تفسير الطبري تفسير الصفحة 534 من المصحف

 تفسير الطبري - صفحة القرآن رقم 534
535
533
 الآية : 68-71
القول فـي تأويـل قوله تعالى: {فِيهِمَا فَاكِهَةٌ وَنَخْلٌ وَرُمّانٌ * فَبِأَيّ آلآءِ رَبّكُمَا تُكَذّبَانِ * فِيهِنّ خَيْرَاتٌ حِسَانٌ * فَبِأَيّ آلآءِ رَبّكُمَا تُكَذّبَانِ }.
يقول تعالى ذكره: وفي هاتين الجنتين المدهامّتين فاكهة ونخل ورمّان.
وقد اختلف في المعنى الذي من أجله أعيد ذكر النخل والرمان وقد ذُكر قبل أن فيهما الفاكهة, فقال بعضهم: أعيد ذلك لأن النخل والرمان ليسا من الفاكهة.
وقال آخرون: هما من الفاكهة وقالوا: قلنا هما من الفاكهة, لأن العرب تجعلهما من الفاكهة, قالوا: فإن قيل لنا: فكيف أعيدا وقد مضى ذكرهما مع ذكر سائر الفواكه؟ قلنا: ذلك كقوله: حافِظوا على الصّلَوَاتِ والصّلاةِ الوُسْطَى فقد أمرهم بالمحافظة على كلّ صلاة, ثم أعاد العصر تشديدا لها, كذلك أعيد النخل والرمّان ترغيبا لأهل الجنة. وقال: وذلك كقوله: أَلمْ تَرَ أنّ اللّهَ يَسْجُدُ لَهُ مَنْ فِي السّمَواتِ وَمَنْ فِي الأرْضِ, ثم قال: وكَثِيرٌ مِنَ النّاس وكَثِيرٌ حَقّ عَلَيْهِ العذَابُ, وقد ذكرهم في أوّل الكلمة في قوله: مَنْ فِي السّمَوَاتِ وَمَنْ فِي الأرْضِ.
25668ـ حدثنا ابن عبد الأعلى, قال: حدثنا ابن ثور, عن معمر, عن رجل, عن سعيد بن جُبير, قال: نخل الجنة جذوعها من ذهب, وعروقها من ذهب, وكرانيفها من زمرد, وسعفها كسوة لأهل الجنة, ورطبها كالدلاء, أشدّ بياضا من اللبن, وألين من الزبد, وأحلى من العسل, ليس له عَجَم.
25669ـ قال: ثنا ابن ثور, عن معمر, عن زيد بن أسلم, عن وهب الذماري, قال: بلغنا أن في الجنة نخلاً جذوعها من ذهب, وكرانيفها من ذهب, وجريدها من ذهب, وسعفها كسوة لأهل الجنة, كأحسن حلل رآها الناس قط, وشماريخها من ذهب, وعراجينها من ذهب, وثفاريقها من ذهب, ورطبها أمثال القِلال, أشدّ بياضا من اللبن والفضة, وأحلى من العسل والسكر, وألين من الزّبد والسّمْن.
وقوله: فَبِأيّ آلاءِ رَبّكما تكَذْبانِ يقول: فبأيّ نِعَم ربكما تكذّبان, يقول: فبأيّ نعم ربكما التي أنعمها عليكم بهذه الكرامة التي أكرم بها محسنكم تكذّبان.
وقوله: فِيهِنّ خَيْرَاتٌ حِسانٌ يقول تعالى ذكره: في هذه الجنان الأربع اللواتي اثنتان منهنّ لمن يخاف مقام ربه, والأُخريان منهنّ من دونهما المدهامتان خيرات الأخلاق, حِسان الوجوه. كما:
25670ـ حدثنا بشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة فِيهِنّ خَيْرَاتٌ حِسانٌ يقول: في هذه الجنان خيرات الأخلاق, حِسان الوجوه.
حدثنا ابن عبد الأعلى, قال: حدثنا ابن ثور, عن معمر, عن قتادة, في قوله: خَيْراَتٌ حِسانٌ قال: خيرات في الأخلاق, حِسان في الوجوه.
25671ـ حدثني يونس, قال: أخبرنا ابن وهب, قال: قال ابن زيد, في قوله: فِيهِنّ خَيْرَاتٌ حِسانٌ قال: الخيرات الحسان: الحور العين.
حدثنا ابن بشار, قال: حدثنا محمد بن مروان, قال: حدثنا أبو العوام, عن قتادة فِيهِنّ خَيْرَاتٌ حِسانٌ قال: خيرات الأخلاق, حِسان الوجوه.
25672ـ حدثنا أبو هشام, قال: حدثنا وكيع, عن سفيان, عن جابر, عن القاسم بن أبي بزّة, عن أبي عبيد, عن مسروق, عن عبد الله فِيهِنّ خَيْرَاتٌ حِسانٌ قال: في كل خيمة زوجة.
25673ـ حدثنا أحمد بن عبد الرحمن بن وهب, قال: حدثنا محمد بن الفرج الصّدَفيّ الدمياطي عن عمرو بن هاشم, عن ابن أبي كريمة, عن هشام بن حسان, عن الحسن, عن أمه, عن أمّ سلمة قالت قلت: يا رسول الله أخبرني عن قوله: فِيهِنّ خَيْرَاتٌ حِسانٌ قال: «خَيْرَاتُ الأخْلاقِ, حِسانُ الوُجُوهِ».
قوله: فَبِأيّ آلاءِ رَبّكُما تُكَذّبانِ يقول: فبأيّ نِعَم ربكما التي أنعم عليكما بما ذكر تكذّبان.

الآية : 72-75
القول فـي تأويـل قوله تعالى: {حُورٌ مّقْصُورَاتٌ فِي الْخِيَامِ * فَبِأَيّ آلآءِ رَبّكُمَا تُكَذّبَانِ * لَمْ يَطْمِثْهُنّ إِنسٌ قَبْلَهُمْ وَلاَ جَآنّ * فَبِأَيّ آلآءِ رَبّكُمَا تُكَذّبَانِ }.
