تفسير الطبري تفسير الصفحة 533 من المصحف

 تفسير الطبري - صفحة القرآن رقم 533
534
532
 الآية : 39-42
القول فـي تأويـل قوله تعالى: {فَيَوْمَئِذٍ لاّ يُسْأَلُ عَن ذَنبِهِ إِنسٌ وَلاَ جَآنّ * فَبِأَيّ آلآءِ رَبّكُمَا تُكَذّبَانِ * يُعْرَفُ الْمُجْرِمُونَ بِسِيمَاهُمْ فَيُؤْخَذُ بِالنّوَاصِي وَالأقْدَامِ * فَبِأَيّ آلآءِ رَبّكُمَا تُكَذّبَانِ }.
يقول تعالى ذكره: فيومئذٍ لا يسأل الملائكة المجرمين عن ذنوبهم, لأن الله قد حفظها عليهم, ولا يسأل بعضهم عن ذنوب بعض ربهم. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك:
25584ـ حدثني محمد بن سعد, قال: ثني أبي, قال: ثني عمي, قال: ثني أبي, عن أبيه, عن ابن عباس, قوله: فَيَوْمَئِذٍ لا يُسْئَلُ عَنْ ذَنْبِهِ إنْسٌ وَلا جانّ يقول تعالى ذكره: لا يسألهم عن أعمالهم, ولا يسأل بعضهم عن بعض وهو مثل قوله: وَلا يُسْئَلُ عَنْ ذُنُوبِهِمُ المُجْرِمُونَ ومثل قوله لمحمد صلى الله عليه وسلم وَلا تُسْئَلُ عَنْ أصحَابِ الجَحِيمِ.
25585ـ حدثنا ابن عبد الأعلى, قال: حدثنا ابن ثور, عن معمر, عن قتادة في قوله: لا يُسْئَلُ عَنْ ذَنْبِهِ إنْسٌ وَلا جانّ قال: حفظ الله عزّ وجلّ عليهم أعمالهم.
25586ـ حدثني محمد بن عمرو, قال: حدثنا أبو عاصم, قال: حدثنا عيسى وحدثني الحارث, قال: حدثنا الحسن, قال: حدثنا ورقاء جميعا, عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد, في قوله: لا يُسْئَلُ عَنْ ذَنْبِهِ إنْسٌ وَلا جانّ قال: كان مجاهد يقول: لا يسأل الملائكة عن المجرم يعرفون بسيماهم.
25587ـ حدثنا محمد بن بشار, قال: حدثنا محمد بن مروان, قال: حدثنا أبو العوّام, عن قتادة فَيَوْمَئِذٍ لا يُسْئَل عَنْ ذَنْبِهِ إنْسٌ وَلا جانّ قال: قد كانت مسألة ثم ختم على ألسنة القوم فتتكلم أيديهم وأرجلهم بما كانوا يعملون.
وقوله: فَبِأيّ آلاءِ رَبّكُما تُكَذّبانِ يقول تعالى ذكره: فبأيّ نعم ربكما معشر الثقلين, التي أنعم عليكم من عدله فيكم, أنه لم يعاقب منكم إلاّ مجرما...
وقوله: يُعْرَفُ المُجْرِمُونَ بسِيماهُمْ يقول تعالى ذكره تعرف الملائكة المجرمين بعلاماتهم وسيماهم التي يسوّمهم الله بها من اسوداد الوجوه, وازرقاق العيون. كما:
25588ـ حدثنا ابن عبد الأعلى, قال: حدثنا ابن ثور عن معمر, عن الحسن, في قوله: يُعْرَفُ المُجْرِمونَ بسِيماهُمْ قال: يعرفون باسوداد الوجوه, وزُرقة العيون.
25589ـ حدثنا ابن بشار, قال: حدثنا محمد بن مروان قال: حدثنا أبو العوّام, عن قتادة يُعْرَفُ المُجْرِمُونَ بسِيماهُمْ قال: زرق العيون, سود الوجوه.
وقوله: فَيُؤْخَذُ بالنّوَاصِي والأقْدَامِ يقول تعالى ذكره: فتأخذهم الزبانية بنواصيهم وأقدامهم فتسحبهم إلى جهنم, وتقذفهم فيها فَبِأيّ آلاءِ رَبّكُما تُكَذّبانِ يقول تعالى ذكره: فبأيّ نعم ربكما معشر الجنّ والإنس التي أنعم عليكم بها من تعريفه ملائكته أهل الإجرام من أهل الطاعة منكم حتى خصوا بالإذلال والإهانة المجرمين دون غيرهم.

الآية : 43-45
القول فـي تأويـل قوله تعالى: {هَـَذِهِ جَهَنّمُ الّتِي يُكَذّبُ بِهَا الْمُجْرِمُونَ * يَطُوفُونَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ حَمِيمٍ آنٍ * فَبِأَيّ آلآءِ رَبّكُمَا تُكَذّبَانِ }.
يقول تعالى ذكره: يقال لهؤلاء المجرمين الذين أخبر جلّ ثناؤه أنهم يعرفون يوم القيامة بسيماهم حين يؤخذ بالنواصي والأقدام: هذه جهنم التي يكذّب بها المجرمون, فترك ذكر «يقال» اكتفاء بدلالة الكلام عليه منه. وذُكر أن ذلك في قراءة عبد الله «هذه جهنم التي كنتما بها تكذّبان تصليانها, لا تموتان فيها ولا تحييان».
وقوله: يَطُوفُونَ بَيْنَها وَبَينَ حَمِيمٍ آنٍ يقول تعالى ذكره: يطوف هؤلاء المجرمون الذين وصف صفتهم في جهنم بين أطباقها وَبينَ حَمِيمٍ آنٍ يقول: وبين ماء قد أسخن وأغلي حتى انتهى حرّه وأنى طبخه وكل شيء قد أدرك وبلغ فقد أنى ومنه قوله: غَيرَ ناظِرِينَ إناهُ يعني: إدراكه وبلوغه, كما قال نابغة بني ذُبيان:
ويُخْضَبْ لِحْيَةٌ غَدَرَتْ وخانَتْبأحمَرَ مِنْ نَجِيعِ الجَوْفِ آني
يعني: مدرك.
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك:
25590ـ حدثني عليّ, قال: حدثنا أبو صالح, قال: ثني معاوية, عن علي, عن ابن عباس, قوله: وَبينَ حَمِيمٍ آنٍ يقول: انتهى حرّه.
