تفسير الطبري تفسير الصفحة 491 من المصحف

 تفسير الطبري - صفحة القرآن رقم 491
492
490
 الآية : 23
القول في تأويل قوله تعالى: {وَكَذَلِكَ مَآ أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ فِي قَرْيَةٍ مّن نّذِيرٍ إِلاّ قَالَ مُتْرَفُوهَآ إِنّا وَجَدْنَآ آبَآءَنَا عَلَىَ أُمّةٍ وَإِنّا عَلَىَ آثَارِهِم مّقْتَدُونَ }.
يقول تعالى ذكره: وهكذا كما فعل هؤلاء المشركون من قريش فعل من قبلهم من أهل الكفر بالله, وقالوا مثل قولهم, لم نرسل مِن قبلك يا محمد في قرية, يعني إلى أهلها رسلاً تنذرهم عقابنا على كفرهم بنا فأنذروهم وحذّروهم سخطنا, وحلول عقوبتنا بهم إلاّ قال مُتْرَفوها, وهم رؤساؤهم وكبراؤهم. كما:
23811ـ حدثنا محمد بن عبد الأعلى, قال: حدثنا محمد بن ثور, عن معمر, عن قتادة, في قوله: إلاّ قالَ مُتْرَفُوها قال: رؤساؤهم وأشرافهم.
حدثنا بشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة, قوله: وكَذلكَ ما أرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ فِي قَرْيَةٍ مِنْ نَذِيرٍ إلاّ قالَ مُتْرَفُوها قادتهم ورؤوسهم في الشرك.
وقوله: إنّا وَجَدْنا آباءَنا على أُمّةٍ يقول: قالوا: إنا وجدنا آباءنا على ملة ودين وَإنّا على آثارِهِمْ يعني: وإنا على منهاجهم وطريقتهم مقتدون بفعلهم نفعل كالذي فعلوا, ونعبد ما كانوا يعبدون يقول جلّ ثناؤه لمحمد صلى الله عليه وسلم: فإنما سلك مشركو قومك منهاج من قبلهم من إخوانهم من أهل الشرك بالله في إجابتهم إياك بما أجابوك به, وردّهم ما ردّوا عليك من النصيحة, واحتجاجهم بما احتجوا به لمُقامهم على دينهم الباطل. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك:
23812ـ حدثني محمد بن عمرو, قال: حدثنا أبو عاصم, قال: حدثنا عيسى وحدثني الحارث, قال: حدثنا الحسن, قال: حدثنا ورقاء جميعا, عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد, قوله: وَإنّا على آثارِهِمْ مُقْتَدُونَ قال بفعلهم.
23813ـ حدثنا بشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة وَإنّا على آثارِهِمْ مُقْتَدُونَ فاتبعوهم على ذلك.
الآية : 24
القول في تأويل قوله تعالى: {قُلْ أَوَلَوْ جِئْتُكُمْ بِأَهْدَىَ مِمّا وَجَدتّمْ عَلَيْهِ آبَآءَكُمْ قَالُوَاْ إِنّا بِمَآ أُرْسِلْتُمْ بِهِ كَافِرُونَ }.
يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم: قل يا محمد لهؤلاء المشركين من قومك, القائلين إنا وجدنا آباءنا على أمة وإنا على آثارهم مقتدون أوَ لَوْ جِئْتُكُمْ أيها القوم من عند ربكم بأَهْدَى إلى طريق الحقّ, وأدلّ لكم على سبيل الرشاد مِمّا وَجَدْتُمْ أنتم عليه آباءكم من الدين والمِلّة, قالُوا إنّا بِمَا أُرْسِلْتُمْ بِهِ كافِرُونَ يقول: فقال ذلك لهم, فأجابوه بأن قالوا له كما قال الذين من قبلهم من الأمم المكذّبة رسلها لأنبيائها: إنا بما أرسلتم به يا أيها القوم كافرون, يعني: جاحدون منكرون. وقرأ ذلك قرّاء الأمصار سوى أبي جعفر قُلْ أوَ لَوْ جِئْتُكُمْ بالتاء. وذُكر عن أبي جعفر القارىء أنه قرأه «قُلْ أوَ لَوْ جِئْناكُمْ» بالنون والألف. والقراءة عندنا ما عليه قرّاء الأمصار لإجماع الحجة عليه.