يقول تعالى ذكره مخبرا عن هؤلاء الخيرات الحسان حُورٌ يعني بقول حور: بِيض, وهي جمع حوراء, والحوراء: البيضاء.
وقد بيّنا معنى الحور فيما مضى بشواهده المغنية عن إعادتها في هذا الموضع. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك:
25674ـ حدثنا أبو هشام, قال: حدثنا عبيد الله بن موسى, قال: أخبرنا إسرائيل, عن أبي يحيى القتات, عن مجاهد حُورٌ قال: بيض.
قال: ثنا أبو نعيم, عن إسرائيل, عن مسلم, عن مجاهد حُورٌ قال: بيض.
25675ـ قال: ثنا وكيع, قال: حدثنا سفيان, عن منصور, عن مجاهد حُورٌ قال: النساء.
25676ـ حُدثت عن الحسين, قال: سمعت أبا معاذ يقول: حدثنا عبيد قال: سمعت الضحاك يقول في قوله: حُورٌ مَقْصُورَات الحوراء: العَيْناء الحسناء.
25677ـ حدثنا ابن حُمَيد, قال: حدثنا مهران, عن سفيان: الحور: سواد في بياض.
25678ـ قال: ثنا جرير, عن منصور, عن مجاهد, في قوله: حُورٌ مَقْصُورَاتٌ فِي الخِيامِ قال: الحور: البيض قلوبهم وأنفسهم وأبصارهم.
وأما قوله: مَقْصُورَاتٌ فإن أهل التأويل اختلفوا في تأويله, فقال بعضهم: تأويله أنهنّ قُصِرْن على أزواجهنّ, فلا يبغين بهم بدلاً, ولا يرفعن أطرافهنّ إلى غيرهم من الرجال. ذكر من قال ذلك:
25679ـ حدثنا أبو هشام, قال: حدثنا عبيد الله, قال: أخبرنا إسرائيل, عن أبي يحيى القتات, عن مجاهد: مَقْصُورَاتٌ فِي الخِيامِ قال: قُصِر طرفهنّ وأنفسهنّ على أزواجهنّ.
حدثنا أبو هشام, قال: حدثنا وكيع, قال: حدثنا سفيان, عن منصور, عن مجاهد مَقْصُورَاتٌ قال: قُصِر طرفهنّ على أزواجهنّ فلا يردن غيرهم.
حدثنا ابن حُمَيد, قال: حدثنا مهران, عن سفيان, عن منصور, عن مجاهد, مَقْصُورَاتٌ فِي الخِيامِ قال: قَصَرْن أنفسَهنّ وأبصارهنّ على أزواجهنّ, فلا يردن غيرهم.
25680ـ حدثنا أبو هشام, قال: حدثنا عبيد الله وابن اليمان, عن أبي جعفر, عن الربيع مَقْصُورَاتٌ فِي الخِيامِ قال: قصرن طرفهنّ على أزواجهنّ.
حدثنا ابن حُمَيد, قال: حدثنا حكام, عن عمرو, عن منصور, عن مجاهد مَقْصُورَاتٌ فِي الخِيامِ قال: قصرن أنفسهنّ وقلوبهنّ وأبصارهنّ على أزواجهنّ, فلا يردن غيرهم.
حدثنا أبو كُرَيب, قال: حدثنا يحيى بن يمان, عن سفيان, عن منصور, عن مجاهد مَقْصُورَاتٌ فِي الخِيامِ قال: قصر طرفهنّ على أزواجهنّ فلا يردن غيرهم.
حدثنا ابن حُمَيد, قال: حدثنا جرير, عن منصور عن مجاهد, قوله: مَقْصُورَاتٌ قال: مقصورات على أزواجهنّ فلا يردن غيرهم.
وقال آخرون: عُنِي بذلك أنهنّ محبوسات في الحِجال. ذكر من قال ذلك:
25681ـ حدثنا أبو كُرَيب, قال: حدثنا ابن يمان, عن أبي جعفر, عن الربيع, عن أبي العالية حُورٌ مَقْصُورَاتٌ فِي الخِيامِ قال: محبوسات في الخيام.
25682ـ حدثنا جعفر بن محمد البزوري, قال: حدثنا عبيد الله بن موسى, عن أبي جعفر, عن الربيع, بمثله.
25683ـ حدثنا أبو هشام الرفاعيّ, قال: حدثنا أبو نعيم, عن إسرائيل, عن مجاهد, عن ابن عباس مَقْصُورَاتٌ قال: محبوسات.
25684ـ حدثنا أبو كُرَيب, قال: حدثنا ابن يمان, قال: أخبرنا أبو معشر السندي, عن محمد بن كعب, قال: محبوسات في الحِجال.
25685ـ حدثني محمد بن عمرو, قال: حدثنا أبو عاصم, قال: حدثنا عيسى وحدثني الحارث, قال: حدثنا الحسن, قال: حدثنا ورقاء جميعا, عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد, في قوله: مَقْصُورَاتٌ فِي الخِيام قال: لا يبرحن الخيام.
25686ـ حدثني عبيد بن إسماعيل الهباري, قال: حدثنا عثام بن عليّ, عن إسماعيل, عن أبي صالح, في قوله: حُورٌ مَقْصُورَاتٌ فِي الخِيامِ قال: عَذارَى الجنة.
حدثنا أبو كُرَيب وأبو هشام قالا: حدثنا عثام بن عليّ, عن إسماعيل, عن أبي صالح, مثله.
25687ـ حُدثت عن الحسين, قال: سمعت أبا معاذ يقول: أخبرنا عبيد, قال: سمعت الضحاك يقول في قوله: مَقْصُورَاتٌ قال: المحبوسات في الخيام لا يخرجن منها.
25688ـ حدثني يعقوب, قال: حدثنا ابن علية, عن أبي رجاء, عن الحسن, في قوله: مَقْصُورَاتٌ فِي الخِيامِ قال: محبوسات, ليس بطوّافات في الطرق.