25591ـ حدثني محمد بن سعد, قال: ثني أبي, قال: ثني عمي, قال: ثني أبي, عن أبيه, عن ابن عباس, قوله: وَبَين حَمِيم آنٍ يقول: غلي حتى انتهى غليه.
25592ـ حدثني محمد بن عمرو, قال: حدثنا أبو عاصم, قال: حدثنا عيسى وحدثني الحارث, قال: حدثنا الحسن قال: حدثنا ورقاء جميعا, عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد, في قوله: وَبينَ حَمِيمٍ آنٍ قال: قد بلغ إناه.
25593ـ حدثنا ابن حميد, قال: حدثنا يعقوب, عن جعفر, عن سعيد, قال: الاَني الذي قد انتهى حرّه.
25594ـ حدثنا ابن بشار, قال: حدثنا أبو عاصم, قال: حدثنا شبيب, عن بشر, عن عكرِمة, عن ابن عباس يَطُوفُونَ بَيْنَها وَبَينَ حَمِيمٍ آنٍ قال: الاَني: ما اشتدّ غليانه ونضجه.
25595ـ حُدثت عن الحسين, قال: سمعت أبا معاذ يقول: أخبرنا عبيد قال: سمعت الضحاك يقول في قوله: حَمِيمٍ آنٍ هو الذي قد انتهى غَلْيه.
25596ـ حدثنا ابن بشار, قال: حدثنا محمد بن مروان, قال: حدثنا أبو العوّام, عن قتادة وَبَينَ حَمِيمٍ آنٍ قال: أنى طبخها منذ يوم خلق الله السموات والأرض.
حدثنا بشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة يَطُوفُونَ بَيْنَها وَبَينَ حَمِيمٍ آنٍ يقول: حميم قد أنى طبخه منذ خلق الله السموات والأرض.
25597ـ حدثنا ابن عبد الأعلى, قال: حدثنا ابن ثور, عن معمر, عن الحسن حَمِيمٍ آنٍ يقول: حميم قد آن منتهى حرّه.
25598ـ حدثنا ابن حُمَيد, قال: حدثنا مهران, عن سفيان حَمِيمٍ آنٍ قال: قد انتهى حرّه.
وقال بعضهم: عني بالاَني: الحاضر. ذكر من قال ذلك:
25599ـ حدثني يونس, قال: أخبرنا ابن وهب, قال: قال ابن زيد, في قوله: يَطُوفُونَ بَيْنَها وَبَيْنَ حَمِيمٍ آنٍ قال: يطوفون بينها وبين حميم حاضر, الاَني: الحاضر.
وقوله: فَبِأيّ آلاءِ رَبّكُما تُكَذّبانِ يقول: فبأيّ نِعَم ربكما معشر الجنّ والإنس التي أنعمها عليكم بعقوبته أهل الكفر به وتكريمه أهل الإيمان به تكذّبان.

الآية : 46-49
القول فـي تأويـل قوله تعالى: {وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبّهِ جَنّتَانِ * فَبِأَيّ آلآءِ رَبّكُمَا تُكَذّبَانِ * ذَوَاتَآ أَفْنَانٍ * فَبِأَيّ آلآءِ رَبّكُمَا تُكَذّبَانِ }.
يقول تعالى ذكره: ولمن اتقى الله من عباده, فخاف مقامه بين يديه, فأطاعه بأداء فرائضه, واجتناب معاصيه جنتان, يعني بستانين. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل, وإن اختلفت ألفاظهم في البيان عن تأويله, غير أن معنى جميعهم يقول إلى هذا. ذكر من قال ذلك:
25600ـ حدثني عليّ, قال: حدثنا أبو صالح, قال: ثني معاوية, عن عليّ, عن ابن عباس, قوله: ولِمَنْ خافَ مَقامَ رَبّهِ جَنّتانِ قال: وعد الله جلّ ثناؤه المؤمنين الذين خافوا مقامه, فأدّوا فرائضه الجنة.
25601ـ حدثني محمد بن سعد, قال: ثني أبي, قال: ثني عمي, قال: ثني أبي, عن أبيه, عن ابن عباس, قوله: ولِمَنْ خافَ مَقامَ رَبّهِ جَنّتانِ يقول: خاف ثم اتقى, والخائف: من ركب طاعة الله, وترك معصيته.
25602ـ حدثني أبو السائب, قال: حدثنا ابن إدريس, عن الأعمش, عن مجاهد, في قوله: ولِمَنْ خافَ مَقامَ رَبّهِ جَنّتانِ هو الرجل يهم بالذنب فيذكر مقام ربه فينزع.
حدثنا ابن حُمَيد, قال: حدثنا يحيى بن واضح, قال: حدثنا الحسين, عن منصور, عن مجاهد, قوله: ولِمَنْ خافَ مَقامَ رَبّهِ جَنّتانِ قال: الرجل يهمّ بالذنب فيذكر مقامه بين يدي الله فيتركه, فله جنتان.
قال: ثنا جرير, عن منصور, عن مجاهد, قوله: ولِمَنْ خافَ مَقامَ رَبّهِ جَنّتانِ قال: الرجل يهمّ بالمعصية, فيذكر الله عزّ وجلّ فيدعها.
قال: ثنا مهران, عن سفيان, عن منصور, عن مجاهد ولَمنْ خافَ مَقامَ رَبّهِ جَنّتانِ قال: في الذي إذا همّ بمعصية تركها.
حدثنا نصر بن عليّ, قال: حدثنا إسحاق بن منصور, عن مجاهد, قوله: ولِمَنْ خاف مَقامَ رَبّهِ جَنّتانِ قال: هو الرجل يهمّ بمعصية الله تعالى, ثم يتركها مخافة الله.
حدثنا ابن بشار, قال: حدثنا عبد الرحمن, قال: حدثنا سفيان, عن منصور, عن مجاهد ولِمَنْ خافَ مَقامَ رَبّهِ جَنّتانِ قال: يذنب الذنب فيذكر مقام ربه فيدعه.
25603ـ حدثنا محمد بن المثنى, قال: حدثنا محمد بن جعفر, قال: حدثنا شعبة, عن منصور, عن إبراهيم في هذه الاَية ولِمَنْ خافَ مَقامَ رَبّهِ جَنّتانِ قال: إذا أراد أن يذنب أمسك مخافة الله.