الآية : 25
القول في تأويل قوله تعالى: {فَانتَقَمْنَا مِنْهُمْ فَانظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذّبِينَ }.
يقول تعالى ذكره: فانتقمنا من هؤلاء المكذّبة رسلها من الأمم الكافرة بربها, بإحلالنا العقوبة بهم, فانظر يا محمد كيف كان عقبى أمرهم, إذ كذّبوا بآيات الله. ويعني بقوله: عاقِبَةُ المُكَذّبِينَ آخر أمر الذين كذّبوا رسل الله إلام صار, يقول: ألم نهلكهم فنجعلهم عبرة لغيرهم؟ كما:
23814ـ حدثنا بشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة فانْتَقَمْنا مِنْهُمْ فانْظُرْ كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ المُكَذّبِينَ قال: شرّ والله, أخذهم بخسف وغرق, ثم أهلكهم فأدخلهم النار.
الآية : 26-28
القول في تأويل قوله تعالى: {وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ لأبِيهِ وَقَوْمِهِ إِنّنِي بَرَآءٌ مّمّا تَعْبُدُونَ * إِلاّ الّذِي فَطَرَنِي فَإِنّهُ سَيَهْدِينِ * وَجَعَلَهَا كَلِمَةً بَاقِيَةً فِي عَقِبِهِ لَعَلّهُمْ يَرْجِعُونَ }.
يقول تعالى ذكره: وَإذْ قالَ إبْراهِيمُ لأبِيهِ وَقَوْمِهِ الذين كانوا يعبدون ما يعبده مشركو قومك يا محمد إنّنِي بَرَاءٌ مِمّا تَعْبُدُونَ من دون الله, فكذّبوه, فانتقمنا منهم كما انتقمنا ممن قبلهم من الأمم المكذّبة رسلها. وقيل: إنّنِي بَرَاءٌ مِمّا تَعْبُدُونَ فوضع البراء وهو مصدر موضع النعت, والعرب لا تثني البراء ولا تجمع ولا تؤنث, فتقول: نحن البَرَاء والخلاء: لِما ذكرت أنه مصدر, وإذا قالوا: هو برىء منك ثنوا وجمعوا وأنّثوا, فقالوا: هما بريئان منك, وهم بريئون منك. وذُكر أنها في قراءة عبد الله: «إنّنِي بَرِىءٌ» بالياء, وقد يجمع برىء: بَرَاء وأبْراء إلاّ الّذِي فَطَرَنِي يقول: إني برىء مما تعبدون من شيء إلاّ من الذي فطرني, يعني الذي خلقني فإنّهُ سَيَهْدِينِ يقول: فإنه سيقوّمني للدين الحقّ, ويوفقني لاتباع سبيل الرشد. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك:
23815ـ حدثنا بشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة, قوله: وَإذْ قالَ إبْرَاهِيمُ لأبيه وقومِهِ... الاَية, قال: كايدهم, كانوا يقولون: إن الله ربّنا وَلَئِنْ سَألْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السّمَوَاتِ, وَالأرْضَ لَيقُولُنّ اللّهُ, فلم يبرأ من ربه.
23816ـ حدثنا ابن عبد الأعلى, قال: حدثنا ابن ثور, عن معمر, عن قتادة, قوله: إنّنِي بَرَاءٌ مِمّا تَعْبُدونَ يقول: إنني برىء مما تعبدون «إلاّ الّذِي خَلَقْنِي».
23817ـ حدثنا محمد, قال: حدثنا أحمد, قال: حدثنا أسباط, عن السديّ إلاّ الّذِي فَطَرَنِي قال: خلقني.
وقوله: وَجَعَلَها كَلِمَةً باقِيَةً فِي عَقِبِهِ يقول تعالى ذكره: وجعل قوله: إنّنِي بَراءٌ مِمّا تَعْبُدُونَ إلاّ الّذِي فَطَرَنِي وهو قول: لا إله إلا الله, كلمة باقية في عقبه, وهم ذرّيته, فلم يزل في ذرّيته من يقول ذلك من بعده. واختلف أهل التأويل في معنى الكلمة التي جعلها خليل الرحمن باقية في عقبه, فقال بعضهم: بنحو الذي قلنا في ذلك. ذكر من قال ذلك:
23818ـ حدثنا ابن بشار, قال: حدثنا عبد الرحمن, قال: حدثنا سفيان, عن ليث, عن مجاهد وَجَعَلَها كَلِمَةً باقِيَةً فِي عَقِبِهِ قال: لا إله إلا الله.