والصواب من القول في ذلك عندنا أن يقال: إن الله تبارك وتعالى وصفهنّ بأنهنّ مقصورات في الخيام والقصر: هو الحبس ولم يخصص وصفهنّ بأنهنّ محبوسات على معنى من المعنيين اللذين ذكرنا دون الاَخر بل عمّ وصفهنّ بذلك. والصواب أن يعمّ الخبر عنهنّ بأنهنّ مقصورات في الخيام على أزواجهنّ, فلا يردن غيرهم, كما عمّ ذلك.
وقوله: فِي الخِيامِ يعني بالخيام: البيوت, وقد تسمي العرب هوادج النساء خياما ومنه قول لبيد:
شاقَتْكَ ظُعْنُ الحَيّ يَوْمَ تَحَمّلُوافَتَكَنّسُوا قُطُنا تُصِرّ خِيامُها
وأما في هذه الاَية فإنه عُنِيَ بها البيوت. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك:
25689ـ حدثنا ابن المثنى, قال: حدثنا يحيى, عن سعيد, قال: حدثنا شعبة, قال: حدثنا عبد الملك بن ميسرة, عن أبي الأحوص, عن عبد الله حُورٌ مَقْصُورَاتٌ فِي الخِيامِ قال: الدرّ المجوّف.
حدثنا الحسن بن عرفة, قال: حدثنا شبابة, قال: حدثنا شعبة, عن عبد الملك, عن أبي الأحوص, عن عبد الله, مثله.
25690ـ حدثني يحيى بن طلحة اليربوعيّ, قال: حدثنا فضيل بن عياش, عن هشام, عن محمد, عن ابن عباس في قوله: حُورٌ مَقْصُورَاتٌ فِي الخِيامِ قال: الخيمة لؤلؤة أربعة فراسخ في أربعة فراسخ لها أربعة آلاف مصراع من ذهب.
25691ـ حدثنا أبو هشام, قال: حدثنا أبو نعيم, عن إسرائيل, عن مسلم, عن مجاهد, عن ابن عباس فِي الخِيامِ قال: بيوت اللؤلؤ.
25692ـ حدثنا محمد بن إسماعيل الأحمسيّ, قال: حدثنا محمد بن عبيد, قال: حدثنا إدريس الأودي, عن شمر بن عطية, عن أبي الأحوص, قال: قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: أتدرون ما حور مقصورات في الخيام؟ الخيام: درّ مجوّف.
25693ـ قال: ثنا محمد بن عبيد, قال: حدثنا مسعر, عن عبد الملك, عن أبي الأحوص, في قوله: حُورٌ مَقْصُورَاتٌ فِي الخِيامِ قال: درّ مجوّف.
وبه عن أبي الأحوص قال: الخيمة: درّة مجوّفة فرسخ في فرسخ, لها أربعة آلاف مصراع من ذهب.
قال: ثنا أبو داود, قال: حدثنا همام, عن قتادة, عن عكرِمة, عن ابن عباس, قال: الخيمة في الجنة من درّة مجوّفة, فرسخ في فرسخ لها أربعة آلاف مصراع.
25694ـ حدثني أحمد بن المقدام, قال: حدثنا المعتمر, قال: سمعت أبي يحدّث, عن قتادة, عن خليد العصريّ قال: لقد ذكر لي أن الخيمة لؤلؤة مجوّفة لها سبعون مِصْراعا, كلّ ذلك من درّ.
25695ـ حدثنا ابن بشار, قال: حدثنا عبد الرحمن, قال: حدثنا سفيان, عن موسى بن أبي عائشة, عن سعيد بن جُبير أنه قال: الخيام: درّ مجوّف.
25696ـ قال: ثنا يحيى, عن سفيان, عن منصور, عن مجاهد, قال: الخيام: درّ مجوّف.
حدثنا أبو هشام الرفاعي, قال: حدثنا وكيع ويعلى عن منصور, عن مجاهد: في الخيام: قال: الدرّ المجوف.
حدثنا ابن حُمَيد, قال: حدثنا مهران, عن سفيان, عن منصور, عن مجاهد فِي الخِيامِ قال: خيام درّ مجوّف.
25697ـ قال: ثنا مهران, عن سفيان, عن منصور, عن حرب بن بشير, عن عمرو بن ميمون, قال: الخيام: الخيمة: درّة مجوّفة.
25698ـ حدثنا أبو هشام, قال: حدثنا وكيع, عن سَلَمة بن نُبَيط, عن الضحاك, قال: الخيمة: درّ مجوّفة.
25699ـ حدثنا أبو هشام, قال: حدثنا ابن اليمان, عن أبي معشر, عن محمد بن كعب فِي الخِيام: في الحجال.
25700ـ قال: ثنا عبيد الله وابن اليمان, عن أبي جعفر, عن الربيع فِي الخِيامِ قال: في الحجال.
25701ـ حدثنا ابن حُمَيد, قال: حدثنا حكام, عن عمرو بن أبي قيس, عن منصور, عن مجاهد: في الخِيامِ قال: خيام اللؤلؤ.
حدثني محمد بن عمرو, قال: حدثنا أبو عاصم, قال: حدثنا عيسى وحدثني الحارث, قال: حدثنا الحسن, قال: حدثنا ورقاء جميعا, عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد فِي الخِيامِ الخيام اللؤلؤ والفضة, كما يقال والله أعلم.
25702ـ حدثنا بشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة, قوله: حُورٌ مَقْصُورَاتٌ فِي الخِيامِ ذُكر لنا أن ابن عباس كان يقول: الخيمة درّ مجوّفة, فرسخ في فرسخ, لها أربعة آلاف باب من ذهب.
وقال قتادة: كان يقال: مسكن المؤمن في الجنة, يسير الراكب الجواد فيه ثلاث ليال وأنهاره وجنانه وما أعدّ الله له من الكرامة.