25604ـ حدثنا بشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة قوله: ولِمَنْ خافَ مَقامَ رَبّهِ جَنّتانِ قال: إن المؤمنين خافوا ذاكم المقام فعملوا له, ودانوا له, وتعبّدوا بالليل والنهار.
حدثنا ابن بشار, قال: حدثنا محمد بن مروان, قال: حدثنا أبو العوّام, قال: حدثنا قتادة, في قوله: ولِمَنْ خافَ مَقامَ رَبّهِ جَنّتانِ قال: إن الله مقاما قد خافه المؤمنون.
25605ـ حدثني محمد بن موسى, قال: حدثنا عبد الله بن الحارث القرشيّ, قال: حدثنا شعبة بن الحجاج, قال: حدثنا سعيد الجريريّ, عن محمد بن سعد, عن أبي الدرداء, قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ولِمَنْ خافَ مَقامَ رَبّهِ جَنّتانِ»قلت: وإن زنى وإن سرق؟ قال: «وإنْ زَنى وسَرَقَ وإنْ رَغِمَ أنْفِ أبي الدّرْداءِ».
وحدثني زكريا بن يحيى بن أبان المصري, قال: حدثنا ابن أبي مريم, قال: أخبرنا محمد بن جعفر, عن محمد بن أبي حرملة, عن عطاء بن يسار, قال: أخبرني أبو الدرداء أن رسول الله صلى الله عليه وسلم, قرأ يوما هذه الاَية ولِمَنْ خافَ مَقامَ رَبّهِ جَنّتانِ فقلت وإن زنى وإن سرق يا رسول الله؟ قال: ولِمَنْ خافَ مَقامَ رَبّهِ جَنّتانِ قال: فقلت: يا رسول الله وإن زنى وإن سرق؟ قال: ولِمَنْ خافَ مَقامَ رَبّهِ جَنّتانِ فقلت: وإن زنى وإن سرق يا رسول الله؟ فقال: «وَإنْ زَنى وإنْ سَرَقَ رَغْمَ أنْفِ أبي الدّرْدَاءِ».
25606ـ حدثنا عليّ بن سهل, قال: حدثنا مؤمل, قال: حدثنا حماد بن سلمة, عن ثابت, عن أبي بكر, عن أبي موسى, عن أبيه, قال حماد لا أعلمه إلا رفعة في قوله: ولِمَنْ خافَ مَقامَ رَبّهِ جَنّتانِ قال جنتان من ذهب للمقرّبين أو قال: للسابقين, وجنتان من ورِق لأصحاب اليمين.
25607ـ حدثنا ابن عبد الأعلى, قال: حدثنا المعتمر, عن أبيه, قال: حدثنا سيار, قال: قيل لأبي الدرداء في هذه الاَية ولِمَنْ خافَ مَقامَ رَبّهِ جَنّتانِ فقيل: وإن زنى وإن سرق, فقال: وإن زنى وإن سرق. وقال: إنه إن خاف مقام ربه لم يزن ولم يسرق.
حدثنا ابن حُمَيد, قال: حدثنا مهران, عن ابن المبارك, عن سعيد الجريريّ, عن رجل, عن أبي الدرداء «ولِمَنْ خافَ مَقامَ رَبّهِ جَنّتانِ»فقال أبو الدرداء: وإن زنى وإن سرق, قال: نعم, وإن رَغِمَ أنْفُ أبي الدرداء».
25608ـ حدثنا أبو كُرَيب, قال: حدثنا ابن الصلت, عن عمرو بن ثابت, عمن ذكره, عن أبي وائل, عن ابن مسعود في قوله: ولِمَنْ خافَ مقامَ رَبهِ جَنّتانِ قال: وإن زنى وإن سرق.
25609ـ حدثني يونس, قال: أخبرنا ابن وهب, قال: قال ابن زيد, في قوله: ولِمَنْ خافَ مَقامَ رَبّهِ جَنّتانِ قال: جنتا السابقين, فقرأ ذَوَاتا أفْنانٍ فقرأ حتى بلغ كأَنّهُنّ الياقُوتُ وَالمَرْجانُ ثم رجع إلى أصحاب اليمين, فقال: وَمِنْ دُونِهِما جَنّتانِ فذكر فضلهما وما فيهما.
25610ـ حدثني يونس, قال: أخبرنا ابن وهب, قال: قال ابن زيد, في قوله: ولِمَنْ خافَ مَقامَ رَبّهِ جَنّتانِ قال: مقامه حين يقوم العباد يوم القيامة, وقرأ يَوْمَ يَقُومُ النّاسُ لِرَبّ العَالَمِينَ وقال: ذاك مقام ربك.
وقوله: فَبِأيّ آلاءِ رَبّكُما تُكَذّبانِ يقول تعالى ذكره: فبأيّ نعم ربكما أيها الثقلان التي أنعم عليكم بإثابته المحسن منكم ما وصف جلّ ثناؤه في هذه الاَيات تكذّبان.
وقوله: ذَوَاتا أفْنانٍ يقول: ذواتا ألوان, واحدها فن, وهو من قولهم: افتنّ فلان في حديثه: إذا أخذ في فنون منه وضروب. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك:
25611ـ حدثني الحسين بن يزيد الطحان, قال: حدثنا عبد السلام بن حرب, عن عطاء بن السائب, عن سعيد بن جُبَير, عن ابن عباس, في قوله: ذَوَاتا أفْنانٍ قال: ذواتا ألوان.
25612ـ حدثنا الفضل بن إسحاق, قال: حدثنا أبو قُتيبة, قال: حدثنا عبد الله بن النعمان, عن عكرمة ذَوَاتا أفْنانٍ قال: ظلّ الأغصان على الحيطان, قال: وقال الشاعر:
ما هاجَ شَوْقَكَ مِنْ هَديلِ حَمامَةٍتَدْعُو على فَنن الغُصُونِ حَماما
تَدْعُوا أبا فَرْخَين صَادَفَ ضَارياذا مخْلَبَين مِنَ الصّقُورِ قَطاما
25613ـ حدثنا ابن حُمَيد, قال: حدثنا مهران, عن سفيان, عن مجاهد ذَوَاتا أفْنانٍ قال: ذواتا ألوان.
25614ـ قال: ثنا مهران, عن أبي سنان ذَوَاتا أفْنانٍ قال: ذواتا ألوان.