23819ـ حدثنا بشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة وَجَعَلَها كَلِمَةً باقِيَةً قال: شهادة أن لا إله إلا الله, والتوحيد لم يزل في ذرّيته من يقولها من بعده.
حدثنا ابن عبد الأعلى, قال: حدثنا ابن ثور, عن معمر, عن قتادة وَجَعَلَها كَلِمَةً باقِيَةً فِي عَقِبِهِ قال: التوحيد والإخلاص, ولا يزال في ذرّيته من يوحد الله ويعبده.
23820ـ حدثنا محمد, قال: حدثنا أحمد, قال: حدثنا أسباط, عن السديّ وَجَعَلها كَلِمَةً باقِيَةً فِي عَقِبِهِ قال: لا إله إلا الله. وقال آخرون: الكلمة التي جعلها الله في عقبه اسم الإسلام. ذكر من قال ذلك:
23821ـ حدثني يونس, قال: أخبرنا ابن وهب, قال: قال ابن زيد, في قوله: وَجَعَلَها كَلِمَةً باقِيَةً فِي عَقِبِهِ فقرأ إذْ قالَ لَهُ رَبّهُ أسْلِمْ, قالَ أسْلَمْتُ لِرَبّ العَالَمِينَ قال: جعل هذه باقية في عقبه, قال: الإسلام, وقرأ هُوَ سَمّاكُمُ المُسْلِمِينَ مِنْ قَبْلُ فقرأ وَاجْعَلْنا مُسْلِمَيْنِ لك. وبنحو ما قلنا في معنى العقب قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك:
23822ـ حدثني محمد بن عمرو, قال: حدثنا أبو عاصم, قال: حدثنا عيسى وحدثني الحارث, قال: حدثنا الحسن, قال: حدثنا ورقاء جميعا, عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد, قوله: فِي عَقِبِهِ قال: ولده.
23823ـ حدثني محمد بن سعد, قال: ثني أبي, قال: ثني عمي, قال: ثني أبي, عن أبيه, عن ابن عباس, قوله: وَجَعَلَها كَلِمَةً باقِيَةً فِي عَقِبِهِ قال: يعني من خلَفه.
23824ـ حدثني محمد, قال: حدثنا أحمد, قال: حدثنا أسباط, عن السديّ فِي عَقِبِهِ قال: في عقب إبراهيم آل محمد صلى الله عليه وسلم.
23825ـ حدثني محمد بن عبد الله بن عبد الحكم, قال: حدثنا ابن أبي فديك, قال: حدثنا ابن أبي ذئب, عن ابن شهاب أنه كان يقول: العقب: الولد, وولد الولد.
23826ـ حدثني يونس, قال: أخبرنا ابن وهب, قال: قال ابن زيد فِي عَقِبِهِ قال: عقبه: ذرّيته.
وقوله: لَعَلّهُمْ يَرْجِعُونَ يقول: ليرجعوا إلى طاعة ربهم, ويثوبوا إلى عبادته, ويتوبوا من كفرهم وذنوبهم. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك:
23827ـ حدثنا بشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة لَعَلّهُمْ يَرْجِعُونَ: أي يتوبون, أو يذّكرون.
الآية : 29-30
القول في تأويل قوله تعالى: {بَلْ مَتّعْتُ هَـَؤُلاَءِ وَآبَآءَهُمْ حَتّىَ جَآءَهُمُ الْحَقّ وَرَسُولٌ مّبِينٌ * وَلَمّا جَآءَهُمُ الْحَقّ قَالُواْ هَـَذَا سِحْرٌ وَإِنّا بِهِ كَافِرُونَ }.