حدثنا ابن عبد الأعلى, قال: حدثنا ابن ثور, عن معمر, عن قتادة, قال: قال ابن عباس: الخيمة: درّة مجوّفة, فرسخ في فرسخ, لها أربعة آلاف باب من ذهب.
25703ـ حدثني يونس, قال: أخبرنا ابن وهب, قال: قال ابن زيد, في قوله: مَقْصُورَاتٌ فِي الخِيامِ قال يقال: خيامهم في الجنة من لؤلؤ.
25704ـ حدثني يعقوب, قال: حدثنا ابن علية, عن أبي رجاء, عن الحسن, في قوله: مَقْصُورَاتٌ فِي الخِيامِ قال: الخيام: الدرّ المجوّف.
25705ـ حدثنا محمد بن المثنى, قال: ثني حِرْميّ بن عمارة, قال: حدثنا شعبة, قال: أخبرني عمارة, عن أبي مجلز أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال في قول الله: حُورٌ مَقْصُورَاتٌ فِي الخِيامِ قال: «دُرّ مُجَوّفٌ».
حُدثت عن الحسين, قال: سمعت أبا معاذ يقول: أخبرنا عبيد, قال: سمعت الضحاك يقول كان ابن مسعود يحدّث, عن نبيّ الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: «هِيَ الدّرّ المُجَوّفُ» يعني الخيام في قوله: حُورٌ مَقْصُورَاتٌ فِي الخِيامِ.
حدثنا ابن حُمَيد, قال: حدثنا جرير, عن منصور, عن مجاهد, في قوله: حُورٌ مَقْصُورَاتٌ فِي الخِيامِ قال: في خيام اللؤلؤ.
وقوله: فَبِأيّ آلاءِ رَبّكُما تُكَذّبانِ يقول: فبأيّ نعم ربكما التي أنعم عليكما من الكرامة بإثابة محسنكم هذه الكرامة تكذّبان.
وقوله: لمْ يَطْمِثْهُنّ إنْسٌ قَبْلَهُمْ وَلا جانّ يقول تعالى ذكره: لم يمسهنّ بنكاح فيدميهن إنس قبلهم ولا جانّ.
وقرأت قرّاء الأمصار لَمْ يَطْمِثْهُنّ بكسر الميم في هذا الموضع وفي الذي قبله. وكان الكسائي يكسر إحداهما, ويضمّ الأخرى.
والصواب من القراءة في ذلك: ما عليه قرّاء الأمصار لأنها اللغة الفصيحة, والكلام المشهور من كلام العرب.
وقوله: فَبِأيّ آلاءِ رَبّكُما تُكَذّبانِ يقول تعالى ذكره: فبأيّ نِعَم ربكما التي أنعم عليكم بها مما وصف تكذبان.

الآية : 76 -78
القول فـي تأويـل قوله تعالى: {مُتّكِئِينَ عَلَىَ رَفْرَفٍ خُضْرٍ وَعَبْقَرِيّ حِسَانٍ * فَبِأَيّ آلآءِ رَبّكُمَا تُكَذّبَانِ * تَبَارَكَ اسْمُ رَبّكَ ذِي الْجَلاَلِ وَالإِكْرَامِ }.
يقول تعالى ذكره: ينعم هؤلاء الذين أكرمهم جلّ ثناؤه هذه الكرامة التي وصفها في هذه الاَيات في الجنتين اللتين وصفهما مُتّكِئِينَ على زَفْرَفٍ خُضْرٍ وَعَبْقَرِيّ حِسانِ.
واختلف أهل التأويل في معنى الرفرف, فقال بعضهم: هي رياض الجنة, واحدتها: رفرفة. ذكر من قال ذلك:
25706ـ حدثنا ابن بشار, قال: حدثنا شعبة, عن أبي بشر, عن سعيد بن جُبَير أنه قال فِي هذه الاَية مُتّكِئِينَ على رَفْرَفٍ خُضْرٍ قال: رياض الجنة.
حدثنا عباس بن محمد, قال: حدثنا أبو نوح, قال: أخبرنا شعبة, عن أبي بشر, عن سعيد بن جُبَير, مثله.
حدثني يعقوب بن إبراهيم, قال: حدثنا سعيد بن جُبَير, فِي قوله: مُتّكِئِينَ على رَفْرَفٍ خُضْرٍ قال: الرفرف: رياض الجنة.
وقال آخرون: هي المحابس. ذكر من قال ذلك:
25707ـ حدثني عليّ, قال: حدثنا أبو صالح, قال: ثني معاوية, عن عليّ, عن ابن عباس, قوله: مُتّكِئِينَ على رَفْرَفٍ خُضْر يقول: المحابس.
حدثني محمد بن سعد, قال: ثني أبي, قال: ثني عمي, قال: ثني أبي, عن أبيه, عن ابن عباس, قوله: مُتّكِئِينَ على رَفْرَفٍ خُضْرٍ قال: الرفرف: فضول المحابس والبسط.
25708ـ حدثني يعقوب, قال: حدثنا ابن علية, عن أبي رجاء, عن الحسن, في قوله: مُتّكِئينَ على رَفْرَفٍ خُضْرٍ قال: هي البسط أهل المدينة يقولون: هي البسط.
25709ـ حدثنا ابن حُمَيد, قال: حدثنا مهران, عن سفيان, عن سلمة بن كُهيل الحضرميّ, عن رجل يقال له غزوان رَفْرَفٍ خُضْرٍ قال: فضول المحابس.
25710ـ قال: ثنا مهران, عن سفيان, عن هارون, عن عنترة, عن أبيه, قال: فضول الفُرُش والمحابس.
25711ـ حدثنا ابن بشار, قال: حدثنا عبد الرحمن, قال: حدثنا سفيان, عن مروان, في قوله: رَفْرَفٍ خُضْرٍ قال: فضول المحابس.
25712ـ حدثنا بشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة, قوله: مُتّكِئِينَ على رَفْرَفٍ خُضْرٍ قال: الرفرف الخضر: المحابس.
