تفسير الطبري تفسير الصفحة 474 من المصحف

 تفسير الطبري - صفحة القرآن رقم 474
475
473
 الآية : 59-60
القول فـي تأويـل قوله تعالى: {إِنّ السّاعَةَ لاَتِيَـةٌ لاّ رَيْبَ فِيهَا وَلَـَكِنّ أَكْثَرَ النّاسِ لاَ يُؤْمِنُونَ * وَقَالَ رَبّكُـمْ ادْعُونِيَ أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنّ الّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنّمَ دَاخِرِينَ }.
يقول تعالى ذكره: إن الساعة التي يحيي الله فيها الموتى للثواب والعقاب لجائية أيها الناس لا شكّ في مجيئها يقول: فأيقنوا بمجيئها, وأنكم مبعوثون من بعد مماتكم, ومجازون بأعمالكم, فتوبوا إلى ربكم وَلَكِنّ أكْثَرَ النّاسِ لا يُوءْمِنُونَ يقول: ولكن أكثر قريش لا يصدّقون بمجيئها.
وقوله: وَقالَ رَبّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِيبْ لَكُمْ يقول تعالى ذكره: ويقول ربكم أيها الناس لكم ادعوني: يقول: اعبدوني وأخلصوا لي العبادة دون من تعبدون من دون الأوثان والأصنام وغير ذلك أسْتَجِبْ لَكُمْ يقول: أُجِبْ دعاءكم فأعفو عنكم وأرحمكم. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك:
23428ـ حدثني عليّ, قال: حدثنا عبد الله, قال: ثني معاوية, عن عليّ, عن ابن عباس, قوله: ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ يقول: وحّدوني أغفر لكم.
23429ـ حدثنا عمرو بن عليّ, قال: حدثنا عبد الله بن داود, عن الأعمش, عن زرّ, عن يُسَيْع الحضرمي, عن النعمان بن بشير, قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «الدّعاءُ هُوَ العِبادَةُ». وقرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم: وَقَالَ رَبّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إنّ الّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبادَتِي.
حدثنا محمد بن بشار, قال: حدثنا عبد الرحمن, قال: حدثنا سفيان, عن منصور, والأعمش عن زرّ, عن يُسَيْع الحضرمي, عن النعمان بن بشير, قال: سمعت النبيّ صلى الله عليه وسلم يقول: «الدّعاءُ هُوَ العِبادَةُ, وقال رَبّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ... الاَية».
حدثنا محمد بن المثنى, قال: حدثنا محمد بن جعفر, قال: حدثنا شعبة, عن منصور, عن زرّ, عن يُسَيْع قال أبو موسى: هكذا قال غُندَر, عن سعيد, عن منصور, عن زرّ, عن يُسَيْع, عن النعمان بن بشير قال: قال النبيّ صلى الله عليه وسلم: «إنّ الدّعاءُ هُوَ العِبادَةُ» وَقال رَبّكُمُ ادْعُوني أَسْتَجِبْ لَكُمْ.
حدثنا ابن المثنى, قال: حدثنا عبد الرحمن بن مهدي, قال: حدثنا شعبة, عن منصور, عن زرّ, عن يُسَيْع عن النعمان بن بشير, عن النبيّ صلى الله عليه وسلم بمثله.
حدثنا الحسن بن عرفة, قال: حدثنا يوسف بن العرف الباهلي, عن الحسن بن أبي جعفر, عن محمد بن حجادة, عن يسيع الحضرمي, عن النعمان بن بشير, قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إنّ عِبادَتِي دُعائي» ثُم تلا هذه الاَية: وَقال رَبّكُمُ ادْعُوني أَسْتَجِبْ لَكُمْ إنّ الّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَن عِبادَتِي قال: «عَنْ دُعائي».
23430ـ حدثنا عليّ بن سهل, قال: حدثنا مؤمل, قال: حدثنا عمارة, عن ثابت, قال: قالت لأنس: يا أبا حمزة أبلغك أن الدعاء نصف العبادة؟ قال: لا, بل هو العبادة كلها.
حدثنا محمد, قال: حدثنا أحمد, قال: حدثنا أسباط, عن السديّ, قال: أخبرنا منصور, عن زر, عن يسيع الحضرمي, عن النعمان بن بشير, قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «الدّعاءُ هُوَ العبادَةُ, ثم قرأ هذه الاَية وَقال رَبّكُمُ ادْعُوني أَسْتَجِبْ لَكُمْ إنّ الّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَن عِبادَتِي».
23431ـ حدثني يعقوب بن إبراهيم, قال: حدثنا هاشم بن القاسم, عن الأشجعي, قال: قيل لسفيان: ادع الله, قال: إن ترك الذنوب هو الدعاء.
وقوله: إنّ الّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَن عِبادَتِي يقول: إن الذين يتعظمون عن إفرادي بالعبادة, وإفراد الألوهة لي سَيَدْخُلُونَ جَهَنّمَ داخِرِينَ بمعنى: صاغرين. وقد دللنا فيما مضى قبل على معنى الدخر بما أغنى عن إعادته في هذا الموضع.