يقول تعالى ذكره: بَلْ مَتّعْتُ يا محمد هَؤُلاءِ المشركين من قومك وآباءَهُمْ من قبلهم بالحياة, فلم أعاجلهم بالعقوبة على كفرهم حتى جاءَهُمُ الحَقّ يعني جلّ ثناؤه بالحقّ: هذا القرآن: يقول: لم أهلكهم بالعذاب حتى أنزلت عليهم الكتاب, وبعثت فيهم رسولاً مبينا. يعني بقوله: وَرَسُولٌ مُبِينٌ: محمدا صلى الله عليه وسلم, والمبين: أنه يبين لهم بالحجج التي يحتجّ بها عليهم أنه لله رسول محقّ فيما يقول وَلَمّا جاءَهُمُ الحَقّ يقول جلّ ثناؤه: ولما جاء هؤلاء المشركين القرآنُ من عند الله, ورسول من الله أرسله إليهم بالدعاء إليه قالُوا هَذَا سِحْرٌ يقول: هذا الذي جاءنا به هذا الرسول سحر يسحرنا به, ليس بوحي من الله وَإنّا بِهِ كافِرُونَ يقول: قالوا: وإنا به جاحدون, ننكر أن يكون هذا من الله. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك:
23828ـ حدثنا محمد, قال: حدثنا أحمد, قال: حدثنا أسباط, عن السديّ, في قوله: وَلَمّا جاءَهُمُ الحَقّ قالُوا هَذَا سِحْرٌ وَإنّا بِهِ كافِرُونَ قال: هؤلاء قريش قالوا القرآن الذي جاء به محمد صلى الله عليه وسلم: هذا سحر.
الآية : 31-32
القول في تأويل قوله تعالى: {وَقَالُواْ لَوْلاَ نُزّلَ هَـَذَا الْقُرْآنُ عَلَىَ رَجُلٍ مّنَ الْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ * أَهُمْ يَقْسِمُونَ رَحْمَةَ رَبّكَ نَحْنُ قَسَمْنَا بَيْنَهُمْ مّعِيشَتَهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدّنْيَا وَرَفَعْنَا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لّيَتّخِذَ بَعْضُهُم بَعْضاً سُخْرِيّاً وَرَحْمَةُ رَبّكَ خَيْرٌ مّمّا يَجْمَعُونَ }.
يقول تعالى ذكره: وقال هؤلاء المشركون بالله من قريش لما جاءهم القرآن من عند الله: هذا سحر, فإن كان حقا فهلا نزل على رجل عظيم من إحدى هاتين القريتين مكة أو الطائف.
واختُلف في الرجل الذي وصفوه بأنه عظيم, فقالوا: هلاّ نزل عليه هذا القرآن, فقال بعضهم: هلاّ نزل على الوليد بن المُغيرة المخزومي من أهل مكة, أو حبيب بن عمرو بن عمير الثقفي من أهل الطائف؟. ذكر من قال ذلك:
23829ـ حدثني محمد بن سعد, قال: ثني أبي, قال: ثني عمي, قال: ثني أبي, عن أبيه, عن ابن عباس, قوله: لَوْلا نُزّلَ هَذَا القُرْآنُ عَلى رَجُلٍ مِنَ القَرْيَتَيْنَ عَظِيمٍ قال: يعني بالعظيم: الوليد بن المغيرة القرشيّ, أو حبيب بن عمرو بن عُمير الثقفي, وبالقريتين: مكة والطائف.
وقال آخرون: بل عُنِي به عُتْبةُ بن ربيعة من أهل مكة, وابن عبد يالِيل, من أهل الطائف. ذكر من قال ذلك:
23830ـ حدثنا محمد بن عمرو, قال: حدثنا أبو عاصم, قال: حدثنا عيسى وحدثني الحارث, قال: حدثنا الحسن, قال: حدثنا ورقاء جميعا, عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد عَلَى رَجُلٍ مِنَ القَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ قال عتبة بن ربيعة من أهل مكة, وابن عبد ياليل الثقفي من الطائف.
وقال آخرون: بل عني به من أهل مكة: الوليد بن المُغيرة, ومن أهل الطائف: ابن مسعود. ذكر من قال ذلك:
23831ـ حدثنا ابن عبد الأعلى, قال: حدثنا ابن ثور, عن معمر, عن قتادة, في قوله: رَجُلٍ مِنَ القَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ قال: الرجل: الوليد بن المغيرة, قال: لو كان ما يقول محمد حقا أنزل علىّ هذا, أو على ابن مسعود الثقفي, والقريتان: الطائف ومكة, وابن مسعود الثقفي من الطائف اسمه عروة بن مسعود.