حدثنا ابن عبد الأعلى, قال: حدثنا ابن ثور, عن معمر, عن قتادة رَفْرَفٍ خُضْرٍ قال: محابس خضر.
25713ـ حُدثت عن الحسين, قال: سمعت أبا معاذ يقول: أخبرنا عبيد, قال: سمعت الضحاك يقول في قوله: رَفْرَفٍ خُضْرٍ قال: هي المحابس.
25714ـ حدثني يونس, قال: أخبرنا ابن وهب, قال: قال ابن زيد, في قوله: مُتّكِئِينَ على رَفرَفٍ خُضْرٍ قال: الرفرف: المحابس.
وقال آخرون: بل هي المرافق.
25715ـ حدثنا بشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة, قال: قال الحسن: الرفرف: مرافق خُضْر, وأما العبقريّ, فإنه الطنافس الثخان, وهي جماع, واحدها: عبقرية. وقد ذُكر أن العرب تسمي كل شيء من البسط عبقريا.
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك:
25716ـ حدثني عليّ, قال: حدثنا أبو صالح, قال: ثني معاوية, عن عليّ, عن ابن عباس, قوله: وعَبْقَرِيّ حِسانٍ قال: الزرابيّ.
حدثني محمد بن سعد, قال: ثني أبي, قال: ثني عمي, قال: ثني أبي, عن أبيه, عن ابن عباس, وعَبْقَرِيّ حِسانٍ قال: العبقريّ: الزرابيّ الحسان.
25717ـ حدثني يعقوب, قال: حدثنا هشيم, عن أبي بشر, عن سعيد بن جُبَير, في قوله: عَبْقَرِيَ حِسانٍ قال: العبقريّ: عتاق الزرابيّ.
25718ـ حدثنا بشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة, قال: العبقريّ. الزرابيّ.
حدثنا ابن بشار, قال: حدثنا محمد بن مروان, قال: حدثنا أبو العوّام, عن قتادة عَبْقَرِيّ حِسانٍ قال: الزرابيّ.
حدثنا ابن عبد الأعلى, قال: حدثنا ابن ثور, عن معمر, عن قتادة وعَبْقَرِيّ حِسانٍ قال: زرابيّ.
25719ـ حدثني يونس, قال: أخبرنا ابن وهب, قال: قال ابن زيد, في قوله: وَعَبْقَرِيّ حِسانٍ قال: العبقريّ: الطنافس.
وقال آخرون: العبقريّ: الديباج. ذكر من قال ذلك:
25720ـ حدثنا ابن حُمَيد, قال: حدثنا مهران, عن سفيان, عن مجاهد وَعَبْقَرِيّ حِسانٍ قال: هو الديباج. والقرّاء في جميع الأمصار على قراءة ذلك على رَفْرَفٍ خُضْر وَعَبْقَرِيّ حِسانٍ بغير ألف في كلا الحرفين. وذُكر عن النبيّ صلى الله عليه وسلم خبر غير محفوظ, ولا صحيح السند «على رَفارِفَ خُضْرٍ وعَباقِرِيّ» بالألف والإجراء. وذُكر عن زُهير الفرقبي أنه كان يقرأ «على رَفارِفَ خُضْرٍ» بالألف وترك الإجراء «وَعَباقِرِيّ حِسانٍ» بالألف أيضا, وبغير إجراء. وأما الرفارف في هذه القراءة, فإنها قد تحتمل وجه الصواب. وأما العباقريّ, فإنه لا وجه له في الصواب عند أهل العربية, لأن ألف الجماع لا يكون بعدها أربعة أحرف, ولا ثلاثة صحاح. وأما القراءة الأولى التي ذُكرت عن النبيّ صلى الله عليه وسلم, فلو كانت صحيحة, لوجب أن تكون الكلمتان غير مجراتين.
وقوله: فَبِأيّ آلاءِ رَبّكُما تُكَذّبان يقول تعالى ذكره: فبأيّ نِعم ربكما التي أنعم عليكم من إكرامه أهل الطاعة منكم هذه الكرامة تكذّبان.
وقوله: تَبارَك اسْمُ رَبّكَ يقول تعالى ذكره: تبارك ذكر ربك يا محمد ذي الجَلالِ يعني ذي العظمة والإكْرَامِ يعني: ومن له الإكرام من جميع خلقه. كما:
25721ـ حدثني عليّ, قال: حدثنا أبو صالح, قال: ثني معاوية, عن عليّ, عن ابن عباس, قوله: ذِي الجَلالِ والإكْرَامِ يقول: ذو العظمة والكبرياء.
آخر تفسير سورة الرحمن عزّ وجلّ

نهاية تفسير الإمام الطبري لسورة الرحمن

سورة الواقعة مكية
وآياتها ست وتسعون
بسم الله الرحمَن الرحيـم

الآية : 1-6
القول فـي تأويـل قوله تعالى:{إِذَا وَقَعَتِ الْوَاقِعَةُ * لَيْسَ لِوَقْعَتِهَا كَاذِبَةٌ * خَافِضَةٌ رّافِعَةٌ * إِذَا رُجّتِ الأرْضُ رَجّاً * وَبُسّتِ الْجِبَالُ بَسّاً * فَكَانَتْ هَبَآءً مّنبَثّاً }.
يعني تعالى ذكره بقوله: إذَا وَقَعَتِ الوَاقَعةُ: إذا نزلت صيحة القيامة, وذلك حين يُنفخ في الصور لقيام الساعة. كما:
25722ـ حُدثت عن الحسين, قال: سمعت أبا معاذ يقول: حدثنا عبيد, قال: سمعت الضحاك يقول في قوله: إذَا وَقَعتِ الوَاقِعَةُ يعني: الصيحة.
25723ـ حدثنا عليّ, قال: حدثنا أبو صالح, قال: ثني معاوية, عن عليّ, عن ابن عباس, في قوله: إذَا وَقَعَتِ الوَاقِعَةِ الواقعة والطامة والصاخة, ونحو هذا من أسماء القيامة, عظّمه الله, وحذّره عباده.