25615ـ حُدثت عن الحسين, قال: سمعت أبا معاذ يقول: حدثنا عبيد, قال: سمعت الضحاك يقول في قوله: ذَوَاتا أفْنانٍ يقول: ألوان من الفاكهة.
وقال آخرون: ذواتا أغصان. ذكر من قال ذلك:
25616ـ حدثنا ابن حُميد, قال: حدثنا مهران, عن سفيان, عن رجل من أهل البصرة, عن مجاهد ذَوَاتا أفْنانٍ قال: ذواتا أغصان.
وقال آخرون: معنى ذلك: ذواتا أطراف أغصان الشجر. ذكر من قال ذلك:
25617ـ حدثني محمد بن سعد, قال: ثني أبي, قال: ثني عمي, قال: ثني أبي, عن أبيه, عن ابن عباس, قوله: ذَوَاتا أفْنانٍ يقول: فيما بين أطراف شجرها, يعني: يمسّ بعضها بعضا كالمعروشات, ويقال ذواتا فضول عن كلّ شيء.
وقال آخرون: بل عنى بذلك فضلهما وسعتهما على ما سواهما. ذكر من قال ذلك:
25618ـ حدثنا بشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة, قوله: ذَوَاتا أفْنانٍ يعني: فضلهما وسعتهما على ما سواهما.
حدثنا ابن عبد الأعلى, قال: حدثنا ابن ثور, عن معمر, عن قتادة, في قوله: ذَوَاتا أفْنانٍ قال: ذواتا فضل على ما سواهما.
وقوله: فَبِأيّ آلاءِ رَبّكُما تُكَذّبانِ يقول تعالى ذكره: فبأيّ نعم ربكما معشر الثقلين التي أنعم عليكما بإثابته هذا الثواب أهل طاعته تكذّبان.
الآية : 50-53
القول فـي تأويـل قوله تعالى: {فِيهِمَا عَيْنَانِ تَجْرِيَانِ * فَبِأَيّ آلآءِ رَبّكُمَا تُكَذّبَانِ * فِيهِمَا مِن كُلّ فَاكِهَةٍ زَوْجَانِ * فَبِأَيّ آلآءِ رَبّكُمَا تُكَذّبَانِ }.
يقول تعالى ذكره في هاتين الجنتين عينا ماء تجريان خلالهما, فبأيّ آلاء ربكما تكذّبان.
وقوله: فِيهِما مِنْ كُلّ فاكِهَةٍ زَوْجانِ يقول تعالى ذكره: فيهما من كلّ نوع من الفاكهة ضربان, فبأيّ آلاء ربكما التي أنعم بها على أهل طاعته من ذلك تكذّبان.

الآية : 54-55
القول فـي تأويـل قوله تعالى: {مُتّكِئِينَ عَلَى فُرُشٍ بَطَآئِنُهَا مِنْ إِسْتَبْرَقٍ وَجَنَى الْجَنّتَيْنِ دَانٍ * فَبِأَيّ آلآءِ رَبّكُمَا تُكَذّبَانِ }.
يقول تعالى ذكره: وَلِمَنْ خافَ مَقَامَ رَبّه جَنّتانِ يتنعمون فيهما مُتّكِئِينَ عَلى فُرُشٍ, فنصب متكئين على الحال من معنى الكلام الذي قبله لأن الذي قبله بمعنى الخبر عمن خاف مقام ربه أنه في نَعْمة وسرور, يتنعمون في الجنتين.
وقوله: على فُرُشٍ بَطائِنُها مِنْ اسْتَبْرَقٍ وَجَنى الجَنّتَين يقول تعالى ذكره: بطائن هذه الفرش من غليظ الديباج, والإستبرق عند العرب: ما غلظ من الديباج وخشن.
وكان بعض أهل العلم بكلام العرب من أهل البصرة يقول: يسمى المتاع الذي ليس في صفاقة الديباج ولا خفة العَرَقة استبرقا. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك:
25619ـ حدثني عمران بن موسى القَزّاز, قال: حدثنا عبد الوارث بن سعيد, قال: حدثنا يحيى بن أبي إسحاق, قال قال لي سالم بن عبد الله: ما الإستبرق؟ قال: قلت: ما غلظ من الديباج وخشن منه.
25620ـ حدثنا محمد بن بشار قال: حدثنا يحيى بن أبي عَرُوبة, عن قتادة, عن عكرِمة, في قوله: اسْتَبْرَق قال: الديباج الغليظ.
25621ـ وحدثنا إسحاق بن زيد الخطابيّ, قال: حدثنا الفريابيّ, عن سفيان, عن أبي إسحاق, عن هبيرة بن يريم عن ابن مسعود في قوله: فُرُشٍ بَطائِنُها مِنِ اسْتَبرَقٍ قال: قد أخبرتم بالبطائن, فكيف لو أخبرتم بالظواهر؟.
25622ـ حدثنا الرفاعيْ, قال: حدثنا ابن اليمان, عن سفيان, عن أبي إسحاق, عن هبيرة, قال: هذه البطائن فما ظنكم بالظواهر؟.
25623ـ حدثنا أبو هشام الرفاعي, قال: حدثنا أبو داود, عن يعقوب, عن جعفر, عن سعيد, قال: قيل له: هذه البطائن من إستبرق فما الظواهر؟ قال: هذا مما قال الله فَلا تَعْلَمُ نَفْسٌ ما أُخْفِيَ لَهُمْ مِن قُرّةِ أَعْيُنٍ وقد زعم أهل العربية أن البطانة قد تكون ظهارة, والظهارة تكون بطانة, وذلك أن كل واحد منهما قد يكون وجها. قال: وتقول العرب: هذا ظهر السماء, وهذا بطن السماء لظاهرها الذي نراه.
وقوله: وَجَنى الجَنّتَينِ دانٍ يقول: وثمر الجنتين الذي يجتني قريب منهم, لأنهم لا يتعبون بصعود نخلها وشجرها, لاجتناء ثمرها, ولكنهم يجتنونها من قعود بغير عناء. كما:
25624ـ حدثنا بشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة, قوله: وَجَنى الجَنّتَينِ دَانٍ ثمارهم دانية, لا يردّ أيديهم عنه بعد ولا شوك. ذُكر لنا أن نبيّ الله صلى الله عليه وسلم قال: «وَالّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ, لا يَقْطَعُ رَجُلٌ ثَمَرَة مِنَ الجَنّةِ, فَتَصِلُ إلى فِيهِ حتى يُبَدّلَ اللّهُ مَكانَها خَيْرا مِنْها».