وقد قيل: إن معنى قوله إنّ الّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَن عِبادَتِي: إن الذين يستكبرون عن دعائي. ذكر من قال ذلك:
23432ـ حدثنا محمد بن الحسين, قال: حدثنا أحمد بن المفضل, قال: حدثنا أسباط, عن السديّ إنّ الّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَن عِبادَتِي قال: عن دعائي.
23433ـ حدثنا محمد, قال: حدثنا أحمد, قال: حدثنا أسباط, عن السديّ داخِرِينَ قال: صاغرين.
الآية : 61
القول فـي تأويـل قوله تعالى: {اللّهُ الّذِي جَعَلَ لَكُمُ اللّيْلَ لِتَسْكُنُواْ فِيهِ وَالنّهَـارَ مُبْصِـراً إِنّ اللّهَ لَذُو فَضْلٍ عَلَى النّاسِ وَلَـَكِنّ أَكْـثَرَ النّاسِ لاَ يَشْكُرُونَ }.
يقول تعالى ذكره: الله الذي لا تصلح الألوهة إلا له, ولا تنبغي العبادة لغيره, الذي صفته أنه جعل لكم أيها الناس الليل سكنا لتسكنوا فيه, فتهدؤوا من التصرفّ والاضطراب للمعاش, والأسباب التي كنتم تتصرفون فيها في نهاركم والنّهارَ مُبْصِرا يقول: وجعل النهار مبصرا من اضطرب فيه لمعاشه, وطلب حاجاته, نعمة منه بذلك عليكم إنّ اللّهَ لَذُو فَضْلِ على النّاسِ يقول: إن الله لمتفضل عليكم أيها الناس بما لا كفء له من الفضل وَلَكِنّ أكْثَرَ النّاسِ لا يَشْكُرُونَ يقول: ولكن أكثرهم لا يشكرونه بالطاعة له, وإخلاص الألوهة والعبادة له, ولا يد تقدمت له عنده استوجب بها منه الشكر عليها.

الآية : 62-63
القول فـي تأويـل قوله تعالى: {ذَلِكُـمُ اللّهُ رَبّـكُمْ خَالِقُ كُـلّ شَيْءٍ لاّ إِلَـَهَ إِلاّ هُوَ فَأَنّىَ تُؤْفَكُونَ * كَذَلِكَ يُؤْفَكُ الّذِينَ كَانُواْ بِآيَاتِ اللّهِ يَجْحَدُونَ }.
يقول تعالى ذكره: الذي فعل هذه الأفعال, وأنعم عليكم هذه النعم أيها الناس, الله مالككم ومصلح أموركم, وهو خالقكم وخالق كلّ شيء لا إلَهَ إلاّ هُوَ يقول: لا معبود تصلح له العبادة غيره, فَأَنّى تُوءْفَكُونَ يقول: فأيّ وجه تأخذون, وإلى أين تذهبون عنه, فتعبدون سواه؟.
وقوله: كَذَلِكَ يُوءْفَكُ الّذِينَ كانُوا بآياتِ اللّهِ يَجْحَدُونَ يقول: كذهابكم عنه أيها القوم, وانصرافكم عن الحقّ إلى الباطل, والرشد إلى الضلال, ذهب عنه الذين كانوا من قبلكم من الأمم بآيات الله, يعني: بحجج الله وأدلته يكذّبون فلا يؤمنون يقول: فسلكتم أنتم معشر قريش مسلكهم, وركبتم محجتهم في الضلال.
الآية : 64-65
القول في تأويل قوله تعالى: {اللّهُ الّذِي جَعَـلَ لَكُـمُ الأرْضَ قَـرَاراً وَالسّمَآءَ بِنَـآءً وَصَوّرَكُـمْ فَأَحْسَنَ صُوَرَكُـمْ وَرَزَقَكُـمْ مّنَ الطّيّبَاتِ ذَلِكُمُ اللّهُ رَبّكُـمْ فَتَـبَارَكَ اللّهُ رَبّ الْعَالَمِينَ * هُوَ الْحَيّ لاَ إِلَـَهَ إِلاّ هُوَ فَـادْعُوهُ مُخْلِصِينَ لَهُ الدّينَ الْحَـمْدُ للّهِ رَبّ الْعَالَمِينَ }.