وقوله: لَيْسَ لِوَقْعَتِها كاذِبَةٌ يقول تعالى: ليس لوقعة الواقعة تكذيب ولا مردودية ولا مثنوية, والكاذبة في هذا الموضع مصدر, مثل العاقبة والعافية. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك:
25724ـ حدثنا بشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة لَيْسَ لِوَقْعَتِها كاذِبَةٌ: أي ليس لها مثنوية, ولا رجعة, ولا ارتداد.
حدثنا ابن عبد الأعلى, قال: حدثنا ابن ثور, عن معمر, عن قتادة, في قوله: لَيْسَ لِوَقْعَتِها كاذِبَةٌ قال: مثنوية.
وقوله: خافِضَةٌ رَافِعَةٌ يقول تعالى ذكره: الواقعة حينئذٍ خافضة, أقواما كانوا في الدنيا, أعزّاء إلى نار الله.
وقوله: رَافِعَةٌ يقول: رفعت أقواما كانوا في الدنيا وُضَعاء إلى رحمة الله وجنته. وقيل: خفضت فأسمعت الأدنى, ورفعت فأسمعت الأقصى. ذكر من قال في ذلك ما قلنا:
25725ـ حدثنا ابن حُمَيد, قال: حدثنا يحيى بن واضح, قال: حدثنا عبيد الله, يعني العَتَكيّ, عن عثمان بن عبد الله بن سُراقة خافِضَةٌ رَافِعَةٌ قال: الساعة خفضت أعداء الله إلى النار, ورفعت أولياء الله إلى الجنة.
25726ـ حدثنا بشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة, قوله: خافِضَةٌ رَافِعَةٌ يقول: تخللت كلّ سهل وجبل, حتى أسمعت القريب والبعيد, ثم رفعت أقواما في كرامة الله, وخفضت أقواما في عذاب الله.
حدثنا ابن عبد الأعلى, قال: حدثنا ابن ثور, عن معمر, عن قتادة خافِضَةٌ رَافِعَةٌ قال: أسمعت القريب والبعيد, خافضة أقواما إلى عذاب الله, ورافعة أقواما إلى كرامة الله.
25727ـ حدثنا ابن حُمَيد, قال: حدثنا يحيى بن واضح, قال: حدثنا الحسين, عن يزيد, عن عكرِمة, قوله: خافِضَةٌ رَافِعَةٌ قال: خفضت وأسمعت الأدنى, ورفعت فأسمعت الأقصى قال: فكان القريب والبعيد من الله سواء.
25728ـ حدثني محمد بن سعد, قال: ثني أبي, قال: ثني عمي, قال: ثني أبي, عن أبيه, عن ابن عباس: خافِضَةٌ رَافِعَةٌ قال: سمّعت القريب والبعيد.
25729ـ حُدثت عن الحسين, قال: سمعت أبا معاذ يقول: حدثنا عبيد, قال: سمعت الضحاك يقول في قوله: خافِضَةٌ رَافِعَةٌ خفضت فأسمعت الأدنى ورفعت فأسمعت الأقصى, فكان فيها القريب والبعيد سواء.
وقوله: إذَا رُجّتِ الأرْضُ رَجّا يقول تعالى ذكره: إذا زلزلت الأرض فحرّكت تحريكا من قولهم السهم يرتجّ في الغرض, بمعنى: يهتزّ ويضطرب. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك:
25730ـ حدثني عليّ, قال: حدثنا أبو صالح, قال: ثني معاوية, عن عليّ, عن ابن عباس, قوله: إذَا رُجّتِ الأرْضُ رَجّا يقول: زلزلها.
25731ـ حدثني محمد بن عمرو, قال: حدثنا أبو عاصم, قال: حدثنا عيسى وحدثني الحارث, قال: حدثنا الحسن, قال: حدثنا ورقاء جميعا, عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد, قول الله: إذَا رُجّتِ الأرْضُ رَجّا قال: زلزلت.
25732ـ حدثنا بشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة, قوله: إذَا رُجّتِ الأرْضُ رَجّا يقول: زلزلت زلزلة.
حدثنا ابن عبد الأعلى, قال: حدثنا ابن ثور, عن معمر, عن قتادة إذا رُجّتِ الأرْضُ رَجّا قال: زلزلت زلزالاً.
وقوله: وَبُسّتِ الجِبالُ بَسّا يقول تعالى ذكره: فتتت الجبال فتا, فصارت كالدقيق المبسوس, وهو المبلول, كما قال جلّ ثناؤه: وكانَتِ الجِبالُ كَثِيبا مَهِيلاً والبسيسة عند العرب: الدقيق والسويق تُلَتّ وتُتَخَذُوا زادا.
وذُكر عن لصّ من غَطَفان أنه أراد أن يخبز, فخاف أن يعجل عن الخبز قبل الدقيق وأكله عجينا, وقال:
لا تَخْبِزَا خَبْزا وبُسّا بَسّامَلْسا بِذَوْدِ الحَلَسِيّ مَلْسا
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك:
25733ـ حدثني عليّ, قال: حدثنا أبو صالح, قال: ثني معاوية, عن علي, عن ابن عباس, قوله: وَبُسّت الجِبالُ بَسّا يقول: فتتت فتا.
25734ـ حدثني الحارث, قال: حدثنا الحسن, قال: حدثنا ورقاء, عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد, قوله: وَبُسّتِ الجِبالُ بَسّا قال: فتتت.
25735ـ حدثنا ابن بشار, قال: حدثنا عبد الرحمن, قال: حدثنا سفيان, عن منصور, عن مجاهد, في قوله: وَبُسّتِ الجِبالُ بَسّا قال: كما يبس السويق.
25736ـ حدثني أحمد بن عمرو البصريّ, قال: حدثنا حفص بن عمر العدني, عن الحكم بن أبان, عن عكرمة وَبُسّتِ الجِبالُ بَسّا قال: فُتّتْ فتا.