حدثنا ابن عبد الأعلى, قال: حدثنا ابن ثور, عن معمر, عن قتادة وَجَنى الجَنّتَينِ دَانٍ قال: لا يردّ يده بعد ولا شوك.
25625ـ حدثني عليّ, قال: حدثنا أبو صالح, قال: ثني معاوية, عن عليّ, عن ابن عباس, قوله: وَجَنى الجَنَتينِ دَانٍ يقول: ثمارها دانية.
وقوله: فَبأيّ آلاءِ رَبّكُما تُكَذّبانِ يقول تعالى ذكره فبأيّ آلاء ربكما معشر الثقلين التي أنعم عليكما من أثاب أهل طاعته منكم هذا الثواب, وأكرمهم هذه الكرامة تكذّبان.

الآية : 56-57
القول فـي تأويـل قوله تعالى: {فِيهِنّ قَاصِرَاتُ الطّرْفِ لَمْ يَطْمِثْهُنّ إِنسٌ قَبْلَهُمْ وَلاَ جَآنّ * فَبِأَيّ آلآءِ رَبّكُمَا تُكَذّبَانِ }.
يقول تعالى ذكره في هذه الفرش التي بطائنها من إستبرق قاصِرَاتُ الطّرْفِ وهنّ النساء اللاتي قد قُصرَ طرفهنّ على أزواجهنّ, فلا ينظرن إلى غيرهم من الرجال. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك:
25626ـ حدثني محمد بن عبيد المحاربي, قال: ثني أبي, عن أبي يحيى, عن مجاهد, في قوله: فِيهِنّ قاصِرَاتُ الطّرْفِ قال: قَصُر طرفهنّ عن الرجال, فلا ينظرن إلا إلى أزواجهنّ.
25627ـ حدثنا بشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة فِيهِنّ قاصِرَاتُ الطّرْفِ... الاَية, يقول: قُصِر طرفهنّ على أزواجهنّ, فلا يردن غيرهم.
25628ـ حدثني يونس, قال: أخبرنا ابن وهب, قال: قال ابن زيد, في قوله: قاصِراتُ الطّرْفِ قال: لا ينظرن إلا إلى أزواجهنّ, تقول: وعزّة ربي وجلاله وجماله, إن أرى في الجنة شيئا أحسن منَك, فالحمد لله الذي جعلك زوجي, وجعلني زوجَك.
وقوله: لَمْ يَطْمِثْهُنّ إنْسٌ قَبْلَهُمْ وَلا جانّ يقول: لم يمسهن إنس قبل هؤلاء الذين وصف جلّ ثناؤه صفتهم, وهم الذين قال فيهم ولِمَنْ خافَ مَقامَ رَبّهِ جَنّتانِ ولا جان يقال منه: ما طمث هذا البعيرَ حبلٌ قطّ: أي ما مَسّهُ حبل.
وكان بعض أهل العلم بكلام العرب من الكوفيين يقول: الطمث هو النكاح بالتدمية, ويقول: الطمث هو الدم, ويقول: طمثها إذا دماها بالنكاح. وإنما عنى في هذا الموضع أنه لم يجامعهنّ إنس قبلهم ولا جانّ. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك:
25629ـ حدثني عليّ, قال: حدثنا أبو صالح, قال: ثني معاوية, عن عليّ, عن ابن عباس, قوله: لَمْ يَطْمِثْهُنّ إنْسٌ قَبْلَهُمْ وَلا جانّ يقول: لم يُدْمِهنّ إنس ولا جانّ.
25630ـ حدثنا ابن حُمَيد, قال: حدثنا مهران, عن سفيان, عن إسماعيل, عن رجل عن عليّ لَمْ يَطْمِثْهُنّ إنْسٌ قَبْلَهُمْ وَلا جانّ قال: منذ خلقهنّ.
25631ـ حدثنا الحسين بن يزيد الطحان, قال: حدثنا أبو معاوية الضرير, عن مغيرة بن مسلم, عن عكرمة, قال: لا تقل للمرأة طامث, فإن الطّمْث هو الجماع, إن الله يقول: لَمْ يَطْمِثْهُنّ إنْسٌ قَبْلَهُمْ وَلا جانّ.
25632ـ حدثنا يونس, قال: أخبرنا ابن وهب, قال: قال ابن زيد في قوله: لَمْ يَطْمِثْهُنّ إنْسٌ قَبْلَهُمْ وَلا جانّ قال: لم يَمَسّهنّ شيء إنس ولا غيره.
25633ـ حدثني محمد بن عمرو, قال: حدثنا أبو عاصم, قال: حدثنا عيسى وحدثني الحارث, قال: حدثنا الحسن, قال: حدثنا ورقاء جميعا, عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد, في قوله: لَمْ يَطْمِثْهُنّ إنْسٌ قَبْلَهُمْ وَلا جانّ قال: لم يَمَسّهنّ.
25634ـ حدثنا عمرو بن عبد الحميد الاَملي, قال: حدثنا مروان بن معاوية, عن عاصم, قال: قلت لأبي العالية امرأة طامث, قال: ما طامث؟ فقال رجل: حائض, فقال أبو العالية: حائض, أليس يقول الله عزّ وجل لَمْ يَطْمِثْهُنّ إنْسٌ قَبْلَهُمْ وَلا جانّ.
فإن قال قائل: وهل يجامع النساءَ الجنّ, فيقال: لَمْ يَطْمِثْهُنّ إنْسٌ قَبْلَهُمْ وَلا جانّ؟ فإن مجاهدا روي عنه ما.
25635ـ حدثني به محمد بن عمارة الأسدي, قال: حدثنا سهل بن عامر, قال: حدثنا يحيى بن يَعْلَى الأسلميّ عن عثمان بن الأسود, عن مجاهد, قال: إذا جامع ولم يسمّ, انطوى الجانّ على إحليله فجامع معه, فذلك قوله: لَمْ يَطْمِثْهُنّ إنْس قَبْلَهُمْ وَلا جانّ.