23832ـ حدثنا بشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة, قوله: لَوْلا نُزّلَ هَذَا القُرآنُ على رَجُلٍ مِنَ القَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ والقريتان: مكة والطائف قال: قد قال ذلك مشركو قريش, قال: بلغنا أنه ليس فخذ من قريش إلا قد ادّعته, وقالوا: هو منا, فكنا نحدّث أن الرجلين: الوليد بن المغيرة, وعروة الثقفي أبو مسعود, يقولون: هلا كان أُنزل على أحد هذين الرجلين.
23833ـ حدثني يونس, قال: أخبرنا ابن وهب: قال ابن زيد, في قوله: لَوْلا نُزّلَ هَذَا القُرآنُ عَلى رَجُلٍ مِنَ القَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ قال: كان أحد العظيمين عروة بن مسعود الثقفي, كان عظيم أهل الطائف.
وقال آخرون: بل عني به من أهل مكة: الوليد بن المغيرة, ومن أهل الطائف: كنانة بن عَبدِ بن عمرو. ذكر من قال ذلك:
23834ـ حدثنا محمد, قال: حدثنا أحمد, قال: حدثنا أسباط, عن السديّ وَقالُوا لَوْلا نُزّلَ هَذَا القُرآنُ عَلى رَجُلٍ مِنَ القَرْيَتَيْن عَظِيمٍ قال: الوليد بن المغيرة القرشي, وكنانة بن عبد بن عمرو بن عمير, عظيم أهل الطائف.
وأولى الأقوال في ذلك بالصواب أن يقال كما قال جلّ ثناؤه, مخبرا عن هؤلاء المشركين وَقالُوا لَوْلا نُزّلَ هَذَا القُرآنَ على رَجُل مِنَ القَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ إذ كان جائزا أن يكون بعض هؤلاء, ولم يضع الله تبارك وتعالى لنا الدلالة على الذين عُنُوا منهم في كتابه, ولا على لسان رسوله صلى الله عليه وسلم, والاختلاف فيه موجود على ما بيّنت.
وقوله: أَهُمْ يَقْسِمُونَ رَحْمَةَ رَبّكَ يقول تعالى ذكره: أهؤلاء القائلون: لولا نزّل هذا القرآن على رجل من القريتين عظيم يا محمد, يقسمون رحمة ربك بين خلقه, فيجعلون كرامته لمن شاؤوا, وفضله لمن أرادوا, أم الله الذي يقسم ذلك, فيعطه من أحبّ, ويحرمه مَنْ شاء؟. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك:
23835ـ حدثنا أبو كريب, قال: حدثنا عثمان بن سعيد, قال: حدثنا بشر بن عمارة, عن أبي رَوْق, عن الضحاك عن ابن عباس, قال: لما بعث الله محمدا رسولاً, أنكرت العرب ذلك, ومن أنكر منهم, فقالوا: الله أعظم من أن يكون رسوله بشرا مثل محمد, قال: فأنزل الله عزّ وجلّ: أكانَ للنّاسِ عَجَبا أنْ أوْحَيْنا إلى رَجُل مِنْهُمْ أنْ أَنْذِر النّاسَ وقال وَما أرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ إلاّ رِجالاً نُوحِي إلَيْهِمْ, فاسْئَلُوا أهْلَ الذّكْرِ يعني: أهل الكتب الماضية, أبشرا كانت الرسل التي أتتكم أم ملائكة؟ فإن كانوا ملائكة أتتكم, وإن كانوا بشرا فلا تنكرون أن يكون محمد رسولاً: قال: ثم قال: وَما أرْسَلَنا مِنْ قَبْلِكَ إلاّ رِجالاً نُوحِي إلَيْهِمْ مِنْ أهْلِ القُرَى: أي ليسوا من أهل السماء كما قلتم قال: فلما كرّر الله عليهم الحجج قالوا, وإذ كان بشرا فغير محمد كان أحقّ بالرسالة فلَوْلا نُزّلَ هَذَا القُرآنَ على رَجُل مِنَ القَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ يقولون: أشرف من محمد صلى الله عليه وسلم, يعنون الوليد بن المغيرة المخزومي, وكان يسمى ريحانة قريش, هذا من مكة, ومسعود بن عمرو بن عبيد الله الثقفي من أهل الطائف, قال: يقول الله عزّ وجلّ ردّا عليهم أَهُمْ يَقْسِمُونَ رَحْمَةَ رَبّكَ أنا أفعل ما شئت.