25737ـ حدثني إسماعيل بن موسى بن بنت السديّ, قال: أخبرنا بشر بن الحكم الأحمسيّ, عن سعيد بن الصلت, عن إسماعيل السديّ وأبي صالح وَبُسّتِ الجِبالُ بَسّا قال: فُتتت فتا.
حدثنا ابن حُمَيد, قال: حدثنا مهران, عن سفيان, عن منصور, عن مجاهد وَبُسّتِ الجِبالِ بَسّا قال: كما يبس السويق.
25738ـ حدثني يونس, قال: أخبرنا ابن وهب, قال: قال ابن زيد, في قول الله: وَبُسّتِ الجِبالُ بَسّا قال: صارت كثيبا مهيلاً كما قال الله.
حدثنا ابن حُمَيد, قال: حدثنا جرير, عن منصور, عن مجاهد, في قوله: وَبُسّتِ الجِبالُ بَسّا قال: فُتتت فتا.
وقوله: فَكانَتْ هَباءً مُنْبَثّا اختلف أهل التأويل في معنى الهباء, فقال بعضهم: هو شعاع الشمس الذي يدخل من الكوّة كهيئة الغبار. ذكر من قال ذلك:
25739ـ حدثني علي, قال: حدثنا أبو صالح, قال: ثني معاوية, عن عليّ, عن ابن عباس, في قوله: فَكانَتْ هَباءً مُنْبَثّا يقول: شعاع الشمس.
25740ـ حدثنا ابن حُمَيد, قال: حدثنا حكام, عن عمرو, عن عطاء, عن سعيد هَباءً مُنْبَثّا قال: شعاع الشمس حين يدخل من الكوّة.
25741ـ قال: ثنا جرير, عن منصور, عن مجاهد, في قوله: فَكانَتْ هَباءً مُنْبَثّا قال: شعاع الشمس يدخل من الكوّة, وليس بشيء.
وقال آخرون: هو رهج الدوابّ. ذكر من قال ذلك:
25742ـ حدثنا ابن حُمَيد, قال: حدثنا مهران, عن سفيان, عن أبي إسحاق, عن الحارث, عن عليّ رضي الله عنه, قال: رهج الدوابّ.
وقال آخرون: هو ما تطاير من شرر النار الذي لا عين له. ذكر من قال ذلك:
25743ـ حدثني محمد بن سعد, قال: ثني أبي, قال: ثني عمي, قال: ثني أبي, عن أبيه, عن ابن عباس, قوله: فَكانَتْ هَباء مُنْبَثّا قال: الهباء: الذي يطير من النار إذا اضطرمت, يطير منه الشرر, فإذا وقع لم يكن شيئا.
وقال آخرون: هو يبيس الشجر الذي تذروه الرياح. ذكر من قال ذلك:
25744ـ حدثنا بشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة, في قوله: فَكانَتْ هَباءً مُنْبَثّا كَيبيس الشجر, تذروه الرياح يمينا وشمالاً.
حدثنا ابن عبد الأعلى, قال: حدثنا ابن ثور, عن معمر, عن قتادة, في قوله: هَباءً مُنْبَثّا يقول: الهباء: ما تذروه الريح من حطام الشجر.
وقد بيّنا معنى الهباء في غير هذا الموضع بشواهده, فأغنى عن إعادته في هذا الموضع.
وأما قوله: مُنْبَثّا فإنه يعني متفرّقا.

الآية : 7 -12
القول فـي تأويـل قوله تعالى:{وَكُنتُمْ أَزْوَاجاً ثَلاَثَةً * فَأَصْحَابُ الْمَيْمَنَةِ مَآ أَصْحَابُ الْمَيْمَنَةِ * وَأَصْحَابُ الْمَشْأَمَةِ مَآ أَصْحَابُ الْمَشْأَمَةِ * وَالسّابِقُونَ السّابِقُونَ * أُوْلَـَئِكَ الْمُقَرّبُونَ * فِي جَنّاتِ النّعِيمِ }.
يقول تعالى ذكره: وكنتم أيها الناس أنواعا ثلاثة وضروبا. كما:
25745ـ حدثنا ابن عبد الأعلى, قال: حدثنا ابن ثور, عن معمر, عن قتادة وكُنْتُمْ أزْوَاجا ثَلاثَةً قال: منازل الناس يوم القيامة.
وقوله: فأصحَابُ المَيْمَنَةِ ما أصحَابُ المَيْمَنَةِ وهذا بيان من الله عن الأزواج الثلاثة, يقول, جل ثناؤه: وكنتم أزواجا ثلاثة: أصحاب الميمنة, وأصحاب المشأمة, والسابقون, فجعل الخبر عنهم, مغنيا عن البيان عنهم, على الوجه الذي ذكرنا, لدلالة الكلام على معناه, فقال: فَأصحَابُ المَيْمَنَةِ ما أصحَابُ المَيْمَنَةِ يعجّب نبيه محمدا منهم, وقال: ما أصحَابُ اليَمِينِ الذين يؤخذ بهم ذات اليمين إلى الجنة, أيّ شيء أصحاب اليمين وأصحَابُ المَشأَمَةِ ما أصحَابُ المَشأَمَةِ يقول تعالى ذكره: وأصحاب الشمال الذين يؤخذ بهم ذات الشمال إلى النار, والعرب تسمي اليد اليسرى: الشّؤْمي ومنه قول أعشى بني ثعلبة:
فأنْحَى على شُؤمَي يَدَيهِ فَذادَهابأظْمأَ مِنْ فَرْغ الذّؤَابَةِ أسْحَما
وقوله: والسّابِقُونَ السّابِقُونَ وهم الزوج الثالث وهم الذين سبقوا إلى الإيمان بالله ورسوله, وهم المهاجرون الأوّلون. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك:
25746ـ حدثنا ابن حُمَيد, قال: حدثنا يحيى بن واضح, قال: حدثنا عبيد الله, يعني العتكي, عن عثمان بن عبد الله بن سُراقة, قوله: وكُنْتُمْ أزْوَاجا ثَلاثَةً قال: اثنان في الجنة وواحد في النار, يقول: الحور العين للسابقين, والعُرُب الأتراب لأصحاب اليمين.