وكان بعض أهل العلم ينتزع بهذه الاَية في أن الجنّ يدخلون الجنة. ذكر من قال ذلك:
25636ـ حدثني أبو حُمَيد أحمد بن المغيرة الحمصي, قال: ثني أبو حَيْوة شريح بن يزيد الحضرمي, قال: ثني أرطاة بن المنذر, قال: سألت ضَمْرة بن حبيب: هل للجنّ من ثواب؟ قال: نعم, ثم نزع بهذه الاَية لَمْ يَطْمِثْهُنّ إنْسٌ قَبْلَهُمْ وَلا جانّ فالإنسيات للإنس, والجنيات للجنّ.
وقوله: فَبِأيّ آلاءِ رَبّكُما تُكَذّبانِ يقول تعالى ذكره فبأيّ آلاء ربكما معشر الجنّ والإنس من هذه النعم التي أنعمها على أهل طاعته تكذّبان.

الآية : 58-61
القول فـي تأويـل قوله تعالى: {كَأَنّهُنّ الْيَاقُوتُ وَالْمَرْجَانُ * فَبِأَيّ آلآءِ رَبّكُمَا تُكَذّبَانِ * هَلْ جَزَآءُ الإِحْسَانِ إِلاّ الإِحْسَانُ * فَبِأَيّ آلآءِ رَبّكُمَا تُكَذّبَانِ }.
يقول تعالى ذكره كأن هؤلاء القاصرات الطرف اللواتي هنّ في هاتين الجنتين في صفائهن الياقوت الذي يرى السلك الذي فيه من ورائه, فكذلك يرى مخّ سوقهنّ من وراء أجسامهنّ, وفي حسنهنّ الياقوت والمرجان. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر الأثر الذي رُوي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بذلك:
25637ـ حدثني محمد بن حاتم, قال: حدثنا عبيدة, عن حُمَيد, عن عطاء بن السائب, عن عمرو بن ميمون, عن ابن مسعود عن النبيّ صلى الله عليه وسلم قال: «إنّ المَرأةَ مِنْ أهْل الجَنّةِ لَيُرَى بَياضُ ساقِها مِنْ وَرَاءِ سَبْعِينَ حُلّةً مِنْ حَرِيرٍ ومُخّها,وذلكَ أنّ اللّهَ تَبارَكَ وَتَعالى يَقُولُ: كأنّهُنّ الياقُوتُ وَالمَرْجانُ أمّا الياقُوتُ فإنّهُ لَوْ أدْخَلْتَ فِيهِ سِلْكا ثُمّ اسْتَصْفَيْتَهُ لرأيْتَهُ مِنْ وَرَائِهِ».
حدثني يعقوب بن إبراهيم, قال: حدثنا ابن علية, عن عطاء بن السائب, عن عمرو بن ميمون, قال: قال ابن مسعود: إن المرأة من أهل الجنة لتلبس سبعين حلة من حرير, يرى بياض ساقها وحسن ساقها من ورائهنّ, ذلكم بأن الله يقول: كأنّهُنّ الياقُوتُ وَالمَرْجانُ ألا وإنما الياقوت حجر فلو جعلت فيه سلكا ثم استصفيته, لنظرت إلى السلك من وراء الحجر.
25638ـ قال: ثنا ابن علية, قال: حدثنا أبو رجاء, عن الحسن, في قوله: كأنّهُنّ الياقُوتُ والمَرْجانُ في بياض المرجان.
حدثنا أبو هشام الرفاعي, قال: حدثنا ابن فضيل, قال: حدثنا عطاء بن السائب, عن عمرو بن ميمون, قال: أخبرنا عبد الله: إن المرأة من أهل الجنة لتلبس سبعين حلة من حرير, فيرى بياض ساقها وحسنه, ومخّ ساقها من وراء ذلك, وذلك لأن الله قال: كأنّهُنّ الياقُوتُ وَالمَرْجانُ ألا ترى أن الياقوت حجر فإذا أدخلت فيه سلكا, رأيت السلك من وراء الحجر.
25639ـ حدثنا ابن بشار, قال: حدثنا عبد الرحمن, قال: حدثنا سفيان, عن أبي إسحاق, عن عمرو بن ميمون, قال: «إن المرأة من الحور العين لتلبس سبعين حلة, فيرى مخّ ساقها كما يرى الشراب الأحمر في الزجاجة البيضاء».
25640ـ حدثني محمد بن عبيد المحاربيّ, قال: حدثنا المطلب بن زياد, عن السديّ, في قوله: كأنّهُنّ الياقُوتُ وَالمَرْجانُ قال: صفاء الياقوت وحسن المرجان.
25641ـ حدثنا بشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة كأنّهُنّ الياقُوتُ وَالمَرْجانُ صفاء الياقوت في بياض المرجان. ذُكر لنا أن نبيّ الله صلى الله عليه وسلم قال: «مَنْ دَخَلَ الجَنّةَ فَلَهُ فِيها زَوْجَتانِ يُرَى مُخّ سُوقِهِما مِنْ وَرَاءِ ثِيابِهِما».
حدثنا ابن بشار, قال: حدثنا محمد بن مروان, قال: حدثنا أبو العوّام, عن قتادة كأنّهُنّ الياقُوتُ وَالمَرْجانُ قال: شبّه بهنّ صفاء الياقوت في بياض المرجان.
حدثنا محمد بن عبد الأعلى, قال: حدثنا ابن ثور, عن معمر, عن قتادة كأنّهُنّ الياقُوتُ وَالمَرْجانُ في صفاء الياقوت وبياض المرجان.
25642ـ حدثني يونس, قال: أخبرنا ابن وهب, قال: قال ابن زيد, في قوله: كأنّهُنّ الياقُوتُ وَالمَرْجانُ قال: كأنهنّ الياقوت في الصفاء, والمرجان في البياض, الصفاء: صفاء الياقوتة, والبياض: بياض اللؤلؤ.
25643ـ حدثنا ابن حُمَيد, قال: حدثنا مهران, عن سفيان كأنّهُنّ الياقُوتُ وَالمَرْجانُ قال: في صفاء الياقوت وبياض المرجان.
وقوله: فَبِأيّ آلاءِ رَبّكُما تُكَذْبانِ يقول تعالى ذكره: فبأيّ نعم ربكما التي أنعم عليكم معشر الثقلين من إثابته أهل طاعته منكم بما وصف في هذه الاَيات تكذّبان.