وقوله: نَحْن قَسَمْنا بَيْنَهُمْ مَعِيشَتَهُمْ فِي الحَياةِ الدّنيْا يقول تعالى ذكره: بل نحن نقسم رحمتنا وكرامتنا بين من شئنا من خلقنا, فنجعل من شئنا رسولاً, ومن أردنا صدّيقا, ونتخذ من أردنا خليلاً, كما قسمنا بينهم معيشتهم التي يعيشون بها في حياتهم الدنيا من الأرزاق والأقوات, فجعلنا بعضهم فيها أرفع من بعض درجة, بل جعلنا هذا غنيا, وهذا فقيرا, وهذا ملكا, وهذا مملوكا لِيَتّخِذَ بَعْضُهُمْ بَعْضا سُخْرِيّا. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك:
23836ـ حدثنا بشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة, قال: قال الله تبارك وتعالى أَهُمْ يَقْسِمُونَ رَحْمَةَ رَبّكَ نَحْنُ قَسَمْنا بَيْنَهُمْ مَعِيشَتَهُمْ فِي الحَياةِ الدّنيْا فتلقاه ضعيف الحيلة, عيي اللسان, وهو مبسوط له في الرزق, وتلقاه شديد الحيلة, سليط اللسان, وهو مقتور عليه, قال الله جلّ ثناؤه: نَحْنُ قَسَمْنا بَيْنهُمْ مَعِيشَتَهُمْ فِي الحَياةِ الدّنيْا كما قسم بينهم صورهم وأخلاقهم تبارك ربنا وتعالى.
وقوله: لِيَتّخِذَ بَعْضُهُمْ بَعْضا سُخْرِيّا يقول: ليستسخر هذا هذا في خدمته إياه, وفي عود هذا على هذا بما في يديه من فضل, يقول: جعل تعالى ذكره بعضا لبعض سببا في المعاش في الدنيا.
وقد اختلف أهل التأويل فيما عنى بقوله: لِيتّخِذَ بَعْضُهُمْ بَعْضا سُخْرِيّا فقال بعضهم: معناه ما قلنا فيه. ذكر من قال ذلك:
23837ـ حدثنا محمد, قال: حدثنا أحمد, قال: حدثنا أسباط, عن السديّ, في قوله: لِيَتّخِذَ بَعْضُهُمْ بَعْضا سُخْرِيّا قال: يستخدم بعضهم بعضا في السخرة.
23838ـ حدثني يونس, قال: أخبرنا ابن وهب, قال: قال ابن زيد, في قوله: لِيَتّخِذَ بَعْضُهُمْ بَعْضا سُخْرِيّا قال: هم بنو آدم جميعا, قال: وهذا عبد هذا, ورفع هذا على هذا درجة, فهو يسخره بالعمل, يستعمله به, كما يقال: سخر فلان فلانا.
وقال بعضهم: بل عنى بذلك: ليملك بعضهم بعضا. ذكر من قال ذلك:
23839ـ حدثنا ابن حميد, قال: حدثنا يحيى بن واضح, قال: حدثنا عبيد بن سليمان, عن الضحاك, في قوله: لِيَتّخِذَ بَعْضُهُمْ بَعْضا سُخْرِيّا يعني بذلك: العبيد والخدم سخر لهم.
23840ـ حدثنا بشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة لِيَتّخِذَ بَعْضُهُمْ بَعْضا سُخْرِيّا مِلْكة.
وقوله: وَرَحْمَةُ رَبّكَ خَيْرٌ مِمّا يَجْمَعُونَ يقول تعالى ذكره: ورحمة ربك يا محمد بإدخالهم الجنة خير لهم مما يجمعون من الأموال في الدنيا. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك:
حدثنا بشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة وَرَحْمَةُ رَبّكَ خَيْرٌ مِمّا يَجْمَعُونَ يعني الجنة.