25747ـ حدثنا ابن عبد الأعلى, قال: حدثنا ابن ثور, عن معمر, عن قتادة وكُنْتُمْ أزْوَاجا ثَلاثَةً قال: منازل الناس يوم القيامة.
25748ـ حدثنا ابن بشار, قال: حدثنا هوذة, قال: حدثنا عوف, عن الحسن, في قوله: وكُنْتُمْ أزْوَاجا ثَلاثَةً فأصحَابُ المَيْمَنَةِ ما أصحَابُ المَيْمَنَةِ وأصحَابُ المَشأَمَةِ ما أصحَابُ المَشأَمَةِ والسّابِقُونَ السّابِقُونَ أُولَئِكَ المُقَرّبُونَ... إلى ثُلّةٌ مِنَ الأوّلِينَ وَثلّةٌ مِنَ الاَخِرِينَ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «سَوّى بَيَنَ أصحَابِ اليَمِينِ مِنَ الأُمَمِ السّابِقَةِ, وَبَيَنَ أصحَابِ اليَمِينِ مِنْ هَذِهِ الأُمّة, وكانَ السّابِقُونَ مِنَ الأُمَمِ أكْثَرُ مِنْ سَابِقِي هَذِهِ الأُمّةِ».
25749ـ حدثنا بشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة, قوله: فَأصْحَابُ المَيْمَنَةِ ما أصحَابُ المَيْمَنَةِ: أي ماذا لهم, وماذا أعدّ لهم وأصحَابُ المَشأَمَةِ ما أصحَابُ المَشأَمَةِ: أي ماذا لهم وماذا أعدّ لهم والسّابِقُونَ السّابِقُونَ: أي من كلّ أمة.
25750ـ حدثنا يونس, قال: أخبرنا ابن وهب, قال: سمعت ابن زيد يقول: وجدت الهوى ثلاثة أثلاث, فالمرء يجعل هواه علمه, فيديل هواه على علمه, ويقهر هواه علمه, حتى إن العلم مع الهوى قبيح ذليل, والعلم ذليل, الهوى غالب قاهر, فالذي قد جعل الهوى والعلم في قلبه, فهذا من أزواج النار, وإذا كان ممن يريد الله به خيرا استفاق واستنبه, فإذا هو عون للعلم على الهوى حتى يديل الله العلم على الهوى, فإذا حسُنت حال المؤمن, واستقامت طريقته كان الهوى ذليلاً, وكان العلم غالبا قاهرا, فإذا كان ممن يريد الله به خيرا, ختم عمله بإدالة العلم, فتوفاه حين توفاه, وعلمه هو القاهر, وهو العامل به, وهواه الذليل القبيح, ليس له في ذلك نصيب ولا فعل. والثالث: الذي قبح الله هواه بعلمه, فلا يطمع هواه أن يغلب العلم, ولا أن يكون معه نصف ولا نصيب, فهذا الثالث, وهو خيرهم كلهم, وهو الذي قال الله عزّ وجلّ في سورة الواقعة: وكُنْتُمْ أزْوَاجا ثَلاثَةً قال: فزوجان في الجنة, وزوج في النار, قال: والسابق الذي يكون العلم غالبا للهوى, والاَخر: الذي ختم الله بإدالة العلم على الهوى, فهذان زوجان في الجنة, والاَخر: هواه قاهر لعلمه, فهذا زوج النار.
واختلف أهل العربية في الرافع أصحاب الميمنة وأصحاب المشأمة, فقال بعض نحويي البصرة: خبر قوله: فأصحَابُ المَيْمَنَةِ ما أصحَابُ المَيْمَنَة وأصحَابُ المَشأَمَةِ ما أصحَابُ المَشأَمَةِ قال: ويقول زيد: ما زيد, يريد: زيد شديد. وقال غيره: قوله: ما أصحَابُ المَيْمَنَةِ لا تكون الجملة خبره, ولكن الثاني عائد على الأوّل, وهو تعجب, فكأنه قال: أصحاب الميمنة ما هم, والقارعة ما هي, والحاقة ما هي؟ فكان الثاني عائد على الأوّل, وكان تعجبا, والتعجب بمعنى الخبر, ولو كان استفهاما لم يجز أن يكون خبرا للابتداء, لأن الاستفهام لا يكون خبرا, والخبر لا يكون استفهاما, والتعجب يكون خبرا, فكان خبرا للابتداء. وقوله: زيد وما زيد, لا يكون إلا من كلامين, لأنه لا تدخل الواو في خبر الابتداء, كأنه قال: هذا زيد وما هو: أي ما أشدّه وما أعلمه.
واختلف أهل التأويل في المعنيين بقوله: والسّابِقُونَ السّابِقُونَ فقال بعضهم: هم الذين صلوا للقبلتين.
25751ـ حدثنا ابن حُمَيد, قال: حدثنا مهران, عن سفيان, عن خارجة, عن قرة, عن ابن سيرين والسّابقون السّابِقُونَ الذين صلوا للقبلتين. وقال آخرون في ذلك بما:
25752ـ حدثني به عبد الكريم بن أبي عمير, قال: حدثنا الوليد بن مسلم, قال: حدثنا أبو عمرو, قال: حدثنا عثمان بن أبي سودة, قال: السّابِقُونَ السّابِقُونَ أوّلهم رواحا إلى المساجد, وأسرعهم خفوقا في سبيل الله.
والرفع في السابقين من وجهين: أحدهما: أن يكون الأوّل مرفوعا بالثاني, ويكون معنى الكلام حينئذٍ والسابقون الأوّلون, كما يقال: السابق الأوّل, والثاني أن يكون مرفوعا بأولئك المقرّبون يقول جلّ ثناؤه: أولئك الذين يقرّبهم الله منه يوم القيامة إذا أدخلهم الجنة.
وقوله: فِي جَنّاتِ النّعِيمِ يقول: في بساتين النعيم الدائم