وقوله: هَلْ جَزَاءُ الإحْسانِ إلاّ الإحْسانُ يقول تعالى ذكره: هل ثواب خوف مقام الله عزّ وجلّ لمن خافه فأحسن في الدنيا عمله, وأطاع ربه, إلا أن يحسن إليه في الاَخرة ربّهُ, بأن يجازيه على إحسانه ذلك في الدنيا ما وصف في هذه الاَيات من قوله: ولِمَنْ خافَ مَقامَ رَبّهِ جَنّتانِ... إلى قوله: كأنّهُنّ الياقُوتُ وَالمَرْجانُ. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل, وإن اختلفت ألفاظهم بالعبارة عنه. ذكر من قال ذلك:
25644ـ حدثنا ابن بشار, قال: حدثنا محمد بن مروان, قال: حدثنا أبو العوّام, عن قتادة هَلْ جَزاءُ الإحْسانِ إلاّ الإحْسانُ قال: عملوا خيرا فجوزوا خيرا.
25645ـ حدثنا محمد بن عمرو, قال: حدثنا عبيدة بن بكار الأزدي, قال: ثني محمد بن جابر, قال: سمعت محمد بن المنكدر يقول في قول الله جلّ ثناؤه: هَلْ جَزَاءُ الإحْسانِ إلاّ الإحْسانُ قال: هل جزاء من أنعمت عليه بالإسلام إلا الجنة.
25646ـ حدثني يونس, قال: أخبرنا ابن وهب, قال: قال ابن زيد, في قوله: هَلْ جَزاءُ الإحْسانِ إلاّ الإحْسانُ قال: ألا تراه ذكرهم ومنازلهم وأزواجهم, والأنهار التي أعدّها لهم, وقال: هَلْ جَزَاءُ الإحْسانِ إلاّ الإحْسانُ حين أحسنوا في هذه الدنيا أحسنا إليهم أدخلناهم الجنة.
25647ـ حدثنا ابن حُمَيد, قال: حدثنا مهران, قال: حدثنا سفيان, عن سالم بن أبي حفصة, عن أبي يعلى, عن محمد بن الحنفية هَلْ جَزاءُ الإحْسانِ إلا الإحْسانُ قال: هي مسجّلة للبرّ والفاجر.
وقوله: فَبِأيّ آلاءِ رَبّكُما تُكَذّبانِ يقول: فبأيّ نعم ربكما معشر الثقلين التي أنعم عليكم من إثابته المحسن منكم بإحسانه تكذّبان؟

الآية : 62-67
القول فـي تأويـل قوله تعالى: {وَمِن دُونِهِمَا جَنّتَانِ * فَبِأَيّ آلآءِ رَبّكُمَا تُكَذّبَانِ * مُدْهَآمّتَانِ * فَبِأَيّ آلآءِ رَبّكُمَا تُكَذّبَانِ * فِيهِمَا عَيْنَانِ نَضّاخَتَانِ * فَبِأَيّ آلآءِ رَبّكُمَا تُكَذّبَانِ }.
يقول تعالى ذكره: ومن دون هاتين الجنتين اللتين وصف الله جلّ ثناؤه صفتهما التي ذكر أنهما لمن خاف مقام ربه جنتان. ثم اختلف أهل التأويل في معنى قوله: وَمِنْ دُونِهِما في هذا الموضع, فقال بعضهم: معنى ذلك: ومن دونهما في الدّرَج. ذكر من قال ذلك:
25648ـ حدثنا محمد بن منصور الطوسيّ, قال: حدثنا إسحاق بن سليمان, قال: حدثنا عمرو بن أبي قيس, عن ابن أبي ليلى, عن المنهال بن عمرو, عن سعيد بن جُبَير, عن ابن عباس, في قوله: وكانَ عَرْشُهُ على المَاءِ قال: كان عرش الله على الماء, ثم اتخذ لنفسه جنة, ثم اتخذ دونها جنة أخرى, ثم أطبقهما بلؤلؤة واحدة قال: وَمِنْ دُونِهِما جَنّتانِ وهي التي لا تعلم, أو قال: وهما التي لا تعلم نفس ما أخفى لهم من قرّة أعين جزاء بما كانوا يعملون. قال: وهي التي لا تعلم الخلائق ما فيهما, أو ما فيها, يأتيهم كلّ يوم منها أو منهما تحفة.
25649ـ حدثنا ابن حُمَيد, قال: حدثنا يعقوب, عن عنبسة, عن سالم الأفطس, عن سعيد بن جُبَير بنحوه.
وقال آخرون: بل معنى ذلك: ومن دونهما في الفضل. ذكر من قال ذلك:
25650ـ حدثني يونس, قال: أخبرنا ابن وهب, قال: قال ابن زيد, في قوله: وَمِنْ دُونِهِما جَنّتانِ هما أدنى من هاتين لأصحاب اليمين.
وقوله: فَبِأيّ آلاءِ رَبّكُما تُكَذّبان يقول: فبأيّ نعم ربكما التي أنعم عليكم بإثابته أهل الإحسان ما وصف من هاتين الجنتين تكذّبان؟.
وقوله: مُدْهامّتانِ يقول تعالى ذكره. مسوادّتان من شدة خضرتهما. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك:
25651ـ حدثني عليّ, قال: حدثنا أبو صالح قال: ثني معاوية, عن عليّ, عن ابن عباس, قوله: مُدْهامّتانِ يقول: خضراوان.
حدثني محمد بن سعد, قال: ثني أبي, قال: ثني عمي, قال: ثني أبي, عن أبيه, عن ابن عباس, قوله: مُدْهامّتانِ قال: خضراوان من الريّ, ويقال: ملتفتان.
25652ـ حدثني موسى بن عبد الرحمن المسروقي, قال: أخبرنا محمد بن بشر, قال: حدثنا إسماعيل بن أبي خالد عن حارثة بن سليمان السلميّ, قال: سمعت ابن الزّبَير وهو يفسّر هذه الاَية على المنبر, وهو يقول: هل تدرون ما مُدْهامّتانِ؟ خضراوان من الريّ.
حدثني محمد بن عمارة هو الأسديّ, قال: حدثنا عبيد الله بن موسى, قال: أخبرنا إسماعيل بن أبي خالد, عن حارثة بن سليمان, هكذا قال, قال ابن الزّبَير مُدْهامّتانِ خضراوان من الريّ.