يقول تعالى ذكره: اللّهُ الذي له الألوهة خالصة أيها الناس الّذي جَعَلَ لَكُمْ الأرْضَ التي أنتم على ظهرها سكان قَرَارا تستقرون عليها, وتسكنون فوقها, والسّماءَ بِناءً: بناها فرفعها فوقكم بغير عمد ترونها لمصالحكم, وقوام دنياكم إلى بلوغ آجالكم وَصَوّرَكمْ فَأحْسَنَ صُوَرَكُمْ يقول: وخلقكم فأحسن خلقكم وَرَزَقَكُمْ مِنَ الطّيّباتِ يقول: ورزقكم من حلال الرزق, ولذيذات المطاعم والمشارب. وقوله: ذَلِكُمُ اللّهُ رَبّكُمْ يقول تعالى ذكره: فالذي فعل هذه الأفعال, وأنعم عليكم أيها الناس هذه النعم, هو الله الذي لا تنبغي الألوهة إلا له, وربكم الذي لا تصلح الربوبية لغيره, لا الذي لا ينفع ولا يضرّ, ولا يخلق ولا يرزق فَتَبارَكَ اللّهُ رَبّ العَالمِينَ يقول: فتبارك الله مالك جميع الخلق جنهم وإنسهم, وسائر أجناس الخلق غيرهم هُوَ الحَيّ يقول: هو الحيّ الذي لا يموت, الدائم الحياة, وكل شيء سواه فمنقطع الحياة غير دائمها لا إلَهَ إلاّ هُوَ يقول: لا معبود بحقّ تجوز عبادته, وتصلح الألوهة له إلا الله الذي هذه الصفات صفاته, فادعوه أيها الناس مخلصين له الدين, مخلصين له الطاعة, مفردين له الألوهة, لا تشركوا في عبادته شيئا سواه, من وثن وصنم, ولا تجعلوا له ندا ولا عِدلاً الحَمْدُ للّهِ رَبّ العَالمِينَ يقول: الشكر لله الذي هو مالك جميع أجناس الخلق, من مَلك وجنّ وإنس وغيرهم, لا للاَلهة والأوثان التي لا تملك شيئا, ولا تقدر على ضر ولا نفع, بل هو مملوك, إن ناله نائل بسوء لم يقدر له عن نفسه دفعا.
وكان جماعة من أهل العلم يأمرون من قال: لا إله إلا الله, أن يتبع ذلك: الحَمْدُ لِلّهِ رَبّ العَالمِينَ تأولاً منهم هذه الاَية, بأنها أمر من الله بقيل ذلك. ذكر من قال ذلك:
23434ـ حدثني محمد بن عليّ بن الحسن بن شقيق, قال: سمعت أبي, قال: أخبرنا الحسين بن واقد, قال: حدثنا الأعمش, عن مجاهد, عن ابن عباس, قال: من قال لا إله إلا الله, فليقل على إثرها: الحمد لله رب العالمين, فذلك قوله: فادْعُوهُ مُخْلِصِينَ لَهُ الدّينَ الحَمْدُ لِلّهِ رَبّ العَالَمِينَ».
23435ـ حدثنا عبد الحميد بن بيان السكري قال: حدثنا محمد بن يزيد, عن إسماعيل, عن سعيد بن جبير, قال: «إذا قال أحدكم: لا إله إلا الله وحده لا شريك له, فليقل: الحمد لله ربّ العالمين, ثم قال: فادْعُوهُ مُخْلِصِينَ لَهُ الدّينَ الحَمْدُ لِلّهِ رَبّ العَالَمِينَ.
23436ـ حدثني محمد بن عبد الرحمن, قال: حدثنا محمد بن بشر, قال: حدثنا إسماعيل بن أبي خالد, عن سعيد بن جُبير أنه كان يستجب إذا قال: لا إله إلا الله, يتبعها الحمد لله, ثم قرأ هذه الاَية: هُوَ الحَيّ لا إلَهَ إلاّ هُوَ فادْعُوهُ مُخْلِصِينَ لَهُ الدّينَ الحَمْدُ لِلّهِ رَبّ العَالَمِينَ.
حدثني محمد بن عمارة, قال: حدثنا عبيد الله بن موسى, قال: أخبرنا إسماعيل بن أبي خالد, عن عامر, عن سعيد بن جبير, قال: إذ قال أحدكم لا إله إلا الله وحده, فليقل بأثرها: الحمد لله رب العالمين, ثم قرأ فادْعُوهُ مُخْلِصِينَ لَهُ الدّينَ الحَمْدُ لِلّهِ رَبّ العَالَمِينَ}.
الآية : 66
القول في تأويل قوله تعالى: {قُلْ إِنّي نُهِيتُ أَنْ أَعْبُدَ الّذِينَ تَدْعُونَ مِن دُونِ اللّهِ لَمّا جَآءَنِيَ الْبَيّنَاتُ مِن رّبّي وَأُمِرْتُ أَنْ أُسْلِمَ لِرَبّ الْعَالَمِينَ }.
يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم: قل يا محمد لمشركي قومك من قريش إنّي نُهِيتُ أيها القوم أنْ أَعْبُدَ الّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللّهِ من الاَلهة والأوثان لَمّا جاءَنِي البَيّناتُ مِنْ رَبّي يقول: لما جاءني الاَيات الواضحات من عند ربي, وذلك آيات كتاب الله الذي أنزله وأمِرْت أنْ أُسْلِمَ لِرَب العَالَمِينَ يقول: وأمرني ربي أن أذلّ لربّ كلّ شيء, ومالك كلّ خلق بالخضوع, وأخضع له بالطاعة دون غيره من الأشياء