23841ـ حدثنا محمد, قال: حدثنا أحمد, قال: حدثنا أسباط, عن السديّ وَرَحْمَةُ رَبّكَ يقول: الجنة خير مما يجمعون في الدنيا.
الآية : 33
القول في تأويل قوله تعالى: {وَلَوْلاَ أَن يَكُونَ النّاسُ أُمّةً وَاحِدَةً لّجَعَلْنَا لِمَن يَكْفُرُ بِالرّحْمَـَنِ لِبُيُوتِهِمْ سُقُفاً مّن فِضّةٍ وَمَعَارِجَ عَلَيْهَا يَظْهَرُونَ }.
يقول تعالى ذكره: وَلَوْلا أن يَكُونَ النّاسُ أُمّةً: جماعة واحدة.
ثم اختلف أهل التأويل في المعنى الذي لم يؤمن اجتماعهم عليه, لو فعل ما قال جلّ ثناؤه, وما به لم يفعله من أجله, فقال بعضهم: ذلك اجتماعهم على الكفر. وقال: معنى الكلام: ولولا أن يكون الناس أمة واحدة على الكفر, فيصيرَ جميعهم كفارا لَجَعَلْنا لِمَنْ يَكْفُرُ بالرّحمَنِ لبُيُوتِهِمْ سُقُفا مِنْ فِضّةٍ ذكر من قال ذلك.
23842ـ حدثني عليّ, قال: حدثنا أبو صالح, قال: ثني معاوية, عن عليّ, عن ابن عباس, قوله: وَلَوْلا أنْ يَكُونَ النّاسُ أُمّةً وَاحِدَةً يقول الله سبحانه: لولا أن أجعل الناس كلهم كفارا, لجعلت للكفار لبيوتهم سقفا من فضة.
23843ـ حدثنا ابن بشار, قال: حدثنا هوذة بن خليفة, قال: حدثنا عوف, عن الحسن, في قوله: وَلَوْلا أنْ يَكُونَ النّاسُ أُمّةً وَاحِدَةً قال: لولا أن يكون الناس كفارا أجمعون, يميلون إلى الدنيا, لجعل الله تبارك وتعالى الذي قال, ثم قال: والله لقد مالت الدنيا بأكثر أهلها, وما فعل ذلك, فكيف لو فعله.
23844ـ حدثنا بشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة, قوله: وَلَوْلا أنْ يَكُونَ النّاسُ أُمّةً وَاحِدَةً: أي كفارا كلهم.
حدثنا محمد بن عبد الأعلى, قال: حدثنا ابن ثور, عن معمر, عن قتادة وَلَوْلا أنْ يَكُونَ النّاسُ أُمّةً وَاحِدَةً قال: لولا أن يكون الناس كفارا.
23845ـ حدثنا محمد, قال: حدثنا أحمد, قال: حدثنا أسباط, عن السديّ وَلَوْلا أنْ يَكُونَ النّاسُ أُمّةً وَاحِدَةً يقول: كفارا على دين واحد.
وقال آخرون: اجتماعهم على طلب الدنيا وترك طلب الاَخرة. وقال: معنى الكلام: ولولا أن يكون الناس أمة واحدة على طلب الدنيا ورفض الاَخرة. ذكر من قال ذلك:
23846ـ حدثنا يونس, قال: أخبرنا ابن وهب, قال: قال ابن زيد, في قوله: وَلَوْلا أنْ يَكُونَ النّاسُ أُمّةً وَاحِدَةً قال: لولا أن يختار الناس دنياهم على دينهم, لجعلنا هذا لأهل الكفر.
وقوله: لَجَعَلْنا لِمَنْ يَكْفُرُ بالرّحْمَن لِبُيُوتِهِمْ سُقْفا مِنْ فِضّةٍ يقول تعالى ذكره: لجعلنا لمن يكفر بالرحمن في الدنيا سقفا, يعني أعالي بيوتهم, وهي السطوح فضة. كما:
23847ـ حدثنا بشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة لِبُيُوتهِمْ سُقُفا مِنْ فِضّةٍ السُقُف: أعلى البيوت.
