن السديّ آناءَ اللّـيْـلِ قال: ساعات اللـيـل.
وقد مضى بـياننا عن معنى الاَناء بشواهده, وحكاية أقوال أهل التأويـل فـيها بـما أغنى عن إعادته فـي هذا الـموضع.
وقوله: ساجِدا وَقائما يقول: يقنت ساجدا أحيانا, وأحيانا قائما, يعنـي: يطيع والقنوت عندنا الطاعة, ولذلك نصب قوله: ساجِدا وَقائما لأن معناه: أمّن هو يقنت آناء اللـيـل ساجدا طورا, وقائما طورا, فهما حال من قانت. وقوله: يَحْذَرُ الاَخِرَةَ يقول: يحذر عذابَ الاَخرة, كما:
23153ـ حدثنا علـيّ بن الـحسن الأزديّ. قال: حدثنا يحيى بن الـيـمان, عن أشعث, عن جعفر, عن سعيد بن جُبَـير, عن ابن عبـاس, فـي قوله: يَحْذَرُ الاَخِرَةَ قال: يحذر عقاب الاَخرة, ويرجو رحمة ربه, يقول: ويرجو أن يرحمه الله فـيدخـله الـجنة.
وقوله: قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الّذِينَ يَعْلَـمُونَ وَالّذِينَ لا يَعْلَـمُونَ يقول تعالـى ذكره: قل يا مـحمد لقومك: هل يستوي الذين يعلـمون ما لهم فـي طاعتهم لربهم من الثواب, وما علـيهم فـي معصيتهم إياه من التبعات, والذين لا يعلـمون ذلك, فهم يخبطون فـي عشواء, لا يجرجون بحسن أعمالهم خيرا, ولا يخافون بسيّئها شرا؟ يقول: ما هذان بـمتساويـين. وقد رُوي عن أبـي جعفر مـحمد بن علـي فـي ذلك ما:
23154ـ حدثنـي مـحمد بن خـلف, قال: ثنـي نصر بن مزاحم, قال: حدثنا سفـيان الـجريري, عن سعيد بن أبـي مـجاهد, عن جابر, عن أبـي جعفر, رضوان الله علـيه هَلْ يَسْتَوي الّذِينَ يَعْلَـمُونَ وَالّذِينَ لا يَعْلَـمُونَ قال: نـحن الذين يعلـمون, وعدوّنا الذين لا يعلـمون.
وقوله: إنّـمَا يَتَذَكّرُ أُولُو الألْبـابِ يقول تعالـى ذكره: إنـما يعتبر حجج الله, فـيتعظ, ويتفكر فـيها, ويتدبرها أهلُ العقول والـحجى, لا أهل الـجهل والنقص فـي العقول.
الآية : 10
القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {قُلْ يَعِبَادِ الّذِينَ آمَنُواْ اتّقُواْ رَبّكُمْ لِلّذِينَ أَحْسَنُواْ فِي هَـَذِهِ الدّنْيَا حَسَنَةٌ وَأَرْضُ اللّهِ وَاسِعَةٌ إِنّمَا يُوَفّى الصّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ }.
يقول تعالـى ذكره لنبـيه مـحمد صلى الله عليه وسلم: قُلْ يا مـحمد لعبـادي الذين آمنوا: يا عِبـادِ الّذِينَ آمَنُوا بـالله, وصدقوا رسوله اتّقُوا رَبّكُمْ بطاعته واجتناب معاصيه لِلّذِينَ أحْسَنُوا فِـي هَذِهِ الدّنـيْا حَسَنَةٌ.
ثم اختلف أهل التأويـل فـي تأويـل ذلك, فقال بعضهم: معناه: للذين أطاعوا الله حسنة فـي هذه الدنـيا وقال «فـي» من صلة حسنة, وجعل معنى الـحسنة: الصحة والعافـية. ذكر من قال ذلك:
23155ـ حدثنا مـحمد, قال: حدثنا أحمد, قال: حدثنا أسبـاط, عن السديّ لِلّذِينَ أحْسَنُوا فِـي هَذِهِ الدّنـيْا حَسَنَةٌ قال: العافـية والصحة.
وقال آخرون «فـي» من صلة أحسنوا, ومعنى الـحسنة: الـجنة.
وقوله: وأرْضُ اللّهُ وَاسِعَةٌ يقول تعالـى ذكره: وأرض الله فسيحة واسعة, فهاجروا من أرض الشرك إلـى دار الإسلام, كما:
23156ـ حدثنـي مـحمد بن عمرو, قال: حدثنا أبو عاصم, قال: حدثنا عيسى وحدثنـي الـحارث, قال: حدثنا الـحسن, قال: حدثنا ورقاء جميعا عن ابن أبـي نـجيح, عن مـجاهد, قوله: وأرْضُ اللّهِ وَاسعَةٌ فهاجروا واعتزلوا الأوثان.
وقوله: إنّـمَا يُوَفّـى الصّابُرُونَ أجْرَهُمْ بغَيرِ حسابٍ يقول تعالـى ذكره: إنـما يعطي الله أهل الصبر علـى ما لقوا فـيه فـي الدنـيا أجرهم فـي الاَخرة بغير حساب يقول: ثوابهم بغير حساب. وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك:
23157ـ حدثنا بشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة إنّـما يُوَفّـى الصّابرُونَ أجْرَهُمْ بغَيْرِ حسابٍ لا والله ما هنا كُم مِكيال ولا ميزان.
23158ـ حدثنا مـحمد, قال: حدثنا أحمد, قال: حدثنا أسبـاط, عن السديّ إنّـما يُوَفّـى الصّابرُونَ أجْرَهُمْ بَغْيرِ حسابٍ قال: فـي الـجنة