حدثني يعقوب بن إبراهيم, قال: حدثنا مروان بن معاوية, عن إسماعيل بن أبي خالد, عن حارثة بن سليمان, أن ابن الزّبَير قال: مُدْهامّتانِ قال: هما خضراوان من الريّ.
حدثنا الفضل بن الصباح, قال: حدثنا ابن فضيل, عن عطاء, عن سعيد بن جُبَير, عن ابن عباس مُدْهامّتانِ قال: خضراوان.
25653ـ حدثنا أبو كُرَيب, قال: حدثنا ابن إدريس, عن أبيه, عن عطية مُدْهامّتانِ قال: خضراوان من الرّيّ.
25654ـ حدثني محمد بن عمارة, قال: حدثنا عبيد الله بن موسى, قال: أخبرنا إسماعيل بن أبي خالد, عن أبي صالح في قوله: مُدْهامّتانِ قال: خضراوان من الريّ.
25655ـ حدثنا ابن حُمَيد, قال: حدثنا يعقوب, عن عنبسة, عن سالم الأفطس, عن سعيد بن جُبَير مُدْهامّتانِ قال: علاهما الريّ من السواد والخضرة.
25656ـ قال: ثنا حكام, عن عمرو, عن عطاء, عن سعيد بن جُبَير مُدْهامّتانِ قال: خضراوان.
25657ـ حدثني محمد بن عمرو, قال: حدثنا أبو عاصم, قال: حدثنا عيسى وحدثني الحارث, قال: حدثنا الحسن, قال: حدثنا ورقاء جميعا, عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد, في قوله: مُدْهامّتانِ قال: مسوادّتان.
25658ـ حدثنا بشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة, قوله: مُدْهامّتانِ يقول: خضراوان من الريّ ناعمتان.
حدثنا ابن عبد الأعلى, قال: حدثنا ابن ثور, عن معمر, عن قتادة, في قوله: مُدْهامّتانِ قال: خضراوان من الريّ: إذا اشتدت الخضرة ضربت إلى السواد.
25659ـ حدثني يعقوب, قال: حدثنا ابن علية, عن أبي رجاء, عن الحسن, في قوله: مُدْهامّتانِ قال: ناعمتان.
25660ـ حدثنا ابن حُمَيد, قال: حدثنا مهران, عن أبي سنان مُدْهامّتانِ قال: مسوادّتان من الريّ.
25661ـ حدثني يونس, قال: أخبرنا ابن وهب, قال: قال ابن زيد, في قوله: ولِمَنْ خافَ مَقامَ رَبّهِ جَنّتانِ قال: جنتا السابقين, فقرأ ذَوَاتا أفْنانٍ, وقرأ كأنّهُنّ الياقُوتُ وَالمَرْجانُ, ثم رجع إلى أصحاب اليمين فقال وَمِنْ دُونِهِما جَنّتانِ فذكر فضلهما وما فيهما, قوله: مُدْهامّتانِ من الخضرة من شدة خضرتهما, حتى كادتا تكونان سَوْداوين.
حدثني محمد بن سنان القزّاز, قال: حدثنا الحسين بن الحسن الأشقر, قال: حدثنا أبو كُدَينة, عن عطاء بن السائب, عن سعيد بن جُبَير, عن ابن عباس, في قوله: مُدْهامّتانِ قال: خضراوان.
وقوله: فَبِأيّ آلاءِ رَبّكُما تُكَذّبانِ يقول: فبأيّ نِعَم ربكما التي أنعم عليكم بإثابته أهل الإحسان ما وصف في هاتين الجنتين تكذّبان.
وقوله: فِيهِما عَيْنانِ نَضّاخَتانِ يقول تعالى ذكره في هاتين الجنتين اللتين من دون الجنتين اللتين هما لمن خاف مقام ربه, عينان نضاختان, يعني فوّارتان.
واختلف أهل التأويل في المعنى الذي تنضخان به, فقال بعضهم: تنضخان بالماء. ذكر من قال ذلك:
25662ـ حدثنا هناد بن السريّ, قال: حدثنا أبو الأحوص, عن سماك عن عكرِمة, في قوله: فِيهِما عَيْنانِ نَضّاخَتانِ قال: ينضخان بالماء.
25663ـ حدثني يونس, قال: أخبرنا ابن وهب, قال: قال ابن زيد, في قوله: نَضّاخَتانِ قال: تنضخان بالماء.
25664ـ حدثني عليّ, قال: حدثنا أبو صالح, قال: ثني معاوية, عن عليّ, عن ابن عباس, قوله: فِيهِما عَيْنانِ نَضّاخَتانِ يقول: نضاختان بالماء.
وقال آخرون: بل معنى ذلك أنهما ممتلئتان. ذكر من قال ذلك:
25665ـ حُدثت عن الحسين, قال: سمعت أبا معاذ يقول: حدثنا عبيد, قال: سمعت الضحاك يقول في قوله: عَيْنانِ نَضّاخَتانِ قال: ممتلئتان لا تنقطعان.
وقال آخرون: تنضخان الماء والفاكهة. ذكر من قال ذلك:
25666ـ حدثنا أبو كُرَيب, قال: حدثنا يحيى بن يمان, عن أشعث, عن جعفر, عن سعيد, في قوله: فِيهِما عَيْنانِ نَضّاخَتانِ قال: بالماء والفاكهة.
وقال آخرون: نضاختان بألوان الفاكهة. ذكر من قال ذلك:
حدثنا ابن حُمَيد, قال: حدثنا يعقوب القمي, عن جعفر, عن سعيد فِيهِما عَيْنانِ نَضّاخَتانِ قال: نضاختان بألوان الفاكهة.
وقال آخرون: نضاختان بالخير. ذكر من قال ذلك:
25667ـ حدثني محمد بن سعد, قال: ثني أبي, قال: ثني عمي, قال: ثني أبي, عن أبيه, عن ابن عباس, قوله: فِيهِما عَيْنانِ نَضّاخَتانِ يقول: نضاختان بالخير.
وأولى الأقوال في ذلك بالصواب قول من قال: عُنِي بذلك أنهما تنضخان بالماء, لأنه المعروف بالعيون إذ كانت عيون ماء.
وقوله: فَبِأيْ آلاءِ رَبّكُما تُكَذّبانِ يقول تعالى ذكره: فبأيّ نِعَم ربكما التي أنعم عليكم بإثابته محسنكم هذا الثواب الجزيل تكذّبان؟