واختلف أهل العربية في تكرير اللام التي في قوله: لِمَنْ يَكْفُرُ, وفي قوله: لِبُيُوتهِمْ, فكان بعض نحويي البصرة يزعم أنها أدخلت في البيوت على البدل. وكان بعض نحويي الكوفة يقول: إن شئت جعلتها في لِبُيُوتهِمْ مكرّرة, كما في يَسْئَلُونَكَ عَن الشّهْرِ الحَرَام قِتالٍ فِيهِ, وإن شئت جعلت اللامين مختلفتين, كأن الثانية في معنى على, كأنه قال: جعلنا لهم على بيوتهم سقفا. قال: وتقول العرب للرجل في وجهه: جعلت لك لقومك الأعطية: أي جعلته من أجلك لهم.
واختلفت القرّاء في قراءة قوله: «سَقْفا» فقرأته عامة قرّاء أهل مكة وبعض المدنيين وعامة البصريين سَقْفا بفتح السين وسكون القاف اعتبارا منهم ذلك بقوله: فَخَرّ عَلَيْهِمُ السّقْفُ مِنْ فَوْقِهِمْ وتوجيها منهم ذلك إلى أنه بلفظ واحد معناه الجمع. وقرأه بعض قرّاء المدينة وعامة قرّاء الكوفة سُقُفا بضم السين والقاف, ووجّهوها إلى أنها جمع سقيفة أو سقوف. وإذا وجهت إلى أنها جمع سقوف كانت جمع الجمع, لأن السقوف: جمع سَقْف, ثم تجمع السقوف سُقُفا, فيكون ذلك نظير قراءة من قرأه فرُهُنٌ مَقْبُوضَةٌ بضم الراء والهاء, وهي الجمع, واحدها رهان ورهون, وواحد الرهون والرهان: رَهْن. وكذلك قراءة من قرأ كُلُوا مِنْ ثُمُرِهِ بضم الثاء والميم, ونظير قول الراجز:
(حتى إذَا ابْتَلّتْ حَلاقِيمُ الحُلُقْ )
وقد زعم بعضهم أن السّقُف بضم السين والقاف جمع سَقْف, والرّهُن بضم الراء والهاء جمع رَهْن, فأغفل وجه الصواب في ذلك, وذلك أنه غير موجود في كلام العرب اسم على تقدير فعل بفتح الفاء وسكون العين مجموعا على فُعُل, فيجعل السّقُف والرّهُن مثله.
والصواب من القول في ذلك عندي, أنهما قراءتان متقاربتا المعنى, معروفتان في قرأة الأمصار, فبأيتهما قرأ القارىء فمصيب.
وقوله: وَمَعارِجَ عَلَيْها يَظْهَرُونَ يقول: ومراقي ودَرَجا عليها يصعدون, فيظهرون على السقف والمعارج: هي الدرج نفسها, كما قال المثنى بن جندل:
(يا رَبّ البَيْتِ ذي المَعارِج )
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك:
23848ـ حدثني عليّ, قال: حدثنا أبو صالح, قال: ثني معاوية, عن عليّ, عن ابن عباس وَمَعارِجَ قال: معارج من فضة, وهي درج.
23849ـ حدثنا بشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة وَمَعارِجَ عَلَيْها يَظْهَرُونَ: أي دَرجا عليها يصعدون.
23850ـ حدثنا محمد, قال: حدثنا أحمد, قال: حدثنا أسباط, عن السديّ وَمَعارِجَ عَلَيْها يَظْهَرُونَ قال: المعارج: المراقي.
حدثنا محمد, قال: حدثنا ابن ثور, عن معمر, عن قتادة, في قوله: وَمَعَارِجَ عَلَيْها يَظْهَرُونَ قال: دُرُج عليها يُرفعون.
حدثني محمد بن سعد, قال: ثني أبي, قال: ثني عمي, قال: ثني أبي, عن ابن عباس قوله: وَمَعارِجَ عَلَيْها يَظْهَرُونَ قال: درج عليها يصعدون إلى الغرف.
23851ـ حدثني يونس, قال: أخبرنا ابن وهب, قال: قال ابن زيد, في قوله: وَمَعارِجَ عَلَيْها يَظْهَرُونَ قال: المعارج: درج من فضة